الاثنين، 6 يونيو 2022

مجلد 10. و11. من كتاب:السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون المؤلف:علي بن برهان الدين الحلبي

مجلد 10. ممن كتاب:السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون  المؤلف:علي بن برهان الدين الحلبي


يبكيان وأهل الدار يبكون فاستأذنت على امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي وسمعت من بعض الشيوخ أن هرة كانت بالبيت جالسة تبكي أيضا فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل وقد لبث صلى الله عليه وسلم شهرا لا يوحى إليه في شأني فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تعالى تاب الله عليه
قال بعضهم دعاها إلى الإعتراف ولم يأمرها بالستر أي مع أنه المطلوب ممن أتى ذنبا لم يطلع عليه
وفي لفظ قال يا عائشة إنه قد كان ما بلغك من قول الناس فاتق الله فإن كنت قارفت أي اكتسبت سوءا مما يقول الناس فتوبي إلى الله تعالى فإن الله تعالى يقبل التوبة عن عبادة قالت فلما قضي رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي أي ارتفع حتى ما أحسن منه بقطرة فقلت لأبي أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال قال فوالله لا أدري ما قول لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ قلت لأبوي ألا تجيبان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا والله لا ندري بماذا نجيبه فقلت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في نفوسكم فلئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم إني بريئة لا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني فوالله لا أجد لي ولكم وفي لفظ لا أجد لي مثلا إلا أقول أبى يوسف عليهما السلام أي والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه إذ يقول { فصبر جميل والله المستعان }
أي وفي رواية كما في البخاري مثل ومثلكم كيعقوب وبنيه { والله المستعان على ما تصفون } وفي لفظ إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وبذلك أستدل على جواز ضرب المثل من القرآن أيضا ثم تحولت فاضحجعت على فراشي ما كنت أظن أن الله ينزل في شأني وحيا يتلى وفي لفظ قرآنا يقرأ به في المسجد ويصلي به ولشأني في نفسي

كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى وكنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا في النوم يبرئني الله بها أي وعند ذلك قال ابو بكر رضي الله عنه ما أعلم أهل بيت من العرب دخل عليهم ما دخل علي والله ما قيل لنا هذا في الجاهلية حيث لا يعبد الله فيقال لنا في الإسلام وأقبل على عائشة مغضبا فأحذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يأخذه عند نزول الوحي أي من شدة الكرب فسجى أي غطى بثوبه ووضعت له وسادة من أدم تحت رأسه وفي لفظ قالت عائشة رضي الله عنها فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت فوالله ما فزعت لأني قد عرفت أني بريئة وأن الله غير ظالمي وأما ابواي فوالذي نفس عائشة بيده ما سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وأخبر بما أخبر حتى ظننت لتخرجن أنفسهما فرقا أي خوفا من أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس فلما سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سرى عنه وهو يضحك وإنه لينحدر منه العرق كالجمان وهي حبوب مد حرجة تجعل من الفضة أمثال اللؤلؤ فجعل يمسح العرق عن وجهه الكريم فكان أول كلمة تكلم بها يا عائشة أما إن الله قد براك فقالت أمي قومي إليه صلى الله عليه وسلم فقلت والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله وفي لفظ قال أبشري يا عائشة فقد أنزل الله تعالى براءتك قلت نحمد الله لا نحمد أحدا قالت عائشة رضي الله عنها نزلت تلك الآيات في يوم شات قالت وتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم درعي فقلت بيده هكذا أي أدفع يده عن درعي فأخذ أبو بكر النعل ليعلوني بها فمنعته فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له أقسمت عليك لا تفعل وفي رواية لما أنزل الله براءتها قام إليها أبو بكر رضي الله عنه فقبل رأسها فقالت له هلا كنت عذرتني فقال أي بينة أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إن قلت بما لا أعلم ولا مخالفة بين هذه الرواية وما قبلها لجواز أن يكون ما قبلها بعدها وأنزل الله تعالى إن الذين جاءوا بالإفك الآيات العشر أي وفي تفسير البيضاوي الثمانية عشر
قال السهيلي وكان نزل براءة عائشة رضي الله عنها بعد قدومهم المدينة أي من الغزوة المذكورة لسبع وثلاثين ليلة في قول بعض المفسرين فمن نشبها رضي الله عنها إلى الزنا كغلاة الرافضة كان كافرا لأن في ذلك تكذيبا للنصوص القرآنية ومكذبها كافر
وفي حياة الحيوان عن عائشة رضي الله عنها لما تكلم الناس في الإفك رأيت في منامي

فتى فقال لي مالك قلت حزينة مما ذكر الناس فقال ادعي بهذه يفرج الله عنك قلت وما هي قال قول يا سابغ النعم ويا دافع النقم ويا فارج الغمم ويا كاشف الظلم ويا أعدل من حكم ويا حسيب من ظلم ويا أول بلا بداية ويا آخر بلا نهاية اجعل لي من أمري فرجا ومخرجا قالت فقلت ذلك فانتبهت وقد أنزل الله فرجى
قال بعضهم برأ الله تعالى أربعة بأربعة برأ يوسف عليه السلام بشاهد من أهل زليخة وبرأ موسى عليه السلام من قول اليهود فيه إن له ادرة بالحجر الذي فر بثوبه وبرأ مريم بإنطاق ولدها وبرأ عائشة بهذه الآيات
وكان أبو بكر رضي الله عنه ينفق على مسطح لقرابته منه أي كما تقدم ولفقره فحلف لا ينفق عليه أي فإنه قال والله لاأنفق على مسطح أبدا ولا انفعه بنفع أبدا بعد ما قال لعائشة وأدخل علينا
وفي لفظ أخرجه من منزله وقال له لا وصلتك بدرهم أبدا ولا عطفت عليك بخير أبدا فأنزل الله تعالى { ولا يأتل أولوا الفضل } أي الفضيلة والإفضال منكم والسعة أي في الرزق أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم وعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه أما تحب أن يغفر الله لك قال أبو بكر رضي الله عنه والله إني لأحب أن يغفر لي فرجع إلى مسطح بالنفقة التي كان ينفق عليه وقال والله إني لا انزعها عنه أبدا
وفي معجم الطبراني الكبير والنسائي أنه أضعف له في النفقة التي كان يعطيه إياها قبل القذف أي أعطاه ضعف ما كان يعطيه قبل ذلك أي وكفر عن يمينه
وبهذا وبما في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم من حلف علي يمين ورأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه
استدل فقهاؤنا على أن الأفضل في حق من حلف على ترك مندوب أو فعل مكروه أن يحنث ويكفر عن يمينه
وهنا لطيفة وهي أن ابن المقرى رحمه الله منع عن ولده النفقة تاديبا له على أمر وقع منه فكتب إلى والده رحمه الله تعالى هذه الأبيات

** لا تقطعن عادة بر ولا تجعل عقاب المرء في رزقه ** ** فان أمر الإفك من مسطح يحط قدر النجم من أفقه ** ** وقد جرى منه الذي قد جرى وعوتب الصديق في حقه ** فكتب إليه والده رحمه الله تعالى هذه الأبيات ** قد يمنع المضطر من ميتة إذا عصى بالسير في طرقه ** ** لأنه يقوى على توبة تكون أيصالا إلى رزقه ** ** لولم يتب مسطح من ذنبه ما عوتب الصديق في حقه ** ووصف الله تعالى الصديق بأولى الفضل موافق لوصفه صلى الله عليه وسلم له بذلك فقد جاء أن عليا كرم الله وجهه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق رضي الله عنه جالس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنحى أبو بكر عن مكانه وأجلس عليا كرم الله وجهه بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فتهلل وجه الرسول صلى الله عليه وسلم فرحا وسرورا وقال لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أولو الفضل
وعنها رضي الله عنها أنها قالت لما استلبث الوحي عنه صلى الله عليه وسلم أي أبطأ عليه ولم ينزل استشار الصحابة فقال له عمر رضي الله عنه من زوجها لك يا رسول الله قال الله تعالى قال أفتظن أن الله دلس عليك فيها سبحانك هذا بهتان عظيم فنزلت ودعا على بن أبي طالب كرم الله وجهه وأسامة بن زيد رضي الله عنهما ليستأمرهما في فراق أهله أي تعنى نفسها فأما أسامة بن زيد فقال أهلك أي الزم أهلك يا رسول الله ولا نعلم إلا خيرا وأما علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقال يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير وإنك لتقدر أن تستخلف وفي لفظ قد أحل الله لك فطلقها وانكح غيرها وإن تسأل الجارية تصدقك يعني بريرة رضي الله عنها أي لأنها كانت تخدم عائشة إما قبل شرائها لها أو بعده وقبل عتقهالها كان بعد الفتح فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك قالت بريرة والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمرا أغمصه بالغين المعجمة والصاد المهملة بينهما ميم مكسورة أي أعيبه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن وهي الدابة التي تألف البيوت ولا تخرج للمرعى وهي هنا الشاة فتأكله

وفي لفظ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فسألها فقام إليها علي كرم الله وجهه فضربها ضربا شديدا وجعل يقول لها أصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول والله ما أعلم إلا خيرا وما كنت أعيب على عائشة شيئا إلا أني كنت أعجن عجيني فآمرها أن تحفظه فتنام عنه فتأتي الشاة فتأكله أي وضربها كما قال السهيلي ولم تستوجب ضربا ولا استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضربها لأنه اتهمها في أنها خانت الله ورسوله فكتمت من الحديث ما لا يسعها كتمه هذا كلامه
والذي في البخاري وانتهرها بعض الصحابة فقال أصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت سبحان الله والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصانع عل تبر الذهب الأحمر
وفي الإمتاع جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لبريرة وسألها فقالت هي اطيب من طيب الذهب والله أعلم عليها إلا خيرا والله يا رسول الله لئن كانت على غير ذلك ليخبرك الله بذلك
أي برير هذه روى عنها عبد الملك بن مروان فقد ذكر أنه قال كنت أجالس بريرة رضي الله عنها بالمدينة قبل أن آني إلى هذا الأمر يعني الخلافة فكانت تقول لي يا عبد الملك إني أرى فيك خصالا وإنك لخليق أن تلي هذا الأمر يعني الخلافة فإن وليته فاحذر الدماء فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الرجل ليدفع عن باب الجنة بعد أن ينظر إليها على محجمة من دم يريقه من مسلم بغير حق
قالت عائشة رضي الله عنها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش أم المؤمنين عن أمري يقول ماذا علمت أو رأيت فتقول يا رسول الله أحمى سمعي وبصري أي أصون سمعى من أقول سمعت ولم أسمع وأصون بصري من أن أقول أبصرت ولم أبصر ما علمت إلاخيرا أي وفي رواية حاشا سمعي وبصري ما علمت إلا خيرا والله ما أكملها وإني لمهاجرتها وما كنت أقول إلا الحق قالت عائشة وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ تناصيني أي تعادلني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في المنزلة والمحبة عنده صلى الله عليه وسلم فعصمها الله تعالى أي ولهذا جعلها في النور أفضل نسائه صلى الله عليه وسلم

بعد عائشة وخديجة حيث قال والذي يظهر أن أفضلهن أي زوجاته صلى الله عليه وسلم بعد خديجة وعائشة زينب بنت جحش
وقالت عائشة رضي الله عنها في وصفها لم أر أمرأة قط خيرا من زينب في الدين وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم واعظم صدقة وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي يتقرب به إلى الله ما عدا سورة أي حدة تسرع فيها ألفيئة أي ترجع عنها سريعا قالت عائشة رضي الله عنها وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عند استلباث الوحي وتأخره في الناس وخطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس ما بال رجال يؤذوني في أهلي ويقولون عليهم غير الحق وفي رواية فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول فقال وهو على المنبر من يعذرني أن ينصفني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ولقد ذكروا رجلا يعني صفوان ما علمت عليه إلاخيرا أي وزاد في رواية ولا يدخل بيتي وفي لفظ بيتا من بيوتي إلا وأنا حاضر ولا غبت في سفر إلا غاب معي يقولون عليه غير الحق فقام سعد بن معاذ أي سيد الأوس فقال يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخرزج أمرتنا ففعلنا أمرك فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وقد احتملته الحمية وفي لفظ أجهلته الحمية وكان قبل ذلك رجلا صالحا أي لما ذكر سعد بن معاذ الحزرج الذين هم قوم سعد بن عبادة غضب سعد بن عبادة لأجلهم وحملته الحمية لهم على أن يجهل أي قال قول الجهل فقال لسعد بن معاذ كذبت لعمر الله لاتقتله ولا تقدر على قتله فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ كما تقدم فقال لسعد ابن عبادة كذبت لعمر الله لنقتلنه وأنفك راغم فانك منافق تجادل عن المنافقين أي والمراد بكونه منافقا انه يفعل فعل المنافقين ومن ثم لم ينكر صلى الله عليه وسلم ذلك إن كان سمعه فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا لأنه كان بين الحيين قبل الإسلام مشاحنة ومحاربة كما تقدم ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكنوا قالت وأنا لا أعلم بشي من ذلك
أقول فيه أن سعد بن معاذ لم يقل إنه كان من الخزرج نقتله بل قال نفعل فيه ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فلا يحسن رد سعد بن عبادة عليه بما ذكر


ثم رأيت بعضهم ذكر أن الأظهر عندي أن ابن عبادة لم يقل ذلك حمية لقومه وإنما أراد الانكار على ابن معاذ في كونه يقتل شخصا من قومه الذين هم الأوس مع أنه يظهر الإسلام لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يقتل من يظهر الإسلام فكأنه قال لا تقل ما لا تفعل ولا تقدر على فعله حيث لم يأمرك بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وإنما انتصر أسيد بن حضير لسعد بن معاذ نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم في مثل الحالة العظيمة التي طلب النبي صلى الله عليه وسلم فيها من يعذره من ذلك القائل وإنكاره على سعد ابن عبادة إنما هو إنكار ظاهر لفظه وإن كان لباطنه مخلص حسن وكم من لفظ ينكر إطلاقه على قائله وإن كان في الباطن له مخلص هذا كلامه
ثم رأيت في السيرة الهشامية أن المتكلم أسيد بن حضير وأنه قال يا رسول الله إن يكونوا من الأوس نكفيكهم وإن يكونوا من إخواننا الخرزج فمرنا أمرك فوالله إنهم لأهل لأن نضرب أعناقهم فقام سعد بن عبادة فقال كذبت لعمر الله والله ما تضرب أعناقهم أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخرزج ولو كانوا من قومك يعني الأوس ما قلت هذا أي لأن عبد الله بن أبي ابن سلول من الخزرج وكذا حسان بن ثابت رضي الله عنه بناء على أنه كان من أصحاب الإفك
وفي البخاري أن سعد بن معاذ قال ائذن لي يا رسول الله أن اضرب أعناقهم فقام رجل من الخزرج وكانت أم حسان من رهط ذلك الرجل أي من الخزرج فقال كذبت أما والله لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم وعلى هذه الرواية فلا إشكال
وقول البخاري وكانت أم حسان إلى آخره يشعر بأن حسان لم يكن من الخزرج وهو يخالف ما تقدم وما سيأتي أنه من الخزرج إلى أن يقال وصفه بذلك على المسامحة لكون أمه منهم فليتأمل ولا يخفى أن ذكر المنبر يخالف ما في الأصل من أن اتخاذ المنبر كان في السنة الثامنة وقصة الإفك كانت في السنة الخامسة أو السادسة وفي النور المراد بالمنبر شيء مرتفع قال وإلا فالمنبر إنما اتخذ في السنة الثامنة أي فيكون المراد المنبر الذي أتخذ في السنة الثانية كان من الطين والذي كان من الخشب إنما اتخذ في السنة الثامنة وقد بينا ذلك مبسوطا والله أعلم
ثم بعد نزول آيات الإفك أي وهي { إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة } إلى قوله { أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم } خرج صلى الله عليه وسلم إلى الناس

وخطبهم وتلا عليهم تلك الآيات وأمر بجلد أصحاب الإفك أي وهم عبد الله بن أبي ومسطح وحمنة بنت جحش أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين وأخوها عبيدالله بالتصغير ابن جحش ويقال له أبو أحمد كان ضريرا أي وكان يدور مكة أعلاها وأدناها في أي محل من غير قائد وكان شاعرا وهو ابن عمة أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم وأما أخوها عبد الله مكبرا فقد قتل يوم أحد كما تقدم وزاد بعضهم خامسا وهو زيد بن رفاعة وفيه أن تقدم أنهم لما قدموا المدينة وجدوه قد مات إلا أن يقال إن لهم زيد بن رفاعة غيره فيجوز أن يكون هو ذلك ويقال وحسان بن ثابت فجلدوا الحد وهو ثمانون
وقال بعضهم وذكر سعد بن معاذ في هذه الرواية أي أنه القائل أنا أعذرك وهم من بعض الرواة وإنما المتكلم بذلك أسيد بن حضير أي كما تقدم عن السيرة الهشامية لأن سعد بن معاذ مات بعد بني قريظة
قال في الأصل لو اتفق اهل المغاز على أن غزوة الخندق وبني قريظة متقدمة على عزوة بني المصطلق لكان الوهم لازما ولكنهم مختلفون
أقول أي فالوهم لا يلزم إلا من جعل هذه الغزوة التي هي غزوة بني المصطلق متأخرة عن بني قريظة ويذكر فيها سعد بن معاذ كالأصل ومن ثم قال ابن اسحاق بانها بعد بني قريظة روى عن عائشة بدل سعد بن معاذ اسيد بن حضير قال في الإمتاع وهذا هو الصحيح والوهم لم يسلم منه أحد من بني ادم
وفيه أن مما يدل على تقدمها وأ ذكر سعد بن معاذ ليس من الوهم في شيء ما ذكره في الكتاب المذكور الذي هو في الإمتاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث أياما ثم أخذ بيد سعد بن معاذ في نفر حتى دخل على سعد بن عبادة فتحدثوا ساعة وقرب لهم سعد بن عبادة طعاما فأصابوا منه ثم انصرفوا فمكث أياما ثم أخذ بيد سعد بن عبادة في نفر فانطلقوا حتى دخلوا منزل سعد بن معاذ فتحدثوا ساعة وقرب لهم سعد بن معاذ طعاما فأصابوا منه ثم خرجوا فذهب من أنفسهم ما كان وأن ذكر سعد بن معاذ وقع في الصحيحين وغيرهما والله أعلم
وذكر أن صفوان بن المعطل رضي الله عنه كان الإفك بسببه ظهر أنه كان حصورا لا يأتي النساء أي انما معه مثل الهدبة أي عنين


وقد قال الشيخ محيي الدين الحصور عندنا العنين أي ويدل له ما في البخاري أنه رضي الله عنه ما كشف كنيف امرأه قط أي سترها لأن الكنيف الساتر
وقد جاء في تفسير وصف يحيى بن زكريا بحصورا أنه صلى الله عليه وسلم أهوى إلى الأرض وأخذ قذاة وقال كان ذكره يعني يحيى عليه السلام مثل هذه القذاة ولعل المراد التشبيه في الارتخاء وعدم الشدة فلا يخالف ما قبله لكن في النهر الحصور الذي لا يأتي النساء مع القدرة على ذلك أي وربما يؤيد ذلك ما جاء أربعة لعنوا في الدنيا والآخرة وأمنت الملائكة رجل جعله الله ذكرا فأنث نفسه وتشبه بالنساء وامرأه جعلها الله أنثى فتذكرت وتشبهت بالرجال والذي يضل الأعمى ورجل حصور ولم يجعل الله حصورا إلا يحيى بن زكريا عليهما الصلاة والسلام فالحصور وصف مذموم إلا في يحيى عليه السلام خصوصية له دون غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وإلا فقد امتن سبحانه على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بقوله { ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية } قيل وهذا الوصف جاء ليحيى من أثر همة والده زكريا عليهما السلام فإنه لما شهد مريم منقطعة عن الأزواج أحب أن يرزقه الله ولدا مثلها أي منقطعا عن الزوجات فجاء يحيى عليه السلام حصورا ويؤيد ذلك ما في أنس الجليل وكان يحيى عليه السلام لا يأتي النساء لأنه لم يكن له ما للرجال كذا قيل وهو غير مرضى
وقد تكلم القاضي عياض رحمه الله في الشفاء على معنى كون يحيى حصورا بما حاصله أن هذا الذي قيل نقيصة وعيب لا يليق بالأنبياء عليهم الصلاة و السلام وإنما معناه أنه معصوم من الذنوب لا يأتيها فكأنه حصر عنها وأنه حصر نفسه عن الشهوات قمعا لها هذا كلامه فليتأمل
أي وعلى الأول لا ينافي ذلك كون صفوان كان متزوجا لما تقدم أن زوجته شكته للنبي صلى الله عليه وسلم أي على أن ابن الجوزي نقل عن شيخه ابن ناصر الدين رحمه الله تعالى أن صفوان رضي الله عنه إنما تزوج بعد حديث الإفك
ومما يدل على أن حسان رضي الله لم يكن من أصحاب الإفك تبرؤه مما نسب إليه في ابيات مدح بها عائشة رضي الله عنها منها ** مهذبة قد طيب الله خيمها ** وطهرها من كل سوء وباطل ** ** فإن كنت قلت الذي قد زعمتم ** فلا رفعت سوطي إلي أناملي **

** وكيف وودي ما حييت ونصرتي ** لآل رسول الله زين المحافل **
ومن ثم قال ابن عبد البر وقد أنكر قوم كون حسان رضي الله عنه خاض في الإفك وأنه جلد
وجاء أن عائشة رضي الله عنها براته من ذلك أي فقد ذكر الزبير بن بكار أنه قيل لعائشة رضي الله عنها وقد قالت في حق حسان رضي الله عنه إني لأرجو أن يدخله الله الجنة بذبه بلسانه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس هو ممن لعنه الله في الدنيا والآخرة بما قال فيك قالت لم يقل شيئا ولكنه القائل ** فإن كان ما قد قيل عني قلته ** فلا رفعت سوطي إلي أناملي **
وقد قال مثل هذا البيت أنس بن زنيم وقد بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدر دمه لما بلغه صلى الله عليه وسلم أنه هجاه فجاء إليه صلى الله عليه وسلم معتذرا وأنشده ابياتا منها ** ونبي رسول الله إني هجوته ** فلا رفعت سوطي إلي إذن يدي **
ولكن في رواية أنها كانت تأذن لحسان بن ثابت وتلقي له الوسادة وتقول لا تقولوا لحسان إلا خيرا فإنه كان يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم بلسانه وقد قال تعالى { والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } وقد عمي والعمى عذاب عظيم والله قادر على أن يحيل ذلك ويغفر لحسان ويدخله الجنة
وفيه أنه سيأتي عن عائشة وغيرها ان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن سلول كما تقدم إلا أن يقال كبره مقول بالتشكيك والذي بلغ فيه الغاية عبد الله بن أبي ابن سلول فليتأمل
وعن الزهري قال كنت عند الوليد بن عبد الملك ليلة من الليالي وهو يقرأ سورة النور مستلقيا على سريره فلما بلغ { والذي تولى كبره } جلس ثم قال يا أبا بكر من تولى كبره أليس علي بن ابي طالب قال الزهري فقلت في نفسي ماذا اقول إن قلت لا لا آمن أن ألقي منه شرا وإن قلت نعم جئت بأمر عظيم ثم قلت لنفسي لقد عودني الله على الصدق خيرا فقلت لا فضرب بقضيبة السرير قال فمن يكرر ذلك مرارا قلت لكن عبد الله بن أبي ابن سلول
ووقع سليمان بن يسار مع هشام بن عبد الملك نحو ذلك فان سليمان بن يسار رحمه الله

دخل على هشام بن عبد الملك فقال له يا ابا سليمان الذي تولى كبره من هو قال عبد الله بن أبي قال كذبت هو علي قال أنا أكذب لا أبالك لو نادى مناد من السماء إن الله أحل الكذب ما كذبت حدثني عروة وسعيد وعبد الله وعلقمة رحمهم الله عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت الذي تولى كبره عبد الله بن أبي
وعن عائشة رضي الله عنها أنه ذكر عندها حسان بسوء فنهتهم وقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحبه إلى مؤمن ولا يبغضه إلا منافق وفي البخاري كانت عائشة رضي الله عنها تنكر أن يسب عندها حسان وتقول إنه الذي قال ** فإن أبي ووالدتي وعرضي ** لعرض محمد منكم وقاء **
فبهذا البيت يغر الله تعالى له
وذكر بعضهم أن الذين كانوا يهجون رسول الله صلى الله عليه وسلم من مشركي قريش عبد الله بن الزبعري وأبو سفيان ابن عمه صلى الله عليه وسلم وعمرو بن العاص وضرار بن الحارث
ولما أراد حسان رضي الله عنه أني يهجوهم قال له رسول الله كيف تهجوهم وأنا منهم وكيف تهجوا أبا سفيان ابن عمي فقال له والله لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين فقال له صلى الله عليه وسلم ائت أبا بكر فإنه أعلم بأنساب القوم منك فكان يجيئ إلى أبي بكر ليوقفه على أنسابهم فجعل حسان يهجوهم فلما سمعوا هجوه قالوا إن هذا الشعر ما غاب عنه ابن أبي قحافة وعاش حسان رضي الله عنه مائة وعشرين سنة نصفها في الجاهلية ونصفها في الإسلام وعاش والده مائة وعشرين سنة وكذا جده ووالده جده
قال بعضهم ولا يعرف اربعة تناسلوا وتساوت أعمارهم غيرهم ولم يشهد حسان مع النبي صلى الله عليه وسلم مشهدا لأنه كان يخشى الموت فكان ينسب للجبن ومن ثم جعل يوم الخندق مع النساء والذرارى في الآطام وما وقع له مع صفية عمته صلى الله عليه وسلم في أمر اليهودي الذي قتلته في ذلك المكان وما قاله لها يدل على أنه كان جبانا شديد الجبن ويرد إنكار بعض العلماء كونه جبانا قال إذ لو صح ذلك لهجى به فإنه كان

يهاجي الشعراء وكانوا يردون عليه فما عيره أحد منهم به ولا وسمه به ولعله كان به علة اقتضت جعله مع الذرارى في الآطام منعته من شهود القتال هذا كلامه
وقد يقال على تسليم أنه لم يهج بالجبن يجوز أن يكون لكونه كان لا يتأثر بوصفه بذلك
وذكر بعضهم أن حسان رضي الله عنه شلت يداه بضربة ضربها له صفوان بسيف لما هجاه فذكر ذلك حسان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا حسان وصفوان أي وأظهر التغيظ على صفوان بسبب إظهاره السلاح على حسان وضربه به فقال صفوان يا رسول الله آذاني وهجاني فاحتملني الغضب فضربته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان يا حسان أحسن فيما اصابك قال هي لك وفي رواية قال كل حق لي قبل صفوان فهو لك فقال له صلى الله عليه وسلم قد أحسنت وقبلت ذلك منك وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوضا منها حديقة له يقال لها بئرحا بفتح الراء في الأحوال الثلاثة مع قصر حا قيل لها ذلك لأن الإبل يقال لها إذا وردت وزجرت عن الماء حا حا
وفيه أنه كان القياس أن يقال بئر حا بضم الراء في حالة ارفع وحدها إلا أن يقال المجموع اسم مركب وكانت هذه البئر لأبي طلحة رضي الله عنه فتصدق بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضعها حيث شاء ثم باعها حسان من معاوية بمال عظيم
أقول الذي في البخاري كان أبو طلحة رضي الله عنه أكثر أنصاري بالمدينة مالا وكان أحب أمواله إليه بئر حا وهي حديقة كانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويستظل بها ويشرب من ماء فيها طيب فلما نزلت { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } قام أبو طلحة رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الله يقول في كتابه { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وإن أحب أموالي إلي بئر حا وإنه صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله تعالى فضعها يا رسول الله حيث شئت فقال صلى الله عليه وسلم بخ بخ ذلك مال رابح ذلك مال رابح قد سمعت ما قلت فيها قد قبلناها منك ورددناها عليك وأرى أن تجعلها في الأقربين قال أفعل يا رسول الله فقسمها ابو طلحة في أقاربه وبنى عمه وفي لفظ آخر في البخاري قال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة اجلعه لفقراء أقاربك فجعلها لحسان وأبي بن كعب


وفيه أن أبي بن كعب كان غنيا وبين في البخاري وجه قرابتهما من أبي طلحة فذكر أن حسان يجتمع مع ابي طلحة في الأب السادس وأبي يجتمع معه في الأب السادس وذكر بعضهم أن أبي بن كعب كان ابن عمة ابي طلحة
وفي الإمتاع أنه صلى الله عليه وسلم أعطى حسان تلك الحديقة وأعطاه سيرين جاريته أخت مارية أم ولده صلى الله عليه وسلم إبراهيم فجاءت منه بابنه عبد الرحمن وكان يفتخر بأنه ابن خالة ابراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وقد روت سيرين هذه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا قالت رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم خللا في قبر أبنه ابراهيم فأصلحه وقال إن الله يحب من العبد إذا عمل عملا أن يتقنه واعطاه سعد بن عبادة رضي الله عنه بستانا كان يتحصل منه مال كثير
وحاصل ما في الامتاع فيما وقع بين حسان وصفوان أن حسان رضي الله عنه لما قال ** أمسي الجلابيب قد عزوا وقد كبروا ** وابن القريعة امسى بيضة البلد **
قال صفوان ما أراه إلا عناني أي بالجلابيب وتقدم أن ابن أبي ابن سلول قد قالها في حق المهاجرين والقريعة بالقاف جدة حسان رضي الله عنه وقيل أمه وقريعة الشيء خياره وقريعة القبيلة لسيدها واستعمل بيضة البلد في الذم بقرينة المقام وإلا فكما تستعمل في الذم تستعمل في المدح ويقال فلان بيضة البلد أي واحد في قومه عظيم فيهم فعند ذلك خرج صفوان مصلتا السيف وجاء إلى حسان وهو في نادي قومه الخزرج وضربه فلقى بيده فوقع السيف فيها فقام قومه وأوثقوا صفوان رباطاثم إنه حل وجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال حسان رضي الله عنه يا رسول الله شهر علي السيف في نادي قومي ثم ضربني ولا أراني إلا ميتا من جراحتي فقال صلى الله عليه وسلم لصفوان ولم ضربته وحملت السلاح عليه وتغيظ لحسان فقال صفوان ما تقدم ثم قال لقوم حسان احبسوا صفوان فان مات حسان فاقتلوه به فحبسوه فبلغ ذلك سيد الخزرج سعد بن عبادة فأقبل على قومه ولامهم على حبسه فقالوا أمرنا رسول الله بحبسبه وقال لغا إن مات صاحبكم فاقتلوه فقال سعد والله إن أحب الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العفو عنه ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالحق والله لا أبرح حتى يطلق فاستحيا القوم

وأطلقوه وأخذه سعد وانطلق به إلى منزله وكساه حلة وجاء به إلى المسجد فلما رآه صلى الله عليه وسلم قال صفوان قالوا نعم يا رسول الله قال من كساه قالوا سعد بن عبادة قال كساه الله من ثياب الجنة ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلم حسان رضي الله عنه في العفو عن صفوان فقال يا رسول الله كل حق لي قبل صفوان فهو لك فقال صلى الله عليه وسلم قد أحسنت وقبلت ذلك ثم أعطاه صلى الله عليه وسلم أرضا له وسيرين جاريته أخت مارية أم ولده ابراهيم وأعطاه أيضا سعد ابن عبادة رضي الله عنه حائطا كان يتحصل منه مال كبير بما عفا عن حقه
وقيل إنما أعطاه سيرين لذبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعره فقد قال ابن عبد البر رحمه الله إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرين أخت مارية لحسان ابن ثابت يروى من وجوه أكثرها أن ذلك ليس بسبب ضرب صفوان له بل لذبه بلسانه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قيل وكان لسان حسان يصل لجبهته وإلى نحره وكذلك كان أبوه وجده وكان حسان رضي الله عنه يقول على لسانه والله لو وضعته على صخر لفلقه أو شعر لحلقه وقد عمي مسطح أيضا
أي وقد روى أصحاب السنن الاربعة عن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم قال الترمذي حسن غريب أي والمرأة حمنة بنت جحش والرجلان أخوها عبيد الله أبو أحمد بن جحش ومسطح
ولم يحد الخبيث عبد الله بن أبي بن سلول لأن الحد كفارة وليس من أهلها وقيل لانه لم تقم عليه البينة بذلك بخلاف أولئك وقيل لانه كان لا يأتى بذلك على أنه من عنده بل على لسان غيره
وفي الطبراي ومعجم النسائي عن عائشة رضي الله عنها أن عبد الله بن أبي ابن سلول جلد مائة وستين أي حدين قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وهكذا يفعل بكل من قذف زوجة نبي أي ولعل المراد أنه يجوز أن يفعل به ذلك فلا ينافي ما تقدم من أن الحد كان ثمانين جلدة
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ما زنت وفي لفظ لما تبغ امرأة نبي قط وأما

قوله تعالى في امرأة نوح وامرأة لوط { فخانتاهما } فالمراد آذاتاهما قالت امرأة نوح عليه السلام في حقه إنه المجنون وامرأة لوط عليه السلام دلت على أضيافه
قيل إنما جاز أن تكون امرأة النبي كافرة كامرأة نوح ولوط عليهما السلام ولم يجزأن تكون فاجرة أي زانية لأن النبي مبعوث إلى الكفار ليدعوهم فيجب أن لا يكون معه منقص ينفرهم عنه والكفر غير منقص عندهم وأما الفجور فمن أعظم النقصان
وفي الخصائص الصغرى ومن قذف أزواجه صلى الله عليه وسلم فلا توبة له البتة كما قال ابن عباس وغيره ويقتل كما نقله القاضي عياض وغيره وقيل يختص القتل بمن قذف عائشة ويحد في غيرها حدين
وقد وقع أن الحسن بن يزيد الراعي من أهل طبرستان وكان من العظماء كان يلبس الصوف ويأمر بالمعروف وكان يرسل في كل سنة إلى بغداد عشرين الف دينار تفرق على أولاد الصحابة فخضر عنده رجل من اشياع العلويين فذكر عائشة رضي الله عنها بالقبيح فقال الحسن لغلامه يا غلام اضرب عنق هذا فنهض إليه العلويون وقالوا هذا رجل من شيعتنا فقال معاذ الله هذا طعن على رسول الله قال الله تعالى { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات } فإن كانت عائشة رضي الله عنها خبيثة فإن زوجها يكون خبيثا وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك بل هو الطيب الطاهر وهي الطيبة الطاهرة المبرأة من السماء يا غلام اضرب عنق هذا الكافر فضرب عنقه
وفي كتاب الإشارات للفخر الرازي أنه صلى الله عليه وسلم في تلك الايام التي كلم فيها بالإفك كان أكثر أوقاته في البيت فدخل عليه عمر رضي الله عنه فاستشاره صلى الله عليه وسلم في تلك الواقعة فقال يا رسول الله أنا أقطع بكذب المنافقين وأخذت براءة عائشة رضي الله عنها من الذباب لا يقرب بدنك فإذا كان الله تعالى صان بدنك أن يخالطه الذباب لمخالطته للقاذورات فكيف أهلك
ودخل عليه صلى الله عليه وسلم عثمان رضي الله عنه فاستشاره فقال له عثمان يا رسول الله أخذت براءة عائشة رضي الله عنها من ظلك إني رأيت الله تعالى صان ظلك أن يقع على الأرض أي لأن شخصه الشريف كان لا يظهر في شمس ولا قمر لئلا يوطأ

بالأقدام فإذا صان الله ظلك فكيف بأهلك أي وقد اشار إلى ذلك الإمام السبكي رحمه الله في تائيه بقوله ** لقد نزه الرحمن ظلك أن يرى ** على الأرض ملقى فانطوى لمزية **
وهنا لطيفة لا بأس بها وهي ان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان مسافرا وكان يسايره يهودي فلما اراد المفارقة قال عبد الله رضي الله عنه لليهودي بلغني أنكم تدينون بإيذاء المسلمين فهلا قدرت على شيء من ذلك معي وأقسم عليه فقال إن أمنتني أخبرتك فأمنه فقال لم أقدر عليك في شيء أكثر من أني كنت إذا رأيت ظل له وطئته بقدمي وفاء بأمر ديننا
ودخل عليه صلى الله عليه وسلم علي كرم الله وجهه فاستشاره فقال له علي كرم الله وجهه أخذت براءة عائشة من شيء هو أنا صلينا خلفك وأنت تصلي بنعليك ثم إنك خلعت إحدى نعليك فقلنا ليكون ذلك سنة لنا قلت لا إن جبريل عليه السلام أخبرني أن في تلك النعل نجاسة فإذا كان لا تكون النجاسة بنعليك فكيف تكون بأهلك فسر صلى الله عليه وسلم بذلك أي ويحتاج أئمتنا إلى الجواب عن خلع احدى نعليه في أثناء الصلاة لنجاسة بها واستمر في الصلاة
وعن ابي أيوب الأنصاري رضي الله عنه انه قال لزوجته أم أيوب ألا ترين ما يقال أي من الإفك فقالت له لو كنت بدل صفوان أكنت تهم بسوء لمحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا قالت ولو كنت أنا بدل عائشة ما خنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعائشة خير مني وصفوان خير منك
وفي السيرة الشامية أن أبا أيوب رضي الله عنه قالت له زوجته أم أيوب ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة قال بلى وذلك الكذب أكنت يا أم ايوب فاعلة قالت لا والله ما كنت لأفعله قال فعائشة والله خير منك
وجاء أن ابن عباس رضي الله عنه عنهما دخل على عائشة رضي الله عنها في مرض موتها فوجدها وجلة من القدوم على الله فقال لها لا تخاف فانك لا تقدمين إلى على مغفرة ورزق كريم فغشي عليها من الفرح بذلك لأنها كانت تقول متحدثة بنعمة الله عليها لقد أعطيت تسعا ما أعطيتهن امرأة لقد نزل جبريل عليه السلام بصورتي في راحته حين أمر رسول الله ان يتزوجني ولقد تزوجني بكرا وما تزوج بكرا غيري ولقد توفي وإن رأسه

في حجري ولقد قبر في بيتي وإن الوحي ينزل عليه في اهله فيفرقون منه وإن كان لينزل عليه وأنا معه في لحاف واحد وأبي رضي الله عنه خليفته وصديقه ولقد نزلت براءتي من السماء ولقد خلقت طيبة عن طيب ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما
قيل وفي هذه الغزوة فقدت عائشة رضي الله عنها عقدها أيضا فاحتبسوا على طلبه أي فارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه رجلين من المسلمين أي أحدهما أسيد ابن حضير فحضرت الصلاة أي صلاة الصبح وكانوا على غير ماء زاد في رواية وليس معهم ماء فنزلت آية التيمم وهذا القيل نقله إمامنا الشافعي رضي الله عنه عن عدة من أهل المغازي أي وعليه يكون سقط عقدها في تلك الغزوة مرتين لاختلاف القضيتين باختلاف سياقهما
والصحيح أن ذلك كان في غزوة أخرى أي متأخرة عن هذه الغزوة فعن عائشة رضي الله عنها قالت لما كان من أمر عقدي ما كان وقال أهل الإفك ما قالوا فخرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدي حتى حبس التماسه الناس أي فإنه صلى الله عليه وسلم بعث رجالا في طلبه وهو لا يخالف ما سبق انه صلى الله عليه وسلم ارسل في طلبه رجلين وطلع الفجر فلقيت من أبي بكر رضي الله عنه ما شاء الله أي لأن الناس جاءوا لأبي بكر رضي الله عنه وشكوا اليه ما نزل بهم فجاء اليها ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه الشريف على فخذها قد نام فقال لها حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس ليسوا على ماء وليس معهم ماء فجعل يطعن بيد في خاصرتها ويقول يا بنية في كل سفرة تكونين عناء وبلاء وليس مع الناس ماء قالت فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا نام لا يوقظه أحد حتى يكون هو يستيقظ لأنهم لا يدرون ما يحدث له في نومه فقال حين أصبح وفي لفظ فاستيقظ وحضرت الصلاة فالتمس الماء فلم يجد فأنزل الله تعالى الرخصة بالتيمم وفي لفظ فأنزل الله تعالى آية التيمم أي التي في المائدة ففي بعض الروايات فنزلت { يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة } الآية
وقيل المراد بالآية آية النساء لأن آية المائدة تسمى آية الوضوء وآية النساء لا ذكر للوضوء فيها فيتجه تسميتها بآية التيمم وكلام الواحدي رحمه الله في اسباب النزول يدل

عليه فقال ابو بكر عند ذلك والله يا بنية إنك كما علمت مباركة أي وقال لها صلى الله عليه وسلم ما أعظم بركة قلادتك وقال أسيد بن حضير ما هذا بأول بركتكم يا آل أبي بكر أي وفي رواية إنه قا لها جزاك الله خيرا فما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله منه مخرجا وللمسلمين فيه خير أي وهذا ربما يفيد تكرر وقوع ما تكرهه وأن في ذلك خيرا للمسلمين فليتأمل
وفي لفظ أسيد بن حضير لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر ما أنتم إلا بركة لهم
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله وإنما قال أسيد بن حضير ما قال دون غيره لأنه كان رأس من بعث في طلب العقد أي بل تقدم في بعض الروايات الاقتصار على بعثه لطلب ذلك قالت فبعثنا البعير الذي كنت عليه أي أقمناه من مبركة فوجدنا العقد تحته
أقول في النور اعلم أن العقد سقط مرتين مرة كان لها ومرة كان لأختها أسماء استعارته وبهذا يجمع بين الأحاديث التي في المسألة هذا كلامه فليتأمل وينظر تلك الأحاديث وما هي أي وكون هذا العقد لأسماء اختها لا يخالف ذلك قولها عقدي لأن الإضافة تأتي لأدنى ملابسة أي فعقد أسماء كان في المرة الثانية وفي البخاري أيضا أن آية التيمم نزلت بعد أن صلوا بلا وضوء
فعن عاشة رضي الله عنها أنها استعارت من أسماء رضي الله عنها قلادة فهلكت أي ضاعت فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فوجدها فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى آية التيمم وقد ترجم البخاري عن تلك بقوله باب إذا لم يجد ماء ولا ترابا وقوله فبعث رجلا فوجدها يجوز أن يكون هذا الرجل هو الذي أقام البعير أو من جملة من أقامه فلا يخالف ما اسبق مما يدل أن الذين بعثهم في طلبه لم يجدوه
ثم رأيت الحافظ أبن حجر رحمه الله قال وطريق الجمع بين هذه الروايات أن أسيدا كان رأس من بعث ذلك فلذلك سمي في بعض الروايات دون غيره ولذا أسند الفعل إلى واحد منهم وكأنهم لم يجدوا العقد أولا فلما رجعوا ونزلت آية التيمم وأرادوا الرحيل وأثاروا البعير وجده أسيد رضي الله عنه هذا كلامه


قيل وفي هذه الغزوة خرجوا عن الطريق وأدركهم الليل بقرب واد وعر فهبط جبريل عليه السلام واخبره صلى الله عليه وسلم أن طائفة من كفار الجن بهذا الوادي يريدون كيده صلى الله عليه وسلم وإيقاع الشر بأصحابه فدعا صلى الله عليه وسلم بعلي كرم الله وجهه وعوذه وأمره بنزول الوادي فقتلهم
قال الإمام ابن تيمية وهذا من الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى علي كرم الله وجهه قال ابن تيمية ومن هذا ما روى في عام الحديبية قاتل الجن في بئر ذات العلم وهي بئر في الجحفة وهو حديث موضوع عند أهل المغازي
أي وجاء في سبب مشروعية التيمم غير ما ذكر ففي الطبراني عن أسلع قال كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرحل له ناقته فقال لي ذات يوم يا أسلع قوم فارحل فقلت يا رسول الله أصابتني جنابة أي ولا ماء فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه جبريل بآية الصعيد أي التراب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا أسلع فيتمم فأراني التيمم ضربة للوجه وضربه لليدين إلى المرفقين فقمت فتيمم ثم رحلت له حتى مر بماء فقال يا أسلع أمس هذا جلدك
وفي الإمتاع نزلت آية التيمم طلوع الفجر فمسح المسلمون أيديهم بالأرض ثم مسحوا بأيديهم إلى المناكب أي ويحتاج أئمتنا إلى الجواب عن هذه الرواية
وفي هذه السنة الخامسة خسف القمر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الخسوف حتى انجلى القمر وصارت اليهود تضرب بالطساس ويقولون سحر القمر
غزوة الخندق ويقال لها غزوة الأحزاب أي وهي الغزوة التي ابتلى الله تعالى فيها عباده المؤمنين وثبت الإيمان في قلوب أوليائه المتقين أي وأظهر ما كان يبطنه أهل النفاق والشقاق والمعاندين
وسببها أنه لما وقع اجلاء بني النضير من أماكنهم كما تقدم سار منهم جمع من كبرائهم منهم سيدهم حيي بن أخطب أبو صفية أم المؤمنين رضي الله عنها وعظيمهم سلام ابن مشكم ورئيسهم كنانة بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس وابو عامر الفاسق إلى

أن قدموا مكة على قريش يدعونهم ويحرصونهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله أي ونكون معكم على عداوته فقال أبو سفيان مرحبا وأهلا وأحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد
زاد في رواية فقال لهم لكن لا نأمنكم إلا إن سجدتم لآلهتنا حتى نطمئن إليكم ففعلوا فقالت قريش لأولئك اليهود يا معشر يهود انكم أهل الكتاب الأول والعلم أخبرونا عما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد أفديننا خير أم دين محمد قالوا بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه وفي رواية نحن أهدى سبيلا أم محمد فقالوا أنتم أهدى سبيلا أي لأنكم تعظمون هذا البيت وتقومون على السقاية وتنحرون البدن وتعبدون ما كان يعبد آباؤكم أي فأنتم أولى بالحق منه فأنزل الله تعالى فيهم { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت } الآيات فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطهم لما دعوهم اليه من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعند ذلك خرج من بطون قريش خمسون رجلا وتحالفوا وقد الصقوا أكبادهم بالكعبة متعلقين بأستارها أن لا يخذل بعضهم بعضا ويكونون كلهم يدا واحدة على محمد صلى الله عليه وسلم ما بقي منهم رجل وقد اشار إلى ذلك صاحب الهمزية رحمه الله بأبيات ذم فيها اليهود لعنهم الله بأمور بقوله ** لا تكذب أن اليهود وقد زا ** غوا عن الحق معشر لؤماء ** ** جحدوا المطصفى وآمن بالطا ** غوت قوم هم عنده شرفاء ** ** قتلوا الانبياء واتخذوا العج ** ل ألا إنهم هم السفهاء ** ** وسفيه من ساءه المن والسل ** وى وأرضاه الفوم القثاء ** ** ملئت بالخبيث منهم بطون ** فهي نار طباقها الأمعاء ** ** لو أريدوا في حال سبت بخير ** كان سبتا لديهم الأربعاء ** ** هو يوم مبارك قيل للتصر ** يف فيه من اليهود اعتداء ** ** فبظلم منهم وكفر عدتهم ** طيبات في تركهن ابتلاء **
أي لا تكذب أن اليهود والحال أنهم قد مالوا عن الحق قوم لؤماء واللئيم الدني الأصل الشحيح النفس ومن عظيم لؤمهم أنهم جحدوا نبوته صلى الله عليه وسلم ورسالته

والحال أنه قد آمن بالطاغوت وهو كل ما عبد من دون الله مأخوذ من الطغيان قوم هم عندهم شرفاء وهم كفار قريش
ورد ان اليهود قتلوا في يوم واحد سبعين نبيا ومن جملة من قتلوا زكريا ويحي واتخذوا العجل إلها يعبدونه ومن يفعل ذلك لاسفيه غيره ومن ارضاء القوم والقثاء بدل المن وهو نوع من الحلواء والسلوى نوع من الطير سفيه بلا شك ملئت بالحرام كالربا بطون منهم فبطونهم نار لاشتمالها على مايؤدي الى تلك النار طباق تلك النار المصارين ولو اراد الله لليهود في حال سبتهم الذي اختاروا تعظيمه على ما تقدم خيرا لكان يوم الاربعاء يوم سبتهم لانه يوم خلق فيه النور فاختيار يوم السبت دون يوم الاربعاء لسبتهم أي سكوتهم عما عدا العبادة دليل على انه تعالى لم يرد بهم الخير ويوم السبت ابتدا الله فيه خلق العالم خلافا لهم حيث قالوا ان ذلك أي ابتداء الخلق كان يوم الاحد وفرغ من الخلق يوم الجمعة واستراح يوم السبت قالوا فنحن نستريح فيه كما استراح الرب تعالى فيه قالوا فان الله لا يقضي يوم السبت شيئا من خلق ولا رزق ولارحمة ولاعذاب ولا احياء ولااماتة ومن مات يوم السبت يكون محى اسمه من اللوح المحفوظ قبل ذلك وقد كذبهم الله تعالى بقوله { كل يوم هو في شأن } فكان فيه منهم ظلم وعدوان لاجل التصريف فيه بغبر العبادة فبسبب ظلم وكفر حاصل منهم فيه فاتتهم طيبات كانت حلالا لهم فحرمها الله تعالى عليهم فكان في ذلك ابتلاء لهم
ونقل عن ابن حجر الهيتمي رحمه الله انه بحث استحباب صوم يوم الاربعاء لما ذكر من انه خلق فيه النور فليتامل
ثم جاء اولئك الى غطفان ودعوهم وحرضوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم وقالوا لهم انا سنكون معكم وان قريشا قد بايعوهم على ذلك وجعلوا لهم تمر خيبر سنة إن هم نصروهم عليه فتجهزت قريش أي واتباعها من القبائل وغطفان أي وأتباعها وقائد قريش ابو سفيان بن حرب وكانوا أربعة آلاف ومعهم ثلثمائة فرس أي وألف أو خمسمائة بعر وعقد اللواء في دار الندوة وحمله عثمان بن طلحة بن أبي طلحة المقتول ولده الذي هو طلحة يوم أحد وكذا عماه أي عما عثمان بن طلحة وهما عثمان ابن أبي طلحة وأبو سعيد بن ابي طلحة وعمثان بن أبي طلحة هو أبو شيبة كما تقدم فشيبة ابن عم عثمان بن طلحة وقتل يوم أحد أخوه عثمان بن طلحة الأربعة وهم مسافع

ابن طلحة والحارث بن طلحة وكلاب بن طلحة والجلاس بن طلحة وعثمان ابن طلحة وهذا أي الحامل لواء قريش أسلم بعد ذلك ويقال له الحجبي لأنه كان من بني عبدالدار وهم سدنة الكعبة وبنو عبد الدار كان لهم ولأبيهم حمل لواء قريش عند الحرب دون غيرهم كما تقدم
وقائد غطفان عيينة بن حصن الفزازي في بني فزارة أي وهم ألف وتقدم أن عيينة اسلم بعد ذلك ثم ارتد بعد إسلامه وأخذ اسيرا في زمن خلافة الصديق رضي الله عنه ثم اسلم وكان قبل إسلامه يتبعه عشرة آلاف قناة وكان عنده جفوة وغلظة ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم في حقه إنه الأحمق المطاع وقال فيه إن شر الناس من ودعه الناس اتقاه شره
وقائد بني مرة أي وهم أربعمائة الحارث بن عوف المري وأسلم بعد ذلك أي وقيل لم تحضر بنو مرة
وقائد بني أشجع أبو مسعود بن رخيلة بضم الراء وفتح الخاء المعجمة وأسلم بعد ذلك
أي وقائد بني سليم وهم سبعمائة سفيان بن عبد شمس لا يعلم إسلامه
اي وقائد بني أسد طليحة بن خويلد الأسدي وأسلم بعد ذلك أي بعد أن كان ارتد بعد إسلامه ثم حسن إسلامه وكان اشجع وبنو اسد تتمة العشر آلاف فقد مال بعضهم كانت الأحزاب عشرة آلاف وهم ثلاثا عساكر وملاك أمرها لأبي سفيان أي المدبر لأمرها والقائم بشأنها
ولما تهيأت قريش للخروج أتى ركب من خزاعة في أربع ليال حتى أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمع رسول الله بما أجمعوا عليه ندب الناس أي دعاهم واخبرهم خبر عدوهم وشاورهم في أمرهم أي قال لهم هل نبرز من المدينة أو نكون فيها فاشير عليه بالخندق أي اشار عليه بذلك سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال يا رسول الله إنا كنا بأرض فارس إذا تخوفنا الخيل خندقنا علينا أي فإن ذلك كان من مكايد الفرس وأول من فعله من ملوك الفرس ملك كان في زمن موسى ابن عمران صلوات الله وسلامه عليه فأعجبهم ذلك فضرب على المدينة الخندق
أي وعند ذلك ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا له ومعه عدة من المهاجرين

والأنصار فارتاد موضعا ينزل له وجعل سلعا خلف ظهره وأمرهم بالجد ووعدهم بالنصر إن هم صبروا فعمل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المسلمين أي وحمل التراب على ظهره الشريف ودأب المسلمون يبادرون قدوم العدو قال واستعاروا من بني قريظة آلة كثيرة من مساحي وكرارين ومكاتل وكان من جملة من يعمل في الخندق جعال أو جعيل بن سراقة وكان رجلا دميما قبيح الوجه صالحا من أصحاب الصفة وهو الذي تمثل به الشيطان يوم احد وقال إن محمدا قد قتل كما تقدم فغير صلى الله عليه وسلم أسمه وسماه عمرا فجعل المسلمون يرتجزون ويقولون ** سماه من بعد جعبل عمرا ** وكان للبائس يوما ظهرا **
وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قالوا عمرا قال عمرا وإذا قالوا ظهرا قال ظهرا انتهى أي وسياق أسد الغابة يدل على أن هذا الذي غير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه وسماه عمرا غير جعيل المذكور وحصل للصحابة رضي الله عنهم تعب وجوع لأنه كان في زمن عسرة وعام مجاعة
ولما رأى رسول الله ما بأصحابه من النصب والجوع قال متمثلا بقول ابن رواحة رضي الله عنه ** اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ** فارحم الأنصار والمهاجره **
قيل وإنما قال ابن رواحة لاهم إن العيش من غير الف ولام فقد غيره صلى الله عليه وسلم على ما هو عادته كما تقدم وفي لفظ ** اللهم لا خير إلى خير الآخرة ** فبارك في الأنصار والمهاجره **
وفي لفظ فأكرم الأنصار والمهاجرة وتقدم في بناء المسجد ** اللهم إن الأجر أجر الآخره ** فارحم الأنصار والمهاجره **
زاد في الإمتاع ** اللهم العن عضلا والقاره ** هم كلفوني أنقل الحجارة **
وفي لفظ هم كلفونا ننقل الحجارة قال الحافظ ابن حجر ولعله كان والعن إلهي عضلا والقارة أي والتغيير منه صلى الله عليه وسلم وفي لفظ **
اللهم العن عضلا والقاره ** هم كلفوني أنقل الحجاره **
وفي لفظ هم كلفونا ننقل الحجارة قال الحافظ ابن حجر ولعله كان والعن إلهى عضلا والقارة أي والتغيير منه صلى الله عليه وسلم وفي لفظ ** اللهم لا خير إلى خير الآخره ** فارحم المهاجرين والأناصره **
وفي لفظ فانصر الأنصار والمهاجرة واجابوه رضي الله عنه تعالى عنهم بقولهم

** نحن الذين بايعوا محمدا ** على الجهاد ما بقينا أبدا **
وقال صلى الله عليه وسلم متمثلا بقول ابن رواحة وهو ينقل التراب وقد وارى الغبار جلد بطنه الشريف ** اللهم لولا أنت ما اهتدينا ** ولا تصدقنا ولا صلينا ** ** فأنزلن سكينة علينا ** وثبت الأقدام إذ لاقينا ** ** والمشركون قد بغوا علينا ** وإن أرادوا فتنة أبينا **
يمد بها صوته مكررا لها أبينا أبينا ولما بدأ صلى الله عليه وسلم بالحفر في الخندق قال بسم الإله وبه يدينا بكسر الدال ** ولو عبدنا غيره شقينا ** يا حبذا ربا وحب دينا **
وفي الإمتاع أنه صلى الله عليه وسلم قال ما تقدم عنه في بناء المسجد وهو ** هذا الحمال لا حمال خيبر ** هذا أبر ربنا وأطهر **
وتقدم الكلام عليه وعلى إنشاده الشعر في الكلام على بناء المسجد
أي ورأيت أن عمار بن ياسر رضي الله عنه حين كان يحفر في الخندق جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه ويقول ابن سمية تقتلك الفئة الباغية أي كما تقدم له في بناء المسجد وصار الشخص منهم إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد له منها يذكر كذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويستأذنه في اللحوق بها فإذا قضى حاجته رجع إلى ما كان عليه من عمله رغبة في الخير وتباطأ رجال من المنافقين وجعلوا يورون بالضعف وصار الواحد منهم يتسلل إلى أهله من غير استئذان له صلى الله عليه وسلم أي وكان زيد بن ثابت ممن ينقل التراب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقه أما إنه نعم الغلام وغلبته عينه فنام في الخندق فأخذ عمارة بن حزم سلاحه وهو نائم فلما قام فزع على سلاحه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بار قد نمت حتى ذهب سلاحك ثم قال من له علم بسلاح هذا الغلام فقال عمارة أنا يا رسول الله وهو عندي فقال رده عليه ونهى أن يروع المسلم ويؤخذ متاعه لاعبا وإليه استند أئمتنا في تحريم أخذ متاع الغير مع عدم علمه بذلك
واشتد على الصحابة رضي الله عنهم في حفر الخندق كدية أي محل صلب فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ المعول وضرب فصارت كثيبا أهيل أو أهيم

أي رملا سائلا وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم دعا بماء ثم تفل عليه ثم دعا بما شاء الله ان يدعو به ثم نضح ذلك الماء أي رشه على تلك الكدية قال بعض الحاضرين فوالذي بعثه بالحق لانهالت حتى عادت كالكثيب أي الرمل ماترد فأسا ولا مسحاة وهي المجرفة من الحديد
أي وكان ابو بكر وعمر رضي الله عنهما ينقلان التراب في ثيابهما إذا لم يجدا مكاتل من العجلة
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال ضربت في ناحية من الخندق فغلظت علي ورسول الله صلى الله عليه وسلم قريب مني فلما رآني اضرب ورأى شدة المكان علي نزل فأخذ المعول من يدي فضرب به ضربه لمعت تحت المعول برقة ثم ضرب به أخرى فلمعت تحته برقة أخرى ثم ضرب به الثالثة فلمعت برقة أخرى فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا الذي رأيت يلمع تحت المعول وأنت تضرب قال أوقد رأيت ذلك يا سليمان قال قلت نعم قال أما الأولى فإن الله تعالى فتح علي بها اليمن وأما الثانية فإن الله فتح علي بها الشام والمغرب وأما الثالثة فإن الله فتح علي بها المشرق
قال وقد ذكر أن سلمان الفارسي رضي الله عنه تنافس فيه المهاجرون والأنصار فقال المهاجرون سلمان منا وقالت الأنصار سلمان منا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمان منا أهل البيت ولذلك يشير بعضهم بقوله ** لقد رقى سلمان بعد رقه ** منزلة شامخة البنيان ** ** وكيف لا المصطفى قد عده ** من أهل بيته العظيم الشان **
وإنما وقع التنافس في سلمان رضي الله عنه لأنه كان رجلا قويا يعمل عمل عشرة رجال في الخندق أي فكان يحفر في كل يوم خمسة أذرع في عمق خمسة أذرع حتى اصيب بالعين أصابه بالعين قيس بن صعصة فلبط به أي بلام مضمومة فموحدة مكسورة فطاء مهملة صرع فجأة وتعطل عن العمل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال صلى الله عليه وسلم مروه فليتوضأ وليغتسل ويكفئ الإناء خلفه ففعل فكأنما نشط أي حل من عقال وفي لفظ فأمر أن يتوضأ قيس لسلمان ويجمع وضوءه في ظرف ويغتسل سلمان بتلك الغسالة ويكفئ الإناء خلف ظهره
وذكر أنه لما اشتدت تلك الكدية على سلمان أخذ صلى الله عليه وسلم المعول من

سلمان وقال بسم الله وضرب ضربة فكسر ثلثها وبرقت برقة فخرج نور من قبل اليمن كالمصباح في جوف ليل مظلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أعطيت مفاتيح اليمن إني لابصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة كأنها أنياب الكلاب ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر فخرج نور من قبل الروم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصورها أي زاد في رواية الحمر ثم ضرب الثالثة فقطع بقية الحجر وبرق برقة فكبر وقال أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها انياب الكلاب في مكاني هذا أي وفي رواية إني لأبصر قصر المدائن الابيض الآن وجعل صلى الله عليه وسلم يصف لسلمان أماكن فارس ويقول سلمان صدقت يا رسول الله هذه صفتها أشهد أنك رسول الله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه فتوح يفتحها الله بعدي يا سلمان ا هـ
أي وعند ذلك قال جمع من المنافقين منهم معتب بن قشير ألا تعجبون من محمد يمنيكم ويعدكم الباطل ويخبركم انه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق أي الخوف لا تستطيعون ان تبرزوا فأنزل الله تعالى { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء } الآية
وقيل في سبب نزولها أنه صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة وعد أمته ملك فارس والروم فقال المنافقون واليهود هيهات هيهات من اين لمحمد ملك فارس والروم وهم أعز وأمنع من ذلك
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حفر الخندق أقبلت قريش ومن معها وكانوا عشرة آلاف كما تقدم فنزلت قريش بمجمع الأسيال وغطفان ومن معهم إلى جانب أحد وكان المسلمون ثلاثة آلاف
اي وقد قال ابن اسحاق سبعمائة ووهم في ذلك وقال ابن حزم إنه الصحيح الذي لا شك في فيه ولا وهم وعسكر بهم صلى الله عليه وسلم إلى سفح سلع وهو جبل فوق المدينة أي فجعل ظهر عسكره إلى سلع كما تقدم والخندق بينه وبين القوم أي وضربت له صلى الله عليه وسلم قبة من أدم
قال وكان صلى الله عليه وسلم يعقب فيها بين ثلاثة من نسائه عائشة وأم سلمة وزينب

بنت جحش فتكون عائشة عنده أياما أي فانه مكث في عمل الخندق بضع عشرة ليلة وقيل اربعة وعشرين ليلة أي وقيل عشرين ليلة وقيل تقريبا من شهر وقيل شهرا
قال بعضهم وكونه قريبا من شهر هو اثبت الاقاويل وقيل اثبت الأقاويل أنها كانت خمسة عشر يوما وبه جزم النووي رحمه الله في الروضة وسائر نسائه صلى الله عليه وسلم في بني حارثة وجعل النساء والذراري في الآطام وعرض الغلمان وهو يحفر الخندق وكانوا بأجمعهم من بلغ ومن لم يبلغ يعملون فيه فلما التحم الأمر أمر من لم يبلغ خمس عشرة سنة أن يرجع إلى أهله وأجاز من بلغ خمسة عشرة سنة
فمن أجازه عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما وزيد بن ثابت وأبو سعيد الخدري والبراء بن عازب رضي الله تعالى عنهم آه وشبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية فصارت كالحصن
وفي كلام بعضهم كان أحد جوانب المدينة عورة وسائر جوانبها مشتبكة بالبنيان والنخيل لا يتمكن العدو منه فاختار ذلك الجانب للخندق
واستخلف صلى الله عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم رضي الله عنه وارسل سليطا وسفيان بن عوف طليعة للأحزاب فقتلوهما فأتى بهما رسول الله لى فدفنهما في قبر واحد فهما الشهيدان القرينان وأعطى لواء المهاجرين لزيد بن حارثة ولواء الانصار لسعد بن عبادة وبعث مسلمة بن أسلم في مائتي رجل وزيد بن حارثة في ثلثمائة رجل يحرسون المدينة ويظهرون التكبير تخوفا على الذراري من بني قريظة أي لما بلغه صلى الله عليه وسلم أنهم نقضوا ما بينه وبينهم من العهد كما سيأتي أي وأنهم يريدون الإغارة على المدينة فإن حي بن أخطب أرسل إلى قريش أن يأتيه منهم ألف رجل وإلى غطفان ان يأتيه منهم ألف رجل أخرى ليغيروا على المدينة وجاء الخير بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم البلاء وصار الخوف على الذراري أشد من الخوف على أهل الخندق
ولما نظر المشركون إلى الخندق قالوا والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها وصار المشركون يتناوبون فيغدوا ابو سفيان في أصحابه يوما ويغدو خالد أبن الوليد يوما ويغدو عمرو بن العاص يوما ويغدو جبيرة بن وهب وما ويغدو عكرمة بن ابي جهل يوما ويغدو باضرار بن الخطاب يوما فلا يزالون يجيلون خيلهم

ويتفرقون مرة ويجتمعون أخرى ويناوشون اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يقربون منهم ويقدمون رجالهم فيرمون ومكثوا على ذلك المدة المتقدمة ولم يكن بينهم حرب إلى الرمي بالنبل والحصى
وفي تلك المدة أقبل نوفل بن عبد الله بن المغيرة على فرس له ليوثبه الخندق فوقع في الخندق فقتله الله أي اندقت عنقه أي وفي لفظ وأما نوفل بن عبد الله فضرب فرسه ليدخل الخندق فوقع فيه مع فرسه فتحطما جميعا وقيل رمى بالحجارة فجعل يقول قتله أحسن من هذه يا معشر العرب فنزل إليه علي كرم الله وجهه فقتله أي ضربه بالسيف فقطعه نصفين وكبر ذلك على المشركين فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا نعطيك الدية على أن تدفعه إلينا فندفنه فرد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه خبيث الدية فلعنه الله ولعن ديته ولا نمنعكم أن تدفنوه ولا أرب أي غرض لنا في ديته
وقيل أعطوا في جثته عشرة آلاف أي وفي رواية أنهم أرسلوا اليه صلى الله عليه وسلم أن أرسل إلينا بجسده ونعطيك اثني عشرة الفا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير في جثته ولا في ثمنه ادفعوه اليهم فانه خبيث الجسد خبيث الدية وفي لفظ إنما هي جيفة حمار
ثم إن عدو الله حي بن أخطب سيد بني النضير كان يقول لقريش في مسيره معهم إن قومي بني قريظة معكم وهم أهل حلقة وافرة وهم سبعمائة مقاتل وخمسون مقاتلا فقال له ابو سفيان ائت قومك حتى ينقضوا العهد الذي بينهم وبين محمد صلى الله عليه وسلم فعند ذلك خرج حي لعنه الله حتى أتى كعب بن أسد القرظي سيد بني قريظة وولى عهدهم الذي عاهدهم الذي عاهدهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المتقدم ذكره فدق عليه باب حصنه فأبى أن يفتح له وألح عليه في ذلك فقال له ويحك يا حي إنك امرؤ مشئوم وإني قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بيني وبينه ولم ار منه إلى وفاء وصدقا فقال له ويحك افتح لي أكلمك فقال ما أنا بفاعل فغاظه فقال له والله ما أغلقت دوني إلا تخوفا على جشيشتك أي بالجيم المفتوحة والشين المعجمة وهي البر يطحن غليظا ويقال له الدشيش أن آكل معك منها ففتح له فقال له ويحك يا كعب جئت بعز الدهر جئتك بقريش حتى أنزلتهم بمجمع الأسيال وبغطفان حتى

أنزلتهم بجانب أحد قد عاهدوني وعاقدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه فقال له كعب حئتني والله بذل الدهر وكل ما يخشى فإني لم أر في محمد إلى صدقا ووفاء وفي لفظ جئتني بجهام أي سحاب قد هراق ماء أي لا ماء فيه يرعد ويبرق وليس فيه شيء ويحك يا حيى دعنى وما أنا عليه فلم يزل حي بكعب حتى أعطاه عهدا من الله وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يقتلوا محمدا أن يكون معه في حصنه ويصيبه ما أصابه فعند ذلك نقض كعب العهد وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ومزقوا الصحيفة التي كان فيها العقد وجمع رؤساء قومه وهم الزبير بن مطا وشاس بن قيس وعزال بن ميمون وعقبة بن زيد واعلمهم بما صنع من نقض العهد وشق الكتاب الذي كتبه صلى الله عليه وسلم فلجم الأمر لما أراد من هلاكهم وكان حي بن أخطب في اليهود يشبه بأبي جهل في قريش
فلما أنتهى الخبر بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي أخبره بذلك عمر ابن الخطاب رضي الله عنه فقال يا رسول الله بلغني ان بني قريظة قد نقضت العهد وحاربت فاشتد الأمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وشق عليه ذلك وأرسل سعد بن معاذ سيد الأوس وسعد بن عبادة سيد الخزرج وأرسل معهما ابن رواحة وخوات بن جبير وأسقطهما في الإمتاع وذكر بدلهما اسيد بن خضير وقال لهم انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم فإن كان حقا فالحنوا إلي لحنا أعرفه دون القوم أي وروا وكنوا في كلامكم بما لم يفهمه القوم أي لئلا يحصل لهم الوهن والضعف والا فاجهروا بذلك بين الناس فان اللحن العدول بالكلام عن الوجه المعروف عند الناس إلى وجه لا يعرفه إلا صاحبه كما أن اللحن الذي هو الخطأ عدول عن الصواب المعروف ومنه قول القائل وخير الحديث ما كان لحنا فخرجوا حتى أتوا بني قريظة فوجدوهم قد نقضوا العهد ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قالوا من رسول الله وتبرءوا من عقده وعهده وقالوا لا عهد بيننا وبين محمد فشتمهم سعد بن معاذ وهم حلفاؤء أي وقيل سعد بن عبادة أي وكان في حدة وشاتموه أي ولا مانع من وجود الأمرين وقال سعد معاذ لسعد بن عبادة أو بالعكس دع عنك مشاتمتهم فما بيننا وبينهم اربى أي اقوى من المشاتمة ثم اقبل السعدان ومن

معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنوا له عن نقضهم العهد أي قالوا عضل والقارة غدروا كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع وسيأتي خبر ذلك في السرايا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر أي وقال ابشروا يا معاشر المسلمين نصرة الله تعالى وعونه وتقنع صلى الله عليه وسلم بثوبه واضطجع ومكث طويلا فاشتد على الناس البلاء والخوف حين رأوه صلى الله عليه وسلم اضطجع ثم رفع رأسه فقال أبشروا بفتح الله ونصره أي ولعل هذا أي إرسال السعدين ومن معهما كان بعد إرساله صلى الله عليه وسلم الزبير إليهم ليأتي بخبرهم هل نقضوا العهد استثباتا للأمر
فعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال كنت يوم الأحزاب أنا عمرو بن ابي سلمة مع النساء في أطم حسان بن ثابت أي وكان حسان مع النساء ومن جملتهم صفية بنت عبد المطلب واتفق أن يهوديا جعل يطوف بذلك الحصن فقالت صفية لحسان يا حسان لا آمن هذا اليهودي أن يدلهم على عورة الحصن فيأتوا إلينا فانزل فاقتله قال حسان رضي الله عنه يا بنت عبد المطلب قد عرفت ما أنا بصاحب هذا قالت فلما أيست منه أخذت عمودا ونزلت ففتحت باب الحصن وأتيته من خلفه فضربته بالعمود حتى قتلته وصعدت الحصن فقلت يا حسان انزل اليه فاسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل فقال يا ابنة عبد المطلب مالي بسلبه حاجة أي وهذا يدل على ما قيل إن حسان بن ثابت كان من أجبن الناس كما تقدم قال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما فنظرت فإذا الزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثا فلما رجعت قلت يا ابت رأيتك تختلف إلى بني قريظة قال رأيتني يا بني قلت نعم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من يأتي بني قريظة فياتيني بخبرهم فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال فداك أبي وأمي أخرجه الشيخان
أي وفي كلام ابن عبد البر رحمه الله ثبت عن الزبير رضي الله عنه أنه قال جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه مرتين يوم أحد ويوم بني قريظة فقال ارم فذاك أبي وأمي وقال ولعل ذلك كان في أحد إن لكل نبي حواريا وإن حواري الزبير وقال الزبير ابن عمتي وحواري من أمتي ويذكر ان الزبير رضي الله عنه كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج وكان يتصدق بذلك كله ولا يدخل بيته من ذلك درهما واحدا

وذلك من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم فقد جاء أنه لما نزل قوله تعالى { ثم لتسألن يومئذ عن النعيم } قال له الزبير يا رسول الله أي نعيم نسأل عنه وإنما هما الأسودان التمر والماء قال اما إنه سيكون وقد جعله سبعة من الصحابة وصيا على اولادهم فكان يحفظ على أولادهم مالهم وينفق عليهم من ماله وهؤلاء السعة منهم عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والمقداد وابن مسعود
وعظم عند ذلك البلاء على المسلمين لما وصل إليهم الخبر أي خبر نقض بني قريظة العهد ولا منافاة بين بلوغهم الخبر ما تقدم من عدم الإفصاح به لأنهم جاءهم عدوهم من فوقهم ومن اسفل منهم حتى ظن المسلمون كل الظن وأنزل الله تعالى { إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر } وظهر النفاق من المنافقين حتى قال بعضهم كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا فأنزل الله تعالى { وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا }
ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة الأمر بعث إلى عيينة بن حصن الفزاري وإلى الحارث بن عوف المري في أن يقطعهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه فجاآ مستخفيين من أبي سفيان فوافقاه على ذلك أي بعد أن طلبا النصف فأبى عليهما إلا الثلث فرضيا وكتبا بذلك صحيفة
أي وفي رواية أحضرت الصحيفة والدواة ليكتب عثمان بن عفان رضي الله عنه الصلح فلما اراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوقع صلح على ذلك بعث إلى سعد ابن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما فذكر لهما ذلك واستشارهما فيه فقالا يا رسول الله أمرا تحبه فتصنعه أم شيئا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به أم شيئا تصنعه لنا أي وفي لفظ إن كان أمرا من السماء فامض له وإن كان أمرا لم تؤمر به ولك فيه هوى فسمع وطاعة وإن كان إنما هو الرأي فما لهم عندنا إلا السيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أمرني الله ما شاورتكما والله ما اصنع ذلك إلا لأني رايت العرب قدرمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب فأردت أن أكسر شوكتهم إلى أمر ما فقال له سعد بن معاذ يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم أي غطفان على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منا ثمرة

إلا قرى أو بيعا وإن كانوا ليأكلون العلهز في الجاهلية من الجهد أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه نقطعهم أموالنا أي وفي لفظ نعطي الدنية مالنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنت وذاك فأخذ سعد الصحيفة فمحى ما فيها من الكتابة أي وهذا إنما يناسب الرواية الأولى وكذا ما جاء في لفظ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شق الكتاب فشقه سعد وقال لعيينة والحارث ارجعابيننا وبينكم السيف رافعا صوته ثم قال سعد ليجهدوا علينا
ثم إن طائفة من المشركين أقبلوا أي وأكرهوا خيولهم على اقتحام الخندق من مضيق به وفيهم عكرمة بن ابي جهل رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك وفيهم هبيرة بن أبي وهب أي وهو زوج ام هانئ أخت علي كرم الله وجهه رضي الله عنها وأبو أولادها مات على كفره وضرار بن الخطاب وعمرو بن عبد ود أي قيل ونوفل بن عبد الله وكان عمرو بن عبدود عمره إذ ذاك تسعين سنة فقال من يبارز فقام علي كرم الله وجهه وقال أنا له يا نبي الله فقال صلى الله عليه وسلم له اجلس إنه عمرو بن عبدود ثم كرر عمرو النداء وجعل يوبخ المسلمين ويقول أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها افلا تبرزون لي رجلا وأنشد أبياتا منها ** ولقد بححت من الندا ** ء يجمعكم هل من مبارز ** ** إن الشجاعة في الفتى ** والجود من خير الغرائز **
فقام علي كرم الله وجهه فقال أنا له يا رسول الله فقال اجلس إنه عمرو بن عبدود ثم نادى الثالثة فقام علي كرم الله وجهه فقال أنا له يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه عمرو فقال وإن كان عمرا فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنشد سيدنا علي ابياتا منها ** لا تعجلن فقد أتا ** ك مجيب قولك غير عاجز ** ** ذونية وبصيرة ** والصدق منجي كل فائز **
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم أعطاه سيفه ذا الفقار وألبسه درعه الحديد وعممه بعمامته وقال اللهم أعنه عليه أي وفي لفظ اللهم هذا أخي وابن عمي فلا تذرني فردا وأنت خير الوارثين
زاد في رواية أنه صلى الله عليه وسلم رفع عمامته إلى السماء وقال إلهي أخذت عبيدة

مني يوم بدر وحمزة يوم أحد وهذا علي أخي وأبن عمي الحديث فمشى إليه علي كرم الله وجهه فقال له يا عمرو إنك كنت قد عاهدت الله لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين أي خصلتين إلا أخذتها منه قال له أجل أي نعم فقال له علي كرم الله وجهه فأنا أدعوك إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم وإلى الإسلام فقال لا حاجة لي بذلك قال له علي فإني أدعوك إلى البراز
قال وفي رواية إنك كنت تقول لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلى قبلتها قال أجل فقال علي فإني أدعوك أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتسلم لرب العالمين فقال يا أبن أخي أخر عني هذه قال وأخرى ترجع إلى بلادك فان يك محمد صلى الله عليه وسلم صادقا كنت أسعد الناس به وإن يك كاذبا كان الذي تريد قال هذا مالا تتحدث به نساء قريش أبدا كيف وقد قدرت على استيفاء ما نذرت أي فإنه نذر لما أفلت هاربا يوم بدر وقد جرح أن لا يمس رأسه دهنا حتى يقتل محمدا صلى الله عليه وسلم قال فالثالثة ما هي قال البراز فضحك عمرو وقال إن هذه لخصلة ما كنت أظن أن أحدا من العرب يرو عني بها ا هـثم قال له عند طلب المبارزة لم يا ابن أخي فوالله ما أحب أن أقتلك فقال علي كرم الله وجهه ولكني والله أحب أن أقتلك فحمي عمرو عند ذلك أي أخذته الحمية
وفي رواية أن عمرا قال له من أنت أي لأن عليا كرم الله وجهه كان مقنعا بالحديد قال علي قال ابن عبد مناف قال أنا علي بن أبي طالب فقال غيرك يا أبن أخي من أعماك من هو أشد منك فإني أكره أن أهريق أي اسيل دمك أي وزاد في رواية فإن أباك كان لي صديقا أي وفي لفظ كنت له نديما فقال علي وأنا والله ما أكره أن أهريق دمك فغضب فقال له علي كرم الله وجهه كيف أقاتلك وأنت على فرسك ولكن انزل معي فاقتحم عن فرسه وسل سيفه كأنه شعلة نار فعقر فرسه وضرب وجهه وأقبل على علي كرم الله وجهه فاستقبله على بدرقته فضرب عمرو فيها فقدها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه فضربه علي كرم الله وجهه على حبل عاتثه أي وهو موضع الرداء من العنق فسقط وكبر المسلمون فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير عرف أن عليا كرم الله وجهه قتل عمرا لعنه الله
أي وذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك قال قتل علي لعمرو بن عبدود

أفضل من عبادة الثقلين قال الإمام أبو العباس بن تيمية وهذا من الأحاديث الموضوعة التي لم ترد في شيء من الكتب التي يعتمد عليها ولا بسند ضعيف وكيف يكون قتل كافر أفضل من عبادة الثقلين الإنس والجن ومنهم الأنبياء قال بل إن عمرو بن عبدود هذا لم يعرف له ذكر إلى في هذه الغزوة
أقول ويرد قوله إن عمرو بن عبدود هذا لم يعرف له ذكر إلا في هذه الغزوة قول الأصل وكان مرو بن عبدود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد يوم أحد فلما كان يوم الخندق خرج معلما أي جعل له علامة يعرف بها ليرى مكانه أي ويرده أيضا ما تقدم من أنه نذر ان لا يمس رأسه دهنا حتى يقتل محمدا صلى الله عليه وسلم واستدلاله بقوله وكيف يكون إلي آخره فيه نظر لأن قتل هذا كان فيه نصرة للدين وخذلان للكافرين
وفي تفسير الفخر أنه صلى الله عليه وسلم قال لعي كرم الله وجهه بعد قتله لعمرو بن عبدود كيف وجدت نفسك معه يا علي قال وجدته لو كن أهل المدينة كلهم في جانب وانا في جانب لقدرت عليهم
وفي كلام السهيلي رحمه اله ولما أقبل علي كرم الله وجهه بعد قتله لعمر بن عبدود علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متهلل قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه هلا سلبته درعه فإنه ليس في العرب درع خير منها قال إني حين ضربته استقبلني بسوءته فاستحيت يا ابن عمي أن أسلبه هذا كلامه
وعندي أن هذا اشتباه من بعض الرواة لأن هذه الواقعة لعلي كرم الله وجهه إنما كانت في يوم أحد مع طلحة بن أبي طلحة كما تقدم وعمرو بن عبدود ولم يشهد أحدا كما تقدم عن الأصل فليتأمل
قال وذكر ابن اسحق ان المشركين بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشترون جيفة عمرو بعشرة آلاف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو لكم ولا نأكل ثمن الموتى وحين قتل عمرو رجع من وصل الخندق من المشركين بخيلهم هاربين فتبعهم الزبير رضي الله عنه وضرب نوفل بن عبد الله بالسيف فشقه نصفين ووصلت الضربة إلى كاهل فرسه فقيل له يا ابا عبد الله ما رأينا مثل سيفك فقال والله ما هو السيف ولكنها الساعد أي وفيه أنه تقدم أن نوفل بن عبدالله وقع في الخندق فاندقت عنقه إلى آخر

ما تقدم لكني رأيت بعضهم قال إن وقوع نوفل في الخندق ورميه بالحجارة وقتل علي كرم الله وجهه له في الخندق غريب من وجهين فليتأمل
وحمل الزبير رضي الله عنه على هبيرة بن ابي وهب وهو زوج أم هانئ أخت علي بن أبي طالب كما تقدم فضرب ثغر فرسه فقطعه وسقطت درع كان محقبها الفرس أي جعلها على مؤخر ظهرها فأخذها الزبير وألقى عكرمة بن ابي جهل رمحه وهو منهزم أنتهى
أي وفي رواية ثم حمل ضرار بن الخطاب أخو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهبيرة ابن أبي وهب على علي كرم الله وجهه فأقبل علي عليهما فأما ضرار فولى هاربا ولم يثبت وأما هبير فثبت ثم ألقى درعه وهرب وكان فارس قريش وشاعرها
وذكر أن ضرار بن الخطاب لما هرب تبعه أخوه عمر بن الخطاب وصار يشتد في أثره فكر ضرار راجعا وحمل على عمر رضي الله عنه بالرمح ليطعنه ثم أمسك قال يا عمر هذه نعمة مشكورة أثبتها عليك ويدلي عندك غير مجزي بها فاحفظها
أي ووقع له مع عمر رضي الله عنه مثل ذلك في أحد فانه التقى معه فضرب عمر رضي الله عنه بالقناة ثم رفعها عنه وقال له ما كنت لأقتلك يا ابن الخطاب ثم من الله على ضرار فأسلم وحسن إسلامه وكان شعار المسلمين حم لا ينصرون أي ولعل المراد بالمسلمين الأنصار فلا يخالف ما في الامتاع وكان شعار المهاجرين يا خيل الله
وفيه خرجت طائفتان للمسلمين ليلا لا يشعر بعضهم ببعض ولا يظنون إلا أنهم العدو فكانت بينهم جراحة وقتل ثم نادوا بشعار الإسلام حم لا ينصرون فكف بعضهم عن بعض
وقد يقال يجوز ان تكون الطائفتان كانت من الأنصار وجاءوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم جراحكم في سبيل الله ومن قتل فهو شهيد وبهذا استدل أئمتنا على أن من قتله مسلم خطأ في الحرب يكون شهيدا
ورمى سعد بن معاذ بسهم قطع أكحله وهو عرق في الذراع تتشعب منه عروق البدن ولعله محل الفصد الذي يقال له المشترك أي ويقال لهذا العرق عرق الحياة أي رماه ابن العرقة أسم جدته سميت بذلك لطيب عرقها وقال خذها وأنا ابن العرقة فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال عرق الله وجهه في النار وقيل قائل ذلك سعد

رضي الله عنه وعند ذلك قال سعد اللهم إن كانت وضعت الحرب بيننا وبينهم يعني قريشا فاجعلها لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني وفي لفظ حتى تشفيني من بني قريظة وفي لفظ اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إلي أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وأخرجوه وكذبوه
وفي يوم استمرت المقالتة قيل من سائر جوانب الخندق إلى الليل ولم يصل صلى الله عليه وسلم ولا أحد من المسلمين صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء أي وصار المسلمون يقولون ما صلينا فيقول صلى الله عليه وسلم ولا أنا فلما انكشف القتال جاء صلى الله عليه وسلم إلى قبته وأمر بلالا فأذن وأقام الظهر فصلى ثم أقام بعد كل صلاة إقامة وصلى هو وأصحابه ما فاتهم من الصلوات
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى الظهر ثم أمره فأذن وأقام فصلى العصر ثم أمره فأذن وأقام فصلى المغرب ثم أمره فأذن وأقام فصلى العشاء
أقول في الرواية الأولى ما يشهد لقول إمامنا الشافعي يندب أن يؤذن للأولى من الفوائت ويقيم لما عداها إذا قضاها متوالية وكونه يؤذن للأولى من الفوائت هو ما ذهب إليه في القديم وهو المتفي به
وفي الرواية الثانية دليل على أنه يؤذن لكل من الفوائت إذا قضاها متوالية ولم يقل به إمامنا فإنه جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه مرسلا لأنه رواه عنه ابنه أبو عبيدة ولم يسمع منه لصغر سنه
وروى إمامنا الشافعي رضي الله عنه باسناد صحيح عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هوى أي طائفة من الليل حتى كفينا القتال وذلك قوله تعالى { وكفى الله المؤمنين القتال } فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأمره فأقام الظهر فصلاها كما كان يصلى ثم أقام العصر فصلاها كذلك ثم أقام المغرب فصلاها كذلك ثم أقام العشاء فصلاها كذلك أي وفي لفظ فصلى كل صلاة كأحسن ما كان يصليها في وقتها وهو دليل لعدم ندب الأذان للفائتة وهو ما ذهب إليه إمامنا الشافعي رضي الله عنه في الجديد وهم مرجوح
وجمع الإمام النووي في شرح المهذب بين ورواية إلى الليل حتى ذهب هوى

من الليل بأنهما قضيتان جرتا في ايام الخندق قال فإنا كانت خمسة عشر يوما أي على ما تقدم
وفيه أن كونهما قضيتين أمر واضح لا خفاء فه لأن في الأولى وفي يوم استمرت المقاتلة إلى الليل وفي الثانية حتى كفينا القتال فمع ذلك كيف يظن انهما قضية واحدة حتى يحتاج إلى الجمع وظاهر سياق هذه الروايات أنه صلى الأربع صلوات بوضوء واحد وبه صرح البغوي في تفسير سورة المائدة وحينئذ يحتاج للجمع بينه وبين ما يأتي في فتح مكة
وروى الطحاوي استدل به مكحول والأوزاعي على جواز تأخير الصلاة لعذر القتال أن الشمس ردت له صلى الله عليه وسلم بعد ما غربت حين شغل عن صلاة العصر حتى صلى الله عليه وسلم العصر وذكر الإمام النووي في شرح مسلم أن رواته ثقات
وفي البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه جاء يوم الخندق بعد ما كادت الشمس تغرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما صليتها يعني العصر فنزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى الله عليه وسلم بعدها المغرب وهذه الرواية تقتضي أنه لم يفته إلى العصر وأنه صلاها بعد الغروب
قال الإمام النووي رحمه الله وطريق الجمع أنه هذا كان في بعض أيام الخندق وكون صلاة العصر هي الوسطى قد جاء في بعض الروايات شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غابت الشمس ملأ الله أجوافهم وفي لفظ بطونهم وقبورهم نارا والذي في البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس وكون الوسطى هي صلاة العصر هو قول من تسعة عشر قولا ذكرها الحافظ الدمياطي في مؤلف له سماه كشف الغطا عن الصلاة الوسطى وفي الينبوع ان كون الصلاة الوسطى هي العصر هو الذي أعتقده والله اعلم
قال وجاء أنه صلى الله عليه وسلم صلى المغرب فلما فرغ قال أحد منكم علم أني صليت العصر قالوا يا رسول الله ما صلينا أي لا نحن ولا انت فأمر المؤذن فأقام

الصلاة فصلى العصر ثم أعاد المغرب قيل وكان ذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا }
أقول يحتاج إلى الجواب عن إعادة المغرب وقد يقال أعادها مع الجماعة وأن قوله { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } يرشد إلى أن المراد بصلاة الخوف صلاة شدته لا صلاة ذات الرقاع التي نزل فيها قوله تعالى { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } الآية كما تقدم فلا ينافي ما تقدم من صلاته في الرقاع بناء على تقدمها على هذه الغزوة التي هي غزوة الخندق
وحينئذ يندفع الاستدلال على أن ذات الرقاع متأخرة عن الخندق بقولهم ولم تكن شرعت صلاة الخوف أي صلاة ذات الرقاع وإلا لصلاها في الخندق ولم يخرج الصلاة عن وقتها لما علمت أن المراد بصلاة الخوف التي لم تشرع زمن الخندق صلاة شدته لا صلاة ذات الرقاع وسقط القول بان الآية التي نزلت في صلاة ذات الرقاع منسوخة فتركه صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة في الخندق لأن الخندق وإن لم يلتحم فيه القتال إلا أنهم لا يأمنون هجوم العدو عليهم فلو صلوها لكانت تلك الصلاة صلاة شدة الخوف لا صلاة ذات الرقاع لأنه شرطها أمن هجوم العدو وصلاة شدة الخوف إما أن يلتحم فيها القتال أو يخافوا هجوم العدو
وقول بعضم أن ابن اسحاق وهو إمام أهل المغاز ذكر أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بعسفان وذكر انها قبل الخندق فتكون صلاة عسفان منسوخة أيضا فيه نظر ظاهر لأن صلاة عسفان إنما كانت في الحديبية كما سيأتي وعلى تسليم أن صلاة عسفان كانت قبل الخندق فتلك يشترط فيها الأمن من هجوم العدو والله أعلم
قال ثم إن طائفة من الأنصار خرجوا ليدفنوا ميتا منهم بالمدينة فصادفوا عشرين بعيرا لقريش محملة شعيرا وتمرا وتبنا حملها ذلك حي بن أخطب شدادا وتقوية لقرش فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوسع بها أهل الخندق
ولما بلغ أبا سفيان ذلك قال إن حييا لمشئوم فلع بنا ما نجد ما نحمل عليه إذا رجعنا
ثم إن خالد بن الوليد كر بطائفة من المشركين يطلب غرة للمسلمين أي غفلتهم فصادف أسيد بن حضير على الخندق ي مائتين من المسلمين فناوشوهم أي تقاربوا منهم

ساعة وكان في أولئك المشركين وحشي قاتل حمزة رضي الله عنه فزرق الطفيل بن النعمان فقتله ثم بعد ذلك صاروا يرسلون الطلائع بالليل يطمعون في الغارة أي الإغارة فأقام المسلمون في شدة من الخوف
أي وفي الصحيحين ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحزاب فقال اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم وزلزلهم أي وقام في الناس فقال يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافيه فإن لقيتم العدو فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف أي السبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيف في سبيل الله تعالى ودعا صلى الله عليه وسلم بقوله يا صريخ المكروبين يا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فإنك ترى ما نزل بي وباصحابي وقال له المسلمون رضي الله عنهم هل من شيء نقوله فقد بلغت القلوب الحناجر قال نعم قولوا اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا فاتاه جبريل عليه السلام فبشره أن الله يرسل علهم ريحا وجنودا وأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك وصار يرفع يديه قائلا شكرا شكرا
وجاء أن دعاءه صلى الله عليه وسلم كان يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء واستجيب له ذلك اليوم الذي هو يوم الأربعاء بين الظهر والعصر فعرف السرور في وجهه صلى الله عليه وسلم أي ومن ثم كان جابر رضي الله عنه يدعو في مهماته في ذلك اليوم في ذلك الوقت ويتحرى ذلك
والاحاديث والآثار التي جاءت بذم يوم الأربعاء محمولة على آخر اربعاء في الشهر فإن ذلك ذلك اليوم ولد فرعون وادعى الربوبية وأهلكه الله فيه وهو اليوم الذي أصيب فيه أيوب عليه الصلاة و السلام بالبلاء
قال وكان صلى الله عليه وسلم يختلف إلى ثلمة في الخندق والثلمة الخلل في الحائط فعن عائشة رضي الله عنها قالت وكان صلى الله عليه وسلم يذهب إلى تلك الثلمة فإذا أخذه البرد جاء فأدفأته في حضني فإذا دفئ خرج إلى تلك الثلمة ويقول ما أخشى أن تؤتى المسلمون إلا منها فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضني صار يقول ليت رجلا صالحا يحرس هذه الثلمة الليلة فسمع صوت السلاح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هذا فقال سعد بن أبي وقاص سعد يا رسول الله أتيتك أحرسك

فقال عليك هذه الثلمة فاحرسها ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى غط وقام صلى الله عليه وسلم في قبته يصلي لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ومن ثم لما نعي لابن عباس أخوه قثم وهو في سفر اسرجع وتنحى عن الطريق وصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس وتلا { واستعينوا بالصبر والصلاة }
ثم خرج صلى الله عليه وسلم من قبته فقال هذه خيل المشركين تطيف بالخندق ثم نادى يا عباد بن بشر قال لبيك قال هل معك أحد قال نعم انا في نفر حوق قبتك يا رسول الله وكان ألزم الناس لقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرسها فبعثه صلى الله عليه وسلم يطيف بالخندق وأعلمه بأن خيل المشركين تطيف بهم ثم قال اللهم ادفع عنا شرهم وانصرنا عليهم واغلبهم لا يغلبهم غيرك وإذا أبو سفيان في خيل يطوفون بمضيق من الخندق فرماهم المسلمون حتى رجعوا
ثم إن نعيم بن مسعود الأشجعي أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ليلا فقال يا رسول الله إني أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت قال وفي رواية أن نعيما لما سارت الاحزاب سار مع قومه أي غطفان وهو على دينهم فقذف الله في قلبه الإسلام فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء فوجده يصلي فلما رآه جلس ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء بك يا نعيم قال جئت أصدقك وأشهد أن ما جئت به حق فأسلم انتهى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنت رجل واحد فخذل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة بتفح الخاء وسكون الدال المهملة أي ينقضي أمرها بالمخادعة فقال له نعيم يا رسول الله إني أقول أي ما يقتضيه الحال وإن كان خلاف الواقع قال قل ما بدا لك فأنت في حل
فخرج نعيم رضي الله عنه حتى أتى بني قريظة وكان لهم نديما قال فلما رأوني رحبوا بي وعرضوا علي الطعام والشراب فقلت إني لم آت لشئ من هذا إنما جئتكم تخوفا عليكم لأشير عليكم برأي يا بني قريظة قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم قالوا صدقت لست عندنا بمتهم فقال لهم اكتموا عني قالوا نفعل قال لقد رأيتم ما وقع لبني قينقاع ولبني النضير من إجلائهم وأخذ أموالهم وإن قريشا وغطفان ليسوا كأنتم البلد بلدكم وبها أموالكم ونساؤكم وأبناؤكم لا تقدرون على أن ترحلوا منه إلى غيره وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتمهوهم أي عاونتموهم عليه

وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره فليسوا كأنتم فإن رأوا نهزة أي فرصة أصابوها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين بلدكم والرجل ببلدكم ولا طاقة لكم به إن خلا بكم فلا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا منهم رهنا من اشرافهم أي سبعين رجلا يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمدا حتى يناجزوه أي يقاتلوه قالوا له لقد أشرت بالرأي والنصح ودعوا له وشكروا وقالوا نحن فاعلون قال ولكن اكتموا عني قالوا نفعل
ثم خرج رضي الله عنه حتى أتى قريشا فقال لابي سفيان ومن معه سن أشراف قريش قد عرفتم ودي لكم وفراقي لمحمد وإنه قد بلغني أمر قد رأيت أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموا قالوا نفعل قال تعلمون أن معشر يهود يعني بني قريظة قد ندموا على ما صنعا فيما بينهم وبين محمد أي من نقض عهده وقد أرسلوا اليه أي وأنا عندهم أنا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين قريش وغطفان رجالا من أشرافهم أي سبعين رجلا فنعطيكهم فتضرب أعناقهم أي وترد جناحنا الذي كسرت إلى ديارهم يعنون بني النضير ثم نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم فأرسل إليهم نعم فإن بعث إليكم يهود يطلبون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا اليهم رجلا واحدا واحذروهم على أسراركم ولكن اكتموا عني ولا تذكروا من هذا حرفا قالوا لا نذكر
ثم خرج رضي الله عنه حتى اتى غطفان فقال يا معشر غفطان إنكم أهلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهمونني قالوا صدقت ما أنت عندنا بمتهم قال فاكتموا علي قالوا نعم فقال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم
فلما كان ليلة السبت أرسل أبو سفيان ورءوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش غطفان فقالوا لهم إنا لسنا بدار مقام وقد هلك الخف والحافر فاغدوا للقتال حتى ننجاز أي نقاتل محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه فأرسلوا إليهم إن اليوم أي الذي يلي هذه الليلية يوم السبت وقد علمتم ما نال منا من تعدي في السبت ومع ذلك فلا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا أي سبعين رجلا فقالوا صدق والله نعيم
وفي رواية أن بني قريظة ارسلت لقريش مجيء رسل قريش إليهم رسولا يقول لهم ما هذا التواني والرأي أن تتواعدوا على يوم يكونون معكم فيه لكنهم لا يخرجون

حتى ترسلوا اليهم رهنا سبعين رجلا من أشرافكم فإنهم يخافون إن أصابكم ما تكرهون رجعتم وتركتموهم فلم ترد لهم قريش جوابا وجاءهم نعيم وقال له كنت عند أبي سفيان وقد جاءه رسولكم فقال لو طلبوا مني عناقا ما دفعتها لهم فاختلفت كلمتهم أي وجاء حي بن أخطب لبني قريظة فلم يجد منهم موافقة له وقالوا لا نقاتل معهم حتى يدفعوا الينا سبعين رجلا من قريش وغطفان رهنا عندنا وبعث الله تعالى ريحا عاصفا أي وهي ريح الصبا في ليال شديدة البرد فنقلت بيوتهم وقطعت أطنابها وكفأت قدورهم على أفواهها وصارت الريح تلقي الرجال على امتعتهم
وفي رواية دنفت الرجال وأطفأت نيرانهم أي وأرسل الله اليهم الملائكة زلزلتهم قال تعالى { فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها } ولم تقاتل الملائكة بكل نفثت في روعهم الرعب وقال صلى الله عليه وسلم نصرت بالصبات وأهلكت عاد بالدبور وفي لفظ نصر الله المسلمين بالريح وكانت ريحا صفراء ملأت عيونهم ودامت عليهم
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه اختلاف كلمتهم وكانت تلك الليللة شديدة البرد والريح في أصوات ريحها أمثال الصواعق وسيأتي أنها لم تجاوز عسكر المشركين وشديدة الظلمة بحيث لا يرى الشخص أصبعة إذا مدها
فجعل المنافقون يستأذنون ويقولون إن بيوتنا عورة أي من العدو لأنها خارج المدينة وحيطانها قصيرة يخشى عليها السرقة فائذن لنا أن نرجع إلى نسائنا وابنائنا وذرارينا فيأذن صلى الله عليه وسلم لهم
قيل ولم يبق معه صلى الله عليه وسلم تلك الليلة إلا ثلثمائة وقال من يأتينا بخبر القوم فقال الزبير رضي الله عنه أنا قال صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاثا والزبير يجبيه بما ذكر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لكل نبي حواري أي ناصر وإن حواري الزبير اي وهذا قاله صلى الله عليه وسلم له ايضا عند إرساله لكشف خبر بني قريظة هل نقضوا العهد أو لا كما تقدم وسيأتي قول ذلك له أيضا في خيبر وفي الحديث حواري الزبير من الرجال وحواري من النساء عائشة وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال ألا رجل يقم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة وفي لفظ يكون معي يقوم القيامة وفي لفظ يكون رفيق ابراهيم يوم القيامة قال ذلك ثلاثا فما قام أحد من شدة الخوف والجوع والبرد فدعا صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان قال فلم أجد بدا من القيام حيث فوه باسمي

فجئته صلى الله عليه وسلم فقال تسمع كلامي منذ الليلة ولا نقوم فقلت لا والذي بعثك بالحق إن قدرت أي ما قدرت على ما بي من الجوع والبرد والخوف فقال اذهب حفظك الله من أمامك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك حتى ترجع إلينا قال حذيفة فلم يكن لي بد من ا القيام حين دعاني وقال يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فقمت مستبشرا بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني احتملت احتمالا وذهب عني ما كنت أجد من الخوف والبرد وعهد صلى الله عليه وسلم إلي أن لا أحدث حدثا وفي رواية أما سمعت صوتي قلت نعم قال فما منعك ان تجيبني قلت البرد قال لا برد عليك حت ترجع كما يدل على ذلك الرواية الآتية فقال له إن في القوم خبرا فائتني بخبر القوم قال وفي رواية إنه صلى الله عليه وسلم لما كرر قوله ألا رجل يأتيني بخبر القوم يكون معي يوم القيامة ولم يجبه أحد قال ابو بكر رضي الله عنه يا رسول الله حذيفة قال حذيفة فمر علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما علي جنة من العدو والبرد إلا مرطا لامرأتي ما يجاوز ركبتي وأنا جاث على ركبتي فقال من هذا قلت حذيفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة قال حذيفة رضي الله عنه فتقاصرت بالأرض قلت بلى يا رسول الله قال قم فقمت فقال إنه كائن في القوم خبر فائتني بخبر القوم فقلت والذي بعثك بالحق ما قمت إلا حياء منك من البرد قال لا بأس عليك من حر ولا برد حتى ترجع إلي فقلت والله ما بي أن اقتل ولكن أخشى أن أوسر فقال إنك لن تؤسر اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته فمضيت كأني أمشي في حمام مأخوذ من الحميم وهو الماء الحار وهو عربي قال حذيفة فلما وليت دعاني فقال لي لا تحدثن شيئا وفي رواية لا ترم بسهم ولا حجر ولا تضربن بسيف حتى تأتيني فجئت إليهم ودخلت في غمارهم فسمعت ابا سفيان يقول يا معشر قريش ليتعرف كل امرئ منكم جليسه واحذروا الجواسيس والعيون فأخذت بيد جليسي على يميني وقلت من أنت فقال معاوية بن ابي سفيان وقبضت يد من علي يساري وقلت من أنت قال عمرو بن العاص فعلت ذلك خشية أين يفطن بي فقال أبو سفيان يا معشر قريش والله إنكم لستم بدار مقام ولقد هلك الكراع والخف واخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فإني مرتحل ووثب علي جمله فما حل عقال يده إلا وهو قائم أي فإنه لما ركبه كان معقولا

فلما ضربه وثب على ثلاثة قوائم ثم حل عقاله فقال له عكرمة بن أبي جهل إنك رأس القوم وقائدهم تذهب وتترك الناس فاستحيا أبو سفيان وأناخ جمله وأخذ بزمامه وهو يقوده وقال ارحلوا فجعل الناس يرحلون وهو قائم ثم قال لعمرو بن العاص يا أبا عبدالله نقيم في جريدة من الخيل بإزاء محمد وأصحابه فإنا لا نأمن أن نطلب فقال عمرو أنا أقيم وقال لخالد بن الوليد ما ترى أبا سليمان فقال أنا أيضا أقيم فأقام عمرو وخالد في مائتي فارس وسار جميع العسكر قال حذيفة رضي الله عنه ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي حين بعثني أن لا أحدث شيئا لقتله يعني أبا سفيان بسهم وسمعت غطفان بما فعلت قريش فاشتدوا راجعين إلى بلادهم
وفي رواية فدخلت العسكر فإذا الناس في عسكرهم يقولون الرحيل الرحيل لا مقام لكم والريح تقلبهم على بعض امتعتهم وتضربهم بالحجارة والريح لا تجاوز عسكرهم فلما انتصفت الطريق إذا أنا بنحو عشرين فارسا معتمين فخرج إلي منهم فارسان وقالا أخبر صاحبك ان الله كفاه القوم قال حذيفة ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته قائما يصلي فخبرته فحمد الله تعالى وأثنى عليه أي وفي رواية فأخبرته الخبر فضحك حتى بدت ثناياه في سواد الليل وعاودني البرد فجعلت أقرقف فأومأ إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فدنوت منه فسدل علي من فضل شلمته فنمت ولم أزل نائما حتى الصبح أي طلوع الفجر فلما أن أصبحت أي دخل وقت صلاة الصبح وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا نومان أي يا كثير النوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قاله له لا بأس عليك من برد حتى ترجع إلي
أي ومن هذا أي إرسال حذيفة رضي الله عنه وما تقدم أي من إرسال الزبير رضي الله عنه تعلم أن ذلك كان في الخندق ولا مانع منه لأن يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم عدل عن ارسال الزبير واختار حذيفة لأمر قام عنده صلى الله عليه وسلم من جملة ذلك كون الزبير رضي الله عنه حدة وشدة لا يملك نفسه أن يحدث بالقوم ما نهى عنه حذيفة رضي الله عنه وحينئذ يرد قول بعضهم إن الزبير انما أرسل لكشف أمر بني قريظة هل نقضوا العهد أم لا لا لكشف أمر قريش وحذيفة رضي الله عنه ذهب لكشف أمر قريش هل ارتحلوا أولا وقد اشتبه الأمر على بعض الناس فظنهما قضية واحدة فليتأمل ذلك

وكان يقال لحذيفة رضي الله عنه صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلمه غيره فقد قال حذيفة رضي الله عنه لقد حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان وبما يكون حتى تقوم الساعة أي وتقدم أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقال له ايضا صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد ذكر ابن ظفر في ينبوع الحياة في تفسير قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها } وهبت ريح الصبا ليلا فقلعت الأوتاد وألقت عليهم الابنية وكفأت القدور وسفت عليهم التراب ورمتهم بالحصا وسمعوا في ارجاء أي نواحي معسكرهم التكبير وقعقعة السلاح أي من الملائكة فصار سيد كل حي يقول لقومه يا بني فلان هلموا إلي فإذا اجتمعوا قال النجاء النجاء فارتحلوا هرابا في ليلتهم وتركوا ما استتقلوه من متاعهم أي والصبا هي الريح الشرقية
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال الصبا للشمال اذهبي بنا ننصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن الحرائر لا تهب بالليل فغضب الله عليها فجعلها عقيما ويقال لها الدبور فكان نصره صلى الله عليه وسلم بالصبا وكان إهلاك عاد بالدبور وهي الريح العربية وحين انجلاء الأحزاب قال صلى الله عليه وسلم الآن نغزوهم ولا يغزونا وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبع ليال من ذي القعدة أي بناء على أنها كانت في القعدة وهو قول ابن سعد وقيل كانت في شوال وكان ذلك سنة خمس أي كا قاله الجمهور قال الذهبي وهو المقطوع به وقال ابن القيم إنه الاصح وقال الحافظ ابن حجر هو المعتمد وقيل سنة أربع وصححه الإمام النوي في الروضة قال بعضهم وهو عجيب فإنه صحح أن غزوة بني قريظة كانت في الخامسة ومعلوم أنها كانت عقب الخندق
أي وفيه أنه يجوز أن تكون بنو قريظ أوائل الخامسة والخندق أواخر الرابعة فتكون في ذي الحجة واستدل من قال إن الخندق كانت سنة أربع بما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه عرض رسول الله يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه ثم عرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه فيكون بينهما سنة واحدة أي وكانت سن ثلاث فيكون الخندق سنة أربع
قال الحافظ ابن حجر ولا حجة فيه لاحتمال أن يكون ابن عمر رضي الله عنهما

في أحد كان أول ما طعن في الرابعة عشرة وكا في الأحزاب قد استكمل الخمسة عشرة وسبقه إلى ذلك البيهقي وحينئذ يكون بين أحد والخندق سنتان كما هو الواقع لاسنة واحدة
ومما وقع من الآيات في هذه الغزوة في مدة حفر الخندق غير ما تقدم ان بنت بشير بن سعد جاءت لأبيها وخالها أي عبد الله بن رواحة بجفنة من التمر ليتغذيا بها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتيه فصبته في كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ملأهما ثم أمر بثوب فبسطت له ثم قال لإنسان عنده اصرخ في أهل الخندق أن هلموا إلى الغداء فاجتمع أهل الخندق عليه فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه وإنه ليسقط من أطراف الثوب أي فإن أهل الخندق أصابهم مجاعة قال بعض الصحابة لبثنا ثلاثة أيام لا نذوق زادا وربط صلى الله عليه وسلم الحجر على بطنه من الجوع
أقول أورد ابن حبان في صحيحه لما أورد الحديث الذي فيه نهيه صلى الله عليه وسلم عن الوصال وقالوا ما مالك تواصل يا رسول الله قال إني لست مثلكم إني ابيت يطعمني ربي ويسقيني
قال يستدل بهذا الحديث على بطلان ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يضع الحجر على بطنه من الجوع لأنه كان يطعم ويسقي من ربه إذا واصل فكيف يترك جائعا مع عدم الوصال حتى يحتاج إلى شد الحجر على بطنه وإنما لفظ الحديث الحجز بالزاي وهو طرف الإزار فصفحوا وزادوا لفظ من الجوع
وأجيب أنه لا منافاة كان صلى الله عليه وسلم يطعم ويسقي إذا واصل في الصوم أي يصير كالطاعم والساقي تكرمة له ولا يحصل له ذلك دائما بل يحصل له الجوع في بعض الأحايين على وجه الابتلاء الذي يحصل للأنبياء عليهم الصلاة والسلام تعظيما لثوابهم والله اعلم
وإن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما لما علم ما به صلى الله عليه وسلم من شدة الجوع صنع شويهة وصاعا من شعير قال جابر وإنما أريد ان ينصرف معي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فلما قلت له أمر صارخا فصرخ أن انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت جابر بن عبدالله قال جابر فقلت { إنا لله وإنا إليه راجعون } فأقبل الناس معه أي بعضهم فجلس صلى الله عليه وسلم فأخرجناها إليه فبرك ثم سمى الله تعالى ثم أكل وتواردها الناس كلما فرغ قوم قاموا أي وذهبوا إلى الخندق وجاء

آخرون حتى صدر أهل الخندق عنها وهم ألف فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانصرفوا وإن برمتنا لتغط كما هي وإن عجيننا ليخبز كما هو
قال وفي رواية أن جابرا رضي الله تعالى عنه لما رأى ما به صلى الله عليه وسلم من الجوع استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الانصراف إلى بيته فأذن له قال جابر فجئت لامرأتي وقلت لها إني رأيت رسول الله خمصا شديدا افعندك شيء قالت عندي صاع من شعير وعناق فذبحت العناق وطحنت الشعير وجعلت اللحم في برمة فلما أمسينا جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساورته وقلت له طعيم لي فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان فشبك صلى الله عليه وسلم أصابعه في اصابعي وقال كم هو فذكرت له قال كثيرا طيب لا تنزلن برمتكم لا تخبزن عجينكم حتى أجئ وصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أهل الخندق إن جابرا قد صنع لكم سؤارا أي ضيافة فحيهلا بكم أي سيروا مسرعين وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس قال جابر رضي الله عنه فلقيت من الحياء مالا يعلمه إلا الله والله إنها لفضيحة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادخلوا عشرة عشرة أي بعد أن اخرجت له عجيننا فبصق فيه وبارك ثم عمد صلى الله عليه وسلم إلى برمتنا وبصق فيها وبارك الحديث أي ومجئ القوم كان على الوجه المتقدم وإن أم عامر الأشهلية أرسلت بقصعة فيها حيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في القبة عنده أم سلمة رضي الله تعالى عنها فأكلت أم سلمة حاجتها ثم خرج بالقصعة ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم هلموا إلى عشائه فأكل أهل الخندق حتى نهلوا منها وهي كما هي
وقد ذكر الشيخ عبد الوهاب الشعراني رحمه الله ونفعنا ببركاته أنه قدم لأربعة عشرة رجلا من الفلاحين رغيفا واحدا فأكلوا منه كلهم وشبعوا قال وقدمت مرة الطاجن الذي نعمله في الفرن إلى سبعة عشر نفسا فأكلوا منه وشبعوا وذكر أنه شاهد شيخه الشيخ محمدا الشناوي رحمه الله ونفعنا ببركاته وقد جاء من الريف ومعه نحو خمسين رجلا ونزل بزاوية شيخه الشيخ محمد السروي فتسامع مجاورو الجامع الأزهر بمجيئه فأتوا لزيارته فامتلأت الزاوية وفرشوا الحصر في الزقاق ثم قال لنقيب شيخه هل عندك طبيخ قال نعم الطبيخ الذي أفعله لي ولزوجتي فقال له لا تغرف شيئا حتى

أحضر ثم غطى الشيخ الدست بردائه وأخذ المغرفة وصار يغرف إلى ان كفى من في الزاوية ومن في الزقاق وهذا شيء رأيته يعيني هذا كلامه
ولا يدع فقد ذكر غير واحد من العلماء كالحافظ ابن كثير ان كرامات الأولياء معجزات للأنبياء عليهم الصلاة والسلام لأن الولي إنما نال ذلك ببركة متابعته لنبيه وثواب إيمانه به وهذا كلامه
قال وأرسل أبو سفيان كتابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه باسمك اللهم فإني أحلف باللات والعزى أي وأساف ونائلة وهبل كما في لفظ لقد سرت إليك في جمع وأنا أريد أن لا أعود اليك أبدا حتى أستأصلكم فرأيتك قد كرهت لقاءنا واعتصمت بالخندق أي وفي لفظ قد اعتصمت بمكيدة ما كانت العرب تعرفها وإنما تعرف ظل رماحها وشباب سيوفها وما فعلت هذا إلا فرارا من سيوفنا ولقائنا ولك مني يوم كيوم أحد فأرسل له صلى الله عليه وسلم جوابه فيه أما بعد أي بعد بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى صخر بن حرب كذا في كلام سبط بن الجوزي فقد أتاني كتابك وقديما غرك بالله الغرور أما ما ذكرت أنك سرت إلينا وأنت لا تريد أن تعود حتى تستأصلنا فذلك أمر يحول الله بينك وبينه ويجعل لنا العاقبة وليأتين عليك يوم أكسر فيه اللات والعزى وأسافا ونائلة وهبل حتى أذكرك ذلك يا سفيه بني غالب انتهى
غزوة بني قريظة وهم قوم من اليهود بالمدينة من حلفاء الأوس وسيد الأوس حينئذ سعد بن معاذ رضي الله عنه كما تقدم
لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وكان وقت الظهيرة أي وقد صلى الظهر ودخل بيت عائشة رضي الله عنها وقيل زينب بنت جحش رضي الله عنها ودعا بماء فبينما هو صلى الله عليه وسلم يغتسل أي غسل شق رأسه الشريف وفي رواية بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغسل برجل رأسه قد رجل أحد شقيه أي وفي رواية غسل رأسه واغتسل ودعا بالمحمرة ليتبخر أتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم معتجرا بعمامة أي سوداء من استبرق وهو نوع من الديباج مرخيا منها بين كتفيه وفي رواية عليه لامته

ولا معارضة لأنه يجوز أن يكون الاعتجار بالعمامة على تلك اللامة وهو على بغلة أي شهباء عليها قطيفة وهي كساء له وبر من ديباج أي احمر
وفي رواية جاءه على فرس أبلق فقال أو قد وضعت السلاح يا رسول الله قال نعم قال جبريل عليه السلام ما وضعت السلاح وفي روايه ما وضعت ملائكة الله السلاح بعد قال وفي رواية أنه قال يا رسول الله ما أسرع ما حللتم عذيرك من محارب عفا الله عنك أي من يعذرك وفي لفظ غفر الله لك أو قد وضعم السلاح قبل أن تضعه الملائكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم قال فوالله ما وضعناه وفي لفظ ما وضعت الملائكة السلاح منذ نزل بك العدو وما رجعنا الآن إلا من طلب القوم يعني الأحزاب حتى بلغنا الأسد انتهى أي جراء الأسد إن الله يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة فإني عامد اليهم زاد في رواية بمن معي من الملائكة فمزلزل بهم الحصون زاد في رواية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في أصحاب جهدا فلو نظرتهم أياما فقال جبريل عليه السلام إنهض إليهم فو الله لأذقنهم كدق البيض على الصفا ولأدخلن فرسي هذا عليهم في حصونهم ثم لأضعضعنها فأدبر جبريل عليه السلام ومن معه من الملائكة حتى سطع الغبار في زقاق بني غنم وهم طائفة من الأنصار
وفي البخاري عن أنس قال كأني انظر على الغابر ساطعا في زقاق بني غنم موكب جبريل عليه السلام حين سار لبني قريظة والموكب بكسر الكاف اسم لنوع من السير
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق بينا هو عندي إذ دق الباب أي وفي رواية نادى مناد أي في موضع الجنائز عذيرك من محارب أي من يعذرك فارتاع لذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أي فزع ووثب وثبة منكرة وخرج فخرجت في أثره فإذا رجل على دابة والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ على معرفة الدابة يكلمه فرجعت فلما دخل قلت من ذلك الرجل الذي كنت تكلمه قال ورأيته قلت نعم قال بمن تشبهينه قلت بدحية الكلبي قال ذاك بكسر الكاف جبريل عليه السلام أمرني أن أمضي إلى بني قريظة أي وهذا يؤيد أنه صلى الله عليه وسلم كان عند منصرفه من الخندق

في بيت عائشة وأبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنا أي وهو بلال كما في سيرة الحافظ الدمياطي فأذن في الناس من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر أي وفي رواية الظهر إلا ببني قريظة
قال في النور والجمع بينهما أن الأمر بعد دخول وقت الظهر بالمدينة وقد صلى بعضهم دون بعض فقيل للذين لم يصلوا الظهر لا تصلوا الظهر إلا في بني قريظة وقيل للذين صلوها لا تصلوا العصر إلا في بني قريظة
وفي رواية بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ مناديا يا خيل الله أي يا فرسان خيل الله اركبي ثم سار اليهم قال وقد لبس صلى الله عليه وسلم السلاح والدرع والمغفر والبيضة وأخذ قناة بيده الشريفة وتقلد السيف وركب فرسه اللجيف بالضم وقيل ركب حمارا وهو اليعفور عريانا والناس حوله قد لبسوا السلاح وركبوا الخيل وهم ثلاثة آلاف والخيل ستة وثلاثون فرسا له صلى الله عليه وسلم منها ثلاثة واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم رضي الله تعالى عنه وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه برايته إلى بني قريظة
أي وفي رواية دفع إليه لواءه وكان اللواء على حاله لم يحل من مرجعه من الخندق ومر صلى الله عليه وسلم بنفر من بني النجار قد لبسوا السلاح فقال هل مر بكم أحد قالوا نعم دحية الكلبي مر على بغلة بيضاء
أي وفي رواية على فرس أبيض عليه اللامة وأمرنا بحمل السلاح وقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلع عليكم الآن فلبسنا سلاحنا وصففنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك جبريل عليه السلام بعث إلى بني قريظة ليزلزل حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم
فلما دنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه من الحصن أي ومعه نفر من المهاجرين والانصار وغرز اللواء عند أصل الحصن سمع من بني قريظة مقالة قبيحة في حقه صلى الله عليه وسلم أي وحق ازواجه أي فسكت المسلمون وقالوا السيف بيننا وبينكم فلما رأى علي كرم الله وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا أمر أبا قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن يلزم اللواء ورجع إليه صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لا عليك أن لا تدنوا من هؤلاء الأخابث قال لعلك سمعت منهم لي أذى قال نعم يا رسول الله قال لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا


فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم قال يا أخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته قال وفي رواية نادى بأعلى صوته نفرا من أشرافهم حتى أسمعهم وقال اجيبوا يا إخوة القردة والخنازير وعبدة الطاغوت أي وهو ما عبد من دون الله كما تقدم هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته أتشتموني فجعلوا يحلفون ويقولون ما قلنا ويقولون يا أبا القاسم ما كنت جهولا أي وفي لفظ ما كنت فاحشا وفي رواية تقدمه صلى الله عليه وسلم إلى يهود أسيد بن حضير رضي الله عنه فقال لهم يا أعداء الله لا تبرحوا من حصنكم حتى تموتوا جوعا إنما أنتم بمنزلة ثعلب في جحر فقالوا يا ابن الحضير نحن مواليكم وخاروا أي خافوا قال لا عهد بين وبينكم وتقدم أسيد إلى بني قريظة يجوز أن يكون قبل مقدم علي عليهم ويجوز أن يكون بعده
وإنما قال لهم يا اخوان القردة والخنازير لان اليهود مسخ شبانهم قردة وشيوخهم خنازير عند اعتدائهم يوم السبت بصيد السمك وقد حرم عليهم ذلك كسائر الأعمال وقد أمرهم أن يتفرغوا لعبادة ربهم في ذلك اليوم وكان ذلك في زمن داود عليه السلام فلما مسخوا خرجوا من تلك القرية هائمين على وجوههم متحيرين فمشوا ثلاثة أيام لا يأكلون ولا يشربون ثم ماتوا وهذا دليل لمن يقول إن المسوخ لا يعيش أكثر من ثلاثا أيام ولم يحصل منه توالد ولا تناسل
وفي الكشاف قيل إن أهل أيلة أي وهي قربة بين مصر ومدين لما اعتدوا في السبت قال داود عليه الصلاة والسلام اللهم العنهم واجعلهم للناس آية فمسخوا قردة
ولما كفر اصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام بعد المائدة قال عيسى اللهم عذب من كفر بعد ما أكل من المائدة عذابا لم تعذبه أحدا من العالمين والعنهم كما لعنت أصحاب السبت فأصبحوا خنازير وكانوا خمسة آلاف رجل مافيهم امرأة ولا صبي هذا كلامه فليتأمل فمكثو ثلاثة ايام لا يأكلون ولا يشربون فماتوا
ثم إن جماعة من الصحابة شغلهم ما لم يكن لهم منه بد عن المسير لبني قريظة ليصلوا بها العصر فأخروا صلاة العصر إلى أن جاءوا بعد عشاء الآخرة امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم لا يصلين العصر إلا في بني قريظة فصلوا العصر بها بعد عشاء الآخرة أي وبعضهم قال نصلي ما يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم منا أن ندع الصلاة ونخرجها عن وقتها وإنما أراد الحث على الإسراع فصلوها في أماكنهم ثم ساروا فما عابهم الله في كتابه ولا عنفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لأن كلا من الفريقين تأول


قال في الهدى كل من الفريقين مأجور بقصده إلا أن من صلى حاز الفضيلتين ولم يعنف الذين أخروها لقيام عذرهم في التمسك بظاهر الأمر وهو دليل على أن كل مختلفين في الفروع من المجتهدين مصيب
وادعى ابن التين رحمه الله أن الذين صلوا العصر صلوها على ظهور دوابهم قال لأنهم لو صلوا نزولا لكان مضادة لما أمروا به من الإسراع ولا يظن ذلك مع تقرب أفهامهم قال الحافظ ابن حجر رحمة الله وفيه نظر لأنه لم يأمرهم بترك النزول ولم أر أنهم صلوا ركبانا في شيء من طرق القصة والتعليل بالإسراع يقتضي أنهم صلوا على ظهور دوابهم سائرة ولا واقفة
وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة خمسا وعشرين ليلة وقيل خمسة عشرة يوما أي وقيل شهرا وكان طعام الصحابة التمر يرسل به إليهم سعد بن عبادة رضي الله عنه أي يجاء به من عنده وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ نعم الطعام التمر حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب وكان حي بن أخطب دخل مع بني قريظة حصنهم حين رجعت الاحزاب وفاء لكعب بما كان عاهده عليه أي كما تقدم فلما أيقنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم أي يقاتلهم قال كبيرهم كعب بن أسيد يا معشر يهود قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا أيها شئتم قالوا وما هي قال نتابع هذا الرجل ونصدقه فوالله لقد تبين لكم أنه نبي مرسل وأنه الذي تجدونه في كتابكم فتأمنون على دمائكم وأموالكم ونسائكم وأبنائكم قال وزاد في لفظ آخر وما منعنا من الدخول معه إلا الحسد للعرب حيث لم يكن من بني اسرائيل ولقد كنت كارها لنقض العهد ولم يكن البلاء والشؤم إلا من هذا الجالس يعني حي بن أخطب أتذكرون ما قال لكم ابن خراش حين قدم عليكم إنه يخرج بهذه القرية نبي فاتبعوه وكونوا له انصارا وتكونوا آمنتم بالكتابين الأول والآخر ا هـأي التوراة والقرآن
أي وكانت يهود بني قريظة يدرسون ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتبهم ويعلمون الولدان صفته وأن مهاجره المدينة
وفيه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كانت يهود بني قريظة وبني النضير وفدك

وخيبر يجدون صفة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث وأن دار هجرته المدينة ولما قال لهم كعب ذلك قالوا لا نفارق حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به غيره قال كعب فإذا أبيتم على هذه فهلم فانقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد واصحابه رجالا مصلتين السيوف ولم نترك وراءنا ثقلا حتى يحكم الله بييننا وبين محمد فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا وراءنا نسلا أي ولدا يخشى عليه وإن نظفر فلعمري لنجدن النساء والأبناء قالوا نقتل هؤلاء المساكين فما خير العيش بعدهم قال فإن أبيتم على هذه فإن الليلة ليلة السبت وأن عسى أن يكون محمد واصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة أي غفلة فقالوا نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يحدث فيه من كان قبلنا إلا من قد علمت وأصابه مالم يخف عليك من المسخ قال وقال لهم عمرو بن سعد قد خالفتم محمدا فيما حالفتموه أي عاهدتموه عليه ولم أشكركم في غدركم فإن أبيتم أن تدخلوا معه فاثبتوا على اليهودية وأعطوا الجزية فوالله ما أدري يقبلها أم لا قالوا نحن لا نقر للعرب بخراج في رقابنا يأخذونه القتل خير من ذلك قال فإني بريء منكم وخرج في تلك الليلة فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة فقال محمد بن مسلمة من هذا قال عمرو بن سعدي قال مر اللهم لا تحرمني إقالة عثرات الكرام وخلى سبيله وبعد ذلك لم يدر أين هو وقل وجدت رمته وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره فقال ذلك رجل نجاه الله بوفاته
وفي لفظ أنه قال لهم قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم لحصارهم يا بني قريظة لقد رأيت عبرا رأيت دار إخواننا يعني بني النضير خالية بعد ذلك العز والخلد والشرف والرأي الفاضل والعقل تركوا أموالهم قد تملكها غيرهم وخرجوا خروج ذل لا والتوراة ما سلط هذا على قوم قط ولله بهم حاجة وقد أوقع ببني قينقاع وكانوا أهل عدة وسلاح ونخوة فلم يخرج أحد منهم رأسه حتى سباهم فكلم فيهم فتركهم على إجلائهم من يثرب يا قوم قد رأيتم ما رأيتم فأطيعوني وتعالوا نتبع محمدا فوالله إنكم لتعلمون أنه نبي وقد بشرنا به علماؤنا ثم لا زال يخوفهم بالحرب والسبي والجلاء ثم أقبل على كعب بن أسيد وقال والتوراة التي انزلت على موسى عليه السلام يوم طور سيناء إنه للعز والشرف في الدنيا
فبينما هم على ذلك لم يرعهم إلا مقدمة النبي صلى الله عليه وسلم قد حلت بساحتهم

فقال هذا الذي قلت لكم أي وبعد الحصار قيل أرساوا بنباش بن قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزلوا على ما نزلت عليه بنو النضير من أن لهم ما حملت الإبل إلا الحلقة فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماءهم ويسلم لهم نساءهم والذرية فارسلوه ثانيا بأنه لا حاجة لهم بشيء من الأموال لا من الحلقة ولا من غيرها فابى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن ينزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاد نباش إليهم بذلك ا هـثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابعث إلينا أبا لبابة أي وهو رفاعة بن المنذر لنستشيره في أمرنا أي لأنه كان من حلفاء الأوس وبني قريظة منهم
وفي لفظ وكان ابو لبابة مناصحا لهم لأن ماله وولده وعياله كانت في بني قريظة فارسله صلى الله عليه وسلم إليهم فلما رأوه قام اليه الرجال وجهش أي أسرع اليه النساء والصبيان يبكون في وجهه من شدة المحاصرة وتشتيت ما لهم فرق لهم وقال يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده إلى حلقه أي إنه الذبح
أي وفي لفظ ما ترى إن محمدا قد أبى أن لا ينزل إلا على حكمه قال فانزلوا وأومأ إلى حلقه
ويروى انهم قالوا له ما ترى أننزل على حكم سعد بن معاذ فأومأ أبو لبابة بيده إلى حلقه أنه الذبح فلا تفعلوا قال ابو لبابة رضي الله عنه فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني خنت الله ورسوله أي لأن في ذلك تنفيرا لهم عن الانقياد له صلى الله عليه وسلم ومن ثم أنزل الله فيه { يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول } الآية أي وقيل نزل { وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم } الآية وهذ أثبت من الأول وقد يقال كلاهما نزل فيه تلك الآية في توجه اللوم عليه وهذه في توبته
لا يقال هي ليست نصا في توبة الله عليه لأنا نقول الترجي في حقه تعالى أمر محقق
وعن ابي لبابة رضي الله عنه لما ارسلت بنو قريظة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه أن يرسلني إليهم دعاني قال اذهب إلى حلفائك فانهم ارسلوا اليكم من بين

الأوس فذهبت إليهم فقام كعب بن اسيد فقال يا ابا بشير قد عرفت ما بيننا وقد اشتد علينا الحصار وهلكنا ومحمد لا يفارق حصننا حتى ننزل على حكمه فلوا زال عنا لحقنا بأرض الشام أو خيبر ولم نطأ له أرضا ولم نكثر عليه جمعا أبدا أما ترى قد اخترناك على غيرك أننزل على حكم محمد قال ابو لبابة نعم فانزلوا وأومأ إلى حلقه بالذبح قال فندمت واسترجعت فقال لي كعب مالك يا ابا لبابة فقلت خنت الله ورسوله فنزلت وإن عيني لتسيل من الدموع ثم انطلق ابو لبابة على وجهه فلم يات رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتبط بالمسجد إلى عمود من عمده أي وهي السارية ويقال لها الاسطوانة وهي التي كانت عند باب ام سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم في حر شديد وقيل الأسطوانة المخلقة التى يقال لها أسطوانة التوبة والأول أثبت وكانت تلك الأسطوانة أكثر تنقله صلى الله عليه وسلم عندها وكان ينصرف إليها من صلاة الصبح فكان يستبق إليها الفقراء والمساكين ومن لا بيت له إلا المسجد فيجئ اليهم صلى الله عليه وسلم ويتلوا عليهم ما أنزل من ليلته ويحدثهم ويحدثونه وكان ارتباطه بسلسلة ريوض أي ثقيلة وقال والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب اله علي مما صنعت وعاهد الله أن لا يطأ بني قريظة أبدا ولا يرى في بلد خان الله ورسوله فيه أبدا فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره كان استبطأه قال اما لو جاءني لاستغفرت له وأما إذ فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه حتى يتوب الله عليه
هذا وفي كلام البيهقي وأورده في الدر أن ارتباطه إنما كان لتخلفه عن تبوك فقد ذكر أنه لما أشار بيده إلى حلقه وأخبر عنه صلى الله عليه وسلم بذلك قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسبت أن الله غفل عن يدك حيث تشير إليهم بها إلى حلقك فلبث حينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عاتب عليه ثم لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك كان ابو لبابة فيمن تخلف فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي رجع جاءه أبو لبابة يسلم عليه فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ففزع أبو لبابة وارتبط بالسارية
واستغرب ذلك بعضهم فقال وأغرب من ادعى أن أبا لبابة إنما فعل ذلك لتخلفه عن غزوة تبوك
ثم إن بني قريظة نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فامر بهم فكتفوا

وجعلوا ناحية وكانوا ستمائة وقيل سبعمائة وخمسين مقاتلا وهو الذي تقدم عن حيي ابن خطب
ولا يخالف هذا ما قيل إنهم كانوا بين الثمانمائة والسبعمائة وقيل كانوا أربعمائة مقاتل
ولا يخالف ما قبله لأنه يجوز أن يكون ما زاد على ذلك كانوا أتباعا لا يعدون واخرج النساء والذراري من الحصون وجعلوا ناحية أي وكانوا ألفا واستعمل عليهم عبد الله بن سلان فتواثب الأوس وقالوا يا رسول الله موالينا وحلفاؤنا وقد فعلت في موالي إخواننا بالامس ما قد فعلت يعنون بني قينقاع لأنهم كانوا حلفاء الخزرج ومن الخزرج عبد الله بن أبي بن سلول وقد نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم وقد كلمه فيهم عبد الله بن أبي بن سلول فوهبهم له على أن يجلوا كما تقدم أي فظنت الأوس من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهب لهم بني قريظة كما وهب بني قينقاع للخزرج فلما كلمته الأوس أبى أن يفعل ببني قريظة ما فعل ببني قينقاع ثم قال لهم أما ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا بلى فقال فذلك إلى سعد بن معاذ أي وقيل إنه صلى الله عليه وسلم قال لهم اختاروا من شئتم من اصحابي فاختاروا سعد بن معاذ أي وهو رضي الله عنه سيد الأوس حينئذ كما تقدم وقيل إنهم قالوا ننزل على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه فرضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وكان سعد بن معاذ رضي الله عنه يومئذ في المسجد في خيمة رفيدة رضي الله عنها وقد كان صلى الله عليه وسلم قال لقوم سعد بن معاذ حين أصابه السهم بالخندق اجلعوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قرب أي لأن رفيدة رضي الله عنها كان لها خيمة في المسجد تداوي فيها الجرحى من الصحابة ممن لم يكن له من يقوم عليه فأتاه قومه فحملوه على حمار ثم أقبلوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون له يا أبا عمرو أحسن في مواليك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم بأحسن فيهم فقد رأيت ابن أبي وما صنع في حلفائه وهو ساكت فلما اكثروا عليه قال رضي الله عنه لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم فقال بعضهم واقوماه
فلما انتهى سعد رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى المسلمين وهم حوله جلوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا إلى سيدكم أي زاد في رواية

فانزلوه فقال عمرو رضي الله عنه السيد هو الله وفي رواية إلى خيركم أي معاشر المسلمين من المهاجرين والأنصار أو معاشر الانصار فقاموا اليه فقالوا يا ابا عمرو إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم وفي رواية فقمنا صفين يحييه كل رجل منا حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحكم فيهمي يا سعد فقال الله ورسوله أحق بالحكم قال قد أمرك الله أن تحكم فيهم فقال سعد أي لمن في الناحية التي ليس فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بذلك عهد الله وميثاقه أن الحكم فيهم كما حكمت قالوا نعم قال وعلى من ههنا مثل ذلك وأشار إلى الناحية التى فيها رسول الله وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم أي وفي لفظ فقال سعد لبني قريظة أترضون بحكمي قالوا نعم فأخذ عليهم عهد الله وميثاقه أن الحكم ما حكم به قال سعد فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال وفي لفظ أن يقتل كل من جرت عليه الموسى وتغنم الاموال وتسبى الذراري والنساء زاد بعضهم وتكون الديار للمهاجرين دون الانصار فقالت الأنصار إخواننا يعنون المهاجرين لنا معهم فقال إني أحببت ان يستغنوا عنكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة ارقعة أي السموات السبع قيل سميت بذلك لانها رقعت بالنجوم
وجاء في الصحيح من فوق سبع سموات والمراد أن شأن هذا الحكم العلو والرفعة قد طرقني بذلك الملك سحرا
ثم أمر صلى الله عليه وسلم أن يجمع ما وجد في حصونهم من الحلقة والسلاح وغير ذلك فجمع فوجد فيها ألف وخمسائمة سيف وثلثمائة درع وألفى رمح وخمسمائة ترس وحجفة ووجد أثاثا كثيرا وآنية كثيرة وأجمالا نواضح أي يسقى عليها الماء وماشية وشياها كثيرة وخمس ذلك أي مع النخل والسبي حتى الرثة وهو السقط من امتعة البيت خمسة أجزاء ففض أربعة أسهم على الناس فجعل الفارس ثلاثة أسهم أي سهم له وسهمان لفرسه والراجل سهما قال بعضهم وهو أول فيء وقعت فيه السهام ورضخ للنساء اللاتي حضرن القتال وهن صفية عمته صلى الله عليه وسلم وأم عمارة وأم سليط وأم العلاء والسميراء بنت قيس وأم سعد بن معاذ وكبشة بنت رافع

ولم يسهم لهن وأخذ هو صلى الله عليه وسلم جزءا وهو الخمس وعبارة بعضهم وهو اول فيء وقعت فيه السهمان وخمس أي جزئ خمسة أجزاء وكتب في سهم لله ثم أخذ ذلك السهم الذي خرج عليه وعلى سنته مضت قسمة الغنائم
وفي كون هذا أول في جرت فيه السهمان نظر إنما كان ذلك في بني قينقاع فان الفيء الحاصل منهم خمس خمسة أخماس أخذ صلى الله عليه وسلم واحدا والأربعة لأصحابه أي ووجد جرار خمر فأهريق ولم يخمس وهذ يدل على أن الخمر كانت محرمة قبل ذلك
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالأسارى أن يكونوا في دار أسامة بن زيد رضي الله عنهما والنساء والذرية في دار ابنة الحارث النجارية أي لأن تلك الدار كانت معدودوة لنزول الوفود من العرب
وقيل في دار كبشة بنت الحرث بن كريز كانت تحت مسيلمة الكذاب ثم خلف عليها عبد الله بن عامر بن كريز وهذه إنما نزل في دارها وفد بني حنيفة كما سيأتي وبالمتاع أن يحمل وترك المواشي هناك ترعى الشجر
ثم غدا صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم خرج إلى سوق المدينة فخندق فيها خنادق أي حفر فيها حفائر ثم أمر بقتل كل من أنبت فبعث اليهم فجاءوا إليه أرسالا تضرب أعناقهم ويلقون في تلك الخنادق وقد قال بعضهم لسيدهم كعب بن أسيد يا كعب ما تراه يصنع بنا قال في كل موطن لا تعقلون أما ترون أن من ذهب منكم لا يرجع هو والله القتل قد دعوتكم إلى غير هذا فأبيتم علي قالوا ليس حين عتاب فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله لى أي وذلك ليلا على شعل السعف
ثم رد عليهم التراب في تلك الخنادق وعند قتلهم صاحت نساؤهم وشقت جيوبها ونشرت شعورها وضربت خدودها وملأت المدينة نواحا
وكن من جملة من أتى معهم عدو الله حيي بن أخطب مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فلما نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألم يمكن الله منك يا عدو الله قال بلى أبي الله إلا تمكينك مني أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل الله يخذل


وفي كلام السهيلي رحمه الله أنه صلى الله عليه وسلم لما قال له ألم يكن الله منك فقال بلى ولقد قلقنا كل مقلقل ولكنه من يخذلك يخذل فقوله يخذلك كقول الآخر في البيت ولكنه من يخذل الله يخذل لأنه إنما نظم في البيت كلام حي
ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس إنه لا با س بأمر الله كتاب وقدر وملحمة أي قتال كتب الله على بني اسرائيل ثم جلس فضربت عنقه قال ولما أت بكعب ابن اسيد سيد بني قريظة قال له النبي صلى الله عليه وسلم يا كعب قال نعم يا ابا القاسم قال ما انتفعتم بنصح بن خراش لكم وكان مصدقا بي أما امركم باتباعي وأن رأيتموني تقرءوني منه السلام قال بلى والتوراة يا أبا القاسم ولولا ان تعيرني يهود بالجزع من السيف لاتبعتك ولكنه على دين يهود فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقدم فيضرب عنقه ففعل به ذلك أي وكان المتولي لقتلهم علي بن ابي طالب كرم الله وجهه والزبير بن العوام رضي الله عنه
أقول في الإمتاع وجاء سعد بن عبادة والحباب بن المنذر فقالا يا رسول الله إن الأوس قد كرهت قتل بني قريظة لمكان حلفهم فقال سعد بن معاذ رضي الله عنه ما كرهه أحد من الأوس فيه خير فمن كرهه فلا أرضاه الله فقام أسيد بن حضير فقال يا رسول الله لا تبق دارا من دور الاوس إلا فرقتهم فيها ففرقهم في دور الانصار فقتلوهم هذا كلامه والضمير في قتلوهم ظاهر في رجوعه للأوس وأنهم المراد بالانصار
وقد يقال لا مخالة لانه يجوز أن يكون المراد بالأوس الذين كرهوا ذلك طائفة منهم وأن تلك الطائفة قتلوا من بعث به إلى دورهم وما عدا ذلك تعاطى قتله علي والزبير والله اعلم
ولم يقتل من نسائهم إلا امراة واحد أخرجت من بين النساء يقال لها نباتة وقيل مزنة كانت طرحت رحى على خلاد بن سويد رضي الله عنه فقتلته بارشاد زوجها لأنه أحب أن لا تبقى بعده فيتزوجها غيره
وقد أسهم صلى الله عليه وسلم لخلاد بن سويد هذا وقال إن له أجر شهيدين وأسهم لسنان بن محصن وقد مات في زمن الحصار
وعن عائشة رضي الله عنها قالت لم يقتل من نسائهم يعني بني قريظة إلا امرأة

واحدة قالت والله إنها لعندي تتحدث معي وتضحك ظهرا وبطنا أي وكانت جارية حلوة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجلها في السوق أي لأنها دخلت على عائشة وبنو قريظة يقتلون إذ هتف هاتف باسمها أين نباته قالت انا والله قالت عائشة فقلت لها ويلك مالك قالت أقتل قلت ولم قالت لحدث أحدثته أي وفي لفظ قتلني زوجي فقالت لها عائشة كيف قتك زوجك قالت أمرني أن ألقي رحى على أصحاب محمد كانوا تحت الحصن مستظلين في فيئة فأدركت خلاد بن سويد فشدخت رأسه فمات وأنا قتل به
وفي لفظ آخر إني كنت زوجة رجل من بني قريظة وكان بيني وبينه كاشد ما يتحاب الزوجان فلما اشتد امر المحاصرة قلت لزوجي يا حسرتي على أيام الوصال كادت أن تنقضي وتتبدل بليالي الفراق وما أصنع بالحياة بعدك فقال زوجي إنك صادقة في دعوة المحبة تعالي فإن جماعة من المسلمين جالسون في ظل حصن قال الزبير بن بطا وهو بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة فألقى عليهم حجر الرحا لعله يصيب واحدا منهم فيقتله فإن ظفروا بنا فإنهم يقتلونك بذلك ففعلت قالت فانطلق بها فضرب عنقها فكانت عائشة رضي الله عنها تقول والله ما ألقى عجبا منها طيب نفسها وكثرة ضحكها وقد عرفت أنها تقتل
وكان في بني قريظة الزبير بن بطا وهو جد الزبير بن ابنه عبد الرحمن وهو بفتح الزاي وكسر الباء الموحدة كإسم جده وقيل بضم الزاي وفتح المثناة وهو قول البخاري في التاريخ وكان شيخا كبيرا وكان قد من على ثابت بن قيس في الجاهلية يم بغاث وهي حرب التي كانت بين الأوس والخزرج قبل قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة وكان الظفر فيها للأوس على الخزرج آخرا كما تقدم أخذه فجز ناصيته ثم خلى سبيله فجاء ثابت رضي الله عنه للزبير فقال له يا أبا عبد الرحمن هل تعرفني قال فهل يجهل مثلي مثلك قال إني أردت أن اجزيك بيدك عندي إن الكريم يجزي الكريم وأحوج ما كنت إليك اليوم وعبد الرحمن هذا هو الذي تزوج امرأة رفاعة وشكته للنبي صلى الله عليه وسلم بأن الذي معه كهدية الثوب وأحبت طلاقه لها
ثم أتى ثابت رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنه كان للزبير علي منة وقد أحببت أن أجزيه بها فهب لي دمه فقال رسول الله صلى الله عليه

وسلم هو لك فأتاه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهب لي دمك فهولك فقال شيخ كبير لا أهل له ولا ولد فما يصنع بالحياة قال ثابت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله بابي أنت وأمي امرأته وولده فقال هم لك قال فأتيته فقلت قد وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلك وولدك فهم لك فقال أهل بيت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك قال فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ماله قال هو لك فاتيته فقلت له قد اعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك فهو لك فقال أي ثابت أما أنت فقد كافأتني وقد قضيت الذي عليك ما فعل بالذي كان وجهه مرآة مضيئة تتراءى منها عذارى الحي كعب بن اسد أي سيد بني قريظة قلت قتل قال فما فعل بسيد الحاضر والبادي أي من يحملهم في الجدب ويطعمهم في المحل حي بن أخطب قلت قتل قال فما فعل بمقدمتنا بكسر الدال مشددة إذا شددنا وحامينا إذا فررنا عزال بالعين المهملة وتشديد الزاي ابن سمؤال بالسين المهملة مفتوحة ومكسورة قلت قتل قال فما فعل المجلسان بكسر اللام محل الجلوس وبفتحها المصدر يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة قلت قتلا وفي لفظ قتلوا قال فإني أسألك يا ثابت بيدك عندي إلا ألحقني بالقوم فوالله ما بالعيش بعد هؤلاء من خير أأرجع إلي دار قد كانوا حلولا فيها فأخلد فيها بعدهم لا حاجة لي فما أنا صابر لله إفراغة لدو ناضح أي مقدار الزمن الذي يفرغ فيه ماء الدلو وفي رواية فتلة دلو ناضح بالفاء والتاء مثناة فوق وقيل بالقاف والباء الموحدة أي مقدار ما يتناول المستسقى للدلو حتى ألقى الأحبة قال ثابت فقدمته فضربت عنقه
أي وقيل إن ثابتا رضي الله عنه قال له ما كنت لاقتلك فقال لا أبالي من قتلني فقتله الزبير بن العوام رضي الله عنه
ولما بلغ أبي بكر رضي الله عنه مقالته ألقى الأحبة قال يلقاهم والله في نار جهنم خالد فيها مخلدا
قال في الأصل وذكر أبو عبيدة هذ الخبر وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لك أهله وماله إن أسلم أي ولم يسلم فكان أهله وماله من جملة الفيء وكان القتل لكل من أنبت ولم ينبت يكون في السبي
قال عطية القرظي رضي الله عنه كنت غلاما فوجدني لم أنبت فخلا سبيلي أي عن

القتل وكان رفاعة قد أنبت فأرادوا قتله فلاد بسلمى بنت قيس أم المنذر وكانت إحدى خالاته صلى الله عليه وسلم أي خالات جده عبد المطلب لأنها من بني النجار فقالت بأبي وأمي يا رسول الله هب لي رفاعة فوهبه لها أي فأسلم
وقرت عين سعد بن معاذ رضي الله عنه بقتل بني قريظة حيث استجاب الله دعوته فإنه سأل الله تعالى لما اصيب بالسهم في الخندق وقال لا تمتنى حتى تقر عيني من بني قريظة كما تقدم
أي وفي بعض الروايات أن دعاءه رضي الله عنه بذلك كان في الليلة التي في صبيحتها نزلت بنو قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما تقدم عن بعض الروايات
أي ويجوز أن يكون رضي الله عنه دعا بذلك مرتين وفي لفظ فدعا الله أن لا يميته حتى يشفى صدره من بني قريظة
ويمكن أن يكون صاحب الهمزية رحمه الله أشار إليه سب بني قريظة له صلى الله عليه وسلم ونهى بعض اشرافهم لهم عن نقضهم العهد الذي كان بينهم وبينه صلى الله عليه وسلم الذي سببه حي بن خطب لعنه الله واغترارهم بالأحزاب بقوله ** وتعدوا إلى النبي حدودا ** كان فيها عليم العدواء ** ** واطمأنوا بقول الأحزاب إخوا ** نهم إننا لكم أولياء ** ** وبيوم الأحزاب إذ زاغت ال ** أبصار فيه وضلت الأراء ** ** وتعاطوا في أحمد منكر القو ** ل ونطق الأراذل العوراء ** ** كل رجس يزيده الخلق السو ** ء سفاها والملة العوجاء ** ** فانظروا كيف كان عاقبة القو ** م وما ساق للبذي البذاء ** ** وجد السب فيه سما ولم يد ** ر إذ الميم في مواضع باء ** ** كان من فيه قتله بيديه ** فهو من سوء فعله الزباء ** ** أو هو النحل قرصها يجلب الح ** تف إليها وماله إنكاء **
أي ولما انقضى شأن بني قريظة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم فكان كذل وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك بعد انقضاء الأحزاب وانفجر جرح سعد بن معاذ أي الذي في يده وسال الدم واحتضنه صلى الله عليه وسلم فجعلت الدماء تسيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم

فمات منه وحمل إلى منزله ولم يعلم صلى الله عليه وسلم بموته فأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم من الليل معتجرا بعمامة من استبرق فقال يا محمد من هذا العبد الصالح وفي لفظ من هذا الميت التي فتحت له ابوب السماء واهتز له العرش وفي رواية عرش الرحمن أي فتحت أبواب السماء لصعود روجه واهتز العرش أي تحرك فرحا بذلك وقال النووي اهتزاز العرش هو فرح الملائكة بقدوم روحه
وفيه أنه هذا لا يحتاج اليه إلا لو كان تحرك العرش مستحيلا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا يجر ثوبه إلى سعد بن معاذ فوجده قد مات
وعن سلمة بن أسلم بن حريش رضي الله عنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في البيت أحد إلا سعدا مسجي فرأيته يتخطى وأومأ صلى الله عليه وسلم إلى قف فوقفت ورددت من ورائي وجلس صلى الله عليه وسلم ساعة ثم خرج فقلت يا رسول الله ما رأيت أحدا ورأيتك تتخطى فقال ما قدرت على مجلس حتى قبض لي ملك من الملائكة أحد جناحيه
أقول قد وقع له صلى الله عليه وسلم نظير ذلك عند تشييعه لجنازة ثعلبة بن عبد الرحمن الأنصاري رضي الله عنه فإنه صار يمشي على أطراف أنامله فلم ادفن قيل يا رسول الله رأيناك تمشي على أطراف أناملك قال والذي بعثني بالحق ما قدرت أن أضع قدمي من كثرة ما نزل من الملائكة لتشييعه وقصته مذكوة في السيرة الشامية
ولما حملوا نعش سعد رضي الله عنه وكان جسيما وجدوا له خفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن له حملة غيركم أي من الملائكة لقد نزل سبعون ألف ملك شهدوا سعدا أي جنازته ومنهم جملة ماوطئوا الأرض إلا يومهم هذا وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كنت ممن حفر لسعد رضي الله عنه قبره فكان يفوح علينا المسك كلما حفرنا قبره من تراب
وجاء لو كان أحد ناجيا من ضمة القبر لنجا منا سعد ضم ضمة ثم فرج الله عنه وعن جابر بن عبد اله رضي الله عنهما قال لما دفن سعد رضي الله عنه ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبح الناس معه ثم كبر فكبر الناس معه فقالوا يا رسول لم سبحت أي وكبرت قال لقد تضايق على هذا العبد الصالح قبره حتى فرجه الله عنه


وجاء إن بعض أهل سعد رضي الله عنه سئل ما بلغكم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في سبب تضايق القبر على سعد كما يرشد إليه جوابهم بقولهم فقالوا ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال كان يقصر في بعض الطهور من البول بعض التقصير وهذا قد يخالف ما في الخصائص الصغرى وخص رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لا يضغط في قبره وكذلك الانبياء عليهم الصلاة والسلام ولم يسلم من الضغطة صالح ولا غيره سواهم وكذا ما في التذكرة للقرطبي إلا فاطمة بنت أسد ببركته صلى الله عليه وسلم أي حيث اضطجع صلى الله عليه وسلم في قبرها ويحتاج للجمع بينه وبين ما في الخصائص
وجاء عن عائشة رضي الله عنها رضي الله عنه أنها قالت يا رسول الله ما انتفعت بشيء منذ سمعتك تذكر ضغطة القبر وضمته فقال يا عائشة إن ضغطة القبر على المؤمن كضمة الأم الشفيقة يديها على رأس ابنها يشكو إليها الصداع وضرب منكر ونكير عليه كالكحل في العين ولكن يا عائشة ويل للشاكين الكافرين أولئك الذين يضغطون في قبورهم ضغطا يقبض على الصخر أي وحينئذ يكون المراد بالمؤمن الذي هذا شأنه الذي لم يحصل منه تقصير فلا ينافي ما تقدم عن سعد فليتأمل وقد روى البيهقي رحمه الله أنه صلى الله عليه وسلم حمل جنازة سعد بن معاذ رضي الله عنه بين العمودين وبه استدل أئمتنا على أن ذلك أفضل من حمل الجنازة بالتربيع الذي اعتاده الناس الآن
ومشى صلى الله عليه وسلم أمام جنازته ثم صلى عليه وجاءت أمه رضي الله عنها ونظرت إليه في اللحد وقالت أحتسبك عند الله وعزاها رسول الله وهو واقف على قدميه على القبر فلما سوى التراب على قبره رش عليه الماء ثم وقف صلى الله عليه وسلم ودعا ثم انصرف وناحت عليه امه فقال صلى الله عليه وسلم كل ناحئة تكذب إلا نائحة سعد بن معاذ رضي الله عنه أي فإنه رضي الله عنه موصوف بكل ما يقال فيه من الأوصاف الحسنة بخلاف غيره
وبعث صاحب دومة الجندل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبة من سندس كما سيأتي فجعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم يعجبون من تكل الجبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن يعني من هذا ومن المعلوم أن المنديل أدنى الثياب لأنه معد للامتهان فثيابه رضي الله عنه في الجنة أعلى وأغلى وقد

وهب صلى الله عليه وسلم تلك الجبة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ونزلت توبة أبي لبابة رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أم سلمة رضي الله عنها قالت أم سلمة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر يضحك قالت فقلت مم تضحك يا رسول الله أضحك الله سنك قال تيب علي أبي لبابة قالت قلت أفل أبشره يا رسول الله قال بلى إن شئت فقامت على باب حجرتها قيل وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب وهو لا يناسب ما تقدم في قصة الإفك فقالت يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك قال فثار الناس إليه ليطلقوه فقال لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده الشريفة
وقيل المبشر له عائشة رضي الله تعالى عنها فلما مر صلى الله عليه وسلم على ابي لبابة خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه
وجاء ان فاطمة رضي الله عنها أرادت إطلاقه فأبى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاطمة بضعة مني أي وظاهر هذا أنه رضي الله عنه كان يبر بإطلاق سيدتنا فاطمة رضي الله عنها له فليتأمل
وقد أقام مربوطا ست ليالي أي أو سبع ليال وقيل سبع عشرة ليلة وقيل خمس عشرة ليلة وعليه اقتصر في الامتاع وكان تأتيه امرأته أو بنته في وقت كل صلاة فتحله للصلاة وكذا إذا أراد حاجة الإنسان ثم يعود فيربط بالعمود حتى كاد يذهب سمعه وبصره ولا مانع أن امرأته وبنته كانتا تتناوبان في ذلك
أي وجاء أنه رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم من تمام توبتي أن أهجر دار قوم أصبت فيها الذنب وفيه أنه تقدم أنه عاهد الله على ذلك قال وأن أنخلع من مالي فقال له عليه الصلاة والسلام يجزيك الثلث أي تتصدق به أي ولم يأمره صلى الله عليه وسلم أن يهجر تلك الدار والجمع بينه وبين ما تقدم من أنه عاهد الله أن لا يطأ تلك الدار ممكن
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأنصاري بسبايا بني قريظة إلى نجد فابتاع لهم بهم خيلا وسلاحا قال وفي لفظ بعث سعد بن عبادة إلى الشام بسبايا يبيعهم ويشتري بهم سلاحا وخيلا أي فاشترى بذلك خيلا كثيرا قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين واشترى عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما

جملة من السبايا فجعلت تلك الجملة من السبايا قسمين جعلت الشواب على حدة وجعلت العجائز على حدة ثم خير عبد الرحمن بن عوف عثمان بن عفان فأخذ العجائز وأخذ عبد الرحمن الشواب وجعل عثمان رضي الله عنه على كل واحدة منهن شيئا إن أتت به عتقت فكان المال يوجد عند العجائز ولا يوجد عند الشواب فربح عثمان مالا كثيرا أقول ويحتاج إلى الجمع
وقد يقال إن كان المراد بالسبايا في قصة سعد بن عبادة وعثمان وعبد الرحمن سبايا بني قريظة فيكون قسموا ثلاثة أقسام قسم أعطى لسعد بن زيد وقسم أعطى لسعد بن عبادة وقسم اشتراه عثمان وعبد الرحمن ووقع الفداء في سبايا بني قريظة وحينئذ يكون المراد بقول القائل وبعث سعد بن زيد بسبايا بني قريظة أي بجملة منهم وبعث سعد بن عبادة بسبايا أي بسبايا بني قريظة أي بجملة منهم وإن كان المراد بالسبايا في قصة سعد بن عبادة غير سبايا بني قريظة فالأمر ظاهر ويدل لهذا الثاني إسقاط بني قريظة منه
ثم رأيته في الإمتاع أسقط قصة سعد بن زيد الأنصاري واقتصر على سعد بن عبادة حيث قال ولما سبيت السبايا والذرية بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة إلى الشام مع سعد بن عبادة رضي الله عنه يبيعهم ويشتري سلاحا هذا كلامه والله أعلم
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفرق بين الأم وولدها أي في السبايا الأعم من قريظة وقال لا يفرق بين أم وولدها حتى يبلغ قيل يا رسول الله وما بلوغه قال تحيض الجارية ويحتلم الغلام وكان إذا وجد الولد الصغسير ليس له أم لم يبع من المشركين أي مشركي العرب ولا من يهود وإنما يباع من المسلمين أي وكانت أم الولد الصغير تباع المشركين هي وولدها من العرب ومن يهود المدينة
قال في الإمتاع وكان يفرق بين الأختين إذا بلغتا ومقتضاه انهما إذا لم يبلغا لا يفرق بينهما وأئمتنا معاشر الشافعية لم يحرموا الا التفرقة بين الأصول والفروع إذا لم يميزوا وهو محمل قوله صلى الله عليه وسلم من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة ولعله لم تصح تلك الرواية عند إمامنا الشافعي رضي الله عنه
واصطفى صلى الله عليه وسلم لنفسه منهم ريحانة بنت عمرو وهو شمعون مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني النضير وكانت متزوجة في بني قريظة ولعله مراد من

قال إنها كانت من بني قريظة أي وكانت جميلة وأسلمت بعد أن أبت الإسلام ووجد صلى الله عليه وسلم في نفسه أي غضب بسبب ذلك أي بسبب عدم إسلامها ولم يظهر ذلك ثم لما أسلمت سر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك
فقد جاء لما أبت ريحانة الإسلام عزا لها صلى الله عليه وسلم ووجد في نفسه لذلك وأرسل إلى ثعلبة بن شعبة وكان ممن نزل من حصون بني قريظة في الليلة التي صبيحتها نزلت بنو قريظة على حكم سعد بن معاذ أي علي ما في بعض الروايات وأسلم هو وإخوته أسيد وأسيد وأسد وابن عمه واحرزوا دماءهم وأموالهم وليسوا من بني قريظة وإنما هم من بني هذيل فذكر له صلى الله عليه وسلم ذلك فقال سعد فداك ابي وأمي هي مسلمة أي ظنا منها أنها تسلم فخرج حتى جاءها ولا زال يقول لها أسلمى يصطفيك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه فاجابت إلى ذلك وأسلمت فبينما هو صلى الله عليه وسلم في مجلس من أصحابه إذ سمع وقع نعلين خلفه فقال إن هاتين لنعلا مبشري بإسلام ريحانه فكان كذلك واخبره أنها أسلمت فسر صلى الله عليه وسلم بذلك واستمرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في ملكه اختارت بقاءها في ملكه على العتق والنكاح أي فقد خيرها صلى الله عليه وسلم يين أن يعنقها ويتزوجها أو تكون في ملكه يطؤها بالملك فاختارت أن تكون في ملكه
قال بعضهم والأثبت عند أه لالعلم أنه أعتقها وتزوجها وأصدقها عشرة أوقية ونشا وأعرس بها في المحرم سنة ست بعد أن حاضت حيضة وضرب عليها الحجاب فغارت عليه فطلقها تطليقة فأكثرت من البكاء فراجعها ولم تزل عنده صلى الله عليه وسلم حتى ماتت مرجعه من حجة الوداع سنة عشر فدفنها بالبقيع ووجوب استبرائها بحيضة يدل لما قاله فقهاؤنا ان من ملك أمه وطئها غيرها وطئا غير محرم لا يحل تزوجها قبل استبرائها وإن أعتقها
وتقدم أن قريظة والنضير أخوان من أولاد هرون على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء أفضل الصلاة والسلام
غزوة بني الحيان بناحية عسفان ولحيان بكسر اللام وفتحها قبيلة من هذيل
لا يخفى أن بعد مضى ستة أشهر من غزوة بني قريظة غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني لحيان يطلبهم بأصحاب الرجيع أي وهم خبيب واصحابه رضي الله عنهم الذين قتلوا ببئر معونة كما سيأتي ذكر ذكر في السرايا أي لأنه صلى الله عليه وسلم وجد أي حزن وجدا شديدا على اصحابه المقتولين بالرجيع وأراد أن ينتقم من هذيل فأمر اصحابه بالتهيؤ وأظهر أنه يريد الشام أي ليدرك من القوم غرة أي غفلة واستعمل على المدينة أبن ام مكتوم رضي الله عنه وخرج في مائتي رجل ومعهم عشرون فرسا ولما وصل صلى الله عليه وسلم إلى المحل الذي قتل فيه أهل الرجيع ترحم عليهم ودعا لهم بالمغفرة فسمعت به بنو لحيان فهربوا إلى رءوس الجبال أي وأرسل السرايا في كل ناحية فلم يجدوا أحدا أي وأقام على ذلك يومين فلما رأى صلى الله عليه وسلم أنه فاته ما أراده من غرتهم قال لو أنا هبطنا عسفان لرأي أهل مكة أنا قد جئنا مكة فخرج في مائتي راكب من اصحابه حتى نزل عسفان وهذا يدل على أن اصحابه كانوا أكثر من مائتين وهو يخالف ما تقدم أنه خرج في مائتي رجل إلا أن يقال زادوا على المائتين بعد خروجه
ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم ثم كرا راجعين وفي لفظ آخر فبعث أبا بكر رضي الله عنه في عشرة فوارس القصة أي وقد يقال لا منافاة بين اللفظين
ثم توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قال جابر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين وجه أي توجه إلى المدينة آيبون تائبون إن شاء الله لربنا حامدون أي وفي رواية لربنا عابدون أعوذ بالله من وعثاء السفر أي مشقة السفر وكآبة أي حزن المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال قال وزاد بعضهم اللهم بلغنا بلاغا صالحا يبلغ إلى خير مغفرتك ورضوانك قيل ولم يسمع هذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم قبل ذلك وكانت غيبته عن المدينة أربع عشرة ليلة ا هـ
وذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم لما رجع من بني لحيان وقف على الأبواء فنظر

يمينا وشمالا فرأى قبر أمه آمنة فتوضأ ثم صلى ركعتين فبكى وبك الناس لبكائه ثم قام فصلى ركعتين ثم انصرف إل الناس وقال لهم صلى الله عليه وسلم ما الذي أبكاكم قالوا بكيت فبكينا يا رسول الله قال ما ظننتم قالوا ظننا أن العذاب نازل علينا قال لم يكن من ذلك شئ قالوا ظننا أن أمتك كلفت من الأعمل مالا تطيق قال لم يكن من ذلك شيء ولكني مررت بقبر أمي فصليت ركعتين ثم استأذنت ربي عز وجل أن أستغفر لها فزجرت زجرا أي منعت عن ذلك منعا شديدا فأبكاني وفي لفظ فعلى بكائي هذا أي فعلى هذا بكائي
والذي في الوفاء أنه صلى الله عليه وسلم وقف على عسفان فنظر يمينا وشمالا فأبصر قبر أمه فورد الماء فتوضأ ثم صلى ركعتين قال بريدة فلم يفجأنا إلا ببكائه فبكينا لبكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف فقال ما الذي أبكاكم الحديث
ثم دعا براحلته فركبها فسار يسيرا فأنزل الله تعالى { ما كان للنبي } صلى الله عليه وسلم { والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } إلى آخر الأيتين فلما سرى عنه الوحي قال أشهدكم أني برى من آمنة كما تبرأ إبراهيم من أبيه
أي وهذا السياق يدل على أن هاتين الآيتين غير ما زجر به عن الاستغفار لها المتقدم في قوله فزجرت زجرا فليتأمل
وفي مسلم عن أبي ايوب رضي الله عنه قال زار رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال استأذنت ربي في أن استغفر لها فلم يأذن لي واستأذنته في أن أزورها أي بعد ذلك فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت
وسيأتي عن عائشة رضي الله عنها أن في حجة الوداع مر صلى الله عليه وسلم على عقبة الحجون فنزل وقال لها وقفت على قبر أمي وسيأتي أن ذلك يدل على أن قبر أمه بمكة لا بالأبواء وتقدم الجمع بين كونه بالأبواء وكونه بمكة وسيأتي بالحديبية أنه صلى الله عليه وسلم زار قبرها وفي فتح مكة أيضا وسيأتي الكلام على ذلك وأن ذلك كان قبل إحيائها له وإيمانها به صلى الله عليه وسلم
غزوة ذي قرد بفتح القاف والراء وقيل بضمهما أي وقيل بضم الأول وفتح الثاني اسم ماء والقرد في الأصل الصوف الردئ ويقال لها غزوة الغابة والغابة الشجر الملتف
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من غزوة بني لحيان لم يقم بها إلا ليالي قلائل حتى أغار عيينة بن حصن في خيل من غطفان على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة أي وكانت اللقاح عشرين لقحة وهي ذات اللبن القريبة من الولادة أي لها ثلاثة أشهر ثم هي لبون وفيها رجل من بني غفار هو ولد أبي ذر الغفاري وزوجة لأبي ذر فقوله وامرأة له أي لأبي ذر رضي الله عنه لا لولده كما يعلم مما يأتي وكان راعيها يئوب أي يرجع بلبنها كل ليلة عند المغرب إلى المدينة أي فإن المسافة بينها وبين المدينة يوم أو نحو يوم فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة مع اللقاح
وعند ابن سعد كان فيها أبو ذر وولده أي وزوجة أي ذر فقتلوا ولده أي واحتملوا المرأة قال جاء أن أبا ذر الغفاري رضي الله عنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون في اللقاح فقال له صلى الله عليه وسلم لا تأمن عيينة بن حصين وذويه أن يغيروا عليك فألح عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لكأني بك قد قتل ابنك وأخذت امرأتك وجئت تتوكأ على عصاك فكان أبو ذر رضي الله عنه يقول عجبا لي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لكأني بك وأنا الح عليه فكان والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني والله لف منزلنا ولقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم قد روحت وحلبت عتمتها ونمنا فلما كان الليل أحدق بنا عيينة بن حصن في اربعين فارسا فصاحوا بنا وهم قيام على رءوسنا فاشرف لهم ابني فقتلوه وكان معه ثلاثة نفر فنجوا وتنحيت عنهم وشغلهم عني إطلاق عقل اللقاح ثم صاحوا في أدبارها فكان آخر العهد بها ولما قدمت المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرته تبسم آه أي وروى بدل عيينة بن حصن ابنه عبد الرحمن بن عيينة بن حصن قال بعضهم ولا منافاة لأن كلا من عيينة بن حصن وعبد الرحمن بن عيينة كانا في القوم وكان أول من علم بهم سلمة بن الأكوع رضي الله عنه فإنه غدا يريد الغابة متوشحا قوسه ومعه غلام

لطلحة بن عبيد الله معه فرس له أي لطلحة يقوده فلقي غلاما لعبد الرحمن بن عوف فأخبره أن عيينة بن حصن قد أغار على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربعين فارسا من غطفان قال سلمة فقلت يا رباح اقعد على هذا الفرس فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد أغير على سرحه
أي وهذا السياق يدل على ان رباحا غلامه صلى الله عليه وسلم كان مع سلمة أسقط الراوي ذكره ولم يقل ومعه رباح غلامه صلى الله عليه وسلم
ويحتمل أن رباحا هذا هو غلام عبد الرحمن الذي أخبر سلمة خبر اللقاح ولا منافاة بين كون رباح غلامه صلى الله عليه وسلم وغلام عبد الرحمن لجواز أن يكون كان لعبد الرحمن ثم وهبه للنبي صلى الله عليه وسلم فهو غلام عبد الرحمن بحسب ما كان ثم رأيت ما يؤيد الأول وهو ما في بعض الروايات عن سلمة قال خرجت أنا ورباح عبد النبي صلى الله عليه وسلم قبل أين يؤذن بالأولى يعني لصلاة الصبح نحو الغابة وأنا راكب على فرس أبي طلحة الأنصاري فلقيني عبد الرحمن بن عوف قال أخذت لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت من أخذها قال غطفان وفزارة وقد طوى في هذه الرواية ذكر غلام طلحة
ثم رأيت الحافظ ابن حجر ذكر أنه لم يقف على اسم غلام عبد الرحمن بن عوف هذا أي الذي أخبر سلمة بأمر اللقاح
قال ويحتمل أن يكون هو رباح غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ملك أحدهما وكان يخدم الآخر فنسب تارة إلى هذا وتارة إلى هذا هذا كلامه ولا يخفى بعده للتصريح بأن رباحا غير غلام عبد الرحمن وأن رباحا كان مع سلمة وأن غلام عبد الرحمن هو الذي أخبر سلمة خبر اللقاح ولا منافاة بين كون الفرس لطلحة ولا بين كونها لأبي طلحة ولا بين كون عبد طلحة كان قائدا لها وبين كون سلمة راكبا لها لأنه يجوز أن يكون ركبها أثناء الطريق فليتأمل
وفي تسمية غلامه صلى الله عليه وسلم رباحا مع نهيه صلى الله عليه وسلم أن الشخص يسمى رقيقه بأحد أربعة أسماء أفلح ورباح ويسار ونافع وزاد في رواية خامسا وهو نجيح فهلا غير صلى الله عليه وسلم اسمه إن كانت وقعت التسمية من غيره صلى الله عليه وسلم ويقال لم يغير صلى الله عليه وسلم ذلك الاسم إشارة إلى أن النهي للتنزيه

ثم إن سلمة رجع إلى المدينة وعلا ئنية الوداع فنظر إلى بعض خيولهم فصرخ بأعلى صوته واصباحاه أي قال ذلك ثلاث مرات أي وقيل نادى الفزع الفزع ثلاثا ولا مانع أن يكون جمع بين ذلك وفي لفظ وقمت على تل بناحية سلع أي وفي لفظ على أكمة وفي لفظ آخر فصعدت في سلع ولا مخالفة كما لا يخفى فجعلت وجهي من قبل المدينة ثم ناديت ثلاث مرات يا صباحاه أسمع ما بين لابتيها أي لسعة صوته أو أن ذلك وقع خرقا للعادة ويا صباحاه كلمة تقال عند استنفار من كان غافلا عن عدوه لأنهم يسمون يو م الغارة يوم الصباح
ثم خرج يشتد في أثر القوم كالسبع وقد كان يسبق الفرس جريا حتى لحق بهم فجعل يردهم بالنبل ويقول إذا رمى خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع أي يوم هلاك اللئام فإذا وجهت الخيل نحوه انطلق هاربا وهكذا يفعل قال كنت ألحق الرجل منهم فأرميه بسهم في رجله فيعقره فإذا رجع إلي فارس منم أتيت شجرة فجلست في أصلها ثم أرميه فأعقره فيولى عني فإذا دخلت الخيل في بعض مضايق الجبل علوت الجبل ورميتهم بالحجارة قال ولم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحا وأكثر من ثلاثين بردة يستخفون بها ولا يلقون شيئا من ذلك إلا جعلت عليه حجارة وجمعته على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وما زلت كذلك أتبعهم حتى ما خلق الله تعالى من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري وخلوا بينهم وبينه
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم صياح ابن الأكوع صرخ بالمدينة الفزع يا خيل اله اركبي قيل وكان اول ما نودي بها وفيه كماء في الأصل أنه نودي بها في بني قريظة كما تقدم
وأول من أنتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرسان المقداد بن عمرو ويقال له ابن الأسود وتقدم أنه قيل له ذلك لأنه كان في حجر الأسود بن عبد يغوث وتبناه فنسب اليه ثم عباد بن بشر وسعيد بن زيد ثم تلاحقت به الفرسان وأمر عليهم سعيد ابن زيد وقيل المقداد وجزم به الدمياطي رحمه الله أي ويدل له قول حسان رضي الله عنه في وصف هذا الغزوة غداة فوارس المقداد
لكن في السيرة الشامية أن سعيد بن زيد رضي الله عنه غضب على حسان وحلف

لا يكلمه أبدا وقال انطلق إلى خيلي فجعلها للمقداد وإن حسان رضي الله عنه اعتذر إلى سعد بأن الروي وافق في اسم المقداد وذكر ابياتا يرضى بها سعيد بن زيد فلم يقبل منه سعيد ذلك وهذا يدل للأول
وعقد صلى الله عليه وسلم لذلك الأمير لواء في رمحه ثم قال له اخرج في طلب القوم حتى ألحقك بالناس فخرج لفرسان في طلب القوم حتى تلاحقوا بهم وكان شعارهم يومئذ أمت أمت وأول فارس لحق بهم محرز بن نضلة ويقال له الأخرم الأسدي ووقف لهم بين أيديهم وقال لهم يا معشر بني اللكيعة أي اللئيمة قفوا حتى يلحق بكم من وراءكم من المهاجرين والأنصار فحمل عليه شخص من المشركين فقتله
وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه قال ثم إن القوم جلسوا يتغدون وجلست على رأس قرن جبل فقال لهم رجل أتاهم من هذا قالوا لقينا من هذا البرح حتى انتزع كل شيء في أيدينا قال فليقم إلى منكم أربعة فتوجهوا إلي فهددتهم أي فقد جاء عنه رضي الله عنه أنه ال لهم هل تعرفونني قالوا لا ومن أنت قلت أنا سلمة بن الأكوع والذي كرم وجه محمد صلى الله عليه وسلم لا أطلب رجلا منكم إلا أدركته ولا يطلبني فيدركني قال بعضهم إنا نظن ذلك فرجعوا
قال فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمهم الأخرم الأسدي فلما رأيت الأخرم الأسدي وأول الفرسان نزلت من الجبل وأخذت بعنان فرسه وقلت له احذر القوم لا يقتطفوك حتى يلحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر وتعلم أن الجنة حق وأن النار حق فلا تحل بيني وبين الشهادة فخليت عنه فالتقى هو عبد الرحمن بن عيينة فعقر فرس عبد الرحمن وطعنه عبد الرحمن فقتله وتحول على فرسه فلحق عبد الرحمن ابو قتادة رضي الله عنه فعقر عبد الرحمن فرس أبي قتادة فقتله أبو قتادة وتحول أبو قتادة رضي الله عنه إلى فرس
أقول ولعل عبد الرحمن هذا هو حبيب بفتح الحاء المهملة وكسر الموحدة ابن عيينة فإني لم أقف على ذكر عبدالرحمن هذا فيمن قتل من المشركين في هذه الغزوة وإن أبا قتادة رضي الله عنه قتل حبيبا وغشاه ببرده كما سيأتي إلا أن يقال جاز أن يكون له اسمان عبد الرحمن وحبيب ثم رأيت الحافظ ابن حجر اشار إلى ذلك وقيل قاتل محرز مسعدة

الفزاري وبه جزم الحافظ الدمياطي وذكر أن قاتل حبيب المقداد بن عمرو فقال وقتل أبو قتادة مسعدة فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه وسلاحه وقتل المقداد بن عمرو حبيب بن عيينة بن حصن والله اعلم ولم يقتل من المسلمين إلا محرز بن نضلة الذي هو الأخرم الأسدي وكان رأى قبل ذلك بيوم أن سماء الدنيا فرجت وما بعدها حتى انتهى إلى السماء السابعة ثم انتهى إلى سدرة المنتهى فقيل له هذا منزلك فعرضها على أبي بكر رضي الله عنه وكان من أعلم الناس بالتعبير كما تقدم فقال له ابشر بالشهاة وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين وقد استعمل على المدينة ابن ام مكتوم رضى الله عنه اى واستعمل على حرس المدينه سعد بن عباده رضى الله عنه فى ثلاثمائة من قومه يحرسون المدينه فاذا حبيب بفتح الحاء المهمله وكسر الموحده مسجى أي مغطى ببرد ابى قتاده فاسترجع المسلمون اى قالوا انا لله وانا اليه راجعون وقالوا قتل ابو قتاده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بابى قتاده ولكنه قتيل لابى قتاده وضع عليه برده ليعرف انه صاحبه اى القاتل له
قال وفى روايه انه صلى الله عليه وسلم قال والذى اكرمنى بما اكرمنى به ان ابا قتاده على اثارالقوم يرتجز فخرج عمر بن الخطاب رضى الله عنه حتى كشف البرد عن وجهه المسجى فاذا وجه حبيب فقال الله اكبر صدق الله ورسوله يا رسول الله غير ابى قتاده
وفي لفظ فخرج ابى بكر وعمر رضى الله عنهما حتى كشفا البرد الحديث وقيل الذى قتله أبو قتادة وغشاه ببرده هو مسعدة قاتل محرز رضى الله عنه لا حبيب على ما تقدم
ففي روايه ان ابا قتاده رضى عنه اشترى فرسا فلقيه مسعده الفزاري فتفاوض معه فقال ابو قتاده اما انى اسال الله ان القاك وانا عليها قال امين فلما اخذت اللقاح ركب تلك الفرس وسار فلقى النبى صلى الله عليه وسلم فقال له النبى صلى الله عليه وسلم امض يا ابا قتاده صحبك الله قال فسرت حتى هجمت على القوم فرميت بسهم فى جبهتي فنزعت قدحه وانا اظن اني نزعت الحيديده فطلع على فارس وقال لقد القانيك الله يا ابا قتاده وكشف عن وجهه فاذا هو مسعده الفزارى فقال ايما احب اليك مجالدة او مطاعنة او مصارعه فقلت ذاك اليك فقال صراع فنزل وعلق بسيفه فى شجره ونزلت وعلقت سيفى فى شجره وتواثبنا فرزقنى الله الظفر

عليه فإذا أنا على صدره واذا شيء مس رأسي فاذا سيف مسعده قد وصلت اليه فى المعالجه فضربت بيدى الى سيفه وجردت السيف فلما رأى أن السيف وقع بيدي قال قتاده استحيني قلت لا والله قال فمن للصبيه قلت النار ثم فتلته وادرجته فى بردى ثم اخذت ثيابه فلبستها ثم استويت على فرسه فان فرسي نفرت حيث تعالجنا وذهبت للقوم فعرقبوها ثم ذهبت خلف القوم فحملت على ابن اخيه فدققت صلبه فانكشف من معه عن اللقاح فحبست اللقاح برمحي وجئت أحرسها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم افلح وجهك يا ابا قتاده اى فقلت ووجهك يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابو قتاده سيد الفرسان بارك الله فيك يا ابا قتاده وفى ولدك وولد ولدك وفى لفظ وفى ولد ولدك اه اى وقال له صلى الله عليه وسلم ما هذا الذى بوجهك قلت سهم اصابني فقال ادن مني فنزع السهم نزعا رفيقا ثم بزق فيه ووضع راحته عليه فوالذى اكرمه بالنبوه ما ضرب على ساعه قط ولا قرح على وفى روايه ولاقاح وفى لفظ قال لي قتلت مسعده قلت نعم ثم قال صلى الله عليه وسلم يدعو لابي قتاده اللهم بارك له فى شعره وبشره فمات ابو قتاده رضى الله عنه وهو ابن سبعين سنه وكانه ابن خمس عشرة سنه اى وأعطاه صلى الله عليه وسلم فرس مسعده وسلاحه اى كما تقدم وقال بارك الله لك فيه وهذا السياق يدل على أن ابا قتاده رضى الله عنه انفرد عن الصحابه وتقدمهم وتخلف مسعده عن قومه مده مصارعه ابى قتاده له وقتله ولا مانع من ذلك وقيل استنفذوا نصف اللقح اى عشرة وما فيها جمل ابي جهل الذى غنمه صلى الله عليه وسلم يوم بدر وافلت القوم بالعشره الاخرى أي ولا ينافيه ما تقدم من قول ابي قتادة فانكشفوا عن اللقاح وجئت احرسها لان المراد جمله من اللقاح لكنه مخالف لما تقدم عن سلمه رضى الله عنه من قوله ما زلت ارشقهم يعني القوم حتى ما خلق الله من بعير من ظهررسول الله صلى الله عليه وسلم الا خلفته وراء ظهري وخلوا بينهم وبينه فليتامل وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالجبل من ذي قرد بناحيه خيبر وتلاحق به الناس اى وقال له سلمه بن الاكوع يا رسول الله ان القوم عطاش فلو بعثني فى مائة رجل استنفذت ما بقى فى ايديهم من السرح واخذت باعناق القوم
اى وقد يقال لا يخالف هذا ما تقدم من قوله حتى ما خلق الله من بعير من ظهر

رسول الله صلى الله عليه وسلم الا خلفته وراء ظهري وخلوا بينهم وبينه لجواز ان يكون صدر عنه ما تقدم لظنه ان ذلك هو جميع اللقاح التى اخذت ثم تحقق ان الذى استنفذه هو وابو قتاده جمله منها وما فى البخاري من قوله استنفذوا القاح كلها يجوز ان يكون قائل ذلك ظن ان الذى استنفذ من ايدي القوم هو جميع ما اخذوه من اللقاح كما ان سلمة رضى الله عنه اعتقد ان جميع اللقاح التى اخذت هي التى جعلها خلف ظهره كما تقدم فكل من سلمه وابي قتاده خلف نصف اللقاح التى هي العشره التى خلصت من ايدي القوم
وفى روايه عن سلمه قال قلت يا رسول الله ابعث معى فوارس لندرك القوم فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ان ضحك صلى الله عليه وسلم ملكت فاسجح أي فارفق والمعنى قدرت فاعف وانما كانوا عطاشا لان سلمه رضى الله عنه ذكر انه تبعهم الى قبيل غروب الشمس الى ان عدلوا الى شعب فيه ماء يقال له ذو قرد فنحاهم اى طردهم عنه ومنعهم الشرب منه وتركوا فرسين وجاء بهما سلمه رضى الله عنه يسوقهما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعل هذا كان من سلمه رضى الله عنه بعد ان رجعت الصحابه عنهم و استمر يتبعهم وقال له صلى الله عليه وسلم شخص يا رسول الله القوم الان يغبقون بارض غطفان اى يشربون اللبن بالعشي الذى هو الغبوق فجاء رجل من غطفان وفقال مروا على فلان الغطفانى فنحر لهم جرورا فلما اخذوا يكشطون جلدها رأوا غبره فتركوها وخرجوا هرابا ولما نزل صلى الله عليه وسلم بالمحل المذكور لم تزل الخيل تاتي والرجال على اقدامهم وعلى الابل حتى انتهوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكث يوما وليله اى وعن سلمه رضى الله عنه واتاني عمى عامر بن الاكوع بسطيحه فيها لبن فتوضات وشربت ثم اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الماء الذى اجليتهم عنه فاذا هو صلى الله عليه وسلم قد اخذ كل شيء استنقذته منهم ونحر لهم بلال رضى الله عنه ناقته
ولا مخالفه لانه يجوز ان يكون صلى الله عليه وسلم ذهب الى الماء بعد ان كان مكثه بالجبل المذكور وصلى صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف ان العدو يجيء اليهم ولعل هذه هى صلاة بطن نخل وهى على ما رواه الشيخان انه جعل القوم فرقتين و صلاها مرتين كل مره بفرقه والاخرى تحرس اى تكون فى وجه العدواي

فى المحل الذى يظن مجيئهم منه وذلك كان لغير جهه القبله والا فالعدو لم يكن يمر اى منهم وهذه الصلاة لم ينزل بها القران
اقول لكن رأيت في الامتاع وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صلاة الخوف فقام الى القبله وصف طائفه مواجهة العدو وصلى بالطائفه التى خلفه ركعة وسجد سجدتين ثم انصرفوا فقاموا مقام اصحابهم واقبل الاخرون فصلى بهم ركعة وسجد سجديتن وسلم فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان ولكل رجل من الطائفتين ركعه ولا يخفي ان هذه الكيفيه هى صلاة عسفان والله اعلم
ولما اصبح صلى الله عليه وسلم قال
خير فرساننا ابو قتاده وخير رجالاتنا سلمه رضى الله عنه
وعند خروجه صلى الله عليه وسلم وتلاحق بعض الفرسان به قال لأبي عياش لو أعطيت هذا الفرس رجلا هو أفرس منك للحق بالناس قال أبو عياش فقلت يا رسول الله إني أفرس الناس قال أبو عياش فو الله ما جرى بي خمسين ذراعا حتى طرحني فعجبت لذلك وقسم صلى الله عليه وسلم في كل مائة من أصحابه جزورا ينحرونها وكانوا خمسمائة وقيل سبعمائة وبعث سعد بن عبادة رضي الله عنه بأحمال تمر وبعشر جزائر فوافت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي قرد أي وقال صلى الله عليه وسلم اللهم ارحم سعدا وآل سعد نعم المرء سعد بن عبادة فقالت الأنصار هو سيدنا وابن سيدنا من بيت يطعمون في المحل ويحملون الكل ويحملون عن العشيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
خيار الناس في الإسلام خيارهم في الجاهلية إذا فقهوا في الدين وأقبلت امرأة أبي ذر رضي الله عنهما على ناقة من إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي من جملة اللقاح وهي القصوى أفلتت من القوم فطلبوها فأعجزتهم وفي لفظ وانفلتت المرأة من الوثاق ليلا فأتت الإبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى انتهت إلى العضباء فلم ترغ فقعدت على عجزها ثم زجرتها وعلموا بها فطلبوها فاعجزتهم ونذرت إن نجاها الله عز وجل لتنحرنها فلما اخبرت النبي صلى الله عليه وسلم الخبر قالت يا رسول الله قد نذرت أن انحرها إن نجاني الله عليها أي وآكل من كبدها وسنامها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بئسما جزينها

أن حملك أي لأجل أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحرينها لانذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين وفي لفظ لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم إنما هي ناقة من إبلي ارجعي إلى أهلك على بركة الله تعالى ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أي وهذا السياق يدل على أن المراة قدمت عليه صلى الله عليه وسلم بتلك الناقة قبل قدومه المدينة
وفي السيرة الهشامية أنها قدمت عليه صلى الله عليه وسلم المدينة فأخبرته الخبر ثم قالت يا رسول الله إني نذرت الله الحديث وهو يخالف ما يأتي من قوله ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته العضباء
أي ولعل ما في الأوسط للطبراني بسند ضعيف عن النواس بن سمعان رضي الله عنه أن ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم سرقت فقال لئن ردها الله علي لأشكرن ربي وقد وقعت في حي من أحياء العرب فيهم امرأة مسلمة فرأت من ا لقوم غفلة فقعدت عليها فصبحت المدينة إلى آخره لا ينافي ما هنا لجواز تعدد الواقعة
ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته العضباء مردفا سلمة بن الأكوع رضي الله عنه وقد غاب عنها خمس ليال وأعطى صلى الله عليه وسلم سلمة بن الأكوع سهم الراجل والفارس جميعا أي مع كونه كان راجلا
وهذا استدل به من يقول إن للإمام أن يفاضل في الغنيمة وهو مذهب ابي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد وعند مالك وإمامنا الشافعي رضي الله عنهما لا يجوز ولعله لعله لعدم صحة ذلك عندهما وتبعت في تقديم هذه الغزوة على غزوة الحديبية الأصل وهو الموافق لقول بعضهم أجمع أهل السير على أن غزوة الغابة قبل الحديبية ولقول ابي العباس شيخ القرطبي صاحب التذكرة والتفسير لا يختلف أهل السير أن غزوة ذي قرد كانت قبل الحديبية والشمس الشامي ذكرها بعد الحديبية تبعا لما في صحيح البخاري أنها بعد الحديبية وقبل خيبر بثلاثة أيام وفي مسلم نحوه ففيه عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه فرجعنا أي من غزوة ذي قرد إلى المدينة فلم نلبث إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر ويؤيده قول الحافظ شمس الدين بن إمام الجوزية قد وهم جماعة من أصحاب المغازي

والسير فذكروا غزوة الغابة قبل الحديبية قال الحافظ ابن حجر ما في البخاري أصح مما ذكره أهل السير
قال ويحتمل في طريق الجمع أن تكون إغارة عيينة بن حصن على اللقاح أي في الغابة وقعت مرتين مرة قبل الحديبية ومرة بعد الحديبيبة قبل الخروج إلى خيبر أي ويلزم أن يكون في كل كان خروجه صلى الله عليه وسلم وأن أول من علم بأخذ اللقاح سلمة بن الأكوع ووقع له صلى الله عليه وسلم ولأصحابه ما تقدم هذا حقيقة التكرار وإلا فهل الذي خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع فيها لسلمة ولغيره من الصحابة ما وقع كانت أولا أو ثانيا فليتأمل ثم رأيت عن الحاكم رحمه الله تعالى أنه ذكر في الإكليل أن الخروج إلى ذي قرد تكرر أي ثلاث مرات ففي الأولى خرج إليها زيد بن حارثة قبل أحد وفي الثانية خرج إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة خمس والثالثة هي المختلف فيها أي ومعلوم أن هذه المختلف فيها خرج إليها صلى الله عليه وسلم فليتأمل والله تعالى أعلم
غزوة الحديبية بالتخفيف تصغير حدباء وعلى التشديد عامة الفقهاء والمحدثين واشار بعضهم إلى أنه لم يسمع من فصيح ومن ثم قال النحاس سألت كل من لقيت ممن أثق بعلمه عن الحديبية فلم يختلفوا في أنها بالتخفيف
وفي كلام بعضهم أهل الحديث يشددون وأهل العربية يخففون وفي كلام بعض آخر أهل العراق يشددون وأهل الحجاز يخففون وهي بئر وقيل شجرة سمى المكان باسمها وقيل قرية قريبة من مكة أكثرها في الحرم
قال وسببها أنه صلى الله عليه وسلم رأي في النوم أنه دخل مكة هو وأصحابه آمنين محلقين رءوسهم ومقصرين أي بعضهم محلق وبعضهم مقصر وأنه دخل البيت وأخذ مفتاحه وعرف مع المعرفين انتهى أي وطاف هو واصحابه واعتمر وأخبر بذلك أصحابه ففرحوا ثم اخبر اصحابه أنه يريد الخروج للعمرة فتجهزوا للسفر فخرج صلى الله عليه وسلم معتمرا ليأمن الناس أي أهل مكة ومن حولهم من حربه وليعلموا أنه صلى الله عليه وسلم إنما خرج زائرا للبيت ومعظما له


وكان إحرامه صلى الله عليه وسلم بالعمرة من ذي الحليفة أي بعد أن صلى بالمسجد الذي بها ركعتين وركب من باب المسجد وانبعثت به راحلته مستقبل القبلة أحرم وأحرم معه غالب أصحابه ومنهم من لم يحرم إلا بالجحفة أي وكان خروجه في ذي القعدة وقيل كان خروجه في رمضان وهو غريب ولفظ تلبيته صلى الله عليه وسلم لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك
واستعمل صلى الله عليه وسلم على المدينة الشريفة نميلة بن عبد الله الليثي أي وقيل ابن ام مكتوم وقيل أبا رهم كلثوم بن الحصين أي وقيل استخلف أبا رهم مع ابن ام مكتوم جميعا فكان ابن ام مكتوم على الصلاة وكان أبو رهم حافظا للمدينة وكان خروجه صلى الله عليه وسلم بعد أن استنفر العرب ومن حوله من أهل البوادي من الأعراب ممن أسلم غفار ومزينة وجهينة وأسلم القبيلة المعروفة خشية من قريش أن يحاربوه وأن يصدوه عن البيت كما صنعوا فتثاقل كثير منهم وقالوا أنذهب إلى قوم قد غزوه في عقر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه فنقاتلهم واعتلوا بالشغل بأهاليهم وأموالهم وأنه ليس لهم من يقوم بذلك فأنزل الله تعالى تكذيبهم في اعتذارهم بقوله { يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم }
وخرج صلى الله عليه وسلم بعد أن اغتسل ببيته ولبس ثوبين وركب راحلته القصوى من عند بابه وخرج معه ام سلمة وأم عمارة وام منيع وام عامر الأشهلية رضي الله عنهن ومعه المهاجرون والأنصار ومن لحق بهم من العرب وأبطأ عليه كثير منهم كما تقدم وساق معه الهدى سبعين بدنة أي وقد جللها أي في ذي الحليفة بعد أن صلى بها الظهر ثم أشعر منها عدة وهي موجهات للقبلة في الشق الأيمن أي من سنامها ثم أمر صلى الله عليه وسلم ناجية بن جندب وكان اسمه ذكوان فغير رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه وسماه ناجية لما أنه نجا من قريش فأشعر ما بقي وقلدهن نعلا نعلا وأشعر المسلمون بدنهم وقلدوها والإشعار جرح بصفحة سنامها والتقليد أن تقلد في عنقها قطعة جلد أو نعل بالية ليعلم أنه هدى فيكف الناس عنه وكان الناس سبعمائة رجل فكانت كل بدنة من عشرة وقيل كانوا اربع عشرة مائة وقيل خمسة عشرة وقيل ست عشرة وقيل كانوا ألفا وثلاثمائة وقيل اربعمائة وقيل خمسمائة وخمسة وعشرين أي وقيل ألف وسبعمائة أي وليس معهم سلاح إلا السيوف في القرب وقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتخشى يا رسول الله من

ولم تأخذ للحرب عدتها فقال لست أحب أن أحمل السلاح معتمرا وكان معهم مائتا فرس فأقبلوا نحوه صلى الله عليه وسلم أي في بعض المحال وكان بين يديه صلى الله عليه وسلم ركوة يتوضأ منها فقال مالكم قالوا يا رسول الله ليس عندنا ماء نشربه ولا ماء نتوضأ منه إلا ما في ركوتك فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه الشريفة أمثال العيون أي وفي لفظ فجعل الماء ينبع من بين أصابعه الشريفة وفي لفظ آخر فرأيت الماء يخرج من بين اصابعه وفي لفظ آخر فرأيت الماء ينبع من بين اصابعه واستدل به بعضهم على أن الماء خرج من نفس بشرته الشريفة صلى الله عليه وسلم قال ابو نعيم في الحلية وهو أعجب من نبع الماء لموسى عليه الصلاة والسلام من الحجر فإن نبعه من الحجر متعارف معهود وأما من بين اللحم والدم فلم يعهد قال بعضهم وإنما لم يخرجه صلى الله عليه وسلم بغير ملابسة ماء في إناء تأدبا مع الله تعالى لأنه المنفرد بابتداع المعدومات من غير اصل قال جابر رضي الله عنه فشربنا وتوضأنا ولو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة
فلما كانوا بعسفان جاء اليه صلى الله عليه وسلم بشر بن سفيان العتكي أي وقد كان صلى الله عليه وسلم أرسله إلى مكة عينا له فقال يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بخروجك واستنفروا من اطاعهم من الاحابيش وأجلبت ثقيف معهم ومعهم النساء والصبيان وفي لفظ يخرجون ومعهم العوذ المطافيل أي النياق ذوات اللبن التي معها أولادها ليتزودوا بذلك ولا يرجعون خوف الجوع
قال السهيلي أو العوذ جمع عائذ وهي الناقة التي معها ولدها وإنما قيل للناقة عائذ وإن كان الولد هو الذي يعوذ بها لأنها عاطف عليه كما قالوا تجارة رابحة وإن كانت مربوحا فيها لانها في معنى نامية وزاكية هذا كلامه أو العوذ المطافيل النساء معهن أطفالهن أي انهم خرجوا النساء معهن اطفالهن أي انهم خرجوا بنسائهم معهن أولادهن ليكون أدعى لعدم الفرارا
أي ويجوز أن يكونوا خرجوا بذلك جميعه وقد لبسوا جلود النمر أي أظهر العداوة والحقد وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله أن لا يدخلها عليهم عنوة أبدا وهذا خالد ابن الوليد أي رضي الله عنه لأنه أسلم بعد ذلك في خيلهم قد قدموها إلى كراع الغميم أي وكانت مائتي فرس أي وقد صفت إلى جهة القبلة فأمر صلى الله عليه وسلم عباد ابن بشر رضي الله عنه فتقدم في خيله فقام بازاء خالد وصف أصحابه رضي الله عنهم أي وحانت صلاة الظهر فأذن بلال رضي الله عنه وأقام فاستقبل رسول الله صلى الله

عليه وسلم القبلة وصف الناس خلفه فركع بهم وسجد ثم سلم فقال المشركون لقد أمكنكم محمد وأصحابه من ظهورهم هلا شددتم عليهم
وفي لفظ قال خالد بن الوليد رضي الله عنه قد كانوا على غرة لو حملنا عليهم أصبنا منهم ولكن تأتي الساعة صلاة أخرى هي أحب اليهم من أنفسهم وأبنائهم أي التي هي صلاة العصر وبهذا استدل على أنها الصلاة الوسطى واستدل له أيضا بأنه كان في أول ما أنزل / < حافظوا على الصوات وصلاه العصر > / ثم نسخ ذلك أي تلاوته بقوله تعالى والصلاة الوسطى فنزل جبريل عليه السلام بين الظهر والعصر لقوله تعالى { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك } الآيات وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم بهم جميعا حتى عباد بن بشر واصحابه جميعا الذين قاموا بازاء خالد رضي الله عنهم وحانت صلاة العصر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الخوف أي على ما ذكره الله تعالى فلما جعل المسلمون يسجد بعضهم وبعضهم قائم ينظر اليهم قال المشركون لقد أخبروا بما أردناه بهم ولعل الصلاة هي صلاة عسفان لأن كراع الغميم بالقرب منه كما تقدم وهي على ما رواه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم صفهم صفين وأنه أحرم بهم وركع واعتدل بهم جميعا ثم لما سجد سجد معه الصف الأول سجدتيه وتخلف الصف الثاني في اعتداله للحراسة فلما قام وقام معه من سجد سجد الصف الثاني ولحقه في القيام وتقدم الصف الثاني وتأخر الصف الأول ثم ركع واعتدل بهم جميعا ثم سجد وسجد معه الصف الثاني الذي تقدم واستمر الصف الأول الذي تأخر على الحراسة في اعتداله فلما جلس للتشهد اتموا بقية صلاتهم وجلسوا معه للتشهد فتشهد وسلم بهم جميعا وعلى هذه الصلاة حمل أئمتنا ما جاء فرضت الصلاة في الخوف ركعة أي أنها ركعة مع الإمام ويضم إليها أخرى
ثم رأيت في الدر المنثور الصريح بأن هذه الصلاة هي صلاة عسفان عن ابن عياش الزرقي قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان فاستقبلنا المشركون عليهم خالد ابن الوليد رضي الله عنه وهم بيننا وبين القبلة فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فقالوا قد كانوا على حال غرة الحديث المتقدم
واشترط أئمتنا في هذه الصلاة وهي إذا كان العدو في جهة القبلة ولا ساتر أن يكون كل صف مقاوما للعدو وأن كل واحد لاثنين وإلا لم تصح الصلاة لما فيه من التغرير بالمسلمين ولعل صلاته صلى الله عليه وسلم بالصفين كانت كذلك وهذه الصلاة لم ينزل بها القرآن

كصلاة بطن نخل فعلم أن القرآن لم ينزل إلا بصلاة ذات الرقاع وبصلاة شدة الخوف ولم أقف على انه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة شدة الخوف وهي ان يلتحم القتال أو لم يأمنوا هجوم العدو
ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن قريشا تريد منعه عن البيت قال اشيروا على أيها الناس أتريدون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه فقال أبو بكر يا رسول الله خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتل أحد ولا حربا فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه أي وفي الإمتاع فقال المقداد رضي الله عنه يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسى { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون } ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون والله يا رسول لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا معك ما بقي منا رجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فامضوا على اسم الله فساروا ثم قال يا ويح قريش نهكتهم الحرب أي أضعفتهم وفي لفظ أكلتهم الحرب ماذا عليهم لو خلوا بني وبين سائر العرب فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين أي كاملين وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة فما تظن قريش فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفر هذه السالفة أي وهي صفحة العنق فهو كناية عن القتل ثم قال صلى الله عليه وسلم هل من رجل يخرج بنا على طريق غير طريقهم التي هم بها فقال رجل من أسلم أنا يا رسول الله أي ويقال إنه ناجية بن جندب رضي الله عنه فسلك بهم طريقا وعرا فلما خرجوا منه وقد شق عليهم ذلك وأفضوا إلى أرض سهلة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس قولوا نستغفر الله ونتوب اليه فقالوا ذلك فقال والله إنها أي قول استغفر الله للحطة التي عرضت على بني اسرائيل فلم يقولوها
ثم إن خالدا رضي الله عنه لم يشعر بهم الا وقد نزلوا بذلك المحل فانطلق نذيرا لقرش وقد جاء في تفسر الحطة أنها المغفرة أي طلب المغفرة أي اللهم حط عنا ذنوبنا وهذا هو المناسب لقوله صلى الله عليه وسلم قولوا نستغفر الله إلى آخره
وجاء في تفسيرها ايضا أنها لا إله إلا الله فلم يقولوا حطة بل قالوا حنطة حبة حمراء فيها شعيرة سوداء استهزاء وجراءة على الله تعالى
وفي البخاري فقيل لبني اسرائيل { وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم } فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم أي أطيازهم وقولوا حبة في شعيرة وقد

جاء أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني اسرائيل من دخله غفر له الذنوب أي المذكورة في قوله تعالى { وادخلوا الباب } أي باب أريحا بلد الجبارين سجد { سجدا } أي خاضعين متواضعين { وقولوا حطة } أي حط عنها خطايانا
قال بعضهم فكما جعل الله لبني اسرائيل دخولهم الباب على الوجه المذكور سببا للغفران فكذا حب أهل البيت سبب للغفران
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن يسلكوا طريقا تخرجهم على مهبط الحديبية من أسفل مكة فسلكوا ذلك الطريق فلما كانوا به أي بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت ناقته صلى الله عليه وسلم أي القصوى فقال الناس حل حل فألحت أي تمادت واستمرت على عدم القيام فقالوا خلأت القصوى أي حرنت يقال خلأت الناقة وألخ الجمل بالخاء المعجمة فيهما وحرن الفرس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما خلأت وما هو لها بخلق وفي لفظ ما ذاك لها بعادة ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة أي منعها اله عن دخول مكة أي علم صلى الله عليه وسلم أن ذلك صد له من الله عن مكة أن يدخلها قهرا والذي نفسي محمد بيده لا تدعني قريش اليوم إلى خطة أي خصلة يسألون فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها أي وفي رواية فياه تعظيم حرمات الله تعالى إلا أعطيتهم أياها أي من ترك القتال في الحرم والكف عن إراقة الدم ثم زجرها صلى الله عليه وسلم فقامت فولى راجعا عوده على بدئه ثم قال للناس انزلوا فقالوا يا رسول الله ما بالوادي ماء ينزل عليه فأخرج صلى الله عليه وسلم سهما من كنانته فأعطاه ناجية بن جندب رضي الله عنه سائق بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو البراء بن عازب رضي الله عنه أو خالد بن عبادة الغفاري فنزل في قليب فغزره في جوفه فجاش أي علا وارتفع بالرواء أي الماء العذب حتى ضرب الناس عليه بعطن وفي لفظ حتى صدروا عنها بعطن أي حتى رووا ورويت إبلهم حتى بركت حول الماء لأن عطن الإبل مباركها
قال ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأقصى الحديبية على ثمد وهو حفرة فيها ماء من ثمادها قليل الماء يتربضه الناس تربضا أي يأخذونه قليلا قليلا ثم لم يلبث الناس حتى نزحوه فاشتكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلة الماء وفي لفظ العطش أي وكان الحر شديدا فنزع صلى الله عليه وسلم سهما من كنانته ودفعه للبراء فقال اغرز هذا السهم في بعض قليب الحديبية ففعل والقليب جاف فجاش الماء وقيل دفعه لناجية بن الاعجمي


فعنه رضي الله عنه قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم حين شكى إليه قلة الماء فأخرج سهما من كنانته ودفعه إلي ودعا بدلو من ماء البئر فجئت به فتوضأ فمضمض ثم مج الماء في الدلو ثم قال انزل بالدلو في البئر وأثر ماءها بالسهم ففعلت فوالذي بعثه بالحق ما كدت أخرج حتى يغمرني الماء وفارت كما يفور القدر حتى طمت واستوت بشفيرها يغترفون من جوانبها حتى نهلوا عن آخرهم وعلى البئر نفر من المنافقين منهم عبد الله بن أبي ابن سلول فقال له أوس بن خولي رضي الله عنه ويحك يا أبا الحباب ما آن لك تبصر ما أنت عليه أبعد هذا شيء فقال إني رأيت مثل هذا فقال له أوس رضي الله عنه قبحك الله وقبح رايك ثم أقبل أي عبد الله المذكور الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا الحباب إني رايت أي كيف رأيت مثل ما رأيت اليوم قال ما رأيت مثله قط قال فلم قلت ما قلت فقال يا رسول الله استغفر لي وقال ابنه عبد الله يا رسول الله استغفر له فاستغفر له وفي لفظ كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية أربع عشرة مائة والحديبية بئر نتبرضها من البرض وهو الماء الذي يقطر قليلا قليلا فلم نترك فيها قطرة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبه فيها فتركناها غير بعيد ثم إنها أصدرتنا ما شيتنا وركابنا وفي لفظ فرفعت اليه الدلو فغمس يده فيها فقال ما شاء الله ان يقول ثم صب الدلو فيها فلقد لقيت آخرنا أخرج بثوب خشية الغرق ثم ساحت نهرا فليتأمل الجمع بين هذه الروايات على تقدير صحتها
وقد يقال لا مانع من وقوع جميع ذلك لكن يبعد أن يكون ذلك في قليب واحد قال بعضهم فلما ارتحلوا أخذ البراء رضي الله عنه السهم فجف الماء كأن لم يكن هناك شيء
وفي كلام هذا البعض أنا أبا سفيان قال لسهيل بن عمرو رضي الله عنهما قد بلغنا أنه ظهر بالحديبية قليب فيه ماء فقم بنا ننظر إلى ما فعل محمد فأشرفنا على القليب والعين تنبع تحت السهم فقال ما رأينا كاليوم قط وهذا من سحر محمد قليل
وفيه أن أبا سفيان رضي الله عنه لم يكن حاضرا في الحديبية وحمل ذلك على أن ذلك كان من أبي سفيان بعد ارتحاله صلى الله عليه وسلم من الحديبية ينافيه ما قدمه هذا البعض أن عند ارتحالهم من الحديبية رفع السهم وجف القليب فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم

أتاه بديل بن ورقاء وكان سيد قومه رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك يوم الفتح فكان من كبار مسلمة الفتح في رجال من خزاعة وكانت خزاعة مسلمها ومشركها لا يخفون عليه صلى الله عليه وسلم شيئا كان بمكة بل يخبرونه به وهو بالمدينة وكانت قريش ربما تفطن لذلك فسألوه ما الذي جاء به فأخبرهم أنه لم يأت يريد حربا وإنما جاء زائرا للبيت ومعظما لحرمته
وفي المواهب أنه صلى الله عليه وسلم قال لبديل ما تقدم من قوله وإن قريشا قد نهكتهم الحرب إلى آخره وإن بديلا رضي الله عنه قال له سأبلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريشا فقال إنا جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال إنا جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا فقال سفهاؤهم لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء وقال ذو الرأي منهم هات ما سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم بما قال هذا كلامه
والرواية المشهورة أن بديلا ومن معه خزاعة لما رجعوا إلى قريش فقالوا يا معشر قريش إنكم تعجلون على محمد وإن محمد لم يأت لقتال وإنما جاء زائرا لهذا البيت فاتهموهم وجبهوهم أي قابلوهم بما يكرهون وقالوا إن كان جاء ولا يريد قتالا فوالله لا يدخلها علينا عنوة أي قهرا أبدا ولاتتحدث بذلك عنا العرب
أي وفي لفظ أنهم قالوا أيريد محمد أن يدخلها علينا في جنوده معتمرا تسمع العرب أنه قد دخل علينا عنوة وبيننا وبينه من الحرب ما بيننا والله لا كان هذا أبدا ومنا عين تطرف ثم بعثوا إليه صلى الله عليه وسلم مكرز بن حفص أخا بني عامر فلما رآه رسول الله مقبلا قال هذا الرجل غادر أي وفي رواية فاجر فلما انتهى إلى رسول الله وكلمه قال له رسول الله نحوا مما قال لبديل فرجع إلى قريش وأخبرهم بما قال له رسول الله
ثم بعثوا إليه صلى الله عليه وسلم الحليس بن علقمة وكان سيد الأحابيش يومئذ وتقدم عن الأصل أن الأحابيش هم بنو الهون بن خزيمة وبنو الحارث بن عبدمناف بن كنانة وبنو المصطلق بن خزيمة أي وأنه قيل لهم ذلك لأنهم تحالفوا تحت جبل بأسفل مكة يقال له حبشي هم وقريش على أنهم يد واحدة على من عاداهم ما سجا ليل ووضح نهار وما سار حبشي فسموا أحابيش قريش فلما رآه رسول الله قال إن هذا من قوم يتألهون أي يتعبدون

ويعظمون امر الإله وفي لفظ يعظمون البدن وفي لفظ يعظمون الهدى ابعثوا الهدى في وجهه حتى يراه فلما رأى الهدى يسيل عليه بقلائده من عرض الوادي بضم المهملة أي ناحيته وأما ضد الطول فبفتح المهملة قد اكل أو باره من طول الحبس عن محله بكسر الحاء المهملة موضعه الذي ينحر فيه من الحرم أي يرجع الحنين واستقبله الناس يلبون قد شعثوا صاح وقال سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت أبي الله أن يحج لخم وجذام ونهد وحمير ويمنع ابن عبد المطلب هلكت قريش ورب الكعبة إنما القوم أتوا عمارا أي معتمرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل يا اخا بني كنانة
وقيل إنه بمجرد أن رأى هذا الأمر رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول صلى الله عليه وسلم إعظاما لما رأى فقال لهم في ذلك أي قال إني رأيت ما لا يحل منعه رايت الهدى في قلائده قد أكل أوباره أي معكوفا عن محله والرجال قد شعثوا وقملوا فقالوا له اجلس إنما أنت أعرابي ولا علم لك أي فما رأيت من محمد مكيدة فعند ذلك غضب الحليس وقال يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عاقدناكم أيصد عن بيت الله من جاءه معظما والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد فقالوا له مه أي كف يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به
ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عروة بن مسعود الثثقفي رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك وهذا هو الذي شبهه صلى الله عليه وسلم بعيسى أبن مريم عليه السلام ولم قتله قومه قال صلى الله عليه وسلم مثله في قومه كصاحب يس كما سيأتي ذلك فقال يا معشر قريش إني رايت ما يلقى منكم من بعثموه الى محمد إذا جاءكم من التعنيف وسوء اللفظ وقد عرفتم أنكم والد وأني ولد فقالوا صدقت وهذا يدل على أن ذهاب عروة بن مسعود رضي الله تعالى عنه إنما كان بعد تكرار الرسل من قريش اليه صلى الله عليه وسلم
وبه يعلم ما في المواهب أن عروة لما سمع قريشا توبخ بديلا ومن معه من خزاعة قال أي قوم الستم بالوالد إلى آخره وفي لفظ ألستم كالوالد أي كل واحد منكم كالوالد لي وانا كالولد له وقيل أنتم حي قد ولدني لأن أمه سبيعة بنت عبد شمس قالوا بلى

قال أو لست بالولد قالوا بلى قال فهل تتهموني قالوا ما أنت عندنا بمتهم فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس بين يديه ثم قال يا محمد جمعت اوباش أي أخلاط الناس ثم جئت بهم إلى بيضتك أي أصلك وعشيرتك لتفضها بهم إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمر يعاهدون الله أن لا تدخلها عليه عنوة أبدا وايم الله لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك أي انهزموا غدا وفي لفظ والله لا أرى وجوها أي عظماء وإني أرى أسرابا من الناس خليقا أي حقيقا أن يفرو ويدعوك وأبو بكر رضي الله تعالى عنه جالس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له اعضض بظر اللات والبظر قطعة تبقى في فرج المرأة بعد الختان وقيل التي تقطعها الخاتنة أنحن نكشف عنه قال من هذا يا يا محمد قالى صلى الله عليه وسلم هذا ابن ابي قحافة فقال أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها أي على هذه الكلمة التي خاطبتني بها ولكن هذه بها وفي رواية والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك بها وتلك اليد التي كانت لأبي بكر رضي الله عنه عنه عند عروة هي أن عروة استعان في حمل دية فأعانه الرجل بالواحد من الإبل والرجل بالاثنين واعانه أبو بكر رضي الله عنه بعشرة إبل شواب ثم جعل عروة يتناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم هو يكلمه أي وهذه عادة العربأن الرجل يتناول لحية من يكلمه خصوصا عند الملاطفة وفي الغالب إنما يصنع ذلك النظير بالنظير لكن كأنه صلى الله عليه وسلم إنما لم يمنعه من ذلك استمالة وتأليفا له والمغيرة بضم الميم وكسرها ابن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ف الحديد وعليه المغفر فجعل يقرع يد عرة إذا تناول لحية رسول صلى الله عليه وسلم أي بنعل السيف وهو ما يكون اسفل القراب من فضة أو غيرها ويقول اكفف يدك عن وجه وفي رواية عن مس لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا تصل اليك فإنه لا ينبغي لمشرك ذلك وإنما فعل ذلك المغيرة رضي الله عنه إجلالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينظر لما هو عادة العرب فيقول للمغيرة ويحك ما أفظك وما أغظك أي وما اشد قولك وفي رواية فلما أكثر عليه غضب عروة وقال ويحك ما افضلك وما أغلظك ليت شعري من هذ الذي آذاني من بين اصحابك والله إني لا أحسب فيكم ألأم منه ولا شر منزلة فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة

أي لان عروة كان عم والد المغيرة فالمعيرة يقول لهم يا عم لأن كل قريب من جهة الأب يقال له عم وليس في الصحيح لفظ ابن اخيك فقال أي غدر أي يا غادر وهل غسلت غدرتك وفي لفظ سوأتك وفي لفظ ألست أسعى ي غدرتك إلا بالأمس وفي لفظ يا غدر والله ما غسلت عنك غدرتك بعكاظ الا بالأمس وقد أورثتنا العداو من ثقيف إلى آخر الدهر
قيل أراد عروة بذلك أنه الذي ستر غدر المغيرة بالأمس لأن المغيرة رضي الله عنه قتل قبل إسلامه ثلاثة عشر رجلا من بني مالك من ثقيف وفد هو وإياهم مصر على المقوقس بهدايا قال وكنا سدنة اللات أي خدامها واشتشرت عمى عروة في مرافقتهم فأشار علي بعدم ذلك قال فلم أطع رأيه فأنزلنا المقوقس في كنيسة للضيافة ثم أدخلنا عليه فقدموا الهدية له فاستخبر كبير القوم عني فقال ليس منا بل من الأحلاف فكنت أهون القم عليه فأكرمهم وقصر في حقي فلما خرجوا لم يعرض علي أحد منهم مواساة فكرهت أن يخبرا أهلنا بإكرامهم وازدراء الملك بي فأجمعت قتلهم ونزلنا محلا فعصبت رأسي فعرضوا علي الخمر فقلت رأسي تصدع ولكن أسقيكم فسقيتهم وأكثر لهم بغير مزج حتى همدوا فوثبت عليهم فقتلتهم جميعا وأخذت كل ما معهم وقدمت على نبي الله صلى الله عليه وسلم في مسجده فسلمت عليه وقلت أشهد أن لا أله ألا الله وأن محمدا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي هداك للإسلام يا مغيرة فقال أبو بكر رضي الله عنه من مصر قدمت قلت نعم قال فما فعل المالكيون الذين كانوا معك لأنهم من بني مالك فقلت كان بيني وبينهم ما يكون بين العرب وقتلتهم وجئت بأسلابهم ليخسمها النبي صلى الله عليه وسلم أو يرى فيه رأيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما إسلامك فقبلته ولا آخذ من أموالهم شيئا ولا أخمسه فإن غدر والغدر لا خير فيه فقلت يا رسول الله إنما قتلتهم وأنا على دين قومي ثم أسلمت فقال صلى الله عليه وسلم الإسلام يجب ما قبله
قال وبلغ ذلك ثقيفا فتداعوا للقتال واصطلحوا على أن يحمل عمى عروة ثلاث عشرة دية
وفي رواية لما وردوا على المقوقس أعطى كل واحد منهم جائزة ولم يعط المغيرة شيئا فحقد عليهم فلما رجعوا نزلوا منزلا وشربوا خمرا ولما سكروا وناموا وثب عليهم

المغيرة فقتلهم وأخذ أموالهم وجاء وأسلم فاختصم بنو مالك مع رهط المغرة وشرعوا في المحاربة فسعى عروة في إطفاء نار الحرب وصالح بني مالك على ثلاث عشرة دية ودفعها عروة
ولما أسلم المغيرة قال له النبي صلى الله عليه وسلم أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء وفيه أن هذا مال حربي قصد أخذه والتغلب عليهم إلا أن يقال هؤلاء مؤمنون منه لأنهم اطمأنوا إليه
أي ويذكر أن المغيرة بن شعبة هذا رضي الله عنه كان من دهاة العرب واحصن في الإسلام ثمانين امرأة ويقال ثلثمائة امرأة وقيل الف امرأة
قيل لإحدى نساء المغيرة إنه لدميم أعور فقالت هو والله عسيلة يمانية في ظرف سوء
ولما ولى رضي الله عنه الكوفة ارسل يخطب بنت النعمان بن المنذر فقالت لرسوله قل له ما قصدت إلا أن يقال تزوج المغيرة الثقفي بنت النعمان بن المنذر وإلا فأي حظ لشيخ أعور في عجوز عمياء وهذه هي القائلة لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما وفدت عليه وهو والي الكوفة وأكرمها في دعائها له ** ملكتك يد افتقرت بعد غنى ** ولا ملكتك يد استغنت بعد فقر ** ولا جعل الله لك إلى لئيم حاجة ** ولا أزال عن كريم نعمة إلا جعلك السبب في عودها اليه **
إنما يكرم الكريم الكريم والمغيرة بن شعبة رضي الله عنه أول من حيا سيدنا عمر رضي الله عنه بأمير المؤمنين وعند مجئ عروة اخبر صلى الله عليه وسلم عروة بما أخبر به من تقدم من أنه لم يأت لحرب فقام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى ما يصنع به أصحابه لا يتوضأ أي يغسل يديه إلا ابتدروا وضوءه أي كادوا يقتتلون عليه ولا يبصق بصاقا الا ابتدروه أي يدلك به من وقع في يده وجهه وجلده ولا يسقط من شعره شيء الا اخذوه أي وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ولا يحدون النظر اليه تعظيما له صلى الله عليه وسلم فقال يا معشر قريش إني جئت كسرى في ملكه وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه والله ما رأيت ملكا في قومه قط مثل محمد في أصحابه ولقد رايت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا فروا رأيكم فإنه عرض عليكم رشدا فاقبلوا ما عرض عليكم فإني لكم ناصح مع إني أخاف أن لا تنصروا عليه فقالت له قريش لا تتكلم بهذا


يا ابا يعفور ولكن نرده عامنا هذا ويرجع إلى قابل فقال ما أراكم إلا ستصيبكم قارعة ثم انصرف هو ومن معه إلى الطائف
وعروة هذا هو ابن مسعود الثقفي وهو عظيم القريتين الذي عنته قريش بقولها { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } وقيل المعنى بذلك الوليد بن المغيرة ويقال إن عروة هذا كان جدا للحجاج لأمه ويدل ذلك كما يدل للأول ما حكى عن الشعبي أنه سأل الحجاج وهو والي العراق حاجة فاعتل عليه فيها فكتب اليه والله لا أعذرك وأنت والي العراقين وابن عظيم القريتين
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم خراش ين أمية الخزاعي رضي الله عنه فبعثه إلى قريش وحمله صلى الله عليه وسلم على بعير له يقال له الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي عقره عكرمة بن أبي جهل وأسلم بعد ذلك رضي الله عنه وأرادوا قتله فمنعه الاحابيش فخلوا سبيله حتى اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بما لقي ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليبعثه ليبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له فقال يا رسول الله إنما أخاف قريشا على نفسي وما بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ولكن أدلك على رجل أعز بها مني عثمان بن عفان رضي الله عنه أي فإن بني عمه يمنعونه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه فبعثه إلى ابي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب وأنه لم يأت إلا زائر لهذا البيت ومعظما لحرمته أي ولعل ذكر ابي سفيان من غلط بعض الرواة لما تقدم أنه لم يكن حاضرا بالحديبية أي صلحها وأمر صلى الله عليه وسلم عثمان أن يأتي رجالا مسلمين بمكة ونساء مسلمات يدخل عليهم ويبشرهم بالفتح ويخبرهم أن الله وشيك أي قريب أن يظهر دينه بمكة حتى لا يستخفى فيها بالإيمان
وذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم بعث عثمان رضي الله عنه بكتاب لقريش أي قيل فيه إنه ما جاء لحرب أحد وإنما جاء معتمرا بدليل ما يأتي في ردهم عليه وقيل فيه ما وقع بين النبي صلى الله عليه وسلم وسهيل بن عمر وليقع الصلح بينهم على أن يرجع في هذه السنة الحديث وأنهم لما احتبسوه أمسك صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو عنده كذا في شرح الهمزية لان حجر وقدمه على الأول فليتأمل


فخرج عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى مكة ودخل مكة من الصحابة عشرة أيضا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ليزوروا أهاليهم لم أقف على اسمائهم ولم أقف على أنهم هل دخلوا مع عثمان أم لا فلقيه قبل أن يدخل مكة أبان بن سعيد بن العاص رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك قبل خيبر فأجاره حتى يبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعله بين يديه فجاء إلى أبي سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ارسله به أي وهم يردون عليه إن محمدا لا يدخلها علينا أبدا فلما فرغ عثمان من تبليغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له إن شئت أن تطوف بالبيت فطف وفي رواية قال له أبان إن شئت أن تطوف بالبيت فطف قال ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال وقال المسلمون قد خلص عثمان إلى البيت فطاف به دوننا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أظنه طاف بالبيت ونحن محصورون وقال وما يمنعه يا رسول الله وقل خلص إليه قال ذلك ظني به أن لا يطوف بالكعبة حتى نطوف لو مكث كذا وكذا سنة ما طاف به حتى أطوف فلما رجع عثمان وقالوا له في ذلك أي قالوا طفت بالبيت قال بئسما ظننتم بي دعتني قريش إلى أن أطوف بالبيت فأبيت والذي نفسي بيده لو مكث بها معتمرا سنة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيما بالحديبية ما طفت حتى يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم اه
وكانت قريش قد احتبست عثمان عندها ثلاثة أيام فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان رضي الله عنه قد قتل أي وكذا قتل معه العشرة رجال الذين دخلوا مكة أيضا فقال صلى الله عليه وسلم عند بلوغه ذلك لا نبرح حتى نناجز القوم أي نقاتلهم ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة أي بعد أن قال لهم إن الله أمرني بالبيعة فعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه بينما نحن جلوس قائلون إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وهو عمر بن الخطاب أيها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس فاخرجوا على اسم اله فسرنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت شجرة فبايعناه أي وبايعه الناس على عدم الفرار وأنه إما الفتح وإما الشهادة وهذا هو المراد بما جاء في بعض الروايات فبايعناه على الموت ولم يتخلف منا أحد إلا الجد بن قيس قال لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته يستتر بها من الناس وقد قيل

إنه كان يرمى بالنفاق وقد نزل في حقه في غزوة أي غزوة تبوك من الآيات ما يدل على ذلك كما سيأتي وهو ابن عمة البراء بن معرور رضي الله عنه وكان سيد بني سلمة بسكر اللام في الجاهلية وقد قال صلى الله عليه وسلم لبني سلمة من سيدكم قالوا الجد بن قيس أي على بخل فيه قال وأي أدوأ من البخل ثم قال صلى الله عليه وسلم بل سيدكم عمرو بن الجموح وقيل قالوا يا رسول الله من سيدنا قال سيدكم بشر بن البراء بن معرور وهذا قال ابن عبد البر إن النفس اليه أميل ومما يدل للأول ما أنشده شاعر الأنصار رضي الله عنهم من قوله ** وقال رسول الله والحق قوله ** لمن قال منا من تسموه سيدا ** ** فقالوا له جد بن قيس على التي ** نبخله فيها وإن كان أسودا ** ** فتى ما يخطى خطوه لدنيئه ** ولا مد يوما ما الى سوأة يدا ** ** فسود عمرو بن الجموح لجوده ** وحق لعمرو بالندى لأن يسودا ** ** إذ جاءه السؤال أنهب ماله ** وقال خذوه إنه عائد غدا ** ** ولو كنت يا جد بن قيس على التي ** على مثلها عمر ولكنت المسودا **
أي وبايع صلى الله عليه وسلم عن عثمان فوضع يده على يده أي وضع يده اليمنى على يده اليسرى وقال اللهم إن هذه عن عثمان فانه في حاجتك وحاجة رسولك أي وفي لفظ قال اللهم إن عثمان ذهب في حاجة الله وحاجة رسوله فأنا أبايع عنه فضرب بيمينه شماله وما ذاك إلا أنه صلى الله عليه وسلم علم بعدم صحة القول بأن عثمان قد قتل أو أن ذلك كان بعد مجئ الخبر له صلى الله عليه وسلم بأن القول بقتل عثمان رضي الله عنه باطل
وفيه أنه حيث علم صلى الله عليه وسلم أن عثمان لم يقتل لا معنى للبيعة لأن سببها كما علمت بلوغه الخبر أن عثمان قد قتل
إلا أن يقال سببها ما ذكر وقتل العشرة من الصحابة ويدل لذلك ما يأتي قريبا أن عثمان رضي الله عنه بايع بعد مجيئه من مكة فليتأمل أي وبهذا يرد ما تمسك به بعض الشيعة في تفضيل علي كرم الله وجهه على عثمان رضي الله عنه لأن عليا كان من جملة من بايع تحت الشجرة وقد خوطبوا بقوله صلى الله عليه وسلم أنتم خير أهل الأرض فإنه صريح في تفضيل أهل الشجرة على غيرهم


وأيضا على حضر بدرا دون عثمان وقد جاء مرفوعا لا يدخل النار من شهد بدرا والحديبية
وحاصل الرد أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع عن عثمان مع الاعتذار عنه بأنه في حاجة الله وحاجة رسوله صلى الله عليه وسلم وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان رضي الله عنه عن بدر لتمريض بنته صلى الله عليه وسلم واسهم له كما تقدم فهو في حكم من حضرها على أنه سيأتي أنه رضي الله عنه بايع تحت تلك الشجرة بعد مجيئه من مكة واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم أنتم خير أهل الأرض على عدم حياة الخضر عليه الصلاة والسلام حينئذ لأنه يلزم أن يكون غير النبي أفضل منه وقد قامت الأدلة الواضحة على ثبوت نبوته كما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى وقد أشار إلى امتناع عثمان رضي الله تعالى عنه من الطواف وإلى عدم صحة القول بأن عثمان قتل وإلى مبايعته صلى الله عليه وسلم عنه صاحب الهمزية بقوله رحمه الله ** وأبى أن يطوف البيت إذ لم ** يدن منه إلى النبي فناء ** ** فجزته عنها ببيعة رضوا ** ن يد من نبيه بيضاء ** ** أدب عنده تضاعفت الأء ** مال بالترك حبذا الأدباء **
أي وامتنع رضي الله عنه أن يطوف بالبيت لأجل أنه لم يقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من البيت جانب فجزته عن تلك الفعلة وهي ذهابه اليهم وامتناعه من الطواف يد من نبيه عليه الصلاة والسلام تلك اليد البالغة في الكرم وذلك في بيعة الرضوان وذلك أدب عظيم عند عثمان رضي الله تعالى عنه حصل منه أمر عظيم مستغرب هو تضاعف ثواب الأعمال التي تركها بسبب تركها وهي الطواف
وذكر أن قريشا بعثت إلى عبد الله بن أبي ابن سلول إن أحببت أن تدخل فتطوف بالبيت فافعل فقال له ابنه عبد الله رضي الله عنه يا أبت أذكرك الله أن لا تفضحنا في كل موطن تطوف ولم يطف رسول الله صلى الله عليه وسلم فابى حينئذ وقال لا أطوف حتى يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي لفظ قال إن لي في رسول الله أسوة حسنة فلما بلغ رسول صلى الله عليه وسلم امتناعه رضي الله عنه أثنى عليه بذلك
وكانت البيعة تحت الشجرة هناك أي من أشجار السمر أي ولما جاء عثمان رضي الله

تعالى عنه بايع تحت تلك الشجرة وقيل لها بيعة الرضوان أي لانه صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل النار احد بايع تحت الشجرة رواه مسلم وكانوا ألفا وأربعمائة على الصحيح
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال يا أيها الناس إن الله قد غفر لأهل بدر والحديبية وتقدم أن الواو بمعنى أو في حديث لا يدخل النار من شهد بدرا والحديبية بدليل رواية مسلم هذه
ومن ثم قال ابن عبد البر رحمه الله ليس في غزواته صلى الله عليه وسلم ما يعدل بدرا أو يقرب منها إلا غزوة الحديبية والراجح تقديم غزوة أحد على غزوة الحديبية وأنها التي تلى بدرا في الفضيلة وأول من بايعه صلى الله عليه وسلم سنان بن أبي سنان الأسدي كذا في الأصل أنه الصواب بعد أن حكى أن أول من بايع أبو سنان أي وهو ما ذهب اليه في الاستيعاب حيث قال الأكثر الأشهر أن أبا سنان أول من بايع بيعة الرضوان أي لا ابنه سنان وأبو سنان هذا هو أخو عكاشة بن محصن رضي الله عنه وكان أكبر من أخيه عكاشة بعشرين سنة وضعفه في الأصل بأن أبا سنان رضي الله عنه مات في حصار بني قريظة ودفن بمقبرتهم أي كما تقدم
ولما بايعه سنان قال للنبي صلى الله عليه وسلم أبايعك على ما في نفسك قال وما في نفسي قال أضرب بسيفي بين يديك حتى يظهرك الله أو أقتل وصار الناس يقولون له صلى الله عليه وسلم نبايعك على ما بايعك عليه سنان
وقيل أول من بايع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقيل سلمة بن الأكوع
قال وذكر أن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه بايع ثلاث مرات أول الناس ووسط الناس وآخر الناس بأمره له صلى الله عليه وسلم في الثانية والثالثة بعد قول سلمة له قد بايعت فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيضا وذلك ليكون له في ذلك فضيلة أي لأنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يؤكد بيعته لعلمه بشجاعته وعنايته بالإسلام وشهرته في الثبات أي بدليل ما وقع له رضي الله عنه في غزوة ذي قرد بناء على تقدمها على ما هنا أو تفرس فيه صلى الله عليه وسلم ذلك بناء على تأخرها وبايع عبدالله ابن عمر رضي الله عنهما مرتين
أي وقد قيل في سبب نزول قوله تعالى { لا تحلوا شعائر الله } الآية أن المسلمين لما

صدوا عن البيت بالحديبية مر بهم ناس من المشركين يريدون العمرة فقال المسلمون نصد هؤلاء كما صدنا أصحابه فأنزل الله تعالى الآية أي لا تصدوا هؤلاء العمار أن صدكم اصحابهم
قال وكان محمد بن مسلمة رضي الله عنه على حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثت قريش أربعين وقيل خمسين رجلا عليهم مكرز بن حفص أي وهو الذي بعثته قريش له صلى الله عليه وسلم ليسأله فيما جاء وقال صلى الله عليه وسلم في حقه هذا رجل غادر وفي لفظ رجل فاجر ليطوفوا بعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا رجاء أن يصيبوا منهم أحدا أو يجدوا منهم غرة أي غفلة فأخذهم محمد بن مسلمة رضي الله عنه إلا مكرزا فإنه أفلت وصدق فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم إنه رجل فاجر أو غادر كما تقدم وأتى بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبسوا وبلغ قريشا حبس اصحابهم فجاء جمع منهم حتى رموا المسلمين بالنبل والحجارة وقتل من المسلمين ابن زنيم رضي الله عنه رمى بسهم فأسر المسلمون منهم اثني عشر رجلا
وعند ذلك بعثت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعا منهم سهيل بن عمرو فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه سهل أمركم فقال سهيل يا محمد إن الذي كان من حبس أصحابك أي عثمان والعشرة رجال وما كان من قتال من قاتلك لم يكن من رأى ذوي رأينا بل كنا كارهين له حين بلغنا ولم نعلم به وكان من سفهائنا فابعث الينا بأصحابنا الذين أسرت أولا وثانيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني غير مرسلهم حتى ترسلوا أصحابي فقالوا نفعل فبعث سهيل ومن معه إلى قريش بذلك فبعثوا بمن كان عندهم وهو عثمان والعشرة رجال فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابهم انتهى
ولما علمت قريش بهذه البيعة خافوا وأشار أهل الرأي بالصلح على أن يرجع ويعود من قابل فيقيم ثلاثا معه سلاح الراكب السيوف في القرب والقوس فبعثوا سهيل ابن عمرو أي ثانيا ومعه مكرز بن حفص وحويطب بن عبد العزى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصالحوه على أن يرجع في عامه هذا لئلا تتحدث العرب بأنه دخل عنوة أي وانه يعود من قابل فأتاه سهيل بن عمرو فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا قال اراد القوم الصلح حيث بعثوا هذا الرجل أي ثانيا فلما انتهى سهيل إلى

رسول الله صلى الله عليه وسلم جثا على ركبتيه بين يديه صلى الله عليه وسلم والمسلمون حوله جلوس وتكلم فأطال ثم تراجعا أي ومن جملة ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به فقال له سهيل والله لا تتحدث العرب بنا أنا أخذنا ضغطة بالضم أي بالشدة والإكراه ولكن ذلك من العام القابل ثم التأم الأمر بينهما على الصلح على ترك القتال إلى آخر ما يأتي ولم يبق إلا الكتاب بذلك
وعند ذلك وثب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأتى ابا بكر رضي الله عنه فقال له يا ابا بكر اليس هو برسول الله صلى الله عليه وسلم قال بلى قال أو لسنا بالمسلمين قال بلى قال او ليسوا بالمشركين قال بلى قال فعلام نعطي الدنية بفتح الدال وكسر النون وتشديد الياء النقيصة والخصلة المذمومة في ديننا فقال له أبو بكر رضي الله عنه يا عمر الزم غرزه أي ركابه وفي رواية أنه قال له أيها الرجل إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس يعصى ربه وهو ناصره استمسك بغرزه حتى تموت فإني أشهد أنه رسول الله قال عمر رضي الله عنه وأنا أشهد أنه رسول الله ثم أتى عمر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مثل ما قال لأبي بكر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولم يضيعني
ولقي عمر رضي الله عنه من ذلك الشروط الآتي ذكرها أمرا عظيما وجعل يرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام حتى قال له أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه ألا تسمع يا ابن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما يقول نعوذ بالله من الشيطان الرجيم فجعل يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم حتى قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمر إني رضيت وتأبى فكان عمر رضي الله عنه يقول ما زلت أصوم واتصدق واصلى واعتق مخافة كلامي الذي تكلمت به حين رجوت أن يكون هذا خيرا
هذا والذي في الإمتاع عكس ما هنا أي أنه قال ما ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أولا ثم لأبي بكر ثانيا ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أي بعد أن كان أمر أوس بن خولة أن يكتب فقال له سهيل لا يكتب إلا ابن عمك على أو عثمان بن عفان فأمر عليا كرم الله وجهه فقال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل بن عمرو لا أعرف هذا أي الرحمن الرحيم ولكن أكتب باسمك اللهم فكتبها لأن قريشا كانت تقولها وأول من كتبها أمية بن أبي الصلت ومنه

تعلموها وتعلمها هو من رجل من الجن في خبر ذكره المسعودي أي وإنما كتبها بعد أن قال المسلمون والله لا يكتب إلا بسم الله الرحمن الرحيم فضج المسلمون
وعن الشعبي رحمه الله كان أهل الجاهلية يكتبون باسمك اللهم فكتب النبي أول ما كتب باسمك اللهم وتقدم أنه كتب ذلك في أربع كتب حتى نزلت { بسم الله مجراها ومرساها } فكتب باسم الله ثم نزلت { ادعوا الله أو ادعوا الرحمن } فكتب بسم الله الرحمن ثم نزلت { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم } أي فكتبها وهذا السياق يدل على تأخر نزول الفاتحة عن هذه الآيات لأن البسملة نزلت أولها وتقدم الخلاف في وقت نزولها فليتأمل ثم قال صلى الله عليه وسلم اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال سهيل بن عمرو لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ولم اصدك عن البيت ولكن اكتب باسمك واسم ابيك أي وفي لفظ لو أعلم أنك رسول الله ما خالفتك واتبعتك أفترغب عن اسمك واسم ابيك محمد بن عبد الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه امحه وفي لفظ امح رسول الله فقال علي كرم الله وجهه ما أنا بالذي أمحاه وفي لفظ لا أمحوك وفي لفظ والله لا أمحوك أبدا فقال أرنيه فأراه إياه فمحاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة وقال اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو وقال أنا والله رسول الله وإن كذبتموني وأنا محمد بن عبد الله وفي لفظ فجعل علي يتلكأ ويأبى أن يكتب إلا محمد رسول الله فقال له صلى الله عليه وسلم اكتب فإن لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد أي مقهور
وهو إشارة منه صلى الله عليه وسلم لما سيقع بين علي ومعاوية رضي الله تعالى عنهما فإنهما في حرب صفين وقعت بينهما المصالحة على ترك القتال إلى رأس الحول وكان القتال في صفر دام مائة يوم وعشرة أيام قتل فيه سبعون ألفا خمسة وعشرون ألفا من جيش علي كرم الله وجهه من جملة تسعين ألفا وخمسة وأربعون ألفا من جيش معاوية من جملة مائة وعشرين ألفا
فلما كتب الكاتب في الصلح هذا ما صالح عليه امير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال عمرو بن العاص رضي الله عنهما الذي هو أحد الحكمين اكتب اسمه واسم ابيه وأرسل معاوية يقول لعمرو

لا تكتب أن عليا أمير المؤمنين لو كنت أعلم أنه أمير المؤمنين ما قاتلته فبئس الرجل أنا إن أقررت أنه أمير المؤمنين ثم أقاتله ولكن اكتب علي بن أبي طالب وامح أمير المؤمنين فقيل له يا أمير المؤمنين لا تمح إمارة اسم امير المؤمنين فإنك إن محوتها لا تعود إليك فلما سمع علي كرم الله وجهه ذلك وأمره بمحوها وقال امحها تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية ما تقدم ومن ثم قال الله أكبر مثلا بمثل والله إني لكاتب رسول الله يوم الحديبية إذ قالوا لست برسول الله ولا نشهد لك بذلك اكتب اسمك واسم ابيك محمد بن عبد الله فقال عمرو بن العاص رضي الله عنه سبحان الله أنتشبه بالكفار فقال له علي كرم الله وجهه يا ابن النابغة أي العاهرة ومتى كنت عدوا للمسلمين هل تشبه إلا أمك التي وقعت بك فقال عمرو لايجمع بيني وبينك مجلس أبدا فقال علي كرم الله وجهه إني لأرجو الله أن يطهر مجلسي منك ومن أشباهك
وذكر أن أسيد بن حضير وسعد بن عبادة رضي الله عنهما أخذا بيد علي كرم الله وجهه ومنعاه أن يكتب إلا محمد رسول الله وإلا فالسيف بيننا وبينهم وضجت المسلمون وارتفعت الأصوات وجعلوا يقولون لم نعط هذه الدنية في ديننا فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم ويومئ بيده إليهم أن اسكتوا ثم قال أرنيه الحديث وكان الصلح على وضع الحرب عن الناس عشر سنين وقيل سنتين وقيل اربع سنين أي وصححه الحاكم تأمن فيه الناس ويكف بعضهم عن بعض أي ويقال لهذا العقد هدنة ومهادنة وموادعة ومسالمة وقال زيادة على اشتراط الكف عن الحرب على أنه من أتى محمدا صلى الله عليه وسلم من قريش ممن هو على دين محمد بغير إذن وليه رده إليه ذكرا كان أو انثى
قال السهيلي رحمه الله وفي رد المسلم إلى مكة عمارة البيت وزيادة خير له في الصلاة بالمسجد الحرام والطواف بالبيت فكان هذا من تعظيم حرمات الله هذا كلامه ومن أتى قريشا ممن كان مع محمد أي مرتدا ذكرا كان أو أنثى لم نرده اليه
وهذا الثاني يوافق قول أئمتنا معاشر الشافعية يجوز شرط أن لا يردوا من جائهم مرتدا والأول يخالف قولهم لا يجوز شرط رد مسلمة تأتينا منهم فإن شرط فسد الشرط والعقد إلا أن يقال هذا ما وقع عليه الأمر أولا ثم نسخ كما سيأتي وشرطوا أنه من احب أن يدخل

في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه وأن بيننا وبينكم عيبة مكفوفة أي صدورا منطوية على ما فيها لا تبدي عداوة وقيل صدورا نقية من الغل والخداع منطوية على الوفاء بالصلح وأنه لا إسلال ولا إغلال أي لا سرقة ولا خيانة قال سهيل وأنك ترجع عامك هذا فلا تدخل مكة وأنه إذا كان عام قابل خرج منها قريش فتدخلها بأصحابك فاقمت بها ثلاثة أي ثلاثة أيام معك سلاح الراكب السيوف في القرب والقوس لا تدخلها بغيرها
ويقال إنه صلى الله عليه وسلم هو الذي كتب الكتاب بيده الشريفة وهو ما وقع في البخاري أي اطلق الله يده صلى الله عليه وسلم بالكتابة في تلك الساعة خاصة وعد معجزة له
قال بعضهم لم يعتبره أي القول بذلك أهل العلم ومعنى كتب أمر الكتابة وفي النور وفي كون هذا أي أنه كتب بيده في البخاري فيه نظر والذي في البخاري واخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب ليكتب فكتب هذا ما قاضى عليه محمد الحديث أي فلفظة بيده ليست في البخاري ومع اسقاطها التأويل ممكن وتمسك بظاهر قوله فكتب أبو الوليد الباجي المالكي رحمه الله على أنه صلى الله عليه وسلم كتب بيده فشنع عليه علماء الاندلس في زمانه بأن هذا مخالف للقرآن فناظرهم واستظهر عليهم بأن هذا لا ينافي القرآن وهو قوله تعالى { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك } لأن هذا النفي مقيد بما قبل ورود القرآن وبعد أن تحققت أميته صلى الله عليه وسلم وتقررت بذلك معجزته لا مانع من أن يعرف الكتابة من غير معلم فتكون معجزة أخرى ولا يخرجه ذلك عن كونه أميا
أي ويقال إن الذي كتب هذا الكتاب محمد بن مسلمة رضي الله عنه وعده الحافظ ابن حجر رحمه الله من الاوهام
وجمع بأن أصل هذا الكتاب كتبه علي كرم الله وجهه ونسخ مثله محمد بن مسلمة رضي الله عنه لسهيل بن عمرو أي فإن سهيلا قال يكون هذا الكتاب عندي وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل عندي فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كتب لسهيل نسخة أخذها عنده وعند كتابته اشترط ان يرد اليهم من جاء مسلما قال المسلمون سبحان الله كيف نرد للمشركين من جاء مسلما وعسر عليم شرط

ذلك وقالوا يا رسول الله أتكتب هذا قال نعم إنه من ذهب منا اليهم فأبعده الله ومن جاءنا منهم فرددناه اليهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا وفي لفظ قال عمر يا رسول الله أترضى بهذا فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال من جاءنا منهم فرددناه اليهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا ومن أعرض عنها وذهب اليهم فلسنا منه في شيء وليس منا بل اولى بهم
فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وسهيل بن عمرو يكتبان الكتاب بالشروط المذكورة إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو إلى المسلمين يرسف في الحديد أي يمشي في قيوده متوشحا سيفه قد افلت إلى أن جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورمى بنفسه بين أظهر المسلمين فجعل المسلمون يرحبون به ويهنئونه فلما رأى سهيل ابنه أبا جندل قام اليه فضرب وجهه وفي لفظ أخذ غصنا من شجرة به شوك وضرب به وجه ابي جندل ضربا شديدا حتى رق عليه المسلمون وبكوا وأخذ بتلبيته وقال يا محمد هذا أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلى لقد لجت القضية بيني وبينك أي وجبت وتمت قبل أن يأتيك هذا قال صدقت فجعل ينثره بتلبيته ويجره ليرده إلى قريش وجعل ابو جندل رضي الله عنه يصرخ بأعلى صوته يا معشر المسلمين أرد إلى المشركين يفتنوني عن ديني الا ترون ما لقيت فإنه رضي الله عنه كان عذب عذابا شديدا على أن يرجع عن الإسلام فزاد الناس ذلك إلى ما بهم أي فإنهم كانوا لا يشكون في دخولهم مكة وطوافهم بالبيت للرؤيا التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأوا الصلح وما تحمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه داخلهم من ذلك امر عظيم حتى كادوا يهلكون خصوصا من اشترط أن يرد إلى المشركين من جاء مسلما منهم أي ورد أبي جندل اليهم بعد ضربه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله أن لا نغدر بهم
وبهذا استدل أئمتنا على أنه يجوز شرط رد من جاءنا منهم مسلما إليهم ولا نرده اليهم إلا إذا كان حرا ذكرا غير صبي ومجنون وطلبته عشيرته
وفي لفظ آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسهيل إنا لم نفض الكتاب بعد فقال بلى لقد لجت القضية بيني وبينك أي تم العقد فرده فقال النبي صلى الله عليه

وسلم فأجره لي فقال ما أنا مجير ذلك لك قال بلى فافعل قال ما انا بفاعل فقال مكروز وحويطب قد أجرناه لك لا نعذبه
أي وهذا وما تقدم يخالف قول ابن حجر الهيتمي رحمه الله ان مجيء أبي جندل كان قبل عقد الهدنه معهم رواه البخاري وعند ذلك قال حويطب لمكرز ما رأيت قوما قط أشد حبا لمن دخل معهم من أصحاب محمد أما أني اقول لك لا تأخذ من محمد نصفا ابدا بعد هذا اليوم حتى يدخلها عنوه فقال مكرز وأنا أرى ذلك
وعند ذلك وثب عمر بن الخطاب رضى الله عنه ومشى الى جنب ابي جندل أى وابوه سهيل بجنبه يدفعه وصار عمر رضى الله عنه يقول لابي جندل اصبر يا أبا جندل فانما هم المشركون وانما دم احدهم كدم كلب اى ومعك السيف يعرض له بقتل أبيه اى وفى روايه ان دم الكافر عند الله كدم الكلب ويدني قائم السيف منه أى وفى لفظ وجعل يقول يا أبا جندل ان الرجل يقتل أباه فى الله والله لو أدركنا أباءنا لقتلناهم فى الله فقال له أبو جندل ما لك لا تقتله أنت فقال عمر نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله وقتل غيره فقال أبو جندل رضى الله عنه ما أنت أحق بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم مني فقال عمر رضى الله عنه وددت أن يأخذ السيف فيضرب أباه فضن الرجل بأبيه
وفيه كيف يظن عمر حينئذ جواز قتله لآبيه حتى يعرض له به الا أن يقال ظن ذلك لكونه يريد أن يفتنه عن دينه ويرجع الى الكفر وإن كان صلى الله عليه وسلم قال له يا أبا جندل اضبر واحتسب
ورجع أبو جندل الى مكه فى جوار مكرز بن حفص أى وحويصب فأدخلاه مكانا وكف عنه أبوه
وأبو جندل اسمه العاص وهو اخو عبد الله بن سهيل بن عمرو وإسلام عبد الله سابق على اسلام ابي جندل لآن عبد الله شهد بدرا أي فإنه خرج مع المشركين لبدر ثم انحاز من المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد معه بدرا والمشاهد كلها وأبو جندل رضي الله عنه أول مشاهده الفتح
ودخلت خزانمة في عقده صلى الله عليه وسلم وعهده أي وفي لفظ ووثب من هناك من خزاعة فقالوا نحن ندخل في عهد محمد وعقده ونحن على من وراءنا من قومنا ودخلت بنو بكر في عقد قريش وعهدهم


ويذكر أن حويطبا قال لسهيل بادأنا أخوا لك يعني خزاعة بالعداوة وكانوا يستترون منا فدخلوا في عهد محمد وعقده فقال له سهيل ما هم الا كغيرهم هؤلاء أقاربنا ولحمتنا قد دخلوا مع محمد قوم اختاروا لانفسهم أمرا فما نصنع بهم أن ننصر عليهم حلفاءنا بني بكر قال سهيل إياك أن يسمع هذا قال منك بنو بكر فإنهم أهل شؤم فيسبوا خزاعة فيغضب محمد لحلفائه فينقض العهد بيننا وبينه
ومن هذا التقرير يعلم أن بيعة الرضوان كانت قبل الصلح وأنها سبب الباعث لقريش عليه
ووقع في المواهب ما يقتضي ان بيعة الرضوان كانت قبل الصلح وأنها السبب الباعث لقريش عليه
ووقع في المواهب ما يقتضي أن البيعة كانت بعد الصلح وأن الكتاب الذي ذهب به عثمان كان متضمنا للصلح الذي وقع بينه صلى الله عليه وسلم وبين سهيل بن عمرو فحبست قريش عثمان فحبس صلى الله عليه وسلم سهيلا ولا يخفى عليك ما فيه
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ا لصلح وأشهد عليه رجالا من المسلمين أي أبا بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبا عبيدة بن الجراح ومحمد بن مسلمة أي ورجالا من قريش حويطبا ومكرزا قام إلى هدية فنحره ومن جملته جمل لابي جهل وكان نجيبا مهريا وكان يضرب في لقاحه صلى الله عليه وسلم في رأسه برة أي حلقة من فضة وقيل من ذهب ليغيظ بذلك المشركين غنمه صلى الله عليه وسلم يوم بدر كما تقدم
وقال وقد كان فر من الحديبية ودخل مكة وانتهى إلى دار أبي جهل وخرج في أثره عمرو بن غنمة الأنصاري فأبى سفهاء مكة أن يعطوه حتى امرهم سهيل بن عمرو بدفعه ودفعوا فيه عدة ثياب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أنا سميناه في الهدى فعلنا انتهى
وفي لفظ قال لهم سهيل بن عمرو إن تريدوه فاعرضوا على محمد مائة من الإبل فإن قبلها فأمسكوا هذا الجمل وإلا فلا تتعرضوا له أي فعرضوا عليه صلى الله عليه وسلم ذلك فأبى وقال لو لم يكن هذا الجمل للهدى لقبلت المائة وفرق صلى الله عليه وسلم لحم الهدى على الفقراء الذين حضروا الحديبية
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى مكة عشرين بدنة مع ناحية حتى نحرت

بالمروة وقسموا لحمها على فقراء مكة ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه وكان الحالق لرأسه خراش بن أمية الخزاعي الذي بعثه إلى قريش فعقروا جمله وأرادوا قتله كما تقدم
فلما رأى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نحر وحلق تواثبوا ينحرون ويحلقون وقصر بعضهم كعثمان وأبي قتادة
وفي كلام بعضهم أي وهو السهيلي أنه لم يقصر غيرهما ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة واحدة فقال اللهم ارحم المحلقين وفي لفظ يرحم الله المحلقين وفي لفظ اللهم اغفر للمحلقين قالوا والمقصرين فقال يرحم الله المحلقين أو قال اللهم ارحم المحلقين أو اللهم اغفر للمحلقين قالوا والمقصرين فقال يرحم الله المحلقين والمقصرين وفي رواية قال والمقصرين في الرابعة وقد قالوا له يا رسول الله لم ظاهرت أي أظهرت الترحم للمحلقين دون المقصرين قال لأنهم لم يشكوا أي لم يرجوا أن يطوفوا بالبيت بخلاف المقصرين أي لأن الظاهر من حالهم أنهم أخروا بقية شعورهم رجاء أن يحلقوها بعد طوافهم بالبيت
وأرسل الله سبحانه وتعالى ريحا عاصفة احتملت شعورهم فألقتها في الحرم وفيه أنه تقدم أن الحديبية أكثرها في الحرم فاستبشروا بقبول عمرتهم
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم بعد فراغه من الكتاب أمرهم بالنحر والحلق قال ذلك ثلاث مرات فلم يقم منهم احد فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة رضي الله عنها أي وهو شديد الغضب فاضطجع فقالت مالك يا رسول الله مرارا وهو لا يجيبها ثم ذكر لها ما لقي من الناس وقال لها هلك المسلمون أمرتهم أن ينحروا ويحلقوا فلم يفعلوا وفي لفظ قال عجبا يا أم سلمة ألا ترين إلى الناس آمرهم بالأمر فلا يفعلونه قلت لهم انحروا واحلقوا وحلوا مرارا فلم يجبني أحد من الناس إلى ذلك وهم يسمعون كلامي وينظرون وجهي فقالت يا رسول الله لا تلمهم فإنهم قد داخلهم أمر عظيم مما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعهم بغير فتح ثم أشارت عليه صلى الله عليه وسلم أن يخرج ولا يكلم أحدا منهم وينحر بدنه ويحلق رأسه ففعل كذلك أي أخذ الحربة وقصد هديه وأهوى بالحربة إلى البدن رافعا صوته بسم الله والله أكبر ثم دخل صلى الله عليه وسلم قبة له من أدم أحمر ودعا بخراش فحلق رأسه ورمى شعره على شجرة فأخذه الناس وتحاصوه وأخذت أم عمارة رضي الله عنها طاقات منه فكانت تغسلها للمريض وتسقيه فيبرأ فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وحلقوا ثم انصرف صلى الله

عليه وسلم قافلا إلى المدينة أي بعد أن أقام بالحديبية تسعة عشر يوما وقيل عشرين يوما
فلما كان صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة أي بكراع الغميم أنزلت عليه سورة الفتح أي وقال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه أنزلت علي سورة هي أحب إلي مما طلعت عليه الشمس وحصل للناس مجاعة فقالوا يا رسول الله جهدنا أي اصابنا الجهد وهو المشقة من الجوع وفي الناس ظهر أي إبل فانحره لنأكل من لحمه ولندهن من شحمه ولنحتذى من جلوده فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا تفعل يا رسول الله فإن الناس إن يكن فيهم بقية ظهر أمثل كيف بنا إذا لاقينا العدو غدا جياعا ورجالا أي ثم قال ولكن إن رأيت أن تدعو الناس إلى أن يجمعوا بقايا أزوادهم ثم تدعوا فيها بالبركة فإن الله سيبلغها بدعوتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابسطوا أنطاعكم وعباءكم ففعلوا ثم قال من كان عنده بقية من زاد او طعام فلينثره ودعا لهم ثم قال قربوا أوعيتكم فأخذوا ما شاء الله أي وحشوا أوعيتهم وأكلوا حتى شبعوا وبقي مثله
وفي مسلم خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فأخذنا جهد حتى هممنا أن ننحر بعض ظهرنا فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم فجمعنا من أزوادنا فبسطنا له نطعا فاجتمع زاد القوم على النطع فكان كربضة العنز أي كقدر العنز وهي رابضة أي باركة وكنا أربع عشرة مائة وقال الراوي فأكلنا حتى شبعنا ثم حشونا جربنا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله والله لا يلقى الله عبد مؤمن بهما إلا حجب من النار وقال صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه هل من وضوء بفتح الواو وهو ما يتوضأ به فجاء رجل باداوة وهي الركوة فيها نطفة من ماء أي قليل من ماء وقيل للماء نطفة لأنه ينطف أي يصب فأفرغها في قدح أي ووضع راحته الشريفة في ذلك الماء قال الراوي فتوضأنا كلنا أي الأربع عشرة مائة ندغفقه دغفقة أي نصبه صبا شديدا ثم جاء بعد ذلك ثمانية فقالوا هل من طهور فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فرغ الوضوء وإلى تكثير الطعام والماء أشار صاحب الهمزية رحمه الله تعالى بقوله في وصف راحته الشريفة

** أحييت المرملين من موت جهد ** أعوز القوم فيها زاد وماء **
أي حفظت على المحتاجين للزاد والماء حياتهم فسلموا من موت قحط شديد أعوذ القوم في ذلك القحط زاد وماء وقال الإمام السبكي في تائيته في تكثير الماء ** وعندي يمين لا يمين بأن في ** يمينك وكفا حيثما السحب ضنت **
ولما أنزلت عليه صلى الله عليه وسلم سورة الفتح قال له جبريل عليه السلام نهنئك يا رسول الله وهنأه المسلمون وتكلم بعض الصحابة وقال ما هذا بفتح لقد صدونا عن البيت وصد هدينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك بئس الكلام بل هو أعظم الفتح لقد رضى المشركون أن يدفعوكم بالبراح عن بلادهم وسألوكم القضية ويربحوا اليكم في الأمان وقد رأوا منكم ما كرهوا وأظفركم الله عليهم وردكم الله تعالى سالمين مأجورين فهو أعظم الفتوح انسيتم يوم أحد { إذ تصعدون ولا تلوون على أحد } وأنا أدعوكم في أخراكم ونسيتم يوم الاحزاب { إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا } فقال المسلمون صدق الله ورسوله فهو أعظم الفتوح والله يا نبي الله ما فكرنا فيما فكرت فيه ولأنت أعلم بالله وبأمره منا وقال له بعض الصحابة أي وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا رسول الله ألم تقل إنك تدخل مكة آمنا قال بلى أفقلت لكم من عامي هذا قالوا لا قال فهو كما قال جبريل عليه السلام فإنكم تأتونه وتطوفون به
أقول فيه أنه تقدم أن ذلك كان عن رؤيا لا عن وحي إلا أن يقال يجوز أن يكون جاءه صلى الله عليه وسلم الوحي بمثل ما رأى ثم اخبرهم بذلك والله اعلم
وفي لفظ لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحديبية أنه يدخل مكة هو واصحابه آمنين محلقين رءوسهم ومقصرين وأخبرهم بذلك فلما صدوا قالوا له اين رؤياك يا رسول الله فانزل الله تعالى { لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق } الآية
أقول ولا يخالف هذا ما تقدم أن الرؤيا المذكورة كانت بالمدينة وأنها السبب الحامل على الإحرام بالعمرة لجواز تكرار الرؤيا وأن الأولى اقترن بها الوحي
وذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة عام القضية وحلق رأسه قال هذا الذي وعدتكم فلما كان يوم الفتح وأخذ المفتاح قال ادعوا لي عمر بن الخطاب فقال هذا الذي قلت لكم


ولما كان في حجة الوداع ووقف صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال لعر بن الخطاب رضي الله عنه هذا الذي قلت لكم وفيه أنه لم يتقدم في الرؤيا أنه صلى الله عليه وسلم يأخذ المفتاح ولا أن يقف بفعرة إلا أن يقال يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك بعد الرؤيا وأن المراد مجرد دخول مكة والله أعلم
وأصابهم مطر في الحديبية لم يبل أسفل نعالم أي ليلا فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صلوا في رحالكم
أي ووقع مثل ذلك في حنين أنه أصابهم مثله فأمر صلى الله عليه وسلم مناديه أن ينادي ألا صلوا في رحالكم
وقال صلى الله عليه وسلم صبيحة ليلة الحديبية لما صلى بهم أتدرون ما قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال قال الله عز وجل أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا برحمة الله وفضله فهو مؤمن بالله وكافر بالكواكب ومن قال مطرنا بنجم كذا وفي رواية بنو كذا وكذا فهو مؤمن بالكواكب كافر بي وهذا عند أئمتنا مكروه لا حرام أي لأن المراد بالإيمان شكر نعمة الله حيث نسبها الى الله والكفر كفران النعمة حيث نسبها لغيره فإن اعقتد أن النجم هو الفاعل كان الكفر فيه على حقيقته وهو ضد الإيمان والأول إنما نهى عنه لأن كان من أمر الجاهلية وإلا فهذا التركيب لا يقتضي أن يكون نؤ كذا فاعلا ومن ثم لو قال مطرنا في نؤ كذا أي في قوت نوء كذا لم يكره وكان ابن أبي ابن سلول قال هذا نوء الخريف مطرنا بالشعرى أي وسمي الخريف خريفا لأنه تخترف فيه الثمار أي تقطع والنوء سقوط نجم ينزل في الغرب مع الفجر وطلوع رقيبه من المشرق من أنجم المنازل وذلك يحصل في كل ثلاثة عشر يوما إلا الجبهة النجم المعروف فإن لها أربعة عشر يوما قال بعضهم والأنواء ثمانية وعشرون نوءا أي نجما كان العرب يعتقدون أن من ذلك يحدث المطر أو الريح
وفي الحديث لو حبس الله القطر عن الناس سبع سنين ثم أرسله أصبح طائفة منهم به كافرين يقولون مطرنا بنوء المجرة بسكر الميم نجم يقال هو الدبران وعن أبي هريرة رضي الله عنه إن الله ليصبح القوم بالنعمة ويمسيهم بها فتصبح طائفة منهم بها كافرين يقولون مطرنا بنوء كذا


ونقل عن عمر رضي الله عنه أنه قال مطرنا بنوء كذا ولعله لم يبلغه النهي عن ذلك حيث قال
قال العارف بالله ابن عطاء الله لعل هذا يكون ناهيا لك أيها المؤمن عن التعرض إلى علم الكواكب واقتراناتها ومانعا لك ان تدعي وجود تأثيراتها واعلم أن لله فيك قضاء لا بد أن ينفذه وحكما لا بد أن يظهره فما فائدة التجسس على غيب علام الغيوب وقد نهانا سبحانه أن نتجسس على غيبه
وصارت تلك الشجرة التي وقعت عندها البيع يقال لها شجرة الرضوان وبلغ عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه أي في خلافته أن ناسا يصلون عندها فتوعدهم وأمر بها فقطعت أي خوف ظهور البدعة
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة هاجرت إليه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في تلك المدة وكانت أسلمت بمكة وبايعت قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي أول من هاجر من النساء بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وإنها خرجت من مكة وحدها وصاحبت رجلا من خزاعة حتى قدمت المدينة
وفي الاستيعاب يقولون إنها مشت على قدميها من مكة إلى المدينة ولا يعرف لها اسم الا هذه الكنية وهي أخت عثمان بن عفن رضي الله عنه لأمه
ولما قدمت المدينة دخلت على أم سلمة رضي الله تعالى عنها وأعلمتها أنها جاءت مهاجرة وتخوفت أن يردها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل صلى الله عليه وسلم على أم سلمة أعلمته بها فرحب بأم كلثوم رضي الله تعالى عنها فخرج أخواها عمارة والوليد في ردها بالعهد فقالا يا محمد أوف لنا بما عاهدتنا عليه فلم يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أي بعد أن قالت له يا رسول الله أنا امرأة وحال النساء إلى الضعف فتردني إلى الكفار يفتنوني عن ديني ولا صبي لي فنزل القرآن بنقض ذلك العهد بالنسبة للنساء من جاء منهن مؤمنا لكن بشرط امتحانهن بقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات } أي في مدة هذا العهد والصلح { مهاجرات فامتحنوهن } قال السهيلي رحمه الله وكان الامتحان أن تستحلف المرأة المهاجرة أنها ما هاجرت ناشزة لا هاجرت إلا لله ولرسوله وفي لفظ كانت المرأة إذا جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم حلفها عمر رضي

الله عنه بالله ما خرجت رغبة بأرض عن أرض وبالله ما خرجت من بغض زوج وبالله ما خرجت لالتماس دينا ولا لرجل من المسلمين وبالله ما خرجت الا حبا لله ورسوله فإذا خلفت لم ترد ورد صداقها إلى بعلها
أي ولما قدم الوليد وعمارة مكة أخبرا قريشا بذلك فرضوا أن تحبس النساء ولم يكن لأم كلثوم رضي الله عنه زوج بمكة فلما قدمت المدينة زوجها زيد بن حارثة
وفي رواية لما كان صلى الله عليه وسلم بالحديبية جاءته جماعة من النساء المؤمنات مهاجرات من مكة من جملتهن سبيعة بنت الحارث فأقبل زوجها وهو مسافر المخزومي طالبا لها وأراد مشركو مكة أن يردوهن إلى مكة فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية { يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن } فاستحلف صلى الله عليه وسلم سبيعة فحلفت فأعطى صلى الله عليه وسلم زوجها مسافرا ما أنفق عليها فتزوجها عمر رضي الله عنه وهذا السياق يدل على أن الآية الكريمة نزلت بالحديبية وما قبله يدل على أنها نزلت بالمدينة وقد يقال لا مانع من تكرر نزول الآية
وأما في غير مدة هذا العهد أي بعد نسخه بفتح مكة فلم تستخلف امرأة جاءت إلى المدينة ولا يرد صداقها إلى بعلها ومن ثم ذهب أئمتنا إلى أنه إذا شرط رد المسلمة إليهم فسدت الهدنة كماتقدم ولا يجب دفع المهر للزوج لو جاءت مسلمة وقوله تعالى { وآتوهم } أي الأزواج { ما أنفقوا } أي من المهور على الندب والصارف له عن الوجوب كون الأصل براءة الذمة لأن البضع ليس بمال للكافر
وفيه أن طلب رد المهور للأزواج كان واجبا في مدة العهد خاصة كما علمت وأنزل الله تعالى { ولا تمسكوا بعصم الكوافر } أي نهى المؤمنين عن البقاء على نكاح المشركات فطلق الصحابة رضي الله عنهم كل امرأة كافرة في نكاحهم حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان له امرأتان فطلقهما يومئذ فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان والآخرى صفون بن امية فكان صلى الله عليه وسلم في مدة العهد يرد الرجال ولا يرد النساء أي بعد امتحانهن فقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة أبو بصير رضي الله عنه وكان ممن حبس بمكة وكتب في رده أزهر بن عوف رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك وهو من الطلقاء وهو عم عبد الرحمن بن عوف والأخنس بن شريق رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك كتابا وبعث به رجلا من بني عامر يقال له خنيس ومعه مولى

يهديه الطريق فقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتاب فقرأه أبي رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه قد عرفت ما شارطناك عليه من رد من قدم عليك من أصحابنا فابعث إلينا بصاحبنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما علمت ولا يصلح لنا في ديننا الغدر وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا فانطلق إلى قومك قال يا رسول الله اتردني إلى المشركين يفتنوني عن ديني قال صلى الله عليه وسلم يا أبا بصير انطلق فان الله سيجعل لك ولمن حولك من المستضعفين فرجا ومخرجا فانطلق معهما أي وصار المسلمون رضي الله عنهم يقولون له الرجل يكون خيرا من ألف رجل يغرونه بالذين معه حتى إذا كانوا بذي الحليفة جلس رضي الله عنه إلى جدار ومعه صاحباه فقال ابو بصير رضي الله عنه لأحد صاحبيه ومعه سيفه أصارم سيفك هذا يا أخا بني عامر قال نعم انظر اليه إن شئت فاستله أبو بصير رضي الله عنه ثم علاه به حتى قتله
وفي لفظ إن الرجل هو الذي سل سيفه ثم هزه فقال لأضربن بسيفي هذا في الأوس والخزرج يوما إلى الليل فقال له أبو نصير أو صارم سيفك هذا قال نعم فقال ناولنيه أنظر إليه فناوله فلم قبض عليه ضربه به حتى برد وقيل تناوله بفيه وصاحبه نائم فقطع إساره أي كتافه ثم ضربه به حتى برد فطلب المولى فخرج المولى سريعا حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم والحصى يطن تحت قدميه وفي لفظ والحصى يطير من تحت قدميه من شدة عدوة أي وأبو بصير في أثره حتى ازعجه قال صلى الله عليه وسلم إن هذا الرجل قد رأى فزعا وفي لفظ قد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد قال له ويحك مالك قال قتل صاحبكم صاحبي وأفلت منه ولم أكد وإني لمقتول واستغاث برسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه فإذا أبو بصير رضي الله عنه أناخ بعير العامري بباب المسجد ودخل متوشحا السيف ووثب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله وفت ذمتك وأدى الله عنك أسلمتني بيد القوم وقد امتنعت بديني أن أفتن فيه أو يفتن بي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب حيث شئت فقال يا رسول الله هذا سلب العامري أي الذي قتلته رحله وسيفه فخمسه فقال له صلى الله عليه وسلم إذا خمسته رأوني لم أوف لهم

بالذي عاهدتهم عليه ولكن شأنك بسلب صاحبك ومن ثم قال فقهاؤونا يجوز رد المسلم إلى الطالب له من غير عشيرته إذا قدر على قهر الطالب والهرب منه
وعند ذلك ذهب أبو بصير رضي الله عنه إلى محل من طريق الشام تمر به عيرات قريش واجتمع اليه جمع من المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة أي إنهم لما بلغهم خبره رضي الله عنه أي وأنه صلى الله عليه وسلم قال في حقه ويل أمه مسعر حرب أي لو كان معه رجال صاروا يتسللون اليه وانفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو رضي الله عنهما الذي رده يوم الحديبية وخرج من مكة في سبعين فارسا أسلموا فلحقوا بأبي بصير وكرهوا أن يقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك المدة التي هي زمن الهدنة أي خوف أن يردهم إلى أهليهم وانضم اليهم ناس من غفار وأسلم وجهينة وطوائف من العرب ممن أسلم حتى بلغوا ثلثمائة مقاتل فقطعوا مادة قريش لا يظفرون باحد منهم إلا قتلوه ولا تمر بهم عير إلا أخذوها حتى كتبت قريش له صلى الله عليه وسلم تساله بالأرحام إلا آواهم ولا حاجة لهم بهم
وفي رواية أن قريشا أرسلت أبا سفيان بن حرب رضي الله عنه في ذلك وأن قريشا قالوا إنا أسقطنا هذا الشرط من الشروط من جاء منهم إليك فأمسكه في غير حرج أي وفي لفظ من أتاه فهو آمن فإنا أسقطنا هذا الشرط فإن هؤلاء الركب قد فتحوا علينا بابا لا يصلح إقراره فكتب رسول صلى الله عليه وسلم إلى أبي جندل وإلى أبي بصير رضي الله عنهما أن يقدما عليه وأن من معهما من المسلمين يلحقوا ببلادهم وأهليهم ولا يتعرضوا لاحد مر بهم من قريش ولا لعيراتهم فقدم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما وأبو بصير رضي الله عنه يموت فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده يقرؤه فدفنه أبو جندل رضي الله عنه مكانه وجعل عند قبره مسجدا
وقدم أبو جندل رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ناس من اصحابه ورجع باقيهم إلى أهليهم وأمنت قريش على عيراتهم وعلمت أصحابه صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم الذين عسر عليم رد أبي جندل إلى قريش مع ابيه سهيل بن عمرو أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير مما احبوه وأن رأيه صلى الله عليه وسلم أفضل من رأيهم وعملوا بعد ذلك ن مصالحته صلى الله عليه وسلم كانت اولى لانها كانت

سببا لكثرة المسلمين فإن الكفار لما أمنوا القتال اختلطوا بالمسلمين فاثر فيهم الاسلام فأسلم كثير منهم
وقد ذكر بعض المفسرين أن الذين أسلموا في سنتي الفتح بناء على أن المدة كانت ستتين أو المعنى سنتين من الصلح أي من مدته يعدلون الذين أسلموا قبلهما
قال وعن بعضهم أي وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يقول ما كان فتح في الإسلام اعظم من فتح الحديبية ولكن الناس قصر رأيهم عما كان بين محمد صلى الله عليه وسلم وربه والعباد يعجلون والله لا يعجل لعجلة العباد حتى تبلغ الأمور ما أراد لقد رأيت سهيل بن عمرو رضي الله عنه بعد إسلامه في حجة الوداع قائما عند المنحر يقرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينحرها بيده ودعا الحلاق لحلق رأسه فأنظر إلى سهيل كلما يقلط من شعره صلى الله عليه وسلم يضعه على عينيه وأذكر أمتناعه أن يقر يوم الحديبية بأن يكتب { بسم الله الرحمن الرحيم } أي وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمدت الله وشكرته الذي هداه للإسلام
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ونحن محرمون قد حصرنا المشركون وكان لي وفرة فجعلت الهوام أي القمل تتساقط على وجهي فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية ملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي وفي رواية أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال ادنه فدنوت يقول ذلك مرتين أو ثلاثا وفي رواية أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية وأنا أوقد تحت برمة وفي لفظ قدر لي فقال كأنك تؤذيك هوام رأسك قال أجل قال احلق واهد هديا فقال ما أجد هديا فقال صم ثلاثا أيام وفي لفظ فقال أيؤذيك هوام رأسك وفي لفظ لعلك آذاك هوام رأسك قلت نعم يا رسول الله قال ما كنت أرى أن الجهد بلغ بك هذا فأمرني أن أحلق أي وفي رواية أصابتني هوام في رأسي وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية حتى تخوفت على بصري وأنزل الله تعالى هذه الآية { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه } أي فحلق { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صم ثلاثة أيام او تصدق بفرق أي زاد في رواية من زبيب

بين ستة مساكين والفرق بفتح الفاء والراء ثلاثة آصع أي زاد في رواية من تمر لكل مسكين نصف صاع أو انسك أي اذبح ما تيسر لك انتهى زاد في رواية أي ذلك فعلت أجزأ عنك فحلقت ثم نسكت
أي وفي رواية الشيخين انسك شاة اوضم ثلاثة أيام أو أطعم فرقا من الطعام على ستة مساكين
قال ابن عبد البر عامة الآثار عن كعب بن عجرة وردت بلفظ التخيير وهو نص القرآن وعليه عمل العلماء في كل الأمصار وفتواهم وما ورد من الترتيب في بعض الاحاديث لو صح كان معناه الاختيار أولا فأولا
قال الزمخشري في سفر السعادة أمر صلى الله عليه وسلم في علاج القمل بحلق الرأس لتنفتح المسام وتتصاعد الأبخرة وتضعف المادة الفاسدة التي يتولد القمل منها
وذكر في الهدى أن أصول الطب ثلاثة الحمية وحفظ الصحة والاستفراغ فإلى الأول شرع التيمم خوفا من استعمال الماء وإلى الثاني شرع الفطر في رمضان في السفر لئلا تتوالى مشقة السفر ومشقة الصوم وإلى الثالث بحلق رأس المحرم إذا كان به أذى من قمل ليستفرغ المادة الفاسدة والأبخرة الرديئة
وعند أئمتنا لا بد أن يكون ما يذبحه مجزئا في الأضحية وبعد الحديبية قبل خيبر وقيل بعد خيبر نزلت آية الظهار { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها }
وسبب ذلك أن أوس بن الصامت لا عبادة بن الصامت كما قيل أي وكان شيخا كبيرا قد ساء خلقه وفي لفظ كان به لمم أي نوع من الجنون وكان فاقد البصر قال لزوجته خولة بنت ثعلبة وفي لفظ بنت خويلد وكانت بنت عمه وقد راجعته في شيء فغضب فقال لها انت علي كظهر أمي وكان ذلك في زمن الجاهلية طلاقا أي كالطلاق في تحريم النساء ثم راودها على نفسها فقالت كلا لا تصل إلي وقد قلت ما قلت حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ أنه لما قال لها أنت علي كظهر أمي اسقط في يده وقال ما أراك إلا قد حرمت علي انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأليه فدخلت عليه صلى الله عليه وسلم وهو يمشط رأسه الشريف أي عنده ماشطة أي وهي عائشة رضي الله عنه تمشط رأسه
وفي لفظ كان الظهار أشد الطلاق وأحرم الحرام إذا ظاهر الرجل من امرأته لم ترجع

إليه أبدا فاخبرته فقال لها صلى الله عليه وسلم ما أمرنا بشيء من أمرك ما أراك الا قد حرمت عليه فقالت يا رسول الله والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر الطلاق وإنه أبو ولدي وأحب الناس إلي فقال حرمت عليه فقالت أشكو إلى الله فاقتي وتركي إلى غير أحد وقد كبر سني ودق عظمي
وفي لفظ أنها قالت اللهم إني أشكوا اليك شدة وحدتي وما شق علي من فراقه وما نزل بي وبصبيتي قال عائشة رضي الله عنها فلقد بكيت وبكى من كان في البيت رحمة لها ورقة عليها وفي لفظ قالت يا رسول الله إن زوجي أوس بن الصامت تزوجني وأنا ذات مال وأهل فلما أكل مالي وذهب شبابي ونفضت بطني وتفرق أهلي ظاهر مني فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أراك إلا قد حرمت عليه فبكت وصاحت وقالت أشكو إلى الله فقري ووحدتي وصبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا وان ضممتهم إلي جاعوا وصارت ترفع رأسها إلى السماء فبينما هو صلى الله عليه وسلم قد فرغ من شق رأسه وأخذ في الشق الآخر أنزل الله عليه الآية فسرى عنه وهو يتبسم فقال صلى الله عليه وسلم لها مريه فليحرر رقبة فقالت والله ماله خادم غيري قال مريه فليصم شهرين متتابعين فقالت والله إنه لشيخ كبير إنه لم يأكل في اليوم مرتين يندر بصره أي لو كان مبصرا فلا ينافي ما تقدم أنه كان فاق البصر قال فليطعم ستين مسكينا فقالت والله ما لنا اليوم وقية فقال مريه فلينطلق إلى فلان يعني شخصا من الأنصار أخبرني أن عنده شطر وسق من تمر يريد أن يتصدق به فليأخذه منه
وفي رواية مريه فليأت أم المنذر بنت قيس فليأخذ منها شطر وسق من تمر فليتصدق به على ستين مسكينا وليراجعك ثم أتته فقصت عليه القصة فانطلق ففعل
أي وفي لفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا سأعينه بفرق من تمر فبكت وقال وأنا يا رسول الله سأعينه بفرق آخر قال قد أصبت وأحسنت فاذهبي فتصدقي به عنه ثم استوصى بابن عمك خيرا
وفي رواية لما قال لها صلى الله عليه وسلم ما أعلم إلا قد حرمت عليه قالت لها عائشة رضي الله عنه وراءك فتنحت فلما نزل عليه صلى الله عليه وسلم الوحي وسرى عنه قال يا عائشة أين المرأة قالت ها هي هذه قال ادعها فدعتها فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم اذهبي فجيئي بزوجك فذهبت فجاءت به وادخلته على النبي صلى الله عليه وسلم

فاذا هو ضرير البصر فقير سيء الخلق فقال له صلى الله عليه وسلم أتجد رقبه قال لا وفى لفظ قال مالي بهذا من قدره قال أتستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال والذى بعثك بالحق اني اذا لم اكل المره والمرتين والثلاث يغشى على وفى لفظ اني اذا لك اكل مرتين كل بصري اى لو كان موجودا قال أفتستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال لا الا أن تعينني بها فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكفر عنه وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم اعطاه مكتلا يأخذ خمسة عشر صاعا فقال أطعمه ستين مسكينا قال بعضهم وكانوا يرون أن عند أوس رضى الله عنه مثلها حتى يكون لكل مسكين نصف صاع وفيه أنه خلاف الروايات من أنه لا يملك شيئا فقال على أفقر مني فوالذي بعثك بالحق ما بين لابتيها أهل بيت أحوج اليه مني فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اذهب به إلى أهلك وهذا أول ظهار وقع في الإسلام
ومر عمر رضي الله تعالى عنه بخوله هذه في أيام خلافته فقالت له قف يا عمر فوقف لها ودنا منها واصغى اليها وأطالت الوقوف واغلظت له القول أي قالت له هيات يا عمر عهدتك وأنت تسمى عميرا وأنت في سوق عكاظ ترعى القيان بعصاك فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين فاتق الله في الرعية واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد ومن خاف الموت خشي الفوت فقال لها الجارود قد أكثرت أيتها المرأة على أمير المؤمنين فقال عمر رضي الله عنه دعها وفي رواية فقال له قائل حبست الناس لأجل هذه العجوز قال ويحك وتدري من هذه قال لا قال هذه امرأة قد سمع الله شكواها من فوق سبع سموات هذه خولة بنت ثعلبة والله لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت حتى تنقضي حاجتها
قيل وفي هذه السنة التي هي سنة ست حرمت الخمر وبه جزم الحافظ الدمياطي وقيل حرمت سنة أربع أي ويدل له ما تقدم من اراقة الخمر وكسر جررها في بني قريظة وقيل في السنة الثالثة وقيل إنما حرمت في عام الفتح قبل الفتح
قال بعضهم حرمت ثلاث مرات أي نزل تحريمه ثلاث مرات كان المسلمون يشربونها حلالا أي لغيره صلى الله عليه وسلم أما هو فحرمت عليه قبل البعثة بعشرين سنة لم تبح له قط
وقد جاء أول ما نهان عنه ربي بعد عبادة الأصنام شرب الخمر وتقدم أن جماعة

حرموها على أنفسهم وامتنعوا من شربها ولا زالت حلالا للناس حتى نزل قوله تعالى { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس } فعند ذلك اجتنبها قوم لوجود الإثم وتعاطاها أخرون لوجود النفع أي وكانوا ربما شربوها وصلوا فلما نزل قوله تعالى { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } امتنع من كان يشربها لأجل النفع من شربها في أوقات الصلاة ورجع قوم منهم عن شربها حتى في غير أوقات الصلاة وقالوا لا خير في شيء يحول بيننا وبين الصلاة
وسبب نزول هذه الآية ما جاء عن علي كرم الله وجهه قال صنع لنا عبد الرحمن ابن عوف طعاما أي وشرابا من الخمر فأكلنا وشربنا فأخذت الخمر منا وحضرت الصلاة أي الجهرية وقدموني فقرأت { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون } ونحن نبعد ما تعبدون إلى أن قلت وليس لي دين وليس لكم دين ثم نزلت الآية الأخرى الدالة على تحريمها مطلقا وهي { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } إلى قوله { فهل أنتم منتهون } أي ولعل هذه الآية الأخيرة هي التي عناها أنس رضي الله عنه بقوله كما في البخاري كنت ساقي القوم الخمر بمنزل أبي طلحة أي وهو زوج امه رضي الله عنهم ونزل تحريم الخمر فمر مناد ينادي ألا إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة اخرج فانظر ما هذا الصوت قال فخرجت فقلت هذا مناد ينادي ألا إن الخمر قد حرمت فقال لي اذهب فأهرقها فقال بعض القوم قتل قوم أي في أحد وهي في بطونهم وفي رواية قالوا يارسول الله كيف بمن مات من اصحابنا وكان شربها فأنزل الله تعالى { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } أي لأن ذلك كان قبل تحريمها مطلقا
وقد جئ لعمر رضي الله عنه بشخص من المهاجرين الاولين قد سكر فأراد عمر جلده فاستدل على عمر بهذه الآية فقال عمر لمن حضره ألا تردون عليه فقال ابن عباس رضي الله عنهما هذه الآية نزلت عذرا للماضين وحجة على الباقين ثم استشار عمر رضي الله عنه عليا كرم الله وجهه فأشار عليه أن يجلده ثمانين جلدة ولعل هذا الشخص هو قدامة بن مظعون وتقدمت قصته في بدر وتقدم في ذلك أن الذي رد عليه بذلك عمر لا ابن عباس رضي الله عنهم كذا وقع لأبي جندل رضي الله عنه مثل ذلك وأنه اشفق أي خاف من ذلك فلما بلغ عمر رضي الله عنه كتب اليه

إن الذي زين إليك الخطيئة هو الذي حظر أي منع عليك التوبة { بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب } الآية
غزوة خيبر على وزن جعفر سميت باسم رجل من العماليق نزلها يقال له خيبر وهو اخو يثرب أي الذي سميت باسمه المدينة كما تقدم وفي كلام بعضهم الخيبر بلسان اليهود الحصن ومن ثم قيل ها خيابر لاشتمالها على الحصون وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع ونخل كثيرة بينها وبين المدينة الشريفة ثمانية برد كما في سيرة الحافظ الدمياطي ومعلوم أن البريد أربعة فراسخ وكل فرسخ ثلاثة أميال
ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية أقام شهرا وبعض شهر أي ذا الحجة ختام سنة ست وأقام من المحرم افتتاح سنة سبع أياما قيل عشرين يوما أو قريبا من ذلك ثم خرج إلى خيبر أي وهذا ما ذهب اليه الجمهور
ونقل عن الإمام مالك رضي الله عنه أن خيبر كانت سنة ست وإليه ذهب الإمام ابن حزم وفي التعليقة للشيخ أبي حامد أنها كانت سنة خمس قال الحافظ ابن حجر وهو وهم ولعله انتقل من الخندق إلى خيبر
قال وقد استنفر صلى الله عليه وسلم من حوله ممن شهد الحديبية يغزون معه وجاءه المخلفون عنه في غزوة الحديبية ليخرجوا معه رجاء الغنيمة فقال لا تخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد فأما الغنيمة فلا أي لا تعطوا منها شيئا ثم أمر مناديا ينادي بذلك فنادى به قال أنس رضي الله عنه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة وهو زوج أم أنس كما تقدم حين أراد الخروج إلى خيبر التمسوا غلاما من غلمانكم يخدمني فخرج أبو طلحة مردفي وأنا غلام قد راهقت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل خدمته فسمعته كثيرا ما يقول اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال ا هـ
أقول هذا السياق يدل على أن أول خدمة أنس رضي الله عنه له صلى الله عليه وسلم حينئذ وهو يخالف ما سبق أن عند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة جاءت به أمه

وقالت هذا ابني وهو غلام كيس وكان عمره عشر سنين وقيل تسع سنين وقيل ثمان سنين
ففي مسلم عن أنس قال جاءت بي أمي ام أنس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أزرتني بنصف خمارها وردتني بنصفه فقالت يا رسول الله هذا أنيس ابني أتيتك به ليخدمك فادع الله له قال اللهم أكثر ماله وولده
وقد يقال لا مخالفة لأنه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم وإنما قال لأبي طلحة ما ذكر رجاء ان يأتى له بمن هو أقوى من أنس على السفر شفقة على أنس ومن ثم لم يخرجه صلى الله عليه وسلم معه
وفيه أنه خرج معه في بدر فقد جاء أنه قيل لأنس رضي الله عنه أشهدت بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا أم لك وأين غبت عن بدر
وقد يقال جاز أن يكون عرض لأنس رضي الله عنه حين خروجه صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ما يقتضي الشفقة عليه في عدم اخراجه معه والله اعلم
واستخلف صلى الله عليه وسلم على المدينة نميلة وقيل سباع بن عرفطة أي وصحح وكان الله وعده وهو بالحديبية أي عند منصرفه منها في سورة الفتح بمغانم بقوله تعالى { وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها } أي مغانم خيبر وخرج معه صلى الله عليه وسلم من نسائه أم سلمة رضي الله تعالى عنها وقال صلى الله عليه وسلم في سيره لعامر بن الأكوع عم سلمة ابن الأكوع رضي الله تعالى عنهما انزل فحدثنا من هناتك وفي رواية من هنيهاتك وفي لفظ من هنياتك بقلب الهاء الثانية ياء أي من أراجيزك وأشعارك وفي لفظ انزل فحرك بنا الركاب فقال يا رسول الله قد تولى قولي أي الشعز فقال له عمر رضي الله عنه اسمع وأطع فنزل يرتجز بقوله رضي الله تعالى عنه ** والله لولا الله ما اهتدينا ** ولا تصدقنا ولا صلينا الأبيات **
وفي مسلم اللهم لولا أنت ما اهتدينا قيل وصوابه في الوزن لاهم أو يا ألله أو والله لكن في تلك الأبيات فاغفر فداء لك ما اقتفينا أي فاغفر ما اكتسبنا واصل الاقتفاء الاتباع
وفي خطاب الباري عز وجل بفداء لك ما لا ينبغي لأنه لا يقال للباري عز وجل فديتك لأن ذلك إنما يستعمل في مكروه ومتوقع حلوله بالمفدى بالفتح فيجعل المفدى بالكسر نفسه فداء له من ذلك فيبذل نفسه عن نفسه


وأجيب عن ذلك بأن الشاعر لم يرد ذلك بل أراد أن يبذل نفسه رضاه سبحانه وتعالى
وعند إنشاده الأبيات المذكورة قال له النبي صلى الله عليه وسلم يرحمك ربك فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه والله وجبت أي الشهادة يا رسول الله لولا أي هلا امتعتنا به أي أبقيته لنا لنتمتع به ومنه أمتعني الله ببقائك أي هلا أخرت الدعاء له بذلك إلى وقت آخر لأنه صلى الله عليه وسلم ما قال ذلك لأحد في مثل هذا الموطن إلا واستشهد
وفي لفظ أن القائل له اسمعنا رجل من القوم قال الحافظ ابن حجر لم أقف على اسمه صريحا وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع قال من هذا السائق قالوا عامر قال صلى الله عليه وسلم يرحمه الله فقتل في هذه الغزاة رجع إليه سيفه فقتله فإنه أراد أن يضرب به ساق يهودي فجاءته ذبابته في ركبته فمات من ذلك رضي الله عنه فقال الناس قتله سلاحه وفي رواية قتل نفسه أي فليس بشهيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لشهيد وصلى عليه صلى الله عليه وسلم والمسلمون وفي رواية قال سلمة بن الأكوع يا رسول الله فداك أبي وأمي زعموا أن أخي عامرا حبط عمله وفي لفظ يزعم أسيد بن حضير وجماعة من اصحابك أن عامرا حبط عمله إذ قتل بسيفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذب من قال أي أخطأ في قوله وإن له أجرين وجمع بين أصبعيه وفي رواية إنه لشهيد وفي لفظ إنه لجاهد مجاهد وفي لفظ مات جاهدا مجاهدا والجاهد الجاد في أمره فلما قام بوصفين كان له أجران وقيل هو من باب جاد مجد وشعر شاعر فهو تأكيد وكون عامر أخا سلمة هو خلاف ما تقدم أنه عمه وهو الصحيح المشهور
قال في النور ويمكن الجمع بأن يكون من النسب وأخاه من الرضاعة أي وحينئذ يكون هذا محمل قول ابن الجوزي رحمه الله من الإخوة الذين حدثوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامر وسلمة ابنا الاكوع
وفي فتح الباري عن بعض الصحابة فلما وصلنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقول
قد علمت خيبر أني مرحب ** شاكي السلاح بطل مجرب ** ** إذ الحروب اقبلت تلتهب


فبرز له عامر رضي الله عنه يقول ** قد علمت خيبر أني عامر ** شاكي السلاح بطل مغامر **
فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر رضي الله عنه فذهب عامر يسفل لمرحب أي يضربه من أسفل فعاد سيفه على نفسه أي أصاب عين ركبه عامر فمات من ذلك الحديث
وكون عامر ارتجز لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي حدابه لا ينافي ما جاء أن البراء ابن مالك كان حسن الصوت وكان يرتجز لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره لأن المراد في غالب أو في بعض اسفاره كما صرح به بعض الروايات
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال له أي للبراء إياك والقوراير وهو يدل على انه كان يرتجز لنسائه صلى الله عليه وسلم وهو يخالف أن البراء كان حادي الرجال وأنجشة حادي النساء إلا أن يقال جاز أن يكون البراء حدا النساء في بعض الأسفار أو في بعض الأحيان وأنجشة كان في الغالب
قال بعضهم كان انجشة رضي الله تعالى عنه عبد أسود وكان حسن الصوت بالحداء إذا حدا أعنقت الإبل أي سارت العنق واسرعت فلما حدد بأمهات المؤمنين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنجشه رويدك رفقا بالقوراير
ولما اشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيبر وكان وقت الصبح قال لأصحابه رضي الله عنهم قفوا ثم قال أي وفي لفظ قال لهم قولوا اللهم رب السموات وما اظللن ورب الأرضين وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما أذرين فإنا نسألك من خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشرما فيها اقدموا بسم الله أي وفي لفظ ادخلوا على بركته تعالى وكان صلى الله عليه وسلم يقولها لكل قرية دخلها
أي وجاء أنه صلى الله عليه وسلم لما توجه إلى خيبر أشرف الناس على واد فرفعوا اصواتهم بالتكبير الله أكبر لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اربعوا على أنفسكم أي ارفقوا بأنفسكم لا تبالغوا في رفع اصواتكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا وهو معكم قال عبد الله بن قيس رضي الله عنه وكنت خلف دابته صلى الله عليه وسلم فسمعني أقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

فقال يا عبد الله بن قيس قلت لبيك يا رسول الله قال ألا أدلك على كلمة من كنر الجنة قلت بلى يا رسول الله فداك أبي وأمي قال لا حول ولا قوة إلا بالله
ويحتاج إلى الجمع بين هذا وبين أمره صلى الله عليه وسلم بأن اصحابه يرفعون أصواتهم بالتلبية وقد يقال المنهى عنه هنا الرفع الخارج عن العادة الذي ربما آذى بدليل قوله صلى الله عليه وسلم اربعوا على أنفسكم أي ارفقوا بها كما تقدم فلا منافاة
ولما أبصر صلى الله عليه وسلم عمالها وقد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم قالوا محمد والخميس أي الجيش العظيم معه قيل له الخميس لأنه خمسة أقسام التقدمة والساقة والمينمة والميسرة وهما الجناحين والقلب وأدبروا هرابا
قال وذكر أنه كان بها عشرة آلاف مقاتل وانهم كانا لا يظنون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم حين بلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزوهم وهم يخرجون ويصطفون صفوفا ثم يقولون محمد يغزونا هيهات هيهات
وذكر أن عبد الله بن ابي ابن سلول أرسل اليهم يخبرهم بأن محمدا سائر اليكم فخذوا حذركم وادخلوا أموالكم حصونكم واخرجوا إلى قتاله ولا تخافوا منه إن عددكم كثير وقوم محمد شرذمة قليلون عزل لا سلاح معهم إلا قليل
فلما كانت الليلة التي نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحتها بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة ولم يصح لهم ديك حتى طلعت الشمس فأصبحوا أي قاموا من نومهم وافئدتهم تخفق وفتحوا حصونهم وغدوا إلى أعمالهم معهم الفؤوس ويقال لها الكرازين والمساحي ومعهم المكاتل أي وهي القفف الكثيرة فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوا هاربين إلى حصونهم أ هـفقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين أي وبذلك استدل على جواز الاقتباس من القرآن وإنما قال صلى الله عليه وسلم خربت خيبر لأنه لما رأى آلة الهدم التي هي الفؤوس والمساحي تفاءل صلى الله عليه وسلم بأن حصونهم ستخرب أو أخذ ذلك من اسمها أو أن ذلك دعاء بلفظ الخبر قال الإمام النووي رحمه الله والأصح أنه أعلمه الله بذلك ويوافقه ما في فتح الباري
ويحتمل أن يكون قال ذلك بطريق الوحي ويؤيده قوله إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين أي لأنه نزل بساحتهم وهي في الأصل الفضاء بين الأبنيه


وابتدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم بحصون النطاة قبل حصون الشق وقيل بحصون الكثيبة أي لأنهم ادخلوا أموالهم وعيالهم في حصون الكثيبة وجمعوا المقاتلة في حصلون النطاة وكان نزل قريبا من حصون النطاة فجاءه صلى الله عليه وسلم الحباب بن المنذر رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله إنك نزلت منزلك هذا فإن كان عن أمر أمرت به فلا نتكلم وإن كان الراي تكلمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الرأي فقال يا رسول الله إن أهل النطاة لي بهم معرفة ليس قوم أبعد مدى سهم منهم ولا أعدل رمية منهم وهم مرتفعون علينا وهو أسرع لانحطاط نبلهم ولا نأمن من بياتهم يدخلون في حمرة النخل أي النخل المجتمع بعضه على بعض تحول يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم أشرت بالرأي إذا أمسينا إن شاء الله تحولنا ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة رضي الله عنه فقال انظر لنا منزلا بعيدا فطاف محمد رضي الله عنه وقال يا رسول الله وجدت لك منزلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم على بركة الله وتحول لما أمسى وأمر الناس بالتحول
أي وي لفظ إن راحلته صلى الله عليه وسلم قامت تجر بزمامها فأدركت لترد فقال دعوها فإنها مأمورة فلما انتهت إلى موضع من الصخرة بركت عندها فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصخرة وتحول الناس إليها واتخذوا ذلك الموضع معسكرا وفي الأصل انه نزل بذلك ليحول بين أهل خيبر وبين غطفان لأنهم كانوا مظاهرين لهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد يقال لا مخالفة بين هذه الروايات الثلاث فليتأمل وابتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك مسجدا صلى به طول مقامه بخيبر أي وأمر صلى الله عليه وسلم بقطع نخيل اهل حصون النظاة فوقع المسلمون في قطعها أربعمائة نخلة ثم نهاهم عن القطع فما قطع من نخيل خيبر غيرها قال قيل وقاتل صلى الله عليه وسلم يومه ذلك أشد القتال وعليه درعان وبيضة ومغفر وهو على فرس يقال له الظرب وفي يده قناة وترس
وما قيل إنه صلى الله عليه وسلم يوم خيبر كان على حمار مخطوم برسن من ليف وتحته إكاف من ليف أي ففي مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار وهو متوجه إلى خيبر جاز أن يكون ركب ذلك الحمار في الطريق وحال القتال ركب ذلك الفرس انتهى


أقول يرشد إلى هذا الجمع قوله متوجه إلى خيبر وظاهر هذا الكلام أنه صلى الله عليه وسلم باشر القتال بنفسه وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم لم يباشر القتال بنفسه إلا في احد
ويبعد ان يكون باشر القتال بنفسه ولم يقتل أحدا إذ لو قتل أحدا لذكر لأنه مما تتوفر الدواعي إلى نقله وقد يكون المراد بقولهم وقاتل صلى الله عليه وسلم بنفسه أي قال جيشه ويدل لذلك ما في الإمتاع ألح على حصن ناعم أي وهو من حصون النطاة بالرمي ويهود تقاتل ورسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس يقال له الظرب وعليه درعان ومغفر وبيضة وفي يده قناة وترس
وقد دفع صلى الله عليه وسلم لواءه لرجل من المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا فدفعه إلى آخر من المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا وخرجت كتائب اليهود يقدمهم ياسر فكشف الانصار حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في موقفه فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمسمى مهموما والله أعلم
وفي ذلك اليوم قتل محمود بن مسلمة أخو محمد بن مسلمة رضي الله عنهما برحى ألقيت عليه من ذلك الحصن ألقاها عليه مرحب وقيل كنانة بن الربيع وقد يجمع بأنهما اجتمعا على ذلك وسيأتي ما يدل على أن قاتله غيرهما
وقد يقال لا مانع من أن يكونوا أي الثلاثة تجمعوا على قتله أي فإن محمود بن مسلمة رضي الله عنه كان قد حارب حتى اعياه الحرب وثقل السلاح وكان الحر شديدا فانحاز إلى ظل ذلك الحصن فألقى عليه حجر الرحى فهشم البيضة على رأسه ونزلت جلدة جبينه على وجهه أي وندرت عينه فأدركه المسلمون فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فسوى الجلدة إلى مكانها وعصبه بخرقة فمات رضي الله عنه من شدة الجراحة وجاء أخوه محمد بن مسلمة رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن اليهود قتلوا أخي محمود بن مسلمة فقال صلى الله عليه وسلم لا تمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإنكم لا تدرون ما تبتلون به منهم فإذا لقيتموه فقولوا اللهم أنت ربنا وربهم ونواصينا ونواصيهم بيدك وإنما تقتلهم أنت ثم الزموا الأرض جلوسا فإذا غشوكم فانهضوا وكبروا
أي وفي سياق بعضهم ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم مكث سبعة أيام يقاتل أهل حصون النظاة يذهب كل يوم بمحمد بن مسلمة رضي الله عنه للقتال ويخلف على محل العسكر عثمان بن عفان فإذا أمسى رجع صلى الله عليه وسلم إلى ذلك المحل ومن جرح من المسلمين يحمل إلى ذلك المحل ليداوي جرحه وكان صلى الله عليه وسلم يناوب بين اصحابه في حراسة الليل فلما كانت الليلة السادسة من السبع استعمل صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه فطاف عمر رضي الله عنه بأصحابه حول العسكر وفرقهم فأتى برجل من يهود خيبر في جوف الليل فأمر به عمر رضي الله عنه أن يضرب عنقه فقال اذهب بي إلى نبيكم حتى أكلمه فأمسك عنه وانتهى به إلى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده يصلي فسمع صلى الله عليه وسلم كلام عمر فسلم وأدخله عليه فدخل باليهودي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهودي ما وراءك فقال تؤمنني يا أبا القاسم فقال نعم قال خرجت من حصن النطاة من عند قوم يتسللون من الحصن في هذه الليلة قال فأين يذهبون قال إلى الشق يجعلون فيه ذراريهم ويتهيئون للقتال ولعل المراد ما أبقوه من ذراريهم فلا ينافي ما تقدم من أنهم أدخلوا أموالهم وعيالهم في حصون الكثيبة أو أن ذلك المخبر اخبر بحسب ما فهم أنهم يجعلون ذراريهم في الشق والحال أنهم إنما يذهبون ليجعلوا ذراريهم في حصون الكثيبة فليتأمل
وفي هذا الحصن الذي هو الحصن الصعب من حصون النطاة في بيت فيه تحت الأرض منجنيق ودبابات ودروع وسيوف فإذا دخلت الحصن غدا وأنت تدخله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله قال اليهودي إن شاء الله أوقفتك عليه فإنه لا يعرفه غيري وأخرى قيل ما هي قال يستخرج المنجنيق وينصب على الشق ويدخل الرجال تحت الدبابات فيحفروا الحصن فتفتحه من يومك وكذلك تفعل بحصون الكثيبة ثم قال يا أبا القاسم احقن دمي قال أنت آمن قال ولى زوجة فهبها لي قال هي لك ثم دعاه صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فقال أنظرني أيام ثم قال صلى الله عليه وسلم لمحمد بن مسلمة رضي الله عنه لأعطين الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبانه وفي لفظ قال صلى الله عليه وسلم لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله لايولي الدبر بفتح الله عز وجل على يده فيمكنه الله من قاتل أخيك وعند ذلك لم يكن من الصحابة رضي الله عنهم أحد له منزلة عند النبي صلى الله عليه وسلم ألا يرجو ان يعطاها
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال ما أحببت الإمارة إلا ذلك اليوم ولعل ذلك لا ينافي ما جاء أن وفد ثقيف لما جاءوه صلى الله عليه وسلم قال لهم لتسلمن


={{{{{11 مجلد }}}}}}}}}}}}}

مجلد 11. من كتاب:السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون
المؤلف:علي بن برهان الدين الحلبي


أو لأبعثن إليكم رجلا مني وفي رواية مثل نفسي فليضربن أعناقكم وليسيبن ذراريكم وليأخذن أموالكم قال عمر رضي الله عنه فوالله ما تمنينت الإمارة إلا يومئذ وجعلت أنصب صدري له صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول هو هذا فالتفت صلى الله عليه وسلم إلى علي كرم الله وجهه فأخذ بيده وقال هو هذا هو هذا
وقد يقال لا يلزم من محبة الشيء تمنيه بخلاف العكس ففي هذه الغزاة أحب الإمارة وما تمناها وفي وفد ثقيف المتأخر عن هذه الغزاة تمناها لأن الوصف في ذلك أبلغ من الوصف هنا فليتأمل
ويروى أن عليا كرم الله وجهه لما بلغه مقالته صلى الله عليه وسلم أي في خيبر قال اللهم لا مطعي لما منعت ولا مانع لما أعطيت فبعث صلى الله عليه وسلم إلى عليا كرم الله وجهه وكان أرمد شديد الرمد أي وكان قد تخلف في المدين ثم لحق بالقم أي فقيل له إنه يشتكى عينيه فقال صلى الله عليه وسلم من يأتيني به فذهب اليه سلمة ابن الأكوع رضي الله عنه وأخذ بيده يقوده حتى أتى به النبي صلى الله عليه وسلم قد عصب عينيه فعقد له صلى الله عليه وسلم اللواء أي لواءه الأبيض
فعن ابن اسحاق وابن سعد لم تكن الرايات إلا يوم خيبر أي فإنه صلى الله عليه وسلم فرق الرايات يومئذ بين أبي بكر وعمر والحباب بن المنذر وسعد بن عبادة رضي الله عنهم وإنما كانت الألوية وكانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء من برد لعائشة رضي الله عنها تدعى العقاب وفي كلام المقريزي لما ذكر رتب الرياسة في الجاهلية ذكر أن العقاب كان في الجاهلية راية تكون لرئيس الحرب وجاء الإسلام وهي عند أبي سفيان وجاء الإسلام والسدانة واللواء عند عثمان بن ابي طلحة من بني عبد الدار
وفي سيرة الحافظ الدمياطي رحمه الله وكانت له صلى الله عليه وسلم راية سوداء مربعة من نمرة مخملة يقال لها العقاب وكان له راية صفراء ولواؤه أبيض دفعه إلى علي كرم الله وجهه وفيه أن ذلك اللواء يقال له العقاب
وفي سيرة الحافظ الدمياطي رحمه الله وكانت ألويته صلى الله عليه وسلم بيضاء وربما جعل فيها الأسود ولعل السواد كان كتابة في ذلك العلم ولعل هذا اللواء الذي فيه الأسود هو المعنى بما جاء في بعض الروايات كان له صلى الله عليه وسلم لواء ابيض مكتوب فيه لا إله

الله محمد رسول الله أي بالسواد ولعله محمل قول بعضهم كان له صلى الله عليه وسلم لواء أغبر وربما كان من خز بعض نسائه فقال علي كرم الله وجهه يا رسول الله إني أرمد كما ترى لا أبصر موضع قدمي فتفل صلى الله عليه وسلم وفي لفظ بصق في عينيه أي بعد أن وضع راسه في حجره وفي لفظ فتفل في كفه وفتح له عينيه فدلكهما فبرأ حتى كأن لم يكن بهما وجع قال على رضي الله عنه فما رمدت بعد يومئذ وفي لفظ ما رمدت ولا صدعت وفي لفظ فا اشتكيتهما حتى الساعة
وفي هذا السياق لطيفة وهي أن من طلب شيئا أو تعرض لطلبه يحرمه غالبا وأن من لم يطلب شيئا ولم يتعرض لطلبه ربما وصل إليه وقد أشار إلى ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته ولكن لاجل سؤاله إياه ذلك آخر عنه سنة أي وبعد السنة دعاه الملك وتوجه ورداه وقلده بسيفه وأمر له بسرير من ذهب مكلل بالدر والياقوت وضرب له عليه حلة من استبرق وفوض إليه أمر مصر
وقد قيل لو وقعت قلنسوة من السماء لا تقع إلا على رأس من لا يريدها زاد في رواية عن علي كرم الله وجهه أنه صلى الله عليه وسلم دعا له بقوله اللهم اكفه الحر والبرد قال علي كرم الله وجهه فما وجدت بعد ذلك اليوم لا حرا ولا بردا أي فكان يلبس في الحر الشديد القباء المحشو الثخين ويلبس في البرد الشديد الثوبين الخفيفين وفي لفظ الثوب الخفيف فلا يبالي بالبرد
وقد يخالف ذلك ما حكاه بعضهم قال دخل رجل على علي كرم الله وجهه وهو يرعد تحت سمل قطيفة أي قطيفة خلقة فقال يا أمير المؤمنين إن الله جعل لك في هذا المال نصيبا وانت تصنع بنفسك هكذا فقال والله لا أرزؤكم من مالكم وإنها لقطيفتي التي خرجت بها من المدينة
وقد يقال لا مخالفة لأنه يجوز أن تكون رعدته رضي الله عنه ليست من البرد خلاف ما ظنه السائل لجواز أن تكون لحمى اصابته في ذلك الوقت وقد أشار إلى التفل صاحب الهمزية رضي الله تعالى عنه بقوله ** وعلي لما تفلت بعيني ** هـوكلتاهما معا رمداءا ** ** فغدا ناظرا بعيني عقاب ** في غزاة لها العقاب لواء **


وفي قوله صلى الله عليه وسلم لأدفعن الراية إطلاق الراية على اللواء ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه خذ هذه الراية وتقدم أن الراية قد يطلق عليها لواء
هذا وفي كلام بعضهم أن أبا سفيان رضي الله عنه كانت إليه الراية المعروفة بالعقاب التي كانت لا يحبسها إلا رئيس إذا حميت الحرب هذا كلامه فلعل تسمية رايته صلى الله عليه وسلم بالعقاب لكونها كذلك فقال علي كرم الله وجهه علام أقاتلهم يا رسول الله قال أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد حقنوا دماءهم وأموالهم
وفي رواية لما اعطاه صلى الله عليه وسلم الراية قال له امش ولا تلتفت فسار شيئا ثم وقف ولم يلتفت فصرخ يا رسول الله علام أقاتل الناس قال قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى أي حساب بواطنهم وسرائرهم على الله لأنه المطلع وحده على ما فيها من إيمان خالص أو نفاق وكفر زاد في رواية وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أين يكون لك حمر النعم أي تتصدق بها في سبيل الله فقد جعل صلى الله عليه وسلم عصمة الدم بالنطق بالشهادتين لكنه لا يقر من نطق بهما على ترك الصلاة ولا على ترك الزكاة ومن ثم قال له صلى الله عليه وسلم وأخبرهم بما يجب عليهم وفي لفظ قال له امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك
أي وعن حذيفة رضي الله عنه لما تهيأ علي كرم الله وجهه يوم خيبر للحملة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا علي والذي نفسي بيده إن معك من لا يخذلك هذا جبرسل عليه السلام عن يمينك بيده سيف لو ضرب به الجبال لقطعها فاستبشر بالرضوان والجنة يا علي إنك سيد العرب وأنا سيد ولد آدم
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم كان يعطي الراية كل يوم واحدا من اصحابه ويبعثه فبعث أبا بكر رضي الله عنه فقاتل ورجع ولم يكن فتح وقد جهد ثم بعث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه من الغد أي برايته فقاتل ورجع ولم يكن فتح وقد جهد ثم بعث رجلا من الانصار فقاتل ورجع ولم يكن فتح فقال عليه الصلاة والسلام لاعطين الراية

أى اللواء غدا رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفار وفي لفظ كرار غير فرار فدعا عليا كرم الله وجهه وهو أرمد فتفل في عينيه ثم قال خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك أى ودعا له ولمن معه بالنصر
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم ألبسه درعه الحديد وشد ذا الفقار أى الذى هو سيفه فى وسطه وأعطاه الراية ووجهه إلى الحصن فخرج على كرم الله وجهه بها يهرول حتى ركزها تحت الحصن فاطلع عليه يهودى من رأس الحصن فقال من أنت قال على بن أبى طالب فقال اليهودى علوتم وحق ما أنزل على موسى ثم خرج إليه أهل الحصن وكان أول من خرج منهم إليه الحارث أخو مرحب وكان معروفا بالشجاعة فانكشف المسلمون وثبت على كرم الله وجهه فتضاربا فقتله على وانهزم اليهود إلى الحصن ثم خرج إليه مرحب فحمل مرحب عليه وضربه فطرح ترسه من يده فتناول على كرم اله وجهه بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل فى يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه الحصن ثم ألقاه من يده أى وراء ظهره ثمانين شبرا قال الراوى فجهدت أنا وسبعة نفر على أن نقلب ذلك الباب فلم نقدر قال بعضهم فى هذا الخبر جهالة وانقطاع ظاهر قال وقيل ولم يقدر على حمله أربعون رجلا وقيل سبعون
وفى رواية أن عليا كرم الله وجهه لما انتهى إلى باب الحصن اجتذب أحد أبوابه فألقاه بالأرض فاجتمع عليه بعده سبعون رجلا فكان جهدا أن أعادوه مكانه وقيل حمل الباب على ظهره حتى صعد المسلمون عليه ودخلوا الحصن
قال بعضهم وطرق حديث الباب كلها واهية وفى بعضها قال الذهبي إنه منكر وفى الإمتاع وزعم بعضهم أن حمل على كرم الله وجهه الباب لا أصل له وإنما يروى عن رعاع الناس وليس كذلك ثم ذكر جملة ممن خرجه من الحفاظ
وجاء أن مرحبا لما رأى أن أخاه قد قتل خرج سريعا من الحصن فى سلاحه أى وقد كان لبس درعين وتقلد بسيفين واعتم بعمامتين ولبس فوقهما مغفرا وحجرا قد ثقبه قدر البيضة ومعه رمح لسانه ثلاثة أسنان وهو يرتجز ويقول من أبيات ** قد علمت خيبر أنى مرحب ** شاكي السلاح بطل مجرب **
ومعنى شاكى السلاح تام السلاح ومعنى مجرب أى معروف بالشجاعة وقهر

الفرسان ثم صار يقول هل من مبارز فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لهذا قال محمد بن مسلمة رضى الله عنه أنا له يارسول الله أنا الموتور أى الذى قتل له قتيل فلم يؤخذ بثأره الثائر قتل أخى بالأمس قال صلى الله عليه وسلم فقم إليه اللهم أعنه عليه فقتله محمد بن مسلمة رضى الله عنه أى فإن مرحبا حمل على محمد بن مسلمة فاتقاه بدرقته فوقع سيف مرحب فيها فعضت به وأمسكته فضربه محمد رضى الله عنه فقتله ويدل لذلك قول الإمام المزنى رحمه الله فى المختصر إن النبى صلى الله عليه وسلم يوم خيبر نفل محمد بن مسلمة سلب مرحب سيفه ورمحه ومغفره وبيضته ووجد على سيفه مكتوب هذا سيف مرحب من يصبه يعطب
وقيل القاتل له على كرم الله وجهه وبه جزم مسلم رحمه الله فى صحيحه قال بعضهم والأخبار متواترة به وقال ابن الأثير الصحيح الذى عليه أهل السير والحديث أن عليا كرم الله وجهه قاتله وفى الاستيعاب والصحيح الذى عليه أكثر أهل السير والحديث أن عليا قاتله ويروى أن عليا كرم الله وجهه ورضى الله عنه لما خرج إليه ارتجز بقوله ** أنا الذى سمتنى أمى حيدره ** ضرغام آجام وليث قسورة **
وقيل بدله كليث غابات كريه المنظره
أى فإن أم على كرم الله وجهه سمته أسدا باسم أبيها وكان أبوه أبو طالب غائبا فلما قدم كره ذلك وسماه عليا أى ومن أسماء الأسد حيدرة والحيدرة الغليظ القوى وقيل لقب بذلك فى صغره لأنه كان عظيم البطن ممتلئا لحما ومن كان كذلك يقال له حيدره
ويقال إن ذلك كان كشفا من على كرم اله وجهه فإن مرحبا كان رأى فى تلك الليلة فى المنام أن أسدا افترسه فذكره على كرم الله وجهه بذلك ليخيفه ويضعف نفسه
ويروى أن عليا كرم الله وجهه ضرب مرحبا فتترس فوقع السيف على الترس فقدة وشق المغفر والحجر الذى تحته والعمامتين وفلق هامته حتى أخذ السيف فى الأضراس وإلى ذلك يشير بعضهم وقد أجاد بقوله

** وسادن أبصرته مقبلا ** فقلت من وجدى به مرحبا ** ** قد فؤادي فى الهوى قدة ** قد على فى الوغى مرحبا **
أى وقد يجمع بين كون القاتل لمرحب عليا كرم الله وجهه وكون القاتل له محمد ابن مسلمة بأن محمد بن مسلمة أثبته أى بعد أن شق على كرم الله وجهه هامته لجواز أن يكون شق هامته ولم يثبته فاثبته محمد بن مسلمة ثم أن عليا كرم الله وجهه وقف عليه
أى ويدل لذلك مافى بعض السير عن الواقدى رحمه الله لما قطع محمد بن مسلمة ساقى مرحب قال له مرحب أجهز على فقال لا ذق الموت كما ذاقه أخى ومر به على كرم الله وجهه فضرب عنقه وأخذ سلبه فاختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سلبه فقال محمد يا رسول الله ما قطعت رجليه وتركته إلا ليذوق الموت وكنت قادرا أن أجهز عليه فقال على كرم اله وجهه صدق فأعطى سلبه لمحمد بن مسلمة رضى الله عنه ولعل هذا كان بعد مبارزة عامر بن الأكوع لمرحب فلا ينافى مامر عن فتح البارى ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر أى وهو يرتجز بقوله ** قد علمت خيبر أنى ياسر ** شاكى السلاح بطل مغادر **
وكان أيضا من مشاهير فرسان يهود وشجعانهم وهو يقول من يبارز فخرج له الزبير رضى الله عنه فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إنه يقتل ابنى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل ابنك يقتله إن شاء الله فقتله الزبير رضى الله عنه أى وعند ذلك قال له صلى الله عليه وسلم فداك عم وخال لكل نبى حوارى وحوارى الزبير
وذكر الزمخشرى أن هذه الواقعة للزبير كانت فى بنى قريضة حيث قال إنه يعنى الزبير رضى الله عنه أول من استحق السلب وكان ذلك فى بنى قريظة برز رجل من العدو فقال رجل ورجل فقال النبى صلى الله عليه وسلم قم يا زبير فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب واحدى يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما علا صاحبه فقتله فعلاه الزبير رضى الله عنه فقتله فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبه وقال السلب للقاتل هذا كلامه فليتأمل فإنى لم أقف فى كلام أحد على أن بنى قريظة وقعت منهم مقاتلة بالمبارزة

وفى رواية أن القاتل لياسر على بن أبى طالب كرم الله وجهه أى ويمكن الجمع بمثل ما تقدم وكان شعار المسلمين أمت أمت وفى رواية يا منصور أمت أمت
ومن جملة من قتل من المسلمين الأسود الراعي كان أجيرا لرجل من اليهود يرعى غنمه وكان عبدا حبشيا يسمى أسلم أى وفى الإمتاع اسمه يسار فجاء إليه صلى الله عليه وسلم وهو محاصر خيبر وقال يا رسول الله اعرض على الإسلام فعرضه عليه فأسلم
وفى رواية أنه قال إن أسلمت فماذا لى قال الجنة فأسلم فلما أسلم قال يا رسول الله إنى كنت أجيرا لصاحب هذه الغنم فكيف أصنع بها وفى لفظ إنها أمانة وهى للناس الشاة والشاتان وأكثر من ذلك فقال صلى الله عليه وسلم له اضرب فى وجهها فإنها سترجع إلى ربها فقام الأسود فأخذ حفنة من حصباء فرمى بها فى وجههاا وقال ارجعى إلى صاحبك فوالله لا أصحبك فخرجت مجتمعة كأن سائقا يسوقها حتى دخلت الحصن ثم تقدم رضى الله عنه إلى ذلك الحصن فقاتل مع المسلمين فأصابه حجر وفى رواية سهم غرب بفتح الراء والإضافة وبتسكين الراء بلا إضافة وهو ما لايعرف رامية فقتله ولم يسجد لله سجدة فأتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من أصحابه ثم أعرض عنه فقالوا يا رسول الله لم أعرضت عنه فقال إن معه الآن زوجتيه من الحور العين تنفضان التراب عن وجهه وتقولان له ترب الله وجه من ترب وجهك وقتل من قتلك زاد فى لفظ لقد أكرم الله هذا العبد وساقه إلى خير قد كان الإسلام من نفسه حقا
وفتح الله ذلك الحصن الذى هو حصن ناعم وهو أول حصن فتح من حصون النطاة على يد على كرم الله وجهه
أى وعن عائشة رضى الله عنها ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير والتمر حتى فتحت دار بنى قمة أى وهى أول دار فتحت بخيبر وهى بالنطاة وهى منزل ياسر أخى مرحب وظاهر السياق أنها حصن ناعم
ويروى أن عليا كرم الله وجهه لما فتح الحصن أخذ الرجل الذى قتل أخا محمد بن مسلمة وسلمه إليه فقتله وتقدم أن محمد بن مسلمة رضى الله عنه قتل مرحبا لكونه قاتل أخيه على ماتقدم وسيأتى أنه صلى الله عليه وسلم دفع كنانة لمحمد بن مسلمة ليقتله بأخيه

وهذا يؤيد ماتقدم من أن الثلاثة أى مرحب وكنانة وذلك الرجل الذى سلمه على له اشتركوا فى قتل أخى محمد بن مسلمة
قال وأصاب المسلمين رضى الله عنهم مجاعة وأرسلت أسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بن حارثة وأمرته أن يقول له صلى الله عليه وسلم إن أسلم يقرئونك السلام ويقولون أجهدنا الجوع فلامهم رجل وقال من بين العرب تصنعون هذا فقال زيد بن حارثة أخو أسماء والله إنى لأرجو أن يكون البعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مفتاح الخير فجاءه صلى الله عليه وسلم أسماء وبلغه ماقالت أسلم فدعا لهم فقال اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن ليس بهم قوة وأن ليس بيدى شىء أعطيهم إياه وقال اللهم افتح أكثر الحصون طعاما وودكا ودفع اللواء للحباب بن المنذر رضى الله تعالى عنه وندب الناس وكان من سلم من يهود حصن ناعم انتقل إلى حصن الصعب من حصون النطاة ففتح الله حصن الصعب قبل ماغابت الشمس من ذلك اليوم بعد أن أقاموا على محاصرته يومين وما بخيبر حصن أكثر طعاما منه أى من شعير وتمر وودك أى من سمن وزيت وشحم وماشية ومتاعا منه ولا يخالف هذا ماتقدم عن عائشة فى وصف حصن ناعم من قولها ماشبع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخره ولا ما تقدم من أنهم أدخلوا أموالهم حصون الكثيبة لأنه يجوز أن يكون المراد بأموالهم النقود ونحوها دون ماذكر هنا وكان فى هذا الحصن الذى هو حصن الصعب خمسمائة مقاتل وقبل فتحه خرج منه رجل يقال له يوشع مبارزا فخرج له الحباب بن المنذر رضى الله تعالى عنه فقتله وخرج آخر مبارزا يقال له الديال فبرز له عمارة بن عقبة الغفاري رضي الله تعالى عنه فضربه على هامته فقتله وقال له خذها وأنا الغلام الغفارى فقال الناس حبط جهاده فقال صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك يؤجر ويحمد أي وحملت يهود حملة منكرة فانكشف المسلمون حتى انتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف قد نزل عن فرسه فثبت الحباب بن المنذر رضى الله تعالى عنه فحرض صلى الله عليه وسلم المسلمين على الجهاد فاقبلوا وزحف بهم الحباب رضى الله تعالى عنه فانهزمت يهود واغلقت الحصون عليهم
ثم إن المسلمين اقتحموا الحصن يقتلون ويأسرون فوجدوا فى ذلك الحصن من

الشعير والتمر والسمن والعسل والسكر والزيت والودك شيئا كثيرا ونادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلوا واعلفوا ولا تحملوا أى لا تخرجوا به إلى بلادكم
وهذا دليل لما ذهب إليه إمامنا رضى الله تعالى عنه من أن للغانمين اخذ ماتعم الحاجة إليه من الطعام ومايؤكل غالبا من الفواكه وعلف الدواب من الغنيمة بدار الحرب إذا كان الجهاد بدار الحرب إلى أن يصلوا إلى غير دار الحرب مما يباع ذلك فيه وليس لهم أخذ ماتندر الحاجة إليه كالفانيد والسكر ولا ينافى ذلك ماذكر هنا لأنه يجوز أن يكون الإذن فى اكل مجموع ماذكر
وفى السيرة الهشامية عن عبد الله بن مغفل رضى الله تعالى عنه قال أصبت من فيء خيبر أى من غنيمتها جراب شحم فاحتملته على عنقى أريد رحلى فلقينى صاحب المغانم الذى جعل عليها أى وهو أبو اليسر كعب بن عمرو بن زيد الأنصارى رضى الله تعالى عنه فأخذ بناصيته وقال هلم بهذا حتى نقسمه بين المسلمين فقلت والله لا أعطيكه فجعل يجاذبنى الجراب فرآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصنع ذلك فتبسم ضاحكا ثم قال لصاحب المغانم لا أبا لك خل بينه وبينه فأرسله فانطلقت به إلى رحلى وأصحابى فأكلناه
وفى الإمتاع أنهم وجدوا فى هذا الحصن الذى هوحصن الصعب آلة حرب دبابات ومنجنيقا أى وذلك موافق لما تقدم عن ذلك المخبر له صلى الله عليه وسلم بأن فى حصن فى بيت منه تحت الأرض منجنيق ودبابات ودروع وسيوف ولعل وجود ذلك كان بدلالة ذلك الرجل عليه
ولما فتح ذلك الحصن تحول من سلم من أهله إلى حصن قلة وهو حصن بقلة جبل أى ويعبر عن هذا بقلة الزبير رضى الله تعالى عنه أى الذى صار فى سهم الزبير بعد ذلك وهو آخر حصون النطاة أى فحصون النطاة ثلاثة حصن ناعم وحصن الصعب وحصن قلة
فأقام المسلمون على حصار هذا الحصن الذى هو حصن قلة ثلاثة أيام فجاء رجل من اليهود وقال له صلى الله عليه وسلم يا أبا القاسم تؤمنى على أن أدلك على ماتستريح به فإنك لو مكثت شهرا لا تقدر على فتح هذا الحصن فإن به دبولا وهى الأنهر الصغيرة تحت الأرض يخرجون ليلا فيشربون منها فإن قطعت عنهم شربهم أهلكتهم فأمنه

صلى الله عليه وسلم وسار إلى دبولهم فقطعها فعند ذلك خرجوا وقاتلوا أشد القتال وفتح ذلك الحصن ثم سار المسلمون إلى حصار حصون الشق بفتح الشين المعجمة وكسرها والفتح أعرف عند أهل اللغة فكان أول حصن بدأ به من حصنى الشق حصن أبى فقاتل أهله قتالا شديدا خرج رجل منهم يقال له غزوال يدعوا إلى البراز فبرز له الحباب رضى الله تعالى عنه وحمل عليه فقطع يده اليمنى ونصف الذراع فبادر راجعا منهزما إلى الحصن فتبعه الحباب فقطع عرقوبه فوقع فذفف عليه فخرج آخر مبارزا فخرج له رجل من المسلمين فقتل ذلك الرجل وقام مكانه يدعو للبراز فخرج له أبو دجانة رضى الله تعالى عنه فضربه أبو دجانة رضى الله تعالى عنه فقطع رجله ثم ذفف عليه
وعند ذلك أحجمت يهود عن البراز فكبر المسلمون وتحاملوا على الحصن ودخلوه يقدمهم أبو دجانة رضى الله تعالى عنه فوجدوا فيه أثاثا ومتاعا وغنما وطعاما وهرب من كان فيه ولحق بحصن يقال حصن البرىء وهو الحصن الثانى من حصنى الشق فتمنعوا به أشد التمنع وكان أهله رميا للمسلمين بالنبل والحجارة حتى أصاب النبل ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلقت به فأخذ لهم صلى الله عليه وسلم كفا من حصباء فحصب به ذلك الحصن فرجف بهم ثم ساخ فى الأرض وأخذ المسلمون من فيه أخذا ذريعا أى فحصون الشق اثنان حصن أبى وحصن البرىء
وحينئذ يتأمل فى قول الحافظ الدمياطى فى سيرته والشق وبه حصون منها حصن أبى وحصن البرىء
أقول وفى الإمتاع أنهم وجدوا فى حصن الصعب الذى هو أحد حصون النطاة منجنيقا أى كما أخبر بذلك اليهودى الذى جاء به عمر رضى الله تعالى عنه وأدخله عليه صلى الله عليه وسلم وأمنه كما تقدم وأنهم نصبوا المنجنيق الذى وجدوه فى حصن الصعب على هذا الحصن الذى هو حصن البرىء من حصون الشق أى وهو يخالف قول بعضهم لم ينصب المنجنيق إلا فى غزوة الطائف إلا أن يقال يجوز أن يكون المراد بعدم نصبه أنه لم يرم به إلا فى غزوة الطائف وأما هنا فنصب ولم يرم به فلا مخالفة
ووجدوا في هذا الحصن آنية من نحاس وفخار كانت اليهود تأكل فيها وتشرب فقال صلى الله عليه وسلم اغسلوا واطبخوا وكلوا فيها واشربوا وفى رواية سخنوا

فيها الماء ثم اطبخوا بعد وكلوا واشربوا وحكمة تسخين الماء فيها لا تخفى وهى أن الماء الحار أقوى فى النظافة وإخراج الدسومة والله أعلم
ثم إن المسلمين لما أخذوا حصون النطاة وحصون الشق انهزم من سلم من يهود تلك الحصون إلى حصون الكثيبة وهى ثلاثة حصون القموص كصبور والوطيح وسلالم بضم السين المهملة وكان أعظم حصون خيبر القموص وكان منيعا حاصره المسلمون عشرين ليلة ثم فتحه الله على يد على كرم الله وجهه ومنه سبيت صفية رضى الله تعالى عنها كما قاله الحافظ ابن حجر
قال وقيل كان اسمها قبل أن تسبي زينب فلما صارت من الصفى سميت صفية والصفى ما كان يصطفيه صلى الله عليه وسلم لنفسه من الغنيمة قبل أن تقسم على ما تقدم وكان فى الجاهلية لأمير الجيش ربع الغنيمة ومن ثم قيل له المرباع قال السهيلى رحمه الله كانت أموال النبى صلى الله عليه وسلم من ثلاثة أوجه من الصفى والهدية وخمس الخمس هذا كلامه ولا يخفى أنه يزاد على ذلك الفىء
وانتهى المسلمون إلى حصار الوطيح بالحاء المهملة مأخوذ من الوطح وهو فى الأصل ماتعلق بمخالب الطير من الطين سمى الوطيح باسم الوطيح بن مازن رجل من ثمود وحصن سلالم ويقال له السلاليم وهو حصن بنى الحقيق آخر حصون خيبر
ومكثوا على حصارهما أربعة عشر يوما فلم يخرج أحد منهما فهم صلى الله عليه وسلم أن يجعل عليهم أى على من فيهما المنجنيق أى ينصبه عليهم ولم يرم به فلما أيقنوا بالهلكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح على حقن دماء المقاتلة وترك الذرية لهم ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم وأن لا يصحب واحدا منهم إلا ثوب واحد على ظهره وفى لفظ وتركوا مالهم من مال وأرض من الصفراء والبيضاء والكراع والحلقة والبز إلا ثوبا واحدا فصالحهم على ذلك وعلى أن ذمة الله ورسوله بريئة منهم أن يكتموه شيئا من متاعهم يسألهم عنه
فعلم أن حصون خيبر فتحت عنوة إلا الحصنين المذكورين وهما الوطيح وسلالم فإنهما لم يفتحا عنوة بل صلحا فكانا فيئا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو دليل على أنهم لم يقاتلوا فى حال حصارهم لأن الفىء ما جلوا عنه من غير مقاتلة كذا قيل

وظاهر إطلاق قول الروضة من الفىء ما صولح عليه أهل بلد من الكفار أنه وإن كان بعد محاصرتهم ومقاتلتهم للمسلمين فى حال حصارهم برمى الحجارة أو النبل
وفى فتح البارى نقلا عن ابن عبد البر أنه جزم بأن حصون خيبر فتحت عنوة وإنما دخلت الشبهة على من قال فتحت صلحا بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما لحقن دمائهم وهو ضرب من الصلح لكن لم يقع ذلك إلا بحصار وقتال هذا كلامه فليتأمل فإن بالقتال يخرج عن كونه فيئا ولعل المراد قتال بالنبل ورمى بالحجارة وإلا فقد تقدم أنه لم يخرج منهما أحد للمقاتلة فليتأمل فإن كلامه يقتضى أن بالحصار وبالقتال بنحو النبل يخرج ذلك عن كونه فيئا له صلى الله عليه وسلم ويكون غنيمة ولعله مذهب المالكية الذى هو مذهب ابن عبد البر رحمه الله تعالى
وفى الاصل عن ابن شهاب رحمه الله أنه قال بلغنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال هذا كلامه فظاهره أن القتال وقع من الذين جلوا فى حال حصارهم وإلا فقد علمت أن الذين جلوا لم يخرج أحد منهم للقتال في حال حصارهم وسيأتى مايصرح بأن ماجلوا عنه فىء لا غنيمة
ووجدوا فى الحصنين المذكورين مائة درع واربعمائة سيف وألف رمح وخمسمائة قوس عربية بجعابها أى ووجدوا فى أثناء الغنيمة صحائف متعددة من التوراة فجاءت يهود تطلبها فأمر صلى الله عليه وسلم بدفعها إليهم
وهو يخالف ما قاله أئمتنا أن كتبهم التى يحرم الانتفاع بها لكونها مبدلة تمحى إن أمكن أو تمزق وتجعل فى الغنيمة فتباع إلا أن يدعى أن تلك الصحف لم تكن مبدلة وغيبوا الجلد الذى كان فيه حلى بنى النضير أى وعقود الدر والجوهر الذى جلوا به لأنهم لما جلوا كان سلام بن أبى الحقيق رافعا له ليراه الناس وهو يقول بأعلى صوته هذا أعددناه لرفع الأرض وخفضها كما تقدم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعيه ابن عمرو أى وهو عم حيى بن أخطب وفى لفظ سعيه بن سلام بن أبى الحقيق وفى الإمتاع وسأل صلى الله عليه وسلم كنانة بن أبى الحقيق أين مسك أى جلد حيى ابن أحطب أى وإنما نسب إليه الجلد المذكور فقيل كنز حيى لأن حييا كان عظيم بنى النضير وإلا فهو لا يكون إلا عند بنى الحقيق فقال أذهبته الحروب والنفقات

فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم سعية بن عمرو للزبير رضى الله تعالى عنه فمسه بعذاب فقال رأيت حييا يطوف فى خربة ههنا فذهبوا إلى الخربة ففتشوها فوجدوا ذلك الجلد
قال وفى رواية أنه صلى الله عليه وسلم أتى بكنانة وهو زوج صفية تزوجها بعد أن طلقها سلام بن مشكم وبالربيع أخوة فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أين آنيتكما التى كنتم تعيرونها أهل مكة أى لأن اعيان مكة إذا كان لأحدهم عرس يرسلون فيستعيرون من ذلك الحلى انتهى أى والآنية والكنز عبارة عن حلى كان أولا فى جلد شاة ثم كان لكثرته فى جلد ثور ثم كان لكثرته فى جلد بعير كما تقدم فقالا أذهبته النفقات والحروب فقال صلى الله عليه وسلم العهد قريب والمال أكثر من ذلك إنكما إن كتمتمانى شيئا فاطلعت عليه استحللت دماءكما وذراريكما فقالا نعم فأخبره الله بموضع ذلك الحلى أى فإنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل من الأنصار اذهب إلى محل كذا وكذا ثم ائت النخل فانظر نخلة عن يمينك أو قال عن يسارك مرفوعة فائتنى بما فيها فانطلق فجاءه بالآنية
ويمكن الجمع بين هذا وما تقدم وما يأتى أنهم فتشوا عليه فى خربة حتى وجدوه بان التفتيش كان فى أول الأمر وإعلام الله تعالى له بذلك كان بعد فجىء به فقوم بعشرة آلاف دينار أى لأنه وجد فيه أساور ودمالج وخلاخيل وأقرطة وخواتيم الذهب وعقود الجوهر والزمرد وعقود أظفار مجزع بالذهب فضرب أعناقهما وسبى أهلهما
أى وفى لفظ آخر لما فتحت خيبر أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنانة بن الربيع وفى لفظ ابن ربيعة بن أبى الحقيق وكان عنده كنز بنى النضير فسأله عنه فجحد أن يكون يعلم مكانه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فقال إنى رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة أى فإن كنانة حين راى النبى صلى الله عليه وسلم فتح حصن النطاة وتيقن ظهوره عليهم دفنه فى خربة
أى وفيه أن هذا لا يناسب ماسبق من أن حييا كان يطيف بتلك الخربة إلا أن يقال جاز أن يكون دفنه فى تلك الخربة فى محل آخر غير الذى دفنه فيه حيى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة أرأيت إن وجدته عندك أقتلك قال نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت فأخرج منها بعض كنزهم ثم سأله ما بقى فأبى أن يؤديه فأمر به الزبير رضى الله تعالى عنه فقال عذبه حتى نستأصل ما عنده فكان

الزبير رضى الله تعالى عنه يقدح بزند أى بالزناد الذى يستحرج به النار على صدره حتى أشرف على نفسه
وأخذ منه جواز العقوبة لمن يتهم ليقر بالحق فهو من السياسة الشرعية ثم دفعه صلى الله عليه وسلم لمحمد بن مسلمة رضى الله تعالى عنه فضرب عنقه باخيه محمود أى ولا مانع أن يكون السؤال وتعذيب الزبير وقع لسعيه وكنانة أيضا
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغنائم أى التى غنمت قبل الصلح فجمعت وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا منها صفية رضى الله تعالى عنها بنت حيى ابن أخطب من سبط هرون بن عمران أخى موسى عليهما الصلاة والسلام فاصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه وجعلها عند أم سليم التى هى أم أنس خادمه صلى الله عليه وسلم حتى اهتدت وأسلمت ثم اعتقها صلى الله عليه وسلم وتزوجها وجعل عتقها صداقها أى أعتقها بلا عوض وتزوجها بلا مهر لا فى الحال ولا فى المآل أى لم يجعل لها شيئا غير العتق
وقد سئل أنس رضى الله تعالى عنه عن صفية فقيل له يا أبا حمزة ما أصدقها قال نفسها أعتقها وتزوجها وهذا يرد ما استدل به بعض فقهائنا على أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز نكاح الأمة الكتابية وجواز وطئها بملك اليمين من أنه صلى الله عليه وسلم كان يطأ صفية قبل إسلامها بملك اليمن
ويرد أيضا على من استدل من فقائنا على استحباب الوليمة للسرية بأنه صلى الله عليه وسلم لما أولم على صفية رضي الله تعالى عنها قالوا إن لم يحجبها فهي أم ولد وإن حجبها فهي امرأته وذلك دليل على على استحباب الوليمة للسرية إذ لو اختصت بالزوجة لم يترددوا في كونها زوجة أو سرية وذلك بعد أن خيرها صلى الله عليه وسلم بين أن يعتقها فارجع إلى من بقى من أهلها أو تسلم فيتخذها لنفسه فقالت أختار الله ورسوله
وذكر فى الأصل أن جعل عتق الأمة صداقها من خصائصه صلى الله عليه وسلم وقد ذكره الجلال السيوطى فى الخصائص الصغرى وذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى عدم

الخصوصية وقال ابن حبان لم ينقل دليل على أنه خاص به صلى الله عليه وسلم دون أمته
وقيل إن دحية الكلى رضى الله تعالى عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية فوهبها له وقيل وقعت فى سهمه رضى الله تعالى عنه ثم ابتاعها صلى الله عليه وسلم منه بتسعة أرؤس أى وإطلاق الشراء فى ذلك على سبيل المجاز على أنه يخالف ما تقدم أنها من صفية صلى الله عليه وسلم قبل القسمة
وفى البخارى فجمع السبى فجاء دحية رضى الله تعالى عنه فقال يا نبى الله أعطنى جارية من السبى فقال اذهب فخذ جارية فاخذ صفية بنت حيى فجاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم عليه وسلم فقال يا رسول الله أعطيت دحية صفية سيدة قريظة والنظير لا تصلح إلا لك فقال ادعوه بها فجاء بها فلما نظر إليها النبى صلى الله عليه وسلم قال خذ جارية من السبى غيرها أى فأخذ غيرها
أى والتى أخذها غيرها هى أخت كنانة بن الربيع بن أبى الحقيق زوج صفية كما فى الأم لإمامنا الشافعى رضى الله عنه عن سيرة الواقدى وقول الرجل للنبى صلى الله عليه وسلم يا نبى الله أعطيت دحية صفية يدل على أنه اسمها وحينئذ يخالف ماقيل إن اسمها زينب فسماها صلى الله عليه وسلم صفية كما تقدم
وفى رواية أن صفية سبيت هى وبنت عم لها وأن بلالا جاء بهما فمر على قتلى يهود فلما رأتهم بنت عم صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فلما رآها صلى الله عليه وسلم قال اعزبوا عنى هذه الشيطانة وقال صلى الله عليه وسلم لبلال أنزعت منك الرحمة يا بلال حتى تمر بامرأتين على قتلى رجالهما ثم دفع صلى الله عليه وسلم بنت عمها لدحية الكلبى رضى الله تعالى عنه وفى رواية وأعطى دحية بنت عمها عوضا عنها
أى وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل بصفية رأى بأعلى عينها خضرة فقال ما هذه الخضرة قالت كان رأسى فى حجر بن أبى الحقيق تعنى زوجها أى وهى عروس وأنا نائمة فرأيت كأن القمر وقع فى حجرى فأخبرته بذلك فلطمنى وقال تتمنى ملك العرب وفى لفظ حين نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وكانت عروسا رأت كأن الشمس نزلت حتى وقعت على صدرها فقصت ذلك على زوجها

قال والله ما تتمنين إلا هذا الملك الذى نزل بنا فلطم وجهها لطمة اخضرت عينها منها ولا مانع من تعدد الرؤية أو أنها رأت الشمس والقمر فى وقت واحد وسيأتى فى الكلام على زوجاته صلى الله عليه وسلم أنها قصت ذلك على أبيها ففعل بها ذلك وسيأتى أنه لا مانع من تعدد الواقعة وأنهما فعلا بها ذلك
وتقدم أن جويرية رضى الله تعالى عنها رأت القمر أيضا وقع فى حجرها وكون صفية رضى الله تعالى عنها كانت عروسا عند مجيئه صلى الله عليه وسلم خيبر ربما يدل على أن سلام ابن مشكم طلقها قبل الدخول بها فقد تقدم أن كنانة تزوج بها بعد أن طلقها سلام ابن مشكم فليتأمل
وعن صفية رضى الله تعالى عنها أنها قال انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما من الناس أحد أكره إلى منه قتل أبى وزوجى وقومى فقال صلى الله عليه وسلم يا صفية أما إنى أعتذر إليك مما صنعت بقومك إنهم قالوا لى كذا وكذا وقالوا فى كذا وكذا وفى رواية إن قومك صنعوا كذا وكذا ومازال صلى الله عليه وسلم يعتذر إلى حتى ذهب ذلك من نفسى فما قمت من مقعدى ومن الناس أحد أحب إلى منه صلى الله عليه وسلم وأعرس بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن طهرت من الحيض فى قبة بعد أن دفعها صلى الله عليه وسلم لأم سليم لتصلح من شأنها وبات تلك الليلة أبو أيوب الأنصارى رضى الله تعالى متوشحا سيفه يحرسه ويطوف بتلك القبة حتى أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى مكان أبى أيوب فقال مالك يا أبا أيوب قال رسول الله خفت عليك من هذه المرأة قتلت أباها وزوجها وقومها وهى حديثة عهد بكفر فبت أحفظك فقال اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظنى قال السهيلى رحمه الله فحرس الله أبا أيوب بهذه الدعوة حتى إن الروم لتحرس قبره ويستشفون به فيستصحون أى ويستسقون به فيسقون
فإنه غزا مع يزيد بن معاوية سنة خمسين فلما بلغوا القسطنطينية مات أبو أيوب رضى الله عنه هنالك فأوصى يزيد أن يدفنه فى أقرب موضع من مدينة الروم فركب المسلمون ومشوا به حتى إذا لم يجدوا مكانا مساغا دفنوه فسألتهم الروم عن شأنهم فأخبروهم أنه كبير من أكابر الصحابة فقالت الروم ليزيد ما أحمقك وأحمق من أرسلك أأمنت أن ننبشه بعدك فنحرق عظامه فحلف لهم يزيد لئن فعلتم ذلك ليهدمن كل

كنيسة بأرض العرب وينبش قبورهم فحينئذ حلفوا له بدينهم ليكرمن قبره وليحرسنه ما استطاعوا
أى وجاء أنه صلى الله عليه وسلم لما قطع ستة أميال من خيبر وأراد أن يعرس بها فأبت فوجد النبى صلى الله عليه وسلم فى نفسه فلما سار ووصل الصهباء مال إلى دومة هناك فطاوعته فقال لها ما حملك على إبائك حين أردت المنزل الأول قالت يا رسول الله خشيت عليك قرب يهود وهذا المحل الذى هو الصهباء هو الذى ردت فيه الشمس لعلى بعد ماغربت كما تقدم
وأقام صلى الله عليه وسلم بذلك المحل ثلاثة أيام وجعل وليمتها حيسا فى نطع صغير والحيس تمر وأقط وسمن أى ففى البخارى فأصبح النبى صلى الله عليه وسلم عروسا فقال من كان عنده شىء فليجىء به وبسط نطعا فجعل الرجل يجىء بالتمر أى وجعل الرجل يجىء بالأقط وذكر أيضا السويق
ولا يخفى أن الحيس خلط السمن والتمر والأقط إلا أنه قد يخلط مع هذه الثلاثة السويق وهذا يدل على أن الوليمة على صفية رضى الله تعالى عنها كانت نهارا
وذهب ابن الصلاح من أئمتنا إلى أن الأفضل فعلها ليلا قال بعضهم وهو متجه إن ثبت أنه صلى الله عليه وسلم فعلها ليلا أى لأحد من نسائه وقد جاء لا بد للعرس من وليمة
وقال لأنس آذن من حولك أى ليأكلوا من ذلك الحيس وكان صلى الله عليه وسلم يضع لها ركبته لتركب فتضع رجلها على ركبته الشريفة حتى تركب وفى لفظ لما وضع صلى الله عليه وسلم ركبته لتركب عليها أبت أن تضع قدمها على ركبته الشريفة ووضعت فخذها على ركبته أى ولعل هذا الثانى منها كان فى أول الأمر فلا مخالفة وعن صفية رضى الله تعالى عنها ما رأيت أحد قط أحسن خلقا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد رأيته ركب بى فى خيبر وأنا على عجز ناقته ليلا فجعلت أنعس فتضرب رأسى مؤخرة الرحل فيمسنى بيده ويقول ياهذه مهلا ونهى صلى الله عليه وسلم عن إتيان الحبالى من النساء اللاتى سبين وأن لا يصيب أحد امرأة من السبى غير حامل حتى يستبرئها أى تحيض
أى وفى لفظ أمر صلى الله عليه وسلم مناديه ينادى أن من آمن بالله واليوم الآخر لا يسق بمائه زرع الغير ولا يطأ امرأة حتى تنقضى عدتها أى حتى تحيض

وبلغه صلى الله عليه وسلم عن شخص أنه ألم بامرأة من السبى حبلى فقال لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه فى القبر ونهى صلى الله عليه وسلم عن أكل الثوم
ورأيت فى كلام بعضهم أن غالب اقتياتهم فى خيبر كان أكل الثوم والكراث حتى تقرحت أشداقهم أى وذلك قبل النهى
ثم رأيت فى الترغيب والترهيب عن أبى ثعلبة أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فوجدوا فى جنانها بصلا وثوما فاكلوا منه وهم جياع فلما راح الناس إلى المسجد إذا ريح بصل وثوم فقال النبى صلى الله عليه وسلم من أكل هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربنا وليس فى ذلك نهى عن أكل الثوم والبصل أى مطلقا إنما النهى عن إتيان المسجد لمن أكلهما تأمل
ومن ثم جاء أنه لما قال ذلك صلى الله عليه وسلم قال الناس حرم ذلك فلما بلغه صلى الله عليه وسلم ماقالوا قال أيها الناس إنه ليس لنا تحريم ما أحل الله ولكنها شجرة أكره ريحها
وعن فرقد السنجى ماأكل نبى قط ثوما ولا بصلا
ونهى صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء ففى مسلم عن على رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر
قال بعضهم والراجح أن النهى عن متعة النساء لم يكن فى خيبر فإنه شىء لم يعرفه أهل السير ولا رواة أهل الأثر ويدل لذلك ماقيل إن ثنية الوداع إنما سميت بذلك لأنهم فيها ودعوا النساء اللاتى تمتعوا بهن فى خيبر أي وإنما كان تحريمها عام الفتح أي ولا معارضة لأنه أحل بعد ذلك أي بعد خيبر فى عام الفتح ثم حرم فيه بعد ثلاثة أيام كما سيأتى
وقيل حرمت فى حجة الوداع وقيل فى غزوة أوطاس وهذا هو الصحيح وسيأتى فى غزوة الفتح الجمع بين هذه الأقوال
قال السهيلى رحمه الله وأغرب ماروى فى ذلك رواية من قال إن ذلك كان فى غزوة تبوك وفى حديث خرجه أبو داود أن تحريم نكاح المتعة كان فى حجة الوداع ومن قال من الرواة إنه كان فى غزوة أوطاس فهو موافق لمن يقول إنه كان عام الفتح هذا كلامه

وعن إمامنا الشافعى رضى الله عنه لا أعلم شيئا حرم ثم أبيح ثم حرم إلا المتعة أى فقد حرمت مرتين
ونقل السهيلى رحمه الله وغيره عن بعضهم أنها أبيحت وحرمت ثلاث مرات وعن بعضهم أنها أبيحت وحرمت أربع مرات ولينظر هذا مع قول بعضهم إن أول من حرم المتعة سيدنا عمر رضى الله عنه
وقيل لم يحرمها صلى الله عليه وسلم مطلقا بل عند الاستغناء عنها وأباحها عند الحاجة إليها أى عند خوف الزنا وبذلك كان يفتى ابن عباس رضى الله عنهما
وفى كلام فقهائنا والنهى عن نكاح المتعة فى خبر الصحيحين الذى لو بلغ ابن عباس رضى الله عنهما لم يستمر على القول بإباحتها لمن خاف الزنا مخالفا فى ذلك لكافة العلماء وقد وقعت مناظرة فى المتعة بين القاضى يحيى بن أكثم وأمير المؤمنين المأمون فإن المأمون نادى بإباحة المتعة فدخل عليه يحيى بن أكثم وهو متغير اللون بسبب ذلك وجلس عنده فقال له المأمون مالى أراك متغيرا قال لما حدث فى الإسلام قال وماحدث قال النداء بتحليل الزنا قال المتعة زنا قال نعم المتعة زنا قال ومن أين لك هذا قال من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أما الكتاب فقد قال الله تعالى قد أفلح المؤمنون إلى قوله والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ماملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون يا أمير المؤمنن زوجة المتعة ملك يمين قال لا قال أفهى الزوجة التى عند الله ترث وتورث ويلحق بها الولد قال لا قال فقد صار متجاوز هذين من العادين وأما السنة فقد روى الزهرى بسنده إلى على بن أبى طالب كرم الله وجهه أنه قال أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادى بالنهى عن المتعة وتحريمها بعد أم كان أمر بها فالتفت المأمون للحاضرين وقال أتحفظون هذا من حديث الزهرى الوا نعم يا أمير المؤمنين فقال المأمون أستغفر الله نادوا بتحريم المتعة
ونهى صلى الله عليه وسلم فى خيبر عن لحوم الحمر الأهلية أى فإنهم أصابهم جوع فوجدوا الحمر الأهلية أى ثلاثين حمارا خرجت من بعض الحصون وقيل لم يدخلوها الحصون فأخذها رهط من المسلمين وذبحوها وجعلوا لحومها فى القدور والبرام وجعلوا بطبخونها للأكل فمر بهم النبى صلى الله عليه وسلم فسألهم عما فى القدور والبرام

قالوا لحوم الحمر الإنسية أى المخالطة للإنس فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن أكلها حتى إن القدور أكفئت وإنها لتفور
أى وفى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى نيرانا توقد يوم خيبر قال علام توقد هذه النيران قالوا على الحمر الإنسية قال اكسروها وأهريقوها قالوا ألا نهريقها ونغسلها قال اغسلوها
وفى رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال ماهذه النيران على أى شىء توقد قالوا على لحم قال على أى لحم قالوا على لحم حمر إنسية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أهريقوها واكسروها فقال رجل يارسول الله أو نهريقها ونغسلها فقال أو ذاك وعدوله صلى الله عليه وسلم إلى هذا الثانى إما باجتهاد أو وحى
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم عند ذلك أمر عبد الله بن عوف أن ينادى فى الناس أن لحوم الحمر الأهلية لا تحل لمن يشهد أن محمدا رسول الله وأمر أن تكفأ القدور ولا يأكلوا من لحوم القدور شيئا
وفى مسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا طلحة فنادى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاكم عن لحوم الحمر الحمر الأهلية فإنها رجس أو نجس وهذا السياق كله يدل على أنهم لم يأكلوا منها شيئا
وفي السيرة الهشامية وأكل المسلمون من لحوم الحمر فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى الناس عن أمور سماها لهم وهذا يرد القول بأنه إنما نهى عن أكلها للحاجة إليها أو لأنها أخذت قبل القسمة
وروى أبو داود بإسناد على شرط مسلم عن جابر رضى الله تعالى عنه ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال ولم ينهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخيل وفى رواية ورخص فى أكل الخيل أى أباح أكلها
وفى مسلم عن أسماء رضى الله عنها قالت نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه أى وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ولم ينكره
وعن خالد بن الوليد رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية والبغال والخيل
قال السهيلى رحمه الله وحديث الإباحة أصح وجاء أنه صلى الله عليه وسلم نهى

يوم خيبر عن اكل لحم الجلالة وعن ركوبها حتى تعلف أربعين يوما والجلالة التى تأكل الجلة وهى الروث والعذرة وذكر الهروى أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل الدجاج الجلالة حتى تقصر أى تحبس ثلاثة أيام وذكر فقهاؤنا أن الحمر الأهلية حللت بعد تحريمها ثم حرمت فليتأمل
ونهى صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذى ناب من السباع أى وذى مخلب من الطير وعن بيع المغانم حتى تقسم وجعلت له صلى الله عليه وسلم مائدة فأكل متكئا واطلى بالنورة وكان ينوره الرجل فإذا بلغ عانته تولى ذلك صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة
وروى ابن ماجه بسند جيد كما قاله الحافظ ابن كثير أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا طلى بدأ بعورته فطلاها وطلى سائر جسده أهله وحينئذ يكون المراد بعانته فى الرواية السابقة العورة على أن تلك الرواية مرسلة فلا يحتج بذلك لمن يقول إن العورة ماعدا السوءتين
وأخرج الإمام أحمد عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت أطلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنورة فلما فرغ منها قال يا معشر المسلمين عليكم بالنورة فإنها طيبة وطهوره وإن الله تعالى يذهب بها عنكم أوساخكم وأشعاركم أى فهو من نعيم الدنيا ومن ثم كرهه عمر رضى الله عنه
وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قيل له وقد دخل الحمام أتدخل الحمام وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الحمام
وعن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبى بكر وعمر رضى الله عنهما طاب حمامكما وجاء أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يتنور كل شهر ويقلم أظفاره كل خمسة عشر يوما وماورد انه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يتنور فهو ضعيف معارض بما هو أقوى منه وأكثر عددا على أن المثبت مقدم على النافى أى وفى الينبوع وقول أنس رضى الله عنه إن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان لا يتنور وكان يحلق محمول على الغالب من أمره صلى الله تعالى عليه وسلم

وفى الخصائص الصغرى وقال ابن عباس رضى الله عنهما ماتنور نبى قط وفى صحيح مسلم عن أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم وقت لقص الشارب وتقليم الأظفار أن لا يدع ذلك أربعين يوما أى وكان صلى الله عليه وسلم يقص أظفاره كل خمسة عشر يوما كما تقدم
وقد استفيد من هذا كما قال بعضهم فائدة نفيسة وهى ذكر التوقيت للتنور وقص الأظفار قال بعضهم وفيه نظر فإن بدنه صلى الله عليه وسلم كان فى غاية الاعتدال فلا يقاس به صلى الله عليه وسلم غيره فى ذلك نظير ماقالوه فيما صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يوضئه المد ويغسله الصاع إن ذلك خاص ببدن من يكون خاص ببدن من يكون بدنه كبدنه عليه الصلاة والسلام نعومة واعتدالا وإلا زيد ونقص المتفاوت فكذلك هنا ومن ثم قال الأئمة رحمهم الله فى نحو حلق العانة ونتف الإبط والقلم للظفر وقص لاشارب إن ذلك لا يتقيد بمدة بل يختلف باختلاف الأبدان والمحال فيعتبر وقت الحاجة إلى إزالة ذلك
وبهذا يرد على من قال يكره التنور فى أقل من شهر وقدم عليه صلى الله عليه وسلم بخيبر الأشعريون أى ومنهم أبو موسى الأشعرى رضى الله عنه والدوسيون ومنهم أبو هريرة رضى الله تعالى عنه فسال صلى الله عليه وسلم أصحابه رضى الله عنهم أن يشركوهم فى الغنيمة ففعلوا
قال وعن موسى بن عقبة رحمه الله أن أحد الأشعريين ومن ذكر معهم أى وهم الدوسيون من هذين الحصنين اللذين فتحا صلحا وتكون مشاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى إعطائهم ليست استنزالا لهم عن شىء من حقهم وإنما هى المشورة العامة أى المأمور بها فى قوله تعالى وشاورهم فى الأمر انتهى
أقول وهذا صريح فى أن ذلك كان فيئا له صلى الله عليه وسلم فهما ومافيهما مما أفاء الله عليه صلى الله عليه وسلم لأن الفىء ماجلوا عنه من غير قتال أى من غير مصافة للقتال
والحاصل أن أرض خيبر ونخلها غنيمة لأنه صلى الله عليه وسلم غلب على النخل والأرض وألجأهم إلى الحصون وفتح جميع الحصون عنوة إلا الوطيح والسلالم

فإنهما فتحا صلحا على حقن دماء المقاتلة وترك الذرية لهم بشرط أن لا يكتموه شيئا من أموالهم وأن من كتم شيئا انتقض ذلك الصلح له بالنسبة لدمه وذراريه
وهذان الحصنان هما المرادان بالكثيبة فى قول بعضهم كان صلى الله عليه وسلم يطعم من الكثيبة أهله لما علمت أنهما من حصونها وأنهما وما فيهما مما أفاء الله عليه
وكونه صلى الله عليه وسلم كان يطعم أهله مما فيهما واضح وأما إذا كان المراد يطعم من الأرض والنخيل المتعلقتين بالحصنين فقد يتوقف فيه لما تقدم أن أرض خيبر ونخلها غنيمة وذلك شامل للارض والنخيل المتعلقين بالحصنين فليتأمل والله أعلم
وفى لفظ وقدم عليه صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه من أرض الحبشة ومعه الأشعريون أبو موسى الأشعرى وأخوه أبو رهم وأبو بردة رضى الله عنهم وكان أبو موسى أصغرهم وأقواهم وكان قوم جعفر بالحبشة أى لأنهم هاجروا إلى الحبشة من اليمن كما تقدم وقبل قدومهم إليه صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم يقدم عليكم قوم هم أرق منكم قلوبا فقدم الأشعريون وذكر أنهم عند مجيئهم صاروا يقولون ** غدا نلقى الأحبة ** محمد وحزبه **
وفى كلام بعضهم ما يفيد أنه صلى الله عليه وسلم قال فى حقهم أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوبا وأرق أفئدة الفقه يمان والحكمة يمانية
ولما أقبل عليه صلى الله عليه وسلم جعفر رضى الله عنه قام صلى الله عليه وسلم إلى جعفر وقبله بين عينيه وفي رواية قبل جبهته من أرض الحبشة اعتنقه النبى صلى الله عليه وسلم وقبله بين عينيه وجعل ذلك أصلا لاستحباب المعانقة
وقال بعضهم إنها مكروهة وحديث جعفر يحتمل أن يكون قبل النهى عنها فانه نهى عن المعاكمة وهى المعانقة وحمل ذلك بعضهم على ما إذا كانت المعانقة من غير حائل
أقول لم يجب بذلك سيدنا مالك رضى الله عنه فإنه لما قدم عليه سفيان بن عيينة رضى الله عنه صافحه مالك وقال له لولا أنها بدعة لعانقتك فقال له سفيان قد عانق من هو خير منك ومنى النبى صلى الله عليه وسلم قال مالك تعنى جعفر بن أبى طالب

قال نعم قال حبيب خاص ليس بعام أى فذلك من خصوصياته فقال له سفيان ماعم جعفرا يعمنا وما يخصه يخصنا أى فالأصل عدم الخصوصية ثم قال له سفيان أتأذن لى أن أحدثك بحديثك قال نعم فقال حدثنى فلان عن فلان عن ابن عباس رضى الله عنهما وذكر الحديث المتقدم عنه وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم التزم زيد بن حارثة رضى الله عنه حين قدم عليه من مكة
وأما المصافحة فقد جاء أن أهل اليمن لما قدموا المدينة صافحوا الناس بالسلام فقال النبى صلى الله عليه وسلم إن أهل اليمن قد سنوا لكم المصافحة وقال من تمام محبتكم المصافحة وقال صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية لما قدم عليه والى عدى ابن حاتم قال السهيلى وليس هذا معارضا لحديث من سره أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار لأن هذا الوعيد إنما توجه للمتكبرين وإلى من يغضب أن لا يقام له وكان صلى الله عليه وسلم يقوم لفاطمة رضى الله عنها وكانت تقوم له صلى الله عليه وسلم هذا كلامه والله أعلم
ولما رآه صلى الله عليه وسلم جعفر حجل أى مشى على رجل واحدة إعظاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن أهل الحبشة يفعلون ذلك للتعظيم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له أشبهت خلقى وخلقى وفى لفظ جعفر أشبه الناس بى خلقا وخلقا وكان صلى الله عليه وسلم يسميه أبا المساكين لأنه رضي الله عنه كان يجب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه
وذكر بعضهم أنه لما قال له صلى الله عليه وسلم أشبهت خلقى وخلقى رقص من لذة هذا الخطاب ولم ينكر عليه صلى الله عليه وسلم رقصه وجعل ذلك أصلا لجواز رقص الصوفية عند ما يجدونه من لذة المواجيد من مجالس الذكر والسماع ثم قال صلى الله عليه وسلم والله ما أدرى بأيهما أفرح بفتح خيبر أم بقدوم جعفر رضى الله عنه
وقيل قدم مع جعفر رضى الله عنه سبعون رجلا عليهم ثياب الصوف منهم اثنان وستون من الحبشة وثمانية روميون من أهل الشام
وفى لفظ قدم مع جعفر رضى الله عنه سبعون كافرا أصحاب الصوتمع وقيل كانوا أربعين رجلا اثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية روميون من أهل الشام وقيل كانوا ثمانين رجلا

أربعون من أهل نجران واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية روميون من أهل الشام فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة يس إلى آخرها فبكوا وأسلموا وقالوا ما أشبه هذا بما كان ينزل على عيسى عليه الصلاة والسلام
أى ولعل هؤلاء الذين من الحبشة هم المرادون بقول بعضهم ووفد إليه وفد النجاشى فقام صلى الله عليه وسلم يخدمهم بنفسه فقال له أصحابه نحن نكفيك يا رسول الله فقال إنهم كانوا لأصحابنا مكرمين وإنى أحب أن أكافئهم وفى لفظ وقدم عليه أيضا أبو هريرة رضى الله عنه وطائفة من قومه وهم دوس كما تقدم
قال أبو هريرة رضى الله عنه قدمنا المدينة ونحن ثمانون بيتا من دوس فصلينا الصبح خلف سباع بى عرفطة الغفارى فأخبرنا أن النبى صلى الله عليه وسلم بخيبر فزودنا سباع ثم جئنا خيبر وهو محاصر الكثيبة فأقمنا حتى فتح الله أى وكان من جملة من قدم معهم من بلاد الحبشة أم حبيبة بنت أبى سفيان رضى الله عنهما زوج النبى صلى الله عليه وسلم تزوجها أى عقد عليها وهى بالحبشة فإنها كانت ممن هاجر الهجرة الثانية للحبشة مع زوجها عبد الله بن جحش فارتد عن الإسلام هناك وتنصر ومات على ذلك وبقيت هى على إسلامها كما تقدم وقد أرسل صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية ألضمرى رضى الله عنه فى المحرم افتتاح سنة سبع إلى النجاشى ليزوجها منه صلى الله عليه وسلم قالت أم حبيبة رضى الله عنها رأيت فى المنام كأن قائلا يقول لى يا أم المؤمنين ففزعت فأولتها بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجنى قالت فما شعرت إلى وقد دخلت على جارية النجاشى فقالت لى إن الملك يقول لك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يزوجك منه فقلت لها بشره الله بالخير ويقول لك وكلى من يزوجك فأرسلت بالوكالة إلى خالد بن سعيد رضى الله عنه أى وأعطت تلك الجارية سوارين وخدمتين أى خلخالين وخواتيم فضة سرورا بما بشرت به فلما كان العشى أمر النجاشى جعفر بن أبى طالب ومن معه من المسلمين فحضروا وخطب النجاشى رضى الله عنه فقال الحمد لله الملك القدوس أى فى لفظ بدل ذلك المؤمن المهيمن العزيز الجبار أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنه الذى بشر به عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أن أزوجه ام حبيبة بنت أبى سفيان فأجبنا إلى مادعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصدقها

أربعمائة دينار أى وفى لفظ أربعمائة مثقال ذهب ثم سكب الدنانير بن يدى القوم فتكلم خالد بن سعيد بن العاص رضى اللله عنه فقال الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الادين كله ولو كره المشركون أما بعد فقد أجبت إلى مادعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته أم حبيبة بنت أبى سفيان فبارك الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم أى ودفع النجاشى الدنانير لخالد بن سعيد فقبضها منه وقيل إنه أنقدها النجاشى على يد جاريته التى بشرتها فلما جاءتها بتلك الدنانير أعطتها خمسين دينارا وقد يقال يجوز أن يكون النجاشى استردها من خالد ثم دفعها لتلك الجارية أو أمر خالد بن سعيد بدفعها للجارية لتدفعها لأم حبيبة فلا مخالفة وهذا السياق يدل على أن النجاشى كان هو الوكيل عنه صلى الله عليه وسلم وفى كلام بعض فقهائنا أنه صلى الله عليه وسلم وكل عمرو بن أمية فى نكاح أم حبيبة
وقد يقال معنى توكيل عمرو إرساله بالوكالة للنجاشى أى ثم أرادوا أن يقوموا بعد العقد قال لهم النجاشى اجلسوا فإن من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا قالت أم حبيبة رضى الله عنها فلما كان من الغد جاءتنى جارية النجاشى فردت على جميع ما أعطيتها وقالت إن الملك عزم على أن لا أرزأك شيئا وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر فجاءت بورس وعنبر وزباد كثير وقالت حاجتى إليك أن تقرئى رسول الله صلى الله عليه وسلم منى السلام وتعلميه أنى قد اتبعت دينه وكانت كلما دخلت على تقول لا تنسى حاجتى إليك ثم أرسل النجاشى أم حبيبة مع شرحبيل ابن حسنة أى قالت أم حبيبة ولما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته كيف كانت الخطبة ومافعلت معى جارية النجاشى وأقرأته منها السلام فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال وعليها السلام ورحمة الله وبركاته
وجاء أنه لما رجعت إليه صلى الله عليه وسلم مهاجرة الحبشة قال ألا تخبرونى بأعجب شىء رأيتم بأرض الحبشة فقال فتية منهم يا رسول الله بينما نحن جلوس إذ مرت بنا عجوز من عجائزهم وعلى رأسها قلة فيها ماء فمرت بصبى فدفعها فوقعت على ركبتيها فانكسرت قلتها فلما ارتفعت أى قامت التفتت إليه فقالت سوف تعلم

يا غدر إذا وضع الله الكرسى وجمع الأولين والآخرين وتكلمت الأيدى والأرجل بما كانوا يكسبون تعلم أمرى وأمرك عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقت كيف يقدس الله قوما لا يؤخذ لضعيفهم من قويهم
وذكر أنه لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيبر ودنا بعث محيصة ابن مسعود إلى أهل فدك يدعوهم إلى الإسلام ويخوفهم قال محيصة فجئتهم فجعلوا يتربصون ويقولون إن بخيبر عشرة آلاف مقاتل فيهم عامر وياسر والحارث وسيد اليهود مرحب ما نرى أن محمد يقرب إليه فمكثت عندهم يومين ثم أردت الرجوع فقالوا نحن نرسل معك رجالا منا يأخذون لنا الصلح كل ذلك وهم يظنون أنه صلى الله عليه وسلم لا يقدر على فتح خيبر حتى جاءهم أناس من حصن ناعم وأخبروهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحه فأرسلوا رجلا من رؤسائهم يقال له نون بن يوشع فى نفر يصالحون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماءهم ويجليهم ويخلوا بينه وبين الأموال ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقيل تصالحوا معه على أن يكون لهم نصف الأرض ولرسول الله صلى الله عليه وسلم النصف الآخر فكان فدك على الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الثانى كان له نصفها لأنها لم تؤخذ بمقاتلة فكان صلى الله عليه وسلم ينفق منها ويعود منها على صغير بنى هاشم ويزوج منها أيمهم
ولما مات صلى الله عليه وسلم وولى أبو بكر رضى الله عنه الخلافة سألته فاطمة رضى الله عنها أن يجعلها أو نصفها لها فأبى وروى لها أنه صلى الله عليه وسلم قال إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة أى على المسلمين
ومما يؤيد الثانى ماقيل إنه أجلاهم عمر رضى الله عنه مع يهود خيبر كما سيأتى اشترى منهم حصتهم التى هى النصف بمال بيت المال
فلما صارت الخلافة لعمر بن عبد العزيز رضى اله عنه فقيل له إن مروان اقتطعها أى جعلها أقطاعا له فقال أرأيتم أمرا منعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة أى بقوله صلى الله عليه وسلم لا نورث ما تركناه صدقة ليس لى بحق وإنى أشهدكم أنى قد رددتها على ماكانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أى صدقة على المسلمين وطلب الصلح كان بعد أن أرادت غطفان وسيدهم عيينة بن حصن أن يعينوا أهل خيبر

أى وكانوا أربعة آلاف فإن يهود خيبر لما سمعوا بمجيئه صلى الله عليه وسلم إليهم أرسلوا كنانة بن أبى الحقيق وهودة بن قيس فى أربعة عشر رجلا إلى غطفان ليستمدوا بهم وشرطوا لهم نصف ثمار خيبر إن غلبوا على المسلمين فجمعوا ثم خرجوا ليظاهروا يهود خيبر
أى ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم أن لا يعينوهم على أن يعطيهم من خيبر شيئا سماه لهم أى وهو نصف ثمارها فأبوا وقالوا جيراننا وحلفاؤنا فلما ساروا قليلا خلفهم فى أموالهم وأهليهم حسا ظنوه أن المسلمين أغاروا على أهاليهم أى فألقى الله الرعب فى قلوبهم فرجعوا على الصعب والذلول أى مسرعين على أعقابهم فأقاموا فى أهليهم وأموالهم وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل خيبر أى وفى رواية سمعوا صوتا أيها الناس أهليكم خولفتم إليهم فرجعوا فلم يروا لذلك نبأ
ويدل للثانى أن غطفان لما قدموا عليه صلى الله عليه وسلم خيبر قال عيينة بن حصن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وجده صلى الله عليه وسلم فتح حصونها أعطنا الذى وعدتنا
وفى رواية أعطنى مما غنمت من حلفائى فإنى امتنعت عنك وعن قتالك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبت ولكن الصياح الذى سمعت أنفذك إلى أهلك ولكن لك ذو الرقيبة قال عيينة وما ذو الرقيبة قال الجبل الذى رأيت فى منامك أنك أخذته
أى فإن عيينة بن حصن لما سمع الصوت ورجع إلى أهله ولم يجد شيئا رجع بعد ذلك بمن معه إلى خيبر وأنهم بالقرب منها عرسوا من الليل فنام عيينة وانتبه وقال لقومه أبشروا فإنى رأيت الليل فى النوم أنى أعطيت ذا الرقيبة وهو جبل بخيبر لقد والله أخذت برقبة محمد فلما قدم خيبر وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فتح خيبر الحديث وقدم عليه صلى الله عليه وسلم حينئذ أيضا حجاج بن علاط السلمى وأسلم والعلاط وسم فى العنق وهو أبو نصر بن حجاج الذى نفاه عمر رضى الله عنه لما سمع أم الحجاج ابن يوسف الثقفى تهتف به وتقول الأبيات التى منها ** هل من سبيل إلى خمر فأشربها ** أم من سبيل إلى نصر بن حجاج **
ومن

ثم قال عروة بن الزبير يوما للحجاج يا ابن المتمنية يعيره بذلك وكان الحجاج مكثرا من المال فقال يا رسول الله إن مالى عند إمرأتى بمكة ومتفرق فى تجار مكة فأذن لى أن آتى مكة لآخذ مالى قبل أن يعلموا بإسلامى فلا أقدر على أخذ شىء منه فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لا بد لى من أن أقول أى أتقول وأذكر ماهو خلاف الواقع أى ما أحتال به لما يوصل إلى أخذ مالى قال قل قال فخرجت حتى انتهيت إلى الحرم فإذا رجال من قريش يتشممون الأخبار وقد بلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إلى خيبر أى أهل القوة والمنعة بعد ماوقع بينهم من المراهنة على مائة بعير فى أن النبى صلى الله عليه وسلم يغلب أهل خيبر أولا فقال حويطب ابن عبد العزى وجماعة بالأول وقال عباس بن مرداس وجماعة بالثانى فقالوا حجاج عنده والله الخبر ولم يكونوا علموا بإسلامى يا حجاج إنه قد بلغنا أن القاطع يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سار إلى خيبر فقلت عندى من الخبر مايسركم فاجتمعوا على يقولون إيه يا حجاج فقلت لهم لم يلق محمد وأصحابه قوما يحسنون القتل غير أهل خيبر فهزم هزيمة لم يسمع بمثلها قط وأسر محمد وقالوا لا نقتله حتى نبعث به إلى مكة فنقلته بين أظهرهم
وفى لفظ يقتلونه بمن كان أصاب من رجالهم فصاحوا وقالوا لأهل مكة قد جاءكم الخبر هذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم فيقتل بين أظهركم قال حجاج وقلت لهم أعينونى على غرمائى أريد أن اقدم فأصيب من غنائم محمد وأصحابه قبل أن يسبقنى التجار إلى ماهناك فجمعوا لى مالى على أحسن مايكون ففشا ذلك بمكة وأظهر المشركون الفرح والسرور وانكسر من كان بمكة من المسلمين وسمع بذلك العاس بن عبد المطلب رضى الله تعالى عن فجعل لا يستطيع أن يقوم ثم بعث إلى حجاج غلاما وقال قل له يقول لك العباس الله أعلى وأجل من أن يكون الذى جئت به حقا فقال له حجاج أقرىء على أبى الفضل السلام وقل له ليخل لى بعض بيوته لآتيه بالخبر على مايسره واكتم عنى فاقبل الغلام فقال أبشر أبا الفضل فوثب العباس فرحا كأن لم يمسه شىء وأخبره بذلك فاعتقه العباس رضى الله تعالى عنه وقال لله على عتق عشر رقاب
فلما كان ظهرا جاءه حجاج فناشده الله أن يكتم عنه ثلاثة أيام أى وقال إنى أخشى

الطلب فإذا مضت ثلاث فأظهر أمرك فوافقه العباس على ذلك فقال إنى قد أسلمت وإن لى مالا عند امرأتى ودينا على الناس ولو علموا بإسلامى لم يدفعوه إلى إنى تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فتح خيبر وجرت سهام اله وسهام رسوله فيها وتركته عروسا بابنة ملكهم حيى بن أخطب وقتل ابن أبى الحقيق
فلما أمسى حجاج خرج وطالت على العباس تلك الليالى الثلاث فلما مضى حجاج أى ومضت الثلا عمد العباس رضى الله تعالى عنه إلى حلة فلبسها وتحلق بخلوق وأخذ بيده قضيبا ثم اقبل يخطر حتى أتى مجالس قريش وهم يقولون إذا مر بهم لا يصيبك إلا خير يا أبا الفضل هذا والله التجلد بحر المصيبة قال كلا والله الذى حلفتم به لم يصبنى إلا خير بحمد الله أخبرنى حجاج أن خيبر فتحها الله على يد سوله صلى الله عليه وسلم وجرت فيها سهام الله وسهام رسول الله واصطفى رسول الله صفية بنت ملكهم حيى بن أخطب لنفسه وأنه تركه عروسا بها أى وإنما قال ذلك لكم ليخلص ماله وإلا فهو ممن أسلم فرد الله الكآبة التى كانت بالمسلمين على المشركين فقال المشركون ألا يا عباد الله انفلت عدو الله يعنون حجاجا أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن ولم يلبثوا أن جاءهم الخبر بذلك هذا
وفى الدلائل للبيهقى رحمه الله لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قال حجاج ابن علاط يا رسول الله إن لى بمكة مالا وإن لى بها أهلا وأنا أريد أن آتيهم فأنا فى حل إن أنا نلت منك وقلت شيئا فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ماشاء فقال لامرأته حين قدم أخفى على واجمعى ماكان عندك فإنى أريد أن أشترى من غنائم محمد وأصحابه فإنهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم ففشا ذلك بمكة ك فاشتد ذلك على المسلمين وأظهر المشركون فرحا وسرورا وبلغ العباس رضى الله تعالى عنه الخبر فقعد وجعل لا يستطيع أن يقوم فارسل العباس رضى الله تعالى عنه غلاما له إلى الحجاج ويلك ماتقول فالذى وعد الله خير مما جئت به فقال جاج يا غلام أقرىء أبا الفضل السلام وقل له فليخل بى فى بعض بيوته فآته بالخبر على مايسره فلما بلغ العبد باب الدار قال أبشر يا أبا الفضل فوثب العباس فرحا حتى قبل مابين عينيه فاخبره بقول حجاج فاعتقه ثم جاء حجاج فأخبره بافتتاح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وغنم أموالهم وأن سهام الله قد جرت فيها وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطفى صفية

بنت حيى لنفسه وخيرها بين أن يعتقها وتكون له زوجة أو يلحقها بأهلها فاختارت أن يعتقها وتكون له زوجة ولكن جئت لمالى ههنا أن أجمعه وأذهب به وإنى استاذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول فأذن لى أن أقول ما شئت فأخف على يا أبا الفضل ثلاثا ثم اذكر ماشئت قال فجمعت له امرأته متاعه فلما كان بعد ثلاث أتى العباس رضى الله تعالى عنه امرأة حجاج فقال مافعل زوجك قالت ذهب وقالت لا يحزنك الله يا أبا الفضل لقد شق علينا الذي بلغك فقال أجل لا يحزنني الله فلم يكن لمحمد إلا ماأحب فتح الله على يد رسوله خيبر واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه فإن كان لك فى زوجك حاجة فالحقى به قالت أظنك والله صادقا قال فإنى والله صادق والأمر على ما أقول ثم ذهب حتى أتى مجلس قريش الحديث
قال ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر كان التمر أخضر فأكثر الصحابة من أكله فأصابتهم الحمى فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بردوا لها الماء فى الشنان أى القرب ثم صبوا عليكم منه بين أذانى الفجر واذكروا اسم الله عليه ففعلوا فذهبت عنهم
وعن سلمة بن الأكوع رضى الله تعالى عنه أصابتنى ضربة يوم خيبر فقال الناس أصيب سلمة بن الأكواع فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفث فيها ثلاث نفثات فما اشتكيت منها ساعة
وفى هذه الغزوة أراد صلى الله عليه وسلم أن يتبرز فقال لابن مسعود رضى الله تعالى عنه يا عبد الله انظر هل ترى شيئا فنطرت فإذا شجرة واحدة فأخبرته فقال لي انظر هل ترى شيئا فنظرت شجرة أخرى متباعدة من صاحبتها فأخبرته فقال قل لهما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركما أن تجتمعا فقلت لهما ذلك فاجتمعا فاستتر بهما ثم قام فانطلقت كل واحدة إلى مكانها
وفى الإمتاع عن جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنهما سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح فذهب رسول اله صلى الله عليه وسلم يقضى حاجته فاتبعته بإداوة من ماء فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ير شيئا يستتر به فإذا بشجرتين بشاطىء الوادى فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها

فقال انقاذى على باذن اله تعالى فانقادت معه كالبعير المخشوش الذى يصانع قائده حتى أتى الشجرة الأخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال انقاذى على باذن الله تعالى فانقادت معه كذلك حتى كان صلى الله عليه وسلم بالنصف مما بينهما ولأم بينهما وقال التئما على باذن الله تعالى فالتأما قال جابر رضى الله تعالى عنه فخلوت أحدث نفسى فحانت منى التفاتة فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا وإذا الشجرتان قد افترقتا وذهبت كل واحدة إلى محلها الحديث ولا بعد فى تعدد الواقعة
ووقع له صلى الله عليه وسلم مجىء بعض الشجر إليه قبل أن يهاجر صلى الله عليه وسلم فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى بعض شعاب مكة وقد دخله من الغم ماشاء الله من تكذيب قومه وقولهم له تضلل آباءك وأجدادك يا محمد ومن خضبهم له بالدماء فقال يا رب أرنى اليوم آية أطمئن إليها ولا أبالى بمن آذانى بعدها وكان ذلك الوادى به شجر فأمر أن يدعو شجرة من تلك الشجر وفى لفظ غصنا من أغصان شجرة فدعا ذلك فانتزع من مكانه وجاء إليه وسلم عليه ثم أمره صلى الله عليه وسلم بالعود فعاد إلى مكانه فحمد الله وطابت نفسه وعلم أنه على الحق وقال لا أبالى بمن آذانى بعد هذا من قومى
أقول ووقع له صلى الله عليه وسلم إجابة الحجر فعن تفسير الفخر الرازى أنه صلى الله عليه وسلم كان مع عكرمة بن أبى جهل بشط ماء فقال عكرمة للنبى صلى الله عليه وسلم إن كنت صادقا فادع ذلك الحجر لحجر كان فى الجانب الآخر يسبح فى الماء ويجىء إليك ولا يغرق فأشار إليه صلى الله عليه وسلم فانقلع ذلك الحجر من مكانه وسبح حتى صار بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد له بالرسالة فقال النبى صلى الله عليه وسلم لعكرمة يكفيك هذا فقال حتى يرجع إلى مكانه فأشار إليه صلى الله عليه وسلم فرجع إلى مكانه ولم يسلم عكرمة فى ذلك الوقت وإنما أسلم يوم فتح مكة والله أعلم
وعند خروجه صلى الله عليه وسلم إلى هذه الغزوة أمر صلى الله عليه وسلم مناديا ينادى من كان مضيعا أو ضعيفا أو مصعبا أى راكبا دابة صعبة فليرجع فرجع ناس وارتحل مع القوم رجل على بكر صعب أو ناقة صعبة فنفر مركوبه فصرعه فاندقت فخذه فمات فلما جىء به إلى النبى صلى الله عليه وسلم قال ما شأن صاحبكم فأخبروه

قال يا بلال ما كنت أذنت فى الناس من كان مصعبا أى راكبا دابة صعبة فليرجع قال بلى فأبى صلى الله عليه وسلم أن يصلى عليه وأمر صلى الله عليه وسلم بلالا فنادى فى الناس الجنة لا تحل لعاص ثلاثا وفيها مات شخص من الصحابة فقال صلى الله عليه وسلم صلوا على صاحبكم وامتنع من الصلاة عليه فتغيرت وجوه الناس لذلك فقال إن صاحبكم غل فى سبيل الله ففتشا متاعه فوجدنا خرزا من خرز اليهود لا يساوى درهمين
وفيها أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل من المسلمين هذا من أهل النار فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالا أشد القتال فارتاب بعض الصحابة أى كيف يكون من أهل النار مع هذه المقاتلة الشديدة فلما كثرت الجراحات فى ذلك الرجل ووجد ألمها أخرج سهما من كنانته ونحر نفسه فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قم يا بلال فأذن لا يدخل الجنة إلا مؤمن وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة الحديث وفي رواية إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدر للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدر للناس وهو من أهل الجنة وتقدم في غزوة أحد مثل ذلك ولا بعد في التعدد إن لم يكن من الاشتباه على الراوي
أقول في سيرة الحافظ الدمياطي لما فتحت خبير واطمأن الناس جعلت زينب ابنة الحارث أخي مرحب وهي امرأة سلام بن مشكم تسأل أي الشاة أحب إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقولون اذراع قيل وإنما أحب صلى الله عليه وسلم الذراع لأنه هادي الشاة وأبعدها من الأذى فعمدت إلى عنزلها وصلتها ثم عمدت إلى سم لا يلبث أن يقتل من ساعته فسمت الشاة وأكثرت في الذراعين والكتف فلما غابت الشمس وصلى رسول المغرب بالناس انصرف وهي جالسة عند رحله فسال عنها فقالت يا أبا القاسم هدية أهديتها لك فأمر بها صلى الله عليه وسلم فأخذت منها فوضعت بين يديه صلى الله عليه وسلم وأصحابه حضور أو من حضر منهم وفيهم بشر بن البراء بن معرور فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادنوا فقعدوا وتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع فانتهش منه فلما ازدرد رسول الله صلى الله عليه وسلم لفمة ازدرد بشر ما في فه وأكل القوم منها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع أو الكتف تخبرني أنها مسمومة فقال بشر والذي أكرمك لقد وجدت ذلك في أكلتي أي لقمتي التي أكلت فما منعني أن ألفظها إلا أن أنغص عليك طعامك فلما أكلت ما في فيك لم أرغب بنفسي عن نفسك ورجوت أن لا تكون ازدردتها فلم يقم بشر من مكانه حتى عاد لونه كالطيلسان أي أسود وماطله وجعه سنة لا يتحول إلا ما حول ثم مات
وقال بعضهم فلم يقم بشر من مكانه حتى توفي أي والمتبادر من المكان مكان الأكل وربما يدل له عدم ذكر بشر في الحجامة وطرح منها لكلب فمات اه أي فلم يأكل إلا بشر رضي الله تعالى عنه
وحينئذ يكون المراد بقوله وأكل القوم منها أي أرادوا الاكل أي ووضعوا أيديهم بدليل قوله صلى الله عليه وسلم ارفعوا أيديكم ويدل له ما يأتي عن الإمتاع وفي الأصل أنها أهدتها لصفية رضي الله تعالى عنها فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور فقدمت إليهما تلك الشاة فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتف وفي رواية الذراع فانتهش منه قطعة فلاكها ثم ألقاها أي ولم يبتلعها أي وانتهش من الشاة بشر قطعة فابتلعها ثم نهى رسول اله صلى الله عليه وسلم عن تناول شيء مها وقال إن كتف هذه الشاة تخبرني أني نعيت فيها فقال بشر والذي أكرمك لقد وجدت ذلك فيما اكلته فما منعني من لفظه إلا أني أعظمت أن أنغصك طعاما فلم يقم بشر رضي الله تعالى عنه من مكانه حتى كان لا يتحول إلا إن حول وإلى هذا أشار الإمام السبكي في تائيته بقوله ** وأحييت عضو الشاة بعد مماتها ** فجاء بنطق موضح للنصيحة ** **
وقال رسول الله لاتك آكلي فزينب سامتني الهوان وسمت **
وهذا يؤيد القول بأن كلام نحو الجماد يكون بعد أن يخلق الله فيه الحياة
ومذهب الاشعري رحمه الله أن الله يخلق في نحو الجماد حروفا وصوتا يحدث ذلك فيه أي وليس من لازم ذلك وجود الحياة
واحتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم على كاهله أي حجمه أبو طيبه مولى بني بياضه وقيل أبو هند وهو مولى بني بياضة أيضا أي وأمر أصحابه فاحتجموا أوساط رءوسهم أي وهم كما في الإمتاع ثلاثة نفر وضعوا ايديهم في الطعام ولم يصيبوا منه شيئا وفيه أنه

لا معنى لاحتجام اصحابه إذا لم يأكلوا شيئا ومن ثم قال في سفر السعادة واحتجم صلى الله عليه وسلم بين الكتفين في ثلاثة مواضع وامر من أكل أي من أراد أن يأكل معه بذلك إلا أن يقال مجرد وضع اليد ربما سرى بسببه السم إلى باقي الجسد وقال صلى الله عليه وسلم الحجامة في الرأس هي المعينة أمرني بها جبريل عليه السلام حين أكلت طعام اليهودية
وقد احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير هذه الواقعة مرارا في محال مختلفة فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم احتجم على الأخدعين مرتين واحتجم وسط راسه الشريف وكان يسميها منقذة أي وذلك لما سحر
ففي سفر السعادة لما سحره اليهودي ووصل المرض إلى الذات المقدسة النبوية أمر صلى الله عليه وسلم بالحجامة على قبة رأسه المباركة واستعمال الحجامة في كل متضرر بالسحر غاية الحكمة ونهاية حسن المعالجة ومن لاحظ له في الدين والإيمان يستشكل هذا العلاج هذا كلامه
ودخل عليه صلى الله عليه وسلم الاقرع بن حابس وهو يحتجم في القمحذوة فقال يا ابن أبي كبشة لم احتجمت وسط رأسك فقال يا ابن حابس إن فيها شفاء من وجع الراس والأضراس والنعاس والجنون أي وفي الحديث الحجامة في الراس شفاء من سبع من الجنون والصداع والجذام والبرص والنعاس ووجع الضرس وظلمة يجدها في عينيه وفي الحديث اجتنبوا الحجامة يوم الجمعة والسبت والأحد وفي بعض الروايات يوم الأحد شفاء ويحتاج للجمع
وجاء النهي عن الحجامة يوم الثلاثاء أشد النهي وقال فيه ساعة لا يرقأ فيها الدم وفي حديث بعض رواته واهي الحديث احتجم صلى الله عليه وسلم ثلاثا في النقرة والكاهل ووسط الرأس وسمى واحدة الدافعة والأخرى المعينة والأخرى المنقذة وقال خير ما تداويتم به الحجامة وما مررت ليلة اسرى بي بملأ من الملائكة إلا قالوا يا محمد أمر أمتك بالحجامة
قال في الهدى والحجامة في البلاد الحارة أنفع من الفصد والأولى أن تكون في الربع الثالث من الشهر لأنه وقت هيجان الدم


وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء والحجامة على الريق دواء وعلى الشبع داء
وتكره في الأربعاء والسبت قيل ويوم الجمعة وفي الحديث من احتجم يوم الأربعاء أو السبت وحصل له برص لا يلومن إلا نفسه وجاء أمره صلى الله عليه وسلم باجتناب الحجامة يوم الأربعاء فإنه اليوم الذي أصيب فيه أيوب عليه السلام بالبلاء وما يبدر جذام ولا برص إلا يوم الأربعاء وليلة الأربعاء
ثم أرسل رصول الله صلى الله عليه وسلم إلى تلك اليهودية فقال أسممت هذه الشاة فقال من أخبرك قال أخبرتني هذه التي في يدي وهي الذراع قال نعم قال ما حملك على ما صنعت قالت بلغت من قومي ما لا يخفى عليك أي وفي لفظ قتلت أبي وعمي وزوجي ونلت من قومي مانلت فقلت إن كان ملكا استرحنا منه وإن كان نبيا فسيخبر فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى ذلك يشير صاحب الهمزية رحمه الله تعالى بقوله ** ثم سمت له اليهودية الشا ة وكم سام الشقوة الأشقياء ** **
فأذاع الذراع ما فيه من سم بنطق إخفاؤه إبداء ** ** وبخلق من النبي كريم لم تقاصص بجرحها العجماء **
أي ثم جعلت اليهودية السم القاتل لوقته في الشاة ومرات كثرة يطلب الشقوة ويتحلى بها الأشقياء الذين لا خلاق لهم فأخبر ذلك الذراع النبي صلى الله عليه وسلم بالنطق بما فيه من السم إخفاء ذلك النطق عن الحاضرين إبداء وإظهار له صلى الله عليه وسلم وبسبب ما تحلى به صلى الله عليه وسلم من كمال الحلم والعفو لم يقاصص تلك المراة بجرحها أي بجرح سمها لأن السم يجرح الباطن كما يجرح الحديد الظاهر
فلما مات بشر رضي الله تعالى عنه أمر بها فقتلت أي وقيل وصلبت كما في أبي داود وعبارة السهيلي رحمه الله وقد روى أبو داود أنه قتلها ووقع في كتاب شرف المصطفى أنه قتلها هذا كلامه وقيل إنما تركها لأنها اسلمت فالعفو عنها أي عدم مؤاخذتها كان قبل أن يموت بشر رضي الله تعالى عنه فلما مات بشر دفعها صلى الله عليه وسلم إلى أولياء بشر فقتلوها
وفي الإمتاع واختلفت الآثار في قتلها وفي صحيح مسلم أنه لم يقتلها وقال ابن

إسحاق أجمع أهل الحديث على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها وقد علمت أنه لا مخالفة لكن قتلها مشكل على ما عليه أئمتنا معاشر الشافعية من أن من ضيف بمسموم يقتل غالبا مميزا فمات كان شبه عمد لا قود فيه
وفي كلام بعضهم أنها قالت قد استبان لي الآن أنك صادق وأني أشهدك ومن حضر أني على دينك وأن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله فانصرف عنها حين أسلمت كذا في جامع معمر عن الزهري أنها أسلمت قال معمر هكذا قال الزهري إنها أسلمت والناس يقولون قتلها وإنها لم تسلم وأمر صلى الله عليه وسلم بتلك الشاة فأحرقت
وفي رواية أنه بعد سؤال اليهودية واعترافها بسط صلى الله عليه وسلم يده إلى الشاة وقيل لأصحابه كلوا باسم الله فأكلوا وقد سموا الله فلم يضر ذلك أحدا منهم قال ابن كثير وفيه نكارة وغرابة شديدة هذا كلامه
ويذكر أن أخت بشر بن البراء دخلت عليه صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه فقال لها هذا أوان انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخبير والأبهر العرق المتعلق بالقلب
وقد قسم صلى الله عليه وسلم غنائم خيبر فأعطى الراجل سهما والفارس ثلاثة أسهم بعد أن خمسها خمسة أجزاء ومن جملة من أعطاه صلى الله عليه وسلم أبو سبيعة بن المطلب ابن عبد مناف واسمه علقمة ولم يقسم صلى الله عليه وسلم لمن غاب من أهل الحديبية إلا لجابر ابن عبد الله رضي الله تعالى عنهما ورضخ صلى الله عليه وسلم لنساء أي وكن عشرين امرأة فيهن صفية عمته صلى الله عليه وسلم وأم سليم وأم عطية الأنصارية
وعن بعضهم قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فقلت يا رسول الله قد أردن الخروج معك نعين المسلمين ما استطعنا فقال على بركة الله قالت فخرجنا معه فلما افتتح خبير رضخ لنا وأخذ هذه الفلادة ووضعها في عنقي فوالله لا تفارقني أبدا وأوصت أنها تدفن معها زاد في السيرة الهشامية أنها قالت وكنت جارية حديثة السن فأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله قالت فلما كان الصبح وأناخ راحلته ونزلت عن حقيبة رحله وإذا بها دم مني وكانت أول حيضة حضتها قالت فتقبضت إلى الناقة واستحييت فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم

وسلم حال قال مالك لعلك نفست قالت قلت نعم قال فأصلحي من نفسك ثم خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحا ثم اغسلي ما اصاب الحقيبة من الدم ثم عودي لمرتحلك قالت فكنت لا أطهر من حيضة إلا جعلت في طهري ملحا وأوصت أن يجعل ذلك في غسلها حين ماتت
ثم دفع صلى الله عليه وسلم لأهل خيبر الأرض لما قالوا له صلى الله عليه وسلم نحن أعلم بها منكم وأعمرها بشرط ما يخرج منها من تمر أو زرع وقال لهم على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم أي وهذا يخالف ما عليه ائمتنا من أنه لا يجوز في عقد الجزية أن يقول الإمام أو نائبه أقركم ما شئنا بخلاف ما شئتم لأنه تصريح بمقتضى العقد لان لهم نبذ العقد ما شاءوا وذكر أئمتنا أنه يجوز منه صلى الله عليه وسلم لا منا أن يقول أقررتكم ما شاء الله لأنه يعلم مشيئته الله دوننا والشطر في هذا ظاهر في النصف ولم أقف على تعيينه في رواية
وكان صلى الله عليه وسلم يرسل إلى أهل خيبر عبد الله بن راوحة رضي الله عنه خارصا قيل وإنما خرص عليهم عبد الله عاما واحدا ثم مات وهذا يخالفه قول بعضهم كان عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه يأتيهم كل عام يخرصبها يعني الثمار عليم ثم يضمنهم الشطر فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شة خرصه وأرادوا أن يرشوه فقال يا أعداء الله تطعموني السحت والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي ولأنتم أبغض إلي من القردة والخنازير ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل فقالوا بهذا قامت السموات والأرض وكان يخرض عليهم بعده جبار بن صخر وكان خارصا لاهل المدينة
أقول أي ساقاهم على النخل وزارعهم على الأرض هكذا استدل بذلك أئمتنا على ما ذكر أي على جواز المساقاة وجواز المزارعة تبعا لها ويكون ذلك مخصصا للنهي عن المزارعة أي لما لم تكن تبعا للمساقاة وهو لا يتم إلا إن كانت أرض خيبر جميعها بين النخل بحيث يعسر سقيها بدون النخل وأنه صلى الله عليه وسلم دفع لهم بذارا لأن في المزارعة يجب أن يكون البذر من المالك لا من العامل
ولم أقف في شيء من الطرق على أنه صلى الله عليه وسلم دفع لهم بذارا بل ظاهر الروايات يدل على أن البذر معهم وصرحت به رواية مسلم


ويبعد أن تكون أراضي خيبر كلها كانت بين النخل بحيث يعسر سقيها بدون النخل وحينئذ يكون الواقع في خيبر إنما هي المخابرة وهي المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل وهي باطلة عندنا بل قيل عند المذاهب الأربعة ولو تبعا للمساقاة والله اعلم
ثم إن الصديق رضي الله تعالى عنه أقرهم بعده صلى الله عليه وسلم ثم أقرهم عمر رضي الله تعالى عنه إلى أن خرج ولده عبد الله رضي الله تعالى عنهما في خلافة أبيه إلى خيبر فعدى عليه من الليل ففدعت يداه ورجلاه فقام عمر رضي الله تعالى عنه خطيبا فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل اهل خيبر على أموالهم أي أرضهم ونخلهم وقال لهم نفركم على ما أقركم الله وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك فعدى عليه من الليل ففدعت يداه ورجلاه وليس لنا هناك عدو غيرهم وقد رأيت إجلاءهم أي ووافقه الصحابة على ذلك فإن عمر رضي الله تعالى عنه قام خطيبا في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ايها الناس إن يهود فعلوا بعبد الله بن عمر ما فعلوا وفعلوا بمطهر ابن رافع ما فعلوا مع عدوانهم على عبد الله بن سهيل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أشك أنهم أصحابه وأن أريد أن أجلو يهود فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقركم ما أقركم الله وقد أذن الله في إجلائهم فقام طلحة بن عبيدالله فقال قد والله احسنت يا أمير المؤمنين ووفقت فهم أهل سوء فقال عمر رضي الله تعال عنه من معك على مثل رأيك قال المهاجرون جميعا والأنصار فسر بذلك عمر رضي الله تعالى عنه
وقوله وفعلوا بمطهر ما فعلوا أي لأن مطهر بن رافع قدم خيبر بأعلاج من الشام عشرة عبيد له ليعلموا له بأرضه فأقام بخيبر ثلاثة أيام فقال لهم رجل من يهود أنتم نصارى ونحن يهود وهذا سيدكم من قوم عرب قهرونا بالسيف وانتم عشرة رجال ورجل واحد يسوقكم إلى الجهد والبؤسي وتكونون في رق شديد فإذا خرجتم من قريتنا فاقتلوه فقالوا له ليس معنا سلاح فدست اليهود لهم سكينتين أو ثلاثة فلما خرجوا من خيبر أقبلوا على مطهر بسكاكينهم فخرج مطهر يعدو إلى سيفه وكان في قرابه على راحلته فأدركوه قبل الوصول إليه وبعجوا بطنه ثم انصرفوا سراعا حتى دخلوا

خيبر على يهود فآووهم وزودوهم إلى الشام وجاء عمر رضي الله تعالى عنه الخبر بقتل مطهر وما صنعت به يهود
وقوله مع عدوانهم عل عبد الله بن سهيل أي فإنه وجد قتيلا في خيبر لأهل حصن الشق فسألهم أخوه محيصة فقالوا له لا والله ما لنا به من علم قال فجئت أنا وأخي عبد الرحمن وأخي حويصة وهو أكبرنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أخي عبد الرحمن يتكلم وهو اصغرنا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر كبر فسكت فأردت أن أتكلم فقال كبر كبر فسكت فتكلم أخي حويصة وذكر أن اليهود تهمتنا وظنتنا فقال صلى الله عليه وسلم إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يأذنوا بحرب وكتب صلى الله عليه وسلم إليهم في ذلك وكتبوا إليه ما قتلناه فقال صلى الله عليه وسلم لي ولأخوي تحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم قلنا يارسول الله لم نحضر ولم نشهد قال فتحلف لكم يهود قلنا يا رسول الله ليسوا بمسلمين فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده بمائة ناقة خمس وعشرين جذعة وخمس وعشرين حقة وخمس وعشرين ابنة لبون وخمس وعشرون بنت مخاض
وعن ابن المسيب رحمه الله كانت القسامة في الجاهلية ثم أقرها صلى الله عليه وسلم في الإسلام في الأنصاري الذي وجد قتيلا في جب من جباب اليهود فلما أجمع الصحابة على ذلك أي على ما أراده سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه جاءه أحد بني الحقيق فقال يا أمير المؤمنين اتخرجنا وقد أقرنا محمد صلى الله عليه وسلم وعاملنا على أموالنا وشرط ذلك لنافقال له عمر رضي الله تعالى عنه أظننت أني نسيت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لك كيف بك إذا أخرجت من خيبر يعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة فقال هذه كانت هزيلة من ابي القاسم فقال كذبت يا عدو الله ثم بلغه رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال لا يبقى دينان في جزيرة العرب وقوله لأخرجن اليهود والنصارى وفي لفظ المشركين من جزيرة العرب وفي رواية آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم اخرجوا اليهود من الحجاز وفي لفظ إن عشت أخرجت اليهود والنصارى من الحجاز أي وهو مكة والمدينة واليمامة وطرقها وقراها كالطائف لمكة وخيبر للمدينة والمراد بجزيرة العرب الحجاز المشتملة عليه أي فالمراد بجزيرة العرب بعضها وهو الحجاز خاصة لأن عمر لما أجلاهم ذهب بعضهم إلى تيما وبعضهم

إلى أريحا وتيما من جزيرة العرب لكنها ليست من الحجاز وقيل له حجاز لأنه حجز بين نجد وتهامة ففحص عمر رضي الله تعالى عنه عن ذلك حتى تيقنه وثلج صدره فأجلى يهود خيبر أي وأعطاهم قيمة ما كان لهم من ثمر وغيره
وأجلى يهو فدك ونصارى نجران فلا يجوز إقامتهم بذلك أكثر من ثلاثة أيام غير يومي الدخول والخروج ولم يخرج يهود وادي القرى وتيما لانهما من ارض الشام لا من الحجاز
ثم ركب في المهاجرين والأنصار وخرج معه جبار بن صخر ويزيد بن ثابت فقسما خيبر على أصحاب السهمان التي كانت عليها كما قسمت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وروى أنه صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر اصاب حمارا أسود فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اسمك قال يزيد بن شهاب أخرج الله من نسل جدي ستين حمارا كلهم لا يركبهم إلا نبي وقد كنت أتوقعك لتركبني لم يبق من نسل جدي غيري ولم يبق من الأنبياء غيرك قد كنت لرجل يهودي فكنت اتعثر به عمدا وكان يجيع بطني ويضر بظهري فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فأنت يعفور وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه إلى باب الرجل فيأتي الباب فيقرعه برأسه فإذا خرج صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقى نفسه في بئر جزعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات قال ابن حبان هذاخبر لا أصل له وإسناده ليس بشيء وقال ابن الجوزي لعن الله واضعه فإنه لم يقصد الا القدح في الإسلام والاستهزاء به وقد قال شيخنا العماد بن كثير هذا شيء باطل لا أصل له من طريق صحيح ولا ضعيف وسألت شيخنا المزي رحمه الله فقال ليس له اصل وهو ضحكة وقد أودعه كتبهم جماعة منهم القاضي عياض في الشفاء والسهيلي في روضه وكان الأولى ترك ذكره ووافقه على ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى وغفر لنا وله وللمسلمين
غزوة وادي القرى ثم عند منصرفله صلى الله عليه وسلم من خيبر أتى وادي القرى وأهله يهود فدعاهم صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فامتنعوا من ذلك وقاتلوا أي برز رجل منهم فقتله الزبير رضي الله تعالى عنه فبرز آخر فقتله علي كرم الله وجهه ثم برز آخر فقتله أبو دجانة رضي الله تعالى عنه فقاتلهم المسلمون إلى المساء وقتل منهم أحد عشر رجلا ففتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوة وغنمه الله أموال أهلها وأصاب المسلمون منهم أثاثا ومتاعا فخمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك الأرض والنخيل في أيدي أهلها أي من بقي منهم وعاملهم على نحو ما عامل عليه اهل خيبر وفي لفظ ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهود وترك في أيديهم أراضي وادي القرى والبساتين والحدائق يعملون فيها ويأخذون الأجرة وقيل حاصرهم ليالي ثم انصرف راجعا إلى المدينة فعلى الأولى تضم للغزوات التي وقع فيها القتال
ولما بلغ بلغ أهل تيما ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل خيبر وفدك ووادي القرى صالحوه صلى الله عليه وسلم على الجزية فأقاموا ببلادهم وأرضهم في ايديهم قال وقتل عبده صلى الله عليه وسلم الأسود الذي كان يرحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يحط رحله صلى الله عليه وسلم جاءه سهم فقتله فقال الناس هنيئا له الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها من خيبر من الغنائم قبل ان تقسم تشتعل عليه نارا انتهى
ولما قرب من المدينة سار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليلة فلما كان قبيل الصبح نزل وعرس وقال ألا رجلا حافظا لعينه يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام فقال بلال رضي الله تعالى عنه أنا يا رسول الله أحفظه عليك وفي لفظ قال يا بلال اكلأ لنا الليل فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقام بلال رضي الله تعالى عنه يصلي ما شاء الله ثم استند إلى بعير واستقبل الفجر يرمقه فغلبته عينه فنام فلم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم حتى ضربتهم الشمس وكان أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما صنعت يا بلال

قال يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك قال صدقت أي وتبسم صلى الله عليه وسلم وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم التفت إلى أبي بكر الصديق وقال له إن الشيطان أتى بلالا وهو قائم يصلي فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي حتى نام ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم الصديق فقال ابو بكر رضي الله تعالى عنه أشهد أنك رسول الله
ثم سار صلى الله عليه وسلم بالناس يقود بعيره غير كثير ثم أناخ فتوضأ وتوضأ الناس وأمر بلالا فأقام الصلاة وفي رواية فاقتداوا رواحلهم وفي رواية فاستيقظ القوم وقد فزعوا فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركبوا حتى يخرجوا من ذلك الوادي وقال هذا واد به شيطان فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي الحديث فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها فإن الله تعالى يقول { وأقم الصلاة لذكري } وفي رواية إن الله قبض أرواحنا ولو شاء ردها إلينا في حين غير هذا فاذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها فليصلها في وقتها أي وقيل إن ذلك كان في مرجعه صلى الله عليه وسلم من الحديبية وقيل في مرجعه من حنين وقيل في مرجعه من تبوك قال في الإمتاع وهذا لا يصح لأن الآثار الصحاح على خلافه أي دالة أن ذلك كان في رجوعه صلى الله عليه وسلم من وادي القرى
وقد يقال لا مانع من التعدد ويدل للقول بأن ذلك كان في مرجعه من الحديبية ما جاء عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية وفي رواية لما انصرفنا من غزوة الحديبية قال النبي صلى الله عليه وسلم من يحرسنا الليلة فقلت أنا يا رسول الله قال إنك تنام ثم أعاد من يحرسنا الليلة فقلت أنا حتى أعاد ذلك مرارا وأنا أقول أنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأن قال فحرستهم حتى إذا كان وجه الصبح أدركني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك تنام فنمت فما أيقظنا إلا حر الشمس في ظهورنا وسيأتي في تبوك عن الحافظ ابن حجر اختلاف العلماء في التعدد
وكان بين الحديبية وعمرة القضاء إسلام خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة الحجبي رضي الله تعالى عنهم وقيل كان بعد عمرة القضاء ويشهد له

ما جاء عن خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه أنه قال لما أراد الله عز وجل ما اراد بي من الخير قذف في قلبي الإسلام وحضر لي رشدي وقلت قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد صلى الله عليه وسلم فليس موطن أشهده إلا انصرف وأنا ارى في نفسي أني موضع في غير شيء وأن محمدا صلى الله عليه وسلم يظهر فلما جاء صلى الله عليه وسلم لعمرة القضاء تغيبت ولم أشهد دخوله فكان أخي الوليد بن الوليد دخل معه صلى الله عليه وسلم فطلبني فلم يجدني فكتب إلي كتابا فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وقلة عقلك ومثل الإسلام يجهله أحد قد سألني عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أين خالد فقلت يأتى الله به فقال ما مثله يجهل الاسلام ولو كان يجعل نكايته مع المسلمين على المشركين كان خيرا له ولقد مناه على غيره فاستدرك يا أخي ما فاتك فقد فاتك مواطن صالحة فلما جاءني كتابه نشطت للخروج وزادني رغبة في الإسلام وسرتني مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأيت في المنام كأني في بلاد ضيقة جدبة فخرجت إلى بلاد خضراء واسعة فلما اجتمعنا للخروج إلى المدينة لقيت صفوان فقلت يا أبا وهب أما ترى أن محمدا صلى الله عليه وسلم ظهر على العرب والعجم فلو قدمنا عليه فاتبعناه فإن شرفه شرف لنا قال لو لم يبقى غيري ما اتبعته أبدا قلت هذا رجل قتل أبوه وأخوه ببدر فلقيت عكرمة بن أبي جهل فقلت له مثل ما قلت لصفوان فقال مثل الذي قال صفوان قلت فاكتم ذكر ما قلت لك قال لا أذكره ثم لقيت عثمان بن طلحة أي الحجبي قلت هذا لي صديق فأردت أن أذكر له ثم ذكرت من قتل من آبائه أي قتل أبيه طلحة وعمه عثمان أي وقتل اخوته الأربع مسافع والجلاس والحارث وكلاب كلهم قتلوا يوم أحد كما تقدم فكرهت أن أذكر له ثم قلت وما علي فقلت له إنما نحن بنزلة ثعلب في جحر لو صب فيه ذنوب من ماء لخرج ثم قلت له ما قلته لصفوان وعكرمة فأسرع الإجابة فواعدني إن سبقني أقام في محل كذا وإن سبقته إليه أنتظرته فلم يطلع الفجر حتى التقينا فغدونا حتى انتهينا إلى الهدة اسم محل فنجد عمرو بن العاص بها فقال مرحبا بالقوم فقلنا وبك أين مسيركم قلنا الدخول في الإسلام قال وذلك الذي أقدمني وفي لفظ قال عمرو الخالد يا ابا سليمان أين تريد قال والله لقد استقام الميسم أي تبين الطريق وظهر الأمر وإن هذا الرجل

لنبي فأذهب فأسلم فحتى متى قال عمرو وأنا ما جئت إلا لأسلم فاصطحبنا جميعا حتى دخلنا المدينة الشريفة فأنحنا بظهر الحرة ركابنا فأخبر بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر بنا أي وقال رمتكم مكة بأفلاد كبدها فلبست من صالح ثيابي ثم عمدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيني اخي فقال أسرع فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ق سر بقدومكم وهو ينتظركم فأسرعنا المشي فاطلعت عليه فما زال صلى الله عليه وسلم يتبسم إلي حتى وقفت عليه فسلمت عليه بالنبوة فرد علي السلام بوجه طلق فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمد لله الذي هداك قد كنت أرى لك عقلا رجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير قلت يا رسول الله ادع الله لي أن يغفر لي تلك المواطن التي كنت أشهدها عليك فقال صلى الله عليه وسلم الإسلام يجب ما كان قبله أي وتقدم عثمان وعمرو فأسلما
وفي رواية عن عمرو بن العاص قال قدمنا المدينة فأنحنا بالحرة فلبسنا من صالح ثيابنا ثم نودي بالعصر فانطلقنا حتى اطعلنا عليه صلى الله عليه وسلم وإن لوجهه تهللا والمسلمون حوله قد سروا بإسلامنا فتقدم خالد بن الوليد فبايع ثم تقدم عثمان بن طلحة فبايع ثم تقدمت فوالله ما هو إلا أن جلست بين يديه صلى الله عليه وسلم فما استطعت أن ارفع طرفي حياء منه صلى الله عليه وسلم قال فبايعته على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي ولم يحضرني ما تأخر فقال إن الإسلام يجب ما كان قبله والهجرة تجب ما كان قبلها فوالله ما عدل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبخالد بن الوليد احدا من الصحابة في أمر حربه منذ أسلمنا ولقد كنا عند أبي بكر رضي الله تعالى عنه بتلك المنزلة ولقد كنت عند عمر رضي الله تعالى عنه بتلك الحالة وكان عمر رضي الله تعالى عنه على خالد كالعاتب وتقدم أن عمرا رضي الله تعالى عنه أسلم على يد النجاشي رضي الله تعالى عنه
قال بعضهم وفي إسلام عمرو على يد النجاشي لطيفة وهي صحابي أسلم على يد تابعي ولا يعرف مثله ومن حين أسلم خالد رضي الله تعالى عنه لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوليه أعنه الخيل فيكون في مقدمها والله أعلم
عمرة القضاء أي ويقال لها عمرة القضية أي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضى قريشا عليها أي صالحهم عليها ومن ثم قيل لها عمرة الصلح ويقال لها عمرة القصاص قال السهيلي رحمه الله وهذا الاسم اولى بها لقوله تعالى { الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص } قال الحافظ ابن حجر رحمه الله فتحصل من اسمائها أربعة القضاء والقضية والصلح والقصاص أي لأنها كانت في شهر ذي القعدة من السنة السابعة أي وهو الشهر الذي صده يه المشركون عن البيت منها سنة ست وليست قضاء عن العمرة التي صد عن البيت فيها فإنها لم تكن فسدت بصدهم له عن البيت بل كانت عمرة تامة معدودة في عمره صلى الله عليه وسلم التي اعتمرها صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة وهي أربعة عمرة الحديبية وعمرة القضاء وعمرة الجعرانة لما قسم غنائم حنين والعمرة التي قرنها مع حجة في حجة الوداع بناء على ما هو الراجح من أنه كان قارنا وكلها في ذي القعدة إلا التي كانت مع حجه
وقد مكث صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة لم ينقل عنه أن اعتمر خارجا من مكة إلى الحل في تلك المدة أصلا ولم يفعل هذا على عهده صلى الله عليه وسلم إلا عائشة رضي الله تعالى عنها كما سيأتي في حجة الوداع
وكون العمرة لا تفسد بالصد إنما هو على ما يراه إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه أما على من يرى أن العمرة تفسد بالصد عنها وأنه يجب قضاؤها كما هو المنقول عن ابي حنيفة رضي الله تعالى عنه فواضح انها قضاء وهذا العمرة ليست من الغزوات وإنما ذكرها البخاري فيها لأنه صلى الله عليه وسلم خرج مستعدا بالسلاح للمقاتلة خشية أن يقع من قريش غدر وليس من لازم الغزو وقوع المقاتلة ومن ثم قيل لها غزوة الأمن
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدا مكة للعمرة على ما عاقد عليه قريشا في الحديبية أي من أنه يدخل مكة في العام القابل معه سلاح المسافر ولا يقيم بها أكثر من ثلاثة أيام
وفي أنس الجليل ما يفيد أن اشتراط الثلاثة أيام كان في عمرة القضاء ففيه ثم خرج

رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرا عمرة القضاء فأبى أهل مكة أن يدعوه صلى الله عليه وسلم يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم ثلاثة أيام وأن لا يخرج من أهلها أحد إن أراد أن يتبعه وأن لا يمنع من أصحابه أحدا أن يقيم بها واصحابه كانوا الفين أي وأمر أن لا يتخلف عنه احد ممن شهد الحديبية فلم يتخلف احد إلا من استشهد في خيبر ومن مات وخرج معه جمع ممن لم يشهد الحديبية واستخلف على المدينة أبا ذر الغفاري وقيل غيره وساق ستين بدنة وقلدها أي جعل في عنق كل بعير قطعة من جلد او نعلا بالية ليعلم أنه هدي فيكف الناس عنه ولم يذكر هنا الإشعار أي وجعل عليها ناجية ابن جندب
قال وحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم السلاح والدروع والرماح وقاد مائة فرس عليها محمد بن مسلمة رضي الله عنه أي وعلى السلاح بشير بوزن أمير بن سعد وأحرم صلى الله عليه وسلم من باب المسجد فلما انتهى إلى ذي الحليفة قدم الخيل أمامه فقيل يا رسول الله حملت السلاح وقد شرطوا أن لا ندخلها عليهم بسلاح الا بسلاح المسافر السيوف في القرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ندخل عليهم الحرم بالسلاح ولكن يكون قريبا منا فإن هاجنا هيج من القوم كان السلاح قريبا منا فمضى بالخيل محمد بن مسلمة فلما كان كان بمر الظهران وجد نفرا من قريش فسألوه فقال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح هذا المنزل غدا إن شاء الله أي وقد رأوا سلاحا كثيرا فخرجوا سراعا حتى أتوا قريشا فأخبروهم بالذي رأوا من الخيل والسلاح ففزعت قريش وقالوا ما احدثنا حدثا وإنا على كتابنا ومدتنا ففيم يغزونا محمد في اصحابه
ثم إن قريشا بعثت مكرز بن حفص في نفر من قريش إليه صلى الله عليه وسلم فقالوا والله يا محمد ماعرفت صغيرا ولا كبيرا بالغدر تدخل بالسلاح في الحرم على قومك وقد شرطت عليهم أن لا تدخل إلا بسلاح المسافر السيوف في القرب فقال صلى الله عليه وسلم إني لا أدخل عليهم بسلاح فقال مكرز هو الذي تعرف به البر والوفاء ثم رجع مكرز إلى مكة سريعا وقال إن محمدا لا يدخل بسلاح وهو على الشرط الذي شرط لكم انتهى
فلما اتصل خروجه لقريش خرج كبراؤهم من مكة حتى لا يروه صلى الله عليه وسلم

يطوف بالبيت هو وأصحابه عداوة وبغضا وحسدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة أي راكبا ناقته القصواء وأصحابه محدقون به قد توشحوا السيوف يلبون ثم دخل من الثنية التي تطلعه على الحجون وهي ثنية كداء بالمد أي وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة قال اللهم لا تجعل منيتنا بها يقول ذلك من حين يدخل حتى يخرج منها أي وجعل صلى الله عليه وسلم السلاح في بطن ناجح موضع قريب من الحرم وتخلف عنده جمع من المسلمين أي نحو مائتين من أصحابه عليهم أوس بن خولى وقعد جمع المشركين بجبل قينقاع ينظرون إليه صلى الله عليه وسلم وإلى أصحابه وهم يطوفون بالبيت وقد قالوا أي كفار قريش إن المهاجرين أوهنتهم أي أضعفتهم حمى يثرب وفي لفظ قالوا يقدم عليكم قوم فد وهنتهم حمى يثرب فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا ثم قال صلى الله عليه وسلم رحم الله امرأ أراهم من نفسه قوة فأمر أصحابه أن يرملوا الأشواط الثلاثة أي ليروا المشركين أن لهم قوة أي فعند ذلك قال المشركون أي قال بعضهم لبعض هؤلاء الذين زعمتم ان الحمى قد وهنتهم هؤلاء أجلد من كذا إنهم لينفرون أي يثبون نفر الظبي أي الغزال وإنما لم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بالرمل في الأشواط كلها رفقا بهم واضطبع صلى الله عليه وسلم بردائه وكشف عضده اليمنى ففعلت الصحابة رضي الله تعالى عنهم كذلك وهذا أول رمل واضطباع في الإسلام
وأقام صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثلاثة أيام فلما تمت الثلاثة التي هي أمد الصلح جاء حويطب بن عبد العزى ومعه سهيل بن عمرو رضي الله تعالى عنهما فإنهما أسلما بعد ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرانه بالخروج هو وأصحابه من مكة فقالوا نناشدك الله والعقد إلا ما خرجت من ارضنا فقد مضت الثلاث فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه منها وكان صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها أي وكان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهي اخت ام الفضل زوج العباس رضي الله تعالى عنهما واخت اسماء بنت عميس لأمها زوج حمزة رضي الله تعالى عنه وكان تزوجه صلى الله عليه وسلم ميمونة قبل أين يحرم بالعمرة وقيل بعد أن أحل منها وقيل وهو محرم أي وهو ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ورواه الدارقطني من طريق ضعيف عن ابي هريرة

رضي الله تعالى عنه فإنه صلى الله عليه وسلم كان قد بعث اليها جعفرا رضي الله تعالى عنه ليخطبها ولما انتهت إليها خطبة النبي صلى الله عليه وسلم كانت على بعيرها فقالت البعير وما عليه لله ولرسوله أي ومن ثم قيل إنها التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وقيل جعلت أمرها إلى العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وقيل جعلت أمرها لأم الفضل اختها فجعلت أم الفضل أمرها للعباس فزوجها العباس واصدقها عنه صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم ولا مانع من نكاحه صلى الله عليه وسلم وهو محرم فإن من خصائصه صلى الله عليه وسلم حل عقد النكاح في الإحرام
أي وفي كلام السهيلي كان من شيوخنا من يتأول قول ابن عباس تزوجها محرما أي في الشهر الحرام وفي البلد الحرام ولم يرد الإحرام بالحج أي كما أراد ذلك الشاعر بقوله في عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ** قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ** ورعا فلم أر مثله مقتولا **
قال ابن كثير رحمه الله وفيه نظر لأن الروايات عن ابن عباس رضي الله عنهما متضافرة بخلاف ذلك التي منها تزوجها وهو محرم هذا كلامه
وعن ابن المسيب غلط ابن عباس أو قال وهم ابن عباس ما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو حلال ومن ثم روى الدارقطني عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال قال السهيلي فهذه الرواية عن ابن عباس موافقة لرواية غيره فقف عليها فإناها غريبة عن ابن عباس
وذكر بعض فقهائنا أنه صلى الله عليه وسلم وكل أبا رافع رضي الله تعالى عنه في نكاح ميمونة رضي الله تعالى عنها وفي بعض السير وعن ابي رافع قال تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال وبنى بها وهو حلال وأنا الرسول بينهما رواه البيهقي والترمذي والنسائي وأراد صلى الله عليه وسلم ان يبني بها في مكة فلم يمهلوه يبني بها قال وقد قال لهم ما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم فصنعت لكم طعاما فقالوا لا حاجة لنا في طعامك اخرج عنا من أرضنا هذه الثلاثة قد مضت وفي لفظ قال لهم إني قد نكحت فيكم امرأة فما يضركم أن مكثت

حتى ادخل بها وأصنع الطعام فنأكل وتأكلون معنا وفي رواية جاءوا اليه صلى الله عليه وسلم في قبته التي نصبها بالأبطح وذلك وقت الظهر وقيل وقت الصبح ولا مخالفة لجواز مجيئهم له في الوقتين وعند مجيئهم له صلى الله عليه وسلم كان مع الأنصار يتحدث مع سعد بن عبادة فصاح حويطب ناشدتك الله والعقد الا ما خرجت من أرضنا فقد مضت الثلاث فغضب سعد بن عبادة رضي الله عنه لما رأى من غلظ كلامهم للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لذلك القائل كذبت لا أم لك ليست بأرضك ولا أرض آبائك أي وفي لفظ قال يا عاض بظر أمه أرضك وأرض امك دونه ليست بأرضك ولا ارض آبائك والله لا يبرح منها إلا طاعئا راضيا فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا سعد لا تؤذ قوما زارونا في رحالنا وأسكت الفريقين ثم إنه صلى الله عليه وسلم أمر أبا رافع رضي الله تعالى عنه أن ينادي بالرحيل ولا يمسي بها احد من المسلمين وخلف أبا رافع ليأتي له بميمونة حين يمسى فخرج بها ولقيت ميمونوة رضي الله تعالى عنه من سفهاء مكة عناء
فعن أبي رافع رضي الله تعالى عنه لقينا عناء من أهل مكة من سفهاء المشركين من أذى ألسنتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ولميمونة فقلت لهم ما شئتم هذه والله الخيل والسلاح ببطن ناجح وأنتم تريدون نقض العهد والمدة فولوا راجعين منكسين وأقام صلى الله عليه وسلم بسرف بكسر الراء وهو محل بين مساجد عائشة وبطن مرو وهو أقرب إلى مساجد عائشة وفيه دخل صلى الله عليه وسلم بميمونة أي تحت شجرة هناك وكان محل موتها ودفنها دفنت فيه بعد ذلك فإنه صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأنها لا تموت بمكة فلما ثقل عليها المرض وهي بمكة قالت أخرجوني من مكة فإني لا أموت بها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني بذلك فحملوها حتى أتوا بها ذلك الموضع فماتت به ودفنت به أي وهي آخر امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخر من توفي من أزواجه صلى الله عليه وسلم ورضي عنهن
وحين دخوله صلى الله عليه وسلم مكة أخذ عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه بغرزه أي ركابه صلى الله عليه وسلم أي وقيل بزمام الناقة وهو رضي الله تعالى عنه وعنا وعن المسلمين يقول من أبيات

** خلوا بني الكفار عن سبيله ** خلوا فكل الخير في رسوله ** ** قد أنزل الرحمن في تنزيله ** بأن خير القتل في سبيله ** ** فاليوم نضربكم على تأويله ** كما ضربناكم على تنزيله ** ** وفي لفظ ** نحن قتلناكم على تأويله ** كما قتلناكم على تنزيله ** وما قيل ** نحن قتلناكم على تأويله ** كما ضربناكم على تنزيله ** ** ضربا يزيل الهام عن مقيله ** أو يذهل الخليل عن خليله **
قال عمار بن ياسر يوم صفين لا يمنع أن يكون ذلك من كلام ابن راواحة رضي الله تعالى عنه وتمثل به عمار رضي الله تعالى عنه
أي وأما ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال أنا أقاتل على تنزيل القرآن وعلي يقاتل على تأويله فقال فيه الدارقطني رحمه الله تفرد به بعض الرافضة
قال وذكر أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال مه يا ابن رواحة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حرم الله تقول الشعر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خل عنه يا عمر فلهو اسرع فيهم من نضح النبل
وذكر أنه صلى الله عليه وسلم قال إيها يا ابن رواحة قل لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده فقالها وقالها الناس أي وفي الإمتاع وكان ابن رواحة يرتجز في طوافه وهو آخذ بزمام الناقة فقال عليه الصلاة والسلام إيها يا ابن رواحة قل لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده فقالها وقالها الناس وطاف صلى الله عليه وسلم على راحلته واستلم الحجر بمحجنه
وذكر أنه صلى الله عليه وسلم دخل البيت فلم يزل به حتى أذن بلال الظهر فوق ظهر الكعبة فقال عكرمة بن أبي جهل لقد أكرم الله تعالى أبا الحكم يعني والده أبا جهل حيث لم يسمع هذا العبد يقول ما يقول وقال صفوان بن امية الحمد الله الذي أذهب أبي قبل أن يرى هذا وقال خالد بن أسيد الحمد لله الذي أذهب أبي ولم يشهد هذا اليوم حيث يقوم بلال ينهق فوق الكعبة وسهيل بن عمرو لما سمع ذلك غطى وجهه وكل هؤلاء اسلموا بعد ذلك رضي الله تعالى عنهم
قال بعضهم وكون ما ذكر أي من دخوله صلى الله عليه وسلم داخل الكعبة وأذان

بلال رضي الله تعالى عنه فوق ظهرها كان في عمرة القضاء خلاف المشهور إذ المشهور أن ذلك كان في يوم الفتح ويدل لذلك ما قيل لم يدخل صلى الله عليه وسلم الكعبة وأنه أراد ذلك فأبوا وقالوا لم يكن في شرطك فأمر بلال فأذن فوق ظهر الكعبة مرة واحدة ولم يعد بعدها قال الواقدي في هذا القيل إنه أثبت
أقول ويؤيد الأول ما جاء دخلت الكعبة ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دخلتها إني أخاف أن اكون قد شققت على أمتي من بعدي أي لاتخاذهم ذلك سنة إلا أن يقال يجوز أن يكون ذلك كان منه صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وينبغي أن يكون هذا من أعلام النبوة فإن الناس يحصل لهم من التعب بسبب دخولها سيما زمن الموسم مالا يعبر عنه من المتاعب والأمور الفظيعة والله اعلم
ثم سعى صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة أي وأوقف الهدى عند المروة وقال هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر فنحر عندها وحلق ولم أقف على من حلق رأسه الشريف في هذه العمرة ثم رأيته في الإمتاع قال حلقه معتمر بن عبد الله العدوي وفعل كفعله صلى الله عليه وسلم المسلمون أي ومن لم يجد منهم بدنة رخص له في البقرة وكان قدم رجل مكة ببقر فاشتراه الناس منه وأمر صلى الله عليه وسلم من تحلل أن يذهب إلى السلاح ويأتي آخرون فيقضوا نسكهم ففعلوا
ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة تبعته عمارة أي وقيل أسمها أم أبيها وقيل أمامة وقيل أمة الله قال ابن عبد البر والمثبت أمامة وأمها سلمى بنت عميس بنت عمه حمزة رضي الله تعالى عنه تنادي يا عم يا عم أي وفي لفظ أن ابا رافع خرج بها فتناولها علي كرم الله وجهه فأخذ بيدها وقال لفاطمة دونك ابنة عمك فما وصلوا المدينة اختصم فيها على وأخوه جعفر وزيد حارثه رضي الله تعالى عنهم فقال زيد ابن حارثة رضي الله تعالى عنه أنا أحق بها لأنها بنت أخي أي وأنا وصيه لانه صلى الله عليه وسلم آخى بين حمزة وزيد أي وجعل حمزة رضي الله تعالى عنه وصيه وقال علي كرم الله وجهه أنا أحق بها لأنها بنت عمي وجئت بها من مكة وقال جعفر رضي الله تعالى عنه أنا أحق بها لأنها بنت عمي وخالتها تحتي أي وهي اسماء بنت عميس فقضى بها صلى الله عليه وسلم لجعفر رضي الله تعالى عنه وقال الخالة بمنزلة الأم هذا
وفي الإمتاع وكلم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم

في عمارة بنت حمزة رضي الله تعالى عنهما وكانت مع أمها سلمى بنت عميس بمكة فقال علام نترك بنت عمنا يتيمة بين أظهر المشركين وإنه لما قضى بها لجعفر رضي الله تعالى عنه حجل جعفر حول النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما هذا يا جعفر فقال يا رسول الله كان النجاشي إذا أرضى احدا قام فحجل حوله وفيه أنه فعل مثل ذلك بخيبر وما بالعهد من قدم إلا أن يقال يجوز أن يكون في خيبر فعل ذلك ولم يره النبي صلى الله عليه وسلم وفي لفظ لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها وفيه تقديم الخالة في الحضانة على العمة لأن عمتها صفية رضي الله تعالى عنها كانت موجودة وقال صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه في هذا الموطن أنت أخي وصاحبي وفي لفظ أنت مني وأنا منك وقال صلى الله عليه وسلم لجعفر رضي الله تعالى عنه أشبهت خلقي وخلقي أي وقد تقدم منه صلى الله عليه وسلم ذلك له في خيبر وقال صلى الله عليه وسلم لزيد رضي الله تعالى عنه أنت أخي ومولاي وفي لفظ انت مولى الله ومولى رسوله صلى الله عليه وسلم
غزوة مؤتة بضم الميم وبالهمزة ساكنة وبترك الهمزة موضع معروف عند الكرك وفي كلام السهيلي مؤتة مهموز الفاء وأما الموتة بلا همزة فضرب من الجنون وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاته أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه وفسره راوي الحديث فقال نفثه السحر ونفخه الكبر وهمزه الموتة هذا كلامه
كانت هذه الغزوة في جمادي الاولى سنة ثمان وكان سببه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الحارث بن عمير الأزدي بكتاب إلى هرقل عظيم الروم بالشام أي فلما نزل بمؤتة تعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني أي وهو من امراء قيصر على الشام فقال أين تريد لعلك من رسل محمد قال نعم فأوثقه ربطا ثم قدمه فضرب عنقه ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رسول غيره فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك اشتد الامر عليه فجهز جمعا من اصحابه وعدتهم ثلاثة ألاف وبعثهم إلى

مقاتلة ملك الروم وأمر عليهم زيد بن حارثة وقال إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس
قال وفي رواية فإن أصيب ابن رواحة فليرتض المسلمون برجل منهم فليجعلوه عليهم وقد حضر ذلك المجلس رجل من يهود فقال يا أبا القاسم إن كنت نبيا يصاب جميع من ذكرت لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من بني اسرائيل كان الواحد منهم إذا استعمل رجلا على القوم وقال إن أصيب فلان لا بد أن يصاب أي ولوعد مائة اصيبوا جميعا ثم صار يقول لزيد اعهد فلن ترجع إلى محمد أبدا إن كان نبيا وزيد يقول اشهد أنه نبي وعقد صلى الله عليه وسلم لواء أبيض ودفعه لزيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير ويدعوا من هناك إلى الإسلام فإن أجابوا وإلا استعانوا عليهم بالله تبارك وتعالى وقاتلوهم
وذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم نهاهم أن يأتوا مؤتة فغشيتهم ضبابة فلم يبصروا حتى أصبحوا على مؤتة انتهى
وودعهم الناس وقالوا لهم صحبكم الله ودفع عنكم وردكم إلينا صالحين قال ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج مشيعا لهم حتى بلغ ثنية الوداع فوقف فقال أي بعد قوله أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيرا اغزوا باسم الله فقاتلوا عدو الله وعدوكم بالشام وستجدون فيها رجالا في الصوامع معتزلين فلا تتعرضوا لهم ولا تقتلوا امرأة ولا صغسيرا ولا بصيرا فانيا ولا تقطعوا شجرة ولا تهدموا بناء انتهى وقال لهم المسلمون دفع الله عنكم وردكم غانمين فمضوا حتى نزلوا من ارض الشام فبلغم أن هرقل ملك الروم في مائة ألف من الروم وانضم اليه من قبائل العرب أي المتنصرة أي من بني بكر ولخم وجذام مائة ألف وفي رواية كانوا مائتي ألف من الروم وخمسين ألفا من العرب ومعهم من الخيول والسلاح ما ليس مع المسلمين وكان المسلمون ثلاثة آلاف كما مر فلما بلغهم ذلك أقاموا في ذلك المحل ليلتين ينظرون في أمرهم أهل يبعثون لرسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرونه بعدد عدوهم فإما أن يمدهم برجال أو يأمرهم بأمر فيمضوا اليه فشجعهم عبد الله بن رواحة وقال لهم يا قوم والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم له خرجتم تطلبون الشهادة ونحن ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله تعالى به فإنما هي

إحدى الحسنين إما ظهور وإما شهادة أي فقال الناس صدق والله ابن رواحة فمضوا للقتال فلقيتهم جموع هرقل ملك الروم من الروم والعرب فانحاز المسلمون إلى مؤتة فالتقى الجمعان عندها واقتتلوا فقاتل زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لواؤه حتى قتل رضي الله تعالى عنه فأخذ الراية جعفر رضي الله تعالى عنه وقاتل على فرس أشقر ثم نزل عنه وعقره أي وهو أول رجل من المسلمين عقر فرسه وأول فرس عقر في سبيل الله عقره خوفا اين يأخذه الكفار فيقاتلوا عليه المسلمين ومن ثم لم ينكر عليه احد من الصحابة وبه استدل من جوز قتل الحيوان خشية أن ينتفع به الكفار وتقاتل عليه المسلمين ثم قاتل رضي الله تعالى عنه فقطعت يمينه فأخذ الراية بيساره فقطعت يساره فاحتضن الراية فأخذ الراية وقاتل حتى قتل رضي الله تعالى عنه فاخذها عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه وتقدم بها وهو على فرسه وجعل يتردد في النزول عن فرسه ثم نزل وقاتل حتى قتل أي وحينئذ اختلط المسلمون والمشركون وأراد بعض المسلمين الانهزام فجعل عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه يقول يا قوم يقتل الإنسان مقبلا أحسن من أن يقتل مدبرا فأخذ الراية ثابت بن أرقم رضي الله تعالى عنه وقال يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم فقالوا أنت فقال ما أنا بفاعل فاصطلح الناس على خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه أي ويقال إن ثابت بن ارقم دفعها إلى خالد رضي الله تعالى عنه وقال أنت أعلم بالقتال مني أي فقال له خالد انت احق به مني لأنك ممن شهد بدرا ثم أخذها خالد رضي الله تعالى عنه ومانع القوم وثبت ثم انحاز كل من الفريقين عن الآخر من غير هزيمة على أحدهما
قال وفي رواية قاتلوا المشركين حتى هزموهم فعند ابن سعد أن خالدا رضي الله تعالى عنه لما أخذ اللواء حمل على القوم فهزمهم الله أسوأ هزيمة حتى وضع المسلمون أسيافهم حيث شاءوا واظهر الله المسلمين
قيل وسبب ذلك أن خالدا رضي الله تعالى عنه لما أصبح جعل مقدمة الجيش ساقة وساقته مقدمة وميمنته ميسرة وميسرته ميمنة فظن المشركون مجيئ عدد للمسلمين فرعبوا وانهزموا فقتلوا قتلة لم يقتلها قوم ويجوز أن يكون ذلك بعد أنحياز المسلمين فلا منافاة بين الروايتين وكانت مدة القتال سبعة أيام


وروى البخاري عن خالد رضي الله تعالى عنه قال اندقت في يدي يوم مؤتة تسعة اسياف وما ثبت في يدي إلا صفيحة يمانية انتهى واطلع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على ذلك فأخبر به اصحابه أي فإنه لما اطلع على ذلك نادى في الناس الصلاة جامعة ثم صعد المنبر وعيناه تذرفان وقال أيها الناس باب خير باب خير باب خير ثلاثا أخبركم عن جيشكم هذا الغازي إنهم انطلقوا فلقوا العدو فقتل زيد رضي الله تعالى عنه شهيدا فاستغفروا له ثم أخذ الراية جعفر رضي الله تعالى عنه فشد على القوم حتى قتل شهيدا فاستغفروا له ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه وأثبت قدميه حتى قتل شهيدا فاستغفروا له ثم اخذ اللواء خالد بن الوليد ولم يكن من الأمراء وهو أمير نفسه ولكنه سيف من سيوف الله فآب بنصره وفي لفظ ثم أخذ الراية خالد بن الوليد نعم عبد الله وأخو العشيرة وسيف من سيوف الله سله الله على الكفار والمنافقين من غير إمرة حتى فتح الله عليهم
قال وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم قال اللهم إنه سيف من سيوفك فانصره فمن يؤمنذ سمي خالد سيف الله وفي لفظ ثم أخذ اللواء سيف من سيوف الله تبارك وتعالى ففتح الله على يديه
وعن عبد الله بن أبي أوفى قال اشتكى عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال يا خالد لم تؤذي رجلا من اهل بدر لو أنفقت مثل احد ذهبا لم تدرك عمله فقال يا رسول الله إنهم يقعون في فأرد عليهم فقال لا تؤذوا خالدا فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار قال بعضهم وكون هذا نصرا وفتحا واضح لإحاطة العدو بهم وتكاثرهم عليه لانهم كانوا مائتي ألف والصحابة ثلاثة آلاف أي كما تقدم إذ كان مقتضى العادة ان يقتلوا بالكلية
وفي رواية أصاب خالد رضي الله عنه منهم مقتلة عظيمة وأصاب غنيمة وهذا لا يخالف ما يأتي أن طائفة منهم فروا إلى المدينة لما عاينوا كثرة جموع الروم فصار اهل المدينة يقولون لهم أنتم الفرارون إلى آخر ما يأتي وعن أسماء بنت عميس رضي الله تعالى عنهما أي زوج جعفر رضي الله عنه قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أصيب جعفر وأصحابه فقال ائتيني ببني جعفر فأتيته بهم فشمهم وذرفت عليناه أي بكى حتى نقطت لحيته الشريفة فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما يبكيك أبلغك عن

جعفر وأصحابه شئ قال نعم أصيبوا هذا اليوم فقمت أصيح واجتمع على النساء أي وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها يا أسماء لا تقولي هجرا ولا تضربي خدا وجاء إليه صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله إن النساء عيين وفتن قال فارجع إليهن فأسكتهن فذهب ثم رجع فقال له مثل الاول وقال نهيتهن فلم يطعنني فقال اذهب فأسكتهن فذهب ثم رجع فقال له مثل الأول وقال نهيتهن فلم يطعنني فقال اذهب فأسكتن فإن أبين فاحث في افواههن التراب وقال صلى الله عليه وسلم اللهم قد قدم يعني جعفرا إلى إحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله وقال لا تغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاما فانهم قد شغلوا بأمر صاحبهم انتهى
أي وفي لفظ دخل صلى الله عليه وسلم على فاطمة رضي الله تعالى عنها وهي تقول واعماه فقال صلى الله عليه وسلم على مثل جعفر فلتبك الباكية وفي لفظ البواكي ثم قال صلى الله عليه وسلم اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا عن انفسهم اليوم وفي رواية فإنهم قد شغلهم ما هم فيه
وعن عبد الله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما أن سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم عمدت إلى شعير فطحنته ونسفته ثم طبخته وأدمته بزيت وجعلت عليه فلفلا قال عبد الله رضي الله تعالى عنه فأكلت من ذلك الطعام وحبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع إخوتي وفي لفظ أنا وأخي في بيته ثلاثا أيام ندور معه صلى الله عليه وسلم كلما صار في بيت احدى نسائه ثم رجعنا إلى بيتنا وهذا الطعام الذي فعل لآل جعفر رضي الله عنهم قال السهيلي هو أصل في طعام التعزية وتسميه العرب الوضيمة كما تسمى طعام العرس الوليمة وطعام القادم من السفر النقيعة وطعام البناء الوكيرة
قال عبد الله رضي الله عنه ودعا لي صلى الله عليه وسلم وقال اللهم بارك في صفقة يمينه فما بعت شيئا ولا اشتريت شيئا إلا بورك لي فيه
ولما قدم عليه صلى الله عليه وسلم بعض اصحابه بخبر الجيش قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شئت فأخبرتني وإن شئت فأخبرتك قال فأخبرني يا رسول الله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهم كلهم ووصف له فقال والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفا واحدا لم تذكره وإن أمرهم لكما ذكرت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله رفع لي الأرض حتى رأيت معركتهم أي وحين رأى

ذلك صلى الله عليه وسلم قال قد حمى الوطيس أي حميت الحرب واشتدت وقال صلى الله عليه وسلم مثل لي جعفر وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة في خيمة من در كل واحد منهم على سرير فرأيت زيدا وابن رواحة في أعناقهما صدودا أي اعتراضا ورايت جعفرا مستقيما ليس في عنقه صدود فسألت فقيل لي إنهما حين غشيهما الموت أعرضا بوجههما وأما جعفر فانه لم يفعل
وعن قتادة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما قتل زيد أخذ الراية جعفر رضي الله تعالى عنه فجاءه الشيطان لعنه الله فحبب اليه الحياة وكره اليه الموت ومناه الدنيا ثم مضى حتى استشهد رضي الله عنه
قال وفي رواية رأيتهم أي فيما يرى النائم وفي رواية لقد رفعوا إلى أي في الجنة فيما يرى النائم على سرير من ذهب فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة ازورارا عن سريري صاحبيه أي انحرافا فقلت مم هذا فقيل لي مضيا وتردد عبد الله بعض التردد ثم مضى انتهى أي فإنه كما تقدم صار يستنزل نفسه ويتردد في النزول بعض التردد
وفي لفظ دخل عبد الله بن رواحة الجنة معترضا فقيل يا رسول الله ما اعتراضه قال لما اصابته الجراحة نكل فعاتب نفسه فتشجع فاستشهد وقال صلى الله عليه وسلم إن الله أبدل جعفرا بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وجدنا فيما بين صدر جعفر ومنكبيه وما أقبل منه تسعين جراحة ما بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح وفي لفظ طعنة ورمية وفي لفظ آخر ضربة ورمى فقده نصفين فوجدوا في إحدى شقيه بضعة وثمانين جرحا وفيما أقبل من بدنه اثنين وسبعين ضربة بسيف وطعنة برمح أي وقيل اربعا وخمسين ورواية التسعين اثبت قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أتيته وهو مستلق آخر النهار فعرضت عليه الماء فقال إني صائم فضعه في ترسي عند رأسي فإن عشت حتى تغرب الشمس أفطرت قال فمات صائما قبل غروب الشمس شهيدا وعمره إحدى واربعون سنة وقيل ثلاث وثلاثون سنة وفيه أنه تقدم أنه كان أسن من علي بعشر سنين وكان عقيل أسن من جعفر بعشر سنين وكان طالب أسن من عقيل بعشر سنين
ثم رأيت ابن كثير رحمه الله قال وعلى ما قيل إنه كان اسن من علي بعشر سنين

يقتضي أن عمره يوم قتل تسع وثلاثون سنة لأن عليا كرم الله وجهه اسلم وهو ابن ثمان سنين على المشهور فأقام بمكة ثلاث عشرة سنة وهاجر وعمره إحدى وعشرون سنة ويوم مؤتة كان في سنة ثمان من الهجرة وكونه رضي الله تعالى عنه مات صائما لا يناسب كونه شق نصفين
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال كنا مع رسول الله لى فرفع رأسه إلى السماء فقال وعليكم السلام ورحمة الله فقال الناس يا رسول الله ما كنت تصنع هذا قال مر بي جعفر بن أبي طالب في ملأ من الملائكة فسلم علي
ولما دنا الجيش من المدينة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ولقيهم الصبيان ينشدون ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل مع القوم على دابة فقال خذوا الصبيان فاحملوهم واعطوني ابن جعفر فأتى بعبد الله بن جعفر فأخذه فحمله بين يديه
وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم هنيئا لك أبوك يطير مع الملائكة في السماء وفي الطبراني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعا دخلت البارحة الجنة فرأيت فيها جعفر بن أبي طالب يطير مع الملائكة وفي رواية يطير مع جبريل وميكائيل له جناحان عوضه الله تعالى من يديه وروى جناحان من ياقوت أي وذكر السهيلي رحمه الله أن الجناحين عبارة عن صفة ملكية وقوة روحانية اعطيهما جعفر رضي الله عنه يقتدر بهما على الطيران لا أنهما جناحان كجناح الطائر كما يسبق للوهم أي لان الصورة الآدمية أشرف الصور أي ولا يضر في ذلك وصفهما بأنهما من ياقوت ولا كونهما مضمخين بالدم وصار المسلمون يحثون في وجوههم التراب ويقولون لهم يا فرارون فررتم في سبيل الله فصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بل هم الكرارون وفي لفظ إنهم قالوا يا رسول الله نحن الفارون فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بل انتم العكارون أي الكرارون وهو دليل على أنه كان بينهم محاجزة وترك للقتال وعن بعض الصحبة لما قتل ابن رواحة رضي الله انهزم المسلمون رضي الله عنهم أسوأ هزيمة ثم تراجعوا ولقد لقوا من اهل المدينة لما رجعوا شرا حتى إن الرجل يجئ إلى أهل بيته يدق عليهم بابه فيأبون يفتحون له ويقولون له هلا تقدمت مع اصحابك فقتلت حتى إن نفرا نم الصحابة رضي الله عنهم جلسوا في بيوتهم استحياء كلما خرج

واحد منهم صاحوا به وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل اليهم رجلا رجلا ثم يقول أنتم الكرارون في سبيل الله ويعنون بالفرار انحيازهم مع خالد رضي الله عنه حين انحاز العدو عنهم وإنما انحاز خالد رضي الله عنه لترتيبه العسكر وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم خالدا رضي الله عنه على ذلك وأثنى عليه وقتل رجل من المسلمين رجلا من الروم فأراد أخذ سلبه فمنعه خالد رضي الله عنه فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال لخالد ما منعك ان تعطيه سلبه قال استكثرته عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادفعه له
وكان عوف بن مالك رضي الله عنه كلم خالدا في دفع ذلل لذلك الرجل قبل أن يقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مر خالد بعوف بن مالك اطلق لسانه في خالد رضي الله عنه وقال له أما ذكرت لك ذلك ونحوه فغضب صلى الله عليه وسلم وقال لخالد لا تعطه يا خالد هل أنتم تاركون لي أمرائي
وفيه أن القاتل استحق السلب فكيف منعه وأجيب بأنه يجوز أن يكون دفعه له بعد وانما اخر دفعه تعزيزا لعوف رضي الله عنه حين اطلق لسانه في خالد وانتهك حرمته وتطيبا لقلب خالد رضي الله تعالى عنه للمصلحة في إكرام الأمراء وهذا السياق يدل على أن الجيش كله رضي الله عنهم قيل لهم الفرارون وإنما كان لطائفة من الجيش فروا إلى المدينة لما رأوا من كثرة العدو فليتأمل
وعد هذه غزوة تبعت فيه الاصل والحق أنها ليست من الغزوات بل من السرايا الأتي ذكرها لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن فيها والله اعلم
بسم الله الرحمن الرحيم فتح مكة شرفها الله تعالى
كان في رمضان سنة ثمان وكان السبب في ذلك أنه لما آن صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش كان فيه أن من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فيه فدخلت بنو بكر في عهد قريش ودخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم وكان قبل ذلك بينهما دماء أي فحجز الإسلام بينهما لتشاغل الناس به وهم على ما هم عليه من العداوة وكانت خزاعة حلفاء عبد المطلب بن هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم أي يناصرونه على عمه نوفل بن عبد مناف
فإن المطلب لما مات وثب نوفل على ساحات وأفنية كانت لعبد المطلب واغتصبه إياها فاطرب عبد المطلب لذلك واستنهض قومه فلم ينهض معه احمد منهم وقالوا له لا ندخل بينك وبين عمك وكتب الى أخواله بني النجار فجاءه منهم سبعون راكبا فأتوا نوفلا وقالوا له ورب البنية لتردن على ابن أختنا ما أخذت وإلا ملأنا منك السيف فدره ثم حالف خزاعة بعد أن حالف نوفل بني أخيه عبد شمس وكان صلى الله عليه وسلم يعلم بذلك الحف فإنهم أوقفوه على كتاب عبد الملطب وقرأه عليه أبي بن كعب رضي الله عنه أي بالحديبية وهو باسمك اللهم هذا حلف عبد المطلب بن هاشم لخزاعة إذا قدم عليه سرواتهم وأهل الرأي منهم غائبهم يقر بما قاضى عليه شاهدهم أن بيننا وبينكم عهود الله وميثاقه وما لا ينسى ابدا اليد واحدة والنصر واحد ما أشرق ثبير وثبت حرا مكانه وما بل بحر صوفه


وفي الامتاع أن سنخة كتابهم باسمك اللهم هذا ما تحالف عليه عبد المطلب بن هاشم ورجالات عمرو بن ربيعة من خزاعة تحالفوا على التناصر والمواساة ما بل بحر صوفة حلفا جامعا غير مفرق الأشياخ على الاشياخ والأصاغر على الأصاغر والشاهد على الغائب وتعاهدوا وتعاقدوا أوكد عهد وأوثق عقد لا ينقض ولا ينكث ما أشرقت شمس على ثبير وحن بفلاة بعير وما أقام الأخشبان وعمر بنمكة إنسان حلف أبد لطول أمد يزيده طلوع الشمس شدا وظلام الليل مدا آلان عبد المطلب وولده ومن معهم ورجال خزاعة متكافئون متظاهرون متعاونون فعلى عبد المطلب النصرة لهم بمن تابعه وعلى خزاعة النصرة لعبد الطلب وولده ومن معهم على جميع العرب في شرق أو غرب او حزن او سهل وجعلوا الله على ذلك كفيلا وكفى بالله جميلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعرفني بحقكم وانتم على ما أسلفتم عليه من الحلف
فلما كانت الهدنة وهي ترك القتال التي وقعت في صلح الحديبية اغتنمها بنو بكر أي طائفة منهم يقال لهم بنو نفاثة
أي وفى الإمتاع وسببها أن شخصا من بني بكر هجا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصار يتغنى به فسمعه غلام من خزاعة فضربه فشجه فثار الشر بين الحيين لما كان بينهم من العداوة فطلب بنو نفاثة من أشراف قريش أن يعينوهم بالرجال والسلاح على خزاعة فأمدوهم بذلك فبيتوا خزاعة أي جاءوهم ليلا بغتة وهم آمنون على ماء لهم يقال له الوتير فأصابوا منهم أي قتلوا منهم عشرين أو ثلاثة وعشرين وقاتل معهم جمع من قريش مستخفيا منهم صفوان بن أمية وجويطب بن عبد العزى أي وعكرمة ابن ابي جهل وشيبة بن عثمان وسهيل بن عمرو رضي الله عنهم فإنهم أسلموا بعد ذلك ولا زالوا بهم الى أن أدخلوهم دار بديل بن ورقاء الخزاعي بمكة أي ولم يشاوروا في ذلك أبا سفيان قيل شاوروه فأبي عليهم ذلك وظنوا أنهم لم يعرفوا وأن هذا لا يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلما ناصرت قريش بني بكر على خزاعة ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق ندموا وجاء الحارث بن هشام الى ابي سفيان واخبره بما فعل القوم فقال هذا امر لم أشهده ولم أغب عنه وإنه لشر والله ليغزونا محمد

ولقد حدثتني هند بنت عتبة يعني زوجته أنها رأت رؤيا كرهتها رأت دما أقبل من الحجون يسيل حتى وقف بالخندمة فكره القوم ذلك
وعند ذلك خرج عمرو وقيل عمر العين وصححه الذهبي ابن سالم الخزاعي أي سيد خزاعة في أربعين راكيا أي من خزاعة فيهم بديل بن ورقاء الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل المسجد ووقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد بين الناس وقال من ابيات ** يا رب إني ناشد محمدا ** حلف أبينا وأبيه الأتلدا ** ** إن قريشا أخلفوك الموعدا ** ونقضوا ميثاقك المؤكدا ** ** هم بيتونا بالوتير هجدا ** وقتلونا ركعا وسجدا **
فقال النبي صلى الله عليه وسلم نصرت يا عمرو بن سالم أي ودمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وقال لا ينصرني الله وفي لفظ لا نصرت إن لم أنصر بني كعب يعني خزاعة مما انصر به نفسي وفي رواية لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي زاد في رواية واهل بيتي ثم مرت سحابة في السماء وارعدت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا السحاب ليستهل أي وفي لفظ لينصب بنصر بني كعب يعني خزاعة
أي وعن بشر بن عصمة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خزاعة مني وأنا منهم وقبل قدوم عمرو بن سالم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعلامه بذلك حدثت عاششة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة الوقعة قال لها لقد حدث في خزاعة حدث قالت فقلت يا رسول الله أترى قريشا يجترئون على نقض العهد الذي بينك وبينهم فقال ينقضون العهد لأمر يريده الله فقلت خير قال خير وفي لفظ قالت لخير او لشر قال لخير
وعن ميمونه رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بات عندها ليلة فقام ليتوضأ للصلاة قالت فسمعته يقول لبيك لبيك لبيك ثلاثا تصرت نصرت نصرت ثلاثا فلما خرج قلت يا رسول الله سمعتك تقول لبيك لبيك لبيك ثلاثا نصرت نصرت نصرت ثلاثا كأنك تكلم إنسانا فهل كان معك احد قال هذا راجز بني كعب يعني خزاعة يزعم أن قريشا اعانت عليهم بكر بن وائل أي بطنا منهم وهم بنوا نفاثة قالت ميمونة فأقمنا

ثلاثا ثم صلى الله عليه وسلم عليه وسلم الصبح فسمعت الراجز يقول يارب إني ناشد محمدا **
إلى أخر ما تقدم انتهى وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم لعمرو بن سالم واصحابه فيمن تهمتكم قالوا بنو بكر قال كلها قالوا لا ولكن بنو نفاثة قال هذا بطن من بكر
ولما ندمت قريش على نقضهم العهد أرسلوا أبا سفيان ليشد العقد ويزيد في المدة فقالوا له ما لها سواك اخرج الى محمد فكلمه في تجديد العهد وزيادة المدة فخرج ابو سفيان ومولى له على راحلتين فاسرع السير لأنه يرى أنه أول من خرج من مكة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال رسول صلى الله عليه وسلم للناس قبل قدوم ابي سفيان كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد ويزيد في المدة وهو راجع بسخطه ثم رجع اولئك الركب من خزاعة فلما كانوا بعسفان لقوا أبا سفيان أي ومولى له كل على راحلة وقد بعثته قريش الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشد العقد ويزيد في المدة وقد خافوا مما صنعوا فسألهم هل ذهبتم الى المدينة قالوا لا وتركوه وذهبوا فجاء الى مبركهم بعد أن فارقوه فأخذ بعرا وفته فوجد فيه النوى فعلم انهم ذهبوا الى المدينة الشريفة
قال وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن سالم واصحابه ارجعوا وتفرقوا في الاودية أي ليخفى مجيئهم للنبي صلى الله عليه وسلم فرجعوا وتفرقوا فذهبت فرقة الى الساحل أي وفيهم عمرو بن سالم وفرقة فيهم بديل بن ورقاء لزمت الطريق وإن ابا سفيان لقى بدليل بن ورقاء بعسفان فأشفق ابو سفيان أن يكون بديل جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فقال للقوم أخبرونا عن يثرب متى عهدكم بها فقالوا لا علم لنا بها أي وقالوا إنما كنا في الساحل نصلح بين الناس في قتل ثم صبر ابو سفيان حتى ذهب أولئك القوم وفي لفظ قال من أين أقبلت يا بديل قال سرت الى خزاعة في هذا الساحل قال ما أتيت محمدا قال لا فلما راح بديل الى مكة أي توجه اليها قال ابو سفيان لئن كان جاء المدينة لقد علف بها النوى فجاء منزلهم ففتت ابعار اباعرهم فوجد فيها النوى قال ابو سفيان احلف بالله لقد جاء القوم محمدا انتهى
فلما قدم ابو سفيان المدينة دخل على ابنته ام حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضى عنها ولما أراد ان يجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه فقال

يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش ام رغبت به عني قالت بل هو فراش النبي صلى الله عليه وسلم وأنت مشرك نجس قال والله لقد أصابك بعدي شر فقالت بل هداني الله تعالى للإسلام وأنت تعبد حجرا لا يسمع ولا يبصر وأعجبا منك يا أبت وأنت سيد قريش وكبيرها فقال أنا أترك ما كان يعبد آبائي واتبع دين محمد ثم خرج حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له إني كنت غائبا في صلح الحديبية فامدد العهد وزدنا في المدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك جئت يا أبا سفيان قال نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كان فيكم من حدث قال معاذ الله نن على عهدنا وصلحنا لا نغير ولا نبدل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن على مدتنا وصلحنا فأعاد ابو سفيان القول على رسول صلى الله عليه وسلم وسلم فلم يردعليه شيئا هذا
وفي كلام سبط ابن الجوزي رحمهما الله ان مجئيه لأم حبيبة رضي الله عنها بعد مجيئه للنبي صلى الله عليه وسلم ثم ذهب الى ابي بكر رضي الله عنه فكلمه ان يكلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما أنا بفاعل وفي رواية قال لأبي بكر جدد العقد وزدنا في المدة فقال ابو بكر جواري في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم ثم أتى عمربن الخطاب رضي الله عنه فكلمه فقال أنا اشفع لكم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوالله لو لم اجد الا الذر لجاهدتكم أي بها وفي رواية أنه قال له ماكان من حلفنا جديدا أخلقه الله وما كان مقطوعا فلا وصلة الله فعند ذلك قاله له ابو سفيان جزيت من ذي رحم شرا وفي لفظ سوءا ثم جاء الى عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال أنه ليس في القوم أقرب بي رحما منك فزد في المدة وجدد العقد فان صاحبك لا يرده عليك أبدا فقال عثمان جواري في جواره صلى الله عليه وسلم انتهى ثم جاء فدخل على علي بن ابي طالب كرم الله وجهه وعنده فاطمة وحسن رضي الله عنه غلام يدب بين يديها فقال يا علي انك امس القوم بي رحما وإني قد جئت في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائبا اشفع الى محمد فقال ويحك يا ابا سفيان لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه عنها فقال يا ابنة محمد هل لك ان تأمري ابنك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب الى اخر الدهر قالت والله ما يبلغ ببني ذلك ان يجير بين الناس وما يجبر احد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وفي رواية أنه قال لفاطمة أجبري بين الناس

فقالت إنما أنا امرأة قال قد أجارت اختك يعني زينب أبا العاص بن الربيع يعني زوجها وأجاز ذلك محمد قالت إنما ذاك الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال فأمري احد ابنيك قالت إنما هما صبيان ليس مثلهما يجير قال فكلمى عليا فقالت انت تكلمه فكلم عليا فقال يا ابا سفيان انه ليس أحد من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتات على رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوار وقول فاطمة رضي الله عنها في حق ابنيها صبيان ليس مثلهما يجير هو الموافق لما عليه أئمتنا من ان شرط من يؤمن أن يكون مكلفا وأما قولها وإنما أنا امرأة فلا يوافق ما عليه أئمتنا من أن للمرأة والعبد أن يؤمنا لأن شرط المؤمن عند أئمتنا ان يكون مسلما مكلفا مختارا وقد أمنت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم زوجها ابا العاص بن الربيع وقال صلى الله عليه وسلم قد أجرنا من أجرت وقال المؤمنون يد على من سواهم يجير عليهم أدناهم كما سيأتى في السرايا وقد تقدم ذلك قريبا عن ابي سفيان وسيأتى قريبا أن أم هاني اجارت وأنه صلى الله عليه وسلم قال لها أجرنا من أجرت يا أم هاني لكن سيأتى ان هذا كان تأكيدا للأمان الذي وقع منه صلى الله عليه وسلم لأهل مكة لا أمان مبتدأ
ثم أن ابا سفيان أتى اشراف قريش والأنصار وكل يقول جواري في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء الى علي كرم الله وجهه وقال يا ابا الحسن إني ارى الأمور قد انسدت على فانصحني قال والله لا أعلم لك شيئا يغني وعنك ولكنك سيد بني كنانة فقم وأجر بين الناس ثم الحق بأرضك قال أو ترى ذلك مغنيا عني شيئا قال والله ما أظنه ولكن لا أجد لك غير ذلك فقام ابو سفيان في المسجد فقال ايها الناس إني أجرت بين الناس زاد في رواية ولا والله ما أظن ان يخفرني احد ولا يرد جواري قال وفي رواية أنه جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إني اجرت بين الناس أي وقال لا والله ما أظن أحدا يخفرني ويرد جواري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت تقول ذلك يا ابا حنظلة وفي لفظ يا ابا سفيان انتهى
ثم ركب بعيره فانطلق حتى قدم على قريش وقد طالت غيبته واتهمته قريش انه صبأ ابتع محمدا سرا وكتم إسلامه وقالت له زوجته ان كنت مع طول الاقامة جئتهم بنجح فأنت الرجل فلما أخبرها أي وقد دنا منها وجلس ومنها مجلس الرجل من امرأته فضربت

برجلها في صدره وقالت قبحت من رسول قوم فما جئت بخير فلما اصبح ابو سفيان حلق رأسه عند اساف ونائلة وذبح عندهما البدن ومسح رءوسهما بالدم ليدفع عنه التهمة فلما رأته قريش قالوا ما وراءك هل جئت بكتاب من محمد او عهد قال لا والله لقد أبى على وقد تتعبت اصحابه فما رأيت قوما لملك اطوع منهم له وفي رواية قال جئت محمدا فكلمته فو الله ما رد علي شيئا ثم جئت الى ابن ابي قحافة فلم أجد فيه خيرا ثم جئت عمر بن الخطاب فوجدته أدنى العدو أي وفي رواية أعدى العدو ثم جئت عليا فوجدته الين القوم وقد اشار على بشيء صنعته فوالله لا أدري أيغنى عني شيئا ام لا قالوا وبم امرك قال أمرني أن اجير بين الناس أي قال لي لم تلتمس جوار الناس على محمد و لا تجير انت عليه وانت سيد قريش واكبرها واحقها ان لا يخفر جواره ففعلت قالوا فهل اجاز ذلك محمد قال لا أي وانما قال انت تقول ذلك يا ابا حنظلة والله لم يزدني قالوا رضيت بغير رضا وجئت بما لا يغني عنا ولا عنك شيئا ولعمر الله ما جوارك بجائز وان اخفارك أي ازالة خفارتك عليهم لهين والله أراد الرجل يعنون عليا كرم الله وجهه ان يلعب بك قال والله ما وجدت غير ذلك وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه أن يلعب بك قال والله ما وجدت غير ذلك وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز وأمر اهله ان يهجزوه أي قال لعائشة جهزينا وأخفى امرك فدخل ابو بكر رضي الله عنه علي ابنته عائشة رضي الله عنها وهي تحرك بعض جهاز رسول الله أي تجعل قمحا سويقا ودقيقا وفي لفظ وجد عندها حنطة تنسف وتنقى فقال أي بنية امركن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجهيزه قالت نعم فتجهز قال فأين ترينه يريد قالت لا والله ما أدري وإن ذلك قبل ان يستشير صلى الله عليه وسلم ابا بكر وعمر رضي الله عنهما في السير الى مكة كما سيأتي ثم انه صلى الله عليه وسلم أعلم الناس أنه سائر الى مكة وأمرهم بالجد والتجهيز
أي وفي الامتاع ان ابا بكر رضي الله عنه لما سأل عائة رضي الله عنها دخل عليه صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اردت سفرا قال نعم قال أفأتجهز قال نعم قال فاين تريد يا رسول الله قال قريشا وأخف ذلك يا ابا بكر وأمر صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز وطوى عنهم الوجه الذي يريده وقد قال له ابو بكر رضي الله عنه يا رسول الله أو ليس بيننا وبينهم مدة قال أنهم غدروا ونقضوا العهد

واطو ما ذركرت لك وفي رواية ان ابا بكر رضي الله عنه قال يا رسول الله أتريد ان تخرج مخرجا قال نعم قال لعلك تريد بني الأصفر قال لا قال أفتريد أهل نجد قال لا قال فلعلك تريد قريشا قال نعم قال يا رسول الله أليس بينك وبينهم مدة قال أو لم يبلغك ما صنعوا ببني كعب يعني خزاعة قال وأرسل صلى الله عليه وسلم ألى أهل البادية ومن حوله من المسلمين في كل ناحية يقول لهم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحضر رمضان بالمدينة أي وذلك بعد أن تشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ابي بكر وعمر رضي الله عنهما في السير الى مكة فذكر له ابو بكر رضي الله عنه ما يشير به الى عدم السير حيث قال له هم قومك وحضه عمر رضي الله عنه حيث قال نعم هم راس الكفر زعموا أنك ساحر وانك كذاب وذكر له كل سوء كانوا يقولون وايم الله لا تذل العرب حتى تذل اهل مكة فعند ذلك ذكر صلى الله عليه وسلم أن ابا بكر كإبراهيم وكان في الله الين من اللين وان عمر كنوح وكان في الله اشد من الحجر وان الأمر امر عمر وتقدم نحو هذا لم استشارهما صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر أي ثم قدمت المدينة من قبائل العرب أسلم وغفار ومزينة واشجع وجهينه
ثم قال صلى الله عليه وسلم اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها أي وفي رواية قال اللهم خذ على اسماعهم وابصارهم فلا يرونا الا بغتة ولا يسمعون بنا الا فجأة وأخذ بالأنقاب أي الطرق أي أوقف بكل طريق جماعة ليعرف من يمر بها أي وقال لهم لا تدعوا احدا يمر بكم تنكرونه الا رددتمهوه
ولما اجمع صلى الله عليه وسلم المسير الى قريش وعلم بذلك الناس كتب حاطب بن ابي بلتعة الى قريش أي الى ثلاثة منهم من كبرائهم وهم سهيل بن عمرو وصفوان ابن امية وعكرمة بن ابي جهل رضي الله عنهم فإنهم اسلموا بعد ذلك كما تقدم كتابا يخبرهم بذلك ثم اعطاه امرأة وجعل لها جعلا على ان تبلغه قريشا ويقال أعطاها عشرة دنانير وكساها بردا أي وقال لها اخفيه ما استطعت ولا تمري على الطريق فإن عليه حرسا فسلكت غير الطريق قال وتلك المرأة هي سارة مولاة لبعض بني عبد المطلب بن عبد مناف وكانت معنيه بمكة وكانت قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأسلمت وطلبت منه الميرة وشكت الحاجة فقال لها رسول الله

صلى الله عليه وسلم ما كان في غنائك ما يغنيك فقالت ان قريشا منذ قتل منهم من قتل ببدر تركوا الغناء فوصلها صلى الله عليه وسلم وأوقر لها بعيرا طعاما فرجعت الى قريش وارتدت عن الاسلام وكان ابن خطل يلقى عليها هجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتغنى به انتهى فجعلت الكتاب في قرون رأسها أي ضفائر رأسها خوفا ان يطلع عليها أحد ثم خرجت به وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب فبعث عليا والزبير وطلحة والمقداد أي وقيل عليا وعمارا والزبير وطلحة والمقداد وابا مرثد أي ولا مانع أن يكون ارسل الكل وبعض الرواة اقتصر على بعضهم فقال صلى الله عليه وسلم أدركا امرأة بمحل كذا قد كتب معها حاطب بكتاب الى قريش يحذرهم ما قد اجمعنا له في امرهم فخذوه منها وخلوا سبيلها فإن أبت فاضربوا عنقها فخرجا حتى أدركاها في ذلك المحل الذي ذكره صلى الله عليه وسلم فقالا لها اين الكتاب فحلفت بالله ما معها من كتاب فاستنزلاها وفتشاها والتمسا في رحلها فلم يجدا شيئا فقال لها علي كرم الله وجهه إني احلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم قط ولا كذبنا ولتخرجن هذا الكتاب أو لنكشفنك أو اضرب عنقك فلما رأت الجد منه قالت أعرض فأعرض فحلت قرون رأسها فاستخرجت الكتاب منه وفي البخاري أخرجته من عقاصها ولا منافاة وفيه في محل اخر اخرجته من حجزتها والحجزة معقدالإزار والسروايل قال بعضهم ولا مانع أن يكون في ضفائرها وأنها جعلت الضفائر في حجزتها فدفعته اليه وسيأتى أنها ممن أباح صلى الله عليه وسلم وسلم دمه يوم الفتح ثم اسلمت وعفا عنها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك الكتاب أي وصورة الكتاب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه اليكم بجيش كالليل يسير كالسيل واقسم بالله لو سار اليكم وحده لينصرنه الله تعالى عليكم فإنه منجز له ما وعده فيكم فإن الله تعالى ناصره ووليه وقيل فيه إن محمدا صلى الله عليه وسلم فد نفر فإما اليكم وإما الى غيركم فعليكم الحذر وقيل فيه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آذن بالغزو ولا أراه الا يريدكم وقد أحببت ان تكون لي يد بكتابي اليكم
أقول لا مانع ان يكون جميع ما ذكره في الكتاب بأن يكون فيه ان محمدا صلى الله عليه وسلم قد آذن أي أعلم بالغزو وقد نفر أي عزم على ان ينفر فإما اليكم وإما الى غيركم ولا أراه الا يرديكم وهذا كان قبل ان يعلم بسيره الى مكة فلما علم الحق بالكتاب

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه أي يريد التوجه اليكم بجيش الى آخره وبعض الرواة اقتصر على ما في بعض الكتاب والله اعلم
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا فقال له اتعرف هذا الكتاب قال نعم فقال ما حملك على هذا فقال والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما غيرت ولا بدلت وفي لفظ ما كفرت منذ اسلمت ولا غششت منذ نصحت ولا احببتهم منذ فارقتهم ولكني ليس لي في القوم أهل ولا عشيرة ولي بين أظهرهم ولد وأهل فصانعتهم عليهم أي وفي لفظ قال يا رسول الله لا تعجل على إني كنت امرأ ملصقا أي حليفا من قريش وفي كلام بعضهم ما يفيد أن الملصق هو الذي لا نسب له ولا دخل في حلف قال ولم أكن من انفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابة يحمون أموالهم واهليهم بمكة ولم يكن لي قرابة فأحببت ان اتخذ فيهم يدا احمى بها أهلي أي وهي أمه
ففي بعض الروايات كنت غريبا في قريش وامي بين اظهرهم فأردت ان يحفظوني فيها وما فعلت ذلك كفرا بعد إسلام وقد علمت ان الله تعالى منزل بهم بأسه لا يغنى عنهم كتابى شيئا فقال رسول الله صلى الله وسلم إنه قد صدقكم فقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يا رسول الله دعني لاضرب عنقه فإن الرجل قد نافق وفي لفظ قال له قاتلك الله ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بالأنقاب وتكتب الى قريش تحذرهم وفي رواية دعني أضرب عنقه لأنه يعلم انك يا رسول الله أخذت على الطريق وأمرت أن لا ندع احدا يمر ممن تنكره الا رددناه انتهى
وأقول مراد سيدنا عمر بقوله قد نافق أي خالف الأمر لا انه اخفى الكفر لقوله صلى الله عليه وسلم قد صدقكم ورأى ان مخالفة امره صلى الله عليه وسلم مقتضية للقتل ولكن رواية البخاري إنه قد صدقكم ولا تقولوا له الا خيرا وعليها يشكل قول عمر المذكور ودعاؤه عليه بقوله قاتلك الله الا ان يقال يجوز ان يكون قول عمر لذلك كان قبل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذكر وعند قول عمر رضي الله عنه دعني لاضرب عنقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قد شهد بدرا وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وفي رواية فقد وجبت لكم الجنة وفي رواية لا يدخل النار احد شهد بدرا فعند ذلك فاخت عينا عمر رضي الله عنه بالبكا أي وانزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة }

وفي قوله عدوي وعدوكم منقبة عظيمة لحاطب رضي الله عنه بأن في ذلك الشهادة له بالايمان وقوله تلقون اليهم بالمودة أي تبدونها لهم وذكر بعضهم ان البلتعة في اللغة التظرف بالظاء المشالة يقال تبلتع في كلامه اذا تظرف فيه
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره واستخلف على المدينة أبارهم كلثوم ابن الحصين الغفاري وقيل ابن ام مكتوم وبه جزم الحافظ الدمياطي في سيرته وخرج لعشر وقيل لليلتين وقيل لثنتى عشرة وقيل ثلاث عشرة وقيل سبع عشرة وقيل ثمان عشرة وهو في مسند الإمام احمد بسند صحيح قال ابن القيم إنه أصح من قول من قال إنه خرج لعشر خلون من رمضان أي وصدر به في الامتاع وقيل خرجل تسع عشرة مضين من شهر رمضان في سنة ثمان قال في النور لا اعلم خلافا في الشهر والسنة
وما في البخاري أن خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة كان على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمة المدينة أي فيكون في السنه التاسعة في نظر وكان صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف أي باعتبار من لحقه في الطريق من القبائل كبنى اسد وسليم ولم يختلف عنه احد من المهاجرين والانصار وكان المهاجرون سبعمائة ومعهم ثلثمائة فرس وكانت الانصار اربعة الاف ومعهم خمسمائة فرس وكانت مزينة الفا وفيها مائة فرس وكانت اسلم اربعمائة ومعها ثلاثون فرسا وكانت جهينة ثمانمائة ومعها خمسون فرسا وقيل كان صلى الله عليه وسلم في اثنى عشر الفا
ولما وصل صلى الله عليه وسلم الى الابواء او قريبا منها لقيه ابو سفيان ابن عمه الحارث وكان الحارث اكبر اولاد عبد المطب وكان يكنى به كما تقدم وكان ابو سفيان اخاه صلى الله عليه وسلم من الرضاعة على حليمة كما تقدم ولقيه بد الله بن امية بن المغيرة ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب اخو أم سلمة ام المؤمنين رضى الله عنها لأبيها لأن والدة ام سلمة عاتكة بنت جندل الطعان وكان عند ابيها امية بن المغيرة زوجتان ايضا كل منهما تسمى عاتكة فكان عنده اربع عواتك وكان مجئ الحارث وعبد الله له صلى الله عليه وسلم يريدان الإسلام وكان رضى الله تعالى عنهما من اكبر القائمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أشد الناس إذاية له صلى الله عليه وسلم أي بعد أن كان الحارث قبل النبوة آلف الناس له صلى الله عليه وسلم لا يفارقه كما تقدم وقد تقدم بعض ذكر

أذيتما له صلى الله عليه وسلم فأعرض صلى الله عليه وسلم عنهما فكلمته أم سلمة رضي الله عنها فيهما أي قالت له لا يكون ابن عمك وابن عمتك أي وصهرك اشقى الناس بك فقال صلى الله عليه وسلم لا حاجة لي بهما اما ابن عمى يعني ابا سفيان فهتك عرض واما ابن عمتي وصهري يعني عبد الله اخا ام سلمة فهو الذي قال لي بمكة ما قال أي قال له والله لا آمنت بك حتى تتخذ سلما الى السماء فتعرج فيه وانا انظر اليك ثم تأتى بصك واربعة من الملائكه يشهدون لك ان الله ارسلك الى آخر ما تقدم فلما خرج الخبر اليهما قال ابو سفيان ومعه ابن له والله ليأذنن لي أو لآخذن بيد ابني هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت جوعا وعطشا فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لهما ثم أذن لهما فدخلا عليه وأسلما وقبل صلى الله عليه وسلم إسلامهما
وقيل إن عليا كرم الله وجهه قال لابي سفيان ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف تالله لقد أثرك الله علينا وان كنا لخاطئين فإنه صلى الله عليه وسلم لا يرضى أن يكن أحد أحسن قولا منه ففعل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين وكان ابو سفيان رضي الله عنه بعد ذلك لا يرفع رأسه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم حياء منه لأنه عاداه صلى الله عليه وسلم نحو عشرين سنة يهجوه ولم يتخلف عن قتاله وكان صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يحبه ويشهد له بالجنة ويقول ارجو ان يكون خلفا من حمزة رضي الله عنهما أي وقال له صلى الله عليه وسلم يوما الصيد كل الصيد في جوف الفرا وفي رواية قال له صلى الله عليه وسلم أنت يا أبا سفيان كما قيل كل الصيد في جوف الفرا
وفي سفره صلى الله عليه وسلم صام وصام الناس حتى إذا كانوا بالكديد بفتح الكاف وكسر الدال المهملة الأولى أي وهو محل بين عسفان وقديد أفطر أي وقيل أفطر بعسفان وقيل افطر بقديد وقيل أفطر بكراع الغميم ولا منافاة لتقارب الامكنة وقال بعضهم لا مانع أن يكون صلى الله عليه وسلم كرر الفطر في تلك الأماكن لتتساوى الناس في رؤية ذلك فأخبر كل منهم عن محل رؤيته
قال وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم لما خرج ووصل الى محل يقال له الصلصل قدم

أمامه الزبير بن العوام رضي الله عنه في مائتين ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب ان يصوم فليصم ومن احب ان يفطر فليفطر
أي وفي الإمتاع لما خرج صلى الله عليه وسلم من المدينة نادى مناديه من أحب ان يصوم فليصم وفي بعض الأيام صب رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسه الماء ووجهه من شدة العطش وفي لفظ من شدة الحر وهو صائم
وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم لما بلغ الكديد بلغة أن الناس شق عليهم الصيام أي وأنهم ينظرون فيما فعلت فاستوى صلى الله عليه وسلم على راحلته بعد العصر ودعا بإناء فيه ماء وقيل لبن فشرب ثم ناوله لرجل بجنبه فشرب فقيل له بعد ذلك ان بعض الناس صام فقال أولئك العصاة أي لانهم خالفوا امره صلى الله عليه وسلم بالفطر ليقووا على مقاتلة العدو لأنه صلى الله عليه وسلم قال للصحابة لما دنوا من عدوهم انكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فلم يزل صلى الله عليه وسلم وسلم يفطر حتى انسلخ الشهر انتهى
أي وفي قديد عقد صلى الله عليه وسلم الألوية والرايات ودفعها للقبائل ثم سار حتى نزل بمر الظهران أي وهو الذي يقال له الآن بطن مرو عشاء أي وقد أعمى الله الأخبار عن قريش اجابة لدعائه صلى الله عليه وسلم فلم يعلموا بوصوله اليهم أي ولم يبلغهم حرف واحد من مسيره اليهم فأمر صلى الله عليه وسلم اصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار وجعل على الحرس عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان العباس رضي الله عنه قد خرج قبل ذلك بعياله مسلما أي مظهر اللإسلام مهاجرا فلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة وقيل بذي الحليفة فرجع معه الى مكة أي وأرسل أهله وثقله الى المدينة وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرتك يا عم آخر هجرة كما ان نبوتي أخر نبوة قال العباس رضي الله عنه ورقت نفسي لاهل مكة أي وقال يا صباح قريش والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل ان يأتوه فيستأمنوه انه لهلاك قريش الى آخر الدهر قال العباس رضي الله عنه فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء أي زاد بعضهم التي أهداها له دحية الكلبي فخرجت عليها حتى جئت الأراك فقلت لعلى اجد بعض الحطابة او صاحب لبن او ذا حاجة يأتى مكة يخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا اليه فيسأمنوه قبل ان يدخلها عنوة

فوالله إني لاسير إذ سمعت كلام ابي سفيان وبديل بن ورقاء وهما يتراجعان أي وقد خرجا وحكيم بن حزام أي بعد ان خرج ابو سفيان وحكيم بن حزام فلقيا بديلا فاستصحباه وخرجوا يتجسسون الأخبار وينظرون هل يجدون خبرا او يسمعون به أي لأنهم علموا بمسيره صلى الله عليه وسلم ولم يعلموا الى أي جهة
وفي سيرة الدمياطي ولم يبلغ قريشا مسيره اليهم فلا ينافي ما قبله وهم مغتمون يخافون من غزوة إياهم فبعثوا ابا سفيان بن حرب يتجسس الأخبار وقالوا إن لقيت محمدا فخذلنا منه أمانا أي فلما سمعوا صهيل الخيل راعهم ذلك وأبو سفيان يقول ما رايت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا هذه كنيران عرفة وبديل يقول له هذه والله خزاعة حمشتها الحرب وحمشتها بالحاء المهملة والشين المعجمة أي احرقتها وقيل بالسين المهملة أي اشتدت عليها من الحماسة وهي الشدة وابو سفيان يقول خزاعة اذل واقل من ان تكون هذه نيرانها وعسكرها أي وفي رواية أن القائل هذه خزاعة غير بديل وان بديلا هو القائل هؤلاء أكثر من خزاعة وهو المناسب لان بديلا من خزاعة قال العباس رضي الله عنه فعرفت صوت ابي سفيان أي وكان ابو سفيان صديقا للعباس ونديمه قال العباس فقلت يا ابا حنظلة فعرف صوتي فقال ابو الفضل فقلت نعم قال مالك فداك ابي وامي قلت والله هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس قد جاءكم بما لا قبل لكم به أي وفي رواية قد جاءكم بعشرة آلاف فقال واصباح قريش والله فما الحيلة فداك أبي وأمي قلت والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب في عجز هذه البغلة حتى أتيك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمنه لك فركب خلفي أي ورجع صاحباه فجئت به كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا من هذا وإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا عليها قالوا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته حتى مررت بنار عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال من هذا وقام الى فلما راى أبا سفيان على عجز الدابة قال ابو سفيان عدو الله الحمد لله الذي قد أمكن منك من غير عقد ولا عهد ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فركضت البغلة فسبقته فاقتحمته عن البغلة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليه عمر في اثرى فقال يا رسول الله هذا ابو سفيان أي عدو الله قد أمكن من من غير عقد ولا عهد فدعني لأضرب عنقه قال قلت يا رسول الله إني قد أجرته ولعل العباس

وعمر رضي الله عنهما لم يبلغهما قوله صلى الله عليه وسلم إنكم لاقون بعضهم فإن لقيتم ابا سفيان فلا تقتلوه إن صح
قال العباس رضي الله ثم جلست الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت براسه فقلت والله لا يناجيه الليلة رجل دوني فلما أكد عمر في شأنه قلت مهلا يا عمر فوالله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت مثل هذا أي ولكنك قد عرفت انه من رجال عبد مناف قال مهلا يا عباس فو الله لإسلامك يوم اسلمت كان احب إلي من اسلام الخطاب لو أسلم وما بي الا اني قد عرفت ان اسلامك كان احب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اسلام الخطاب لو أسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب به يا عباس الى رحلك فإذا اصبحت فأتنى به
وفي البخاري ان الحرس ظفروا بأبي سفيان ومن معه وجاءوا بهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا
وجمع بعضعم بأنه يجوز ان يكون العباس اخذهم من الحرس أي ويؤيده قول ابن عقبة رحمه الله لما دخل الحرس بأبي سفيان وصاحبيه لقيهم العباس بن عبد المطلب فأجارهم أي واتى بأبي سفيان وتأخر صاحباه قال وفي لفظ أخذهم نفر من الانصار بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عيونا فأخذوا بخطم أبعرتهم فقالوا من أنتم قالوا نحن اصحاب رسول صلى الله عليه وسلم وها هو فقال ابو سفيان هل سمعتم بمثل هذا الجيش نزلوا على اكباد قوم لم يعلموا بهم فجاءوا بهم الى عمر رضي الله تعالى عنه أي لأنه كان في تلك الليلة على الحرس كما تقدم فقالوا جئناك بنفر من أهل مكة فقال عمرو وهو يضحك اليهم والله لو جئتموني بأبي سفيان ما زدتم فقالوا والله أتيناك بأبي سفيان فقال احبسوه فحبسوه حتى أصبح فغدوا به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وفيه مالا يخفى فان الجمع بينه وبين ما قبله بعيد
قال العباس ولما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب به يا عباس الى رحلك فذهبت به فلما اصبح غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بعد ان نؤدي بالصلاة وثار الناس ففزع ابو سفيان وقال للعباس يا أبا الفضل ما يريدون قال الصلاة
وفي رواية ما للناس أامروا في بشىء قال لا ولكنهم قاموا الى الصلاة ورأى

المسلمين يتلقون وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رآهم يركعون إذا وكع ويسجدون إذا سجد فقال للعباس يا عباس ما يأمرهم بشئ الا فعلوه فقال له العباس لو نهاهم عن الطعام والشراب لأطاعوه فقال ما رأيت ملكا مثل هذا لاملك كسرى ولا ملك قيصر ولا ملك بني الاصفر ثم قال للعباس كلمه في قومك هل عنده من عفو عنهم فانطلق العباس بأبى سفيان حتى أدخله على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك يا ابا سفيان أم يأن لك أن تعلم عليه أنه لا إله الا الله قال بأبي وأمي انت ما أحلمك وأكرمك وأوصلك لقد ظننت أنه لو كان مع الله اله غيره ما اغنى عني شيئا بعد قال ويحك يا ابا سفيان ألم يأن لك أن تعلم انى رسول الله قال بأبي انت وأمي اما والله هذه فإن في النفس حتى الآن منها شيئا
قال وفي رواية أن بديلا وحكيم بن حزام لم يرجعا بل جاء بهم العباس وان العباس قال يا رسول الله ابو سيفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء قد اجرتهم وهم يدخلون عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخلهم فدخلوا عليه فمكثوا عنده عامة الليل يستخبرهم أي عن أهل مكة ودعاهم الى الاسلام فقالوا نشهد ان لا اله الا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهدوا أني رسول الله فشهد بذلك بديل وحكيم بن حزام فقال ابو سفيان ما اعلم ذلك والله إن في النفس من هذا شيئا فأرجئها انتهى وأي اخرها الى وقت آخر
وفي أسد الغابة أنه صلى الله عليه وسلم قال ليلة قرب من مكة في غزوة الفتح إن بمكة اربعة نفر من قريش أربأ بهم عن الشرك وأرغب بهم في الإسلام عتاب بن اسيد وجيبر بن مطعم وحكيم بن حزام وسهيل بن عمرو أي وهذا يدل على القول بأن جبيرا أسلم يوم الفتح كمن ذكر معه وذكر بعضهم أنه أسلم بعد الحديبية وقبل الفتح
فقال العباس رضي الله تعالى عنه لأبي سفيان ويحك اسلم واشهد ان لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله قبل ان تضرب عنقك فشهد شهادة الحق فاسلم
وذكر عبد بن حميد ان النبي صلى الله عليه وسلم حين عرض الإسلام على ابي سفيان قال له كيف اصنع بالعزى فسمعه عمرو رضي الله تعالى عنه من وراء القبة فقال له تخرأ عليها فقال له ابو سفيان ويحك يا عمر إنك رجل فاحش دعني مع ابن عمي

فإياه اكلم وكان في هذا التصديق أمية بن ابي الصلت فإنه كان يقول كنت رأى في كتبي أن نبيا يبعث في حرتنا فكنت أظن بل كنت لا اشك أني أنا هو فلما دارست أهل العلم إذ هو في بني عبد مناف فنظرت في بني عبد مناف فلم أجد أحدا يصلح لهذا الأمر الا عتبة بن ربيعة فلما جاوز الاربعين سنة ولم يوح اليه علمت أنه غيره قال ابو سفيان فخرجت في ركب اريد اليمن في تجارة فمررت بأمية بن أبي الصلت فقلت له كالمستهزئ به يا أمية قد خرج النبي الذي كنت تنعته قال انه حق فاتبعه قلت ما يمنعك من اتباعه قال ما يمنعني من اتباعه إلا الاستحياء من بنيات ثقيف إني كنت احدثهم اني هو يرينني تابعا لغلام من بني عبد مناف ثم قال لابي سفيان كأني بك يا أبا سفيان إن خالفته قد ربطت كما يربط الجدى حتى يأتى بك اليه فيحكم فيكم بما يريد رواه الطبراني في معجمه
وذكر بعضهم أن امية هذا كان يتفرس في بعض الأحيان في لغات الحيوان فمر يوما على بعير عليه امرأة راكبة وهو يرفع رأسه اليها ويرغوا فقال هذا البعير يقول إن في رحلة مسلة تصيب ظهره فأنزلوا تلك المرأة وحلوا ذلك الرجل فوجدوا المسلة كما قال
وذكر ان حكيم بن حزام قال يا رسول الله أجئت بأوباش الناس من يعرف ومن لا يعرف الى أهلك وعشيرتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أظلم وأفجر قد غدرتهم بعقد الحديبية وتجارتم على بني كعب يعني خزاعة بالإثم والعدوان في حرم الله وأمنه فقال بديل صدقت والله يا رسول الله فقد غدروا بنا والله لو أن قريشا خلوا بيننا وبين عدونا ما نالوا منا الذي نالوا فقال حكيم قد كنت يا رسول الله حقيقا ان تجعل عدتك وكيدك لهوازن فإنهم أبعد رحما واشد عدواة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأرجوا أن يجمعها لي ربي فتح مكة وإعزاز الإسلام بها وهزيمة هوازن وأخذ أموالهم وذراريهم وقال له ابو سفيان يارسول الله ادع الناس بالأمان أرأيت إن اعتزلت قريش فكفت أيديها آمنون هم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم من كف يده وأغلق داره فهو آمن قال العباس فقلت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا قال نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن


أي فحكيم بن حزام من مسلمة الفتح وكان عمره ستين سنة وبقي في الإسلام مثل ذلك كان من اشراف قريش في الجاهلية والإسلام واعتق في الجاهلية مائة رقبة وفي الإسلام مثل ذلك فإنه حج في الإسلام وأوقف بعرفة مائة وصيف في أعناقهم أطواق الفضة منقوش عليها عتقاء الله عن حكيم بن حزام وأهدى مائة بدنة قد جللها بالحبرة وأهدى ألف شاة وعقد صلى الله عليه وسلم لأبي رويحة الذي آخى صلى الله عليه وسلم بينه وبين بلال لواء وأمره ان ينادي من دخل تحت لواء ابي رويحة فهو آمن أي وانما قال ذلك لما قال له ابو سفان وما تسع داري وما يسع المسجد ولما قال له صلى الله عليه وسلم ذلك قال ابو سفيان هذه واسعة ثم أمر صلى الله عليه وسلم العباس ان يحبس أبا سفيان بديلا وحكيم بن حزام أي وعليه انماخص ابو سفيان بالذكر في بعض الروايات لشرفه قال له احبسه بمضيق الوادى حتى تمر به جنود الله فيراها قال العباس ففعلت فمرت القبائل كلها مرت قبيلة كبرت ثلاثا عند محاذاته قال يا عباس من هذه فأقول سليم فيقول مالي ولسليم أي فإن أول القبائل مر سليم وفيها خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه ثم تمر القبيلة فيقول يا عباس من هؤلاء فأقول مزينة فيقول مالي ولمزينة حتى نفدت بالفاء والدال المهملة القبائل كلها ما تمر قبيلة الا سألني عنها قلت له بنو فلان قال مالي ولبني فلان
اي وقد ذكرها بعضهم مرتبة فقال أول من مر خالد بن الوليد في بني سليم بضم السين فقال ابو سفيان يا عباس من هؤلاء قال هذا خالد بن الوليد قال الغلام قال نعم قال ومن معه قال بنو سليم قال مالي ولبني سليم
ثم مر على اثره الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه في خمسمائة من المهاجرين وفتيان العرب فقال ابو سفيان من هؤلاء قال الزبير قال ابن اخيك قال نعم
ثم مرت بنو غفار بكسر الغين المعجمة ثم أسلم ثم بنو كعب ثم مزينة ثم جهينة ثم كنانة ثم اشجع
ولما مرت اشجع قال ابو سفيان للعباس هؤلاء كانوا اشد العرب على محمد قال العباس ادخل الله الاسلام قلوبهم فهذا فضل الله حتى مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء للبسهم الحديد والعرب تطلق الخضرة على السواد كما تطلق

السواد على الخضرة وفيها المهاجرون الانصار لا يرى منهم الا الحدق من الحديد أي فيها ألفا دارع وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يقول رويدا حتى يلحق أولكم آخركم قال سبحان الله يا عباس من هؤلاء فقلت هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأنصار فقال ما لاحد بهؤلاء قبل ولا طاقة فقال ابو سفيان والله يا أبا الفضل لقد اصبح ملك ابن اخيك اليوم عظيما فقلت يا أبا سفيان إنها النبوة فقال نعم إذن ثم قلت له النجاء بالفتح والمد الى قومك حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به فمن دخل دار ابي سفيان فهو آمن فقامت اليه زوجته هند بنت عتبة أم معاوية رضي الله تعالى عنهم فأخذت بشاربه وقالت كلاما معناه اقتلوا الخبيث الدنس لا خير فيه قبح من طليعة قوم
أي وفي رواية أنها أخذت بلحيته ونادت يا آل غالب اقتلوا الشيخ الأحمق هلا قاتلتم ودفعتم عن أنفسكم وبلادكم فقال لها ويحك اسكتي وادخلي بيتك وقال ويحكم لا تغرنكم هذه من انفسكم فإنه قد جاءكم مالا قبل لكم به من دخل دار أبي سفيان فهو أمن قالوا قبحك الله وما تغنى عنا دارك قال ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن دخل دار حكيم ابن حزام فهو آمن ومن دخل تحت لواء ابي رويحة فهو آمن فتفرق الناس الى دورهم والى المسجد أي وبهذا استبدل على أن مكة فتحت صلحا لا عنوة وبه قال إمامنا الشافعي رحمه الله وقال غيره فتحت عنوة
وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه حكيم بن حزام مع ابي سفيان بعد إسلامها الى مكة وقال من دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن وكانت أسفل مكة ومن دخل دار ابي سفيان فهو آمن وكانت باعلى مكة واستثنى صلى الله عليه وسلم جماعة أمر بقتلهم وهم أحد عشر رجلا أي وفي الامتاع ستة نفر وأربع نسوة وإن وجدوا متعلقين بأستار الكعبة منهم عبد الله بن ابي سرح وهو أخو عثمان بن عفان من الرضاعة وكان فارس بني عامر وكان احد النجباء الكرام من قريش رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وعبد الله بن خطل وقينتاه وعكرمة ابن ابي جهل رضى الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك والحويرث بن نفيل ومقيس بن حبابة وهبار بن الاسود رضى الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وكعب بن زهير رضي

الله عنه فإنه اسلم بعد ذلك وهو صاحب بانت سعاد والحارث بن هشام رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وهو أخو ابي جهل لأبويه وزهير بن أمية رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وسارة مولاة لبعض بني عبد المطلب رضي الله تعالى عنها فإنها أسلمت بعد ذلك وعاشت الى خلافة ابي بكر رضي الله تعالى عنه وتقدم أنها كانت حاملة لكتاب حاطب بن ابي بلتعه وصفوان بن امية رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وزهير ابن ابي سلمى أي وهند بنت عتبة امرأة ابي سفيان ووحشي بن حرب رضي الله تعالى عنه فانه اسلم بعد ذلك
وفي رواية ان سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه كان معه راية رسول الله صلى الله عليه وسلم أي على الانصار
ولما مر على أبي سفيان وهو واقف بمضيق الوادي قال أبو سفيان من هذه قال هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية فلما حاذاه سعد قال يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة أي الحرب والقتال اليوم أستحل الحرمة وفي لفظ الكعبة اليوم أذل الله قريشا فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعضهم ورأيته مع الزبير رضي الله تعالى عنه فلما مر بأبي سفيان وحاذاه أبو سفيان ناداه يا رسول الله أمرت بقتل قومك فإنه زعم سعد ومن معه حين مر بنا أنه قاتلنا فإنه قال اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة اليوم أذل الله قريشا أنشدك الله في قومك فأنت أبر الناس بر وأرحمهم وأوصلهم فقال عثمان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما يا رسول الله فإنا لا نأمن من سعد أن يكون له في قريش صولة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا سفيان كذب سعد اليوم يوم المرحمة اليوم أعز الله فيه قريشا أي وفي رواية اليوم يعظم الله فيه الكعبة اليوم تكسى فيه الكعبة وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عبادة أي أرسل عليا كرم الله وجهه أن ينزع اللواء منه ويدفعه لابنه قيس رضي الله تعالى عنهما وقيل أعطاه للزبير وقيل لعلي كرم الله وجهه خشية أن يقع من ابنه قيس مالا يرضاه صلى الله عليه وسلم أي لأن قيسا رضي الله تعالى

عنه كان من دهاة العرب وأهل الرأي والمكيدة في الحرب مع النجدة والبسالة والشجاعة من وقف على ما وقع بينه وبين معاوية لما ولاه سيدنا علي كرم الله وجهه بعد قتل عثمان رضي الله تعالى عنه مصر لرأي العجب من وفور عقله ومع ذلك كان له من الكرم مالا مزيد عليه وقفت له رضي الله تعالى عنه عجوز وقالت له أشكو إليك قلة الجرذان ببيتي والجرذان بالذال المعجمة نوع من الفيران فقال ما أحسن هذا السؤال وقال لها لأكثرن الجرذان ببيتك فملأ بيتها طعاما وأدما وقيل قالت له مشت جرذان بيتي على العصى فقال لها لأدعهن يثبن وثبة الأسود ثم ملأ بيتها طعاما ولا مانع من تعدد الواقعة
ومن هذا الوادي ما كتب به بعضهم الى عبد الملك بن مروان يا أمير المؤمنين أشكو اليك الشرف فقال له ما أحسن ما استمنحت وأعطاه عشرة آلاف درهم فقيل له في ذلك يسأل ما لا يقدر عليه ويعتذر فلا يعذر
ولما أشرف أبوه سعد رضي الله تعالى عنهما على الموت قسم ماله في أولاده وكان له حمل لم يشعر به فلما مات سعد وولد له ذلك الحمل كلمه أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما في أن ينقض ما صنع أبوه من تلك القسمة فقال نصيبي للمولود ولا أغير ما صنع أبي ولم يكن في وجه قيس رضي الله تعالى عنه شعر وكان مع ذلك جميلا وكانت الأنصار رضي الله تعالى عنهم تقول وددنا أن نشتري لقيس بن سعد لحية بأموالنا وكان له ديون على الناس كثيرة فلما مرض رضي الله تعالى عنه استبطأ عواده فقيل له إنهم مستحيون من أجل دينك فأمر مناديا ينادي كل من كان لقيس بن سعد عليه دين فهو له فأتاه الناس حتى هدموا درجة كان يصعد عليه إليه
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اللواء لم يخرج عن سعد إذ صار لابنه قيس رضي الله تعالى عنهما قال وروى أن سعدا أبى أن يسلم اللواء الا بأمارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل صلى الله عليه وسلم اليه بعمامته فدفع اللواء لابنه قيس رضي الله تعالى عنهما انتهى
وفي صحيح البخاري ان كتيبة الأنصار جاءت مع سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه ومعه الراية ولم ير مثلها ثم جاءت كتيبة وهى أقل وفي رواية الحميدي وهي أجل الكتائب

بالجيم قال في الأصل وهي أظهر من رواية أقل لانها كانت خاصة المهاجرين فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم والراية مع الزبير رضي الله تعالى عنه
وأمر رسول الله خالد بن الوليد ان يدخل مع جملة من قبائل العرب من اسفل مكة أي وأن يغرز رايته عند أدنى البيوت وقال لا تقاتلوا الا من قاتلكم وكان صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو رضي الله عنهم أي فإنهم أسلموا بعد ذلك قد جمعوا ناسا بالخندمة وهو جبل بمكة ليقاتلوا وكان من جملتهم رجل كان يعد سلاحا ويصلح من شأنه فتقول له زوجته أي وقد كانت أسلمت سرا لماذا تعد ما أرى فيقول لمحمد وأصحابه فتقول له والله ما أراه يقوم لمحمد وأصحابه شيء قال والله إني لأرجوا أن أخدمك بعضهم
وفي تاريخ مكة للأزرقي قال رجل من قريش لامرأته وهي تبرى نبالا له وكانت أسلمت سرا فقالت له لم تبري هذا النبل قال بلغني أن محمدا يريد أن يفتح مكة ويغزوها فلئن كان لأخدمنك خادما من بعض من أستأسره فقالت له والله لكأني بك وقد رجعت تطلب مخبأ أخبئك فيه لو رايت خيل محمد فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح أقبل لك الرجل اليها فقال ويحك هل من مخبأة فقالت له فأين الخادم فقال لها دعى عنك وأنشد الأبيات الآتية هذا كلامه
وسبب ذلك أن خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه لما لقيهم بالمحل المذكور منعوه الدخول ورموه بالنبل وقالوا له لا تدخلها عنوة فصاح خالد في أصحابه فقتل من قتل وانهزم من لم يقتل وكان من جملة من انهزم ذلك الرجل
وفي رواية أنه لما دخل بيته قال لامرأته أغلقي على بابي قالت وأين ما كنت تقول أين الخادم الذي كنت وعدتني تسخر به فقال إنك لو شهدت يوم الخندمة عبارة الأزرقي ** وأنت لو أبصرتنا بالخندمه ** إذ فر صفوان وفر عكرمة ** ** واستقبلتنا بالسيوف المسلمة ** يقطعن كل ساعد وجمجمه ** ** ضربا فلا تسمع الا غمغمه ** لهم نهيت حولنا وهمهمة ** ** لا تنطفى في اللوم أدنى كلمه **

والغمغمة الصوت الذي لا يفهم والنهيت بالمثناة تحت وفوق الزحير والهمهمة صوت في الصدر
أي واستمر خالد رضي الله تعالى عنه يدفعهم الى أن وصل الحزورة الى باب المسجد أي وصعدت طائفة منهم الجبل فتبعهم المسلمون فرأى صلى الله عليه وسلم وهو على العقبة بارقة السيوف فقال ما هذا وقد نهيت عن القتال فقيل له لعل خالدا قوتل وبدئ بالقتال فلم يكن له بد من ان يقاتل من يقاتله وما كان يا رسول الله ليخالف أمرك فقتل من المشركين اربعة وعشرون من قريش واربعة من هذيل
وفي رواية جعل صلى الله عليه وسلم الزبير رضي الله تعالى عنه على إحدى المجنبتين أي وهما الكتيبتان تأخذ إحداهما اليمين والأخرى اليسار والقلب بينهما وخالدا على الأخرى وأبا عبيدة على الرجالة
وفي لفظ على الحسر بضم الحاء المهملة وتشديد السين المهملة أي الذين لا دروع لهم قال في شرح مسلم فهم رجاله لا دروع عليهم وقد أخذوا بطن الوادي ولعل ذلك كان قبل الدخول الى مكة فلا ينافي ما سيأتى انه صلى الله عليه وسلم أعطى الزبير رضي الله تعالى عنه راية وأمره أن يغرزها بالحجون لا يبرح حتى يأتيه في ذلك المحل وفي ذلك المحل بنى مسجد يقال له مسجد الراية
وقد بوشت قريش أبواشا أي جمعوها من قبائل شتى فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا هريرة رضي الله تعالى عنه وقال لي اهتف أي صح لي بالأنصار فهتف بهم فجاءوا وطافوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم ثم قال صلى الله عليه وسلم بيديه إحداهما على الأخرى احصدوهم حصدا حتى توافوني بالصفا أي ودخلوا من أعلى مكة قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه فانطقلنا فما شاء احد من ان يقتل منهم ما شاء وما أحد يوجه الينا منهم شيئا وفي لفظ فما نشاء ان نقتل أحدا منهم الا قتلناه أي لا يقدر أن يدفع عن نفسه فجاء ابو سفيان رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله أبيحت خضراء قريش لا قريش أي لا جماعة لقريش بعد اليوم لأن الجماعة المجتمعة يعبر عنها بالسواد الأعظم فيقال السواد الأعظم ويعبر عنها بالخضرة كما هنا فالمراد جماعة قريش وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم من أغلق بابه فهو آمن


قال ووجه صلى الله عليه وسلم اللوم على خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه وقال له لم قاتلت وقد نهيت عن القتال قال هم يا رسول الله بدءونا بالقتال ورمونا بالنبل ووضعوا فينا السلاح وقد كففت ما استطعت ودعوتهم إلى الإسلام فأبوا حتى إذا لم أجد بدا من أن أقاتلهم فظفرنا الله بهم فهربوا من كل وجه
وفي لفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل من الأنصار عنده يا فلان قال لبيك يا رسول الله قال ائت خالد بن الوليد وقل له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن لا تقتل بمكة أحدا فجاء الأنصاري فقال يا خالد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تقتل من لقيت من الناس فاندفع خالد فقتل سبعين رجلا بمكة فجاء الى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من قريش فقال يا رسول الله هلكت قريش لا قريش بعد اليوم قال ولم قال هذا خالد بن الوليد لا يلقى أحدا من الناس إلا قتله قال ادع لي خالدا فدعاه له فقال يا خالد ألم أرسل اليك أن لا تقتل أحدا قال بل أرسلت أن اقتل من قدرت عليه قال صلى الله عليه وسلم ادع لي الأنصاري فدعاه له فقال أما أمرتك أن تأمر خالدا أن لا يقتل أحدا قال بلى ولكنك أردت أمرا وأراد الله غيره فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل للأنصاري شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كف عن الطلب قال قد فعلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى الله أمرا ثم قال كفوا السلاح إلا خزاعة عن بني بكر الى صلاة العصر وهي الساعة التي أحلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم
أي وهذه المقاتلة التي وقعت خالد رضي الله تعالى عنه لا تنافي كون مكة فتحت صلحا كما تقدم أي لأنه صلى الله عليه وسلم صالحهم بمر الظهران قبل دخول مكة
وأما قوله صلى الله عليه وسلم من دخل دار ابي سفيان فهو آمن ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن دخل تحت لواء ابي رويحة فهو آمن فهو من زيادة الاحتياط لهم في الأمان
وقوله احصدوهم حصدا محمول على من أظهر من الكفار القتال ولم يقع قتال ومن ثم قتل خالد رضي الله تعالى عنه من قاتل من الكفار وإرادة على كرم الله وجهه قتل الرجلين اللذين أمنتهما أخته أم هاني كما سيأتي لعله تأول فيهما شيئا أو جرى منهما قتال له

وتأمين أم هانئ لهما من تأكيد الأمان الذي وقع للعموم فلا حجة في كل ما ذكر على أن مكة فتحت عنوة كما قاله الجمهور
وقيل اعلاها فتح صلحا أي الذي سلكه ابو هريرة والأنصار لعدم وجود المقاتلة فيه وأسفلها الذى سلكه خالد رضي الله عنه فتح عنوة لوجود المقاتلة فيه كما تقدم
ودخل صلى الله عليه وسلم مكة وهو راكب على ناقته القصواء أي مردفا اسامة ابن زيد بكرة يوم الجمعة معتجرا بشقة برد حبره حمراء واضعا رأسه الشريف على رحله تواضعا لله تعالى حين رأى ما رأى من فتح الله تعالى مكة وكثرة المسلمين ثم قال اللهم إن العيش عيش الآخرة
وقيل دخل صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه المغفر وقيل وعليه عمامة سوداء حرقانية قد أرخى طرفها بين كتفيه بغير إحرام ورايته سوداء ولواؤه أسود
وعن جابر رضي الله تعالى عنه كان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يود دخل مكة أبيض وعن عائشة رضي الله تعالى عنها كان لواؤه يوم الفتح أبيض ورايته سوداء تسمى العقاب أي وهي التي كانت بخيير وتقدم انها كانت من برد عائشة
وعنها رضي الله تعالى عنها انها قالت دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من كداء بفتح الكاف والمد والتنوين وهذا هو المعروف خلافا لما قال إنه دخل من أسفل مكة وهي ثنية كدى بضم الكاف والقصر والتنوين وسيأتى انه عند الخروج خرج صلى الله عليه وسلم من هذه وبهذا استدل أئمتنا على أنه يستحب دخول مكة من الأولى والخروج منها من الثانية أي واغتسل صلى الله عليه وسلم لدخول مكة كما حكاه إمامنا الشافعي رضي الله عنه في الأم وبه استدل على استحباب الغسل لداخل مكة ولو حلالا أي وسيأتى ذلك عن أم هانئ رضي الله تعالى عنها وأي وكن شعار المهاجرين يا بني عبد الرحمن وشعار الخزرج يا بني عبد الله وشعار الأوس يا بني عبيد الله أي شعارهم الذي يعرف به بعضهم بعضا في ظلمة الليل وعند اختلاط الحرب لو وجد
ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة واطمأن الناس قال وذلك بالحجون موضع ماغرز الزبير رضي الله تعالى عنه رايته صلى الله عليه وسلم عند شعب ابي طالب الذي حصرت فيه بنو هاشم أي وبنو المطلب قبل الهجرة بقبة من أدم نصبت له هناك

ومعه صلى الله عليه وسلم فيها أم سلمة وميمونة زوجتاه صلى الله عليه وسلم ورضى عنهما
فعن جابر رضي الله تعالى عنه لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيوت مكة وقف فحمد الله وأثنى عليه ونظر الى موضع قبته وقال هذا منزلنا يا جابر حيث تقاسمت قريش علينا قال جابر رضي الله تعالى عنه فذكرت حديثا كنت سمعته منه صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بالمدينة منزلنا إذا فتح الله تعالى علينا مكة في خيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر أي لان قريشا وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حت يسلموا اليهم صلى الله عليه وسلم الى آخر ما تقدم في قصة الصحيفة انتهى وفيه أنه سيأتى في حجة الوادع أنهم تحالفوا بالمحصب
ففي البخاري عن ابي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال يوم النحر وهو بمنى نحن نازلون غدا بخيف بنى كنانة حيث تقاسموا على الكفر يعني بالمحصب وعن اسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما قال يا رسول الله أين تنزل غدا أتنزل في دارك فقال وهل ترك لنا عقيل من دار وتقدم ما يغني عن إعادته هنا فكان صلى الله عليه وسلم ياتي المسجد من الحجون لكل صلاة وكان دخوله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الاثنين
فقد قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين ووضع الحجر يوم الاثنين وخرج من مكة أي مهاجرا يوم الاثنين أي ودخل المدينة يوم الاثنين ونزلت عليه سورة المائدة يوم الاثنين
ثم سار صلى الله عليه وسلم وإلى جانبه ابو بكر رضي الله تعالى عنه يحادثه ويقرأ سورة الفتح حتى جاء البيت وطاف به سبعا على راحلته أي ومحمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه آخذ بزمامها ليستلم الحجر بمحجن في يده
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وعلى الكعبة ثلاثمائة وستون صنما لكل حى من احياء العرب صنم قد شد ابليس أقدامها بالرصاص فجاء صلى الله عليه وسلم ومعه قضيب فجعل يهوى به الى كل صنم منها فيخر لوجهه وفي لفظ لقفاه وفي لفظ فما أشار لصنم من ناحية وجهه الا وقع لقفاه ولا اشار لقفاه الا وقع على وجهه من غير أن يمسه بما في يده يقول جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا حتى مر عليها كلها


وفي رواية فاقبل صلى الله عليه وسلم الى الحجر فاستمله ثم طاف بالبيت وفي يده قوس أخذ بسيته والسية ما انعظف من طرف القوس فأتى صلى الله عليه وسلم في طوافه على صنم الى جنب البيت أي من جهة بابه يعبدونه وهو هبل وكان أعظم الأصنام فجعل يطعن بها في عينيه ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا أي فأمر به صلى الله عليه وسلم فكسر فقال الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه لابي سفيان قد كسر هبل أما أنك قد كنت في يوم أحد في غرور حين تزعم أنه قد أنعم فقال ابو سفيان رضي الله تعالى عنه دع هذا عنك يا ابن العوام فقد أرى لو كان مع إله محمد صلى الله عليه وسلم غيره لكان غير ما كان أي وانتهى صلى الله عليه وسلم الى المقام وهو يؤمئذ لاصق بالكعبة
قال وعن على كرم الله وجهه قال انطلق بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا حتى أتى الكعبة فقال اجلس فجلست الى جنب الكعبة فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكبي ثم قال انهض فنهضت فلما رأى ضعفي تحته قال فجلست فجلسم ثم قال صلى الله عليه وسلم يا علي اصعد على منكبي ففعلت أي وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي كرم الله وجهه اصعد على منكبي واهدم الصنم فقال يا رسول الله بل اصعد أنت فإني أكرمك أن أعلوك فقال إنك لا تستطيع حمل ثقل النبوة فاصعد أنت فجلس النبي صلى الله عليه وسلم فصعد علي كرم الله وجهه على كاهله ثم نهض به قال علي فلما نهض بي فصعدت فوق ظهر الكعبة وتنحى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وخيل لي حين نهض بي أني لو شئت لنلت أفق السماء أي وفي رواية قيل لعلي كرم الله وججه كيف كان حالك وكيف وجدت نفسك حين كنت على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كان من حالي أني لو شئت أن أتناول الثريا لفعلت وعند صعوده كرم الله وجهه قال له صلى الله عليه وسلم ألق صمنهم الأكبر وكان من نحاس أي وقيل من قوراير أي زجاج
وفي رواية لما ألقى الأصنام لم يبق الا صنم خزاعة موتدا بأوتاد من الحديد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عالجه فعالجته وهو يقول إيه إيه جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا فلم أزل اعالجه حتى استمكنت منه فقذفته فتكسر


أقول وهذا السياق يدل على أنه هذا الصنم غير هبل وأن هبل ليس أكبر أصنامهم بل هذا أكبر منه ولم أقف على اسمه
ومما يدل على أن الذي كسر هو هبل قول الزبير رضي الله تعالى عنه كما تقدم لأبي سفيان أن هبل الذي كنت تفتخر به يوم أحد قد كسر قال دعني ولا توبخني لو كان مع إله محمد إله آخر لكان الأمر غير ذلك
وفي الكشاف ألقاها جميعها وبقي صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من قوراير صفر فقال صلى الله عليه وسلم يا علي ارم به فحمله رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد فرمى به فكسره فجعل اهل مكة يتعجبون ويقولون ما رأينا أسحر من محمد
وفي خصائص العشرة صاحب الكشاف زيادة وهي ونزلت من فوق الكعبة وانطلقت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم نسعى وخشينا أن يرانا أحد من قريش هذا كلامه وهذا يدل على أن ذلك لم يكن يوم فتح مكة فليتأمل
وفي الكشاف أيضا كان حول البيت ثلاثمائة وستون صنما لكل قوم صنم بحيالهم
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كانت لقبائل العرب اصنام يحجون اليها ينحرون لها فشكا البيت الى ربه عز وجل فقال يا رب الى متى تعبد هذه الأصنام حولي دونك فأوحى الله تعالى الى البيت إني سأحدث لك نوبة جديدة فلأملؤك خدودا سجدا يدفون اليك دفيف النسور ويحنون اليك حنين الطير الى بيضها لهم عجيج حولك بالبيت هذا كلامه
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة أي بعد أن ارسل بلالا رضي الله تعالى عنه الى عثمان بن ابي طلحة بمفتاح الكعبة الى اخر ما سيأتى وبعد ان محيت منها الصور أي فإنه صلى الله عليه وسلم أمر عمر رضي الله تعالى عنه وهو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها وكان عمر رضي الله تعالى عنه قد ترك صورة ابراهيم فقال صلى الله عليه وسلم يا عمر ألم آمرك ان لا تترك فيها صورة قاتلهم الله حيث جعلوه شيخا يستقسم بالأزلام وما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين هذا
وفي كلام سبط ابن الجوزي قال الواقدي رحمه الله امر رسول الله صلى الله عليه

وسلم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنهما أن يقدما الى البيت وقال لعمر لا تدع صورة حتى تمحوها الا صورة ابراهيم هذا كلامه فليتأمل
وفي رواية عن اسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما قال دخلت علي صلى الله عليه وسلم في الكعبة فرأى صورا فدعا بدلو من ماء فأتيته به فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمحوها أي وتلك الصور هي صور الملائكة وصور ابراهيم واسمعيل في ايديهما الأزلام يستقسمان بها أي واسحاق وبقية الانبياء كما تقدم في بنيان قريش الكعبة وصورة مريم فقال قاتل الله قوما يصورون مالا يخلقون قاتلهم الله لقد علموا انهما لم يستقسما بالأزلام قط أي ولا منافاة لأنه يجوز أن يكون عمر رضي الله تعالى عنه ترك مع صورة ابراهيم صورة اسمعيل ومريم وصورة الملائكة ووجد صورة حمامة من عيدان بفتح العين المهملة وكسرها بيده ثم طرحها ودها بزعفران فلطخه بتلك التماثيل أي بموضعها وصلى بها ركعتين بين اسطوانتين وفي لفظ بين العمودين اليمانيين وفي لفظ المقدمين وبينه وبين الجدار ثلاثة أذرع انتهى
أي وفي الترمذي دخل صلى الله عليه وسلم البيت وكبر في نواحيه ولم يصل وفي رواية لمسلم دخل صلى الله عليه وسلم هو وأسامه بن زيد وبلال وعثمان بن ابي طلحة زاد في رواية والفضل بن العباس قال الحافظ ابن حجر وفي رواية شاذة فأغلقوا عليهم الباب وفي لفظ آخر فأغلقا أي عثمان وبلال فأجاف أي أغلق عليهم عثمان الباب وجمع بان عثمان هو المباشر لذلك لأنه من وظيفته وبلال رضي الله تعالى عنه الله تعالى عنه كان مساعدا له في الغلق
أي ولما دخلوا كان خالد بن الوليد يذب الناس وهو واقف على باب الكعبة قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فلما فتحوا كنت اول من ولج فلقيت بلالا فسألته هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم وذهب عني أن أسأله كم صلى وهذا يدل على أن قول بلال رضي الله تعالى عنه إنه صلى الله عليه وسلم أتى بالصلاة المعهودة لا الدعاء كما ادعاه بعضهم
وفي كلام السهيلى في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه صلى فيها ركعتين وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال اخبرني أسامة بن زيد انه صلى الله عليه وسلم لمل دخل البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل فيه حتى خرج فلما خرج ركع في قبل البيت

ركعتين أي بين الباب والحجر الذي هو الملتزم وقال هذه القبلة فبلال رضي الله تعالى عنه مثبت للصلاة في الكعبة واسامة رضي الله تعالى عنه ناف والمثبت مقدم على النافي على أنه جاء أن اسامة رضي الله تعالى عنه أخبر أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة
وأجيب بأن اسامة حيث أثبت اعتمد قول بلال وحيث نفى أعتمد ما عنده أي وفي مجمع الزوائد للحافظ الهيتمى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم دخل الكعلبة فصلى بين الساريتين ركعتين ثم خرج فصلى بين الباب والحجر ركعتين ثم قال هذه القبلة ثم دخل صلى الله عليه وسلم مرة أخرى فقام يدعو ولم يصل فالنقل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما اختلف وسبب الاختلاف تعدد دخوله صلى الله عليه وسلم ففي المرة الأولى دخل وصلى وفي المرة الثانية دخل ولم يصل وهذا السياق يدل على ان ذلك كان يوم الفتح
وفي كلام بعضهم رواية ابن عباس ورواية بلال رضي الله تعالى عنهم صحيحتان لأنه صلى الله عليه وسلم دخلها يوم النحر فلم يصل ودخلها من الغد فصلى وذلك في حجة الوداع هذا كلامه فليتأمل أي ثم أنه صلى الله عليه وسلم جاء الى مقام ابراهيم وكان لاصقا بالكعبة فصلى ركعتين ثم أخره على ما تقدم ودعا صلى الله عليه وسلم بماء فشرب منه وتوضأ
وفي لفظ ثم انصرف صلى الله عليه وسلم الى زمزم فاطلع فيها وقال لولا أن تغلب بنو عبد المطلب أي يغلبهم الناس على وظيفتهم وهي النزع من زمزم لنزعت منها دلوا أي فإن الناس يقتدون به صلى الله عليه وسلم في ذلك مع أن النزع من وظيفته بني عبد المطلب وانتزع له العباس رضي الله تعالى عنه الله تعالى عنه دلوا فشرب منه وتوضأ فابتدر المسلمون يصبون على وجوههم
وفي لفظ لا تسقط الا في يد انسان إن كان قدر ما يشر بها شربها والا مسح بها جلده والمشركون يقولون ما راينا ولا سمعنا ملكا قط بلغ هذا
ولما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد أي والناس حوله خرج ابو بكر وجاء بأبيه رضي الله تعالى عنهما يقوده وقد كان كف بصره فلما رآه صلى الله عليه وسلم قال هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه وفي لفظ لو أقررت الشيخ

في بيته لأتيناه تكرمة لابي بكر فقال ابو بكر يا رسول الله أحق أن يمشي اليك من أن تمشي أنت إليه فأجلسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال أسلم تسلم فأسلم رضي الله تعالى عنه وهنأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر بإسلام ابيه رضي الله تعالى عنهما أي وعند ذلك قال ابو بكر رضي الله تعالى عنه للنبي صلى الله عليه وسلم والذي بعثك بالحق لإسلام أبي طالب كان أقر لعينى من إسلامه يعني اباه أبا قحافه وذلك أن اسلام ابي طالب كان أقر لعينك كذا في الشفاء وكان رأس ابي قحافة ولحيته بيضاء كالثغامة فقال غيروهما وجنبوهما السواد أي وفي رواية واجتنبوا السواد وجاء غيروا الشيب ولا تشبهووا باليهود والنصارى وفي رواية اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم وجاء إن احسن ما غيرتهم به هذا الشيب الحناء والكتم وعن أنس رضي الله تعالى عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خصب بالحناء والكتم قال ابن عبد البر رحمه الله والصحيح أنه رضى الله عليه وسلم لم يخضب ولم يبلغ من الشيب ما يخضب له وقد اختضب ابو بكر رضي الله تعالى عنه عنه بالحناء والكتم واختضب عمر رضي الله تعالى عنه بالحناء وجاء يا معشر الانصار حمروا أو صفروا وخالفوا اهل الكتاب وكان عثمان رضي الله تعالى عنه يصفر وعن انس رضي الله تعالى عنه دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابيض الراس واللحية فقال ألست مؤمنا قال بلى قال فاختضب لكن قيل انه حديث منكر وجاء من اختضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة قيل إنه حديث منكر وحاء يكون آخر الزمان رجال من أمتي يغيرون بالسواد لا ينظر الله اليهم يوم القيامة قيل هو غريب جدا
قال بعضهم ولعل من خضب بالسواد من الصابة رضي الله تعالى عنهم كسعد ابن ابي وقاص والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم أي وعقبة بن عامر المدفون بمصر قال بعضهم ليس بمصر قبر صحابي متفق عليه الا قبر عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه فإن كان تخضب بالسواد وهو القائل في ذلك ** تسود أعلاها وتأبى أصولها ** ولا خير في الاعلى إذا فسد الأصل **
وكان واليا على مصر من جهة معاوية رضي الله تعالى عنه فعزله بمسلمة بن مخلد وامره بالغزو في البحر


وكان عقبة رضي الله تعالى عنه يقول ما أنصفنا معاوية عزلنا وغر بنا لم يبلغهم النهى أو فهموا أن النهى للكراهة
وقد جاء اول من جزع من الشيب ابرهيم عليه الصلاة والسلام حين رآه في عارضه فقال عليه الصلاة والسلام يا رب ما هذه الشوهة التي شوهت بخليلك فأوحى الله اليه هذا سربال الوقار ونور الاسلام وعزتي وجلالي ما ألبسته احدا من خلقي يشهد ان لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي إلا استحيت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا وانشر له ديوانا أو أعذبه بالنار فقال يا رب زدني فأصبح رأسه مثل الثغامة البيضاء وفي المشكاة قال صلى الله عليه وسلم يكون في أخر الزمان قوم يخضبون بهذا السواد لا يجدون رائحة الجنة رواه أبو داود والنسائي أي وفي كلام ابن الجوزي رحمه الله أول من خضب بالسواد فرعون ومن أهل مكة أي من العرب عبد المطلب بن هاشم وعن عمر رضي الله تعالى عنه اخضبوا بالسواد فإنه أنكى للعدو واحب للنساء فليتأمل
وكان لأبي بكر رضي الله تعالى عنه أخت صغيرة في عنقها طوق من فضة اقتعله إنسان من عنقها فأخذ ابو بكر رضي الله تعالى عنه بيد اخته وقال انشدتكم بالله وبالإسلام طوق اختي فما اجابه احد ثم قال الثانية والثالثة فما اجابه احد فقال رضي الله تعالى عنه الله تعالى عنه يا أختاه احتسبي طوقك فوالله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل قال بعضهم ولم يعش لابي قحافة رضي الله تعالى عنه ولد ذكر الا ابو بكر ولا يعرف له بنت الا ام فروة التي أنكحها ابو بكر من الأشعث بن قيس وكانت قبلة تحت تميم الدارى وهي هذه المذكورة هنا
وقيل كان له بنت اخرى تمسى عريبة وعليه فيحتمل ان تكون هي المذكورة هنا وتقدم اسلام ابي ابي بكر رضي الله تعالى عنهما لما كان المسلمون في دار الأرقم وامه بنت عم ابيه قال بعضهم لم يكن احد من الصحابة المهاجرين والانصار أسلم هو ووالداه وجميع ابنائه وبناته غير أبي بكر وبنوه ثلاثة عبد الله وهو اكبرهم مات أول خلافة والده وعبد الرحمن ومحمد رضي الله تعالى عنهم ولد محمد في حجة الوداع وهو المقتول بمصر وبناته ثلاثة أيضا أسماء وهي أكبرهن وهي شقيقة عبد الله وعائشة وهي شقيقة عبد الرحمن وأم كلثوم رضي عنه الله تعالى عنهم وعنهن
مات ابو بكر رضي الله تعالى عنه وهي ببطن امها وقد انزل الله تعالى في حقه { رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي }

الآيات قال بعضهم لا يعرف في الصحابة اربعة اسلموا وصحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وكل واحد أبو الذي بعده الا في بيت أبي بكر رضي الله تعالى عنه ابو قحافة وابنه ابو بكر وابنه عبد الرحمن وابن عبد الرحمن محمد ويكنى بأبي عتيق
أي وقد قيل إن قيل هل تعرفون أربعة رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في نسق أي من الذكور كل ابن الذي قبله اجيب بأنهم هؤلاء الاربعة ابو قحافة وابنه ابو بكر وابنه عبد الرحمن وابن عبد الرحمن محمد وبقولنا من الذكور لا يرد ما أورد على ذلك ان هذا يصدق على أبي قحافة وابنه ابي بكر وبنته اسماء وابنها عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم نعم يرد على ذلك حارثه ابو زيد فإنه أسلم على ما ذكره الحافظ المنذري ورأى النبي صلى الله عليه وسلم بعد اسلامه وابنه زيد بن حارثه وابنه اسامة بن زيد وجاء أسامة بولد في حياته صلى الله عليه وسلم أي ويحتاج الى اثبات كونه صلى الله عليه وسلم رأى ذلك المولود الى أن يقال كان من شانهم إذا ولد لأحدهم مولود جاء به الى النبي صلى الله عليه وسلم فيحنكه ويسميه خصوصا وهذا المولود ابن حب الحب ولم أقف على اسم هذا المولود فليراجع في اسماء الصحابة
وحينئذ يقال لأجل عدم ورود من ذكر ليس لنا اربعة ذكور معروفة أسماؤهم بعد الوقوف على اسم ذلك المولود يقال لأجل عدم الورود ليس لنا اربعة ليسوا من الموالي الا ابو قحافة وابنة ابو بكر وابن ابي بكر عبد الرحمن وابن عبدالرحمن محمدا أبو عتيق فليتأمل
لا يقال هذا موجود في غير بيت الصديق فقد ذكروا في الصحابة اربعة كذلك أي ذكور كل واحد أبو الذي بعده عرفت اسماؤهم وليس فيهم مولى وهم اياس ابن سلمة بن عمرو بن لال
لأنا نقول المراد المتفق على صحبتهم وهؤلاء لم يقع الاتفاق على صحبتهم
ومن الفوائد المستحسنة أنه ليس في الصحابة قال بعضهم بل ولا في التابعين من اسمه عبد الرحيم وثلاثة ذكور ادركوا النبي صلى الله عليه وسلم على نسق وهم السائب والد إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه وابوه عبيد وجده عبد يزيد
ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفا فعلاه حيث ينظر الى البيت فرفع يديه فجعل يذكر بما شاء ان يذكره ويدعوه والأنصار تحته قال بعضهم لبعض أما

الرجل فأدركته رغبة في قربته ورأفة بعشيرته فنزل الوحي عليه صلى الله عليه وسلم بما ذكر القوم فلما قضى الوحي رفع صلى الله عليه وسلم رأسه قال يا معشر الأنصار قلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قرابته ورأفة بعشيرته قالوا قلنا ذلك يا رسول الله قال صلى الله عليه وسلم فما اسمى إذن أي إن فعلت ذلك كيف اسمى وأوصف باني عبد الله ورسوله كلا لا أفعل ذلك إني عبد الله ورسوله أي ومن كان هذا وصفه لا يفعل ذلك هاجرت إلى الله واليكم فالمحيا محياكم والممات مماتكم فأقبلوا اليه صلى الله عليه وسلم يبكون ويقولون والله ما قلنا الذي قلنا الا الضن أي البخل بالله وبرسوله أي لا نسمح أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير بلدتنا يعنون المدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله ورسوله يعذرانكم ويصدقانكم
وفي رواية ان الانصار رضي الله تعالى عنهم قالوا فيما بينهم أترون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فتح الله أرضه وبلده يقيم بهما فلما فرغ صلى الله عليه وسلم من دعائه قال ماذا قلتم قالوا لا شيء يا رسول الله فلم يزل بهم حتى اخبروه فقال صلى الله عليه وسلم معاذ الله المحيا محياكم والممات مماتكم
اي وتقدم له صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة نظير ذلك وهو أن الأنصار قالوا يا رسول الله هل عسيت ان نحن نصرناك واظهرك الله ان ترجع الى قومك وتدعنا فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال بل الدم الدم والهدم الهدم
وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بقتل عبد الله بن أبى سرح لأنه كان أسلم قبل الفتح وكان يكتب لرسول الله الوحي وكان صلى الله عليه وسلم إذا أملى عليه سميعا بصيرا كتب عليما حكيما وإذا أملى عليه حكيما كتب غفورا رحيما وكان يفعل مثل هذه الخيانات حتى صدر عنه أنه قال إن محمدا لا يعلم ما يقول فلما ظهرت خيانته لم يستطع أن يقيم بالمدينة فارتد وهرب الى مكة وقيل إنه لما كتب { ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } الى قوله { ثم أنشأناه خلقا آخر } تعجب من تفصيل خلق الإنسان فنطق بقوله { فتبارك الله أحسن الخالقين } قبل إملائه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتب ذلك هكذا أنزلت فقال عبد الله إن كان محمد نبيا يوحى اليه فأنا نبي يوحى إلي فارتد ولحق بمكة فقال لقريش إني كنت أصرف محمدا كيف شئت كان يملى على عزيز حكيم فأقول او عليم حكيم فيقول نعم كل صواب وكل

ما أقوله يقول اكتب هكذا نزلت فلما كان يوم الفتح وعلم باهدار النبي صلى الله عليه وسلم دمه لجأ الى عثمان بن عفان أخيه من الرضاعة فقال له يا أخي استأمن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يضرب عنقي فغيبه رضي الله تعالى عنه حتى هدأ الناس واطمأونا فاستأمن له ثم أتى به الى النبي صلى الله عليه وسلم فأعرض عنه النبي فصار عثمان رضي الله تعالى عنه يقول يا رسول الله أمنته والنبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ثم قال نعم فبسط يده فبايعه فلما خرج عثمان وعبد الله قال لمن حوله أعرضت عنه مرارا ليقوم اليه بعضكم فيضرب عنقه وقال صلى الله عليه وسلم لعباد بن بشر وكان نذر إن رأى عبد الله قتله أي وقد أخذ بقائم السيف ينتظر النبي صلى الله عليه وسلم يشير اليه ان يقتله فقال له صلى الله عليه وسلم انتظرتك أن تفي بنذرك قال يا رسول الله خفتك أفلا أومضت الي فقال إنه ليس لنبي ان يومض وفي رواية الإيماء خيانة ليس لنبي ان يومى وفي رواية لا ينبغي لنبي ان تكون له خائنة الأعين أي وهذا يدل على أن خائنة الأعين والايماء بالعيون أي ان يومىء بطرفه خلاف ما يظهره بكلامه وهو اللمز هذا
وقيل إنه أسلم وبايع النبي صلى الله عليه وسلم بمر الظهران وصار يستحى من مقابلته صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم لعثمان أما بايعته وأمنته قال بلى ولكن يذكر جرمه القديم فيستحي منك قال الإسلام يجب ما قبله وأخبره عثمان رضي الله تعالى عنه بذلك ومع ذلك فصار إذا جاء جماعة للنبي صلى الله عليه وسلم يجيء معهم ولا يجيء اليه منفردا
وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بقتل ابن خطل لأنه كان مما أسلم أي قدم المدينة قبل فتح مكة وأسلم وكان اسمه عبد العزي فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخذ الصدقة وأرسل معه رجلا من الأنصار يخدمه وفي لفظ كان معه مولى يخدمه وكان مسلما فنزل منزلا وأمره أن يذبح له تيسا ويصنع له طعاما ونام ثم استيقظ فلم يجده صنع له شيئا وهو نائم فعدا عليه فقتله ثم ارتد مشركا وكان شاعرا يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعره وكانت له قينتان تغنيانه بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يصنعه
وقد قيل إنه ركب فرسه لابسا للحديد وأخذ بيده قناة وصار يقسم لا يدخلها محمد عنوة فلما رأى خيل الله دخله الرعب فانطلق الى الكعبة فنزل عن فرسه والقى سلاحه

ودخل تحت استارها فأخذ رجل سلاحه وركب فرسه ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجون وأخبره خبره فأمر بقتله
وقيل لما طاف صلى الله عليه وسلم بالكعبة قيل هذا ابن خطل معلقا بأستار الكعبة فقال اقتلوه فإن الكعبة لا تعيذ عاصيا ولا تمنع من إقامة حد واجب أي فقتله سعد ابن حريث وأبو برزة
وقيل قتله الزبير رضي الله عنه وقيل سعدبن ذؤيب وقيل سعد بن زيد قال في النور والظاهر اشتاركهم فيه جميعا جمعا بين الأقوال
وأمر صلى الله عليه وسلم بقتل قينتيه فقتلت إحداهما واستؤمن رسول الله صلى الله عليه وسلم للأخرى فأمنها وأسلمت
والحويرث بن نقيذ وانما أمر صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه كان يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ويعظم القول في أذيته وينشد الهجاء وكان العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنه حمل فاطمة وأم كلثوم بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة يريد بهما المدينة فنخس الحويرث البعير الحامل لهما فرمى به الأرض قتله علي بن ابي طالب كرم الله وجهه في ذلك اليوم وقد خرج يريد أن يهرب
ومقيس بن ضبابة إنما أمر بقتله لأنه كان قد أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما طالبا لدية اخيه هشام بن ضبابة رضي الله عنه قتله رجل من الأنصار في غزوة ذي قرد خطأ يظنه من العدو ودفع له النبي صلى الله عليه وسلم دية أخيه ثم إنه عدا على الأنصاري قاتل أخيه فقتله بعد أن أخذ دية اخيه ثم لحق بمكة مرتدا كما تقدم قتله ابن عمه ثميلة بن عبد الله الليثي أي بعد أن اخبر ثميله بأن مقيسا مع جماعة من كبار قريش يشربون الخمر فذهب اليه فقتله بردم بني جمح وقيل قتل وهو معلق بأستار الكعبة
وأما هبار بن الأسود رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه كان عرض لزينب بنت رسول الله في سفهاء من قريش حين بعث بها زوجها ابو العاص الى المدينة فأهوى اليها هبار ونخس بعيرها
وفي رواية ضربها بالرمح فسقطت من على الجمل على صخرة أي وكانت حاملا فألقت ما في بطنها وأهراقت الدماء ولم يزل بها مرضها ذلك حتى ماتت كما تقدم فقال

النبي صلى الله عليه وسلم إن لقيتم هبارا فأحرقوه ثم قال إنما يعذب بالنار رب النار ان ظفرتم به فاقطعوا يده ورجله ثم اقتلوه فلم يوجد يوم الفتح ثم أسلم بعد ذلك وحسن اسلامه ويذكر أنه لما أسلم وقدم المدينة مهاجرا جعلوا يسبونه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال سب من سبك فانتهوا عنه وهذا السياق يدل على إنه أسلم قبل أن يذهب الى المدينة
وفي لفظ ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة جاء هبار رافعا صوته وقال يا محمد أنا جئت مقرا بالإسلام وأنا اشهد أن لا إله الا الله وان محمدا عبده ورسوله واعتذر اليه أي قال له صلى الله عليه وسلم بعد أن وقف عليه وقال السلام عليك يا نبي الله لقد هربت منك في البلاد فأردت اللحوق بالاعاجم ثم ذكرت عائدتك وفضلك في صفحك عمن جهل عليك وكنا يا بنى الله أهل شرك فهدانا الله بك وانقذنا بك من الهلكة فاصفح عن جهلي وعما كان مني فإني مقر بسوء فعلي معترف بذنبي فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا هبار عفوت عنك وقد احسن الله اليك حيث هداك الى الإسلام والإسلام يجب ما كان قبله
وقوله مهاجرا فيه أنه لا هجرة بعد فتح مكة الا ان يقال هي مجاز عن مجرد الانتقال عن محل الى اخر اخذا مما يأتى إن شاء الله في عكرمة
وأما عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه فإنه صلى الله عليه وسلم إنما امر بقتله لأنه كان أشد الناس هو وأبوه أذية للنبي صلى الله عليه وسلم وكان اشد الناس على المسلمين ولما بلغه ان النبي صلى الله عليه وسلم أهدر دمه فر الى اليمن فاتبعته امرأته بنت عمه ام حكيم بنت الحارث بن هشام بعد ان اسلمت فوجدته في ساحل البحر يريد ان يركب السفينة وقيل وجدته في السفينة فردته أي بعد أن قالت له يا ابن عم جئتك من عند اوصل الناس وأبر الناس وخير الناس لا تهلك نفسك فقد أستأمنت لك فجاء معها فأسلم وحسن إسلامه أي بعد أن قال يا محمد هذه يعني زوجتي أخبرتني أنك امنتنى قال صدقت إنك آمن فقال عكرمة أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبد ورسوله وطأطأ رأسه من الحياء فقال له صلى الله عليه وسلم يا عكرمة ما تسألني شيئا أقدر عليه الا اعطيتكه قال استغفر لي كل عداوة عاديتكها فقال صلى الله عليه وسلم اللهم إغفر لعكرمة كل عداوة عادانيها أو منطق تكلم به أي ولما قدم عليه صلى الله عليه وسلم وثب صلى الله

عليه وسلم إليه قائما فرحا به أي ورمى صلى الله عليه وسلم رداءه وقال مرحبا بمن جاء مؤمنا مهاجرا وكان بعد ذلك من فضلاء الصحابة
وفي بهجة المجالس في أنس الجالس لابن عبد البر رحمة الله انه صلى الله عليه وسلم رأى في منامه أنه دخل الجنة ورأى فيها فأعجبه وقال لمن هذا فقيل لأبي جهل فشق ذلك عليه وقال لا يدخلها الا نفس مؤمنة فلما جاءه عكرمة ابن أبي جهل مسلما فرح به وأول ذلك العذق لعكرمة والعكرمة الأنثى من الحمير واستدل بذلك على تأخر الرؤيا وأنها تكون لغير من ترى له قال وصار عكرمة قبل إسلامه يطلب امرأته أم حكيم يجامعها فتأبى وتقول أنت كافر وأنا مسلمة والإسلام حائل بيني وبينك فقال إن أمرا منعك عني لأمر كبير أي ولما قتل عكرمة رضي الله عنه في اليرموك في قتال الروم وانقضت عدتها تزوجها خالد بن سعيد واراد ان يدخل بها فجعلت تقول له لو أخرت الدخول حتى يفض الله هذه الجموع يعني الروم فقال خالد إن نفسي تحدثني أن اصاب في جموعهم قالت فدونك فدخل بها في خيمته فما أصبح الصبح الا والروم قد اصطفت فخرج خالد رضي الله عنه فقاتل حتى قتل فشدت أم حكيم عليها ثيابها وأخذت عمود الخيمة التي دخل بها خالد فيها فقتلت بها اسبعة من الروم وقال صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم عليه عكرمة ابن أبي جهل رضي الله عنه يأتيكم عكرمة مؤمنا مهاجرا فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يحلق الميت أنتهى أي وفي رواية لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا الى ما قدموا وفي أخرى لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء وفي أخرى اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم
وجاء أنه شكا اليه صلى الله عليه وسلم قولهم عكرمة بن ابي جهل فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لا تؤذوا الاحياء بسبب الأموات وقد كان قبل إسلامه بارز رجلا من المسلمين فقتله فضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال له بعض الانصار ما أضحكك يا رسول الله وقد فجعنا بصابنا فقال أضحكني انهما في درجة واحدة في الجنة ومن ثم قتل عكرمة شهيدا في قتال الروم في وقعة اليرموك كما مر
وسارة رضي الله عنه فإنها أسلمت وإنما امر صلى الله عليه وسلم بقتلها لأنها كانت مغنية بمكة وكانت تغني بهجائه صلى الله عليه وسلم وهي التي وجد معها كتاب

حاطب وقد استؤمن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنها وأسلمت كما تقدم
والحارث بن هشام وزهير بن أمية استجارا بام هانئ بنت ابي طالب أخت علي بن ابي طالب كرم الله وجهه شقيقته ولم تكن أسلمت إذ ذاك فأراد على قتلهما
فعنها رضي الله عنه أنها قالت لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة فر الى رجلان من أحمائي أي من أقارب زوجها هبيرة بن ابي وهب مستجيران بي فأجرتهما وذكر الأزرقي بدل زهير بن أمية عبد الله بن ابي ربيعة فدخل على أخي علي بن ابي طالب فقال والله لاقتلنهما أي وقال تجيري المشركين فحلت بينه وبينهما فخرج فأغلقت عليهما بيتي ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة فوجدته يغتسل من جفنة فيها أثر العجين وفاطمة ابنته تستره بثوب فسلمت عليه فقال من هذه فقلت ام هانئ بنت ابي طالب فقال مرحبا بأم هانئ وفي الرواية الأولى فلما اغتسل أخذ ثوبه وتوشح به ثم صلى الله عليه وسلم ثماني ركعات من الضحى ثم أقبل على فقال مرحبا وأهلا بأم هانيء ما جاء بك فأخبرته الحديث فقال أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت فلا تقتلهما وفي البخاري أيضا أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل في بيتها ثم صلى الضحى ثمان ركعات أي ولما ذكر ذلك لابن عباس رضي الله عنه الله عنهما قال إني كنت أمر على هذه الآية يسبحن بالعشي والإشراق فأقول أي صلاة صلاة الإشراق فهذه صلاة الإشراق وفي لفظ ما عرفت صلاة الإشراق الا الساعة وهذا يدل لما أفتى به والد شيخنا الرملي رحمهما الله تعالى أن صلاة الضحى صلاة الإشراق خلافا لما في العباب من أنها غيرها ويحتج للجمع بين هذه الرواية والتي قبلها على ثبوت صحتهما وبهذه الواقعة قال المحاملي من أئمتنا في كتابه اللباب الذي هو أصل التنقيح الذي هو اصل التحرير ومن دخل مكة وأراد ان يصلي الضحى أول يوم اغتسل وصلاها كما فعله عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة وبه ألغز فقيل شخص يستحب له الاغتسال لصلاة الضحى في مكان خاص
وعن عائشة رضي الله عنهما ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط وإني لأسبحها أي أصليها
وعن عبد الرحمن بن ابي ليلى رحمه الله ما اخبرني احد انه راى النبي صلى الله عليه

وسلم يلصى الضحى الا ام هانئ وهذا ينازع فيه ما يأتي أن صلاة الضحى مما اختص بوجوبها صلى الله عليه وسلم
وأسلمت ام هانئ ذلك اليوم الذي هو يوم الفتح أو وجاء انه صلى الله عليه وسلم قال لها هل عندك من طعام نأكله قالت ليس عندي الا كسر يابسة وأنا استحي ان اقدمها إليك فقال هلمي بهن فكسرهن في ماء وجاءت بملح فقال هل من آدم فقالت ما عندي يا رسول الله إلا شيء من خل فقال هلميه فصبه على الكسر وأكل منه ثم حمد الله ثم قال نعم الآدم الخل يا أم هانئ لا يقفر بيت فيه خل
أي وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم سأل أهله الادام فقالوا ما عندنا الا الخل فدعا به فجعل يأكل به ويقول نعم الآدم الخل وفي الحديث عن جابر رضي الله تعالى عنهما مرفوعا إن الله يوكل بآكل الخل ملكين يستغفران له حتى يفرغ وجاء نعم الادم الخل اللهم بارك في الخل فإنه كان إدام الانبياء قبلي ولم يقفر بيت فيه خل
وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ذات يوم الى بعض حجر نسائه فدخل ثم أذن لي فدخلت فقال هل من غداء فقالوا نعم فأتى بثلاثة اقرصة فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرصا فوضعه بين يديه وأخذ قرصا فوضعه بين يدي ثم أخذ الثالث فكسره فجعل نصفه بين يديه ونصفه بين يدي ثم قال صلى الله عليه وسلم هل من أدم فقالوا لا إلا شيء من خل قال هاتوه فنعم الأدم الخل وفي رواية فإن الخل نعم الإدام قال جابر رضي الله تعالى عنه فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم ما زلت احب الخل منذ سمعتها من جابر
وصفوان بن أمية استأمن له عمير بن وهب أي قال له يا نبي الله إن صفوان سيد قومي قد هرب ليقذفن نفسه في البحر فأمنه فإنك أمنت الأحمر والأسود فقال صلى الله عليه وسلم أدرك ابن عمك فهو آمن فقال أعطني أيه يعرف بها أمانك فأعطى صلى الله عليه وسلم لعمير عمامته التي دخل بها مكة أي وفي لفظ أعطاه برده أي بعد أن طلب من العود فقال لا اعود معك الا ان تأتيني بعلامة أعرفها فقال امكث مكانك حتى آتيك به فلحقه عمير وهو يريد أن يركب البحر فرده أي بعد أن قال له اعزب عني لا تكلمني فقال أي صفوان فداك أبي وأمي جئنك من عند أفضل

الناس وأبر الناس وأحلم الناس وخير الناس وابن عمك عزه عزك وشرفه شرفك وملكه ملكك قال إني أخافه على نفسي قال هو أحلم من ذلك وأكرم فرجع معه حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن هذا يزعم أنك أمنتني قال صدق فقال يا رسول الله أمهلني بالخيار شهرين فقال أنت بالخيار أربعة أشهر أى ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم الى حنين ولما فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمها أي بالجعرانة رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمق شعبا ملآنا نعما وشاء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبك هذا قال نعم قال هو لك وما فه فقبض صفوان ما في الشعب وقال ما طابت نفس أحد بمثل هذا الا نبي فأسلم كما سيأتي
وهند امرأة أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما فإنها اسلمت بعد وانما امر صلى الله عليه وسلم بقتلها لأنها مثلت بعمه حمزة رضي الله تعالى عنه يوم احد ولاكت قلبه كما تقدم
وكعب بن زهير رضي الله تعالى عنه فأنه اسلم بعد وأنما امر صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه كان ممن يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم
ووحشي رضى الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد وانما أمر صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه قتل عمه حمزة رضي الله تعالى عنه يوم احد وكانت الصحابة احرص شيء على قتله ففر الى الطائف وقد قدمنا اسلامه استطرادا
قال وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يوم الفتح على الصفا يبايع الناس فجاءه الكبار والصغار والرجال والنساء يبايعهم على الاسلام أي على شهادة ان لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ودخل الناس في دين الله افواجا أفواجا
أي وجاءه صلى الله عليه وسلم رجل فأخذته الرعدة فقال له صلى الله عليه وسلم هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريس كانت تأكل القديد
أي وكان من جملة من بايعه النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما فعن معاوية رضي الله تعالى عنه لما كان عام الحديبية وقع الإسلام في قلبي فذكرت ذلك لأمي فقالت إياك ان تخالف إياك فيقطع عنك القوت فاسلمت وأخفيت إسلامي فقال لي يوما ابو سفيان وكأنه شعر بإسلامي اخوك خير منك هو على ديني فلما كان عام الفتح أظهرت اسلامي ولقيته صلى الله عليه وسلم

فرحب بي كتبت له أي بعد أن استشار فيه جبريل عليه الصلاة والسلام فقال استكتبه فإنه أمين وأردفه النبي صلى الله عليه وسلم يوما خلفه فقال ما يليني منك قلت بطني قال اللهم املأه حلما وعلما
وعن العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لمعاوية اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب زاد في رواية ومكن له في البلاد
وعن بعض الصحابة انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لمعاوية يقول اللهم اجعله هاديا مهديا واهده واهد به ولا تعذبه
وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوما لمعاوية يا معاوية أنت مني وأنا منك لتزاحمني على باب الجنة كهاتين واشار باصبعية الوسطى والتي تليها ويذكر أنه كان عنده قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم وإزاره ورداؤه وشيء من شعره فقال عند موته كفنوني في القميص وادرجوني في الرداء وأزروني بالإزار واحشوا منخري وشدقي من الشعر وخلوا بيني وبين ارحم الراحمين
وقد بشر بمعاوية رضي الله تعالى عنه بعض كهان اليمن وسبب ذلك أن امه هند كانت قبل ابيه ابي سفيان عند الفاكه بن المغيرة المخزومي وكان الفاكه من فتيان قريش وكان له بيت للضيافة يغشاه الناس من غير إذن فخلا ذلك البيت يوما من الضيفان فاضطجع الفاكه وهند فيه في وقت القائلة ثم خرج وكان الفاكه لبعض حاجته وأقبل رجل كان يغشاه فولج البيت فلما رأى المرأة التي هي هند ولي هاربا وأبصره الفاكه وهو خارج من البيت فاقبل الى هند فضربها برجله وقال لها من هذا الذي كان عندك قالت ما رأيت رجلا ولا انتبهت حتى أيقظتني فقال لها الحقي بأبيك وتكلم فيها الناس فقال لها ابوها عتبة يا بنية ان الناس قد اكثروا فيك فأنبئيني نبأك فإن كان الرجل عليك صادقا دسست اليه من يقتله فنقطع عنك المقالة وإن يك كاذبا حاكمته الى بعض كهان اليمن فحلفت له أنه لكاذب عليها فقال عتبة للفاكه يا هذا انك قد رميت ابنتي بامر عظيم فحاكمني الى بعض كهان اليمن فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم وخرج عتبة في جماعة من بني عبد مناف وخرجوا معهم بهند ونسوة معها فلما شارفوا البلاد وقالوا عدا نرد على الكاهن الفلاني تنكرت حالة هند وتغير وجهها فقال لها

ابوها إني قد أرى ما بك من تنكر الحال وما ذاك الا لمكروه عندك كان هذا قبل أن يشهد الناس مسيرنا قالت لا والله يا أبتاه ما ذاك لمكروه عندي ولكني اعرف انكم تأتون بشرا يخطئ ويصيب ولا آمنة أن يسمنى ميسما يكون على سبة في العرب قال إني سوف اختبره من قبل ان ينظر في أمرك فصفر بفرس حتى أدلى ثم أخذ حبة من حنطة فأدخلها في إحليله وأوكأ عليها بسير فلما وردوا على الكاهن أكرمهم ونحر لهم فلما تغذوا قال له عتبة إنا قد جئناك في أمر وإني قد خبأت لك خباء اختبرك به فانظر ما هو قال سمرة في كمرة قال اريد أبين من هذا قال حبة بر في إحليل مهر قال صدقت انظر في أمر هذه النسوة فجعل يدنو من احداهن فيضرب كتفها ويقول انهضي حتى دنا من هند فضرب كتفها وقال انهضي غير وسخاء ولا زانية ولتلدن ملكا يقال له معاوية فوثب اليها الفاكه فأخذ بيدها فنثرت يدها من يده وقالت اليك عني فوالله لاحرصن على ان يكون من غيرك فتزوجها ابو سفيان فجاءت منه بمعاوية رضي الله تعالى عنه الله تعالى عنهم وقد قال له صلى الله عليه وسلم يا معاوية إذا ملكت فأحسن وفي رواية إذا ملكت من أمرأمتي شيئا فاتق الله واعدل
ويؤثر عنه رضي الله تعالى عنه أنه لما حضرته الوفاة قال اللهم ارحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي اللهم أقل عثرتي واغفر زلتي وعد بحلمك على من لا يرجوا غيرك ولم يثق بأحد سواك ثم بكى رضي الله تعالى عنه حتى علا نحيبه
كتب الى عائشة رضي الله تعالى عنها اكتبي لي كتابا توصيني فيه ولا تكثري فكتبت اليه من عائشة الى معاوية سلام عليك أما بعد فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله الى الناس ومن التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس والسلام وكتبت اليه رضي الله تعالى عنها مرة اخرى اما بعد فاتق الله فإنك اذا اتقيت الله كفاك الناس وإذا اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئا والسلام
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيعة الرجال بايع النساء وفيهن هند بنت عتبة امرأة ابي سفيا رضي الله تعالى عنه متنقبة متنكرة خوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دنين من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهن بايعنني على ان لا تشركن بالله شيئا ولا تسرقن ولا تزنين ولا تقتلن أولادكن أي وذلك إسقاط الأجنة زاد في لفظ ولا

تلحقن بأزواجكن غير اولادهم أي ولا تقعدن مع الرجال في خلاء أي لا تجتمع امرأة مع رجل في خلوة ولا تأتين ببهتان تفترينه بين ايديكن وارجلكن قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما البهتان ان تلحق بزوجها ولدا ليس منه أي ولا يغني عنه الزنا كما ان ذلك لا يغني عن الزنا وقد تحبل ولا يلحقه بأحد ولا تعصين في معروف وجاء أن بعض النسوة قالت ما هذا المعروف الذي لا ينبغي لنا أن نعطيك فيه قال لا تصحن أي وفي لفظ لا تنحن ولا تخمشن وجها ولا تنشرن شعرا وفي لفظ ولا تحلقن شعرا ولا تحرقن قرنا ولا تشققن جيبا ولا تدعين بالويل
وجاء هذه النوائح تجعلن يوم القيامة صفين صفا عن اليمين وصفا عن اليسار ينبحن كما ينبح الكلب وجاء تخرج النائحة من قبرها يوم القيامة شعثاء غبراء عليها جلباب من لعنة ودرع من جرب واضعة يدها على راسها تقول ويلاه وجاء النائحة إذا لم تتب تقوم يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب وجاء لا تقبل الملائكة على نائحة وجاء ليس للنساء في اتباع الجنائز من اجر
وجاء أن هندا قالت له صلى الله عليه وسلم إنك لتأخذ علينا مالا تأخذه على الرجال أي لان الرجال كان صلى الله عليه وسلم يبايعهم على الاسلام وعلى الجهاد فقط وإنها قالت لما قال صلى الله عليه وسلم ولا تسرقن والله إني كنت اصيب من مال ابي سفيان الهنة بعد الهنة وما كنت أدري أكان ذلك حلالا ام لا فقال ابو سفيان وكان حاضرا أما اما اصبت فيما مضى فأنت منه في حل عفا الله عنك أي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وعرفها فقال لها وإنك لهند بنت عتبة قالت نعم فاعف عما سلف عفا الله عنك يا نبي الله وأنها قالت لما قال صلى الله عليه وسلم ولا تزنين او تزني الحرة يا رسول الله ولما قال ولا تقتلن اولادكن قالت ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا وفي لفظ هل تركت لنا ولدا الا قتلته يوم بدر وفي لفظ انت قتلت آباءهم يوم بدر وتوصينا بأولادهم وفي لفظ ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا فضحك عمر رضي الله تعالى عنه حتى استلقى وتبسم صلى الله عليه وسلم وفي لفظ فضحك صلى الله عليه وسلم ولما قال صلى الله عليه وسلم ولا تأتين ببهتان تفترينه والله إن اتيان البهتان لقبيح زاد في لفظ وما تأمرنا الا بالرشد ومكارم الاخلاق ولما قال صلى الله عليه وسلم ولا تعصينني في معروف قالت والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في معروف وفي

لفظ انها أتته منتقبة بالأبطح وقالت إني امرأة مؤمنة أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله ثم كشفت عن نقابها وقالت أنا هند بن بنت عتبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مرحبا بك
قال بعضهم وفي اسلام ابي سفيان قبل هند واسلامها قبل انقضاء عدتها أي لانها أسلمت بعده بليلة واحدة وإقرارهما على نكاحهما حجة للشافعي رضي الله تعالى عنه ثم ارسلت اليه صلى الله عليه وسلم بهدية وهي جديان مشويان مع مولاة لها فاستأذنت فأذن لها فدخلت عليه وهو صلى الله عليه وسلم بين نسائه ام سلمة وميمونة ونساء من بنى عبد المطلب وقالت له إن مولاتى تعتذر إليك وتقول إن غنمها اليوم لقليل الوالدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم بارك لكم في غنكم واكثر والدتها فكثر الله ذلك تقول تلك المولاة لقد رأينا من كثرة غنمنا ووالدتها ما لم نكن نرى قبل وجاءت اليه وقالت يارسول الله ان ابا سفيان رجل مسيك فهل على من حرج أن اطعم من الذي له عيالنا فقال لها لا عليك ان تطعميهم بالمعروف وفي لفظ إن ابا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما اخذت منه وهو لا يعلم قال خذي مايكفيك وولدك بالمعروف أي وجاء ان بعض النساء قالت هلم نبايعك يا رسول الله قال لا اصافح النساء وانما قولي لمائة امراة كقولي لامرأة واحدة وفي لفظ قولي لألف امرأة كقولي لامرأة واحدة وعن عائشة رضي الله تعالى عنها لم يصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم امراة قط وإنما كان يبايعهن بالكلام
وعن الشعبي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء وعلى يه ثوب وقيل إنه غمس يده في إناء وأمرهن فغمسن أيديهن فيه فكانت هذه البيعة قال ابن الجوزي والقول الأول اثبت
وقد ذكر المبايعات له صلى الله عليه وسلم لا في خصوص يوم الفتح على حروف المعجم في كتاب التلقيح وتقدم عن أم عطية رضي الله تعالى عنها انها قالت لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جمع نساء الانصار في بيت ثم ارسل اليهن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقام على الباب فسلم فرددن عليه السلام فقال انا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم اليكن يبايعكن على ان لا تشركن بالله شيئا وقرا الى قوله تعالى في معروف فقلن

نعم فمد يده من خارج ومددن أيديهن من داخل البيت ثم قال اللهم اشهد ولعل ذلك كان بحائل والفتنة مأمونة
وقال صلى الله عليه وسلم لعمه العباس اين ابنا اخيك يعني ابا لهب عتبة ومعت لا أراهما قال العباس رضي الله تعالى عنه قد تنحيا فيمن تنحى من مشركي قريش قال ائتني بهما فركبت اليهما فأتيت بهما فدعاهما للإسلام فأسلما فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم باسلامها ودعا لهما ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ بأيديهما وانطق بهما حتى اتى الملتزم فدعا ساعة ثم انصرف والسرور يرى في وجهه صلى الله عليه وسلم فقلت له سرك الله يا رسول الله إني أرى السرور في وجهك قال إني استوهبت ابني عمي هذين من ربي فوهبهما لي وشهدا معه حنينا والطائف ولم يخرجا من مكة ولم يأتيا المدينة وقلعت عين معتب في حنين
وعن ابي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح هذا ما وعدني ربي ثم قرأ { إذا جاء نصر الله والفتح } انتهى وقد أشار الى ذلك صاحب الهمزية رضي الله تعالى عنه بقوله ** واستجاب له بنصر وفتح ** بعد ذلك الخضراء والغبراء ** ** وتوالت للمصطفى الآية الكبرى ** عليه والغارة الشعواء ** ** فإذا ماتلا كتابا ** من الله تلته كتيبة خضراء **
أي أجاب دعوته صلى الله عليه وسلم الرفيع والوضيع وعن الأول كنى بالخضراء التي هي السماء فقد جاء في حديث سنده واه السماء الدنيا زمرذة خضراء وذكر انها أشد بياضا من اللين وخضتها من صخرة خضراء تحت الأرض وكنى عن الثاني بالغبراء التي هي الأرض وإنما كانت غبراء لأن جميع طبقاتها من طين مع حصول نصر له صلى الله عليه وسلم على أعاديه وفتح لبلادهم بعد ذلك الضعف الذي كان به صلى الله عليه وسلم وبأصحابه وقلتهم وكثرة عدوهم مع التصميم على أذيتهم وتتابعت العلامات الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم وتوالت له عليهم الإغارة المحيطة بهم من سائر الجوانب
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه دعا عثمان بن طلحة رضي الله تعالى عنه فإنه كان قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مع خالد بن الوليد وعمرو ابن العاص قبل الفتح واسلموا كما تقدم واستمر في المدينة إلى أن جاء معه صلى الله عليه وسلم

إلى فتح مكة وبه يرد ماروي أنه صلى الله عليه وسلم بعث عليا كرم الله وجهه الى عثمان بن طلحة لأخذ المفتاح فأبي أن يدفعه وقال لو علمت أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أمنعه منه ولوى علي كرم الله وجهه يده وأخذ المفتاح قهرا وفتح الباب وأنه لما نزل قوله تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } أمره صلى الله عليه وسلم أن يدفع له المفتاح متلطفا به فجاءه علي كرم الله وجهه بالمفتاح متلطفا به فقال له أكرهت وآذيت ثم جئت ترفق فقال علي كرم الله وجهه لأن الله أمرنا برده عليك فأسلم
ثم لما دعا صلى الله عليه وسلم عثمان وجاء إليه أخذ منه مفتاح الكعلبة ففتحت له فدخلها ثم وقف صلى الله عليه وسلم على باب الكعبة فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده
ثم ذكر صلى الله عليه وسلم خطبة بين فيها جملة من الأحكام منها أن لا يقتل مسلم بكافر ولا يتوارث أهل ملتين مختلفتين ولا تنكح امرأة على عمتها ولا على خالتها والبينة على المدعي واليمين على من أنكر ولا تسافر امرأة مسيرة ثلاثة ليال الا مع ذي محرم ولا صلاة بعد العصر ولا بعد الصبح ولا يصام يوم الأضحى ولا يوم الفطر ثم قال يا معشر قريش إن الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء والناس من آدم وآدم من تراب ثم تلا هذه الآية { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا } الآية ثم قال يا معشر قريش ما ترون وفي لفظ ماذا تقولون ماذا تظنون أني فاعل فيكم قالوا خيرا أخ كريم وأبن اخ كريم وقد قدرت أي وفي لفظ لما خرج صلى الله عليه وسلم من الكعبة يوم الفتح وضع يده على عضادتي الباب ثم قال ماذا تقولون ماذا تظنون أني فاعل فيكم قالوا خيرا فقال سهيل بن عمرو نقول خيرا ونظن خيرا أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت فقال أقول كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم وفي لفظ فإني أقول كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين اذهبوا فأنتم الطلقاء أي الذين اطلقوا فلم يسترقوا ولم يؤسروا والطليق في الأصل الأسير إذا أطلق فخرجوا فكأنما نشروا من فدخلوا في الإسلام
قال وذكر أنه لما فرغ من طوافه أرسل بلالا رضى الله تعالى عنه

إلى عثمان بن طلحة يأتي بمفتاح الكعبة فجاء الى عثمان فأخبره فقال إنه عند أمي فرجع بلال الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ان المفتاح عند أمه فبعث اليها رسولا فقالت لا واللات والعزى لا أدفعه أبدا فقال عثمان يا رسول الله أرسلني أخلصه لك منها فأرسله فجاء اليها فطلبه منها فقالت لا واللات والعزى لا أوصله اليك أبدا فقال يا أمه ادفعيه الى فإنه قد جاء أمر غير ما كنا عليه إن لم تفعلي قتلت أنا وأخي ويأخذه منك غيرى فأدخلته حجرتها وقالت أي رجل يدخل يده ههنا أي وقالت له أنشدك الله ان لا يكون ذهاب مأثرة قومك على يديك كل ذلك ورسول الله قائم ينتظر حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق فبينما هو يكلمها إذ سمعت صوت أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما في الدار وعمر رضي الله تعالى عنه رافعا صوته وهو يقول يا عثمان اخرج فقالت يا بني خذ المفتاح فإن تأخذه أحب الي من أن تأخذه تيم وعدي أي ابو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فأخذه عثمان فخرج يمشي حتى إذا كان قريبا من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عثر عثمان فسقط منه المفتاح فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المفتاح فحنى عليه وتناوله أي وفي رواية فاستقبلته ببشر واستقبلني ببشر فأخذه مني وفتح الكعبة وفي رواية أنه قال له هاك المفتاح بأمانة الله وفي لفظ لما أبت أمه أنه تعطيه المفتاح قال والله لتعطينه او لأخرجن هذا السيف من منكب فلما رأت ذلك أعطته إياه فجاء به ففتح عثمان له الباب
ويحتاج الى الجمع بين هذه الروايات على تقدير صحتها وقد اشار صاحب الهمزية رحمه الله تعالى إلى بعض هذه القصة بقوله ** صرعت قومه حبائل بغى ** ** مدها المكر منهم والدهاء ** ** فأتتهم خيل الى الحرب تختا ** ** ل وللخيل في الوغى خيلاء ** ** قصدت منهم القنا فقوا في الطع ** ** ن منا وما شأنها الايطاء ** ** وأثارت بأرض مكة نقعا ** ** ظن أن الغدو منها عشاء ** ** أحجمت عنده الحجون أكدى ** ** دون اعطائه القليل كداء ** ** ودهت أوجها بها وبيوتا ** ** مل منها الاقواء والإكفاء ** ** فدعوا أحلم البرية والعف ** و جواب الحليم والإغضاء ** ** ناشدوه القربي التي من قريش ** ** قطعتها الترات والشحناء **

** فعفا عفو قادر لم ينغص ** ** هـعليهم بما مضى إغراء ** ** وإذا كان القطع والوصل لله ** ** تساوى التقريب والإقصاء ** ** وسواء عليه فيما أتاه ** ** من سواه الملام والإطراء ** ** ولو أن انتقامه لهوى النف ** س لدامت قطيعة جفاء ** ** فعله كله جميل وهل ين ** ** ضح الا بما حواه الأناء **
أي القت قومه الذين لم يؤمنوا به بين يديه حبائل بغيهم التي مدها المكر والدهاء حالة كون ذلك منهم فبسبب مكرهم أتتهم من قبله خيل تتبختر بها راكبوها الى الحرب والخيل عليها الشجعان كبر وترفع في الحرب قصدت في أبدانهم الرماح فبسبب قصدها بهم كانت الطعنات المشبهة بالقوافي في تتابعها حالة كون ذلك الطعن من تلك الرماح ما عابها الإيطاء أي لم يعدم وجوده فيها والإيطاء في القافية تكريرها متحدة اللفظ والمعنى هو معيب على الشاعر لأنه يدل على قصوره والطعنات المتوالية في محل واحد تدل على قصر ساعد الشجاع ورفعت تلك الخيل غبارا أظلم الجو حتى ظن أن وقت الغدو من تلك الغبرة وقت العشاء وذلك بأرض مكة عند فتحها أمسكت عند ذلك الغبار لكثرته الحجون وهو كداء بالفتح والمد أعلى مكة لكثرة ما اعطاه صلى الله عليه وسلم الناس وأعطى النبي صلى الله عليه وسلم القليل من الناس كداء بالضم والمد وهو اسفل مكة وهذه لغة فيه قليلة وعند ذلك قل غباره وأهلكت تلك الخيول أوجها من الناس بمكة ممن أباح دمه ومن قاتل وأهلكت بيوتا كان أهل مكة يرجعون اليها مل من تلك البيوت خلوها عن أنس بها والرجوع اليها وعند ذلك طلبوا منه العفو عما مضى منهم وجواب الحليم لمن سأله العفو عنه العفو وارخاء الجفون من الحياء وحلفوه بالقربي التي وصلت اليه من بطون قريش وهم ولد النضر بن كنانة التي قطعتها المقاتلة والتباغض والتحاسد فبسبب ذلك عفا صلى الله عليه وسلم عفو قادر لم يكدر ذلك العفو منهم إغراء سفهائهم به حالة كون ذلك الإغراء منهما فيما مضى وإذا كان القطع والوصل لله تساوى عند فاعل ذلك التقريب للاقارب والبعداء والإبعاد للأقارب والبعداء والذي تقريبه وإبعاده لله لا لغيره يستوى عنده سبه والمبالغة في مدحه إذا أتاه ذلك من غيره ومن ثم لو كان انتقامه لهوى النفس الأمارة بالسوء لاستمرت قطيعة الرحمن ودام إبعاده لها كيف

وقد قام لله في أموره كلها فبسبب ذلك أرضى الله تباين منه صلى الله عليه وسلم لأعدائه ووفاء لأوليائه فعله صلى الله عليه وسلم كله جميل ولا بدع في ذلك إذا ما يسيل مما في الإناء على ظاهره الا ما كان في تلك الإناء فمن أمتلأ قلبه خيرا كانت أفعاله كلها خيرا ومن امتلأ قلبه شرا كانت أفعاله كلها شرا
ثم جلس صلى الله عليه وسلم في المسجد ومفتاح الكعبة في يده في كمه فقام اليه علي كرم الله وجهه فقال يا رسول الله صلى اجمع لنا وفي لفظ اجمع لي الحجابة مع السقاية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أعطيكم ما تبذلون فيه أموالكم للناس أي وهو السقاية لا ما تأخذون فيه من الناس أموالهم وهي الحجابة لشرفكم وعلو مقامكم
وفي رواية أن العباس رضي الله تعالى عنه تطاول يومئذ لأخذ المفتاح في رجال من بني هاشم أي منهم علي كرم الله وجهه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين عثمان بن طلحة فدعى له فقال هاك مفتاحك يا عثمان اليوم يوم بر ووفاء
وقيل نزلت هذه الآية إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات الى أهلها في شأن عثمان ابن طلحة رضي الله تعالى عنه ودفع المفتاح له أي لما أخذه علي كرم الله وجهه وقال يا رسول الله أجمع لنا الحجابة مع السقاية فقال صلى الله عليه وسلم لعلى أكرهت وآذيت وأمره صلى الله عليه وسلم أن يرد المفتاح الى عثمان ويعتذر اليه فقد انزل الله في شأنك أي أنزل الله عليه ذلك في جوف الكعبة وقرأ عليه الآية ففعل على كرم الله وجهه ذلك
وسياق هذه الرواية يدل على ان عليا كرم الله وجهه أخذ المفتاح على أن لا يرده لعثمان فلما نزلت الآية أمره صلى الله عليه وسلم أن يرد المفتاح لعثمان
والسقاية كما تقدم كانت أحواض من أدم يوضع فيه الماء العذب لسقاية الحاج ويطرح فيها التمر والزبيب في بعض الاوقات
وفي كلام الأزرقى كان لزمزم حوضان حوض بينها وبين الركن يشرب منه وحوض من ورائه للوضوء أي ولعل هذا كان بعد الفتح
والسقاية قام بها العباس رضي الله تعالى عنه بعد موت أبيه عبد المطلب وقام بها بعده ولده عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما وقد تكلم فيها محمد بن الحنفية مع ابن عباس فقال له ابن عباس مالك ولها نحن اولى بها في الجاهلية والإسلام قام بها العباس بعد موت

أبيه عبد المطلب وأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس يوم الفتح واستمر المفتاح مع عثمان رضي الله عنه الى أن اشرف على الموت ولم يعقب دفعه الى اخيه شيبة ومن ثم عرفت ذريه بالشيبيين أي وفي رواية دفع صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة الى عثمان والى شيبة ابن عمه وقال خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم الا ظالم
أي وكون شيبة ابن عم عثمان هو الموافق لقول الحافظ ابن حجر الشيبيون نسبة الى شيبة بن عثمان بن ابي طلحة وهو ابن عم عثمان بن طلحة بن أبي طلحة فأبو طلحة له ولدان عثمان وطلحة أتى عثمان بشيبة وأتى طلحة بعثمان
وفي كلام ابن الجوزي ما يوافقه وهو أن عثمان لما هاجر الى المدينة وأسلم سنة ثمان لم يزل مقيما بالمدينة حتى خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة أي وقد تقدم ثم رجع الى المدينة ولم يزل مقيما بها حتى توفى رسول الله فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع الى مكة واستمر مقيما بها حتى مات بها في أول خلافة معاوية رضي الله عنه فلم يزل عثمان رضي الله عنه يلي فتح البيت الى أن اشرف على الموت دفع المفتاح الى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وهو ابن عمه فبقيت الحجابة في ولد شيبة وكان عثمان بن طلحة هذا خياطا وهي صناعة نبي الله ادريس عليه الصلاة والسلام
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم لما دعا عثمان بن طلحة وقال له ارني المفتاح فأتاه به فلما بسط يده اليه قال العباس فقال يا رسول الله اجعله لي مع السقاية فكف عثمان يده فقال صلى الله عليه وسلم ارني المفتاح فبسط يده يعطيه فقال العباس مثل كملته الأولى فكف عثمان يده فقال رسول الله يا عثمان إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فهاتني المفتاح فقال هاك بأمانة الله ولعل هذا كان قبل دخوله صلى الله عليه وسلم الكعبة فيكون طلب العباس رضي الله عنه أن يكون المفتاح له تكرر قبل دخوله الكعبة وبعده وفي رواية أنه قال له ائتنى بالمفتاح قال فأتيته به فأخذه ثم دفعه الي وقال خذوها خالدة تالدة لا بنزعها منكم الا ظالم
وفي لفظ غيره إن الله رضي لكم بها في الجاهلية والإسلام إني لما ادفعها اليكم ولكن الله دفعها اليكم لا ينزعها منكم الا ظالم وفي رواية لا يظلمكموها الا كافر

ولا مانع ان يكون ذلك بعد ان دفعه علي كرم الله وجهه له بأمره صلى الله عليه وسلم وكأنه صلى الله عليه وسلم أحب أن يؤدي الامانة بيده الشريفة من غير واسطة وقال له يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته فكلوا مما يصل اليكم من هذا البيت بالمعروف فقال عثمان رضي الله عنه فلما وليت ناداني فرجعت اليه فقال ألم يكن الذي قلت لك قال رضي الله عنه فذكرت قوله صلى الله عليه وسلم لي بمكة قبل الهجرة
وقد اراد صلى الله عليه وسلم أن يدخل الكعبة مع الناس وكنا نفتحها في الجاهلية يوم الاثنين والخميس فلما اقبل ليدخلها أغلظت عليه ونلت منه وحلم عي ثم قال صلى الله عليه وسلم يا عثمان لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي اضعه حيث شئت فقلت قد هلكت قريش يومئذ وذلت فقال صلى الله عليه وسلم بل عمرت وعزت يومئذ فوقعت كلمته صلى الله عليه وسلم مني موقعا وظننت أن الأمر سيصير الى ما قال صلى الله عليه وسلم قال فلما قال لي يوم الفتح ذلك قلت بلى اشهد انك رسول الله
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم دخل يؤمئذ الكعبة ومعه بلال فأمره أن يؤذن أي للظهر على ظهر الكعبة وأبو سفيان وعتاب بن أسيد في لفظ خالد بن أسيد والحارث ابن هشام جلوس بفناء الكعبة فقال عتاب بن أسيد أي أو خالد بن اسيد لقد أكرم الله أسيدا أن لا يكون يسمع هذا العبد فيسمع منه ما يغيظه فقال الحارث أما والله لو أعلم انه حق لا تبعته أي وفي رواية أنه قال ما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا ولا مانع من وجود الأمرين منه أي وتقدم في عمرة القضاء وقوع مثل ذلك من جماعة لما أذن بلال رضي الله عنه على ظهر الكعبة أيضا أي وقال غير هؤلاء من كفار قريش لقد أكرم الله فلانا يعني اباه إذ قبضه قبل أن يرى هذا الأسود على ظهر الكعبة وفي لفظ والله الحدث العظيم أن يصبح عبد بني جمح ينهق على بيته فقال ابو سفيان لا اقول شيئا لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصباء فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم لقد علمت الذي قلتم ثم ذكر ذلك لهم فقال أما أنت يا فلان فقد قلت كذا وأما أنت يا فلان فقد قلت كذا فقال ابو سفيان وأما أنا يا رسول الله فما قلت شيئا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا نشهد أنك رسول الله والله ما اطلع على هذا احد معنا فنقول أخبرك
وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على ابي سفيان وهو في المسجد فلما نظر

إليه أبو سفيان قال في نفسه ليت شعري بأي شيء غلبني فاقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه حتى ضرب يده بين كتفيه فقال بالله غلبتك يا ابا سفيان فقال ابو سفيان أشهد أنك رسول الله وصار بعض قريش يستهزئون ويحكون صوت بلال غيظا وكان من جملتهم أبو محذورة رضي الله عنه وكان من أحسنهم صوتا فلما رفع صوته بالأذان مستهزئا سمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به فمثل بين يديه وهو يظن أنه مقتول فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته وصدره بيده الشريفة قال فامتلأ قلبي والله إيمانا ويقينا فعلمت أنه روسل الله فالقى عليه صلى الله عليه وسلم الأذان وعلمه إياه وأمره أن يؤذن لأهل مكة وكان ست عشرة سنة وعقبه بعده يتوراثون الأذان بمكة وتقدم أن أذان أبي محذورة وتعليمه صلى الله عليه وسلم الأذان كان مرجعه من حنين وتقدم طلب تأمل الجمع بينهما
وفي تاريخ الأزرقي أن جويرية بنت أبي جهل قالت عند أذان بلال علي ظهر الكعبة والله لا نحب من قتل الأحبة ولقد جاء لأبي الذي جاء لمحمد من النبوة فردها ولم يرد خلاف قومه
وعن الحارث ابن هشام قال لما أجارتني ام هانئ وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم جوراها فصار لا أحد يتعرض لي وكنت أخشى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فمر علي وانا جالس فلم يتعرض لي وكنت استحي ان يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أذكر برؤيته إياي في كل موطن مع المشركين فلقيته وهو داخل المسجد فلقيني بالبشر فوقف حتى جئته فسلمت عليه وشهدت شهادة الحق فقال الحمد لله الذي هداك ما كان مثلك يجهل الإسلام
وجاءه صلى الله عليه وسلم يوم الفتح السائب بن عبد الله المخزومي أي وقيل عبد الله ابن السائب بن ابي السائب وقيل السائب بن عويمر وقيل قيس بن السائب بن عويمر قال في الاستيعاب وهذا اصح ما قيل في ذلك إن شاء الله تعالى وكان شريكا له صلى الله عليه وسلم في الجاهلية فقال فأخذ عثمان وغيره يثنون على فقال صلى الله عليه وسلم لهم لا تعلموني به كان صاحبي وفي لفظ لما أقبلت عليه قال مرحبا بأخى وشريكي كان لا يداري ولا يماري قد كنت تعمل أعمالا في الجاهلية لا تتقبل منك أي لتوقف صحتها على الاسلام وهي الاعمال المتوقفة على النية التي شرطها الاسلام وهي اليوم تتقبل منك أي لوجود الاسلام

ورأسل سهيل بن عمرو رضي الله تعالى عنه ولده عبد الله ليأخذ أمانا منه صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي تؤمنه فقال صلى الله عليه وسلم نعم هو آمن بالله فليظهر ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله من لقي سهيل بن عمرو فلا يحد اليه النظر فلعمري ان سهيلا له عقل وشرف وما مثل سهيل يجهل الاسلام فخرج ابنه عبد الله اليه فأخبره بمقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سهيل كان والله برا صغير برا كبيرا فكان سهيل رضي الله تعالى عنه يقبل ويدبر وخرج الى حنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو على شركه حتى أسلم بالجعرانة
وذكر أن فضالة بن عمير بن الملوح حدث نفسه بقتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح قال فلما دنا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا فضالة قال فضالة نعم يا رسول الله قال ما كنت تحدث به نفسك قال لا شيء كنت أذكر الله فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال استغفر الله ثم وضع يده الشريفة على صدره فسكن قلبه فكان فضالة رضي الله تعال عنه يقول والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق الله شيئا أحب الي منه
قال ولما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا بعد الظهر مسندا ظهره الشريف الى الكعبة وقيل كان على راحلته فحمد الله وأثنى عليه وقال أيها الناس إن الله تعالى قد حرم مكة يوم خلق السموات والأرض ويوم خلق الشمس والقمر ووضع هذين الجبلين فهى حرام الى يوم القيامة فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر يسفك فيها دما ولا يعضد فيها شجرة ولم تحل لأحد كان قبلي ولم تحل لأحد يكون بعدي ولم تحلى لي الا هذه الساعة أي من صبيحة يوم الفتح الى العصر غضبا على أهلها ألا قد رجعت حرمتها اليوم كحرمتها بالامس فليبلغ الشاهد منكم الغائب فمن قال لكم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قاتل فيها فقولوا له إن الله قد أحلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحلها لكم
وقد جاء في صحيح مسلم لا يحل أن يحمل السلاح بمكة يا معشر خزاعة ارفعوا ايديكم عن القتل فقد كثر القتل فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين إن شاءوا فدم قاتله وإن شاءوا فعقله ثم ودي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي قتلته

خزاعة وهو ابن الأقرع الهذلي من بني بكر فإنه دخل مكة وهو على شركه فعرفته خزاعة فأحاطوا به فطعنه منهم خراش بمشقص في بطنه حتى قتله فلامه صلى الله عليه وسلم وقال لو كنت قاتلا مسلما بكافر لقتلت خراشا أي والمشقص ما طال من النصال وعرض قال ابن هشام وبلغني أنه اول قتيل وداه النبي صلى الله عليه وسلم وفيه أنه تقدم في خبير أنه ودى قتيلا وقال صلى الله عليه وسلم يوم الفتح لا نغزى مكة بعد اليوم الى يوم القيامة قال العلماء أي على الكفر أي لا يقاتلوا على أن يسلموا ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صمنا إلا كسره
ولما أسلمت هند رضي الله تعالى عنها عمدت الى صم كان في بيتها وجعلت تضربه بالقدوم وتقول كنا منك في غرور
ثم بعث صلى الله عليه وسلم السرايا الى كسر الاصنام التي حول مكة أي لأنهم كانوا اتخذوا مع الكعبة اصناما جعلوا لها بيوتا يعظمونها كتعظيم الكعبة وكانوا يهدون لها كما يهدون للكعبة ويطوفون بها كما يطوفون بالكعبة فكان في كل حي صنم من ذلك كما تقدم العزى وسواع ومناة وسيأتي الكلام على ذلك في السرايا ان شاء الله تعالى
أي وفي هذا العام الذي هو عام الفتح كان غزوة أوطاس وأوطاس هو هوازن وحلل صلى الله عليه وسلم المتعة ثم بعد ثلاثة أيام حرمها ففي صحيح مسلم عن بعض الصحابة لما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتعة خرجت أنا ورجل إلى أمرأة من بني عامر كأنها بكرة غيطاء وفي لفظ مثل البكرة الغطنطية فعرضنا عليها انفسنا فقلنا لها هل لك أن يستمتع منك أحدنا فقالت ما تدفعان قلنا بردينا وفي لفظ رداءينا فجعلت تنظر فتراني أجمل من صاحبي وترى برد صاحبي أحسن من بردي فإذا نظرت الي اعجبتها وإذن نظرت الى برد صاحبي اعجبها فقالت أنت وبردك تكفيني فكنت معها ثلاثا
والحاصل أن نكاح المتعة كان مباحا ثم نسخ يوم خبير ثم أبيح يوم الفتح ثم نسخ في ايام الفتح واستمر تحريمه الى يوم القيامة وكان فيه خلاف في الصدر الاول ثم ارتفع واجمعوا على تحريمه وعدم جوازه

قال بعض الصحابة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما بين الركن والباب وهو يقول أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع الا وان الله حرمها الى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا أي لكن في مسلم عن جابر رضي الله تعالى عنه أنه قال استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وفي رواية عنه حتى نهى عنه عمر رضي الله تعالى عنه وقد تقدم في غزاة خيبر عن إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه لا أعلم شيئا حرم ثم ابيح ثم حرم الا المتعة وهو يدل على أن اباحتها عام الفتح كانت بعد تحريمها بخيبر ثم حرمت به وهذا يعارض ما تقدم ان الصحيح انها حرمت في حجة الوداع الا ان يقال يجوز ان تحريمها في حجة الوداع تأكيدا لتحريمها عام الفتح فلا يلزم أن تكن ابيحت بعد تحريمها أكثر من مرة كما يدل عليه إمامنا الشافعي لكن يخالفه ما في مسلم عن بعض الصحابة رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام اوطاس في المتعة ثلاثا ثم نهى عنها
وقد يقال مراد هذه القائل بعام أوطاس عام الفتح لأن غزاة أوطاس كانت في عام الفتح كما تقدم وما تقدم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من جوزاها رجع عنه فقد قال بعضهم والله ما فارق ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الدنيا حتى رجع الى قول الصحابة في تحريم المتعة ونقل عنه رضي الله تعالى عنه انه قام خطيبا يوم عرفة فقال ايها الناس إن المتعة حرام كالميتة والدم ولحم الخنزير
والحاصل أن المتعة من الأمور الثلاثة التي نسخت مرتين الثاني لحوم الحمر الأهلية الثالث القبلة كذا في حياة الحيوان
قال واستقرض صلى الله عليه وسلم من ثلاثة نفر من قريش أخذ من صفوان بن امية رضي الله تعالى عنه خمسين ألف درهم ومن عبد الله بن ابي ربيعة أربعين الف درهم ومن حويطب بن عبد العزى اربعين الف درهم فرقها صلى الله عليه وسلم في أصحابه من أهل الضعف ثم وفاها مما غنمه من هوازن وقال إنما جزاء السلف الحمد والأداء أ هـ
أي وأقام صلى الله عليه وسلم بمكة أي بعد فتحها تسعة عشر وقيل ثمانية عشر يوما واعتمده البخاري يقصر الصلاة في مدة اقامته وبهذا الثاني قال أئمتنا ان من أقام بمحل لحاجة يتوقعها كل وقت قصر ثمانية عشر يوما غير يومي الدخول والخروج ولعل

سبب إقامته المدة المذكورة أنه كان يترجى حصول المال الذي فرقه في أهل الضعف من اصحابه فلما لم يتم له ذلك خرج من مكة الى حنين لحرب هوازن
وجاء اليه صلى الله عليه وسلم سعد بن ابي وقاص وقد أخذ بيد ابن وليدة زمعة ومعه عبد بن زمعة فقال سعد يا رسول الله هذا ابن اخي عتبة بن أبي وقاص عهد الى انه ابنه أي قال إذا قدمت مكة انظر الى ابن وليدة زمعة فإنه منى فاقبضه إليك فقال عبد بن زمعة يا رسول الله هذا أخى ابن وليدة أبى زمعة ولدته على فراشه أي مع كونها فراشا له فنظر صلى الله عليه وسلم الى ذلك الولد فإذا هو اشبه الناس بعتبة بن ابي وقاص فقال لعبد بن زمعة هو أخوك يا عبد بن زمعة من اجل انه ولد على فراش ابيك زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر وقال لزوجته سودة بنت زمعة أحتجبي منه يا سودة لما رأى عليه من شبه عتبة أي فخشي أن يكون ابن خاله فأمرها بالاحتجاب ندبا واحتياطا فلم يرها حتى لقي الله وفي بعض الروايات احتجبي منه يا سودة فليس لك بأخ
وسرقت امرأة فأراد صلى الله عليه وسلم قطعها ففزع قومها إلى أسامه بن زيد ابن حارثه رضي الله تعالى عنهم يستشفعون به فلما كلمه أسامه فيها تلون وجهه صلى الله عليه وسلم وقال أتكلمني في حد من حدود الله تعالى فقال اسامة استغفر لي يا رسول الله ثم قام صلى الله عليه وسلم خطيبا فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها وفي كلام بعضهم كانت العرب في الجاهلية يقطعون يد السارق اليمنى
وولى صلى الله عليه وسلم عتاب بن اسيد رضي الله تعالى عنه وعمره احدى وعشرون سنة أمر مكة وأمره صلى الله عليه وسلم أن يصلي بالناس وهو أول أمير صلى بمكة بعد الفتح جماعة وترك صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه بمكة معه معلما للناس السنن والفقه
في الكشاف وعنه صلى الله عليه وسلم أنه استعمل عتاب بن اسيد على اهل مكة وقال انطلق فقد استعملتك على اهل الله أي وقال ذلك ثلاثا فكان رضي الله تعالى عنه شديدا

على المريب لينا على المؤمن وقال والله لا اعلم متخلفا يتخلف عن الصلاة في جماعة الا ضربت عنقه فإنه لا يتخلف عن الصلاة الا منافق فقال اهل مكة يا رسول الله لقد استعملت على أهل الله عتاب بن أسيد أعرابيا جافيا فقال صلى الله عليه وسلم إني رأيت فما يرى النائم كأن عتاب بن أسيد أتى باب الجنة فأخذ بحلقة الباب فقلقلها قلقالا شديد حتى فتح له فدخلها فأعز الله به الإسلام فنصرته للمسلمين على من يريد ظلمهم هذا
وفي تاريخ الازرقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقد رأيت أسيدا في الجنة وأني أي كيف يدخل أسيد الجنة فعرض له عتاب بن اسيد فقال صلى الله عليه وسلم هذا الذي رايت ادعوه لي فدعى له فاستعمله يومئذ على مكة ثم قال يا عتاب اتدري على من استعملتك استعملتك على أهل الله فاستوص بهم خيرا يقولها ثلاثا
فإن قيل كيف يقول صلى الله عليه وسلم عن اسيد انه رآه في الجنة ثم يقول عن ولد أسيد إنه الذي رآه في الجنة قلنا لعل عتابا كان شديد الشبة بأبيه فظن صلى الله عليه وسلم عتابا أباه فلما رآه عرف أنه عتاب لا أسيد
وفي كلام سبط ابن الجوزي عتاب بن اسيد استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل مكة لما خرج الى حنين وعمره ثماني عشرة سنة وفي كلام غيره ما يفيد أنه صلى الله عليه وسلم إنما استخلف عتاب بن أسيد وترك معه معاذ بن جبل بعد عوده من الطائف وعمرته من الجعرانة إلا أن يقال لا مخالفة ومراده باستئلافه إبقاؤه على ذلك وينبغي ان يكون ما تقدم عن الكشاف من قول أهل مكة له صلى الله عليه وسلم لقد استخلفت على أهل الله عتاب بن اسيد الى آخره بعد ابقائه على استخلافه لما لا يخفى
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أن اسيدا والد عتاب واليا على مكة مسلما فمات على الكفر فكانت الرؤيا لولده كما تقدم مثل ذلك في أبي جهل ولده عكرمة رضي الله تعالى عنه
ولما ولاه صلى الله عليه وسلم على مكة جعل له في كل يوم درهما فكان رضي الله تعالى عنه يقول لا اشبع الله بطنا جاع على درهم في كل يوم
ويروي انه قام فخطب الناس فقال ايها الناس اجاع الله كبد من جاع على درهم أي له درهم فقد رزقني رسول الله صلى الله عليه وسلم درهما في كل يوم فليست لي حاجة الى احد


وعن جابر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل عتاب بن اسيد على مكة وفرض له عمالته أربعين أوقية من فضة ولعل الدرهم كل يوم يحرز القدر المذكور أي أربعين أوقية في السنة فلا مخالفة
وفي السنن الكبرى للبيهقي وولد عتاب هذا عبد الرحمن الذي قطعت يده يوم الجمل واحتملها النسر وألقاها بمكة وقيل بالمدينة كان يقال له يعسوب قريش
غزوة حنين اسم موضع قريب من الطائف وفي كلام بعضهم الى جنب ذي المجاز وهو سوق الجاهلية وتقدم ذكره وفي كلام بعض آخر اسم لما بين مكة والطائف ويقال لها غزوة هوزان ويقال لها غزوة اوطاس باسم الموضع الذي كانت به الوقعة في آخر الأمر
أي وسببها أنه لما فتح الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة أطاعت له قبائل العرب الا هوزان وثقيفا فإن أهلهما كانوا طغاة عتاة مردة
قال قال ائمة المغازي لما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة مشت اشراف هوازن وثقيف بعضها الى بعض فاشفقوا أي خافوا ان يغزوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا قد فرغ لنا فلاناهية أي لا مانع له دوننا والراي أن يغزونا فحشدوا وبغوا وقالوا وكان اجماع امر الناس إلى مالك بن عوف النصيري أي بالصاد المهملة رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك فاجتمع اليه من القبائل جموع كثيرة فيهم بنو سعد بن بكر وهم الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسترضعا فيهم وحضر معهم دريد بن الصمة وكان شجاعا مجربا لكنه كبر أي لأنه بلغ مائة وعشرين سنة وقيل مائة وخمسين وقيل مائة وسبعين أي وقيل قارب المائتين قاله ابن الجوزي وقد عمى وصار لا ينتفع الا برأيه ومعرفته بالحرب أي لأنه كان صاحب رأي وتدبير ومعرفة بالحروب وكان قائد ثقيف ورئيسهم كنانة بن عبد ياليل رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وقيل قارب بن الأسود وكان سن مالك بن عوف إذ ذاك ثلاثين سنة فإنه أسلم بعد ذلك وقيل قارب بن الاسود وكان سن مالك بن عوف إذ ذاك ثلاثين سنة فأمر الناس بأخذ اموالهم ونسائهم وابنائهم معهم فلما نزل بأوطاس اجتمع اليه الناس وفيهم

دريد بن الصمة فقال دريد للناس بأي واد أنتم قالوا بأوطاس قال نعم محل الخيل وفي لفظ مجال الخيل بالجيم لا حزن ضرس والحزن بفتح الحاء المهملة واسكان الزاي وبالنون ما غلط من الأرض والضرس بكسر الضاد المعجمة واسكان الراء وبالسين المهملة ما صلب من الأرض ولا سهل دهس والسهل ضد الحزن والدهس بفتح الدال المهملة والهاء وبالسين المهملة اللين كثير التراب مالي اسمع رغاء البعير ونهاق الحمير بضم النون أي صوتها وبكاء الصغير ويعار الشاء واليعار بضم المثناة تحت وبالعين المهملة المخففة الداء صوت الشاء أي وخوار البقراي صوتها قالوا ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وابناءهم قال ابن مالك أي وكان توافق معه على أن لا يخالفه فإنه قال له إنك تقاتل رجلا كريما قد أوطأ العرب وخافته العجم وأجلى يهود الحجاز أي غالبهم اما قتلا وإما خروجا عن ذل وصغار فقال له لا نخالفنك في أمر تراه فقيل له هذا مالك فقال يا مالك اما انك قد اصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعارالشاء وخوار البقر قال سقت مع الناس ابناءهم ونساءهم وأموالهم قال ولم قال أردت أن أجعل خلف كل رجل اهله وماله ليقاتل عنهم فأنقض به قال ابو ذر أي زجره كما تزجر الدابة وهو ان يلصق اللسان بالحنك الأعلى ويصوت به وهو معنى قول الأصل أي صوت بلسانه في فيه ثم قال له راعي وفي لفظ رويعي ضأن والله ماله وللحرب ثم اشار عليه برد الذرية والأموال وقال هل يرد المنهزم شيء إن كانت لك لم ينفعك كعب وكلب قالوا لم يشهدها منهم أحد قال غاب الحد والجد الأول بفتح الحاء المهملة والثاني بالمعجمة مكسورة ضد الهزل وبفتحها الحظ لو كان يوم علا ورفعة ما غابا ثم أشار عليه بأمور لم يقبلها مالك منه وقال والله لا اطيعك إنك قد كبرت وضعف رأيك فقال دريد لهوازن قد شرط يعني مالكا أن لا يخالفني فقد خالفني فأنا أرجع الى أهلي فمنعوه وقال مالك والله لتطيعنني يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري وكره أن يكون لدريد فيها راي او ذكر قالوا أطعناك أي ثم جعل النساء فوق الإبل وراء المقاتلة صفوفا ثم جعلوا الإبل صفوفا والبقر والغنم وراء ذلك لئلا يفروا وفي لفظ

صفت الخيل ثم الرجالة المقاتلة ثم صفت النساء على الإبل ثم صفت الغنم ثم صفت النعم ثم قال للناس إذا رأيتموهم شدوا عليهم شدة رجل واحد وبعث عيونا له أي وهم ثلاثة أنفار أرسلهم لينظروا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا وقد تفرقت أوصالهم قال ويلكم ما شأنكم قالوا رأينا رجالا بيضا على خيول بلق فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى وإن أطعتنا جعنا بقومك فقال أف لكم بل أنتم أجبن العسكر فلم يرده ذلك 4 ومضى على ما يريده
ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم باجتماعهم أرسل اليهم رجلا من اصحابه أي وهو عبد الله بن ابي حدرد الأسلمي وأمره ان يدخل فيهم ويسمع منهم أجمعوا عليه فدخل فيهم أي ومكث فيهم يوما أو يومين وسمع ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر أي وجاءه رجل فقال يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا فإذا أنا بهوازن عن بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشبابهم اجتمعوا الى حنين فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله تعالى فأجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر السير الى هوازن وذكر له صلى الله عليه وسلم أن عند صفوان بن امية ولم يكن اسلم يومئذ بل كان مؤمنا ادرعا وسلاحا فارسل صلى الله عليه وسلم اليه فقال يا أبا امية أعرنا سلاحك نلق به عدونا غدا فقال صفوان أغصبا يا محمد فقال صلى الله عليه وسلم بل عارية وهي مضمونة حتى نؤديها اليك قال ليس بهذا بأس وفي رواية الإمام احمد قال صفوان عارية مؤداة فقال صلى الله عليه وسلم العارية مؤداة فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح قبل وسأله صلى الله عليه وسلم أن يكفيهم حملها ففعل وذكر ان بعض تلك الأدراع ضاع فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضمنها له فقال أنا اليوم يا رسول الله في الإسلام ارغب
قال واستعار صلى الله عليه وسلم من ابن عمه نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ثلاثة آلاف رمح فقال له كأني أنظر الى رماحك هذه تقصف ظهر المشركين أهأي وتقدم أن نوفلا هذا فدى نفسه وكان في اسرى بدر بألف رمح
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفا ألفان من أهل مكة والعشرة آلاف الذي فتح الله تعالى بهم مكة أي على ما تقدم
قال بعضهم وخرج أهل مكة ركبانا ومشاة حتى النساء يمشين على غير وهن يرجون

الغنائم ولا يكرهون أن من لم يصدق إيمانه أن الضيعة وفي لفظ أن الصدمة برسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه أي فقد خرج معه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون من المشركين منهم صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو فلما قربوا من محل العدو صفهم ووضع الألوية والرايات مع المهاجرين والأنصار فلواء المهاجرين أعطاه عليا كرم الله وجهه وأعطى سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه راية وأعطى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه راية ولواء الخزرج أعطاه الحباب بن المنذر رضي الله تعالى عنه ولواء الأوس أعطاه اسيد بن حضير رضي الله تعالى عنه
وفي سيرة الدمياطي وفي كل بطن من الأوس والخرزج لواء وراية يحملها رجل منهم وكذلك قبائل العرب فيها الاولوية والرايات يحملها رجال منهم وركب صلى الله عليه وسلم بغلته ولبس درعين والمغفر والبيضة والدرعان هما ذات الفضول والسغدية بالسين المهملة والغين المعجمة وهي درع داود عليه السلام التي لبسها حين قتل جالوت ومروا بشجر سدرة كان المشركون يعظمونها وينوطون بها اسلحتهم أي يعلقونها بها فقالت الصحابة رضي الله تعالى عنه الله تعالى عنهم يا رسول الله اجعل لنا ذات انواط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله اكبر هذا كما قال قوم موسى عليه السلام أجعل لنا الها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون لتركبن سنن من كان قبلكم فلما كان بحنين وانحدورا الوادي أي وذلك عند غبش الصبح خرج عليهم القوم وكانوا كمنوا لهم في شعاب الوادي ومضايقه وذلك باشارة دريد بن الصمة فإنه قال لمالك اجعل لك كمينا يكون لك عونا إن حمل القوم عليك جاءهم الكمين من خلفهم وكررت أنت بمن معك وإن كانت الحملة لك لم يفلت من القوم أحد فحملوا عليهم حملة رجل واحد أي وكانوا رماة فاستقبلوهم بالنبل كأنهم جراد منتشر لا يكاد يسقط لهم سهم
أي وعن البراء رضي الله تعالى عنه وسأله رجل فقال فررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقال ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر
وأما ما روى عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهزما فمنهزما حال من سلمة لا من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينهزم قط في موطن من المواطن كما تقدم
وعن البراء رضي الله عنه كانت هوازن ناسا رماة وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا

فأكبيا على الغنائم فاستقبلونا بالسهام فأخذ المسلمون راجعين منهزمين لا يلوى أحد على أحد أي ويقال إن الطلقاء وهم أهل مكة قال بعضم لبعض أي من كان إسلامه مدخولا منهم اخذلوه هذا وقته فانهزموا فهم أول من انهزم وتبعهم الناس وعند ذلك قال ابو قتادة رضي الله عنه لعمر رضى الله عنه ما شأن الناس قال أمر الله
وهذا السياق يدل على انهم انهزموا مرتين الأولى في أول الأمر والثانية عند انكباب المسلمين على أخذ الغنائم والذي في الاصل الاقتصار على الأولى
وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ومعه نفر قليل منهم أبو بكر وعمر وعلي والعباس وابنه الفضل وابو سفيان ابن اخيه الحارث وربيعة بن الحارث ومعتب ابن عمه ابي لهب وفقئت عينه ولم أقف على أيهما كانت أي ووردت في عد من ثبت معه روايات مختلفة فقيل مائة وقيل ثمانون وقيل اثنا عشر وقيل عشرة وقيل كانوا ثلثمائة
ولا مخالفة لإمكان الجمع وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله إني عبد الله ورسوله
وعن العباس رضي الله عنه كنت آخذا بحكمة بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وهي الشهباء التي أهداها له فروة بن عمرو الجزامي أي صاحب البلقاء وعامل ملك الروم على فلسطين يقال لها فضة وقيل التي يقال لها دلدل التي أهداها له المقوقس وفي البخاري التي أهداها له ملك أيلة قال بعضهم والأول أثبت
ويدل الثاني ما أخرجه ابو نعيم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال انهزم المسلمون بحنين ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته الشهباء وكان يسميها دلدل فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم دلدل البدى فألزقت بطنها بالأرض الحديث وابو سفيان ابن الحارث آخذ بركابه صلى الله عليه وسلم وهو يقول حين رأى ما رأى من الناس الى أين أيها الناس فلما ار الناس يلوون على شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباس اصرخ يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة يعني الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان
وفي لفظ يا عباس اصرخ بالمهاجرين الذين بايعوا تحت الشجرة وبالأنصار الذين آووا ونصروا أي وإنما خص صلى الله عليه وسلم العباس بذلك لأنه كان عظيم الصوت كان صوته يسمع من ثمانية أميال كان يقف على سلع وينادي غلمانه آخر الليل وهم بالغابة فيسمعهم وبين سلع والغابة ثمانية اميال
وغارت الخيل يوما على المدينة فنادى واصباحاه فلم تسمعه حامل الا وضعت من عظم صوته
وفي لفظ آخر نادى يا أصحاب السمرة يوم الحديبية يا أصحاب سورة البقرة أي وخص سورة البقرة بالذكر لأنها أول سورة نزلت في المدينة لأن فيها { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله } وفيها { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم } وفيها { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } في لفظ نادى يا أنصار الله وأنصار رسوله يا بني الخزرج خصهم بالذكر بعد التعميم لأنهم كانوا صبرا في الحرب أو غلب فأجابوا لبيك لبيك وفي لفظ يا لبيك يا لبيك
أي وفي البخاري لما أدبروا عنه صلى الله عليه وسلم حتى بقي وحده فنادي يومئذ نداءين التفت عن يمينه فقال يا معشر الانصار قالوا لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك ثم التفت عن يساره فقال يا معشر الانصار قالوا لبيك يا رسول الله أبشر نحن معك
ويجوز أن يكونه هذا بعد نداء العباس وقربهم منه صلى الله عليه وسلم وصار الرجل يلوي بعيره فلا يقدر على ذلك أي لكثرة الأعراب المنهزمين فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ويأخذ سيفه وترسه ويقتحم عن بعيره ويخلي سبيله ويؤم الصوت حتى ينتهي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعضهم فما شبهت عطفة الأنصار على رسول الله إلا عطفة الإبل وفي لفظ عطفة البقر على أولادها فلرماحهم أخوف عندي على رسول الله صلى الله عليه وسلم من رماح الكفار حتى إذا انتهى اليه من الناس مائة استقبلوا الناس فاقتتلوا واشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر الى القوم وهم يجتلدون أي وكان شعارهم كيوم فتح مكة فقال صلى الله عليه وسلم الآن حمى وهو حجارة توقد العرب تحتها النار يشوون عليها اللحم والوطيس في الاصل التنور وهذه من الكلمات التي لم تسمع الا منه صلى الله عليه وسلم وهي مثل يضرب لشدة الحرب أي وصار يقول أنا النبي لا كذب أنا ابن ==



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

طبقات خليفة خليفة بن خياط أبو عمر شباب/الليثي العصفري/ت. الوفاة : 240 .

 طبقات خليفة  خليفة بن خياط أبو عمر شباب/الليثي العصفري/ت. الوفاة : 240 .  الطبقات قال حدثنا خليفة بن خياط شباب أبو عمرو الشيباني الذهلي...