الاثنين، 6 يونيو 2022

تحفة الأريب في الرد على أهل الكتاب -عبد الله الترجمان

تحفة الأريب في الرد على أهل الكتاب -عبد الله الترجمان 

مقدمة 

قال المؤلف رحمه الله تعالى

الحمد لله الذي خصنا بخير الأديان، وجعلنا من أمة الفرقان، وأكرمنا بتلاوة القرآن، وصوم شهر رمضان والطواف حول البيت الحرام، والركوع عند الركن والمقام، وشرفنا بليلة القدر والوقوف بعرفات، وجعلنا من أهل الطهارة والصلاة والزكاة وفضائل الجماعات والأعياد والخطب على المنابر ورفعة الدين واتباع سنن النبيين، وعرفنا أخبار الأولين والآخرين على لسان خاتم النبيين سيدنا محمد أفضل المخلوقين وإمام أئمة المتقين صلى الله عليه وعلى آله أجمعين أبد الآبدين.

 

أما بعد، فإنه لما منَّ الله عليا بالهداية إلى الصراط المستقيم والدخول في دين الله القويم الناسخ لكل دين الذي بعث به حبيبه وصفيه محمد المجتبى وصفيه المرتضى ﷺ ونظرت في دلائله القاطعة وبراهينه الساطعة فإذا هي لا تخفى على من له أدنى تمييز إلا من لا يبصر بيض النعام في الشونيز، وجدت تصانيف علمائنا الإسلاميين رضي الله عنهم محتوية على ما لا مزيد عليه إلا أنهم رحمهم الله قد سلكوا في معظم احتجاجهم على أهل الكتاب من النصارى واليهود مسلك مقتضيات المعقول، بل الحافظ محمد بن حزم رحمه الله قد رد عليهم بالمعقول والمنقول خصوصا ما في كتبهم، وأعرضوا عن الاحتجاج عليهم بمقتضى المنقول إلا في النادر من المسائل، فكنت شديد الحرص على أن أضع في الرد عليهم موضوعا بطريق النقل وحقيقة الإنصاف بالعقل يجمع بين النقل والقياس وتتفق عليه العقول والحواس أبينُ فيه باطل نواميسهم وإصمات نواقيسهم وما أسسوه من القول بالتثليث والأخذ بذلك المذهب الخبيث، وأذكر مع ذلك أناجيلهم ومن ألفها وشرائعهم ومن صنفها وفساد عقولهم وإبطال كفرهم في منقولهم وافترائهم على عيسى المسيح وكذبهم على الله في أمره بالتصريح، وأذكر مقال القسيسين واعتقادهم واحتيالهم وفسادهم وتركهم الإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام وجحدهم لما فيه من صفات نبينا محمد ﷺ. ثم نذكر بعد ذلك حقيقة قربانهم وسجودهم لصلبانهم أبعدهم الله وأخزاهم، حتى ألهمني الله إلى الرأي السديد في تأليف هذا المختصر السعيد وقد ابتدأت فيه بذكر بلدي ومنشئي ثم رحلتي عن ذلك المقام ودخولي في دين الإسلام والإيمان بسيدنا محمد ﷺ ثم أتبعت ذلك بما غمرني من إحسان مولانا أمير المؤمنين أبي العباس أحمد بن فارس سلالة الأمراء الراشدين وبعض ما اتفق لي في أيامه ثم أيام ولده أمير المؤمنين أبي فارس عبد العزيز ونذكر طرفا من سيرته الحميدة وآثاره الجميلة. ثم أتبعت ذلك بما تقدم ذكره من الرد على أهل دين النصرانية وثبوة فضل الأمة المحمدية. ولما حصل هذا المختصر الغريب على هذا الترتيب سميته تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب وجعلته ثلاثة فصول لتسهل مطالعته على الناظر ولا يمله الخاطر. الفصل الأول في ابتداء إسلامي وخروجي من الملة النصرانية إلى الملة الحنيفية وفيما غمرني من إحسان مولانا أمير المؤمنين أبي العباس أحمد وبعض ما اتفق لي في أيامه.

الفصل الثاني فيما اتفق لي في أيام أمير المؤمنين أبي فارس عبد العزيز ونذكر طرفا من سيرته الحميدة ومآثره الجليلة وقت تصنيفي لهذا الكتاب وهو عام ثلاثة وعشرين وثمان مائة من الهجرة.

 

الفصل الثالث في مقصود الكتاب من الرد على النصارى في دينهم وثبوت نبوة سيدنا محمد ﷺ بنص التوراة والإنجيل وسائر كتب الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين. وبتمامه إن شاء الله يتم الغرض من تصنيف هذا الكتاب بحول الله وقوته. ==

 

الفصل الأول

 

اعلموا رحمكم الله أن أصلي من مدينة ميورقة أعادها الله للإسلام، وهي مدينة كبيرة على البحر بين جبلين يشقهما واد صغير وهي مدينة متجر ولها مرستان ترسي بهما السفن الكبار للمتاجر الجليلة، والمدينة في جزيرة تسمى باسم المدينة ميورقة وأكثر ثمارها زيتون وتين ويحمل منها عام خصابة زيتونها أكثر من عشرين ألف بتية زيت لبلاد مصر والإسكندرية وبجزيرة ميورقة المذكور أزيد من مائة وعشرين حصنا مسورة عامرة وبها عيون كثيرة تشق جميع جهاتها وتصب في البحر وكان والدي محسوبا من أهل حاضرة ميورقة ولم يكن له ولد غيري ولما بلغت ست سنين من عمري أسلمني إلى معلم من القسيسين قرأت عليه الإنجيل حتى حفظت أكثر من شطره في مدة سنتين ثم أخذت في تعلم لغة الإنجيل وعلم المنطق في ست سنين ثم ارتحلت من بلد ميورقة إلى مدينة لاردة من أرض القطلان وهي مدينة العلم عند النصارى في ذلك القطر ولها واد كبير يشقها ورأيت التبر مختلطا برملها إلا أنه صح عند جميع أهل ذلك القطر أن النفقة في تحصيله لا تفي بقدر فائدته فلذلك ترك وبهذه المدينة فاكهة كثيرة ورأيت الفلاحين بها يقسمون الخوخة على أربعة أفلاق ويمقرونها في الشمس وكذلك يمقرون القرع والجزز فإذا أرادوا أكله في الشتاء نقعوه في الماء وطبخوه كأنه طري في أوانه. وبهذه المدينة تجتمع طلبة العلم من النصارى وينتهون إلى ألف رجل أو ألف وخمسمائة رجل ولا يحكم بينهم إلا القسيس الذي يقرون عليه، وأكثر غلات أوطانها الزعفران. فقرأت فيها علم الطبيعات والنجامة مدة ست سنين ثم تصدرت فيها أقرأ الإنجيل وألقنه ملازما لذلك مدة أربع سنين. ثم ارتحلت إلى مدينة بلونية من أرض الأبزدية وهي مدينة كبيرة جدا بنيانها بالآجر الجيد لعدم معادن الحجر عندهم ولكن لكل معلم من أهل صناعة الآجر طابع يخصه وعليهم أمين مقدم يحتسب عليهم في طيب طين الآجر وطبخه فإذا انفلج أو تفرك منه شيء غرم الذي صنعه قيمته وعوقب بالضرب. وهذه مدينة علم عند جميع أهل ذلك القطر، ويجتمع بها كل عام من الآفاق أكثر من ألفي رجل يطلبون العلم ولا يلبسون إلا الملف الذي هو صباغ الله، ولو يكون طالب العلم منهم سلطانا أو ابن سلطان فلا يلبس إلا ذلك ليمتاز به الطلبة من غيرهم. ولا يحكم فيهم إلا القسيس الذي يقرون عليه. فسكنت بها، وبها كنيسة لقسيس كبير السن عندهم بها كبير القدر اسمه نقلاومرتيل وكانت منزلته فيهم بالعلم والدين والزهد رفيعة جدا انفرد بهما في زمنه عن جميع أهل دين النصرانية فكانت الأسئلة في دينهم ترد عليه من الآفاق من جهة الملوك وغيرهم وصحبة الأسئلة من الهدايا الضخمة ما هو الغاية في بابه ويرغبون بالتبرك به وفي قبوله لهداياهم ويتشرفون بذلك فقرأت على هذا القسيس علم أصول دين النصرانية وأحكامه ولم أزل أتقرب إليه بخدمته والقيام بكثير من وظائفه حتى صيرني من أفضل خواصه وانتهيت في خدمتي له وتقربي إلى أن دفع لي مفاتيح سكنه وخزائن مأكله ومشربه وبقي جميع ذلك كله على يدي ولم يستثن من ذلك سوى مفتاح بيت صغير بداخل مسكنه كان يخلو فيه بنفسه، الظاهر أنه بيت خزائن أمواله التي كانت تهدى إليه والله أعلم. فلازمته على ما ذكرت من القراءة عليه والخدمة له عشرا ثم أصابه مرض يوما من الدهر فتخلف عن حضور مجلس قراءته وانتظره أهل المجلس وهم يتذاكرون في مسائل من العلم إلى أن أفضى بهم الكلام إلى قوله عز وجل على لسان نبيه عيسى عليه السلام «إنه يأتي من بعدي نبي اسمه البارقليط» فبحثوا في تعيين هذا النبي من هو من الأنبياء وقال كل واحد منهم بحسب علمه وفهمه فعظم بينهم في ذلك مقالهم وكثر جدالهم ثم انصرفوا من غير تحصيل فائدة في تلك المسألة. فأتيت مسكن الشيخ صاحب الدرس المذكور فقال لي: ما الذي كان عندكم اليوم من البحث في غيبتي عنكم؟ فأخبرته باختلاف القوم في اسم البارقليط وأن فلانا قد أجاب بكذا وفلانا بكذا وسردت له أجوبتهم. فقال لي: وبماذا أجبت؟ فقلت: بجواب القاضي فلان في تفسير الإنجيل. فقال لي: ما قصرت وقربت وفلان أخطأ وكاد فلان أن يقارب ولكن الحق خلاف هذا كله لأن تفسير هذا الاسم الشريف لا يعلمه إلا العلماء الراسخون في العلم وأنتم لم يحصل لكم من العلم إلا القليل. فبادرت إلى قدميه أقبلهما وقلت له: يا سيدي قد علمت أني ارتحلت إليك من بلد بعيد ولي في خدمتك عشر سنين حصلت عنك فيها جملة من العلوم لا أحصيها فلعل من جميل إحسانكم أن تمنوا علي بمعرفة هذا الاسم الشريف. فبكى الشيخ وقال: يا ولدي والله إنك لتعز علي كثيرا من أجل خدمتك لي وانقطاعك إلي، وإن في معرفة هذا الاسم الشريف فائدة عظيمة، لكن أخاف عليك أن تظهر ذلك فيقتلك عامة النصارى في الحين. فقلت له: يا سيدي والله العظيم وحق الإنجيل ومن جاء به لا أتكلم بشيء مما تسر إلي إلا عن أمرك. فقال لي: يا ولدي إني سألتك في أول قدومك إلي عن بلدك وهل هو قريب من المسلمين وهل يقرونكم أو تقرونهم لأختبر ما عندك من المنافرة للإسلام، فاعلم يا ولدي أن البارقليط هو اسم من أسماء نبيهم محمد وعليه نزل الكتاب الرابع المذكور على لسان دانيال عليه السلام وأخبر أنه سينزل هذا الكتاب عليه وأن دينه دين الحق وملته هي الملة البيضاء المذكورة في الإنجيل. قلت: يا سيدي وما تقول في دين هؤلاء النصارى؟ فقال لي: يا ولدي لو أن النصارى أقاموا على دين عيسى الأول لكانوا على دين الله لأن عيسى وجميع الأنبياء دينهم دين الله. فقلت: يا سيدي وكيف الخلاص من هذا الأمر؟ فقال: يا ولدي بالدخول في دين الإسلام. فقلت له: وهل ينجو الداخل فيه؟ فقال لي: نعم ينجو في الدنيا والآخرة. فقلت له: يا سيدي إن العاقل لا يختار لنفسه إلا أفضل ما يعلم فإذا علمت فضل دين الإسلام فما يمنعك منه؟ فقال لي: يا ولدي إن الله لم يطلعني على حقيقة ما أخبرتك من فضل دين الإسلام وشرف دين الإسلام إلا بعد كبر سني ووهن عظمي ولا عذر لنا فيه بل حجة الله علينا قائمة ولو هداني الله لذلك وأنا في سنك لتركت كل شيء ودخلت في الحق وحب الدنيا رأس كل خطيئة، وأنت ترى ما أنا فيه عند النصارى من رفعة الجاه والقدر والعز والشرف وكثرة عرض الدنيا، ولو أني ظهر علي شيء من الميل إلى دين الإسلام لقتلني العامة في أسرع وقت. وهب أني نجوت منهم وخلصت إلى المسلمين وأقول لهم إني جئتكم مسلما فيقولون لي قد نفعت نفسك بالدخول في دين الحق فلا تمنّ علينا في دين خلصت به نفسك من عذاب الله فأبقى بينهم شيخا كبيرا فقيرا ابن تسعين سنة لا أفقه لسانهم ولا يعرفون حقي فأموت بينهم بالجوع. وأنا والحمد لله على دين عيسى وما جاء به يعلم الله ذلك مني. فقلت له: يا سيدي أفتأذن لي أن أمشي إلى بلاد المسلمين وأدخل في دينهم؟ فقال لي: إن كنت عاقلا طالبا للنجاة فبادر إلى ذلك تحصل لك الدنيا والآخرة، ولكن يا ولدي هذا أمر لم يحضره أحد معنا الآن فاكتمه لغاية جهدك وإن ظهر عليك منه شيء لقتلك العامة لحينك ولا أقدر على نفعك ولا ينفعك أن تنقل ذلك عني فإني أجحده وقولي مصدق عليك وقولك غير مصدق علي وأنا بريء من دمك إن فهت بشيء من هذا. فقلت: يا سيدي أعوذ بالله من سريان الوهم لهذا.

 

وعاهدته بما أرضاه ثم أخذت في أسباب الرحلة وودعته فدعا لي بخير وزودني بخمسين دينارا ذهبا وركبت البحر منصرفا إلى بلاد مدينة ميورقة فأقمت بها ستة أشهر ثم سافرت منها إلى مدينة صقلية فأقمت بها خمسة أشهر وأنا أنتظر مركبا يتوجه إلى أرض المسلمين. فحضر مركب يسافر إلى مدينة تونس فسافرت فيه من صقلية فأقلعنا عن قرب مغيب الشفق فوردنا مرسى تونس قرب الزوال. فلما نزلت بديوان تونس وسمع بي الذين بها من أحبار النصارى أتوا بمركوب وحملوني معهم إلى بلادهم وصحبتهم بعض التجار الحاضرين أيضا بتونس. فأقمت عندهم في ضيافتهم على أرغد عيش أربعة أشهر وبعد ذلك سألتهم هل بدار السلطنة أحد يحفظ لسان النصارى، وكان السلطان إذ ذاك مولانا أبا العباس أحمد رحمه الله، فذكروا لي النصارى أن بدار السلطنة المذكورة رجلا فاضلا من أكبر خدامه اسمه يوسف الطبيب وكان طبيبه ومن خواصه. ففرحت بذلك فرحا شديدا وسألت عن مسكن هذا الرجل الطبيب فدللت عليه واجتمعت به وذكرت له شرح حالي وسبب قدومي لدخولي في الإسلام فسرّ بذلك الرجل سرورا عظيما بأن يكون تمام هذا الخير على يديه. ثم ركب فرسه واحتملني معه لدار السلطان فدخل عليه وأخبره بحديثي واستأذنه علي فأذن لي، فمثلت بين يديه فأول ما سألني عن عمري فقلت له خمسة وثلاثون عاما. ثم سألني كذلك عما قرأت من العلوم فأخبرته فقال: قدمت قدوم خير فأسلم على بركة الله تعالى. فقلت للترجمان وهو الطبيب المذكور: قل لمولانا السلطان إنه لا يخرج أحد من دينه إلا ويكثر أهله القول فيه والطعن عليه، فأرغب من إحسانكم أن تبعثوا إلى الذين بحضرتكم من تجار النصارى وأخيارهم وتسألوهم عني وتسمع ما يقولون في جنابي وحينئذ أسلم إن شاء الله. فقال لي بواسطة الترجمان: أنت طلبت كما طلب عبد الله ابن سلام من النبي ﷺ ثم أسلم. فأرسل إلى خيار النصارى وبعض تجارهم وأدخلني في بيت قريب من مجلسه، فلما دخل النصارى عليه قال لهم: ما تقولون في هذا القسيس الجديد الذي قدم في هذا المركب؟ قالوا: يا مولانا هذا عالم كبير في ديننا وقال مشائخهم ما رأينا أعلى منه درجة في العلم والدين في ديننا. فقال لهم: وما تقولون فيه إذا أسلم؟ فقالوا: نعوذ بالله من ذلك، هو ما يفعل هذا أبدا. فلما سمع ما عند النصارى بعث إلي فحضرت بين يديه وتشهدت بشهادتي الحق بمحضر النصارى فكبوا على وجوههم وقالوا ما حمله على هذا إلا حب التزويج فإن القسيس عندنا لا يتزوج، فخرجوا مكروبين محزونين.

 

فرتب لي السلطان رحمه الله ربع دينار في كل يوم في دار المختص وزوجني بنت الحاج محمد الصفار فلما عزمت على البناء بها أعطاني مائة دينار ذهبا وكسوة جيدة كاملة فابتنيت بها وولد لي منها ولد سميته محمدا على وجه التبرك باسم نبينا محمد ﷺ تسليما. ==

 

الفصل الثاني: فيما اتفق في أيام مولانا أبي العباس وولده مولانا أبي فارس عبد العزيز

 

وبعد خمسة أشهر من إسلامي قدمني السلطان لقيادة البحر بالديوان وكان قصده بذلك أن أحفظ اللسان العربي فيه لكثرة ما يتكرر علي من ترجمة التراجمة بين النصارى والمسلمين. فحفظت جميع اللسان في مقدار عام وحضرت لعمارة الجنوبيين والفرنسيسين على مدينة المهدية، وكنت أترجم للسلطان بما يرد من كتبهم ثم كبتهم الله تعالى وتفرقوا خائبين. وارتحلت مع السلطان إلى حصار قابس وكنت على خزائنه على حصار قفصة وفيه ابتداء مرضه الذي مات فيه ثالث شعبان ستة وتسعين وسبعمائة. ثم تولى الخلافة بعده ولده مولانا أمير المؤمنين وناصر الدين أبو فارس عبد العزيز، فجدد لي جميع أوامر والده بمرتباتي ومنافعي كلها ثم زادني ولاية دار المختص. واتفق لي في أيامه بالديوان وأنا قائد البحر والترجمة أن مركبا قدم موسقا بسلع للمسلمين فلما أرسى دخل عليه مركبان من صقلية فأخذاه لحينه بعد أن هرب المسلمون منه برقابهم واستولى النصارى على أموالهم. فأمر مولانا أبو فارس صاحب ولاية الديوان وشهوده أن يخرجوا إلى خلف الوادي ويتحدثوا مع النصارى في فداء أموال المسلمين فوصلوا وطلبوا الأمان للترجمان الذي كان معهم فأمنوه فصعد إليهم لمراكبهم وتحدث معهم في الفداء فتغالوا في ذلك ولم يحصل منه شيء.

 

وكان قد ورد في هذا المركب قسيس كبير القدر من صقلية وكانت بيني وبينه صداقة كأننا إخوة فكنا نطلب العلم جميعا وسمع بإسلامي فصعب عليه فقدم في المركب ليستدعيني إلى الرجوع لدين النصارى ويأخذني بالصداقة التي كانت بيني وبينه. فلما اجتمع بالترجمان الذي صعد إليهم للمركب قال له: ما اسمك؟ قال له: علي. قال: يا علي خذ هذا الكتاب وبلغه للقائد عبد الله قائد البحر عندكم بالديوان، وهذا دينار وإذا أرددت لي جوابه أعطيتك دينارا آخر. فقبض منه الدينار والكتاب وجاء لخلف الوادي. فأخبر صاحب الديوان بكل ما قالوا له ثم أخبره بمقال القسيس وبالكتاب الذي أعطاه وبالدينار الذي استأجره به. فأخذ صاحب الديوان الكتاب وترجمه له بعض تجار الجنوبيين. فبعث الأصل والنسخة لمولانا أبي فارس فقرأه ثم بعث إلي فوصلت بين يديه فقال لي: يا عبد الله هذا الكتاب وصل من البحر فاقرأه وأخبرنا بما فيه. فقرأته وضحكت. فقال: ما الذي أضحكك؟ فقت: نصركم الله هذا الكتاب مبعوث إلي من عند قسيس كان من أصدقائي وأنا أترجمه لكم الآن. فجلست ناحية وترجمته بالعربية ثم ناولته الترجمة فقرأها ثم قال لأخيه المولى إسماعيل: والله ما ترك منه حرفا. فقلت: يا مولانا بأي شيء عرفت ذلك. فقال: نسخة أخرى ترجمها لنا الجنوبيون. ثم قال له: يا عبد الله وماذا عندك أيضا في جواب هذا القسيس. فقلت له: الذي عندي ما علمتموه فيّ من كوني أسلمت باختياري رغبة في دين الحق ولست أجيبه إلى شيء مما أشار إليه. فقال لي: قد علمت صحة إسلامك ولا عندنا فيك شك ولكن الحرب خدعة فاكتب له جوابك أن يأمر صاحب المركب أن يفدي سلع المسلمين ويرخص عليهم، وقل له إذا اتفقتم مع المسلمين على سعر معلوم فاخرج مع الوزان بقصد وزن السلع ثم أهرب إليكم بالليل. ففعلت ما أمرني به وأجبت القسيس لهذا الجواب ففرح وأرخص على المسلمين في فداء متاجرهم وخرج الوزان فلم أخرج معه وأيس مني ذلك القسيس فأقلع مركبه وانصرف وكان نص كتابه إلي بعد السلام عليك: من أخيك قرانصي القسيس. نعرفك أني وصلت هذا البلد برسمك لأحملك معي إلى صقلية. وأنا اليوم عند صاحب صقلية بمنزلة أني أولي وأعزل وأعطي وأمنع وأمور جميع مملكته بيدي. واسمع مني وأقبل إلى بركة الله ولا تخف ضياع مال ولا جاه ولا غير ذلك فإن عندي من المال والجاه ما يعم الجميع وأعمل لك ما تريد ولا تتحيل بشيء من أمور الدنيا فإنها فانية والعمر قصير والقبر بالمرصاد، فخف الله تعالى واخرج من ظلمة الإسلامية إلى نور النصرانية. واعلم أن الله ثالث ثلاثة في ملكه ولا سبيل أن تفرد ما جمعه لنفسه. وأنا أعلم أنك تعلم من هذا كله ما لا أعلم ولكن ذكرتك لأن الذكرى تنفع المؤمنين فانتبه من نوم الغفلة واجعل جواب هذا ورودك علي ومثلك لا يحتاج إلى معلم والسلام.

ذكر بعض سيرة مولانا أمير المؤمنين أبي فارس نصره الله

 

قد أقام سنة العدل في جميع رعاياه وساسهم بالكتاب والسنة ومن مناقبه إكرام العلماء وأهل الصلاح وتعظيم قدومهم عليه وإكرام الشرفاء آل بيت رسول الله ﷺ وبذل جزيل العطاء لهم حتى أنهم قدموا إليه من مشارق الأرض ومغاربها وكل من أقام في بلاده منهم مشى له المرتبات والعوائد والكسوات ومن ارتحل لأرضه أجزل صلته وأكرم وفادته وقد جعل لهم ستين دينارا في كل عام تدفع لزوارهم ليلة المولد العظيم الشريف لينفقوها في الوليمة، أخرج ذلك للمولود الكريم الشريف وجعلها من أعشار الديوان تحريا للحلال سوى ما يصحبها من الطيب وماء الورد والبخور. وأما إنصافه للمظلوم كائنا من كان البتة فقد اشتهر عنه حتى صار قواده وخواصه يسلكون طريقته في العدل ويجتنبون الحيف والأذى ولا يتركون أحدا يشكوهم إليه. وقد جعل قوته وقوت عياله وملابسهم وسائر ضرورياتهم من خوف الله تعالى على أعشار النصارى وجزية اليهود تحريا للحلال في ذلك فلا يزال يتعاهد أهل السجون في غالب أحيانه بسرح من استحق السراح وينجز أحكام الجنايات منهم. وأما كثرة صدقاته فأمر منتشر وقد رتب لتوزيعها ذماما يحتوي على من يستحقها من البنين وذوي الإحسان والمروآت وأسنده إلى الفقيه العدل المدرس أبي عبد بن سلام الطبري فيوصل كل ذي حق منها حقه من المال المعين والطعام والزيت وماشية البقر والغنم من الزكاة وهكذا يفعل في جميع عماله. ومن لطيف مآثره ما يوجهه في العام صحبة ركبان الحجاج لبيت الله الحرام وجيران قبر النبي ﷺ فيفرق بمكة والمدينة من الأموال ما يوسع به على القاطنين والمجاورين هناك أثابه الله تعالى ويوجه مع ذلك من المال والكسوة لمشايخ العرب المعروفة ببرقة من العصاة عوائد يمنعهم بها من اعتراض الحجيج ويرغبهم في تسهيل ذلك الطريق. ومن مناقبه ما مشى لأهل جزيرة أندلس من الإنفاق الدائم فعين لهم ألفي قفيز من القمح من عشر وطن وشنانة سوى ما يصحب ذلك من إدام ومال عين وخيل عتاق والعدة والسلاح الجيد وما لا يوجد من البارود النفيس. ومن ذلك اعتناؤه بمن في أيدي أعداء الدين من أسارى المسلمين وقد أدرك من ذلك غاية لم تسبق لأنه وقف لذلك أوقافا معتبرة كثيرة وقدم على النظر فيها أمين الأمناء أبا عبد الله محمد بن عزوز وأمره بخدمتها وحفظ مجابيها وكلما يتحصل من المجبا يشتري به ريعا برانيا ودخلانيا يحضره تونس وأعده أمير المؤمنين لفداء الأسارى بعد وفاته وإلا فقد التزم بفداء جميع من يرد لمرسى تونس من الأسارى من بيت المال مدة حياته. وحَضرتُه مرارا يرغب بحصار النصارى من جميع أجناسهم بكل ما يقدر عليه من أسارى المسلمين وعين لهم في كل شاب معهم ستين دينارا إلى سبعين وفي كل شيخ وكهل من الأربعين إلى الخمسين وأنا الذي كنت أترجم بينه وبين النصارى في ذلك فما كانت إلا مدة يسيرة حتى جاءه تجارهم بعدد كثير من الأسرى ففدا جميعهم من بيت المال وما زال يفعل إلى تاريخ تأليف هذا الكتاب أجزل الله مثوبته. ومن عظيم مآثره بناؤه للزاوية خارج باب البحر من تونس وقد كانت فندقا تباح فيه كبائر معاصي الله تعالى جهارا من غير مغير ولا منكر لأن بعض كلاب النصارى التزمه باثني عشر ألف دينارا ذهبا في كل عام لأجل أن يبيع فيه الخمر وغيره من المنكرات وتجتمع فيه من عظائم المناكر ما يحزن قلوب المؤمنين المخلصين فترك مولانا أبو فارس تلك المجابي السحتية لوجه الله تعالى، ولم يقنع بإبطال تلك المعاصي وتغييرها حتى هدم الفندق المذكور وبنى عوضه زاوية عظيمة البناء والنفع وصارت متعبدا لإقام الصلاة والذكر والعبادات وإطعام الطعام على الدوام لأنه وقف عليها أوقافا جمة مفيدة من محرث وفدادين زيتون ومعصرة بإزائها وغير ذلك أثابه الله. وكذلك بناء الزاوية التي قرب بستان بارد والزاوية التي قرب الداموس وجبل الخاوي بقبلي تونس ووقف عليها ما يكفيها، وكذلك السقاية التي خارج باب الحديد والماجل الكبير التي تحت مصلى العيد وبناؤه للمحارس التي بإزاء روابي الجعد والحمامات والرفارف والشراف والقمريات. ومن عظيم مآثره خزانة الكتب التي جعلت بجوف جامع الزيتون من تونس وجمع فيها دواوين مفيدة في علوم شتى ووقفها مؤبدة لطلاب العلم ووقف عليها من فدادين الزيتون وغيرها ما فوق الكفاية للمتناول لها والشهود والحافظ بالباب. ومن عظيم مآثره تأسيس المارستان بتونس ولم يسبقه أحد في إفريقية من المتقدمين والمتآخرين ليمرّض به غير أهل الإسلام ووقف عليه ما يكفيه وذلك عام تأليفي هذا الكتاب وهو عام ثلاثة وعشرون وثمانمائة. ومن عظيم مآثره أموال عظيمة تركها لوجه الله تعالى من المجابي الخارجة عن قانون الشريعة المحمدية وهي مجابي كانت موظفة بجميع أسواق تونس لا يباع فيها بشيء دق أو جل إلا يؤدي بائعه لجانب السلطان شيئا معلوما من درهم إلى دينار أو أكثر فيما له بال وكانت ماضية مستمرة منذ أحقاب طويلة حتى ألهم الله هذا السلطان المبارك لقطعها وتركها فانقطع ضررها عن الناس فترك مجبا سوق الرهبنية وقدره ثلاثة آلاف دينار ذهبا ومجبا سوق دحية الطعام وقدره خمسة آلاف دينار ومجبا سوق العطارين وقدره خمسة آلاف دينار ومجبا رحبة الماشية وقدره عشرة آلاف دينار ومجبا فندق الزيت وقدره خمسة آلاف دينار ومجبا فندق الخضرة وقدره ثلاثة آلاف دينار ومجبا فندق الإدام وقدره خمسون دينارا ومجبا فندق الفحم وقدره ألف دينار ومجبا كبس العمود وقدره ألف دينار، وليس من فوائد الأسواق وإنما هو مال ضربه بعض الملوك المتقدمين على من بواد من بحيرة وغيرهم وهم أهل خيام وعمود ثبت ذلك عليهم أحقابا طويلة حتى أبطله ذلك الملك أبو فارس وقدره ألف دينار، ومجبا فائدة دار الشغل وقدره ألف دينار ومجبا سوق القشاشين وقدره مائتا دينار ومجبا سوق العرافين وقدره خمسون دينارا. وأباح الناس عمل الصابون بعد أن كان ممنوعا ومن ظهر عليه ذلك يعاقب في ماله وبدنه ولا يعمله إلا السلطان بموضع معلوم لا يباع إلا فيه. ومن أعظم درجات حسناته في هذا الباب ترك خرج المناكير وكان كثيرا فمنه الشرطة لحاكم المدينة كان بعض المكاسين يلتزمها بثلاثة دنانير ونصف في كل يوم فأبطل مولانا أبو فارس هذا وأوقف في ذلك رجلا من الثقاة والأمناء والنجباء على وجه الأمانة. وكان على الدفافين والقينات والمغنيات مغارم قبيحة سحتية فتركها عنهم وكان المخنثون الخول بتونس عليهم مغارم ووظائف خدمة دار السلطان فترك المغارم وأجلاهم عن جميع بلاده رحمه الله تعالى لما بلغه عنهم من قبيح المعاصي والمناكر.

 

وفي أول أيامه السعيدة غزا أسطوله مدينة طرقوبة بجزيرة صقلية فاستولى عليها عنوة وهدم سورها وأتى منها بالمغانم الكبيرة والسبي الكثير. وأما فتوحات بلاد إفريقية ومحوه الآثار المتواترة وأهل الفتن بها بعد المائتين من السنين فأمر عجيب لا يكاد يسعه مكتوب كمدينة طرابلس وقابس وحما وقفصة وتوزت ونفتة ويشكره وقسطينة وبجاية ثم تخطى إلى بلاد الصحراء مثل تعزة وأوجلة ودرج وغداس وجياد وأوغات وتوات حتى أزال الله بعزه كل جبار عنيد من العرب والعجم. وقد كانت عرب إفريقية قبله متغلبة بالاختيار على ملوكها ويحاصرون المدائن ويشاركون أهل السلطنة في مجابيها قهرا ولهم مع الملوك أخبار معلومة حتى قهرهم الله جلت قدرته بهذا السلطان المؤيد فصار يقودهم معه أجنادا في أغراض أسفاره شرقا وغربا بعد أن أباد كثرة أعيانهم ورؤس مشايخهم وصار يبعث قواده نجوع العرب لاستيفاء زكوات مواشيهم وهم صاغرون وتحت السمع والطاعة مذعنون زاده الله من فضله وأمده بنصره. ==

 

الفصل الثالث في الرد على النصارى دمرهم الله

 

ونريد أن نرد عليهم بنص أناجيلهم وما قاله الأربعة الذين كتبوا الأربعة أناجيل ويوكد ثبوت نبوة نبينا وسيدنا محمد ﷺ وما أتت به الأنبياء المتقدمون من ثبوت نبوته في كتبهم التي هي موجودة بأيدي النصارى وهذا الفصل يشتمل على تسعة أبواب الباب الأول في ذكر الأربعة نفر الذين كتبوا الأناجيل الأربعة وبيان كذبهم لعنهم الله

الباب الثاني في افتراق النصارى على مذاهبهم وعدد فرقهم

الباب الثالث في فساد قواعد دين النصارى والرد عليهم في كل قاعدة منها بنص أناجيلهم

الباب الرابع في عقيدة شرائعهم التي يستعملها صغيرهم وكبيرهم وهو أصل دينهم والرد عليهم بأصل الأناجيل

الباب الخامس في بيان أن عيسى عليه السلام ليس بإله كما افترته النصارى وأنه آدمي نبي مرسل بنص الأناجيل

الباب السادس في الأربعة الذين كتبوا الأناجيل الأربعة وبيان كذبهم

الباب السابع فيما نسبوه إلى عيسى عليه السلام من الكذب وهو الكاذبون الكافرون لعنهم الله

الباب الثامن فيما يعيبه النصارى لعنهم الله على المسلمين أعزهم الله

الباب التاسع في ثبوت نبوة نبينا محمد ﷺ بنص الزبور والتوراة والإنجيل وبشارة الأنبياء به صلوات الله عليهم أجمعين وما أخبر به الأنبياء من صحة بعثته وبقاء ملته //

 

الباب الأول

 

اعلموا رحمكم الله أن الذين كتبوا الأناجيل أربعة هم متى وماركوس ويوحنا ولوقا وهؤلاء هم الذين أفسدوا دين النصارى وزادوا ونقصوا وبدلوا كلام الله تعالى مثل ما أخبر عنهم سبحانه في كتابه العزيز، وليس هؤلاء من الحواريين الذين أثنى الله عليهم في القرآن.

 

فأما متى وهو الأول منهم فما أدرك عيسى ولا رآه قط إلا في العام الذي رفعه الله فيه إلى سمائه وبعد أن رفع عيسى عليه السلام كتب متى الإنجيل بخطه في مدينة الإسكندرية وأخبر فيه بمولد عيسى عليه السلام وما ظهر عند ولادته من العجائب وبخروج أمه به إلى أرض مصر خائفة من الملك رودس الذي أراد قتله وسبب ذلك على ما ذكره متى في إنجيله أن ثلاثة نفر من المجوس الذين في دواخل المشرق وردوا إلى بيت المقدس وقالوا أين هذا السلطان الذي ولد في هذه الأيام فإننا رأينا نجمه طلع في بلادنا وهو دليل ميلاده وقد أتينا بهدية. فلما سمع الملك رودس بذلك تغير وجمع علماء اليهود وسألهم عن هذا المولود فقالوا له إن أنبياء بين إسرائيل عليهم السلام أخبرونا في كتبهم أن المسيح عيسى عليه السلام يكون مولده ببيت المقدس في بلد بيت لحم في هذه الأيام. فأمرهم أن يسيروا إلى بيت لحم ويبحثوا عن هذا المولود وإذا وجدوه يعرفونه به. وذكر لهم أن قصده الاجتماع به وأن يعبده، وليس الأمر كما ذكر بل كان ذلك منه مكرا وخديعة وكان عازما على قتله. فانصرف المجوس الثلاثة إلى بيت لحم فوجدوا مريم وابنها عيسى عليه السلام في حجرها وهي ساكنة في دويرة صغيرة فأعطوها الهدية وسجدوا لابنها وعبدوه. ثم رأوا في الليل ملكا من الملائكة يأمرهم أن يكتموا مولد عيسى عليه السلام وأن يرجعوا من غير الطريق الذي جاؤا منها ثم أقبل الملك على مريم وعرفها بمكر الملك رودس وأمرها أن تهرب بعيسى ابنها إلى أرض مصر ففعلت ما أمرها به. هذا نص كلام متى في إنجيله وهو باطل وكذب وزور وبيان ذلك أن بيت لحم بينها وبين بيت المقدس خمسة أميال ولو كان الملك رودس خائفا من هذا المولود وباحثا عنه لسار بذاته مع الثلاثة نفر أو يبعث من ثقاته من ينصحه في البحث عن ذلك المولود على أتم الوجوه. وهذا دليل على كذب متى في هذه الحكاية. وأيضا فإن لوقا وماركوس ويوحنا لم يذكروا شيئا من هذا في أناجيلهم ومتى لم يحضر المولود لكن نقله عن كذاب افتعله على ما نقله.

 

وأما لوقا فلم يدرك عيسى ولا رآه البتة وإنما تنصر بعد أن رفع عيسى عليه السلام وكان تنصره على يد بولص الإسرائيلي وبولص أيضا لم يدرك عيسى ولا رآه وكان من أكبر أعداء النصارى حتى حصل بيده أوامر من ملوك الروم بأنه حيث ما وجد نصرانيا يأخذه ويحمله إلى بيت المقدس ويسجه هنالك. وقد حكى لوقا المذكور في كتابه الذي سماه بقصص الحواريين أن بولص هذا كان يسير مع جملة فرسان وإذا به ينظر إلى ضوء كشعاع الشمس ويسمع صوتا من الضوء يقول له لأي شيء يا بولص تضرني، (هذه الحكاية كذبا وهي من خدع الشيطان) فقال له بولص: كيف ضررتك ومن تكون أنت يا سيدي؟ فقال له: أنا عيسى المسيح. فقال له بولص: وكيف ضررتك وأنا ما رأيتك؟ فقال له: إذا ضررت أمتي كأنك ضررتني فارفع يدك عن مضرتهم فإنهم على الحق واتبعهم تفلح. فقال بولص: وما تأمرني به يا سيدي؟ فقال له: سر إلى مدنية دمشق فابحث فيها عن رجل اسمه أنانيا فهو يعرفك ما يكون عملك عليه. فسار إلى دمشق وسأل عن الرجل فوجده وأخبره بما سمع من كلام عيسى وطلبه أن يدخل معه في دين النصارى فأجابه لما طلبه وعظمه بعد أن بين له إيمانه بعيسى عليه السلام. فهذا بولص تنصر على يد أنانيا ولوقا تنصر على يد بولص وأخذ كتاب الإنجيل عنه وكلاهما لم يدرك عيسى ولا رآه قط. فهذا هو التخليط وفيه دليل كذبهم وبطلانهم أبعدهم الله.

 

وأما ماركوس فما رأى عيسى وكان دخوله في دين النصارى بعد أن رفع عيسى عليه السلام وتنصر على يد بتروا الحواري وأخذ عنه الإنجيل بمدينة رومة وماركوس هذا قد خالف أصحابه الذين كتبوا الأناجيل في مسائل جمة حسبما نبين ذلك في الباب السادس إن شاء الله تعالى.

 

وأما يوحنا فهو غير ابن خالة عيسى عليه السلام ويزعم النصارى أن عيسى حضر في عرس يوحنا وأنه حول الماء خمرا في ذلك العرس وأنها أول معجزة ظهرت لعيسى عليه السلام، وأن يوحنا لما رأى ذلك ترك زوجته وتبع عيسى عليه السلام على دينه وسياحته. ويذكر النصارى أن عيسى عليه السلام أوصى بوالدته مريم إلى ابن خالته يوحنا المذكور، وذلك حين حضرته اليهود وأيقن بالموت على زعمهم لعنهم الله تعالى، وقال له: يا يوحنا، الله الله في والدتي فإنها أمك. وقال لها: يا والدتي الله الله في يوحنا فإنه ابنك. وأوصاها به. ويوحنا هو الرابع من الذين كتبوا الأناجيل الأربعة كما قلنا. ويوحنا إنجيله بالقلم اليوناني في مدينة سوس. فهؤلاء الأربعة هم الذين كتبوا الأناجيل الأربعة وحرفوها وبدلوها وكذبوا فيها وما كان الذي جاء به عيسى إلا إنجيل واحد لا تدافع فيه ولا اضطراب ولا اختلاف وهؤلاء الأربعة ظهر عندهم ما بينهم من التدافع والاختلاف والاضطراب والكذب على الله تعالى وعلى نبيه عيسى عليه السلام ما هو معلوم ومشهور لم تقدر النصارى على إنكاره حسبما نورد منه كفاية إن شاء الله تعالى وتقدس.

فصل

 

فأما كذبهم فمنه ما قال ماركوس في الفصل الأول من إنجيله إن في كتاب شعيا النبي عن الله تعالى يقول إني بعثت لك ملكا أمام وجهك، يريد به عيسى عليه السلام. وهذا الكلام لا يوجد في كتاب شعيا وإنما هو في كتاب ملخيا النبي عليه السلام، فهذا من أقبح الكذب على أنبياء الله تعالى حيث يسند لأحد ما ليس في كتابه.

 

ومنه ما حكى متى في الفصل الثالث عشر من إنجيله أن عيسى عليه السلام قال يكون جسدي في بطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليالي بعد موتي كما لبث يونس في بطن الحوت. وهو من صريح الكذب والبهتان الذي كتبه متى في إنجيله لأنه وافق أصحابه الثلاثة على ما في أناجيلهم أن عيسى مات في الساعة السادسة من يوم الجمعة ودفن في أول ساعة من ليلة السبت وقام من بين الموتى صبيحة يوم الأحد فبقي في بطن الأرض يوما واحدا وليلتين. وعلى ما تقدم من قول متى إن عيسى قال إنه يبقى ثلاثة أيام وثلاث ليالي كما بقي يونس في بطن الحوت يظهر كذب متى وتناقضه في نقله. ولا شك في كذب هؤلاء الملاعين الذين كتبوا هؤلاء الأناجيل في هذه المسألة لأن عيسى لم يخبر عن نفسه ولا أخبر الله عنه في إنجيله بأنه يقتل ويدفن يوما وليلة ولا ثلاثة أيام بل هو كما أخبر الله عنه في كتابه العزيز المنزل على نبيه الصادق الكريم أنهم ما قتلوه وما صلبوه بل رفعه الله إليه. فلعنة الله على الكاذبين.

 

ومنه ما قال ماركوس إن سيدنا المسيح لما قام من بين الموتى كلم الحواريين ثم صعد إلى السماء من يومه وخالفه لوقا في كتابه الذي سماه بقصص الحواريين فإنه ذكر فيه أن عيسى عليه السلام صعد إلى السماء بعد قيامه من بين الموتى بأربعين يوما. وحسبك بهذا دليلا على كذبهم في هذا من أصله. فوالله الذي لا إله إلا هو ما قتل عيسى ولا دفن ولا قام من قبر بعد يوم ولا بعد أربعين يوما فلعنة الله على الكاذبين. //

 

الباب الثاني في افتراق النصارى على تعدد مذاهبهم وفرقهم

 

اعلموا أن النصارى قد افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة لعنهم الله.

 

الفرقة الأولى تعتقد أن عيسى هو الله الخالق البارئ الذي فلق السموات والأرض حاشا ثم حاشا. فيقال لهم كذبتم وكفرتم وخالفتم أناجيلكم دمرهم الله تعالى تدميرا، فإن متى قال في الفصل الموفي عشرين من إنجيله إن عيسى عليه السلام قال للحواريين قبل الليلة التي أخذه فيها اليهود قد تقاسيت من كرب الموت، ثم اشتد حزنه وتغير وخر على وجهه وهو يبكي ويتضرع إلى الله تعالى ويقول يا إلهي إن أمكن صرف المنية عني فاصرفها ولا يكون ما أشاء بل تشاء أنت. فهذا إقرار من المسيح بأنه آدمي وعاجز يخاف نزول الموت عليه وأنه له إلها ناداه يا إلهي وتضرع إليه. وزادوا لعنهم الله أنه مع آدميته وخوفه وحزنه كان من الشاكّين في قدرة الله حيث قال إن أمكن صرف كأس المنية عني فاصرفها، لأن هذا عين الشك في القدرة الإلهية ولا يخلو المسيح من أن يكون قد علم أن الله لا يعجزه شيء فما معنى قوله إن أمكن ذلك؟ وإن كان قد علم أن الله لا يمكنه ذلك فما معنى سؤاله له والتضرع إليه؟ وحاشا روح الله ورسوله من أن يشك في قدرة الله بل كان عالما في درجات اليقين أن الله لا يعجزه شيء وكل ما كان يجري على يديه من المعجزات فإنما كان بقدرة الله تعالى ومشيئته الإلهية لا إله إلا هو. ويقال لهذا الفرقة قد خالفتم ما قال يوحنا في الفصل الثاني عشر من إنجيله إن المسيح رفع طرفه إلى السماء وتضرع إلى الله تعالى وقال: يا رب إني أشكر لك استجابة دعاءي وأعترف لك بذلك وأعلم أنك في كل وقت تجيب دعائي ولكن أسألك من أجل هؤلاء الجماعة الحاضرين فإنهم لا يؤمنون أنك أرسلتني. فهذا المسيح قد اعترف أن الله إلهه وربه وتضرع إليه وشكر لنعمائه وإجابته لدعائه، فكيف يقولون إن عيسى هو الله الذي خلق السموات والأرض وهل يكون في العقول السليمة أشنع من هذا؟

 

ومما يكبتهم ما قال يوحنا في الفصل الخامس من إنجيله أن عيسى قال لليهود من يستمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني دخل الجنة وفي هذا الفصل من إنجيله أن اليهود قالوا يا عيسى من يشهد لك بما تقول فقال الرب الذي أرسلني هو الذي يشهد لي. فهذا عيسى مقر بأنه نبي مرسل وأنه له ربا أرسله وأن الذي يعمل بما يسمع منه ويؤمن بالذي أرسله دخل الجنة.

 

ومما يكبتهم أيضا ما قال ماركوس إنه كان في بيت المقدس مجنون يتكلم الجن على فمه، فاجتاز عليه المسيح عليه السلام فصاح به الجني وقال: يا عيسى أي شيء لك عندي أتحب أن تخرجني من هذا الجسد حتى يعلم الناس أنك نبي وأنك روح الله وأن الله تعالى أرسلك؟ فأمره عيسى بالخروج فخرج وقام الرجل صحيحا سالما فتعجب الحاضرون من ذلك. وهذا في غاية الوضوح والدلالة على أن عيسى بشر من جملة البشر ورسول من جملة الرسل صلوات الله عليهم أجمعين.

 

الفرقة الثانية تعتقد أن عيسى ابن الله وأنه إله وإنسان فهو إله من جهة أبيه وإنسان من جهة أمه وأن اليهود قتلوا إنسانيته وأن الألوهية بعدما دخل جسد إنسانيته القبر حاشا نزلت إلى جهنم وأخرجت منها آدم ونوحا وإبراهيم وجميع الأنبياء وأنهم كلهم كانوا فيها من أجل خطيئة أبيهم آدم في الأكل من الشجرة وأن جميع هؤلاء الأنبياء صعدوا إلى السماء بصحبة الألوهية بعد اجتماع لاهوته بناسوته. وهذا اعتقاد في غاية الكفر والحمق والفساد فنعوذ بالله مما ابتلاهم به. ويقال لهم كذبتم على الله وعلى عيسى رسوله ودليل ذلك ما هو في كتبهم وما قاله متى في الفصل التاسع عشر من إنجيله إن عيسى قال للحواريين اعلموا واعتقدوا أن أباكم السماوي الذي، يعني بذلك الله تعالى، هو واحد فرد لم يلد ولم يولد فأي شهادة على كذبهم أبين من هذا في إنجيلهم بشهادة عيسى عليه السلام؟

 

وباقي فرق النصارى عقائدها كلها كفر وكذب وتحكم بالبهتان. وتركت ذكرهم قصد الإيجاز والتخفيف وبالله التوفيق. //

 

الباب الثالث في بيان فساد قواعد النصارى وهي التي لا يرغب عنها منهم إلا القليل وعليها إجماع جمهم الغفير ونبين الرد عليهم بنص أناجيلهم في كل قاعدة من قواعدهم

 

اعلموا رحمكم الله أن قواعد دين النصارى خمس وهي التغطيس والإيمان بالتثليث واعتقاد التحام أقنوم الابن في بطن مريم والإيمان بالقربان كيف ينبغي والإقرار بجميع الذنوب للقسيس. //

 

القاعدة الأولى في التغطيس وصفته

 

اعلموا رحمكم الله أن لوقا قال في إنجيله إن عيسى عليه السلام قال من تغطس دخل الجنة ومن لم يتغطس دخل جهنم خالدا فيها أبدا فمن أجل هذا النص تعتقد النصارى أنه لا يمكن دخول الجنة إلا بالتغطيس. فيقال لهم ما تقولون في إبراهيم وموسى وإسحاق وجميع الأنبياء في الجنة أم لا؟ فلا بد أن يقولوا هم في الجنة. فيقال لهم كيف دخلوها ولم يتغطسوا؟ وهم مجيبون عن هذا بأن الاختتان أجزأهم عن التغطيس. فيقال لهم ما تقولون في آدم ونوح وذريته لصلبه فإنهم ما اختتنوا ولا تغطسو قط وهم في الجنة بنص أناجيلهم وإجماع علمائهم وليس لهم عن هذا جواب البتة. واعلموا أن هذه القاعدة في التغطيس مما افتعلوه مكذوبا في أناجيلهم وافتروا في ذلك على الله وعلى رسوله عيسى عليه السلام.

 

وصفة التغطيس أن في كل كنيسة حوضا من رخام أو كدان يملأه القسيس بالماء ويقرأ عليه ما تيسر من الإنجيل ويرمي فيه ملحا أو شيئا من دهن البلسان فإذا كان أحد يطلب أن يتغطس ممن تنصر وهو رجل كبير السن فيجمع له بعض أعيان النصارى مع القسيس ليشهدوا عليه بزعمهم بين يدي الله تعالى بالتغطيس ويقول له القسيس عند حوض الماء المتقدم الذكر يا هذا اعلم أن التنصر أن تعتقد أن الله ثالث ثلاثة وتعتقد أنك لا يمكن لك دخول الجنة إلا بالتغطيس وأن ربنا عيسى هو ابن الله وأنه التحم في بطن أمه مريم وصار إنسانا وإلها فهو إله من جوهر أبيه وإنسان من جوهر أمه وأنه صلب ومات وعاش وصار حيا بعد ثلاثة أيام من دفنه وصعد إلى السماء وجلس عن يمين أبيه ويوم القيامة هو الذي يحكم بين الخلق وأنك آمنت بكل ما يؤمن به أهل الكنيسة فهل آمنت بهذا كله؟ فيقول المتنصر نعم فحينئذ يأخذ القسيس صحفة من ذلك الحوض ويسكبها عليه وهو يقول وأنا أغطسك بالاسم الأبوالابن والروح القدس. ثم يمسح الماء عنه بمنديل وينصرف وقد دخل في دين النصرانية.

 

وأما تغطيس ولدان النصارى فهم في اليوم الثامن من ولادتهم يجيء بهم آباؤهم إلى الكنيسة ويوضع الولد بين يدي القسيس فيخاطبه القسيس بالكلام المتقدم ذكره فيقرر عقائدهم عليه ويجيب عنه أبوه وأمه بقولهما نعم ثم يحملان ولدهما وقد تنصر فهذه صفه تغطيسهم لعنهم الله.

 

واعلموا أن الماء الذي تضعه القسيسون في احواض الكنائس منه ما يبقى أعواما وأحقابا طويلة ولا ينتن ولا يتغير فتعجب عوام النصارى من ذلك ويعتقدون أنه من بركة القسيس وبركة كنيسته ولا يعلمون ان ذلك من كثره الملح ودهن البلسان وهم اللذان يمنعان الماء من التعفن والقسيس لا يرمي ملحا ولا دهن بلسان الا في الليل أو في وقت لا يراه فيه أحد من عامة النصارى البتة وهذا من بعض حيل القسيسين في ضلالتهم وإضلالهم.

 

وقد كنت في ضلال جاهلية أهل ذلك الدين صنعت ذلك وغطست كثيرا من الناس فالحمد لله الذي هداني إلى الإسلام وأخرجني من الظلمات إلى النور. //

 

القاعدة الثانية وهي الإيمان بالتثليث

 

وعندهم لا يمكن دخول الجنة إلا بالإيمان بالتثليث على ما شهد لهم أئمة الكفر والضلال لعنهم الله تعالى فيؤمنون بأن الله تعالى عن قولهم ثالث ثلاثة وأن عيسى هو ولد الله وأن له طبيعتين لاهوتية وناسوتية وتلك الطبيعتان صارتا شيئا واحدا، فصار اللاهوت إنسانا محدثا ثاما مخلقا وصار الناسوت إلها تاما خالقا غير مخلوق وبعضهم يقول الثلاثة هم الله وعيسى ومريم. ولا شك في كفر القائلين الملاعين لعنهم الله تعالى ولا يشك ذوا عقل أن كل من له مسكة من العقل يحول نفسه عن اعتقاد هذا الإفك الغثيث البارد السخيف الرذيل الفاسد الذي تنزه عنه عقول الصبيان ويضحك منه ومنهم ذوو الأفهام والأذهان فالحمد لله الذي أخرجني من زمرتهم وعافاني من بليتهم. ويلزمهم على مقتضى قولهم أن المسيح ابن الله أن تكون ذاته كذات الله وله علم كعلمه وقدرة كقدرته إلى سائر الصفات الأزلية وهذا باطل. وبيان بطلانه ما قاله ماركوس في الفصل الحادي عشر من إنجيله إن الحواريين سألو عيسى عليه السلام عن الساعة التي هي القيامة فقال لهم إن ذلك اليوم لا يعلمه الملائكة الذين في السماء ولا يعلمه إلا الأبوحده يعني الله تعالى. فهذا إقرار من عيسى بأنه ناقص علم عن الملائكة وأن الله تعالى هو المنفرد بعلم الساعة وقيامها وأن عيسى لا يعلم إلا ما علمه الله. وفي الفصل العشرين من إنجيل متى أن عيسى حين عزم اليهود على أخذه وقتله تغير في تلك الليلة وحزن حزنا شديدا، وكل من يحزن ويتغير فليس بإله ولا ابن إله عند كل ذي عقل صحيح سوي. وأشنع منه قولهم في هذه القاعدة بأن عيسى له طبيعتان لاهوتية وناسوتية وأنهما صارتا شيئا واحدا والنور والظلمة صارا شيئا واحدا لأن ادعاء هذا في الماء والنار والنور والظلمة إنما كان محالا من جهة أن كل واحد من هذه ضد للآخر وخالق الخلق الغني بذاته وصفاته عنهم المقدس في عظمته وكبريائه عن شبه شيء منهم كيف يتقرر في عقل سليم أنه ما برح بعض مخلوقاته حتى صارا شيئا واحدا فتعالى الله الملك الحق عما يشركون، وأين كان لاهوته لما مات ناسوته لا سيما على قولهم إنهما اتحدا وتمازجا والتحما فما الذي فرق بينهما عندما ضرب جسده وناسوته بالسياط على زعمهم وعصب رأسه بالشوك وصلب على خشبة وطعن بالرماح حتى مات وهو يصيح جزعا وخوفا فأين غاب لاهوته عن ناسوته في هذه الشدائد مع الممازجة والالتحام على قولهم وهم يزعمون لعنهم الله أن لاهوته فارقه عند الصلب والقتل وهبط إلى جهنم فأخرج منها الأنيباء وكان ناوسته في القبر مدفونا حتى رجع لاهوته فأخرجه من القبر ورجع إليه وصعد به إلى السماء وهذه كلها دعاوي باطلة وهي من الكفر الركيك وفضائح لا ترخص لعقل سليم وكيف يزعمون أن لعيسى طبيعتين صارتا شيئا واحدا وفي أناجيلهم ما يشهد بأنه ليس له إلا طبيعة واحدة وهي الآدمية. وبرهان ذلك ما قاله متى في الفصل العاشر من إنجيله إن عيسى عليه السلام لما انتقل إلى مدينته التي ولد بها استخف به الناس فقال لا يستخف بنبي إلا في مدينته. فهذا إقرار منه بأنه نبي من جملة الأنبياء وليس للأنبياء كلهم إلا طبيعة واحدة آدمية. ويؤيد ذلك أيضا ما قاله شمعون الصفا رئيس الحواريين لليهود عندما نافقوا على المسيح: يا رجال بني إسرائيل اسمعوا مقالتي، إن المسيح هو رجل ظهر لكم من عند الله بالقوة والتأييد والمعجزات التي أجراها الله على يديه وأنتم كفرتم به. هكذا في كتاب قصص الحواريين وهو عند النصارى كالإنجيل فأي خبر أوثق من خبره وأي شاهد أعدل من شمعون الصفا التي تتبرك النصارى بذكره ويؤمنون بكثرة صلاحه وفضله وقد شهد على عيسى بأنه رجل من جملة الرجال الآدميين والأنبياء المرسلين الذين أيدهم الله بالمعجزات وأن كل ما جرى منها على يديه فإنما هو بقدرة الله ليس للمسيح فيه كسب فأين هذا الحق ونوره من ظلمة كفرهم في قولهم إن اللاهوت لما التحم بالناسوت صار إنسانا تاما مخلوقا وصار ناسوت عيسى وهو جسده إلها تاما خالقا غير مخلوق؟ فيا عباد الله تأملوا كيف استحوذ عليهم الشيطان بظلمة الكفر على بصائرهم حتى آمنوا لهذا المحال في العقل والعادة وقلدوا فيه أول الذين اختلقوا لهم هذه العقيدة الشنيعة المرذولة؟ نعوذ بالله من حالهم ومآلهم. وقال لوقا في آخر إنجيله إن عيسى بعد أن قام من قبره لقيه رجلان من تلاميذه وهما قلوباس ولوقا فقال لهما: ما لكما حزينان؟ فقالا له: كأنك غريب وحدك في مدينة بيت المقدس ولم تعلم ما جرى فيها في هذه الأيام من أمر المسيح الذي كان رجلا صادقا مصدقا من الله تعالى في مقاله وأفعاله عند الله وعند الناس. فهذه شهادة تلميذيه أيضا أنه رجل مصدق من الله ليس بخالق ولا إله ولا ابن إله فتعالى الله عما يقول الكافرون علوا كبيرا. //

 

القاعدة الثالثة وهي اعتقادهم لعنهم الله أن أقنوم الابن التحم بعيسى في بطن مريم وسبب ذلك

 

اعلموا رحمكم الله أن النصارى يعتقدون أن الله تبارك وتعالى عاقب آدم وذريته بجهنم من أجل خطيئة آدم في الأكل من الشجرة ثم إنه تعالى منّ عليهم بخروجهم من النار بأن بعث ولده فالتحم في بطن مريم بجسد عيسى فصار إنسانا من جوهر أمه وإلها من جوهر أبيه، ثم ما مكنه من خروج آدم وذريته من النار إلا بموته وبه يفدي جميع الخلق من يد الشيطان وأنه مات بالقتل ثم عاش بعد ثلاثة أيام ونزل إلى جهنم وأخرج منها آدم وذريته من جميع الأنبياء. فهذه عقيدة كفرهم البارد الغثيث ودينهم المرذول الخبيث كما مهد لهم ذلك أوائل شياطينهم من غير استناد إلى دليل ولا نقل عن نبي ولا رسول. وحاشا أنبياء الله ورسله من هذه الخسائس المضحكة والقبائح المهلكة والتناقض الواضح. فمن المحال أن يكون الخالق الأزلي قد استحال لحما ودما ويكون له ولد في الأرض أو في السماء أو يكون قدمه وبقاؤه اللذين لا نهاية لهما محدودين أو متحيزين أو متنقلين. كلا هو الله الذي لا شبيه له ولا نظير، تقدس جلاله وتعالى كماله على أن يحل في بشر يموت، كيف وهو الحي الذي لا يموت، أو يصير بذاته العلية القدسية في بطن امرأة وهو الذي وسع كرسيه السموات والأرض. ويقال لهم إنكم تعتقدون أن عيسى هو الله ومن لم يعتقد هذا فليس بنصراني عندكم. فلا بدا من أن يقولوا نعم. فيقال لهم قد قدمتم على بهتان عظيم ومحال جسيم من حيث صيرتم إنسانا من الناس خالقا أزليا وهو حادث مخلوق ولا يخلو أمركم في عيسى من خمسة أوجه: إما أن تكونوا جعلتموه إلها أزليا ومسكنا للإله الأزلي. والوجه الثاني هل قال عيسى هذا في نفسه أو قاله عنه تلاميذه الذين نقلوا لكم دينه؟ الوجه الثالث أن تكونوا جعلتموه إلها لأجل الآيات الخارقة التي ظهرت عليه. الوجه الرابع أن تكونوا جعلتموه إلها لعجب مولده في كونه من غير أب، فليس هذا بأعجب من كون آدم خلق من غير أب ولا أم ولا أعجب من كون الملائكة خلقوا من غير والد ولا والدة ولا طينة ولا مادة ولا يسمى شيء من الملائكة وآدم آلهة وأنتم تمتنعون من ذلك فأخبرونا ما الفرق بينهم وبين عيسى وهم في حكمة الإيجاد أعجب منه؟ الوجه الخامس وإن قلتم إن عيسى إله لأجل الآيات الخارقة التي ظهرت على يديه فعلماؤكم يعلمون أن اليسع النبي عليه السلام أحيا ميتا في حياته وميتا بعد وفاته وتصرف المعجزة في الإحياء في البرزخ بعد الموت أعجب منها قبل الموت، وأن إلياس عليه السلام بارك في دقيق العجوز ودهنها فلم يفرغ ما في جرابها من الدقيق ولا ما في قارورتها من الدهن سبعة أعوام وسأل الله أن يمسك المطر سبعة أيام فأجاب الله دعاءه. وإن قلتم إن عيسى أطعم من خمسة أرغفة خمسة آلاف فإن موسى كليم الله سأل الله العظيم لقومه فأطعمهم المن والسلوى أربعين سنة وعددهم أزيد من ستة آلاف نسمة. وإن كان عيسى مشى على البحر ولم يغرق فيه كان موسى ضرب البحر بعصاه فانفلق فصار فيه طريق عبر منها جميع قومه واتبعهم فرعون بجنوده فغرقوا كلهم، ثم فجر صخرة اثنتي عشرة عينا لكل سبط من بني إسرائيل عين وضرب أهل مصر بعشر آيات من عجائب العذاب، الأولى عصاه التي ألقاها من يده فصارت ثعبانا هائلا وابتلعت جميع حبال السحرة. الآية الثانية يبس بساتينهم بموت جميع ما فيها من الحيوان. الآية الثالثة إرسال الضفادع عليهم حتى امتلأت بها منازلهم. الآية الرابعة تسليط القمل على أجسادهم. الآية الخامسة إرسال أنواع من الذباب عليهم. الآية السادسة إهلاك بهائمهم كلها. الآية السابعة خروج القروح في أجسادهم. الآية الثامنة نزول البرد عليهم حتى فسدت أشجارهم. الآية التاسعة إرسال الجراد على جميع بلادهم. الآية العاشرة ما غشاهم من الظلمة ثلاثة أيام بلياليها. وإن قلتم إن عيسى كان إلها بنفسه لأنه صعد إلى السماء فلذلك جعلتموه إلها فيلزمكم في إلياس وإدريس أن تجعلوهما إلهين لأنهما صعدا إلى السماء ولا خلاف عندكم في ذلك وأبونا الخليل صعد إلى السماء بنص التوراة وإجماع علمائكم فجعلتموه إلها. وإن قلتم إن عيسى ادعى الإلوهية لنفسه فلذال جعلتموه إلها فقد جاهرتم بالكذب الفظيع والبهتان الشنيع وفي أناجيلكم ما يرد عليكم لأن في الإنجيل الذي بأيديكم أنه حين صلب قال إلهي لم خذلتني؟ وتقدم له في نص الإنجيل أنه قال إن الله أرسلني إليكم. فأقر أنه بشر من الأنبياء المرسلين، ونصوص أناجيلكم في هذا عديدة على أنه من مفتعل كذبكم أنه صلب وصاح ونادى إلهي إلهي وليس من منصوص الإنجيل الحق بل هو بهتان عظيم من كتاب أناجيلكم وافترائهم على الله وإنما احتججنا به عليكم ليظهر تناقضكم لبصائر العقلاء وبالله التوفيق. //

 

القاعدة الرابعة وهي الإيمان بالقربان وصفته

 

اعلموا رحمكم الله أن دين النصارى في قربانهم كفر وهو أن يعتقدوا على فطيرة من خبز إذا قرأ عليها القسيس بعض الكلمات أنها ترجع في تلك الساعة جسد عيسى عليه السلام وإذا قرأ بعض الكلمات على كأس خمر فإنه يصير في تلك الساعة دم عيسى عليه السلام. والذي تقرر من سنتهم في ذلك أن كل كنيسة لها قسيس كبير يقوم بها فيجيء قسيس كل كنيسة كل يوم بفطير صغيرة وزجاجة خمر ويقرأ عليها عند صلاته فيعتقد النصارى أن الفطيرة صارت جسد عيسى والخمر صار دمه ويأخذون ذلك من قول متى في القصل العشرين من إنجيله أن عيسى جمع الحوارييين يوما قبل موته وتناول خبزة وكسرها وناولهم كسرة كسرة لكل إنسان وقال لهم كلوا هذا جسمي ثم ناولهم خمرا وقال لهم اشربوا هذا دمي فهذا قول متى في إنجيله. ويوحنا الذي كان حاضرا لعيسى لم يذكر شيئا من خبر الخبز والخمر في إنجيله وهذا من الاختلاف الذي يدل على كذب متى ونقله للمحال والبهتان. والنصارى لعنهم الله يعتقدون أن كل جزء من أجزاء فطيرة كل قسيس هو عيسى عليه السلام بجميع جسده في طوله وعرضه وعمقه هو هو ولو بلغت مائة ألف جزء لكان كل جزء منها عيسى. فيقال لهم إن جسد عيسى عليه السلام كان طوله عشرة أشبار مثلا وعرضه شبرين وعمقه شبرا والفطيرة التي يقرأ عليه القسيس ما يمكن أن تكون ثلاثة أشبار فكيف يكون جسده طوله عشرة أشبار وعرضه شبران وعمقه شبر في شيء طوله ثلاثة أشبار؟ فهذا محال في كل عقل سليم. وهم يجيبون عن هذا بأن المرآة تكون قدر الدرهم والإنسان يرى فيها أكبر الأبراج والجبال العالية إذا قابلها بذلك وهي أكبر منها بأزيد من ألف مرة. فيقال إن الذي يرى في المرآة عرض ولا جوهر وأنتم تعتقدون أن جوهر عيسى وعرضه جميعا في تلك الفطيرة وهذا محال في العقل. ثم إنكم أجمعتم على أن عيسى صعد إلى السماء وهو جالس فيها عن يمين الله تعالى عن قولهم فمن ذا الذي أنزل لكم جسده إلى تلك الفطيرة؟ ثم إن عيسى رجل واحد وأنتم تعتقدون أن في كل جزء من أجزاء الفطيرة جسد عيسى عليه السلام لو انقسمت على مائة ألف جزء فيلزمكم أن في كل فطيرة مائة ألف عيسى ثم يتضاعف ذلك العدد بتضاعف عدد الفطائر وبعدد الكنائس عندكم فيصير عيسى أعدادا لا تكاد تتناهى وكل من قال هذا واعتقده فقد جعله الله أضحوكة للعالمين ومسخرة للشياطين وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

وصفة قربانهم بالفطيرة وصلاتهم لعنهم الله أن القسيس يأمر خادمه يعجن له فطيرة من سميد صافي ثم يخبزها ويجعلها القسيس مع زجاجة خمر إلى الكنيسة ويأمر بضرب الناقوس فإذا اجتمع النصارى للصلاة ووقفوا صفوفا في الكنيسة يصب القسيس من خمر الزجاجة شيئا في كأس من فضة ويجعل تلك الفطيرة في منديل نظيف ثم يتقدم قدام الصفوف كلها ويستقبل المشرق ويأخذ الفطيرة بيده ويقرأ ما نصه: إلهنا عيسى المسيح ليلة أخذته اليهود أخذ الفطيرة بيده المباركة ورفع عينيه إلى السماء إلى القادر على كل شيء وبعد التحميد الواجب كسرها وأطعم للحواريين كسرة كسرة وقال لهم كلوا هذا جسدي. وحين يتم القسيس هذا الكلام يسجد بذاته لتلك الفطيرة محققا أنها جسد عيسى وأن عيسى هو ابن الله ويقول في سجوده مخاطبا للفطيرة: أنت إله السماوات والأرض أنت ابن الله المولود قبل العوالم كلها من أجل أنك تخلصنا من يد الشيطان تجسدت في بطن مريم. أنت الذي فتحت للذين آمنوا أبواب الجنة بعدما غلبنا الشيطان. أنت هو الجالس عن يمين أبيك في السماء. أسألك أن تغفر لي ولأمتك التي خلصتها بدمك. ثم يظهر تلك الفطيرة لصفوف النصارى فيقع جميعهم لها ساجدين ثم بعد ذلك يأخذ كأس الخمر ويقول لهم الملعون: إلهنا المسيح قبل موته أخذ كأسا من الشراب وأعطاه للحواريين وقال لهم اشربوا هذا دمي ثم يسجد القسيس الملعون للكأس ويريه النصارى فيسجدون له ثم يأكل الفطيرة ويشرب ذلك الخمر ويقرأ بعد ذلك ما تيسر من إنجيله ثم يعطي الدعاء ويتفرقون. فهذه صلاتهم وقربانهم لعنهم الله فقد تلاعب بهم الشيطان نعوذ بالله من الخذلان والطغيان. //

 

القاعدة الخامسة وهي الإقرار بجميع الذنوب للقسيس وصفة ذلك

 

اعلموا رحمكم الله أن النصارى يعتقدون أنه لا يمكن دخول الجنة إلا بعد الإقرار بجميع الذنوب للقسيس وأن كل من يخفي عليه ذنبا فلا ينفعه إقراره فهم في كل سنة يمشون إلى الكنائس ويقرون بجميع ذنوبهم إلى القسيس الذي يقوم بكل كنيسة. وفي كل وقت لا يقر أحد بذنب إلا إذا مرض وخاف الموت فإنه يبعث إلى القسيس فيصل إليه ويقر له بجميع ذنوبه فيغفرها له وهم لعنهم الله يعتقدون أن كل ذنب غفره القسيس فإنه مغفور عند الله تعالى فمن أجل ذلك صار البابا الذي يكون بمدينة رومة فهو خليفة عيسى في الأرض بزعمهم يعطي لمن يشاء البراآت بغفران الذنوب والتزحزح عن النار ودخول الجنة ويأخذ على ذلك الأموال الجليلة. وكذلك يفعل من ينوب عنه في جميع أرض النصارى من القسيسين يعطون البراآت بفغران الذنوب والتزحزح من النار وإيجاب الجنة، ويأخذ على ذلك الأموال الجليلة وكذلك يفعل من ينوب عنه في جميع أرض النصارى من القسيسين يعطون البراآت بالمغفرة وإيجاب الجنة والنجاة من النار وتأخذ النصارى هذه البراآت بعد أن يعطوا عليها لمن يكتبها لهم المال الجزيل فيخبؤها عندهم حتى إذا مات أحدهم جعلت تلك البراءة في كفنه واعتقادهم يقينا أنهم يدخلون الجنة بتلك البراءة. وهذا من حيل القسيسين على أخذ أموال النصارى.

 

فيقال لهم لأي شيء تصنعون هذا ولم يأمركم به عيسى ولا هو منصوص في شيء من أناجيلكم ولا تجدون في كتبكم أن مريم أم عيسى والحواريين وتلاميذ عيسى ما أقروا بذنب قط لعيسى الذي زعمتم أنه الله وابن الله وهو أقرب على قولكم لمغفرة الذنوب من جيمع القسيسين؟ ثم إن القسيس لا شك عندكم في أنه بشر مثلكم وربما تكون له ذنوب أكثر من ذنوبكم لا سيما في تكفير ما لم يرائيه وإضلالكم فمن هو الذي يغفر له ذنوبه؟ ولكنكم أنتم قوم عمي وقسيسكم أشد عمى منكم والأعمى إذا قاد أعمى وقعا في الهلاك وكذلك تقعون مع قسيسكم في نار جهنم خالدين فيها لأن المغفرة لذنوبكم مع كفركم وإشراككم قد قطع الله وصلكم منها بقوله الصادق في كتابه إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك من يشاء. فإذا كانت مغفرته لكم محالا بخبره الصادق فمغفرة القسيس أشد لكم من المحال وأقرب لسخرية الشيطان وجنوده منكم واستهزائه بكم. ومن يغفر الذنوب إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. //

 

الباب الرابع في عقيدة شريعتهم لعنهم الله

 

وجميع النصارى متمسكون بها إلى يوم القيامة ولا يتركها إلا قليل منهم وكلها كفر ومحال ينقض بعضها بعضا وكان الذي ألفها لهم رجل من أقدم كفارهم يقال لهم بيطر الصفا من أهل مدينة رومة لعنة الله عليه. وهذا نصها: نؤمن بالله الواحد الأب مالك كل شيء صانع ما يرى وما لا يرى ونؤمن بالرب الواحد المسيح ابن الله الواحد بكر الخلائق كلها ولد من أبيه قبل العوالم كلها ليس بمصنوع. إله حق من جوهر أبيه الذي بيده أتقنت العوالم كلها وهو خالق كل شيء الذي من أجلنا معشر الناس ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس وصار إنسانا وحمل وولد من مريم البتول فأوجع وأولِم وصلب في أيام بالاطوس الملك ودفن وقام في اليوم الثالث من بين الموتى مثل ما كتب بذلك الأنبياء. (وكذب الملعون على الأنبياء صلوات الله على نبينا وعليهم أجمعين وحاشاهم أن يقولوا مثل هذا الكفر المحال.) ثم صعد إلى السماء وجلس عن يمين أبيه وهو مستعد للمجيء تارة أخرى للقضاء بين الأموات والأحياء، ونؤمن بروح القدس الذي يخرج من الأبوالابن وبه كان يتكلم الأنبياء وأن التغطيس هو غفران الذنوب ونؤمن بقيام أبداننا وبالحياة الدائمة أبد الآبدين.

 

وهذا الكلام ينقض بعضه بعضا فأوله نؤمن بالله الواحد الأبمالك كل شيء صانع ما يرى وما لا يرى ونؤمن بالرب الواحد المسيح إله حق من جوهر أبيه. ففي أول كلامه الشهادة لله بأنه واحد وفيما يليه الشهادة عليه تعالى بأن له ولدا وهو إله مثله وأنه من جوهره. فهذا غاية الكفر والشرك وفي غاية الضد والتناقض لوحدانية الله تعالى الواحد الأحد الصمد تبارك الله وتقدس عن كفرهم. وقد قال في أول كلامه إن الله خالق كل شيء ثم قال فيما بعده ونؤمن بأن المسيح خالق الأشياء كلها الذي بيده أتقنت، فأثبت أن مع الله إلها خالق لكل شيء وهذا من أفضح التناقض. وكذلك قوله إن الله صانع ما يرى وما لا يرى دخل فيه المسيح لأنه بالضرورة مما يرى ثم عقب ذلك بقوله إن المسيح خالق كل شيء وإنه غير مصنوع وهذا تناقض ورعونة لو ميزتها البهائم لأنكرتها على النصارى فنعوذ بالله من الخذلان واستحواذ الشيطان فإنه تلاعب بهم كيف أراد وقادهم إلى جهنم وبئس المهاد وقد قال هذا اللعين إن المسيح خالق كل شيء ثم قال ولد من أبيه قبل العوالم وهو بكر الخلائق كلها. فمتى خلق كل شيء أقبل ميلاده وهو عدم أم بعد ميلاده وهو صبي رضيع؟ ومن كان يدبر السموات والأرض وما بينهما قبل ميلاده وإيجاده؟ كيف يكون بكر الخلائق وهو الخالق لجميعها بزعم هذا الكافر لأن معنى قوله بكر الخلائق أي أول ما وجد منها.

 

وشريعة النصارى مبنية على هذا التناقض والمحال لأنهم مجمعون على أن المسيح أزلي خالق قديم وأنه مولود من بطن مريم بعد حملها به وهذا كله قد جعلهم أضحوكة لجميع العقلاء العارفين وقرة لعيون الشياطين. وانظروا إلى قول هذا الخبيث إن المسيح إله حق من جوهر أبيه ثم قال إنه نزل من السماء فتجسد في بطن أمه مريم. وهذا صريح بأن المسيح كان جسدا من جوهر في السماء ثم نزل منها فتجسد وهذا ليس في تجسد الأجسام والجواهر عجب وإنما العجب أن يتجسد من ليس بجسده ولا جوهر، وتعالى ربنا خالق الجواهر والأعراض عن أن يكون له جوهر يتكون منه المسيح أو أن يتجزأ ويستقر منها بحيز في بطن مريم مختلطا بدمها وبولها وروثها فما أعظم جرأة هؤلاء الكفرة على الله تعالى وما أعظم حلم الله عليهم؟ والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاهم به.

 

واعلموا أن في نصوص كتبهم ما يبطل هذه العقيدة وجميع عقائدهم كفر في المسيح، وهو ما قاله لوقا في الفصل الرابع عشر من إنجيله في قصص الحواريين فإنه قال إن الله خالق العوالم بجميع ما فيها وهو رب السماء والأرض لا يسكن الهياكل التي طبعتها الأيدي ولا يحتاج إلى شيء من الأشياء لأنه هو الذي أعطى للناس الهياكل والنفوس وجميع ما هم فيه موجود بإذنه وحياتنا منه. وهذا الذي قاله لوقا هو الذي نزلت به كتب الله تعالى ونطقت به أنبياؤه عليهم الصلاة والسلام.

 

وقد تبين أن عقائد النصارى كلها كفر مفتعل ومحال ركيك وتناقض قبيح لم يأخذوها من كتب الله ولا عن أنبيائه وإنما قلدوا فيها دعاوي باطلة وأهواء كاذبة مهدها لهم كل كفار أثيم. ويقال لهم: هذه العقيدة التي لا اختلاف بين جماهيركم فيها وإن لم تكونوا نسبتموها لكتاب ولا لنبي أخبرونا عنها هي كلها حق أو كلها باطل؟ فإن قالوا بعضها حق وبعضها باطل فقد أبطلوا بعضها وكفروا به لأن الباطل لا يدان الله به وإن قالوا كلها حق فقد اعترفوا بأن المسيح مخلوق مولود وأن الله تعالى خالقه وخالق كل شيء. وما ظهر فيه هذا التناقض الشنيع الفاضح لا يكن حقا أبدا، وقولهم في المسيح إله من جوهر ابيه وأله مثله يقتضي المماثلة ولا بد فما الذي صير أحدهما أبا والآخر ابنا وما الذي خص هذا بالأبوة وهذا بالبنوة دون تعاكس؟ فنسأل الله ربنا كمال العافية من حالهم ومآلهم. //

 

الباب الخامس في بيان أن عيسى وإنما هو بشر آدمي مخلوق نبي مرسل عليه الصلاة والسلام

 

اعلموا رحمكم الله أن كل ما ذكرنا من عقيدة النصارى وكفرهم في قولهم إن المسيح هو الله وابن الله وأنه خالق المخلوقات يرده ويبطله ما قاله الأربعة الذين كتبوا الأناجيل الأربعة فقال متى في الفصل الأول من إنجيله هذه نسبة المسيح هو ابن داود بن إبراهيم وهذا إقرار بأن عيسى مولود تناسل من ذرية داود النبي عليه السلام وداود من سبط يهوذا بن يعقوب ابن إسحاق ابن إبراهيم عليهم السلام وكل من ثبت تناسله فلا شك أنه آدمي لأن الله القديم الأزلي لم يلد ولم يولد وكل ما سواه حادث. وقال أيضا متى في الفصل الرابع من إنجيله إن رجلا قال للمسيح يا أيها الخير فقال عيسى لأي شيء سميتني خيرا إن الخير هو الله تعالى. وهذا غاية التواضع منه عليه السلام والتأدب مع ربه وخالقه فكيف يدعي له شريكا في الألوهية؟ وقال يوحنا في الفصل السادس عشر من إنجيله إن المسيح رفع عينيه إلى السماء يتضرع إلى الله الواحد الخالق فقال يجب على الناس أن يعلموا أنك أنت الله الواحد الخالق وأنك أرسلتني. فهذا اعتراف منه بأنه نبي مبعوث من الله بما أوجبه من توحيده وأنه سبحانه وتعالى الخالق لا خالق للخلق غيره وبهذا جاء عيسى عليه السلام وجميع الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

 

فإن قال قائل من النصارى إن كان عيسى قد اعترف في هذا الموضع بأنه نبي مبعوث فقد اعترف في موضع آخر بأنه الأزلي الخالق، قلنا إن هذا افتراء عليه وهو بريء من ذلك ومن كل من نسبه إليه وأنتم غفلتم عن شنيع التناقض الذي بين النصين في الموضعين لأنه عليه السلام أقر أنه بشر مبعوث من الله تعالى وهذا صحيح فكيف يجوز عليه مناقضته بادعاء ما هو محال في حقه من كونه أزليا خالقا بل هذا من اختلاق أوائل كفاركم ثم قبلته جميع طوائفكم على ما فيه من الكفر الفظيع والتناقض الشنيع.

 

وقال متى في إنجيله إن الشيطان دعا المسيح أن يسجد له وأراه ممالك الدنيا وزخرفها وقال اسجد لي وأجعل لك هذا كله، فقال له إنه مكتوب على كل بشر أن لا يعبد إلا الله الرب إلها ولا سجود لشيء سواه. فهذا منه إقرار بأنه بريء من الألوهية ولو كان إلها لما اجترأ الشيطان عليه بمثل ذلك القول وفي جوابه له اعتراف لله تعالى بأنه إله ولا يسجد أحد إلا له تبارك وتعالى. وهذا تنزل مع النصارى واحتجاج عليهم بما أظهروه في أناجيلهم وإلا فعيسى وغيره من الأنبياء عليهم السلام معصومون من الشيطان في الوسوسة الباطنة الخفية فكيف يدعوهم إلى الكفر الصريح بالسجود له من دون الله وهذه مجاهرة جلية ولا شك أنها من اختلاق كتاب الأناجيل ورعونتهم في تجويز مثل هذا على المسيح عليه السلام.

 

وقال يوحنا في آخر إنجيله إن عيسى قال للحواريين أذهب إلى أبي وأبيكم وإلٰهي وإلٰهكم. يعني بقوله وأبي وأبيكم المالك لي ولكم وهو اصطلاح أهل ذاك الزمان. فإن قالوا هو أبوه من هذه اللفظة قلنا يلزم منه أن يكون هو أباكم أيضا لأنه قال أبي وأبيكم وصرح بعده بما ينفي كل شبهة بقوله وإلهي وإلهكم فلم يبقي لنفسه في دعوى الإلوهية شيئا البتة.

 

وقال متى في الفصل السابع من إنجيله إن عيسى عليه السلام قال للحواريين كل من قبلكم وآواكم فقد قبلني وآواني ومن قبلني وآواني فإنما قبل من أرسلني.

 

وقال يوحنا في الفصل الخامس من إنجيله إن عيسى قال إني ما جئت لأعمل بمشيئتي وإنما أعمل بمشيئت الذي أرسلني.

 

وقال ماركوس في آخر إنجيله إن عيسى قال وهو على خشبة الصلب بزعمهم: إلهي إلهي لم خذلتني؟ وذاك آخر ما تكلم به في الدنيا وهذا وإن كان كذبا على المسيح وحاشا أن يكون الله خذله أو تمكن اليهود من صلبه وإنما احتججنا على النصارى به لأنهم رضوه من نصوص إنجيلهم وهو مصدقون به وفيه التصريح بأن عيسى قال يا إلهي يا إلهي فأقر بأن له إلها يدعى في الشدائد وتبرأ من الإلهية لنفسه فلزم تكذيب عقائد النصارى ضرورة لا محيد لهم عنها ولكنهم صم بكم عمي فهم لا بعقلون.

 

وقال لوقا في إنجيله إن المسيح بعدما قام من قبره دخل على الحواريين وهم مجتمعون في غرفة لهم قد أغلقوا بابها فلما دخل عليهم ارتاعوا منه وظنوا أنه من أرواح الملائكة أو الجن فلما علم المسيح ذلك منهم قال يا هؤلاء جيؤني واعلموا أن الأرواح الروحانيين ليس لهم لحم ولا عظم مثلما تجدون في جسدي. فأقر بأنه مركب من لحم وعظم ومادة حيوانية وتبرأ من الإلهية وهذا النص والذي قبله وإن كانا باطلين فإنّا نكذبهم في كون عيسى قتل ودفن وقام من قبره بعد الموت وإنما هو من اختلاق أوائل النصارى ودعاويهم الباطلة الغريقة في المحال والكفر والضلال لكنهما أبطلا حجتهم في ادعائهم أن عيسى هو الله وابن الله تعالى الله وتقدس، لا إله إلا هو. فمن قال إن عيسى هو مربوب لله تعالى وكان صبيا ينمو طولا وعرضا ثم بلغ أشده وبعثه الله رسولا فقد وافق قول المسيح وتلاميذه ومن خالف الحق واعتقد صريح الكفر نعوذ بالله من ذلك. ويلزمهم أشنع ما يكون عند العقلاء وهو أن المسيح خالقا كما يعتقدون مع كونه لحما ودما فقد جعلوا بعض الرب المعبود خالقا أزليا وبعضه محدثا مخلوقا لأن المسيح أقر أنه لحم ودم بنص أناجيلهم فاللحم والدم يتولدا من الأغذية والأشربة وهي من أجزاء الدنيا فيكون على قولهم خالق الدنيا كلها هو جزء من أجزائها وذلك هو خالق نفسه أيضا لأنه جزؤ من الدنيا التي هي مخلوقة له. وهذا أشنع ما يكون من دعاوي البهتان وأبعد ما يتصور في معقولية الإنسان فمن اعتقده ودان به فقد لزمه ما بيناه واستحق الغضب والسخط من الله تعالى واتضح أنه من أهل الخذلان. ويلزمهم أيضا من شناعة المحال أن يكون بعض الدنيا هو خالق جميع الدنيا وبعض الشيء لا يوجد إلا بعد وجود بعضه بل كله وما ليس بموجود ولا معقول فليس بشيء. فخالق الدنيا على قولهم معدوم وغير موجود ومجهول غير معقول وأنا أظن أن صاحب هذه العقيدة الذي مهدها لهم قصد بهذا التعطيل بعينه لأنه كان من متزندقة أهل التعطيل فسخر من النصارى وألف لهم أنواعا من الكفر والضلال مبنية على أشنع المحال لمّا تحقق من غفلتهم وقبولهم لترهات المذاهب والأقوال. ويقال لهم قد نطق الإنجيل الأول بأن المسيح قلم أظفاره وقص شعره ونمى جسده طولا وعرضا فإن كان على قولهم خالقا أزليا وقد بانت منه هذه الأجزاء من الشعر والأظافر وانفصلت عن كله وصارت رميما وتلاشت حتى لم يبقى لها وجود فالخالق الأزلي على هذا قد فسد بعضه وتلاشى وبقي بعضه على حاله ومن فسد بعضه فالفساد واصل إلى كله ومن كان له بعض وكل فهو محدود ويحتاج إلى ما يحمله ويحده ومن كان بهذه الصفة فهو مفتقر وليس بغني والإله الخالق الأزلي تبارك وتعالى شهدت براهين العقول بنصوص المعقول بأنه لا يكون جسما ولا عرضا ولا جوهرا وليس له كل يتجزأ أو يتبعض وذاته القديمة لا يلحقها نقص ولا تغيير ولا تحول وأنه الغني على الإطلاق وجميع الخلق إليه فقراء في جميع أطوارهم وكافة أحوالهم. وهو كما وصف نفسه الكريمة ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. ويقال لهم أيضا هذا المسيح الذي تعتقدون أنه الله الخالق الأزلي هل كان في بلد وزمان أم لا؟ ولا يقدرون على إنكار ذلك لأن أناجيل متى ولوقا صرحوا بأنه ولد في بيت لحم الذي كان ينسب إلى داود في زمن رودس الملك، وأنه قتل وصلب في زمن بالاطوس الملك. وكل من كان في زمن ومكان فالزمان لا بد أن يكون قبله والأمكنة محيطة به ومن كان كذلك فهو مخلوق. وإذا ثبت أنه مخلوق بطلت عقيدتكم التي فيها أنه إله حق وأنه خلق كل شيء. ومعلوم بالقطع أن الزمان هو من الأشياء المخلوقة والزمان كان قبل أن يوجد المسيح بلا شك في ذلك ولا امتراء. فكيف يجوز أن يكون الزمان وجد قبل خالق الزمان ويكون المكان محيط بالذي خلق الأماكن؟ هذا من أشنع ما يتخيل في الأذهان ومن أقبح ما يكون في المحال والبهتان. وكل من ولد في زمان وأحاط به الزمان والمكان فهو حيوان من حيوان، والمسيح عليه السلام كان من أشرف أنواع الحيوان لأنه إنسان من إنسان وتعالى الله عما يقول الكافرون علوا كبيرا. وكل ما أوضحته هنا بحول الله وقوته يقتضي فساد شريعة النصارى وإبطال عقيدتهم وبيان العز لي فيما اخترته لنفسي من دين الحق المبين واتباع ملة أفضل النبيين صلوات الله عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. ونسأل الله تعالى التوفيق وحسبنا الله ونعم الوكيل. //

 

الباب السادس في اختلاف الأربعة الذين كتبوا الأناجيل الأربعة وبيان كذبهم لعنهم الله

 

اعلموا رحمكم الله أن الذين كتبوا الأناجيل اختلفوا في أشياء كثيرة وذلك دليل على كذبهم فلو كانوا على الحق ما اختلفوا في شيء. قال الله عز وجل في كتابه العزيز الذي أنزله على صفيه محمد ﷺ: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. فجعل الاختلاف دليلا على الكذب على الله تعالى لأن كل ما هو من عند الله لا تختلف معانيه ولا تضطرب مبانيه. وكلما كذب الكاذبون عليه لا بد أن يفضحهم بوجود الاختلاف والاضطراب فيما كذبوه ليميز الله الخبيث من الطيب وهو الحكيم العليم. فمن كذب هؤلاء الذين كتبوا الأناجيل ما قاله يوحنا في الفصل الثالث عشر من إنجيله إن عيسى عليه السلام قال للحواريين وهو يتعشى معهم في الليلة التي أخذه فيها اليهود: الحق أقول لكن إن واحدا منكم يخونني. فقال له يوحنا: ومن يكون ذلك؟ قال له عيسى: الذي نعطيه الخبز مصبغا في المرق. ثم أعطاه ليهودا اسكريوط وهو الذي خانه ودل اليهود عليه. وقال ماركوس في الفصل الرابع عشر من إنجيله إن عيسى قال لهم إن الذي يصبغ خبزه معي في القصعة هو الذي يخونني. وقال متى في الفصل الثالث والعشرين من إنجيله إن عيسى قال لهم: إن الذي يصبغ خبزه في صحفتي هو الذي يخونني. وقال لوقا في الفصل الثاني والعشرين من إنجيله إن عيسى قال: إن الذي يخونني هو معي في تلاميذي. وهذا الاختلاف بين لأن عيسى لم يتكرر فيه هذا القول في مجالس حتى يزعموا أنه اختلفت عبارته فيها وليس معنى قولهم متحدا فيكون كل واحد من الأربعة عبّر عن قوله بعبارة من عنده. وتخصيصه ليهودا اسكريوط بمناولته له الخبز مصبغا في المرق يقتضي تعيينه وكشف أمره وبقية ما نقلوه يدل على اختلافهم في شأنه، يدل على أنهم علموا شأنه. وهذا تناقض دل على الكذب من جميع الأربعة الذين كتبوا الأناجيل لعنهم الله وبالله التوفيق.

 

ومن ذلك أيضا ما نقله متى في الفصل العشرين من إنجيله أن عيسى عليه السلام لما خرج من بلد جنازز ناداه مكفوفان اثنان وقالا له يا ابن داود ارحمنا وأنه فتح أعينهما هنالك فعادا مبصرين. وقال ماركوس في الفصل العاشر من إنجيله إن عيسى لما خرج من البلد المذكور ناداه مكفوف واحد وأن عيسى فتح عينيه. ومعلوم أن عيسى لم يمر بتلك البلدة إلا مرة واحدة فقد كذب متى في كونهما مكفوفين اثنين وكذب ماركوس في كونه مكفوفا واحدا لأن القصة واحدة في إقرارهما بأن المكفوف نادى عيسى وقال يا ابن داود، ونسبه إليه نسب البشر من الناس ما يكذب عقائدهم فيه فإن المكفوف ما قال يا إله ولا يا ولد الله أو يا خالق المخلوقات كما زعموا فيه لعنهم الله وإنما قال يا ابن داود فنسبه إلى نبي من الأنبياء الكرام ليشير أن نسب أمه مريم من هذا العنصر الطاهر وهو كذلك لأن مريم عليها السلام من ذرية داود ابن إيشار من سبط يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.

 

ومن ذلك ما قاله متى في الفصل السابع والعشرين من إنجيله إن عيسى المسيح صلب معه لصان فكانا يشتمانه في حال الصلب. وقال لوقا في الفصل الثالث والعشرين من إنجيله إن أحد اللصين هو الذي استهزأ بعيسى وقال له إن كنت المسيح خلص نفسك وخلصنا فزجره اللص الآخر أما تخاف الله وتعلم أن الذي أصابه قد أصابك مثله وأنا وأنت نستحق ما فعل بنا وهو لا يستحق شيئا ثم قال للمسيح يا سيدي اذكرني يوم مجيئك من ملكوتك فقال له المسيح أقول حقا إنك تكون معي ذلك اليوم في جنة الفردوس. وهذا الاختلاف بين لأن متى أوجب على اللصين النار لأنهما شتما المسيح ولوقا أوجب لأحدهما الجنة. وقد كذبا في قضية صلب المسيح وكفرا بذلك فعليهم لعنة الله. ويوحنا الذي حضر صلب المصلوبين قال في إنجيله إن سارقين صُلبا معه أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله ولم يذكر أنهما قالا شيئا البتة. وهذا تمام الاختلاف والاختلال.

 

ومن ذلك أن متى قال في الفصل الحادي والعشرين من إنجيله إن عيسى ركب دابة وهو سائر لبيت المقدس مثل ما قال فيه بعض الأنبياء "ترون سلطانكم جاء على دابة" وقال ماركوس في الفصل الحادي عشر من إنجيله إن المسيح كان راكبا على جحيش ابن الدابة ولم يذكر أنه ركب الدابة أصلا. وقال لوقا في الفصل التاسع عشر من إنجيله إنه كان راكبا على الدابة مثل ما قال متى. وقال يوحنا في الفصل الثاني عشر من إنجيله إنه كان راكبا على جحيش ابن الدابة خلافا لما قال ماركوس. فانظروا رحمكم الله إلى اختلافهم الصادر وكذبهم الظاهر في قولهم إنه ركب الجحيش وصغره لصغر سنه وما كان كذلك كيف يركبه الإنسان؟

 

ومن ذلك أيضا ما قاله متى في الفصل العشرين من انجيله إن مريم زوجة زبداي جاءت إلى المسيح وقال له إني أريد منك أن ولديّ الاثنين يجلسان غدا في ملكوتك أحدهما عن يمينك والآخر عن يسارك. وقال ماركوس في الفصل العاشر من إنجيله إن والدي خالة عيسى وهي مريم امرأة زبداي قالا له يا معلم نحب منك أن تنعم علينا بما نطلبك فيه. فقال المسيح: أي شيء تريدان؟ قالا له: أنعم علينا بأن يجلس أحدنا عن يمينك والآخر عن يسارك في ملكوتك. وأما لوقا ويوحنا فما ذكرا في إنجيليهما شيئا من هذه القصة على الولدين وأمهما مع أن يوحنا كان ملازما للمسيح ولم يفارقه حتى رفع. وهذا من الاختلاف الركيك فإن متى قال الأم طلبت ذلك وماركوس قال الوالدان هما اللذان طلباه وصاحباهما الآخران خالفاهما بعدم ذكر هذه القصة أصلا.

 

ومن اختلافهم أيضا ما قاله متى في الفصل التاسع عشر من إنجيله إن تلاميذ يوحنا قالوا للمسيح لأي شيء نصوم نحن ويصوم الفريزيون وتلاميذك لا يصومون؟ وقال ماركوس في الفصل الخامس من إنجيله إن الكتّاب والفريزيين قالوا للمسيح لأي شيء يصوم تلاميذ يوحنا وتلاميذك يأكلون ويشربون ولا يصومون؟ وهذا اختلاف ظاهر لأن النص الأول فيه الفريزيون يصومون والسائلين هم تلاميذ يوحنا والنص الثاني فيه أن الفريزيين السائلون بزيادة يحيى بن زكريا الكتاب معهم ولم يذكروا أنفسهم في صيام ولا فطر.

 

ومن ذلك ما قاله متى في الفصل الثالث من إنجيله إن يوحنا يأكل الجراد والعسل فخالف قوله في الفصل الحادي عشر من إنجيله إن عيسى عليه السلام قال لليهود جاءكم يوحنا لا يأكل ولا يشرب فقلتم إنه مجنون وجاءكم ابن قليس معناه ابن إنسان يعني نفسه فقلتم إنسان كبير الجوف يأكل ويشرب الخمر. وهذا اختلاف ظاهر في كلام متى لأنه نفى عن يوحنا الأكل والشرب في أحد نصيه وأثبت له أكل الجراد والعسل في النص الآخر. وغفل النصارى عن صريح الحجة عليهم في قول المسيح عن نفسه إنه ابن إنسان وإنه يأكل ويشرب الماء والخمر وهذا إقرار منه بأنه إنسان ابن إنسان يحتاج إلى مدد الغذاء وقوام بنية جسده بالطعام والشراب وهذا يكذب دعواهم فيه بإنه إله وابن إله فتعالى الله رب العالمين عن كفرهم علوا كبيرا.

 

ومن اختلافهم وصريح كذبهم على الله ورسوله ما قاله يوحنا في الفصل الخامس من إنجيله إن عيسى قال لليهود إن أبي الذي أرسلني هو يشهد لي ولا سمع أحد قط صوته ولا رآه. وهذا قريب إلى الصحة من قول المسيح، ثم خالفه متى في اللفظ والمعنى بالكفر الصريح وقال في الفصل التاسع عشر من إنجيله إن المسيح طلع على جبل طابور ومعه بيتر وجانصو ويوحنا الحواريون فلما استقروا فوق الجبل إذا وجه المسيح يضيء كأنه قمر أو شمس فما قدروا ينظرون إليه وسمعوا صوت الأبمن السماء يقول هذا ولدي الذي اصطفيته لنفسي اسمعوا منه وآمنوا به. وهكذا قال ماركوس في الفصل التاسع عشر من إنجيله. وقال يوحنا في الفصل الرابع عشر من إنجيله أنتم رأيتم أبي وعرفتموه فقال فليبوا الحواري يا سيدي كيف رأينا الأبفقال المسيح يا فليبوا لي معكم كثير وعرفتموني يا فليبوا من رآني فقد رأى أبي. وهذا من الاختلاف الظاهر والكفر الفاحش. أما الاختلاف فهو بين ما قاله يوحنا عن المسيح إن الذي أرسله يشهد له يعني بصحة نبوته ورسالته ولا سمع أحد قط صوته ولا رآه وبين ما قاله يوحنا المذكور إن المسيح قال للحواريين أنتم رأيتم أبي وعرفتموه فمن رآني فقد رأى أبي، وكذلك قصة جبل طابور وأن الثلاثة الذين كانوا مع المسيح سمعوا كلام الأبيعني رب العباد تبارك وتعالى عن قولهم وأنه قال لهم عن المسيح هذا ولدي الذي اصطفيته لنفسي، وحاشا لله أن تسمع مخلوقاته كلامه تقدس عن الصاحبة والولد. فكيف يشهدون لعيسى أنه ولد الله عز وجل فهذا كله من بهتانهم وجراءتهم على الله في الكذب عليه وعلى رسوله عيسى ومقصودهم بجميع هذه الأكاذيب ترويج عقائدهم في إلهية المسيح وكونه ولد الله تعالى عن ذلك. ثم أوقعهم الله بعظيم قدرته وماهر حكمته في التناقض وتخاذل النقل وتدافع اللفظ والمعنى من حيث يشعرون أو لا يشعرون فعليهم لعنة الله أجمعين. //

 

الباب السابع فيما نسبوه لعيسى من الكذب وهم الكاذبون لعنهم الله وعيسى قد برأه الله من جميع أقوالهم واعتقادهم

 

فمن ذلك ما قاله لوقا في الفصل الثاني والعشرين من إنجيله أن عيسى عليه السلام قال للحواريين الشيطان أراد فساد يقينكم ثم قال لبيتروا منهم أنا رغبت من أبي أن لا يجعل للشيطان سبيلا على فساد يقينك ثم إن بيتروا هذا كفر بعيسى وارتد عن دينه بعد أيام قليلة من إخبار عيسى وأن تلاميذ عيسى لم يكفر أحد منهم إلا بيتروا هذا، فانظروا رحمكم الله إلى تناقض هؤلاء المخاذيل فيما ينقلونه عن رجل اعتقدوا أنه نبي معصوم ومع ذلك أنه إله وابن إله فكيف يخبر عن شخص واحد من تلاميذه أنه سأل الله له أن لا يجعل للشيطان سبيلا على فساد يقينه ثم يقولون إن التلميذ الذي خصه بهذا الدعاء هو الذي كفر وارتد وأفسد الشيطان دينه ويقينه من دون جميع التلاميذ؟ وهل يكاد أحد يجهل هذا التناقض مع الكفر في تجويز الكفر على الأنبياء ووقوع الخلف في إخبارهم وهذا كله من صريح أكاذيبهم على عيسى، ووالله ما قال شيئا من هذه الأضاليل فنعوذ بالله من الخذلان.

 

ومن ذلك ما قاله يوحنا في الفصل الخامس من إنجيله إن المسيح قال لليهوج حقا أقول لكن إن الابن لا يقدر أن يعمل ويصنع إلا ما رأى أباه يصنعه. ومن المعلوم بالقطع أن المسيح أكل وشرب وخرج منه ما ينشأ عن الفضلات القبيحة وما رأى أباه يصنع من ذلك شيئا لأنه قدوس صمد لا إله إلا هو، وعيسى لم يقل شيئا من هذا ولكن كذب عليه اللعين يوحنا وحده لأن أصحابه الثلاثة لم يقولوا منه شيئا البتة.

 

ومن ذلك ما قاله يوحنا أيضا في الفصل السابع عشر من إنجيله إن عيسى عليه السلام تضرع إلى الله تعالى قبل موته وقال يا إلهي أنا أعلم أنك دائما تستجيب لي فأسألك أن تنجي تلاميذي من كل شيء في الدنيا والآخرة. ومعلوم بتواتر النقل عند جميع علماء النصارى أن تلاميذ عيسى أكثرهم مات مقتولا بالسيف ثم صلب بعضهم وسلخ جلد بعضهم وعذبوا بأنواع العذاب وحاشا لله أن يسأل اللهَ تعالى رسولُه عيسى أن ينجي تلاميذه من كل شيء في الدنيا والآخرة ثم تنالهم هذه المثلات وقبائح الموتات فيوحنا هو الذي كذب هذا على المسيح وأصحابه الثلاثة لم يقولوا شيئا منه البتة.

 

ومن ذلك ما قاله يوحنا في الفصل الخامس عشر من إنجيله إن عيسى عليه السلام قال لولا أني أتيت من المعجزات بما لم يأت به أحد من الأنبياء قبلي ما كانت لهم ذنوب بقلة إيمانهم بي، يعني اليهود. وحاشا عيسى عليه السلام أن يقول هذا فإنه يعلم بالضرورة أن موسى عليه السلام أتى بمعجزات كثيرة عظيمة وكذلك إلياس وإليسع عليهما السلام كانا قبل عيسى وكلاهما أحيا الموتى وإليسع أبرأ الأبرص كما أبرأه عيسى فكيف يزعمون بأن عيسى قال أتيت من المعجزات بما لم يأت به أحد قبلي؟ بل كذب عدو الله اللعين يوحنا وأصحابه الثلاثة لم ينقلوا شيئا من ذلك.

 

ومن ذلك ما قاله ماركوس في الفصل العاشر من إنجيله إن المسيح قال من ترك لوجهي دارا أو جنانا أو غير ذلك فإنه يأخذ قدر ما ترك مائة مرة وله الجنة، ولم يذكر الدنيا وقال لوقا في الفصل الثامن عشر من إنجيله إنه يأخذ أكثر مما ترك ولم يذكر الجنة ولا الدنيا. وأما يوحنا فما ذكر شيئا من هذا وهذا كذب ظاهر على عيسى عليه السلام فإن خلقا كثيرا تركوا ديارا وجنات ومتجرا وغير ذلك على يد عيسى عليه السلام ولا أخذوا منه قدر ما تركوا في الدنيا ولا قريبا من ذلك فعيسى لم يقل هذا ولكن كذبوا عليه لعنهم الله.

 

ومن ذلك ما قاله متى في الفصل التاسع عشر من إنجيله إن الفريزيين قالوا للمسيح: هل يحل للإنسان أن يطلق امرأته على أقل مسئلة؟ فقال لهم: ما قرأتم في التوراة إن الذي خلق الذكر والأنثى قال من أجل المرأة يترك الرجل أباه وأمه ويجتمع بزوجته ويكونان لحمة واحدة. وهذا كذب على عيسى وعلى التوراة فإن هذا الكلام ما قاله تبارك وتعالى ولكن حكته الكتب النبوية عن آدم عليه السلام لأنه حين نام خلق الله زوجته حواء من ضلعه فلما استيقظ قال من أجل هذا يترك الإنسان أباه وأمه ويكون مع زوجته لحمة واحدة. وحاشا عيسى أن ينسب هذا للتوراة والإنجيل وهو كان يحفظ التوراة والإنجيل فما يقول إلا ما قال الله فيهما ولكن كذب عليه متى في هذا القول وأصحابه الثلاثة لم يقولوه.

 

ومن ذلك ما قاله يوحنا في الفصل الثالث من إنجيله إن عيسى عليه السلام قال: ما يصعد إلى السماء إلا ما هبط منها. وهذا باطل وكذب على عيسى فإن في التوراة أن إدريس وإلياس عليهما السلام صعدا إلى السماء ولم يكونا هبطا منها بل في الأرض خلقا وعاشا إلى وقت صعودهما ونبينا محمد ﷺ صعد إلى السماء ليلة معراجه وما كان هبط منها فتبين كذب يوحنا في هذا على عيسى عليه السلام وأصحابه الثلاثة لم ينقلوا ذلك. فإن قال قائل من النصارى إن عيسى قال هذا وما عنى به إلا الأرواح قيل له هذا مخالف للتوراة والإنجيل فإن فيهما أن الأنبياء الذين صعدوا إلى السماء صعدوا بأجسامهم مع أرواحهم مثل ما صعد نبينا محمد ﷺ، فإن قالوا عيسى قال ذلك وعنى به أرواح البشر التي ماتت أجسادها فعند الموت تصعد الملائكة بها إلى السماء قلنا هذا احتمال يسقط معه الاستدلال والأصل في الألفاظ العموم والحقيقة حتى يثبت خلافهما والكفار لا تصعد أرواحهم إلى السماء بل تذهب إلى سجين فبطل ما قالوا وثبت كذبهم على عيسى عليه السلام.

 

ومن ذلك ما قاله متى في الفصل الحادي والعشرين من إنجيله إن عيسى عليه السلام أخذه الجوع وهو مع الحواريين فرأى شجرة تين قرب محجة الطريق فقصدها ليأكل منها فما وجد فيها ثمرة فدعا عليها فيبست من ساعتها. وقال ماركوس في الفصل الحادي عشر من إنجيله هذا الخبر وزاد فيه أنه لم يكن فصل التين. فانظروا رحمكم الله كيف نسبوا إلى نبي أنه يلتمس التين في أشجار الناس في غير فصله وهذا لا تفعله الصبيان والمجانين ثم قال إنه دعا عليها فيبست وليس لها ذنب تستحق به تلك العقوبة ولا تخلوا أن تكون ملكا لمالك أو مباحة لكل من مر بها فإن كانت ملكا لمالك فإن عيسى على زهده وورعه ورفيع قدره لا يقدم على الأكل منها بغير إذن مالكها لأن الشرائع متفقة على منع ذلك، وإن كانت مباحة فلا يدعو عليها باليبس حتى تنقطع منفعة الناس منها لأنه وجميع الأنبياء صلوات الله على نبينا وعليهم أجمعين جعلهم الله على منفعة الخلق ومصلحتهم لا على عكس ذلك. فتبين كذب متى وماركوس فيما نسبا إليه من هذه القصة فلعنة الله على الكاذبين. //

 

الباب الثامن فيما يعيبه النصارى دمرهم الله على المسلمين أعزهم الله

 

فمن ذلك ما قالوا إن الصالحين من المسلمين يتزوجون بخلاف أهل الرهبانية من النصارى. فيقال لهم أنتم متفقون في دينكم على أن داوود عليه السلام كان ملكا منزلته أعلا مرتبة من الولي بالإجماع منا ومنكم وفي التوراة أن داود تزوج بمائة امرأة وولد له منهن أزيد من خمسين ولدا ذكورا وأناثا، وسليمان عليه السلام تزوج ألف امرأة كما ثبت في التوراة وأنتم تعتقدون أن التوراة نزلت من عند الله وكذلك جميع الأنبياء عليهم السلام تزوجوا وولد لهم الأولاد سوى عيسى ويحيى بن زكريا عليهم السلام. وفي التوراة يحل للرجل أن يتزوج من النساء ما يقدر عليه من نفقتهن. وأنتم يا معشر النصارى لم تدينوا في التزويج بما شرعه الله في التوراة ولا في الإنجيل وإنما تمسكتم في ذلك بقول بولس الذي زعم أوائلكم أنه بمنزلة نبي، وبولس هو الذي أمركم أن لا يتزوج أحد غير امرأة واحدة فإن ماتت عوضها بأخرى وأمركم أن يتزوج القسيس امرأة واحدة بكرا لأبيها فإذا ماتت حرم عليه التزويج. وقد تبين أن دينكم في التزويج خالفتم فيه الأنبياء وخالفتم بولس أيضا في تزويج القسيس الأبكار فحرمتم على جميع القسيسين أن يتزوجوا وصار سفهاؤكم وجهالكم يعتمدون في ذلك على هذا وتعيبون على أولياء المسلمين ما يفعلون في التزويج. فأما علماؤكم فيعلمون بأن ذلك حلال منصوص في الكتب النبوية. وأهل الإسلام من الله عليهم بالحنيفية السمحة التي لا مشقة عليهم فيها وقال لهم نبيهم ﷺ: لا رهبانية في الإسلام. وقال لهم: تناكحوا تناسلوا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة. فهم بالتناكح والتناسل مثابون لأجل امتثالهم في ذلك أمر نبيهم ﷺ.

 

ومما يعيبه النصارى على أهل الإسلام الاختتان. فيقال لهم إن عندكم في الإنجيل أن عيسى كان مختونا ويوم ختانه هو عندكم من أكبر الأعياد فكيف تنكرون على الإسلام ما أنتم تعظمونه من أمر نبيكم؟ ثم إنكم تعتقدون أن إبراهيم عليه السلام وجميع الأنبياء كانوا مختونين وأن الله أمركم بالختان كما هو عندكم بالتوراة. فالعيب عندكم والإثم عليكم لأنكم تركتم سنة نبيكم في الختان وخالفتم فيه جميع الأنبياء ثم صرتم تعيبونه. وكل من عاب أفعال الأنبياء فيما شرع الله لهم فقد كفر بالله وأنبيائه.

 

ومما يعيبونه أيضا على المسلمين اعتقادهم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون. فيقال لهم كيف تنكرون ذلك وقد قال متى في الفصل السادس والعشرين من إنجيله إن عيسى عليه السلام قال للحواريين وهو يتعشى معهم في الليلة التي أخذه وقتله فيها اليهود على زعمهم إني ما بقيت أشرب شرابا بعد هذا إلا في الجنة. وقال ماركوس في الفصل الرابع عشر من إنجيله إن عيسى عليه السلام قال للحواريين الحق الحق أقول لكن إنكم تأكلون وتشربون على طبليتي في الجنة. وقد علم علماء النصارى أن آدم عليه السلام أكل من الشجرة المنهية في الجنة هو وامرأته حواء وكان ذلك سبب هبوطهما إلى الأرض. وهذا منصوص عليه في التوراة والإنجيل فكيف ينكر جهالهم أن لا يكون في الجنة الأكل والشرب وهم معولون في هذا على أن كل من أكل وشرب لا بد له من فصل بول وغائط، والجنة مطهرة من ذلك وما علموا أن نبينا ﷺ الحكيم الأكبر أخبرنا بأن ما يأكلونه أهل الجنة ويشربونه يخرج عليهم رشح أي عرق رائحته كرائحة المسك وأنهم لا يبصقون فيها ولا يتمخطون ولا يبولون ولا يتغوطون. وأجمعت الكتب والرسل على أن في الجنة من أنواع الفواكه ولحوم الطير وغيره ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وكل من دخلها وحرم من هذه اللذات فهو فيها معذب نكد العيشة، نعوذ بالله من اعتقاد ذلك لأن اعتقاد ذلك يؤدي إلى ما تقوله الملحدة من أن نعيم الجنة بعد الموت إنما هو بالأرواح لا بالأجساد لأنهم ينكرون بعث الأجساد. والنصارى وإن صرحوا بهذا فقد لزمهم القول به في أن الأرواح هي التي تنعم في الجنة وأما الأجساد فلا تعيم لها إلا بالغذاء الذي جعله الله قوام بنيتها. وهذا خلاف المعقول والمنقول.

 

ومما ينكرونه أيضا على المسلمين قولهم في الجنة قصور ويواقيت وغير ذلك. فيقال لهم إن عندكم في الكتاب المسمى بنور القديسين في قصة جوان الإنجيلي أنه مر يوما ذات بشابين عليهما ثياب الحرير ومعهما خدم وموكب كبير فذكرهما بالنار وهددهما بها حتى تركا ما كانا عليه وتبعا جوان المذكور وتصدقا بمالهما على خدامهما فلما كان بعد مدة مر خادمهما عليهما في زي عظيم ومراكب وخدام فحزنا وندما على ما فاتهما من الدنيا واشتد ذلك عليهم ففهم ذلك جوان وقال لهما ندمتما على ما فاتكما من الدنيا؟ قالا نعم وما وجدنا عن ذلك صبرا. قال فاذهبا فإتياني بحجارة من الوادي فإتيا بها، فجعلها تحت ثوبه ثم أخرجها وهي كلها يواقيت نفيسة فقال اذهبا بها إلى السوق فبيعاها ثم اشتريا بأثمانها أكثر مما كان لكما لكن لا نصيب لكما في الجنة لأنكما بعتما نصيبكما منها بهذا العاجل الفاني. فبينما هم في ذلك إذ بقوم أتوا بميت ورغبوا من جوان المذكور أن يحييه فقال قم يا هذا الميت فأذن الله تعالى فقام الميت فقال جوان أخبر هاذين بما فاتهما من نعيم الجنة فقال لهما ذلك الذي كان ميتا قد كانت لكما في الجنة قصور مبنية بالياقوت على كل لون طول كل قصر منها كذا وكذا. فلما سمعا الشابان هذا تابا وتركا كل شيء واتبعا جوان على دين عيسى حتى أتاهما اليقين. وعندكم أيضا في الكتب المذكورة أن فلان ريان وهو عندكم من الصالحين القديسين الكبار كانت الملائكة تأتيه كل يوم بطعام من الجنة في أطباق الذهب وعليها مناديل الحرير وفوق المناديل أنوار مختلفة الألوان فكيف تنكرون أن لا يكون في الجنة آلات الذهب وثياب الحرير والأنوار والطعام المأكول وهذه القصة حجة عليكم سوى ما نقلت الكتب النبوية من ذلك واتفق على صحته جميع العقلاء الشرعيين ولكنكم قوم تجهلون وتجهلون أنكم تجهلون. وفي الكتاب المذكور في قصة شنتتون أن الملائكة كانت تأتيه كل يوم بما يقوم به من الغذاء غدوة وعشية من طعام أهل الجنة المختلف الألوان وأنه أتاه يوما رجل قدسي صالح كبير يعرف بباولس العبد فأتته الملائكة في ذلك اليوم بأضعاف ما كانت تأتيه كل يوم من طعام أهل الجنة في أواني من الذهب وعليها مناديل الحرير. وفي كتبهم من هذا شيء كثير ولكن تركته خوف التطويل ولا ينكر ما ذكرته من هذا إلا الحمقاء إخوان المجانين.

 

ومما يعيبونه على المسلمين تسميتهم بأسماء الأنبياء عليهم السلام فيقال لهم كيف تنكرون علينا ذلك ونحن قد تسمينا بأسماء الأنبياء تبركا بهم وهم من جنس بني آدم صلوات الله عليهم. وكيف لا تنكرون على أنفسكم وأنتم تسمون بأسماء الملائكة كجبريل وميكائيل وعزرائيل؟ ولا جواب لهم عن هذا أصلا وبالله التوفيق. //

 

الباب التاسع في ثبوت نبوة نبينا محمد ﷺ بنص التوراة والإنجيل والزبور وتبشير الأنبياء ببعثته ورسالته وبقاء ملته إلى آخر الدهر صلوات الله عليهم أجمعين

 

اعلموا رحمكم الله أن نبوة نبينا محمد ﷺ ثابتة في كل كتاب أنزله الله تعالى وجميع الأنبياء قد بشروا به. فمن ذلك ما في الفصل السادس عشر من الكتاب الأول من التوراة فإن التوراة خمسة كتب واجتمعت في سفر واحد وذلك أن هاجر لما هربت من سارة زوج الخليل إبراهيم رأت في تلك الليلة ملكا من الملائكة فقال لها: يا هاجر ما تريدين ومن أين أقبلت؟ قالت: هربت من سارة. قال: ارجعي إليها واخضعي لها فإن الله تعالى سيكثر زرعك وذريتك وعن قريب تحملين وتلدين ولدا اسمه إسماعيل من أجل أن الله سمع خشوعك ويكون ولدك عين الناس وتكون يده فوق الجميع ويد الجميع مبسوطة إليه بالخضوع ويكون أمره في معظم الدنيا. انتهى نص التوراة. ومعلوم أن إسماعيل وأولاد صلبه لم يكونوا متصرفين في معظم الدنيا وإنما الإشارة بذلك لعظيم ذريته وهو نبينا محمد ﷺ لأن دينه دين الإسلام علا على أهل الأرض وأكثر معمورها وتصرفت أمته في مشارق الأرض ومغاربها وهذا أمر تعلمه علماء اليهود وجماهيرهم ولكنهم يكتمونه عن عوامهم لما أوجبه الله عليهم من اللعنة والخذلان. نعوذ بالله من حالهم.

 

ومن ذلك ما في الفصل الثامن عشر من التوراة أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام قل لبني إسرائيل إني أقيم لهم آخر الزمان بينا مثلك من بني إخوتهم ومن لم يسمع كلمتي التي يؤديها عني أنتقم منه. وهذا النص يدل على أن هذا النبي الذي يقيمه الله لبني إسرائيل في آخر الزمان ليس من نسلهم ولكنه من بني إخوتهم وكل نبي بعث بعد موسى كان من بني إسرائيل وآخرهم عيسى عليه السلام فلم يبق من بنى إخوتهم إلا نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لأنه من ولد إسماعيل وإسماعيل أخو إسحاق بن إبراهيم وإسحاق جد بني إسرائيل. فهذه هي الأخوة التي ذكرت في التوراة. ولو كانت الإشارة لنبي من أنبياء بني إسرائيل لم يكن لذكر هذه الأخوة معنى. واليهود أجمعوا على أن الأنبياء الذين كانوا في بني إسرائيل بعد موسى لم يكن فيهم مثله. والمراد بالمثلية هنا أن يأتي بشرع خاص به تتبعه الأمم بعده وهذه هي صفة نبينا محمد ﷺ لأنه من إخوتهم العرب بني إسماعيل وقد جاء بشريعة ناسخة لجميع الشرائع تبعته عليها الأمم فهو كموسى من هذه الحيثية وهو أفضل منه ومن جميع الأنبياء بإجماع أمته ﷺ.

 

ومن ذلك ما في الفصل الثالث والثلاثين من التوراة أن الرب جاء من طور سيناء وطلع إلينا من ساعير وظهر من جبال فاران ومعه وعن يمينه رايات القديسين. وجبال فاران يعني مكة وأرض الحجاز فإن فاران اسم رجل من ملوك العمالقة الذين اقتسموا الأرض فكان الحجاز وتخومه لفاران فسمي القطر كله باسمه. وفي التوراة جاء الله من طور سيناء يريد بمجيئه ظهور دينه وتوحيده تبارك وتعالى بما أوحى الله إلى موسى بطور سيناء وطلع من ساعير يعني جبلا بالشام به كان ظهور دين عيسى عليه السلام بما أوحاه الله إليه وظهر من جبال فاران يريد ما أظهره الله وأكمله من دين الإسلام بمكة والحجاز على نبينا محمد ﷺ بما أوحاه الله إليه. وقوله إن رايات القديسين معه وعن يمينه فالقديسون هم الرجال الأولياء والصالحون والمراد بهم ها هنا أصحاب نبينا محمد ﷺ لأنهم الذين كانوا معه وعن يمينه ولم يفارقوه قط رضي الله عنهم.

 

ومن ذلك ما اتفق عليه الأربعة الذين كتبوا الأناجيل الأربعة أن عيسى عليه السلام قال للحواريين حين رفع إلى السماء إني أذهب إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم وأبشركم بنبي يأتي من بعدي اسمه بارقليط. وهذا اسم شريف باللسان اليوناني تفسيره بالعربية أحمد كما قال الله تعالى في كتابه العزيز ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد. وهو في الإنجيل باللطيني براكلتس. وهذا الاسم الشريف المبارك هو الذي كان سبب إسلامي كما تقدم في أول هذا الكتاب.

 

ومن ذلك ما قاله يوحنا في الفصل الخامس عشر من إنجيله إن عيسى عليه السلام قال البارقليط الذي يرسله الله في آخر الزمان هو الذي يعلمكم كل شيء. فالبارقليط هو نبينا محمد ﷺ وهو الذي يعلم الناس كل شيء بما أوحى الله إليه من القرآن العظيم الذي فيه علوم الأولين والآخرين وما فرط الله فيه من شيء كما قال تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء. ولم يظهر بعد المسيح نبي مرسل بهذه الصفة غير نبينا محمد ﷺ فهو المراد بهذه البشارة الجليلة وإن رغمت بذلك أنوف خنازير النصارى لعنهم الله تعالى.

 

ومن ذلك ما قاله يوحنا في الفصل الخامس عشر من إنجيله إن المسيح قال البارقليط الذي يرسله أبي من بعدي ما يقول من تلقاء نفسه شيئا ولكن يناجيكم بالحق كله ويخبركم بالحوادث والغيوب. وهذه صفة نبينا محمد ﷺ بالأخبار المتواترة بحيث لا ينكرها إلا مخذول مطرود عن أبواب رحمة الله تعالى. فأما كونه لا ينطق عن الهوى وما يقول إلا بوحي يوحى فهذا يشهد الله به ولا خلاف فيه بين أمته. وأما إخباره بالحوادث والغيوب فباب واسع جمعت فيه كتب وهو بحر لا يحاط بساحله. وفي كتاب الشفا للسيد الفقيه الإمام حجة الإسلام أبي الفضل عياض ما فيه مقنع واعتبار لأولي الألباب. وأما ثبوت نبوته ﷺ من كتب الأنبياء المتقدمين صلوات الله عليهم أجمعين فمن ذلك ما قاله داود عليه السلام في الزبور الثاني والتسعين إنه يملك من البحر إلى البحر ومن أدنى الأنهار إلى مطلع التراب وتأتيه ملوك اليمن والجزائر بالهداية وتسجد له الملوك وتدين له بالطاعة والانقياد ويصلى عليه في كل وقت ويبارك عليه في كل يوم وتنور بأنواره المدينة ويدوم ذكره إلى أبد الأبد واسمه موجود قبل وجود الشمس. وهذه كلها صفات نبينا محمد ﷺ والوجود يشهد له وكل من دفع هذه الصفات عنه فلا يجد في العالم أحدا يستحقها وإن ادعاها مدع لغيره من الأنبياء كان مجاهرا بالبهتان. ثم لا أعلم أحدا بعد داود نسبت له هذه الصفات الجليلة وهو قبل نبينا محمد ﷺ وعلماء اليهود يعلمون أنها صفاته الذاتية ولكن يكتمون ذلك لشقاوتهم السابقة في الأزل.

 

ومن ذلك ما قاله يعقوب النبي في الفصل الثالث من كتابه في آخر الزمان يجيء الرب من القبلة والقدس من جبال فاران. ومجيء الرب تبارك وتعالى هو مجيء وحيه والقدس هو نبينا محمد ﷺ ظهر من جبال فاران وهي مكة وأرض الحجاز.

 

ومن ذلك ما قاله النبي ميخا عن النبي ﷺ في الفصل الرابع من كتابه في آخر الزمان تقوم أمة مرحومة وتختار الجبل المبارك ليعبدوا الله الإله الواحد ولا يشركوا به شيئا. وهذا هو جبل عرفات بلا شك والأمة المرحومة هي أمة محمد ﷺ والاجتماع بالجبل المبارك هو اجتماع كل الحجيج بعرفات وإتيانهم إليه من جميع الأقاليم.

 

ومن ذلك ما قاله النبي إيشعيا في الفصل الثامن والأربعين من كتابه إن الرب يبعث في آخر الزمان عبده الذي اصطفاه لنفسه يبعث له الروح الأمين يعلمه دينه وهو يعلم الناس كما علمه الروح الأمين ويحكم بين الناس بالحق ويمشي بينهم بالعدل وهو نور يخرجهم من الظلمات التي كانوا فيها وعليها رقود عرفتكم ما عرفني الرب سبحانه وتعالى قبل أن يكون. وهذه رحمكم الله صفات نبينا محمد ﷺ واضحة مبينة لأنه هو الذي بعثه في آخر الزمان بعد أن اصطفاه لنفسه وجعله حبيبه وخليله من خلقه وبعث له الروح الأمين جبريل عليه السلام يعلمه دينه وهو وحي القرآن والسنة وشرائع دين الإسلام وقد بلغ ﷺ كل ما أمر بتبليغه وهو معنى قول هذا النبي وهو يعلم الناس ما علمه الروح الأمين عليه السلام. وكان يحكم بين الناس بالحق ويمشي بينهم بالعدل فإن كل ما أمر به ونهى عنه أجمع أهل العقول على عدله وصوابه في المأمورات والمنهيات، وما أنكره من أنكره وكفر به من كفر به إلا عنادا أو مكابرة للعيان وتخبطا في حبال الشيطان بمحتوم الخذلان. والنور الذي أخرج به الناس من ظلماتهم هو القرآن الذي أنزله الله تعالى عليه وكلام هذا النبي إيشعيا بين من أبين الأدلة وأوضح البراهين على ثبوت نبوة نبينا محمد ﷺ

 

ولو ذكرت جميع ما في كتب الأنبياء لطال الكتاب وأنا أرجو أن أجمع بشارات جميع الأنبياء كتابا مفردا لذلك على وجه التفصيل وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

طبقات خليفة خليفة بن خياط أبو عمر شباب/الليثي العصفري/ت. الوفاة : 240 .

 طبقات خليفة  خليفة بن خياط أبو عمر شباب/الليثي العصفري/ت. الوفاة : 240 .  الطبقات قال حدثنا خليفة بن خياط شباب أبو عمرو الشيباني الذهلي...