الاثنين، 6 يونيو 2022

مجلد7. و 8.كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري

مجلد7. و 8.كتاب : السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري

7.

كتاب : السيرة النبوية لابن هشام
المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري



[ مَا نَزَلَ فِي الْغُلُولِ ]
ثُمّ قَالَ { وَمَا كَانَ لِنَبِيّ أَنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمّ تُوَفّى كُلّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } أَيْ مَا كَانَ لِنَبِيّ أَنْ يَكْتُمَ النّاسَ مَا بَعَثَهُ اللّهُ بِهِ إلَيْهِمْ عَنْ رَهْبَةٍ مِنْ النّاسِ وَلَا رَغْبَةٍ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَأْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِهِ ثُمّ يُجْزَى بِكَسْبِهِ غَيْرَ مَظْلُومٍ وَلَا مُعْتَدًى عَلَيْهِ { أَفَمَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ } عَلَى مَا أَحَبّ النّاسُ أَوْ سَخِطُوا { كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ } لِرِضَا النّاسِ أَوْ لِسَخَطِهِمْ . يَقُولُ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى طَاعَتِي ، فَثَوَابُهُ الْجَنّةُ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللّهِ { كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ } وَاسْتَوْجَبَ سَخَطَهُ فَكَانَ مَأْوَاهُ جَهَنّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ أَسَوَاءٌ الْمِثْلَانِ فَاعْرِفُوا . { هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } لِكُلّ دَرَجَاتٌ مِمّا عَمِلُوا فِي الْجَنّةِ وَالنّارِ أَيْ إنّ اللّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَهْلُ طَاعَتِهِ مِنْ أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ .

[ فَضْلُ اللّهِ عَلَى النّاسِ بِبَعْثِ الرّسُلِ ]
ثُمّ قَالَ { لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } أَيْ لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ إذْ بَعَثَ فِيكُمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِهِ فِيمَا أَحْدَثْتُمْ وَفِيمَا عَمِلْتُمْ فَيُعَلّمَكُمْ الْخَيْرَ وَالشّرّ لِتَعْرِفُوا الْخَيْرَ فَتَعْمَلُوا بِهِ وَالشّرّ فَتَتّقُوهُ وَيُخْبِرَكُمْ بِرِضَاهُ عَنْكُمْ إذَا أَطَعْتُمُوهُ فَتَسْتَكْثِرُوا مِنْ طَاعَتِهِ وَتَجْتَنِبُوا مَا سَخِطَ مِنْكُمْ مِنْ مَعْصِيَتِهِ [ ص 118 ] حَسَنَةً و لَا تَسْتَغْفِرُونَ مِنْ سَيّئَةٍ صُمّ عَنْ الْخَيْرِ بُكْمٌ عَنْ الْحَقّ عُمْيٌ عَنْ الْهُدَى .

[ ذِكْرُهُ الْمُصِيبَةَ الّتِي أَصَابَتْهُمْ ]
ثُمّ ذَكَرَ الْمُصِيبَةَ الّتِي أَصَابَتْهُمْ فَقَالَ { أَوَلَمّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنّ اللّهَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أَيْ إنْ تَكُ قَدْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ فِي إخْوَانِكُمْ بِذُنُوبِكُمْ فَقَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قَبْلُ مِنْ عَدُوّكُمْ فِي الْيَوْمِ الّذِي كَانَ قَبْلَهُ بِبَدْرِ قَتْلًا وَأَسْرًا وَنَسِيتُمْ مَعْصِيَتَكُمْ وَخِلَافَكُمْ عَمّا أَمَرَكُمْ بِهِ نَبِيّكُمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْتُمْ أَحْلَلْتُمْ ذَلِكَ بِأَنْفُسِكُمْ { إِنّ اللّهَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أَيْ إنّ اللّهَ عَلَى مَا أَرَادَ بِعِبَادِهِ مِنْ نِقْمَةٍ أَوْ عَفْوٍ قَدِيرٌ { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ } أَيْ مَا أَصَابَكُمْ حِينَ الْتَقَيْتُمْ أَنْتُمْ وَعَدُوّكُمْ فَبِإِذْنِي ، كَانَ ذَلِكَ حِينَ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بَعْدَ أَنْ جَاءَكُمْ نَصْرِي ، وَصَدَقَتْكُمْ وَعْدِي ، لِيُمَيّزَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ { وَلِيَعْلَمَ الّذِينَ نَافَقُوا } مِنْكُمْ أَيْ لِيُظْهِرَ مَا فِيهِمْ . { وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُوا } يَعْنِي عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُبَيّ وَأَصْحَابَهُ الّذِينَ رَجَعُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ سَارَ إلَى عَدُوّهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدِ وَقَوْلَهُمْ لَوْ نَعْلَمُ أَنّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَسِرْنَا مَعَكُمْ وَلَدَفَعْنَا عَنْكُمْ وَلَكِنّا لَا نَظُنّ أَنّهُ يَكُونُ قِتَالٌ . فَأَظْهَرَ مِنْهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ . يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } أَيْ يُظْهِرُونَ لَك الْإِيمَانَ وَلَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ { وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } أَيْ مَا يُخْفُونَ { الّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ } الّذِينَ أُصِيبُوا مَعَكُمْ مِنْ عَشَائِرِهِمْ وَقَوْمِهِمْ { لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَيْ أَنّهُ لَا بُدّ مِنْ الْمَوْتِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَدْفَعُوهُ عَنْ أَنْفُسِكُمْ فَافْعَلُوا ، وَذَلِكَ أَنّهُمْ إنّمَا نَافَقُوا وَتَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللّهِ حِرْصًا عَلَى الْبَقَاءِ فِي الدّنْيَا ، وَفِرَارًا مِنْ الْمَوْتِ .

[ التّرْغِيبُ فِي الْجِهَادِ ]
[ ص 119 ] قَالَ لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرَغّبُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجِهَادِ وَيُهَوّنُ عَلَيْهِمْ الْقَتْلَ { وَلَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } أَيْ لَا تَظُنّن الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا : أَيْ قَدْ أَحْيَيْتهمْ فَهُمْ عِنْدِي يُرْزَقُونَ فِي رَوْحِ الْجَنّةِ وَفَضْلِهَا ، مَسْرُورِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى جِهَادِهِمْ عَنْهُ . { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ } أَيْ وَيُسَرّونَ بِلُحُوقِ مَنْ لَحِقَهُمْ مِنْ إخْوَانِهِمْ عَلَى مَا مَضَوْا عَلَيْهِ مِنْ جِهَادِهِمْ لِيَشْرَكُوهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنْ ثَوَابِ اللّهِ الّذِي أَعْطَاهُمْ قَدْ أَذْهَبَ اللّهُ عَنْهُمْ الْخَوْفَ وَالْحَزَنَ . يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنّ اللّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ } لِمَا عَايَنُوا مِنْ وَفَاءِ الْمَوْعُودِ وَعَظِيمِ الثّوَابِ .

[ مَصِيرُ قَتْلَى أُحُدٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيّةَ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا أُصِيبَ إخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرِ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنّةِ وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا ، وَتَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلّ الْعَرْشِ فَلَمّا وَجَدُوا طِيبَ مَشْرَبِهِمْ وَمَأْكَلِهِمْ وَحُسْنَ مَقِيلِهِمْ قَالُوا : يَا لَيْتَ إخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ مَا صَنَعَ اللّهُ بِنَا ، لِئَلّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ وَلَا يَنْكُلُوا عَنْ الْحَرْبِ فَقَالَ اللّهُ تَعَالَى : فَأَنَا أُبَلّغُهُمْ عَنْكُمْ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ { وَلَا تَحْسَبَنّ } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ الْفَضِيلِ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ الْأَنْصَارِيّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الشّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهْرٍ بِبَابِ الْجَنّةِ ، فِي قُبّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنْ الْجَنّةِ بُكْرَةً وَعَشِيّا [ ص 120 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنّهُ سُئِلَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ { وَلَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ } فَقَالَ أَمَا إنّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْهَا فَقِيلَ لَنَا : إنّهُ لَمّا أُصِيبَ إخْوَانُكُمْ بِأُحُدٍ جَعَلَ اللّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنّةِ وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا ، وَتَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلّ الْعَرْشِ فَيَطّلِعُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَلَيْهِمْ اطّلَاعَةً فَيَقُولُ يَا عِبَادِي ، مَا تَشْتَهُونَ فَأَزِيدَكُمْ ؟ قَالَ فَيَقُولُونَ رَبّنَا لَا فَوْقَ مَا أَعْطَيْتنَا ، الْجَنّةُ نَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا قَالَ ثُمّ يَطّلِعُ اللّهُ عَلَيْهِمْ اطّلَاعَةً فَيَقُولُ يَا عِبَادِي ، مَا تَشْتَهُونَ فَأَزِيدَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ رَبّنَا لَا فَوْق مَا أَعْطَيْتنَا ، الْجَنّةُ نَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا قَالَ ثُمّ يَطّلِعُ عَلَيْهِمْ اطّلَاعَةً فَيَقُولُ يَا عِبَادِي ، مَا تَشْتَهُونَ فَأَزِيدَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ رَبّنَا لَا فَوْقَ مَا أَعْطَيْتنَا ، الْجَنّةُ نَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا . إلّا أَنّا نُحِبّ أَنْ تَرُدّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا ، ثُمّ نُرَدّ إلَى الدّنْيَا ، فَنُقَاتِلُ فِيك ، حَتّى نُقْتَلَ مَرّةً أُخْرَى قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عُقَيْلٍ ، قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَا أُبَشّرُك يَا جَابِرُ ؟ قَالَ قُلْت : بَلَى يَا نَبِيّ اللّهِ قَالَ إنّ أَبَاك حَيْثُ أُصِيبَ بِأُحُدٍ أَحْيَاهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ ثُمّ قَالَ لَهُ مَا تُحِبّ يَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرٍو أَنْ أَفْعَلَ بِك ؟ قَالَ أَيْ رَبّ أُحِبّ أَنْ تَرُدّنِي إلَى الدّنْيَا فَأُقَاتِلَ فِيك ، فَأُقْتَلَ مَرّةً أُخْرَى قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ الْحَسَنِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُفَارِقُ الدّنْيَا يُحِبّ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَأَنّ لَهُ الدّنْيَا وَمَا فِيهَا إلّا الشّهِيدُ فَإِنّهُ يُحِبّ أَنْ يُرَدّ إلَى الدّنْيَا ، فَيُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلَ مَرّةً أُخْرَى

[ ذِكْرُ مَنْ خَرَجُوا مَعَ الرّسُولِ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 121 ] قَالَ تَعَالَى : { الّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلّهِ وَالرّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ } أَيْ الْجِرَاحُ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ سَارُوا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ أَلَمِ الْجِرَاحِ { لِلّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } وَالنّاسُ الّذِينَ قَالُوا لَهُمْ مَا قَالُوا ، النّفَرُ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ ، الّذِينَ قَالَ لَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ مَا قَالَ ؟ قَالُوا إنّ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ رَاجِعُونَ إلَيْكُمْ . يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ
{ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتّبَعُوا رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } لِمَا صَرَفَ اللّهُ عَنْهُمْ مِنْ لِقَاءِ عَدُوّهِمْ { إِنّمَا ذَلِكُمُ الشّيْطَانُ } أَيْ لِأُولَئِكَ الرّهْطِ وَمَا أَلْقَى الشّيْطَانُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ { يُخَوّفُ أَوْلِيَاءَهُ } أَيْ يُرْهِبُكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ { فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَلَا يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ } أَيْ الْمُنَافِقُونَ { إِنّهُمْ لَنْ يَضُرّوا اللّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللّهُ أَلّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِنّ الّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرّوا اللّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَا يَحْسَبَنّ الّذِينَ كَفَرُوا أَنّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ مَا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ } أَيْ الْمُنَافِقِينَ { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ } أَيْ فِيمَا يُرِيدُ أَنْ يَبْتَلِيَكُمْ بِهِ لِتَحْذَرُوا مَا يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ فِيهِ وَلَكِنّ اللّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ أَيْ يُعَلّمُهُ ذَلِكَ { فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتّقُوا } أَيْ تَرْجِعُوا وَتَتُوبُوا { فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } .

ذِكْرُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ بِأُحُدِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ
[ ص 122 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَاسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ ، رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَتَلَهُ وَحْشِيّ ، غُلَامُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ . وَمِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي أَسَدِ ابْنِ خُزَيْمَةَ . وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ، قَتَلَهُ ابْنُ قَمِئة اللّيْثِيّ . وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَة َ شَمّاسُ بْنُ عُثْمَانَ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .

وَمِنْ الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ : عَمْرُو بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ وَالْحَارِثُ بْنُ أَنَسِ بْنِ رَافِعٍ وَعُمَارَةُ بْنُ زِيَادِ بْنِ السّكَنِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : السّكَنُ ابْنُ رَافِعِ بْنُ امْرِئِ الْقَيْسِ وَيُقَالُ السّكْنُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَلَمَةُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ وَعَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ زَعَمَ لِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ أَبَاهُمَا ثَابِتًا قُتِلَ يَوْمَئِذٍ . وَرِفَاعَةُ بْنُ وَقْشٍ . وَحُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ أَبُو حُذَيْفَةَ وَهُوَ الْيَمَانُ أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَلَا يَدْرُونَ فَتَصَدّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى مَنْ أَصَابَه وَصَيْفِيّ [ ص 123 ] وَعَبّادُ بْنُ سَهْلٍ ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ . اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا . وَمِنْ أَهْلِ رَاتِجٍ : إيَاسُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَمِ بْنِ زَعُوراء بْنِ جُشَمِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَعُبَيْدُ بْنُ التّيْهَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَتِيكُ بْنُ التّيْهَانِ . وَحَبِيبُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ تَيْمٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .

وَمِنْ بَنِي ظَفَرٍ : يَزِيدُ بْنُ خَاطِبِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ رَافِعٍ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ : أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ زَيْدٍ وَحَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرِ بْنِ صَيْفِيّ بْنِ نُعْمَانَ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَمَةَ ، وَهُوَ غَسِيلُ الْمَلَائِكَةِ قَتَلَهُ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ شُعُوبٍ اللّيْثِيّ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَيْسُ : ابْنُ زَيْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ وَمَالِكُ ابْنُ أَمَةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدٍ : أُنَيْسُ بْنُ قَتَادَةَ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : أَبُو حَيّةَ وَهُوَ أَخُو سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ لِأُمّهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو حَيّةَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ ، وَهُوَ أَمِيرُ الرّمَاةِ . رَجُلَانِ . [ ص 124 ] وَمِنْ بَنِي السّلْمِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ : خَيْثَمَةُ أَبُو سَعْدِ بْنُ خَيْثَمَةَ . رَجُلٌ . وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ . رَجُلٌ .

وَمِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكٍ : سُبَيْعُ بْنُ حَاطِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ هَيْشَةَ . رَجُلٌ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ سُويْبِق بْنُ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبِ بْنِ هَيْشَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي النّجّارِ : ثُمّ مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنِيّ : عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ ؛ وَابْنُهُ قَيْسُ بْنُ عَمْرٍو . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ : ابْنُ زَيْدِ بْنِ سَوَادٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَثَابِتُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ ؛ وَعَامِرُ بْنُ مَخْلَدٍ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي مَبْذُولٍ أَبُو هُبَيْرَةَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَقْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ مَبْذُولٍ وَعَمْرُو بْنُ مُطَرّفِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَمْرٍو رَجُلَانِ .

وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكِ : أَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ . رَجُلٌ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَوْسُ بْنُ ثَابِتٍ أَخُو حَسّانِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ : أَنَسُ بْنُ النّضْرِ بْنِ ضَمْضَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ النّجّارِ . رَجُلٌ . [ ص 125 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنَسُ بْنُ النّضْرِ ، عَمّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : خَادِمُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ : قَيْسُ بْنُ مَخْلَدٍ ؛ وَكَيْسَانُ عَبْدٌ لَهُمْ . رَجُلَانِ .

وَمِنْ بَنِي دِينَارِ بْنِ النّجّارِ : سُلَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ وَنُعْمَانُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ وَسَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ دُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَأَوْسُ بْنُ الْأَرْقَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي الْأَبْجَرِ ، وَهُمْ بَنُو خُدْرَةَ : مَالِكُ بْنُ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْجَرِ وَهُوَ أَبُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : اسْمُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ سِنَانُ وَيُقَالُ سَعْدٌ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَعِيدُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبّادِ بْنِ الْأَبْجَرِ وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعِ بْنِ رَافِعِ ؛ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُبَيْدِ ، بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ ، بْنِ الْأَبْجَرِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .

وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ : ثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَالِدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ وَثَقْفُ بْنُ فَرْوَةَ بْنِ الْبَدِيّ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي طَرِيفٍ ، رَهْطُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ وَهْبِ [ ص 126 ] ثَعْلَبَةَ بْنِ وَقْشِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ طَرِيفٍ ؛ وَضَمْرَةُ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي جُهَيْنَةَ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَالِمٍ ثُمّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ ؛ وَنُعْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ فِهْرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ وَالْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ ، وَعُبَادَةُ بْنُ الْحَسْحَاسِ . دُفِنَ النّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ وَالْمُجَذّرُ وَعُبَادَةُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ . خَمْسَةُ نَفَرٍ .وَمِنْ بَنِي الْحُبْلَى : رِفَاعَةُ بْنُ عَمْرٍو . رَجُلٌ .

وَمِنْ بَنِي سَلِمَةَ ، ثُمّ مِنْ بَنِي حَرَامٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَرَامٍ وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ ؛ دُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَخَلّادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ وَأَبُو أَيْمَنَ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمٍ : سُلَيْمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَدِيدَةَ ؛ وَمَوْلَاهُ عَنْتَرَةُ ؛ وَسَهْلُ بْنُ قَيْسِ بْنِ أَبِي كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِر ٍ ذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ ؛ وَعُبَيْدُ بْنُ الْمُعَلّى بْنِ لَوْذَانَ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عُبَيْدُ بْنُ الْمُعَلّى ، مِنْ بَنِي حَبِيبٍ .

[عَدَدُ الشّهَدَاء ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَجَمِيعُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ . خَمْسَةٌ وَسِتّونَ رَجُلًا . [ ص 127 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَمِمّنْ لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ السّبْعِينَ الشّهَدَاءِ الّذِينَ ذَكَرْنَا ، مِنْ الْأَوْسِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكٍ : مَالِكُ بْنُ نُمَيْلَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ مُزَيْنَةَ . وَمِنْ بَنِي خَطْمَةَ - وَاسْمُ خَطْمَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُشَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيّ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ خَطْمَةَ . وَمِنْ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ مَالِكِ : مَالِكُ بْنُ إيَاسٍ . وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ : إيَاسُ بْنُ عَدِيّ . وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ : عَمْرُو بْنُ إيَاسٍ .

ذِكْرُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ مِنْ أَصْحَابِ اللّوَاءِ : طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَاسْمُ أَبِي طَلْحَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ؛ ( و ) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ؛ وَمُسَافِعُ بْنُ طَلْحَةَ ، وَالْجُلّاسُ بْنُ طَلْحَةَ ، قَتَلَهُمَا عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ . وَكِلَابُ بْنُ طَلْحَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ طَلْحَةَ قَتَلَهُمَا قُزْمَانُ ، حَلِيفٌ لِبَنِي ظَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَتَلَ كِلَابًا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ . [ ص 128 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَرْطَاةُ بْنُ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَأَبُو يَزِيدَ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قَتَلَهُ قُزْمَانُ ؛ وَصُؤَابُ غُلَامٌ لَهُ حَبَشِيّ ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَيُقَالُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ وَيُقَالُ أَبُو دُجَانَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْقَاسِطُ بْنُ شُرَيْحِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قَتَلَهُ قُزْمَانُ . أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا

وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ . قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ : أَبُو الْحَكَمِ بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِيّ ، حَلِيفٌ لَهُمْ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ؛ وَسِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى - وَاسْمُ عَبْدِ الْعُزّى : عَمْرُو بْنُ نَضْلَةَ بْنِ غُبْشَانَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مَلَكَانِ بْنِ أَفْصَى - حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ ، هِشَامُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَه ُ قُزْمَانُ ؛ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ : وَأَبُو أُمَيّةَ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَخَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ حَلِيفٌ لَهُمْ قَتَلَهُ قُزْمَانُ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .

وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرٍو : عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ ، وَهُوَ أَبُو عَزّةَ قَتَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَبْرًا ؛ [ ص 129 ] وَأُبَيّ بْنُ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ ، قَتَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِيَدِهِ . ( رَجُلَانِ ) . وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : عُبَيْدَةُ بْنُ جَابِرٍ ؛ وَشَيْبَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْمُضَرّبِ قَتَلَهُمَا قُزْمَانُ . ( رَجُلَانِ ) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَتَلَ عُبَيْدَةَ بْنَ جَابِرٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ .

[ عَدَدُ قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَجَمِيعُ مَنْ قَتَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ رَجُلًا

ذِكْرُ مَا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ يَوْمَ أُحُدٍ
[ شِعْرُ هُبَيْرَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْم ِ أُحُدٍ ، قَوْلُ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ عَائِذٌ ابْنُ عِمْرَانَ بْنُ مَخْزُومٍ :
مَا بَالُ هَمّ عَمِيدٍ بَاتَ يَطْرُقنِي ... بِالْوُدّ مِنْ هِنْدَ إذْ تَعْدُو عَوَادِيهَا
بَاتَتْ تُعَاتِبنِي هِنْدٌ وَتَعْذُلُنِي ... وَالْحَرْبُ قَدْ شُغِلَتْ عَنّي مَوَالِيهَا
مَهْلًا فَلَا تَعْذُلِينِي إنّ مِنْ خُلُقِي ... مَا قَدْ عَلِمْتِ وَمَا إنْ لَسْتُ أُخْفِيهَا
مُسَاعِفٌ لِبَنِي كَعْبٍ بِمَا كَلِفُوا ... حَمّالُ عِبْءٍ وَأَثْقَالٌ أُعَانِيهَا
وَقَدْ حَمَلْتُ سِلَاحِي فَوْقَ مُشْتَرَف ... سَاطٍ سَبُوحٍ إذَا تَجْرِي يُبَارِيهَا
كَأَنّهُ إذْ جَرَى عَيْرٌ بِفَدْفَدَةٍ ... مُكَدّمٌ لَاحِقٌ بِالْعُونِ يَحْمِيهَا
مِنْ آلِ أَعْوَجَ يَرْتَاحُ النّدِيّ لَهُ ... كَجِذْعِ شَعْرَاءَ مُسْتَعْلٍ مَرَاقِيهَا
أَعْدَدْتُهُ وَرِقَاقَ الْحَدّ مُنْتَخَلًا ... وَمَارِنًا لِخُطُوبٍ قَدْ أُلَاقِيهَا
هَذَا وَبَيْضَاءَ مِثْلَ النّهْيِ مُحْكَمَةٌ ... نِيطَتْ عَلَيّ فَمَا تَبْدُو مَسَاوِيهَا

سُقْنَا كِنَانَةَ مِنْ أَطْرَافِ ذِي يَمَنٍ ... عُرْضُ الْبِلَادِ عَلَى مَا كَانَ يُزْجِيهَا
قَالَتْ كِنَانَةُ أنّي تَذْهَبُونَ بِنَا ؟ ... قُلْنَا : النّخَيْلُ فَأَمّوهَا وَمَنْ فِيهَا
نَحْنُ الْفَوَارِسُ يَوْمَ الْجَرّ مِنْ أُحُدٍ ... هَابَتْ مَعَدّ فَقُلْنَا نَحْنُ نَأْتِيهَا
هَابُوا ضِرَابًا وَطَعْنًا صَادِقًا خَذِمًا ... مِمّا يَرَوْنَ وَقَدْ ضُمّتْ قَوَاصِيهَا
ثُمّتَ رُحْنَا كَأَنّا عَارِضٌ بَرِدٌ ... وَقَامَ هَامُ بَنِي النّجّارِ يَبْكِيهَا
كَأَنّ هَامَهُمْ عِنْدَ الْوَغَى فِلَقٌ ... مِنْ قَيْضِ رُبْدٍ نَفَتْهُ عَنْ أَدَاحِيهَا
أَوْ حَنْظَلُ ذَعْذَعَتْه الرّيحُ فِي غُصُنٍ ... بَالٍ تَعَاوَرَهُ مِنْهَا سَوَافِيهَا
قَدْ نَبْذُلُ الْمَالَ سَحّا لَا حِسَابَ لَهُ ... وَنَطْعَنُ الْخَيْلَ شَزْرًا فِي مَآقِيُهَا
وَلَيْلَةٍ يَصْطَلِي بِالْفَرْثِ جَازِرُهَا ... يَخْتَصّ بِالنّقَرَى الْمُثَرِينَ دَاعِيهَا
وَلَيْلَةٍ مِنْ جُمَادَى ذَاتِ أَنْدِيَةٍ ... جَرْبَا جُمَادِيّةٍ قَدْ بِتّ أَسْرِيهَا
لَا يَنْبَحُ الْكَلْبُ فِيهَا غَيْرَ وَاحِدَةٍ ... مِنْ الْقَرِيس وَلَا تَسْرَى أَفَاعِيهَا
أَوْقَدْتُ فِيهَا لِذِي الضّرّاءِ جَاحِمَةً ... كَالْبَرْقِ ذَاكِيَةَ الْأَرْكَانِ أَحْمِيهَا
أَوْرَثَنِي ذَاكُمْ عَمْروٌ وَوَالِدُهُ ... مِنْ قَبْلِهِ كَانَ بِالْمَثْنَى يُغَالِيهَا
كَانُوا يُبَارُونَ أَنْوَاءَ النّجُومِ فَمَا ... دَنّتْ عَنْ السّوْرَةِ الْعُلْيَا مَسَاعِيهَا

[ شِعْرُ حَسّانٍ فِي الرّدّ عَلَى هُبَيْرَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ ، فَقَالَ [ ص 132 ]
سُقْتُمْ كِنَانَةَ جَهْلًا مِنْ سَفَاهَتِكُمْ ... إلَى الرّسُولِ فَجُنْدُ اللّهِ مُخْزِيهَا
أَوْرَدْتُمُوهَا حِيَاضَ الْمَوْتِ ضَاحِيَةً ... فَالنّارُ مَوْعِدُهَا ، وَالْقَتْلُ لَاقِيهَا
جَمّعْتُمُوهَا أحابِيشًا بِلَا حَسَبٍ ... أَئِمّةَ الْكُفْرِ غَرّتْكُمْ طَوَاغِيهَا
أَلَا اعْتَبَرْتُمْ بِخَيْلِ اللّهِ إذْ قَتَلَتْ ... أَهْلَ الْقَلِيبِ وَمَنْ أَلْقَيْنَهُ فِيهَا
كَمْ مِنْ أَسِيرٍ فَكَكْنَاهُ بِلَا ثَمَنٍ ... وَجَزّ نَاصِيَةٍ كُنّا مَوَالِيهَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِيهَا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَيْتُ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الّذِي يَقُولُ فِيهِ
وَلَيْلَةٍ يَصْطَلِي بِالْفَرْثِ جَازِرُهَا ... يَخْتَصّ بِالنّقَرَى الْمُثَرِينَ دَاعِيهَا
يُرْوَى لِجَنُوبٍ أُخْتِ عَمْرِو ذِي الْكَلْبِ الْهُذَلِيّ فِي أَبْيَاتٍ لَهَا فِي غَيْرِ يَوْمِ أُحُدٍ .

[ شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرّدّ عَلَى هُبَيْرَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يُجِيبُ هُبَيْرَةَ بْنَ أَبِي وَهْبٍ أَيْضًا :
أَلَا هَلْ أَتَى غَسّانَ عَنّا وَدُونَهُمْ ... مِنْ الْأَرْضِ خَرْقٌ سَيْرُهُ مُتَنَعْنِعُ
صَحَارٍ وَأَعْلَامٌ كَأَنّ قَتَامَهَا ... مِنْ الْبُعْدِ نَقْعٌ هَامِدٌ مُتَقَطّعُ
تَظَلّ بِهِ الْبُزّلُ العَرامِيس رُزّحَا ... وَيَخْلُو بِهِ غَيْثُ السّنِينَ فَيُمْرِعُ
بِهِ جِيَفُ الْحَسْرَى يَلُوحُ صَلِيبُهَا ... كَمَا لَاحَ كَتّانُ التّجَارِ الْمُوَضّعُ
بِهِ الْعَيْنُ وَالْآرَامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً ... وَبَيْضُ نَعَامٍ قَيْضُهُ يَتَقَلّعُ
مُجَالَدُنَا عَنْ دِينِنَا كُلّ فَخْمَةٍ ... مُذَرّبَةٍ فِيهَا الْقَوَانِسُ تَلْمَعُ
وَكُلّ صَمُوتٍ فِي الصّوَانِ كَأَنّهَا ... إذَا لُبِسَتْ تَهْىٌ مِنْ الْمَاءِمُتْرَعُ
وَلَكِنْ بِبَدْرٍ سَائِلُوا مَنْ لَقِيُتمُ ... مِنْ النّاسِ وَالْأَنْبَاءُ بِالْغَيْبِ تَنْفَعُ
وَإِنّا بِأَرْضِ الْخَوْفِ لَوْ كَانَ أَهْلُهَا ... سِوَانَا لَقَدْ أَجْلَوْا بِلَيْلٍ فَأَقْشَعُوا
إذَا جَاءَ مِنّا رَاكِبٌ كَانَ قَوْلُهُ ... أَعِدّوا لِمَا يُزْجِي ابْنُ حَرْبٍ وَيَجْمَعُ
فَمَهْمَا يُهِمّ النّاسَ مِمّا يَكِيدُنَا ... فَنَحْنُ لَهُ مِنْ سَائِرِ النّاسِ أَوْسَعُ

فَلَوْ غَيْرُنَا كَانَتْ جَمِيعًا تَكِيدُهُ ال ... وَتَوَزّعُوا
نُجَالِدُ لَا تَبْقَى عَلَيْنَا قَبِيلَةٌ ... مِنْ النّاسِ إلّا أَنْ يَهَابُوا وَيَفْظُعُوا
وَلَمّا ابْتَنَوْا بِالْعَرْض ِ قَالَ سَرَاتُنَا ... عَلَامَ إذَا لَمْ تَمْنَعْ الْعِرْضَ نَزْرَعُ
وَفِينَا رَسُولُ اللّهِ نَتْبَعُ أَمْرَهُ ... إذَا قَالَ فِينَا الْقَوْلَ لَا نَتَطَلّعُ
تَدَلّى عَلَيْهِ الرّوحُ مِنْ عِنْدِ رَبّهِ ... يُنَزّلُ مِنْ جَوّ السّمَاءِ وَيُرْفَعُ
نُشَاوِرُهُ فِيمَا نُرِيدُ وَقَصْرُنَا ... إذَا مَا اشْتَهَى أَنّا نُطِيعُ وَنَسْمَعُ
وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ لَمّا بَدَوْا لَنَا ... ذَرُوا عَنْكُمْ هَوْلَ الْمَنِيّاتِ وَاطْمَعُوا
وَكُونُوا كَمَنْ يَشْرِي الْحَيَاةَ تَقَرّبًا ... إلَى مَلِكٍ يُحْيَا لَدَيْهِ وَيُرْجَعُ
وَلَكِنْ خُذُوا أَسْيَافَكُمْ وَتَوَكّلُوا ... عَلَى اللّهِ إنّ الْأَمْرَ لِلّهِ أَجْمَعُ
فَسِرْنَا إلَيْهِمْ جَهْرَةً فِي رِحَالهِمْ ... ضُحَيّا عَلَيْنَا الْبِيضُ لَا نَتَخَشّعُ
بِمَلْمُومَةٍ فِيهَا السّنَوّرُ وَالْقَنَا ... إذَا ضَرَبُوا أَقْدَامَهَا لَا تَوَرّعُ
فَجِئْنَا إلَى مَوْجٍ مِنْ الْبَحْرِ وَسْطَهُ ... أَحَابِيشُ مِنْهُمْ حَاسِرٌ وَمُقَنّعُ
ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَنَحْنُ نَصِيّةٌ ... ثَلَاثُ مِئِينٍ إنْ كَثُرْنَا وَأَرْبَعُ
نُغَاوِرهُمْ تَجْرِي الْمَنِيّةُ بَيْنَنَا ... نُشَارِعُهُمْ حَوْضَ الْمَنَايَا وَنَشْرَعُ
تَهَادَى قِسِيّ النّبْعِ فِينَا وَفِيّهُمْ ... وَمَا هُوَ إلّا الْيَثْرِبِيّ الْمُقَطّعُ
وَمَنْجُوفَةٌ حَمِيّةٌ صَاعِدِيّةٌ ... يُذَرّ عَلَيْهَا السّمّ سَاعَةَ تُصْنَعُ
تَصُوبُ بِأَبْدَانِ الرّجَالِ وَتَارَةً ... تَمُرّ بِأَعْرَاضِ الْبِصَارِ تَقَعْقَعُ

وَخَيْلٌ تَرَاهَا بِالْفَضَاءِ كَأَنّهَا ... جَرَادٌ صَبًا فِي قَرّةٍ يَتَرَيّعُ
فَلَمّا تَلَاقَيْنَا وَدَارَتْ بِنَا الرّحَى ... وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمّهُ اللّه مَدْفَعُ
ضَرَبْنَاهُمْ حَتّى تَرَكْنَا سَرَاتَهُمْ ... كَأَنّهُمْ بِالْقَاعِ خُشْبٌ مُصَرّعُ
لَدُنْ غُدْوَةً حَتّى اسْتَفَقْنَا عَشِيّةً ... كَأَنّ ذَكَانَا حَرّ نَارٍ تَلَفّعُ
[ ص 135 ] وَرَاحُوا سِرَاعًا مُوجِفِينَ كَأَنّهُمْ ... جَهَامٌ هَرَاقَتْ مَاءَهُ الرّيحُ مُقْلَعُ
وَرُحْنَا وَأُخْرَانَا بِطَاءٌ كَأَنّنَا ... أُسُودٌ عَلَى لَحْمٍ بِبِيشَةَ ظُلّعُ
فَنِلْنَا وَنَالَ الْقَوْمُ مِنّا وَرُبّمَا ... فَعَلْنَا وَلَكِنْ مَا لَدَى اللّهِ أَوْسَعُ
وَدَارَتْ رَحَانَا وَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ ... وَقَدْ جُعِلُوا كُلّ مِنْ الشّرّ يَشْبَعُ
وَنَحْنُ أُنَاسٌ لَا نَرَى الْقَتْلَ سُبّةً ... عَلَى كُلّ مَنْ يَحْمِي الذّمَارَ وَيَمْنَعُ
جِلَادٌ عَلَى رَيْبِ الْحَوَادِثِ لَا نَرَى ... عَلَى هَالِكٍ عَيْنًا لَنَا الدّهْرَ تَدْمَعُ
بَنُو الْحَرْبِ لَا نَعْيَا بِشَيْءٍ نَقُولُهُ ... وَلَا نَحْنُ مِمّا جَرّتْ الْحَرْبُ نَجْزَعُ
بَنُو الْحَرْبِ إنْ نَظْفَرْ فَلَسْنَا بِفُحّشٍ ... وَلَا نَحْنُ مِنْ أَظْفَارِهَا نَتَوَجّعُ
وَكُنّا شِهَابًا يُتّقَى النّاسُ حَرّهُ ... وَيَفْرُجُ عَنْهُ مَنْ يَلِيهِ وَيَسْفَعُ
فَخَرْتَ عَلَيّ ابْنَ الزّبَعْرَى وَقَدْ سَرَى ... لَكُمْ طَلَبٌ مِنْ آخِرِ اللّيْلِ مُتْبَعُ
فَسَلْ عَنْك فِي عُلْيَا مَعَدّ وَغَيْرِهَا ... مِنْ النّاسِ مَنْ أَخْزَى مَقَامًا وَأَشْنَعُ
وَمَنْ هُوَ لَمْ تَتْرُكْ لَهُ الْحَرْبُ مَفْخَرًا ... وَمَنْ خَدّهُ يَوْمَ الْكَرِيهَةِ أَضْرَعُ

شَدَدْنَا بِحَوْلِ اللّهِ وَالنّصْرِ شَدّةً ... عَلَيْكُمْ وَأَطْرَافُ الْأَسِنّةِ سُرّعُ
تَكُرّ الْقَنَا فِيكُمْ كَأَنّ فُرُوعَهَا ... عَزَالِي مَزَادٍ مَاؤُهَا يَتَهَزّعُ
عَمَدْنَا إلَى أَهْلِ اللّوَاءِ وَمَنْ يَطِرْ ... بِذِكْرِ اللّوَاءِ فَهُوَ فِي الْحَمْدِ أَسْرَعُ
فَخَانُوا وَقَدْ أَعْطَوْا يَدًا وَتَخَاذَلُوا ... أَبَى اللّهُ إلّا أَمْرَهُ وَهُوَ أَصْنَعُ
[ ص 136 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ قَدْ قَالَ مُجَالَدُنَا عَنْ جِذْمِنَا كُلّ فَخْمَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيَصْلُحُ أَنْ تَقُولَ مُجَالَدُنَا عَنْ دِينِنَا ؟ فَقَالَ كَعْبٌ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَهُوَ أَحْسَنُ فَقَالَ كَعْبٌ مُجَالَدُنَا عَنْ دِينِنَا .

[ شِعْرٌ لِابْنِ الزّبَعْرَى ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَعْرَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ :
يَا غُرَابَ الْبَيْنِ أَسْمَعْتَ فَقُلْ ... إنّمَا تَنْطِقُ شَيْئًا قَدْ فُعِلْ
إنّ لِلْخَيْرِ وَلِلشّرّ مَدًى ... وَكِلَا ذَلِكَ وَجْهٌ وَقَبَلْ
وَالْعَطِيّاتُ خِسَاسٌ بَيْنَهُمْ ... وَسَوَاءٌ قَبْرٌ مُثْرٍ وَمُقِلّ
كُلّ عَيْشٍ وَنَعِيمٍ زَائِلٌ ... وَبَنَاتُ الدّهْرِ يَلْعَبْنَ بِكُلّ
أَبْلِغْنَ حَسّانَ عَنّي آيَةً ... فَقَرِيضُ الشّعْرِ يَشْفِي ذَا الْغُلَلْ
كَمْ تَرَى بِالْجَرّ مِنْ جُمْجُمَةٍ ... وَأَكُفّ قَدْ أُتِرّتْ وَرِجِلْ
وَسَرَابِيلَ حِسَانٍ سُرِيَتْ ... عَنْ كُمَاةٍ أُهْلِكُوا فِي الْمُنْتَزَلْ
كَمْ قَتَلْنَا مِنْ كَرِيمٍ سَيّدٍ ... مَاجِدْ الْجَدّيْنِ مِقْدَامٍ بَطَلْ
صَادِقِ النّجْدَةِ قَرْمٍ بَارِعٍ ... غَيْرِ مُلْتَاثٍ لَدَى وَقْعِ الْأَسَلْ
فَسَلْ الْمِهْرَاسَ مَنْ سَاكِنُهُ ؟ ... بَيْنَ أَقْحَافٍ وَهَامٍ كَالْحَجَلْ
لَيْت أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا ... جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الْأَسَلْ
حِينَ حَكّتْ بِقُبَاءٍ بَرْكَهَا ... وَاسْتَحَرّ الْقَتْلُ فِي عَبْدِ الْأَشَلْ
ثُمّ خَفّوا عَنْ ذَاكُمْ رُقّصًا ... رَقَصَ الْحَفّانِ يَعْلُو فِي الْجَبَلْ
فَقَتَلْنَا الضّعْفَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ ... وَعَدَلْنَا مَيْلَ بَدْرٍ فَاعْتَدَلْ
لَا أَلُومُ النّفْسَ إلّا أَنّنَا ... لَوْ كَرَرْنَا لَفَعَلْنَا الْمُفْتَعَلْ
بِسُيُوفِ الْهِنْدِ تَعْلُو هَامَهُمْ ... عَلَلًا تَعْلُوهُمْ بَعْدَ نَهَلْ

[ رَدّ حَسّانٍ عَلَى ابْنِ الزّبَعْرَى ]
فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ
ذَهَبْت يَا بْنَ الزّبَعْرَى وَقْعَةٌ ... كَانَ مِنّا الْفَضْلُ فِيهَا لَوْ عَدَلْ
وَلَقَدْ نِلْتُمْ وَنِلْنَا مِنْكُمْ ... وَكَذَاكَ الْحَرْبُ أَحْيَانًا دُوَلْ
نَضَعُ الْأَسْيَافَ فِي أَكْتَافِكُمْ ... حَيْثُ نَهْوِى عَلَلًا بَعْدَ نَهَلْ
نُخْرِجُ الْأَضْيَاحَ مِنْ أَسْتَاهِكُمْ ... كَسُلَاحِ النّيبِ يَأْكُلْنَ الْعَصَلْ
إذْ تُوَلّونَ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ... هُرّبًا فِي الشّعْبِ أَشْبَاهَ الرّسَلْ
إذْ شَدَدْنَا شَدّةً صَادِقَةً ... فَأَجَأْنَاكُمْ إلَى سَفْحِ الْجَبَلْ
بِخَنَاطِيلَ كَأَشْدَافِ الْمَلَا ... مَنْ يُلَاقُوهُ مِنْ النّاسِ يُهَلْ
ضَاقَ عَنّا الشّعْبُ إذْ نَجْزَعُهُ ... وَمَلَأْنَا الْفَرْطَ مِنْهُ وَالرّجَلْ
بِرِجَالٍ لَسْتُمْ أَمْثَالَهُمْ ... أُيّدُوا جِبْرِيل نَصْرًا فَنَزَلْ
وَعَلَوْنَا يَوْمَ بَدْرٍ بِالتّقَى طَاعَةِ ... اللّهِ وَتَصْدِيقِ الرّسُلْ
وَقَتَلْنَا كُلّ رَأْسٍ مِنْهُمْ ... وَقَتَلْنَا كُلّ جَحْجَاحٍ رِفَلْ
وَتَرَكْنَا فِي قُرَيْشٍ عَوْرَةً ... يَوْمَ بَدْرٍ وَأَحَادِيثَ الْمَثَلْ
وَرَسُولُ اللّهِ حَقّا شَاهِدٌ ... يَوْمَ بَدْرٍ وَالتّنَابِيلُ الْهُبُلْ
فِي قُرَيْشٍ مِنْ جُمُوعٍ جُمّعُوا ... مِثْلَ مَا يُجْمَعُ فِي الْخِصْبِ الْهَمَلْ
نَحْنُ لَا أَمْثَالُكُمْ وُلْدَ اسْتِهَا ... نَحْضُرُ النّاسَ إذَا الْبَأْسُ نَزَلْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ : " وَأَحَادِيثَ الْمَثَلْ " وَالْبَيْتَ الّذِي قَبْلَهُ . وَقَوْلَهُ " فِي قُرَيْشٍ مِنْ جُمُوعٍ جُمّعُوا " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .

[ شِعْرُ كَعْبٍ فِي بُكَاءِ حَمْزَةَ وَقَتْلَى أُحُدٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَبْكِي حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَقَتْلَى أُحُدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
نَشَجْتَ وَهَلْ لَك مِنْ مَنْشجِ ... وَكُنْتَ مَتَى تَذّكِرْ تَلْجَجْ
تَذَكّرَ قَوْمٍ أَتَانِي لَهُمْ ... أَحَادِيثُ فِي الزّمَنِ الْأَعْوَجْ
فَقَلْبُكَ مِنْ ذِكْرِهِمْ خَافِقٌ ... مِنْ الشّوْقِ وَالْحَزَنِ الْمُنْضِجْ
وَقَتْلَاهُمْ فِي جِنَانِ النّعِيمِ ... كِرَامُ الْمَدَاخِلِ وَالْمَخْرَجْ
بِمَا صَبَرُوا تَحْتَ ظِلّ اللّوَاءِ ... لِوَاءِ الرّسُولِ بِذِي الْأَضْوُجْ
غَدَاةَ أَجَابَتْ بِأَسْيَافِهَا ... جَمِيعًا بَنُو الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجْ
وَأَشْيَاعُ أَحْمَدَ إذْ شَايَعُوا ... عَلَى الْحَقّ ذِي النّورِ وَالْمَنْهَجْ
فَمَا بَرِحُوا يَضْرِبُونَ الْكُمَاةَ ... وَيَمْضُونَ فِي الْقَسْطَلِ الْمُرْهَجْ
كَذَلِكَ حَتّى دَعَاهُمْ مَلِيكٌ ... إلَى جَنّةِ دَوْحَةِ الْمَوْلِجْ
فَكُلّهُمْ مَاتَ حُرّ الْبَلَاء ... عَلَى مِلّةِ اللّهِ لَمْ يَحْرَجْ
كَحَمْزَةِ لَمّا وَفَى صَادِقًا ... بِذِي هَبّةٍ صَارِمٍ سَلْجَجْ
فَلَاقَاهُ عَبْدُ بَنِي نَوْفَلٍ ... يُبَرْبِرُ كَالْجَمَلِ الْأَدْعَجْ
فَأَوْجَرَهُ حَرْبَةً كَالشّهَابِ ... تَلَهّبُ فِي اللّهَبِ الْمُوهَجْ
وَنُعْمَانُ أَوْفَى بِمِيثَاقِهِ ... وَحَنْظَلَةُ الْخَيْرِ لَمْ يُحْنِجْ
عَنْ الْحَقّ حَتّى غَدَتْ رُوحُهُ ... إلَى مَنْزِلٍ فَاخِرْ الزّبْرِجْ
أُولَئِكَ لَا مَنْ ثَوَى مِنْكُمْ ... مِنْ النّارِ فِي الدّرْكِ الْمُرْتَجْ

[ شِعْرُ ضِرَارٍ فِي الرّدّ عَلَى كَعْبٍ ]
فَأَجَابَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ الْفِهْرِيّ فَقَالَ [ ص 140 ]
أَيَجْزَعُ كَعْبٌ لِأَشْيَاعِهِ ... وَيَبْكِي مِنْ الزّمَنِ الْأَعْوَجْ
عَجِيجَ الْمُذَكّي رَأَى إلْفَهُ ... تَرَوّحَ فِي صَادِرٍ مُحْنَجْ
فَرَاحَ الرّوَايَا وَغَادَرْنَهُ ... يُعَجْعِجُ قَسْرًا وَلَمْ يُحْدَجْ
فَقُولَا لِكَعْبٍ يُثَنّي اُلْبُكَا ... وَلِلنّيءِ مِنْ لَحْمِهِ يَنْضَجْ
لِمَصْرَعِ إخْوَانِهِ فِي مَكَرّ ... مِنْ الْخَيْلِ ذِي قَسْطَلٍ مُرْهَجْ
فَيَا لَيْتَ عَمْرًا وَأَشْيَاعَهُ ... وَعُتْبَةَ فِي جَمْعِنَا السّوْرَجْ
فَيَشْفُوا النّفُوسَ بِأَوْتَارِهَا ... بِقَتْلَى أُصِيبَتْ مِنْ الْخَزْرَجْ
وَقَتْلَى مِنْ الْأَوْسِ فِي مَعْرَكٍ ... أُصِيبُوا جَمِيعًا بِذِي الْأَضْوُجْ
وَمَقْتَلِ حَمْزَةَ تَحْتَ اللّوَاءِ ... بِمُطّرِدِ مَارِنٍ مُخْلَجْ
وَحَيْثُ انْثَنَى مُصْعَبٌ ثَاوِيًا ... بِضَرْبَةٍ ذِي هَبّةٍ سَلْجَجْ
بِأُحُدٍ وَأَسْيَافُنَا فِيهِمْ ... تَلَهّبُ كَاللّهَبِ الْمُوهَج
غَدَاةَ لَقِينَاكُمْ فِي الْحَدِيدِ ... كَأُسْدِ الْبَرَاحِ فَلَمْ تُعْنَجْ
بِكُلّ مُجَلّحَةٍ كَالْعُقَابِ ... وَأَجْرَدَ ذِي مَيْعَةٍ مُسْرَجْ
فَدُسْنَاهُمْ ثَمّ حَتّى انْثَنَوْا ... سِوَى زَاهِقِ النّفْسِ أَوْ مُحْرَجْ
[ ص 141 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِضِرَارٍ . وَقَوْلُ كَعْبٍ : " ذِي النّورِ وَالْمَنْهَجْ " عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ .

[ شِعْرُ ابْنِ الزّبَعْرَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَعْرَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ ، يَبْكِي الْقَتْلَى [ ص 142 ]
أَلَا ذَرَفَتْ مِنْ مُقْلَتَيْك دُمُوعُ ... وَقَدْ بَانَ مِنْ حَبْلِ الشّبَابِ قُطُوعُ
وَشَطّ بِمَنْ تَهْوَى الْمَزَارُ وَفَرّقَتْ ... نَوَى الْحَيّ دَارٌ بِالْحَبِيبِ فَجُوعُ
وَلَيْسَ لِمَا وَلّى عَلَى ذِي حَرَارَةٍ ... وَإِنْ طَالَ تذْرَافُ الدّمُوعِ رُجُوعُ
فَذَرْ ذَا وَلَكِنْ هَلْ أَتَى أُمّ مَالِكٍ ... أَحَادِيثُ قَوْمِي وَالْحَدِيثُ يَشِيعُ
وَمُجْنَبُنَا جُرْدًا إلَى أَهْلِ يَثْرِبَ ... عَناجيجَ مِنْهَا مُتْلَدٌ وَنَزِيعُ
عَشِيّةَ سِرْنَا فِي لُهَامٍ يَقُودُنَا ... ضَرُورُ الْأَعَادِي لِلصّدِيقِ نَفُوع
نَشُدّ عَلَيْنَا كُلّ زَغْفٍ كَأَنّهَا ... غَدِيرٌ بِضَوْجِ الْوَادِيَيْنِ نَقِييعُ
فَلَمّا رَأَوْنَا خَالَطَتْهُمْ مَهَابَةٌ ... وَعَايَنَهُمْ أَمْرٌ هُنَاكَ فَظِيعُ
وَوَدّوا لَوْ أَنّ الْأَرْضَ يَنْشَقّ ظَهْرُهَا ... بِهِمْ وَصَبُورُ الْقَوْمِ ثَمّ جَزُوعُ
وَقَدْ عُرّيَتْ بِيضٌ كَأَنّ وَمِيضَهَا ... حَرِيقٌ تَرَقّى فِي الْآبَاءِ سَرِيعُ
بِأَيْمَانِنَا نَعْلُو بِهَا كُلّ هَامَةٍ ... وَمِنْهَا سِمَامٌ لِلْعَدُوّ ذَرِيعُ
فَغَادَرْنَ قَتْلَى الْأَوْسِ غَاصِبَةً بِهِمْ ... ضِبَاعٌ وَطَيْرٌ يَعْتَفِيَن وُقُوعُ
وَجَمْعُ بَنِي النّجّارِ فِي كُلّ تَلْعَةٍ ... بِأَبْدَانِهِمْ مِنْ وَقْعِهِنّ نَجِيعُ
وَلَوْلَا عُلُوّ الشّعْبِ غَادَرْنَ أَحْمَدَا ... وَلَكِنْ عَلَا والسّمْهَرِيّ شُرُوعُ
كَمَا غَادَرَتْ فِي الْكَرّ حَمْزَةَ ثَاوِيًا ... وَفِي صَدْرِهِ مَاضِي الشّبَاةِ وَقِيعُ
... عَلَى لَحْمِهِ طَيْرٌ يَجُفْنَ وُقُوعُ
بِأُحُدِ وَأَرْمَاحُ الْكُمَاةِ يُرِدْنَهُمْ ... كَمَا غَالَ أَشْطَانَ الدّلَاءِ نُزُوعُ

[ شِعْرُ حَسّانٍ فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ الزّبَعْرَى ]
فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ ، فَقَالَ [ ص 143 ]
أَشَاقَك مِنْ أُمّ الْوَلِيدِ رُبُوعٌ ... بَلَاقِعُ مَا مِنْ أَهْلِهِنّ جَمِيعُ
عَفَاهُنّ صَيْفِيّ الرّيَاحِ وَوَاكِفٌ ... مِنْ الدّلْوِ رَجّافُ السّحَابِ هَمُوعُ
فَلَمْ يَبْقَ إلّا مَوْقِدُ النّارِ حَوْلَهُ ... رَوَاكِدُ أَمْثَالِ الْحَمَامِ كُنُوعُ
فَدَعْ ذِكْرَ دَارٍ بَدّدَتْ بَيْنَ أَهْلِهَا ... نَوًى لِمَتِينَاتِ الْحِبَالِ قَطُوع
وَقُلْ إنْ يَكُنْ يَوْمٌ بِأُحْدٍ يَعُدّهُ ... سَفِيهٌ فَإِنّ الْحَقّ سَوْفَ يَشِيعُ
فَقَدْ صَابَرَتْ فِيهِ بَنُو الْأَوْسِ كُلّهُمْ ... وَكَانَ لَهُمْ ذِكْرٌ هُنَاكَ رَفِيعُ
وَحَامَى بَنُو النّجّارِ فِيهِ وَصَابَرُوا ... وَمَا كَانَ مِنْهُمْ فِي اللّقَاءِ جَزُوعُ
أَمَامَ رَسُولِ اللّهِ لَا يَخْذُلُونَهُ ... لَهُمْ نَاصِرٌ مِنْ رَبّهِمْ وَشَفِيعُ
وَفَوْا إذْ كَفَرْتُمْ يَا سَخِينَ ... بِرَبّكُمْ وَلَا يَسْتَوِي عَبْدٌ وَفَى وَمُضِيعُ
بِأَيْدِيهِمْ بِيضٌ إذَا حَمِشَ الْوَغَى ... بُدّ أَنْ يَرْدَى لَهُنّ صَرِيعُ
كَمَا غَادَرَتْ فِي النّقْعِ عُتْبَةَ ثَاوِيًا ... وَسَعْدًا صَرِيعًا وَالْوَشِيجُ شُرُوعُ
وَقَدْ غَادَرَتْ تَحْتَ الْعَنَاجَةِ مُسْنَدًا ... أَبِيّا وَقَدْ بَلّ الْقَمِيصَ نَجِيعُ
يَكُفّ رَسُولُ اللّهِ حَيْثُ تَنَصّبَتْ ... عَلَى الْقَوْمِ مِمّا قَدْ يُثِرْنَ نُقُوعُ
أُولَئِكَ قَوْمٌ سَادَة مِنْ فُرُوعِكُمْ ... وَفِي كُلّ قَوْمٍ سَادَةٌ وَفُرُوعُ
بِهِنّ نُعِزّ اللّهَ حَتّى يُعَزّنَا ... وَإِنْ كَانَ أَمْرٌ يَا سَخِينَ فَظِيعُ
فَلَا تَذْكُرُوا قَتْلَى وَحَمْزَةُ فِيهُمُ ... قَتِيلٌ ثَوَى لِلّهِ وَهْوَ مُطِيعُ
فَإِنّ جِنَانَ الْخُلْدِ مَنْزِلَةٌ لَهُ ... وَأَمْرُ الّذِي يَقْضِي الْأُمُورَ سَرِيعُ
وَقَتْلَاكُمْ فِي النّارِ أَفْضَلُ رِزْقِهِمْ ... حَمِيمٌ مَعَا فِي جَوْفِهَا وَضَرِيعُ

[ شِعْرُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهُمَا لِحَسّانٍ وَابْنِ الزّبَعْرَى . وَقَوْلُهُ " مَاضِي الشّبَاةِ وَطَيْرٌ يَجِفْنَ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ( فِي ) يَوْمِ أُحُدٍ [ ص 144 ]
خَرَجْنَا مِنْ الْفَيْفَا عَلَيْهِمْ كَأَنّنَا ... مَعَ الصّبْحِ مِنْ رَضْوَى الْحَبِيكِ الْمُنَطّقِ
تَمَنّتْ بَنُو النّجّارِ جَهْلًا لِقَاءَنَا ... لَدَى جَنْبِ سَلْعٍ وَالْأَمَانِيّ تَصْدُقُ
فَمَا رَاعَهُمْ بِالشّرّ إلّا فُجَاءَةَ ... كَرَادِيسُ خَيْلٍ فِي الْأَزِقّةِ تَمْرُقُ
أَرَادُوا لِكَيْمَا يَسْتَبِيحُوا قِبَابَنَا ... وَدُونِ الْقِبَابِ الْيَوْمَ ضَرْبٌ مُحَرّقُ
وَكَانَتْ قِبَابًا أُومِنَتْ قَبْلَ مَا تَرَى ... إذْ رَامَهَا قَوْمٌ أُبِيحُوا وَأُحْنِقُوا
كَأَنّ رُءُوسَ الْخَزْرَجِيّيْنِ غَدْوَةً ... وَأَيْمَانَهُمْ بِالْمُشْرِفِيّةِ بَرْوَقُ

[ شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ الْعَاصِ ]
فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ ، فَقَالَ
أَلَا أَبْلَغَا فِهْرًا عَلَى نَأْيِ دَارِهَا ... وَعِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِنَا الْيَوْمَ مَصْدَقُ
بِأَنّا غَدَاةَ السّفْحِ مِنْ بَطْنِ يَثْرِبِ ... صَبَرْنَا وَرَايَاتُ الْمَنِيّةِ تَخْفِقُ
صَبَرْنَا لَهُمْ وَالصّبْرُ مِنّا سَجِيّةٌ ... إذَا طَارَتْ الْأَبْرَامُ نَسْمُو وَنَرْتُقُ
عَلَى عَادَةِ تِلْكُمْ جَرَيْنَا بِصَبْرِنَا ... وَقِدْمًا لَدَى الْغَايَاتِ نَجْرِي فَنَسْبِقُ
لَنَا حَوْمَةٌ لَا تُسْتَطَاعُ يَقُودُهَا ... نَبِيّ أَتَى بِالْحَقّ عَفّ مُصَدّقُ
أَلَا هَلْ أَتَى أَفْنَاءَ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ ... مُقَطّعُ أَطْرَافٍ وَهَامٌ مُفَلّقُ

[ شِعْرُ ضِرَارٍ فِي يَوْمِ أُحُدٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ : [ ص 145 ]
إنّي وَجَدّك لَوْلَا مُقْدَمِي فَرَسِي ... إذْ جَالَتْ الْخَيْلُ بَيْنَ الْجِزْعِ وَالْقَاعِ
مَا زَالَ مِنْكُمْ بِجَنْبِ الْجَزْعِ مِنْ أُحُدٍ ... أَصْوَاتُ هَامٍ تَزَاقى أَمْرُهَا شَاعِي
وَفَارِسٌ قَدْ أَصَابَ السّيْفُ مَفْرِقَهُ ... أَفْلَاقُ هَامَتِهِ كَفَرْوَةِ الرّاعِي
إنّي وَجَدّك لَا أَنْفَك مُنْتَطِقًا ... بِصَارِمٍ مِثْلَ لَوْنِ الْمِلْحِ قَطّاعِ
عَلَى رِحَالَةِ مِلْوَاحٍ مُثَابِرَةٍ ... نَحْوَ الصّرِيخِ إذَا مَا ثَوّبَ الدّاعِي
وَمَا انْتَمَيْتُ إلَى خُورٍ وَلَا كُشُفٍ ... وَلَا لِئَامٍ غَدَاةَ الْبَأْسِ أَوْرَاعِ
بَلْ ضَارِبِينَ حَبِيك الْبِيضِ إذْ لَحِقُوا ... شُمّ الْعَرَانِينِ عِنْدَ الْمَوْتِ لُذّاعِ
شُمّ بَهَالِيلُ مُسْتَرْخٍ حَمَائِلُهُمْ ... يَسْعَوْنَ لِلْمَوْتِ سَعْيًا غَيْرَ دَعْدَاعِ

وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ أَيْضًا [ ص 146 ]
لَمّا أَتَتْ مِنْ بَنِي كَعْبٍ مُزَيّنَةً ... وَالْخَزْرَجِيّةُ فِيهَا الْبِيضُ تَأْتَلِقُ
وَجَرّدُوا مَشْرَفِيّاتٍ مُهَنّدَةً ... وَرَايَةً كَجَنَاحِ النّسْرِ تَخْتَفِقُ
فَقُلْت يَوْمٌ بَأيّامٍ وَمَعْرَكَةٌ ... تُنْبِى لِمَا خَلْفَهَا مَا هُزْهِزَ الْوَرَقُ
قَدْ عُوّدُوا كُلّ يَوْمٍ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ ... رِيحُ الْقِتَالِ وَأَسْلَابُ الّذِينَ لَقُوا
خَيّرْتُ نَفْسِي عَلَى مَا كَانَ مِنْ وَجَلٍ ... مِنْهَا وَأَيْقَنْتُ أَنّ الْمَجْدَ مُسْتَبَقُ
أَكْرَهْتُ مُهْرِي حَتّى خَاضَ غَمْرَتَهُمْ ... وَبَلّهُ مِنْ نَجِيعٍ عَانِكٍ عَلَقُ
فَظَلّ مُهْرِي وَسِرْبَالِي جَسِيدُهُمَا ... نَفْخُ الْعُرُوقِ رِشَاشُ الطّعْنِ وَالْوَرَقُ
أَيْقَنْتُ أَنّي مُقِيمٌ فِي دِيَارِهُمُ ... حَتّى يُفَارِقَ مَا فِي جَوْفِهِ الْحَدَقُ
لَا تَجْزَعُوا يَا بَنِي مَخْزُومَ إنّ لَكُمْ ... مِثْلَ الْمُغِيرَةِ فِيكُمْ مَا بِهِ زَهَقُ
صَبْرًا فِدًى لَكُمْ أُمّي وَمَا وَلَدَتْ ... تَعَاوَرُوا الضّرْبَ حَتّى يُدْبِرَ الشّفَقُ

[ شِعْرُ عَمْرٍو فِي يَوْمِ أُحُدٍ ]
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ :
لَمّا رَأَيْتُ الْحَرْبَ يَنْ ... زُو شَرّهَا بِالرّضْفِ نَزْوَا
وَتَنَاوَلَتْ شَهْبَاءُ تَلْ ... حْو النّاسَ بِالضّرّاءِ لَحْوَا
أَيْقَنْتُ أَنّ الْمَوْتَ حَقّ ... وَالْحَيَاةُ تَكُونُ لَغْوَا
حَمّلْتُ أَثْوَابِي عَلَى ... عَتَدٍ يَبُذّ الْخَيْلَ رَهْوَا
سَلِسٍ إذَا نُكِبْنَ فِي الْبَيْ ... دَاءِ يَعْلُو الطّرْفَ عُلْوَا
وَإِذَا تَنَزّلَ مَاؤُهُ ... مِنْ عِطْفِهِ يَزْدَادُ زَهْوَا
رَبِذٍ كَيَعْفُورِ الصّرِيـ ... مَةِ رَاعَهُ الرّامُونَ دَحْوَا
شَنِجٍ نَسَاهُ ضَابِطٍ ... لِلْخَيْلِ إرْخَاءً وَعَدْوَا
فَفِدًى لَهُمْ أُمّي غَدَا ... ةَ الرّوْعِ إذْ يَمْشُونَ قَطْوَا
سَيْرًا إلَى كَبْشِ الْكَتِي ... بَةِ إذْ جَلَتْهُ الشّمْسُ جَلْوَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِعَمْرِو .

[ شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرّدّ عَلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَجَابَهُمَا كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، فَقَالَ
أَبْلِغْ قُرَيْشًا وَخَيْرُ الْقَوْلِ أَصْدَقُهُ ... وَالصّدْقُ عِنْدَ ذَوِي الْأَلْبَابِ مَقْبُولُ
أَنْ قَدْ قَتَلْنَا بِقَتْلَانَا سَرَاتَكُمْ ... أَهْلَ اللّوَاءِ فَفِيمَا يَكْثُرُ الْقِيلُ
وَيَوْمَ بَدْرٍ لَقِينَاكُمْ لَنَا مَدَدٌ ... فِيهِ مَعَ النّصْرِ مِيكَالُ وَجِبْرِيلُ
إنْ تَقْتُلُونَا فَدِينُ الْحَقّ فِطْرَتُنَا ... وَالْقَتْلُ فِي الْحَقّ عِنْدَ اللّهِ تَفْضِيلُ
وَإِنْ تَرَوْا أَمْرَنَا فِي رَأْيِكُمْ سَفَهًا ... فَرَأْيُ مَنْ خَالَفَ الْإِسْلَامَ تَضْلِيلُ
فَلَا تَمَنّوْا لِقَاحَ الْحَرْبِ وَاقْتَعِدُوا ... إنّ أَخَا الْحَرْبِ أَصْدَى اللّوْنِ مَشْغُولُ
إنّ لَكُمْ عِنْدَنَا ضَرْبًا تَرَاحُ لَهُ ... عُرْجُ الضّبَاعِ لَهُ خَذْمٌ رَعَابِيلُ
إنّا بَنُو الْحَرْبِ نَمْرِيهَا وَنَنْتِجُهَا ... وَعِنْدَنَا لِذَوِي الْأَضْغَانِ تَنْكِيلُ
إنْ يَنْجُ مِنْهَا ابْنُ حَرْبٍ بَعْدَ مَا بَلَغَتْ ... مِنْهُ التّرَاقِي وَأَمْرُ اللّهِ مَفْعُولُ
فَقَدْ أَفَادَتْ لَهُ حِلْمًا وَمَوْعِظَةً ... لِمَنْ يَكُونُ لَهُ لُبّ وَمَعْقُولُ
وَلَوْ هَبَطْتُمْ بِبَطْنِ السّيْلِ كَافَحَكُمْ ... ضَرْبٌ بِشَاكِلَةِ الْبَطْحَاءِ تَرْعِيلُ
تَلْقَاكُمْ عُصَبٌ حَوْلَ النّبِيّ لَهُمْ ... مِمّا يُعِدّونَ لِلْهَيْجَا سَرَابِيلُ
مِنْ جِذْمِ غَسّانَ مُسْتَرْخٍ حَمَائِلُهُمْ ... لَا جُبَنَاءُ وَلَا مِيلٌ مَعَازِيلُ
يَمْشُونَ تَحْتَ عَمَايَاتِ الْقِتَالِ كَمَا ... تَمْشِي الْمَصَاعِبَةُ الْأُدْمُ الْمَرَاسِيلُ
أَوْ مِثْلُ مَشْيِ أُسُودِ الظّلّ أَلْثَقَهَا ... يَوْمُ رَذَاذٍ مِنْ الْجَوْزَاءِ مَشْمُولُ
فِي كُلّ سَابِغَةٍ كَالنّهْيِ مُحْكَمَةٍ ... قِيَامُهَا فَلَجٌ كَالسّيْفِ بُهْلُولُ
تَرُدّ حَدّ قِرَامِ النّبْلِ خَاسِئَةً ... وَيَرْجِعُ السّيْفُ عَنْهَا وَهُوَ مَفْلُولُ
وَلَوْ قَذَفْتُمْ بِسَلْعِ عَنْ ظُهُورِكُمْ ... وَلِلْحَيَاةِ وَدَفْعِ الْمَوْتِ تَأْجِيلُ
مَا زَالَ فِي الْقَوْمِ وِتْرٌ مِنْكُمْ أَبَدًا ... تَعْفُو السّلَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَطْلُولُ
عَبْدٌ وَحُرّ كَرِيمٌ مُوثِقٌ قَنَصًا ... شَطْرَ الْمَدِينَةِ مَأْسُورٌ وَمَقْتُولُ
كُنّا نُؤَمّلُ أُخْرَاكُمْ فَأَعْجَلَكُمْ ... مِنّا فَوَارِسُ لَا عُزْلٌ وَلَا مِيلُ
إذَا جَنَى فِيهِمْ الْجَانِي فَقَدْ عَلِمُوا ... حَقّا بِأَنّ الّذِي قَدْ جَرّ مَحْمُولُ
مَا نَحْنُ لَا نَحْنُ مِنْ إثْمٍ مُجَاهَرَةً ... وَلَا مَلُومٌ وَلَا فِي الْغُرْمِ مَخْذُولُ

[ شِعْرُ حَسّانٍ فِي أَصْحَابِ اللّوَاءِ ]
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ ، يَذْكُرُ عُدّةَ أَصْحَابِ اللّوَاءِ يَوْمَ أُحُدٍ : - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذِهِ أَحْسَنُ مَا قِيلَ [ ص 150 ]
مَنَعَ النّوْمَ بِالْعَشَاءِ الْهُمُومُ ... وَخَيّالٌ إذَا تَغُورُ النّجُومُ
مِنْ حَبِيبٍ أَضَافَ قَلْبَك مِنْهُ ... سَقَمٌ فَهُوَ دَاخِلٌ مَكْتُومُ
يَا لَقَوْمِي هَلْ يَقْتُلُ الْمَرْءَ مِثْلِي ... وَاهِنُ الْبَطْشِ وَالْعِظَامِ سَؤُومُ
لَوْ يَدِبّ الْحَوْلِيّ مِنْ وَلَدِ الذّ ... شَأْنُهَا الْعِطْرُ وَالْفِرَاشُ وَيَعْلُو ... هَا لُجَيْنٌ وَلُؤْلُؤٌ مَنْظُومُ
لَمْ تَفُتْهَا شَمْسُ النّهَارِ بِشَيْءٍ ... غَيْرَ أَنّ الشّبَابَ لَيْسَ يَدُومُ
إنّ خَالِي خَطِيبُ جَابِيَةِ الْجَوْ ... لَانِ عِنْدَ النّعْمَانِ حِينَ يَقُومُ
وَأَنَا الصّقْرُ عِنْدَ بَابِ ابْنِ سَلْمَى ... يَوْمَ نُعْمَانَ فِي الْكُبُولِ سَقِيمُ
وَأَبِيّ وَوَاقِدٌ أُطْلِقَا لِي ... يَوْمَ رَاحَا وَكَبْلُهُمْ مَخْطُومُ
وَرَهَنْتُ الْيَدَيْنِ عَنْهُمْ جَمِيعًا ... كُلّ كَفّ جُزْءٍ لَهَا مَقْسُومُ
وَسَطَتْ نِسْبَتِي الذّوَائِبَ مِنْهُمْ ... كُلّ دَارٍ فِيهَا أَبٌ لِي عَظِيمُ
وَأُبَيّ فِي سُمَيْحَةِ الْقَائِلِ الْفاَ ... صِلِ يَوْمَ الْتَقَتْ عَلَيْهِ الْخُصُومُ
تِلْكَ أَفْعَالُنَا وَفِعْلُ الزّبَعْرَى ... خَامِلٌ فِي صَدِيقِهِ مَذْمُومُ
رُبّ حِلْمٍ أَضَاعَهُ عَدَمُ الْمَ ... الِ وَجَهْلٌ غَطّى عَلَيْهِ النّعِيمُ
لَا تُسَبّنّني فَلَسْتَ بِسَبّي ... إنّ سَبّي مِنْ الرّجَالِ الْكَرِيمُ
مَا أُبَالِي أَنَبّ بِالْحَزْنِ تَيْسٌ ... أَمْ لَحَانِي بِظَهْرِ غَيْبٍ لَئِيمُ
وَلِيَ الْبَأْسَ مِنْكُمْ إذْ رَحَلْتُمْ ... أَسِرّةٌ مِنْ بَنِي قُصَيّ صَمِيمُ
تِسْعَةٌ تَحْمِلُ اللّوَاءَ وَطَارَتْ ... فِي رَعَاعٍ مِنْ الْقَنَا مَخْزُومُ
وَأَقَامُوا حَتّى أُبِيحُوا جَمِيعًا ... فِي مَقَامٍ وَكُلّهُمْ مَذْمُومُ
بِدَمٍ عَانِكٍ وَكَانَ حِفَاظًا ... أَنْ يُقِيمُوا إنّ الْكَرِيمَ كَرِيمُ
وَأَقَامُوا حَتّى أُزِيروا شَعُوبًا ... وَالْقَنَا فِي نُحُورِهِمْ مَحْطُومُ
وَقُرَيْشٌ تَفِرّ مِنّا لِوَاذًا ... أَنْ يُقِيمُوا وَخَفّ مِنْهَا الْحُلُومُ
لَمْ تُطِقْ حَمْلَهُ الْعَوَاتِقُ مِنْهُمْ ... إنّمَا يَحْمِلُ اللّوَاءَ النّجُومُ
[ ص 151 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَ حَسّانٌ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ مَنَعَ النّوْمَ بِالْعِشَاءِ الْهُمُومُ لَيْلًا ، فَدَعَا قَوْمَهُ فَقَالَ لَهُمْ خَشِيت أَنْ يُدْرِكَنِي أَجَلِي قَبْلَ أَنْ أُصْبِحَ فَلَا تَرْوُوهَا عَنّي

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ لِلْحَجّاحِ بْنِ عِلَاطٍ السّلَمِيّ يَمْدَحُ ( أَبَا الْحَسَنِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ) عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَيَذْكُرُ قَتْلَهُ طَلْحَةَ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ صَاحِبِ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ :
لِلّهِ أَيّ مُذَبّبٍ عَنْ حُرْمَةٍ ... أَعْنِي ابْنَ فَاطِمَةَ الْمُعَمّ الْمُخْوِلَا
سَبَقَتْ يَدَاكَ لَهُ بِعَاجِلِ طَعْنَةٍ ... تَرَكَتْ طُلَيْحَةَ لِلْجَبِينِ مُجَدّلَا
وَشَدَدْتَ شَدّةَ بَاسِلٍ فَكَشَفْتهمْ ... بِالْجَرّ إذْ يَهْوُونَ أَخْوَلَ أَخْوَلَا

[ شِعْرُ حَسّانٍ فِي قَتْلَى يَوْمِ أُحُدٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَمَنْ أُصِيبَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُدٍ [ ص 152 ] [ ص 153 ] [ ص 154 ]
يَا مَيّ قُومِي فَانْدُبِنْ ... بِسُحَيْرَةٍ شَجْوَ النّوَائِحِ
كَالْحَامِلَاتِ الْوِقْرِ بِال ... ثّقَلِ الْمُلِحّاتِ الدّوَالِحِ
الْمُعْوِلَاتُ الْحَامِشَا ... تُ وُجُوهَ حُرّاتٍ صَحَائِحِ
وَكَأَنّ سَيْلَ دُمُوعِهَا الْ ... أَنْصَابُ تُخْضَبُ بِالذّبَائِحِ
يَنْقُضْنَ أَشْعَارًا لَهُنّ ... هُنَاكَ بَادِيَةً الْمَسَائِحِ
وَكَأَنّهَا أَذْنَابُ خَيْ ... لٍ بِالضّحَى شُمْسٍ رَوَامِحِ
مِنْ بَيْنِ مَشْزُورٍ وَمَجْ ... زُورٍ يُذَعْذَع بِالْبَوَارِحِ
يَبْكِينَ شَجْوًا مُسْلِبَا ... تٍ كَدّحَتْهُنّ الكَوَادِح
وَلَقَدْ أَصَابَ قُلُوبَهَا ... مَجْلٌ لَهُ جُلَبٌ قَوَارِحُ
إذْ أَقْصَدِ الْحِدْثَانَ مَنْ ... كُنّا نُرَجّي إذْ نُشَايِحُ
أَصْحَابَ أُحْدٍ غَالَهُمْ ... دَهْرٌ أَلَمّ لَهُ جَوَارِحُ
مَنْ كَانَ فَارِسَنَا وَحَا ... مِينَا إذَا بُعِثَ الْمَسَالِحُ
يَا حَمْزَ لَا وَاَللّهِ لَا ... أَنْسَاكَ مَا صُرّ اللّقَائِحُ
لِمُنَاخِ أَيْتَامٍ وَأَضْيـ ... وَلِمَا يَنُوبُ الدّهْرُ فِي ... حَرْبٍ لِحَرْبٍ وَهْيَ لَاقِحُ
يَا فَارِسًا يَا مِدْرَهًا ... يَا حَمْزَ قَدْ كُنْتَ الْمُصَامِحَ
عَنّا شَدِيدَاتِ الْخُطُو ... بِ إذَا يَنُوبُ لَهُنّ فَادِحْ
ذَكّرْتنِي أَسَدَ الرّسُو ... لِ وَذَاكَ مِدْرَهُنَا الْمُنَافِحْ
عَنّا وَكَانَ يُعَدّ إذْ ... عُدّ الشّرِيفُونَ الْجَحَاجِحْ
يَعْلُو الْقَمَاقِمَ جَهْرَةً ... سَبْطَ الْيَدَيْنِ أَغَرّ وَاضِحْ
لَا طَائِشٌ رَعِشٌ وَلَا ... ذُو عِلّةٍ بِالْحِمْلِ آنِحْ
بَحْرٌ فَلَيْسَ يُغِبّ جَا ... رًا مِنْهُ سَيْبٌ أَوْ مَنَادِحْ
أَوْدَى شَبَابُ أُولِي الْحَفَا ... ئِظِ وَالثّقِيلُونَ الْمَرَاجِحْ
الْمُطْعِمُونَ إذَا الْمَشَا ... تِي مَا يُصَفّفهُنّ نَاضِحْ
لَحْمَ الْجِلَادِ وَفَوْقَهُ ... مِنْ شَحْمِهِ شُطَبٌ شَرَائِحْ
لِيُدَافِعُوا عَنْ جَارِهِمْ ... مَا رَامَ ذُو الضّغْنِ الْمُكَاشِحْ
لَهْفِي لِشُبّانٍ رُزِئْ ... نَاهُمْ كَأَنّهُمْ المَصَابِحْ
شُمّ ، بَطَارِقَةٌ غَطَا ... رِفةٌ خَضَارِمَةٌ مَسَامِحْ
الْمُشْتَرُونَ الْحَمْدَ بِالْ ... أَمْوَالِ إنّ الْحَمْدَ رَابِح
وَالْحَامِزُونَ بِلُجْمِهِمْ ... يَوْمًا إذَا مَا صَاحَ صَائِح

مَنْ كَانَ يُرْمَى بِالنّوَا ... قِرِ مِنْ زَمَانٍ غَيْرِ صَالِح
مَا إنْ تَزَالُ رِكَابُهُ ... يَرْسِمْنَ فِي غُبْرٍ صَحاصَح
رَاحَتْ تَبَارَى وَهُوَ فِي ... رَكْبٍ صُدُورُهُمْ رَوَاشِح
حَتّى تَئُوبَ لَهُ الْمَعَا ... لِي لَيْسَ مِنْ فَوْزِ السّفائح
يَا حَمْزَ قَدْ أَوْحَدْتَنِي ... كَالْعُودِ شَذّ بِهِ الكَوافِح
أَشْكُو إلَيْكَ وَفَوْقَك ال ... تّرْبُ الْمُكَوّرُ وَالصّفَائِح
مِنْ جَنْدَلٍ نُلْقِيهِ فَوْ ... قَك إذْ أَجَادَ الضّرْحَ ضَارِح
فِي وَاسِعٍ يَحْشُونَهُ ... بِالتّرْبِ سَوّتْهُ الْمَمَاسِح
فَعَزَاؤُنَا أَنّا نَقُو ... لُ وَقَوْلُنَا بَرْحٌ بَوَارِح
مَنْ كَانَ أَمْسَى وَهُوَ عَمّا ... أَوْقَعَ الْحِدْثَانُ جَانِح
فَلْيَأْتِنَا فَلْتَبْكِ عَيْ ... نَاهُ لِهَلْكَانَا النّوَافِح
الْقَائِلِينَ الْفَاعِلِينَ ... ذَوِي السّمَاحَةِ وَالْمَمَادِح
مَنْ لَا يَزَالُ نَدَى يَدَيْ ... هِ لَهُ طَوَالَ الدّهْرِ مَائِح
[ ص 155 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِحَسّانٍ وَبَيْتُهُ " الْمُطْعِمُونَ إذَا الْمَشَاتِي " ، وَبَيْتُهُ " الْجَامِزُونَ بِلُجْمِهِمْ " ، وَبَيْتُهُ " مَنْ كَانَ يُرْمَى بِالنّوَاقِرِ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ

[ شِعْرُ حَسّانٍ فِي بُكَاءِ حَمْزَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَبْكِي حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ [ ص 156 ]
أَتَعْرِفُ الدّارَ عَفَا رَسْمُهَا ... بَعْدَكَ صَوْبُ الْمُسْبِلِ الْهَاطِلِ
بَيْنَ السّرادِيح فأُدْمانَةٍ ... فَمَدْفَعُ الرّوْحَاءِ فِي حَائِلِ
سَاءَلْتُهَا عَنْ ذَاكَ فَاسْتَعْجَمَتْ ... لَمْ تَدْرِ مَا مَرْجُوعَةُ السّائِلِ ؟
دَعْ عَنْك دَارًا قَدْ عَفَا رَسْمُهَا ... وَابْكِ عَلَى حَمْزَةَ ذِي النّائِلِ
الْمَالِئِ الشّيزَى إذَا أَعْصَفَتْ ... غَبْرَاءُ فِي ذِي الشّبِمِ الْمَاحِلِ
وَالتّارِكِ الْقِرْنَ لَدَى لِبْدَةٍ ... يَعْثُرُ فِي ذِي الْخُرُصِ الذّابِلِ
وَاللّابِسِ الْخَيْلِ إذْ أَجْحَمَتْ ... كَاللّيْثِ فِي غَابَتِهِ الْبَاسِلِ
أَبْيَضُ فِي الذّرْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... لَمْ يَمْرِ دُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ
مَالَ شَهِيدًا بَيْنَ أَسْيَافِكُمْ ... شلّتْ يَدَا وَحْشِيّ مِنْ قَاتِل
أَيّ امْرِئِ غَادَرَ فِي أَلّةٍ ... مَطْرُورَةِ مَارِنَةِ الْعَامِلِ
أَظْلَمَتْ الْأَرْضُ لِفِقْدَانِهِ ... وَاسْوَدّ نُورُ الْقَمَرِ النّاصِلِ
صَلّى عَلَيْهِ اللّهُ فِي جَنّةٍ ... عَالِيَةٍ مُكْرَمَةَ الدّاخِلِ
كُنّا نَرَى حَمْزَةَ حِرْزًا ... لَنَا فِي كُلّ أَمْرٍ نَابَنَا نَازِلِ
وَكَانَ فِي الْإِسْلَامِ ذَا تُدْرَأٍ ... يَكْفِيك فَقْدَ الْقَاعِدِ الْخَاذِلِ
لَا تَفْرَحِي يَا هِنْدُ وَاسْتَحْلِبِي ... دَمْعًا وَأَذْرِي عَبْرَةَ الثّاكِلِ
وَابْكِي عَلَى عُتْبَةَ إذْ قَطّه ... بِالسّيْفِ تَحْتَ الرّهْجِ الْجَائِلِ
إذَا خُرّ فِي مَشْيَخَةٍ مِنْكُمْ ... مِنْ كُلّ عَاتٍ قَلْتُهُ جَاهِلِ
أَرْدَاهُمْ حَمْزَةُ فِي أُسْرَةٍ ... يَمْشُونَ تَحْتَ الْحَلَقِ الْفَاضِلِ
غَدَاةَ جِبْرِيلَ وَزِيرٌ لَهُ ... نِعْمَ وَزِيرُ الْفَارِسِ الْحَامِلِ

[ شِعْرُ كَعْبٍ فِي بُكَاءِ حَمْزَةَ ]
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَبْكِي حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ : [ ص 157 ]
طَرَقَتْ هُمُومُك فَالرّقَادُ مَسَهّدُ ... وَجَزِعَتْ أَنْ سُلِخَ الشّبَابُ الْأَغْيَدُ
وَدَعَتْ فُؤَادَك لِلْهَوَى ضَمْريّةٌ ... فَهَوَاك غَوْرِيّ وَصَحْوك مُنْجِدُ
فَدَعْ التّمَادِيَ فِي الْغَوَايَةِ سَادِرًا ... قَدْ كُنْتَ فِي طَلَبِ الْغَوَايَةِ تُفْنَدُ
وَلَقَدْ أَنّى لَك أَنْ تَنَاهَى طَائِعًا ... أَوْ تَسْتَفِيقَ إذَا نَهَاك الْمُرْشِدُ
وَلَقَدْ هُدِدْتُ لِفَقْدِ حَمْزَةَ هَدّةً ... ظَلّتْ بَنَاتُ الْجَوْفِ مِنْهَا تَرْعَدُ
وَلَوْ أَنّهُ فُجِعَتْ حِرَاءُ بِمِثْلِهِ ... لَرَأَيْتُ رَاسِيَ صَخْرِهَا يَتَبَدّدُ
قَرْمٌ تَمَكّنَ فِي ذُؤَابَةِ هَاشِمٍ ... حَيْثُ النّبُوّةُ وَالنّدَى والسّودَد
وَالْعَاقِرُ الْكُومَ الْجِلَاد إذَا غَدَتْ ... رِيحٌ يَكَادُ الْمَاءُ مِنْهَا يَجْمُدُ
وَالتّارِكُ الْقِرْنَ الْكَمِيّ مُجَدّلًا ... يَوْمَ الْكَرِيهَةِ وَالْقَنَا يَتَقَصّدُ
وَتَرَاهُ يَرْفُلُ فِي الْحَدِيدِ كَأَنّهُ ... ذُو لِبْدَةٍ شَثْنُ الْبَرَاثِنِ أَرْبَدُ
عَمّ النّبِيّ مُحَمّدٍ وَصَفِيّهُ ... وَرَدَ الْحِمَامَ فَطَابَ ذَاكَ الْمَوْرِدُ
وَأَتَى الْمَنِيّةَ مُعْلِمًا فِي أُسْرَةٍ ... نَصَرُوا النّبِيّ وَمِنْهُمْ الْمُسْتَشْهَدُ
وَلَقَدْ إخَالُ بِذَاكَ هِنْدًا بُشّرَتْ ... لَتُمِيت دَاخِلَ غُصّةٍ لَا تَبْرُدُ
مِمّا صَبّحْنَا بالعَقَنْقَل قَوْمَهَا ... يَوْمًا تَغَيّبْ فِيهِ عَنْهَا الْأَسْعَدُ
وَبِبِئْرِ بَدْرٍ إذْ يَرُدّ وُجُوهَهُمْ ... جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا وَمُحَمّدُ
حَتّى رَأَيْتُ لَدَى النّبِيّ سَرَاتَهُمْ ... قِسْمَيْنِ يَقْتُل مَنْ نَشَاءُ وَيَطْرُدُ
فَأَقَامَ بِالْعَطَنِ الْمُعَطّنِ مِنْهُمْ ... سَبْعُونَ عُتْبَةُ مِنْهُمْ وَالْأَسْوَدُ
وَابْنُ الْمُغِيرَةِ قَدْ ضَرَبْنَا ضَرْبَةً ... فَوْقَ الْوَرِيدِ لَهَا رَشّاشٌ مُزْبِدُ
وَأُمَيّةُ الْجُمَحِيّ قَوّمَ مَيْلَهُ ... عَضْبٌ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ مُهَنّدُ
فَأَتَاكَ فَلّ الْمُشْرِكِينَ كَأَنّهُمْ ... وَالْخَيْلُ تَثْفِنُهُمْ نَعَامٌ شُرّدُ
شَتّانَ مَنْ هُوَ فِي جَهَنّمَ ثَاوِيًا ... أَبَدًا وَمَنْ هُوَ فِي الْجِنَانِ مُخَلّدُ
[ ص 158 ]

وَقَالَ كَعْبٌ أَيْضًا يَبْكِي حَمْزَةَ
صَفِيّةَ قُومِي وَلَا تَعْجِزِي ... وَبَكّي النّسَاءَ عَلَى حَمْزَةِ
وَلَا تَسْأَمِي أَنْ تُطِيلِي اُلْبُكَا ... عَلَى أَسَدِ اللّهِ فِي الْهِزّةِ
فَقَدْ كَانَ عِزّا لِأَيْتَامِنَا ... وَلَيْثَ الْمَلَاحِمِ فِي الْبِزّةِ
يُرِيدُ بِذَاكَ رِضَا أَحْمَدٍ ... وَرِضْوَانَ ذِي الْعَرْشِ وَالْعِزّةِ

[ شِعْرُ كَعْبٍ فِي أُحُدٍ ]
وَقَالَ كَعْبٌ أَيْضًا فِي أُحُدٍ [ ص 159 ] [ ص 160 ] [ ص 161 ]
إنّكِ عَمْرَ أَبِيك الْكَرِ ... يمِ أَنْ تَسْأَلِي عَنْكِ مَنْ يَجْتَدينا
فَإِنْ تَسْأَلِي ثَمّ لَا تُكْذَبِي ... يُخْبِرُك مَنْ قَدْ سَأَلْتِ الْيَقِينَا
بِأَنّا لَيَالِي ذَاتِ الْعِظَا ... مِ كُنّا ثِمَالًا لِمَنْ يَعْتَرِينَا
تَلُوذُ الْبُجُودُ بِأَذْرَائِنَا ... مِنْ الضّرّ فِي أَزَمَاتِ السّنِينَا
بِجَدْوَى فُضُولٍ أُولِي وُجْدِنَا ... وَبِالصّبْرِ وَالْبَذْلِ فِي الْمُعْدِمِينَا
وَأَبْقَتْ لَنَا جَلَمات الْحُرُو ... بِ مِمّنْ نُوَازِي لَدُنْ أَنْ بُرِينَا
مَعَاطِنَ تَهْوِي إلَيْهَا الْحُقُو ... قُ يَحْسِبُهَا مَنْ رَآهَا الْفَتِينَا
تُخَيّسُ فِيهَا عِتَاقُ الْجَمَا ... لِ صُحْما دَوَاجِن حُمْرًا وُجُونَا
وَدُفّاعُ رَجْلٍ كَمَوْجِ الْفُرَا ... تِ يَقْدُمُ جَأْوَاء جُولَا طَحُونَا
تَرَى لَوْنَهَا مِثْلَ لَوْنِ النّجُو ... مِ رَجْرَاجَةً تُبْرِقُ النّاظِرِينَا
فَإِنْ كُنْتَ عَنْ شَأْنِنَا جَاهِلًا ... فَسَلْ عَنْهُ ذَا الْعِلْمِ مِمّنْ يَلِينَا
بِنَا كَيْفَ نَفْعَلُ إنْ قَلّصَتْ ... عَوَانًا ضَرُوسًا عَضُوضًا حَجُونَا
أَلَسْنَا نَشُدّ عَلَيْهَا الْعِصَا ... بَ حَتّى تَدُرّ وَحَتّى تَلِينَا
وَيَوْمٌ لَهُ وَهَجٌ دَائِمٌ ... شَدِيدُ التّهاوُل حَامِي الأرِينا
طَوِيلٌ شَدِيدُ أُوَارِ الْقِتَا ... لِ تَنْفِي قَواحِزُهُ الْمُقْرِفِينَا
تَخَالُ الْكُمَاةَ بِأَعْرَاضِهِ ... ثِمَالًا عَلَى لَذّةٍ مُنزفِينا
تَعاوَرُ أَيْمَانُهُمْ بَيْنَهُمْ ... كُؤُوسَ الْمَنَايَا بِحَدّ الظّبِينَا
شَهِدْنَا ككُنّا أُولِي بَأْسِهِ ... وَتَحْتَ العَماية وَالْمُعْلِمِينَا
بِخُرْسِ الْحَسِيسِ حِسَانٍ رِوَاءٍ ... وَبُصْرِيّةٍ قَدْ أُجِمْنَ الجُفونا
فَمَا يَنْفَلِلْنَ وَمَا يَنْحَنِينَ ... وَمَا يَنْتَهِينَ إذَا مَا نُهِينَا
كَبَرْقِ الْخَرِيفِ بِأَيْدِي الْكُمَاةِ ... يُفَجّعْنَ بِالظّلّ هَامًا سُكُونَا
وَعَلّمْنَا الضّرْبَ آبَاؤُنَا ... وَسَوْفَ نُعَلّمُ أَيْضًا بَنِينَا
جِلَادَ الْكُمَاةِ وَبَذْلَ التّلَا ... دِ عَنْ جُلّ أَحْسَابِنَا مَا بَقِينَا
إذَا مَرّ قَرْنٌ كَفَى نَسْلُهُ ... وَأَوْرَثَهُ بَعْدَهُ آخَرِينَا
نَشِبّ وَتَهْلِكُ آبَاؤُنَا ... وَبَيْنَا نُرَبّي بَنِينَا فَنِينَا
سَأَلْتُ بِك ابْنَ الزّبَعْرَى فَلَمْ ... أُنَبّأْك فِي الْقَوْمِ إلّا هَجِينَا
خَبِيثًا تُطِيفُ بِك الْمُنْدِيَاتُ ... مُقِيمًا عَلَى اللّؤْمِ حِينًا فَحِينَا
تَبَجّسْت تَهْجُو رَسُولَ الْمَلِ ... يكِ قَاتَلَك اللّهُ جِلْفًا لَعِينَا
تَقُولُ الْخَنَا ثُمّ تَرْمِي بِهِ ... نَقِيّ الثّيَابِ تَقِيّا أَمِينَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي بَيْتَهُ " بِنَا كَيْفَ نَفْعَلُ " ، وَالْبَيْتَ الّذِي يَلِيهِ وَالْبَيْتَ الثّالِثَ مِنْهُ وَصَدْرَ الرّابِعِ مِنْهُ وَقَوْلَهُ " نَشِبّ وَتَهْلِكُ آبَاؤُنَا " وَالْبَيْتَ الّذِي يَلِيهِ . وَالْبَيْتَ الثّالِثَ مِنْهُ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ، قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا ، فِي يَوْمِ أُحُدٍ [ ص 162 ]
سَائِلْ قُرَيْشًا غَدَاةَ السّفْحِ مِنْ أُحُدٍ ... مَاذَا لَقِينَا وَمَا لَاقَوْا مِنْ الْهَرَبِ
كُنّا الْأُسُودَ وَكَانُوا النّمْرَ إذْ زَحَفُوا ... مَا إنْ نُرَاقِب مِنْ آلٍ وَلَا نَسَبِ
فَكَمْ تَرَكْنَا بِهَا مِنْ سَيّدٍ بَطَلٍ ... حَامِي الذّمَارَ كَرِيمِ الْجَدّ وَالْحَسَبِ
فِينَا الرّسُولُ شِهَابٌ ثُمّ يَتْبَعُهُ ... نُورٌ مُضِىءٌ لَهُ فَضْلٌ عَلَى الشّهُبِ
الْحَقّ مَنْطِقُهُ وَالْعَدْلُ سِيرَتُهُ ... فَمَنْ يُجِبْهُ إلَيْهِ يَنْجُ مِنْ تَبَبِ
نَجْدُ الْمُقَدّمِ مَاضِي الْهَمّ مُعْتَزِمٌ ... حِينَ الْقُلُوبِ عَلَى رَجْفٍ مِنْ الرّعُبِ
يَمْضِي ويَذْمُرنا عَنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ... كَأَنّهُ الْبَدْرُ لَمْ يُطْبَعْ عَلَى الْكَذِبِ
بَدَا لَنَا فَاتّبَعْنَاهُ نُصَدّقُهُ ... وَكَذّبُوهُ فَكُنّا أَسْعَدَ الْعَرَبِ
جَالُوا وَجُلْنَا فَمَا فَاءُوا وَمَا رَجَعُوا ... وَنَحْنُ نَثْفِنهم لَمْ نَأْلُ فِي الطّلَبِ
لَيْسَا سَوَاءً وَشَتّى بَيْنَ أَمْرِهِمَا ... حِزْبُ الْإِلَهِ وَأَهْلِ الشّرْكِ وَالنّصُبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي مِنْ قَوْلِهِ " يَمْضِي ويَذْمُرنا " إلَى آخِرِهَا ، أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ .

[ شِعْرُ ابْنِ رَوَاحَةَ فِي بُكَاءِ حَمْزَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَبْكِي حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِيهَا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ :
بَكَتْ عَيْنِي وَحَقّ لَهَا بُكَاهَا ... وَمَا يُغِني الْبُكَاءُ وَلَا الْعَوِيلُ
عَلَى أَسَدِ الْإِلَهِ غَدَاةَ قَالُوا ... أَحَمْزَةُ ذَاكُمْ الرّجُلُ الْقَتِيلُ
أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ جَمِيعًا ... هُنَاكَ وَقَدْ أُصِيبَ بِهِ الرّسُولُ
أَبَا يَعْلِي لَك الْأَرْكَانُ هُدّتْ ... وَأَنْتَ الْمَاجِدُ الْبَرّ الْوَصُولُ
عَلَيْك سَلَامُ رَبّك فِي جِنَانٍ ... مُخَالِطُهَا نَعِيمٌ لَا يَزُولُ
أَلَا يَا هَاشِمَ الْأَخْيَارِ صَبْرًا ... فَكُلّ فِعَالِكُمْ حَسَنٌ جَمِيلُ
رَسُولُ اللّهِ مُصْطَبِرٌ كَرِيمٌ ... بِأَمْرِ اللّهِ يَنْطِقُ إذْ يَقُولُ
أَلَا مِنْ مُبْلِغٍ عَنّي لُؤَيّا ... فَبَعْدَ الْيَوْمِ دَائِلَةٌ تَدُولُ
وَقَبْلَ الْيَوْمِ مَا عَرَفُوا وَذَاقُوا ... وَقَائِعَنَا بِهَا يُشْفَى الْغَلِيلُ
نَسِيتُمْ ضَرْبنَا بِقَلِيبِ بَدْرٍ ... غَدَاةَ أَتَاكُمْ الْمَوْتُ الْعَجِيلُ
غَدَاةً ثَوَى أَبُو جَهْلٍ صَرِيعًا ... عَلَيْهِ الطّيْرُ حَائِمَةٌ تَجُولُ
وَعُتْبَةُ وَابْنُهُ خَرّا جَمِيعًا ... وَشَيْبَةُ عَضّهُ السّيْفُ الصّقِيلُ
وَمَتْرَكُنَا أُمَيّةَ مُجْلَعِبّا ... وَفِي حَيْزُومِهِ لَدْنٌ نَبِيلُ
وَهَامَ بَنِي رَبِيعَةَ سَائِلُوهَا ... فَفِي أَسْيَافِنَا مِنْهَا فُلُولُ
أَلَا يَا هِنْدُ فَابْكِي لَا تَمَلّي ... فَأَنْتِ الْوَالِهُ العَبْرَى الْهَبُولُ
أَلَا يَا هِنْدُ لَا تُبْدِي شِمَاتًا ... بِحَمْزَةِ إنّ عِزّكُمْ ذَلِيلُ

[ شِعْرُ كَعْبٍ فِي أُحُدٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ :
أَبْلِغْ قُرَيْشًا عَلَى نَأْيِهَا ... أَتُفْخَرُ مِنّا بِمَا لَمْ تَلِي
فَخَرْتُمْ بِقَتْلَى أَصَابَتْهُمْ ... فَوَاضِلُ مِنْ نَعَمِ الْمُفْضِلِ
فَحَلّو جِنَانًا وَأَبْقَوْا لَكُمْ ... أُسُودًا تُحَامِي عَنْ الْأَشْبُلِ
تُقَاتِلُ عَنْ دِينِهَا ، وَسْطَهَا ... نَبِيّ عَنْ الْحَقّ لَمْ يَنْكُلْ
رَمَتْهُ مَعَدّ بِعُورِ الْكَلَامِ ... وَنَبْلِ الْعَدَاوَةِ لَا تَأْتَلِي
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي قَوْلَهُ " لَمْ تَلِي " ، وَقَوْلَهُ " مِنْ نَعَمِ الْمُفَضّلِ " زَيْدٌ الْأَنْصَارِيّ .

[ شِعْرُ ضِرَارٍ فِي أُحُدٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ : [ ص 164 ] [ ص 165 ]
مَا بَالُ عَيْنُكَ قَدْ أَزْرَى بِهَا السّهْدُ ... كَأَنّمَا جَالَ فِي أَجْفَانِهَا الرّمَدُ
أَمِنْ فِرَاقِ حَبِيبٍ كُنْتَ تَأْلَفَهُ ... قَدْ حَالَ مِنْ دُونِهِ الْأَعْدَاءُ وَالْبُعْدُ
أَمْ ذَاكَ مِنْ شَغْبِ قَوْمٍ لَا جَدَاءَ بِهِمْ ... إذْ الْحُرُوبُ تَلَظّتْ نَارُهَا تَقِدُ
مَا يَنْتَهُونَ عَنْ الْغَيّ الّذِي رَكِبُوا ... وَمَا لَهُمْ مِنْ لُؤَيّ وَيْحهمْ عَضُدُ
وَقَدْ نَشَدْنَاهُمْ وَبِاَللّهِ قَاطِبَةً ... فَمَا تَرُدّهُمْ الْأَرْحَامُ وَالنّشَدُ
حَتّى إذَا مَا أَبَوْا إلّا مُحَارَبَةً ... وَاسْتَحْصَدَتْ بَيْنَنَا الْأَضْغَانُ وَالْحِقَدُ
سِرْنَا إلَيْهِمْ بِجَيْشٍ فِي جَوَانِبِهِ ... قَوَانِسُ الْبَيْضِ وَالْمَحْبُوكَةُ السّرُدُ
وَالْجُرْدُ تَرْفُلُ بِالْأَبْطَالِ شَازِبَةً ... كَأَنّهَا حِدَأٌ فِي سَيْرِهَا تُؤَدُ
جَيْشٌ يَقُودُهُمْ صَخْرٌ وَيَرْأَسُهُمْ ... كَأَنّهُ لَيْثُ غَابٍ هَاصِرٌ حَرِدُ
فَأَبْرَزَ الْحَيْنَ قَوْمًا مِنْ مَنَازِلِهِمْ ... فَكَانَ مِنّا وَمِنْهُمْ مُلْتَقًى أُحُدُ
فَغُودِرَتْ مِنْهُمْ قَتْلَى مُجَدّلَةٌ ... كَالْمَعْزِ أَصْرَدَهُ بالصّرْدحِ الْبَرَدُ
قَتْلَى كِرَامٌ بَنُو النّجّارِ وَسْطَهُمْ ... وَمُصْعَبٌ مِنْ قَنَانَا حَوْلَهُ قِصَدُ
وَحَمْزَةُ الْقَرْمُ مَصْرُوعٌ تُطِيفُ بِهِ ... ثَكْلَى وَقَدْ حُزّ مِنْهُ الْأَنْفُ وَالْكَبِدُ
كَأَنّهُ حِينَ يَكْبُو فِي جَدِيّتِهِ ... تَحْتَ الْعَجَاجِ وَفِيهِ ثَعْلَبٌ جَسَدُ
حُوَارُ نَابٍ وَقَدْ وَلّى صَحَابَتُهُ ... كَمَا تَوَلّى النّعَامُ الْهَارِبُ الشّرُدُ
مُجَلّحِينَ وَلَا يَلُوونَ قَدْ مُلِئُوا ... رُعْبًا ، فَنَجّتْهُمْ الْعَوْصَاءُ وَالْكُؤُدُ
تَبْكِي عَلَيْهِمْ نِسَاءٌ لَا بُعُولَ لَهَا ... مِنْ كُلّ سَالِبَةٍ أَثْوَابُهَا قِدَدُ
وَقَدْ تَرَكْنَاهُمْ لِلطّيْرِ مَلْحَمَةً ... وَلِلضّبَاعِ إلَى أَجْسَادِهِمْ تَفِدُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِضِرَارِ

[ رَجَزُ أَبِي زَعْنَةَ يَوْمَ أُحُدٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو زَعْنَةَ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُتْبَةَ أَخُو بَنِي جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، يَوْمَ أُحُدٍ :
أَنَا أَبُو زَعْنَةَ يَعْدُو بِي الهُزَمْ ... لَمْ تُمْنَعْ الْمَخْزَاةُ إلّا بِالْأَلَمْ
يَحْمِي الذّمَارَ خَزْرَجِيّ مِنْ جُشَمْ

[ رَجَزٌ يُنْسَبُ لِعَلِيّ فِي يَوْمِ أُحُدٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَهَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ غَيْرَ عَلِيّ ، فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ يَعْرِفُهَا لِعَلِيّ : [ ص 166 ]
لَا هُمّ إنّ الْحَارِثَ بْنَ الصّمّهْ ... كَانَ وَفِيّا وَبِنَا ذَا ذِمّهْ
أَقْبَلَ فِي مَهَامَهٍ مُهِمّهْ ... كَلِيلَةٍ ظَلْمَاءَ مُدْلَهِمّهْ
بَيْنَ سُيُوفٍ وَرِمَاحٍ جَمّهْ ... يَبْغِي رَسُولَ اللّهِ فِيمَا ثَمّهْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلَهُ " كَلِيلَةٍ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .

[ رَجَزُ عِكْرِمَةَ فِي يَوْمِ أُحُدٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ فِي يَوْمِ أُحُدٍ :
كُلّهُمْ يَزْجُرُهُ أَرْحِبْ هَلَا ... وَلَنْ يَرَوْهُ الْيَوْمَ إلّا مُقْبِلَا
يَحْمِلُ رُمْحًا وَرَئِيسًا جَحْفَلَا

[ شِعْرُ الْأَعْشَى التّمِيمِيّ فِي بُكَاءِ قَتْلَى بَنِي عَبْدِ الدّارِ يَوْمَ أُحُدٍ ]
وَقَالَ الْأَعْشَى بْنُ زُرَارَةَ بْنِ النّبّاشِ التّمِيمِيّ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ثُمّ أَحَدُ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ - يَبْكِي قَتْلَى بَنِي عَبْدِ الدّار ِ يَوْمَ أُحُدٍ :
حُيّيَ مِنْ حَيّ عَلَيّ نَأْيُهُمْ ... بَنُو أَبِي طَلْحَةَ لَا تُصْرَفُ
يَمُرّ سَاقِيهِمْ عَلَيْهِمْ بِهَا ... وَكُلّ سَاقٍ لَهُمْ يَعْرِفُ
لَا جَارُهُمْ يَشْكُو وَلَا ضَيْفُهُمْ ... مِنْ دُونِهِ بَابٌ لَهُمْ يَصْرِفُ
وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَعْرَى يَوْمَ أُحُدٍ :
قَتَلْنَا ابْنَ جَحْشٍ فَاغْتَبَطْنَا بِقَتْلِهِ ... وَحَمْزَةَ فِي فُرْسَانِهِ وَابْنَ قَوْقَلِ
وَأَفْلَتَنَا مِنْهُمْ رِجَالٌ فَأَسْرَعُوا ... فَلَيْتَهُمْ عَاجُوا وَلَمْ نَتَعَجّلْ
أَقَامُوا لَنَا حَتّى تَعَضّ سُيُوفُنَا ... سَرَاتَهُمْ وَكُلّنَا غَيْرُ عُزّلِ
وَحَتّى يَكُونَ الْقَتْلُ فِينَا وَفِيهِمْ ... وَيَلْقَوْا صَبُوحًا شَرّهُ غَيْرَ مُنْجَلِي
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَوْلَهُ " وَكُلّنَا " ، وَقَوْلَهُ " وَيَلْقَوْا صَبُوحًا " : عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .

[ شِعْرُ صَفِيّةَ فِي بُكَاءِ حَمْزَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، تَبْكِي أَخَاهَا حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ :
أَسَائِلَةً أَصْحَابَ أُحْدٍ مَخَافَةً ... بَنَاتُ أَبِي مِنْ أَعْجَمٍ وَخَبِيرِ
فَقَالَ الْخَبِيرُ إنّ حَمْزَةَ قَدْ ثَوَى ... وَزِيرُ رَسُولِ اللّهِ خَيْرُ وَزِيرِ
دَعَاهُ إلَهُ الْحَقّ ذُو الْعَرْشِ دَعْوَةً ... إلَى جَنّةٍ يَحْيَا بِهَا وَسُرُورِ
فَذَلِكَ مَا كُنّا نُرَجّي وَنَرْتَجِي ... لِحَمْزَةِ يَوْمَ الْحَشْرِ خَيْرِ مَصِيرِ
فَوَاَللّهِ لَا أَنْسَاك مَا هَبّتْ الصّبَا ... بُكَاءً وَحُزْنًا مَحْضَرِي وَمَسِيرِي
عَلَى أَسَدِ اللّهِ الّذِي كَانَ مِدْرَهَا ... يَذُودُ عَنْ الْإِسْلَامِ كُلّ كَفُورِ
فَيَا لَيْتَ شِلْوِي عِنْدَ ذَاكَ وَأَعْظُمِي ... لَدَى أَضْبُعٍ تَعْتَادُنِي وَنُسُورِ
أَقُولُ وَقَدْ أَعْلَى النّعِيّ عَشِيرَتِي ... جَزَى اللّهُ خَيْرًا مِنْ أَخٍ وَنَصِرْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ قَوْلَهَا : بُكَاءً وَحُزْنًا مَحْضَرِي وَمَسِيرِي

[ شِعْرُ نُعَمَ فِي بُكَاءِ شَمّاسٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ نُعَمُ امْرَأَةُ شَمّاسِ بْنِ عُثْمَانَ ، تَبْكِي شَمّاسًا ، وَأُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ : [ ص 168 ]
يَا عَيْنُ جُودِي بِفَيْضٍ غَيْرِ إبْسَاسِ ... عَلَى كَرِيمٍ مِنْ الْفِتْيَانِ أبّاسِ
صَعْبِ الْبَدِيهَةِ مَيْمُونٍ نَقِيبَتُهُ ... حَمّالِ أَلْوِيَةٍ رَكّابِ أَفْرَاسِ
أَقُولُ لَمَا أَتَى النّاعِي لَهُ جَزَعًا ... أَوْدَى الْجَوَادُ وَأَوْدَى الْمُطْعِمُ الْكَاسِي
وَقُلْتُ لَمّا خَلَتْ مِنْهُ مَجَالِسُهُ ... لَا يُبْعِدُ اللّهُ عَنّا قُرْبَ شَمّاسِ

[ شِعْرُ أَبِي الْحَكَمِ فِي تَعْزِيَةِ نُعَمَ ]
فَأَجَابَهَا أَخُوهَا ، وَهُوَ أَبُو الْحَكَمِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ يُعَزّيهَا ، فَقَالَ
إقْنَى حَيَاءَك فِي سِتْرٍ وَفِي كَرَمٍ ... فَإِنّمَا كَانَ شَمّاسٌ مِنْ النّاسِ
لَا تَقْتُلِي النّفْسَ إذْ حَانَتْ مَنِيّتُهُ ... فِي طَاعَةِ اللّهِ يَوْمَ الرّوْعِ وَالْبَاسِ
قَدْ كَانَ حَمْزَةُ لَيْثَ اللّهِ فَاصْطَبِرِي ... فَذَاقَ يَوْمَئِذٍ مِنْ كَأْسِ شَمّاسِ

[ شِعْرُ هِنْدٍ بَعْدَ عَوْدَتِهَا مِنْ أُحُدٍ ]
وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ ، حِينَ انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ أُحُدٍ :
رَجَعْتُ وَفِي نَفْسِي بَلَابِلُ جَمّةٌ ... وَقَدْ فَاتَنِي بَعْضُ الّذِي كَانَ مَطْلَبِي
مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ ... بَنِي هَاشِمٍ مِنْهُمْ وَمِنْ أَهْلِ يَثْرِبِ
وَلَكِنّنِي قَدْ نِلْتُ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ ... كَمَا كُنْتُ أَرْجُو فِي مَسِيرِي وَمَرْكَبِي
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ قَوْلَهَا : وَقَدْ فَاتَنِي بَعْضُ الّذِي كَانَ مَطْلَبِي
وَبَعْضُهُمْ يُنْكِرُهَا لِهِنْدٍ ، وَاَللّهُ أَعْلَمُ .

ذِكْرُ يَوْمِ الرّجِيعِ
فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ
[ طَلَبَتْ عَضَلُ وَالْقَارّةُ نَفَرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِيُعَلّمُوهُمْ فَأَوْفَدَ الرّسُولُ سِتّةً ] [ ص 169 ] قَالَ حَدّثَنَا أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، قَالَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ أُحُدٍ رَهْطٌ مِنْ عَضَلٍ وَالْقَارّةِ .

[ نَسَبُ عَضَلٍ وَالْقَارّةِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَضَلٌ وَالْقَارّةُ ، مِنْ الْهَوْنِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ الْهُونُ ، بِضَمّ الْهَاءِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ فِينَا إسْلَامًا ، فَابْعَثْ مَعَنَا نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِك يُفَقّهُونَنَا فِي الدّينِ وَيُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ وَيُعَلّمُونَنَا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ . فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَفَرًا سِتّةً مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُمْ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ ، حَلِيفُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ؛ وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ اللّيْثِيّ ، حَلِيفُ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ ، وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ ؛ وَخُبَيْبٌ بْنُ عَدِيّ ، أَخُو بَنِي جَحْجَبَى بْنِ كُلْفَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، وَزَيْدُ بْنُ الدّثِنّةِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَخُو بَنِي بَيَاضَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ؛ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ طَارِقٍ حَلِيفُ بَنِي ظَفَرِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ .

[ غَدْرُ عَضَلٍ وَالْقَارّةِ بِالنّفَرِ السّتّةِ ]
وَأَمّرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْقَوْمِ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ ، فَخَرَجَ [ ص 170 ] حَتّى إذَا كَانُوا عَلَى الرّجِيعِ ، مَاءٍ لِهُذَيْلٍ بِنَاحِيَةِ الْحِجَازِ ، عَلَى صُدُورِ الْهَدْأَةِ غَدَرُوا بِهِمْ فَاسْتَصْرَخُوا عَلَيْهِمْ هُذَيْلًا ، فَلَمْ يَرُعْ الْقَوْمَ وَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ إلّا الرّجَالُ بِأَيْدِيهِمْ السّيُوفُ قَدْ غَشُوهُمْ فَأَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ لِيُقَاتِلُوهُمْ فَقَالُوا لَهُمْ إنّا وَاَللّهِ مَا نُرِيدُ قَتْلَكُمْ ، وَلَكِنّا نُرِيدُ أَنْ نُصِيبَ بِكُمْ شَيْئًا مِنْ أَهْلِ مَكّةَ وَلَكُمْ عَهْدُ اللّهِ وَمِيثَاقُهُ أَنْ لَا نَقْتُلَكُمْ .

[ مَقْتَلُ مَرْثَدٍ وَابْنِ الْبُكَيْرِ وَعَاصِمٍ ]
فَأُمّا مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ ، وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ ، وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالُوا : وَاَللّهِ لَا نَقْبَلُ مِنْ مُشْرِكٍ عَهْدًا وَلَا عَقْدًا أَبَدًا ؛ فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ
مَا عِلّتِي وَأَنَا جَلْدٌ نَابِلُ ... وَالْقَوْسُ فِيهَا وَتَرٌ عُنَابِلُ
تَزَلّ عَنْ صَفْحَتِهَا الْمَعَابِلُ ... الْمَوْتُ حَقّ وَالْحَيَاةُ بَاطِلُ
وَكُلّ مَا حَمّ الْإِلَهُ نَازِلٌ ... بِالْمَرْءِ وَالْمَرْءُ إلَيْهِ آئِلُ
إنْ لَمْ أُقَاتِلْكُمْ فَأُمّي هَابِلُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَابِلُ ثَاكِلُ . وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا :
أَبُو سُلَيْمَانَ وَرِيشُ الْمُقْعَدِ ... وَضَالَةٌ مِثْلَ الْجَحِيمِ الْمُوقَدِ
إذَا النّوَاجِي افْتُرِشْتِ لَمْ أُرْعَدْ ... وَمُجْنَأٌ مِنْ جَلَدٍ ثَوْرٍ أَجْرَدِ
وَمُؤْمِنٌ بِمَا عَلَى مُحَمّدِ [ ص 171 ] وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِت ٍ أَيْضًا :
أَبُو سُلَيْمَانَ وَمِثْلِي رَامَى ... وَكَانَ قَوْمِي مَعْشَرًا كِرَامَا
وَكَانَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ يُكَنّى : أَبَا سُلَيْمَانَ . ثُمّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِلَ وَقُتِلَ صَاحِبَاهُ .

[ حَدِيثُ حِمَايَةِ الدّبْرِ لِعَاصِمِ ]
فَلَمّا قُتِلَ عَاصِمٌ أَرَادَتْ هُذَيْلٌ أَخْذَ رَأْسِهِ لِيَبِيعُوهُ مِنْ سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ شُهَيْدٍ وَكَانَتْ قَدْ نَذَرَتْ حِين أَصَابَ ابْنَيْهَا يَوْمَ أُحُدٍ : لَئِنْ قَدَرَتْ عَلَى رَأْسِ عَاصِمٍ لَتَشْرَبَن فِي قِحْفِهِ الْخَمْرَ فَمَنَعَتْهُ الدّبْرُ فَلَمّا حَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ [ الدّبْرُ ] قَالُوا : دَعُوهُ يُمْسِي فَتَذْهَبُ عَنْهُ فَنَأْخُذُهُ . فَبَعَثَ اللّهُ الْوَادِيَ فَاحْتَمَلَ عَاصِمًا ، فَذَهَبَ بِهِ وَقَدْ كَانَ عَاصِمٌ قَدْ أَعْطَى اللّهَ عَهْدًا أَنْ لَا يَمَسّهُ مُشْرِكٌ وَلَا يَمَسّ مُشْرِكًا أَبَدًا ، تَنَجّسًا ؛ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ حِينَ بَلَغَهُ أَنّ الدّبْرَ مَنَعَتْهُ يَحْفَظُ اللّهُ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ ، كَانَ عَاصِمٌ نَذَرَ أَنْ لَا يَمَسّهُ مُشْرِكٌ وَلَا يَمَسّ مُشْرِكًا أَبَدًا فِي حَيَاتِهِ فَمَنَعَهُ اللّهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَمَا امْتَنَعَ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ

[ مَقْتَلُ ابْنِ طَارِقٍ وَبَيْعُ خُبَيْبٍ وَابْنِ الدّثِنّةِ ]
وَأَمّا زَيْدُ بْنُ الدّثِنّةِ وَخُبَيْبٌ بْنُ عَدِيّ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ طَارِقٍ ، فَلَانُوا وَرَقّوا وَرَغِبُوا فِي الْحَيَاةِ فَأَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ فَأَسَرُوهُمْ ثُمّ خَرَجُوا إلَى مَكّةَ ، لِيَبِيعُوهُمْ بِهَا ، حَتّى إذَا كَانُوا بِالظّهْرَانِ انْتَزَعَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ طَارِقٍ يَدَهُ مِنْ الْقِرَانِ ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُ الْقَوْمُ فَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتّى قَتَلُوهُ فَقَبْرُهُ رَحِمَهُ اللّهُ بِالظّهْرَانِ ، وَأَمّا خُبَيْبُ بْنُ عَدِيّ وَزَيْدُ بْنُ الدّثِنّةِ فَقَدِمُوا بِهِمَا مَكّةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فَبَاعُوهَا مِنْ قُرَيْشٍ بِأَسِيرَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ كَانَا بِمَكّةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فَابْتَاعَ خُبَيْبًا حُجَيْرُ بْنُ أَبِي إهَابٍ التّمِيمِيّ ، حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلٍ لِعُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَكَانَ أَبُو إهَابٍ أَخَا الْحَارِثِ بْنِ عَامِرٍ لِأُمّهِ لِقَتْلِهِ بِأَبِيهِ . [ ص 172 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ الْحَارِثُ بْنُ عَامِر ٍ خَالُ أَبِي إهَابٍ وَأَبُو إهَابٍ أَحَدُ بَنِي أُسَيّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ وَيُقَالُ أَحَدُ بَنِي عُدَسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دَارِمٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ .

[ مَقْتَلُ ابْنِ الدّثِنّةِ وَمَثَلٌ مِنْ وَفَائِهِ لِلرّسُولِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَمّا زَيْدُ بْنُ الدّثِنّةِ فَابْتَاعَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ لِيَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، وَبَعَثَ بِهِ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ مَعَ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ نِسْطَاسُ إلَى التّنْعِيمِ ، وَأَخْرَجُوهُ مِنْ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ . وَاجْتَمَعَ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ قَدِمَ لِيُقْتَلَ أَنْشُدُكَ اللّهَ يَا زَيْدُ أَتُحِبّ أَنّ مُحَمّدًا عِنْدَنَا الْآنَ فِي مَكَانِك نَضْرِبُ عُنُقَهُ وَأَنّك فِي أَهْلِك ؟ قَالَ وَاَللّهِ مَا أُحِبّ أَنّ مُحَمّدًا الْآنَ فِي مَكَانِهِ الّذِي هُوَ فِيهِ تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ وَأَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي . قَالَ يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ مَا رَأَيْت مِنْ النّاسِ أَحَدًا يُحِبّ أَحَدًا كَحُبّ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ مُحَمّدًا ؛ ثُمّ قَتَلَهُ نِسْطَاسُ يَرْحَمُهُ اللّهُ

[ مَقْتَلُ خُبَيْبٍ وَحَدِيثُ دَعْوَتِهِ ]
وَأَمّا خُبَيْبُ بْنُ عَدِيّ ، فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ ، أَنّهُ حُدّثَ عَنْ مَاوِيّةَ مَوْلَاةِ حُجَيْرِ بْنِ أَبِي إهَابٍ ، وَكَانَتْ قَدْ أَسْلَمَتْ قَالَتْ كَانَ خُبَيْبٌ عِنْدِي ، حُبِسَ فِي بَيْتِي ، فَلَقَدْ اطّلَعَتْ عَلَيْهِ يَوْمًا ، وَإِنّ فِي يَدِهِ لَقِطْفًا مِنْ عِنَبٍ مِثْلَ رَأْسِ الرّجُلِ يَأْكُلُ مِنْهُ وَمَا أَعْلَمُ فِي أَرْضِ اللّهِ عِنَبًا يُؤْكَلُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ جَمِيعًا أَنّهَا قَالَتْ قَالَ لِي حِينَ حَضَرَهُ الْقَتْلُ ابْعَثِي إلَيّ بِحَدِيدَةٍ أَتَطَهّرُ بِهَا لِلْقَتْلِ قَالَتْ فَأَعْطَيْتُ غُلَامًا مِنْ الْحَيّ الْمُوسَى ، فَقُلْت : اُدْخُلْ بِهَا عَلَى هَذَا الرّجُلِ الْبَيْتَ قَالَتْ فَوَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ وَلّى الْغُلَامُ بِهَا إلَيْهِ فَقُلْت : مَاذَا صَنَعْتُ أَصَابَ وَاَللّهِ الرّجُلُ ثَأْرَهُ بِقَتْلِ هَذَا الْغُلَامِ فَيَكُونُ رَجُلًا بِرَجُلِ فَلَمّا نَاوَلَهُ الْحَدِيدَةَ أَخَذَهَا مِنْ [ ص 173 ] قَالَ لَعَمْرَك ، مَا خَافَتْ أُمّك غَدْرِي حِينَ بَعَثَتْك بِهَذِهِ الْحَدِيدَةِ إلَيّ ثُمّ خَلّى سَبِيلَهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ إنّ الْغُلَامَ ابْنُهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَ عَاصِمٌ ثُمّ خَرَجُوا بِخُبَيْبٍ حَتّى إذَا جَاءُوا بِهِ إلَى التّنْعِيمِ لِيَصْلُبُوهُ قَالَ لَهُمْ إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تَدَعُونِي حَتّى أَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ فَافْعَلُوا ؛ قَالُوا : دُونَك فَارْكَعْ . فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ أَتَمّهُمَا وَأَحْسَنَهُمَا ، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ أَمَا وَاَللّهِ لَوْلَا أَنْ تَظُنّوا أَنّي إنّمَا طَوّلْت جَزَعًا مِنْ الْقَتْلِ لَاسْتَكْثَرْت مِنْ الصّلَاةِ قَالَ فَكَانَ خُبَيْبُ بْنُ عَدِيّ أَوّلَ مَنْ سَنّ هَاتَيْنِ الرّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ لِلْمُسْلِمِينَ . قَالَ ثُمّ رَفَعُوهُ عَلَى خَشَبَةٍ فَلَمّا أَوْثَقُوهُ قَالَ اللّهُمّ إنّا قَدْ بَلّغْنَا رِسَالَةَ رَسُولِك ، فَبَلّغْهُ الْغَدَاةَ مَا يُصْنَعُ بِنَا ؛ ثُمّ قَالَ اللّهُمّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا ، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا ، وَلَا تُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا . ثُمّ قَتَلُوهُ رَحِمَهُ اللّهُ فَكَانَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ يَقُولُ حَضَرْتُهُ يَوْمَئِذٍ فِيمَنْ حَضَرَهُ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُلْقِينِي إلَى الْأَرْضِ فَرْقًا مِنْ دَعْوَةِ خُبَيْبٍ وَكَانُوا يَقُولُونَ إنّ الرّجُلَ إذَا دُعِيَ عَلَيْهِ فَاضْطَجَعَ لِجَنْبِهِ زَالَتْ عَنْهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ سَمِعْته يَقُولُ مَا أَنَا وَاَللّهِ قَتَلْت خُبَيْبًا ؛ لِأَنّي كُنْت أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنّ أَبَا مَيْسَرَةَ أَخَا بَنِي عَبْدِ الدّارِ أَخَذَ الْحَرْبَةَ فَجَعَلَهَا فِي يَدِي ، ثُمّ أَخَذَ بِيَدِي وَبِالْحَرْبَةِ ثُمّ طَعَنَهُ بِهَا حَتّى قَتَلَهُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا ، قَالَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ اسْتَعْمَلَ سَعِيدَ بْنَ عَامِرِ بْنِ حِذْيَمٍ الْجُمَحِيّ عَلَى بَعْضِ الشّامِ ، فَكَانَتْ تُصِيبُهُ غَشْيَةٌ وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَيْ الْقَوْمِ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ وَقِيلَ إنّ الرّجُلَ مُصَابٌ فَسَأَلَهُ عُمَرُ فِي قَدْمَةٍ قَدِمَهَا عَلَيْهِ فَقَالَ يَا سَعِيدُ مَا هَذَا الّذِي يُصِيبُك ؟ فَقَالَ وَاَللّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا بِي مِنْ بَأْسٍ وَلَكِنّي كُنْت فِيمَنْ [ ص 174 ] حَضَرَ خُبَيْبُ بْنُ عَدِيّ حِينَ قُتِلَ وَسَمِعْتُ دَعْوَتَهُ فَوَاَللّهِ مَا خَطَرَتْ عَلَى قَلْبِي وَأَنَا فِي مَجْلِسٍ قَطّ إلّا غُشِيَ عَلَيّ فَزَادَتْهُ عِنْدَ عُمَرَ خَيْرًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَقَامَ خُبَيْبٌ فِي أَيْدِيهِمْ حَتّى انْقَضَتْ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ ، ثُمّ قَتَلُوهُ .

[ مَا نَزَلَ فِي سَرِيّةِ الرّجِيعِ مِنْ الْقُرْآنِ ]
قَالَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي تِلْكَ السّرِيّةِ كَمَا حَدّثَنِي مَوْلًى لِآلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ . قَالَ قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : لَمّا أُصِيبَتْ السّرِيّةُ الّتِي كَانَ فِيهَا مَرْثَدٌ وَعَاصِمٌ بِالرّجِيعِ قَالَ رِجَالٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَا وَيْحَ هَؤُلَاءِ الْمَفْتُونِينَ الّذِينَ هَلَكُوا ( هَكَذَا ) ، لَا هُمْ قَعَدُوا فِي أَهْلِيهِمْ وَلَا هُمْ أَدّوْا رِسَالَةَ صَاحِبِهِمْ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُنَافِقِينَ وَمَا أَصَابَ أُولَئِكَ النّفَرُ مِنْ الْخَيْرِ بِاَلّذِي أَصَابَهُمْ فَقَالَ سُبْحَانَهُ { وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا } أَيْ لِمَا يُظْهِرُ مِنْ الْإِسْلَامِ بِلِسَانِهِ وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا يَقُولُ بِلِسَانِهِ { وَهُوَ أَلَدّ الْخِصَامِ } أَيْ ذُو جِدَالٍ إذَا كَلّمَك وَرَاجَعَك
( تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ )
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْأَلَدّ : الّذِي يَشْغَبُ فَتَشْتَدّ خُصُومَتُهُ وَجَمْعُهُ لُدّ . وَفِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ { وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدّا } وَقَالَ الْمُهَلْهَلُ بْنُ رَبِيعَةَ التّغْلِبِيّ ، وَاسْمُهُ امْرُؤُ الْقَيْسِ ؛ وَيُقَالُ عَدِيّ بْنُ رَبِيعَةَ :
إنّ تَحْتَ الْأَحْجَارِ حَدّا وَلِينَا ... وَخَصِيمًا أَلَدّ ذَا مِعْلَاقِ
وَيُرْوَى " ذَا مِغْلَاقِ " فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَهُوَ الْأَلَنْدَدُ . [ ص 175 ] قَالَ الطّرِمّاحُ بْنُ حَكِيمٍ الطّائِيّ يَصِفُ الْحِرْبَاءَ
يُوفِي عَلَى جِذْمِ الْجُذُولِ كَأَنّهُ ... خَصْمٌ أَبَرّ عَلَى الْخُصُومِ أَلَنْدَد
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا تَوَلّى } أَيْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِك سَعَى فِي الْأَرْضِ { لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنّسْلَ وَاللّهُ لَا يُحِبّ الْفَسَادَ } أَيْ لَا يُحِبّ عَمَلَهُ وَلَا يَرْضَاهُ . { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللّهِ وَاللّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ } أَيْ قَدْ شَرَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْ اللّهِ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ وَالْقِيَامِ بِحَقّهِ حَتّى هَلَكُوا عَلَى ذَلِكَ يَعْنِي تِلْكَ السّرِيّةَ .
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يَشْرِي نَفْسَهُ يَبِيعُ نَفْسَهُ وَشَرَوْا : بَاعُوا . قَالَ يَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مُفَرّغٍ الْحِمْيَرِيّ :
وَشَرَيْتُ بُرْدًا لَيْتَنِي ... مِنْ بَعْدِ بُرْدٍ كُنْتُ هَامَهُ
بُرْدٌ غُلَامٌ لَهُ بَاعَهُ . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَشَرَى أَيْضًا : اشْتَرَى . قَالَ الشّاعِرُ [ ص 176 ]
فَقُلْتُ لَهَا لَا تَجْزَعِي أُمّ مَالِكٍ ... عَلَى ابْنَيْك إنْ عَبْدٌ لَئِيمٌ شَرَاهُمَا

[ شِعْرُ خُبَيْبٍ حِينَ أُرِيدَ صَلْبُهُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّا قِيلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الشّعْرِ قَوْلُ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيّ ، حِينَ بَلَغَهُ أَنّ الْقَوْمَ قَدْ اجْتَمَعُوا لِصَلْبِهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لَهُ .
لَقَدْ جَمّعَ الْأَحْزَابُ حَوْلِي وَأَلّبُوا ... قَبَائِلَهُمْ وَاسْتَجْمَعُوا كُلّ مَجْمَعِ
وَكُلّهُمْ مُبْدِي الْعَدَاوَةَ جَاهِدٌ ... عَلَيّ لِأَنّي فِي وِثَاقٍ بِمَصْيَعِ
وَقَدْ جَمّعُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ ... وَقُرّبْتُ مِنْ جِذْعٍ طَوِيلٍ مُمَنّعِ
إلَى اللّهِ أَشْكُو غُرْبَتِي ثُمّ كُرْبَتِي ... وَمَا أَرْصَدَ الْأَحْزَابُ لِي عِنْدَ مَصْرَعِي
فَذَا الْعَرْشِ صَبّرْنِي عَلَى مَا يُرَادُ بِي ... فَقَدْ بَضّعُوا لَحْمِي وَقَدْ يَاسَ مَطْمَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزّعِ
وَقَدْ خَيّرُونِي الْكُفْرَ وَالْمَوْتُ دُونَهُ ... وَقَدْ هَمَلَتْ عَيْنَايَ مِنْ غَيْرِ مَجْزَعِ
وَمَا بِي حِذَارُ الْمَوْتِ إنّي لَمَيّتٌ ... وَلَكِنْ حِذَارِي جَحْمُ نَارٍ مُلَفّعِ
فَوَاَللّهِ مَا أَرْجُو إذَا مِتّ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيّ جَنْبٍ كَانَ فِي اللّهِ مَصْرَعِي
فَلَسْتُ بِمُبْدٍ لِلْعَدُوّ تَخَشّعًا ... وَلَا جَزَعًا إنّي إلَى اللّهِ مَرْجِعِي
[ ص 177 ]

[ شِعْرُ حَسّانٍ فِي بُكَاءِ خُبَيْبٍ ]
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي خُبَيْبًا :
مَا بَالُ عَيْنِكِ لَا تَرْقَا مَدَامِعُهَا ... سَحّا عَلَى الصّدْرِ مِثْلَ اللّؤْلُؤِ الْقَلِقِ
عَلَى خُبَيْبٍ فَتَى الْفِتْيَانِ قَدْ عَلِمُوا ... لَا فَشِلٍ حِينَ تَلْقَاهُ وَلَا نَزِقِ
فَاذْهَبْ خُبَيْبُ جَزَاك اللّهُ طَيّبَةً ... وَجَنّةُ الْخُلْدِ عِنْدَ الْحُورِ فِي الرّفُقِ
مَاذَا تَقُولُونَ إنْ قَالَ النّبِيّ لَكُمْ ... حِينَ الْمَلَائِكَةِ الْأَبْرَارِ فِي الْأُفُقِ
فِيمَ قَتَلْتُمْ شَهِيدَ اللّهِ فِي رَجُلٍ ... طَاغٍ قَدْ أَوْعَثَ فِي الْبُلْدَانِ وَالرّفَقِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : " الطّرُقِ " . وَتَرَكْنَا مَا بَقِيَ مِنْهَا ، لِأَنّهُ أَقْذَعَ فِيهَا .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَبْكِي خُبَيْبًا : [ ص 178 ]
يَا عَيْنُ جُودِي بِدَمْعٍ مِنْكِ مُنْسَكِبٍ ... وَابْكِي خُبَيْبًا مَعَ الْفِتْيَانِ لَمْ يَؤُبْ
صَقْرًا تَوَسّطَ فِي الْأَنْصَارِ مَنْصِبُهُ ... سَمْحَ السّجِيّةَ مَحْضًا غَيْرَ مُؤْتَشِبِ
قَدْ هَاجَ عَيْنِي عَلَى عِلّاتِ عَبْرَتِهَا ... إذْ قِيلَ نُصّ إلَى جِذْعٍ مِنْ الْخَشْبِ
يَأَيّهَا الرّاكِبُ الْغَادِي لِطَيّتِهِ ... أَبْلِغْ لَدَيْك وَعِيدًا لَيْسَ بِالْكَذِبِ
بَنِي كُهَيْبَةَ أَنّ الْحَرْبَ قَدْ لَقِحَتْ ... مَحْلُوبُهَا الصّابُ إذْ تُمْرَى لَمُحْتَلِبِ
فِيهَا أُسُودُ بَنِي النّجّارِ تَقْدُمُهُمْ ... شُهْبُ الْأَسِنّةِ فِي مُعْصَوْصَبٍ لَجِبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْقَصِيدَةُ مِثْلُ الّتِي قَبْلَهَا ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهُمَا لِحَسّانٍ وَقَدْ تَرَكْنَا أَشْيَاءَ قَالَهَا حَسّانٌ فِي أَمْرِ خُبَيْبٍ لِمَا ذَكَرْتُ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا :
لَوْ كَانَ فِي الدّارِ قَرِمٌ مَاجِدٌ بَطِلٌ ... أَلْوَى مِنْ الْقَوْمِ صَقْرٌ خَالُهُ أَنَسُ
إذَنْ وَجَدْتَ خُبَيْبًا مَجْلِسًا فَسِحًا ... وَلَمْ يُشَدّ عَلَيْك السّجْنُ وَالْحَرَسُ
وَلَمْ تَسُقْك إلَى التّنْعِيمِ زِعْنِفَةٌ ... مِنْ الْقَبَائِلِ مِنْهُمْ مَنْ نَفَتْ عُدَسُ
دَلّوْكَ غَدْرًا وَهُمْ فِيهَا أُولُو خُلُفٍ ... وَأَنْتَ ضَيْمٌ لَهَا فِي الدّارِ مُحْتَبَسُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنَسٌ الْأَصَمّ السّلَمِيّ : خَالُ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ [ ص 179 ] مَنَافٍ . وَقَوْلَهُ مِنْ " نَفْثِ عُدَسُ " يَعْنِي حُجَيْرَ بْنَ أَبِي إهَابٍ ؛ وَيُقَالُ الْأَعْشَى بْنُ زُرَارَةَ بْنِ النّبّاشِ الْأَسَدِيّ ، وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ .

[ مَنْ اجْتَمَعُوا لِقَتْلِ خُبَيْبٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ الّذِينَ أَجْلَبُوا عَلَى خُبَيْبٍ فِي قَتْلِهِ حِينَ قُتِلَ مِنْ قُرَيْشٍ : عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ وَالْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ الثّقَفِيّ ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ وَعُبَيْدَةُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْأَوْقَصِ السّلَمِيّ ، حَلِيفُ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، وَأُمَيّةُ بْنُ أَبِي عُتْبَةَ وَبَنُو الْحَضْرَمِيّ .

[ شِعْرُ حَسّانٍ فِي هِجَاءِ هُذَيْلٍ لِقَتْلِهِمْ خُبَيْبًا ]
وَقَالَ حَسّانٌ أَيْضًا يَهْجُو هُذَيْلًا فِيمَا صَنَعُوا بِخُبَيْبِ بْنِ عَدِيّ
أَبْلِغْ بَنِي عَمْرٍو بِأَنّ أَخَاهُمْ ... شَرَاهُ امْرُوٌ قَدْ كَانَ لِلْغَدْرِ لَازِمَا
شَرَاهُ زُهَيْرُ بْنُ الْأَغَرّ وَجَامِعٌ ... وَكَانَا جَمِيعًا يَرْكَبَانِ الْمَحَارِمَا
أَجَرْتُمْ فَلَمّا أَنْ أَجَرْتُمْ غَدَرْتُمْ ... وَكُنْتُمْ بِأَكْنَافِ الرّجِيعِ لَهَاذِمَا
فَلَيْتَ خُبَيْبًا لَمْ تَخُنْهُ أَمَانَةٌ ... وَلَيْتَ خُبَيْبًا كَانَ بِالْقَوْمِ عَالِمَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : زُهَيْرُ بْنُ الْأَغَرّ وَجَامِعٌ الْهُذَلِيّانِ اللّذَانِ بَاعَا خُبَيْبًا .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا : [ ص 180 ]
إنْ سَرّكَ الْغَدْرُ صِرْفًا لَا مِزَاجَ لَهُ ... فَأْتِ الرّجِيعَ فَسَلْ عَنْ دَارِ لِحْيَانَ
قَوْمٌ تَوَاصَوْا بِأَكْلِ الْجَارِ بَيْنَهُمْ ... فَالْكَلْبُ وَالْقِرْدُ وَالْإِنْسَانُ مِثْلَانِ
لَوْ يَنْطِقُ التّيْسُ يَوْمًا قَامَ يَخْطُبُهُمْ ... وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِيهِمْ وَذَا شَانِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ قَوْلَهُ
لَوْ يَنْطِقُ التّيْسُ يَوْمًا قَامَ يَخْطُبُهُمْ ... وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِيهِمْ وَذَا شَانِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَهْجُو هُذَيْلًا :
سَالَتْ هُذَيْلٌ رَسُولَ اللّهِ فَاحِشَةً ... ضَلّتْ هُذَيْلٌ بِمَا سَالَتْ وَلَمْ تُصِبْ
سَالُوا رَسُولَهُمْ مَا لَيْسَ مُعْطِيَهُمْ ... حَتّى الْمَمَاتِ وَكَانُوا سُبّةَ الْعَرَبِ
وَلَنْ تَرَى لِهُذَيْلٍ دَاعِيًا أَبَدًا ... يَدْعُو لِمَكْرُمَةٍ عَنْ مَنْزِلِ الْحَرْبِ
لَقَدْ أَرَادُوا خِلَالَ الْفُحْشِ وَيْحَهُمْ ... وَأَنْ يُحِلّوا حَرَامًا كَانَ فِي الْكُتُبِ

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَهْجُو هُذَيْلًا : [ ص 181 ]
لَعَمْرِي لَقَدْ شَانَتْ هُذَيْلَ بْنَ مُدْرِكٍ ... أَحَادِيثُ كَانَتْ فِي خُبَيْبٍ وَعَاصِمِ
أَحَادِيثُ لِحْيَانٍ صَلَوْا بِقَبِيحِهَا ... وَلِحْيَانُ جَرّامُونَ شَرّ الْجَرَائِمِ
أُنَاسٌ هُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ فِي صَمِيمِهِمْ ... بِمَنْزِلَةِ الزّمْعَانِ دُبْرَ الْقَوَادِمِ
هُمْ غَدَرُوا يَوْمَ الرّجِيعِ وَأَسْلَمَتْ ... أَمَانَتُهُمْ ذَا عِفّةٍ وَمَكَارِمِ
رَسُولَ رَسُولِ اللّهِ غَدْرًا وَلَمْ تَكُنْ ... هُذَيْلٌ تَوَقّى مُنْكَرَاتِ الْمَحَارِمِ
فَسَوْفَ يَرَوْنَ النّصْرَ يَوْمًا عَلَيْهِمْ ... بِقَتْلِ الّذِي تَحْمِيهِ دُونَ الْحَرَائِمِ
أَبَابِيلُ دَبْرٍ شُمّسٍ دُونَ لَحْمِهِ ... حَمَتْ لَحْمَ شَهّادٍ عِظَامَ الْمَلَاحِمِ
لَعَلّ هُذَيْلًا أَنْ يَرَوْا بِمَصَابّهِ ... مَصَارِعَ قَتْلَى أَوْ مَقَامًا لِمَاتم
وَنُوقِعَ فِيهِمْ وَقْعَةً ذَاتَ صَوْلَةٍ ... يُوَافِي بِهَا الرّكْبَانُ أَهْلَ الْمَوَاسِمِ
بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ إنّ رَسُولَهُ ... رَأَى رَأْيَ ذِي حَزْمٍ بِلِحْيَانَ عَالِمِ
قُبَيّلةٌ لَيْسَ الْوَفَاءُ يُهِمّهُمْ ... وَإِنْ ظُلِمُوا لَمْ يَدْفَعُوا كَفّ ظَالِمِ
إذَا النّاسُ حَلّوا بِالْفَضَاءِ رَأَيْتهمْ ... بِمَجْرَى مَسِيلِ الْمَاءِ بَيْنَ الْمَخَارِمِ
مَحَلّهُمْ دَارُ الْبَوَارِ وَرَأْيُهُمْ ... إذَا نَابَهُمْ أَمْرٌ كَرَأْيِ الْبَهَائِمِ

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَهْجُو هُذَيْلًا : [ ص 182 ]
لَحَى اللّهُ لِحْيَانًا فَلَيْسَتْ دِمَاؤُهُمْ ... لَنَا مِنْ قَتِيلَيْ غَدْرَةٍ بِوَفَاءِ
هُمُو قَتَلُوا يَوْمَ الرّجِيعِ ابْنَ حُرّةٍ ... أَخَا ثِقَةٍ فِي وُدّهِ وَصَفَاءِ
فَلَوْ قُتِلُوا يَوْمَ الرّجِيعِ بِأَسْرِهِمْ ... بِذِي الدّبْرِ مَا كَانُوا لَهُ بِكِفَاءِ
قَتِيلٌ حَمَتْهُ الدّبْرُ بَيْنَ بُيُوتِهِمْ ... لَدَى أَهْلِ كُفْرٍ ظَاهِرٍ وَجَفَاءِ
فَقَدْ قَتَلَتْ لِحْيَانُ أَكْرَمَ مِنْهُمْ ... وَبَاعُوا خُبَيْبًا وَيْلَهُمْ بِلَفَاءِ
فَأُفّ لِلِحْيَانٍ عَلَى كُلّ حَالَةٍ ... عَلَى ذِكْرِهِمْ فِي الذّكْرِ كُلّ عَفَاءِ
قُبَيّلةٌ بِاللّؤْمِ وَالْغَدْرِ تَغْتَرِي ... فَلَمْ تُمْسِ يَخْفَى لُؤْمُهَا بِخَفَاءِ
فَلَوْ قُتِلُوا لَمْ تُوفِ مِنْهُ دِمَاؤُهُمْ ... بَلَى إنّ قَتْلَ الْقَاتِلِيهِ شِفَائِي
فَالّا أَمُتْ أَذْعَرُ هُذَيْلًا بِغَارَةٍ ... كَغَادِي الْجَهَامِ الْمُغْتَدِي بَافَاءِ
بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ وَالْأَمْرُ أَمْرُهُ ... يَبِيتُ لِلِحْيَانَ الْخَنَا بِفَنَاءِ
يُصَبّحُ قَوْمًا بِالرّجِيعِ كَأَنّهُمْ ... جِدَاءُ شِتَاءٍ بِتْنَ غَيْرَ دِفَاءِ

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَهْجُو هُذَيْلًا : [ ص 183 ]
فَلَا وَاَللّهِ مَا تَدْرِي هُذَيْلٌ ... أَصَافٍ مَاءُ زَمْزَمَ أَمْ مَشُوبُ
وَلَا لَهُمْ إذَا اعْتَمَرُوا وَحَجّوا ... مِنْ الْحِجْرَيْنِ وَالْمَسْعَى نَصِيبُ
وَلَكِنّ الرّجِيعَ لَهُمْ مَحَلّ ... بِهِ اللّؤْمُ الْمُبَيّنُ وَالْعُيُوبُ
كَأَنّهُمْ لَدَى الكّنّات أُصْلًا ... تُيُوسٌ بِالْحِجَازِ لَهَا نَبِيبُ
هُمْ غَرَوْا بِذِمّتِهِمْ خُبَيْبًا ... فَبِئْسَ الْعَهْدُ عَهْدُهُمْ الْكَذُوبُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : آخِرُهَا بَيْتًا عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ .

[ شِعْرُ حَسّانٍ فِي بُكَاءِ خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي خُبَيْبًا وَأَصْحَابَهُ
صَلّى الْإِلَهُ عَلَى الّذِينَ تَتَابَعُوا ... يَوْمَ الرّجِيعِ فَأُكْرِمُوا وَأُثِيبُوا
رَأْسُ السّرِيّةِ مَرْثَدٌ وَأَمِيرُهُمْ ... وَابْنُ الْبُكَيْرِ إمَامُهُمْ وَخُبَيْبُ
وَابْنٌ لِطَارِقَ وَابْنُ دَثْنَة مِنْهُمْ ... وَافَاهُ ثَمّ حِمَامُهُ الْمَكْتُوبُ
وَالْعَاصِمُ الْمَقْتُولُ عِنْدَ رَجِيعِهِمْ ... كَسَبَ الْمَعَالِيَ إنّهُ لَكَسُوبُ
مَنَعَ الْمَقَادَةَ أَنْ يَنَالُوا ظَهْرَهُ ... حَتّى يُجَالِدَ إنّهُ لَنَجِيبُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : حَتّى يُجَدّلَ إنّهُ لَنُجِيبُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِحَسّانٍ .

حَدِيثُ بِئْرِ مَعُونَةَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَقِيّةَ شَوّالٍ وَذَا الْقَعْدَةِ وَذَا الْحِجّةِ - وَوَلِيَ تِلْكَ الْحِجّةَ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُحَرّمَ - ، ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ فِي صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ أُحُدٍ . [ ص 184 ]
( سَبَبُ إرْسَالِهِ )
وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ كَمَا حَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا : قَدِمَ أَبُو بَرَاءٍ عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ مُلَاعِبُ الْأَسِنّةِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْإِسْلَامَ وَدَعَاهُ إلَيْهِ فَلَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يَبْعُدْ مِنْ الْإِسْلَامِ وَقَالَ يَا مُحَمّدُ لَوْ بَعَثْتَ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِك إلَى أَهْلِ نَجْدٍ ، فَدَعَوْهُمْ إلَى أَمْرِك ، رَجَوْتُ أَنْ يَسْتَجِيبُوا لَك ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّي أَخْشَى عَلَيْهِمْ أَهْلَ نَجْدٍ ، قَالَ أَبُو بَرَاءٍ . أَنَا لَهُمْ جَارٍ فَابْعَثْهُمْ فَلْيَدْعُوا النّاسَ إلَى أَمْرِك .
[ رِجَالُ الْبَعْثِ ]
فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو ، أَخَا بَنِي سَاعِدَةَ الْمُعْنِقَ لِيَمُوتَ فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ وَحَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ وَعُرْوَةُ بْنُ أَسْمَاءَ بْنِ الصّلْتِ السّلَمِيّ ، وَنَافِعُ بْنُ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيّ ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ فِي رِجَالٍ مُسَمّيْنَ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ . فَسَارُوا حَتّى نَزَلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ وَهِيَ بَيْنَ أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ وَحَرّةِ بَنِي سُلَيْمٍ ، كِلَا الْبَلَدَيْنِ مِنْهَا قَرِيبٌ وَهِيَ إلَى حَرّةِ بَنِي سُلَيْمٍ أَقْرَبُ .

[ غَدْرُ عَامِرٍ بِهِمْ ]
فَلَمّا نَزَلُوهَا بَعَثُوا حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى عَدُوّ اللّهِ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ ؛ فَلَمّا أَتَاهُ لَمْ يَنْظُرْ فِي كِتَابِهِ حَتّى عَدَا عَلَى الرّجُلِ فَقَتَلَهُ [ ص 185 ] بَنِي عَامِرٍ فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوهُ إلَى مَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ وَقَالُوا : لَنْ نَخْفِرَ أَبَا بَرَاءٍ ، وَقَدْ عَقَدَ لَهُمْ عَقْدًا وَجِوَارًا ؛ فَاسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ قَبَائِلَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ ( مِنْ ) عُصَيّةَ وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ ، فَأَجَابُوهُ إلَى ذَلِكَ فَخَرَجُوا حَتّى غَشُوا الْقَوْمَ فَأَحَاطُوا بِهِمْ فِي رِحَالِهِمْ فَلَمّا رَأَوْهُمْ أَخَذُوا سُيُوفَهُمْ ثُمّ قَاتَلُوهُمْ حَتّى قُتِلُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ يَرْحَمُهُمْ اللّهُ إلّا كَعْبَ بْنَ زَيْدٍ أَخَا بَنِي دِينَارِ بْنِ النّجّارِ فَإِنّهُمْ تَرَكُوهُ وَبِهِ رَمَقٌ فَارْتُثّ مِنْ بَيْنِ الْقَتْلَى ، فَعَاشَ حَتّى قُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ شَهِيدًا ، رَحِمَهُ اللّهُ

[ ابْنُ أُمَيّةَ وَالْمُنْذِرُ وَمَوْقِفُهُمَا مِنْ الْقَوْمِ بَعْدَ عِلْمِهِمَا بِمَقْتَلِ أَصْحَابِهِمَا ]
وَكَانَ فِي سَرْحِ الْقَوْمِ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ ، وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هُوَ الْمُنْذِرُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمْ يُنْبِئْهُمَا بِمُصَابِ أَصْحَابِهِمَا إلّا الطّيْرُ تَحُومُ عَلَى الْعَسْكَرِ فَقَالَ وَاَللّهِ إنّ لِهَذِهِ الطّيْرِ لَشَأْنًا ، فَأَقْبَلَا لِيَنْظُرَا ، فَإِذَا الْقَوْمُ فِي دِمَائِهِمْ وَإِذَا الْخَيْلُ الّتِي أَصَابَتْهُمْ وَاقِفَةٌ . فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ مَا تَرَى ؟ قَالَ أَرَى أَنْ نَلْحَقَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنُخْبِرَهُ الْخَبَرَ ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ : لَكِنّي مَا كُنْتُ لِأَرْغَبَ بِنَفْسِي عَنْ مَوْطِنٍ قُتِلَ فِيهِ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو ، وَمَا كُنْتُ لِتُخْبِرَنِي عَنْهُ الرّجَالُ ثُمّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِلَ وَأَخَذُوا عَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ أَسِيرًا ؛ فَلَمّا أَخْبَرَهُمْ أَنّهُ مِنْ مُضَرَ ، أَطْلَقَهُ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ ، وَجَزّ نَاصِيَتَهُ وَأَعْتَقَهُ عَنْ رَقَبَةٍ زَعَمَ أَنّهَا كَانَتْ عَلَى أُمّهِ .

[ قَتْلُ الْعَامِرِيّيْنِ ]
فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ حَتّى إذَا كَانَ بِالْقَرْقَرَةِ مِنْ صَدْرِ قَنَاةٍ ، أَقْبَلَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ [ ص 186 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ( ثُمّ ) مِنْ بَنِي كِلَابٍ وَذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيّ أَنّهُمَا مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى نَزَلَا مَعَهُ فِي ظِلّ هُوَ فِيهِ . وَكَانَ مَعَ الْعَامِرِيّيْنِ عَقْدٌ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجِوَارٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ وَقَدْ سَأَلَهُمَا حِينَ نَزَلَا ، مِمّنْ أَنْتُمَا ؟ فَقَالَا : مِنْ بَنِي عَامِرٍ فَأَمْهَلَهُمَا ، حَتّى إذَا نَامَا ، عَدَا عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا ، وَهُوَ يَرَى أَنّهُ قَدْ أَصَابَ بِهِمَا ثُؤْرَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ فِيمَا أَصَابُوا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقَدْ قَتَلْتَ قَتِيلَيْنِ لَأَدِيَنّهُمَا

[ حُزْنُ الرّسُولِ مِنْ عَمَلِ أَبِي بَرَاءٍ ]
ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ ، قَدْ كُنْت لِهَذَا كَارِهًا مُتَخَوّفًا . فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا بَرَاءٍ فَشَقّ عَلَيْهِ إخْفَارُ عَامِرٍ إيّاهُ وَمَا أَصَابَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَبَبِهِ وَجِوَارِهِ وَكَانَ فِيمَنْ أُصِيبَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ
[ أَمْرُ ابْنِ فُهَيْرَةَ بَعْدَ مَقْتَلِهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ كَانَ يَقُولُ مَنْ رَجُلٌ مِنْهُمْ لَمّا قُتِلَ رَأَيْته رُفِعَ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتّى رَأَيْت السّمَاءَ مِنْ دُونِهِ ؟ قَالُوا : هُوَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ

[ سَبَبُ إسْلَامِ ابْنِ سَلْمَى ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : [ ص 187 ] بَنِي جَبّارِ بْنِ سَلْمَى بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ - وَكَانَ جَبّارٌ فِيمَنْ حَضَرَهَا يَوْمَئِذٍ مَعَ عَامِرٍ ثُمّ أَسْلَمَ - ( قَالَ ) فَكَانَ يَقُولُ إنّ مِمّا دَعَانِي إلَى الْإِسْلَامِ أَنّي طَعَنْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ بِالرّمْحِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَنَظَرْتُ إلَى سِنَانِ الرّمْحِ حِينَ خَرَجَ مِنْ صَدْرِهِ فَسَمِعْته يَقُولُ فُزْتُ وَاَللّهِ فَقُلْت فِي نَفْسِي : مَا فَازَ أَلَسْتُ قَدْ قَتَلْتُ الرّجُلَ قَالَ حَتّى سَأَلْت بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ فَقَالُوا : لِلشّهَادَةِ فَقُلْت : فَازَ لَعَمْرِو اللّهِ

[ شِعْرُ حَسّانٍ فِي تَحْرِيضِ بَنِي أَبِي بَرَاءٍ عَلَى عَامِرٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُحَرّضُ بَنِي أَبِي بَرَاءٍ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ : [ ص 188 ]
بَنِي أُمّ الْبَنِينَ أَلَم يَرُعْكُمْ ... وَأَنْتُمْ مِنْ ذَوَائِبِ أَهْلِ نَجْدِ
تَهَكّمُ عَامِرٍ بِأَبِي بَرَاءٍ ... لِيُخْفِرَهُ وَمَا خَطَأٌ كَعَمْدِ
أَلَا أَبْلِغْ رَبِيعَةَ ذَا الْمَسَاعِي ... فَمَا أَحْدَثْتَ فِي الْحَدَثَانِ بَعْدِي
أَبُوك أَبُو الْحُرُوبِ أَبُو بَرَاءٍ ... وَخَالُك مَاجِدٌ حَكَمُ بْنُ سَعْدِ
[ نَسَبُ حَكَمِ وَأُمّ الْبَنِينَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَكَمُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ ، وَأُمّ الْبَنِينَ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَهِيَ أُمّ أَبِي بَرَاءٍ .
[ طَعْنُ رَبِيعَةَ لِعَامِرِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَمَلَ رَبِيعَةُ ( بْنُ عَامِرِ ) بْنِ مَالِكِ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ ، فَطَعَنَهُ بِالرّمْحِ فَوَقَعَ فِي فَخِذِهِ فَأَشْوَاهُ وَوَقَعَ عَنْ فَرَسِهِ فَقَالَ هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ ، إنْ أَمُتْ فَدَمِي لِعَمّي ، فَلَا يُتْبَعَنّ بِهِ وَإِنْ أَعِشْ فَسَأَرَى رَأْيِي فِيمَا أُتِيَ إلَيّ

[ مَقْتَلُ ابْنِ وَرْقَاءَ وَرِثَاءُ ابْنِ رَوَاحَةَ لَهُ ]
وَقَالَ أَنَسُ بْنُ عَبّاسٍ السّلَمِيّ ، وَكَانَ خَالَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَقَتَلَ يَوْمَئِذٍ نَافِعَ بْنَ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيّ :
تَرَكْتُ ابْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيّ ثَاوِيًا ... بِمُعْتَرَكِ تَسْفِي عَلَيْهِ الْأَعَاصِرُ
ذَكَرْتُ أَبَا الرّيّانِ لَمّا رَأَيْته ... وَأَيْقَنْت أَنّي عِنْدَ ذَلِكَ ثَائِرُ
وَأَبُو الرّيّانِ طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيّ . وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَبْكِي نَافِعَ بْنَ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ :
رَحِمَ اللّهُ نَافِعَ بْنَ بُدَيْلٍ ... رَحْمَةَ الْمُبْتَغِي ثَوَابَ الْجِهَادِ
صَابِرٌ صَادِقٌ وَفِيّ إذَا مَا ... أَكْثَرَ الْقَوْمُ قَالَ قَوْلَ السّدَادِ

[ شِعْرُ حَسّانٍ فِي بُكَاءِ قَتْلَى بِئْرِ مَعُونَةَ ]
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي قَتْلَى بِئْرِ مَعُونَةَ [ ص 189 ] الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو :
عَلَى قَتْلَى مَعُونَةَ فَاسْتَهِلّي ... بِدَمْعِ الْعَيْنِ سَحّا غَيْرَ نَزْرِ
عَلَى خَيْلِ الرّسُولِ غَدَاةَ لَاقَوْا ... مَنَايَاهُمْ وَلَاقَتْهُمْ بِقَدْرِ
أَصَابَهُمْ الْفَنَاءُ بِعَقْدِ قَوْمٍ ... تُخُوّنَ عَقْدُ حَبْلِهِمْ بِغَدْرِ
فَيَا لَهْفِي لِمُنْذِرٍ إذْ تَوَلّى ... وَأَعْنَقَ فِي مَنِيّتِهِ بِصَبْرِ
وَكَائِنْ قَدْ أُصِيبَ غَدَاةَ ذَاكُمْ ... مِنْ أَبْيَضَ مَاجِدٍ مِنْ سِرّ عَمْرِو
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي آخِرَهَا بَيْتًا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ .

[ شِعْرُ كَعْبٍ فِي يَوْمِ بِئْرِ مَعُونَةَ ]
وَأَنْشَدَنِي لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي يَوْمِ بِئْرِ مَعُونَةَ ، يُعَيّرُ بَنِي جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ
تَرَكْتُمْ جَارَكُمْ لِبَنِي سُلَيْمٍ ... مَخَافَةَ حَرْبِهِمْ عَجْزًا وَهُونَا
فَلَوْ حَبْلًا تَنَاوَلَ مِنْ عُقَيْلٍ ... لَمَدّ بِحَبْلِهَا حَبْلًا مَتِينَا
أَوْ الْقُرَطُاءُ مَا إنْ أَسْلَمُوهُ ... وَقِدْمًا مَا وَفَوْا إذْ لَا تَفُونَا
[ نَسَبُ الْقُرَطَاءِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْقُرَطَاءُ قَبِيلَةٌ مِنْ هَوَازِنَ ، وَيُرْوَى " مِنْ نُفَيْلٍ " مَكَانَ " مِنْ عُقَيْلٍ " ، وَهُوَ الصّحِيحُ لِأَنّ الْقُرَطَاءَ مِنْ نُفَيْلٍ قَرِيبٌ .

أَمْرُ إجْلَاءِ بَنِي النّضِيرِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ
[ خُرُوجُ الرّسُولِ إلَى بَنِي النّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ قَتْلَى بَنِي عَامِرٍ وَهَمّهُمْ بِالْغَدْرِ بِهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 190 ] خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَنِي النّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ ذَيْنِك الْقَتِيلَيْنِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ اللّذَيْنِ قَتَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ ، لِلْجِوَارِ الّذِي كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَقَدَ لَهُمَا ، كَمَا حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، وَكَانَ بَيْنَ بَنِي النّضِير ِ وَبَيْنَ بَنِي عَامِر ٍ عَقْدٌ وَحِلْفٌ . فَلَمّا أَتَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ ذَيْنِك الْقَتِيلَيْنِ قَالُوا نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ نُعِينُك عَلَى مَا أَحْبَبْت ، مِمّا اسْتَعَنْت بِنَا عَلَيْهِ ثُمّ خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ فَقَالُوا : إنّكُمْ لَنْ تَجِدُوا الرّجُلَ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ هَذِهِ - وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى جَنْبِ جِدَارٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ قَاعِدٌ - فَمَنْ رَجُلٌ يَعْلُو عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فَيُلْقِي عَلَيْهِ صَخْرَةً فَيُرِيحُنَا مِنْهُ ؟ فَانْتَدَبَ لِذَلِكَ عَمْرُو بْنُ جَحّاشِ بْنِ كَعْبٍ ، أَحَدَهُمْ فَقَالَ أَنَا لِذَلِكَ فَصَعِدَ لِيُلْقِيَ عَلَيْهِ صَخْرَةً كَمَا قَالَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيّ ، رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِمْ .

[ انْكِشَافُ نِيّتِهِمْ لِلرّسُولِ وَاسْتِعْدَادُهُ لِحَرْبِهِمْ ]
فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ مِنْ السّمَاءِ بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ فَقَامَ وَخَرَجَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ . فَلَمّا اسْتَلْبَثَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابُهُ قَامُوا فِي طَلَبِهِ فَلَقُوا رَجُلًا مُقْبِلًا مِنْ الْمَدِينَةِ ، فَسَأَلُوهُ عَنْهُ فَقَالَ رَأَيْته دَاخِلًا الْمَدِينَةَ . فَأَقْبَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى انْتَهَوْا إلَيْهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ ، بِمَا كَانَتْ الْيَهُودُ أَرَادَتْ مِنْ الْغَدْرِ بِهِ وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالتّهَيّؤِ لِحَرْبِهِمْ وَالسّيْرِ إلَيْهِمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ . [ ص 191 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ سَارَ بِالنّاسِ حَتّى نَزَلَ بِهِمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ فَحَاصَرَهُمْ سِتّ لَيَالٍ وَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ

[ حِصَارُ الرّسُولِ لَهُمْ وَتَقْطِيعُ نَخْلِهِمْ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَتَحَصّنُوا مِنْهُ فِي الْحُصُونِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَطْعِ النّخِيلِ وَالتّحْرِيقِ فِيهَا ، فَنَادَوْهُ أَنْ يَا مُحَمّدُ قَدْ كُنْتَ تَنْهَى عَنْ الْفَسَادِ ، وَتَعِيبُهُ عَلَى مَنْ صَنَعَهُ فَمَا بَالُ قَطْعِ النّخْلِ وَتَحْرِيقِهَا ؟

[ تَحْرِيضُ الرّهْطِ لَهُمْ ثُمّ مُحَاوَلَتُهُمْ الصّلْحَ ]
وَقَدْ كَانَ رَهْطٌ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، مِنْهُمْ ( عَدُوّ اللّهِ ) عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ ( و ) وَدِيعَةُ وَمَالِكُ بْنُ أَبِي قَوْقَلٍ وَسُوَيْدُ وَدَاعِسٌ قَدْ بَعَثُوا إلَى بَنِي النّضِيرِ : أَنْ اُثْبُتُوا وَتَمَنّعُوا ، فَإِنّا لَنْ نُسَلّمَكُمْ إنْ قُوتِلْتُمْ قَاتَلْنَا مَعَكُمْ وَإِنْ أُخْرِجْتُمْ خَرَجْنَا مَعَكُمْ فَتَرَبّصُوا ذَلِكَ مِنْ نَصْرِهِمْ فَلَمْ يَفْعَلُوا ، وَقَذَفَ اللّهُ فِي قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ وَسَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُجْلِيَهُمْ وَيَكُفّ عَنْ دِمَائِهِمْ عَلَى أَنّ لَهُمْ مَا حَمَلَتْ الْإِبِلُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلّا الْحَلْقَةَ فَفَعَلَ . فَاحْتَمَلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا اسْتَقَلّتْ بِهِ الْإِبِلُ فَكَانَ الرّجُلُ مِنْهُمْ يَهْدِمُ بَيْتَهُ عَنْ نِجَافِ بَابِهِ فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ فَيَنْطَلِقُ بِهِ . فَخَرَجُوا إلَى خَيْبَرَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ سَارَ إلَى الشّامِ .

[ مَنْ هَاجَرَ مِنْهُمْ إلَى خَيْبَرَ ]
فَكَانَ أَشْرَافُهُمْ مَنْ سَارَ مِنْهُمْ إلَى خَيْبَرَ : سَلّامُ بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ وَكِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحَقِيقِ ، وَحُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ . فَلَمّا نَزَلُوهَا دَانَ لَهُمْ أَهْلُهَا . [ ص 192 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حُدّثَ أَنّهُمْ اسْتَقَلّوا بِالنّسَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْأَمْوَالِ مَعَهُمْ الدّفُوفُ وَالْمَزَامِيرُ وَالْقِيَانُ يَعْزِفْنَ خَلْفَهُمْ وَإِنّ فِيهِمْ لِأُمّ عَمْرٍو صَاحِبَةَ عُرْوَةَ بْنِ الْوَرْدِ الْعَبْسِيّ ، الّتِي ابْتَاعُوا مِنْهُ وَكَانَتْ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي غِفَارٍ ، بِزُهَاءِ وَفَخْرٍ مَا رُئِيَ مِثْلُهُ مِنْ حَيّ مِنْ النّاسِ فِي زَمَانِهِمْ .

[ تَقْسِيمُ الرّسُولِ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ ]
وَخَلّوْا الْأَمْوَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَانَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَاصّةً يَضَعُهَا حَيْثُ يَشَاءُ فَقَسّمَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ الْأَوّلِينَ دُونَ الْأَنْصَارِ . إلّا أَنّ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ وَأَبَا دُجَانَةَ سِمَاكَ بْنَ خَرَشَةَ ذَكَرَا فَقْرًا ، فَأَعْطَاهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
[ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ بَنِي النّضِير ِ ]
وَلَمْ يُسْلِمْ مِنْ بَنِي النّضِيرِ إلّا رَجُلَانِ يَامِينُ بْنُ عُمَيْرٍ ، أَبُو كَعْبِ بْنُ عَمْرِو بْنِ جِحَاشٍ ؛ وَأَبُو سَعْدِ بْنُ وَهْبٍ ، أَسْلَمَا عَلَى أَمْوَالِهِمَا فَأَحْرَزَاهَا .
[ تَحْرِيضُ يَامِينَ عَلَى قَتْلِ ابْنِ جِحَاشٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ - وَقَدْ حَدّثَنِي بَعْضُ آلِ يَامِينَ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِيَامِينَ أَلَمْ تَرَ مَا لَقِيتُ مِنْ ابْنِ عَمّك ، وَمَا هُمْ بِهِ مِنْ شَأْنِي ؟ فَجَعَلَ يَامِينُ بْنُ عُمَيْرٍ لِرَجُلِ جُعْلًا عَلَى أَنْ يَقْتُلَ لَهُ عَمْرَو بْنَ جِحَاشٍ ، فَقَتَلَهُ فِيمَا يَزْعُمُونَ .

[ مَا نَزَلَ فِي بَنِي النّضِير ِ مِنْ الْقُرْآنِ ]
وَنَزَلَ فِي بَنِي النّضِير ِ سُورَةُ الْحَشْرِ بِأَسْرِهَا ، يَذْكُرُ فِيهَا مَا أَصَابَهُمْ اللّهُ بِهِ مِنْ نِقْمَتِهِ . وَمَا سَلّطَ عَلَيْهِمْ بِهِ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا عَمِلَ بِهِ فِيهِمْ فَقَالَ [ ص 193 ] { هُوَ الّذِي أَخْرَجَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنّوا أَنّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّهِ فَأَتَاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ } وَذَلِكَ لِهَدْمِهِمْ بُيُوتَهُمْ عَنْ نُجُفِ أَبْوَابِهِمْ إذَا احْتَمَلُوهَا . { فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ } وَكَانَ لَهُمْ مِنْ اللّه نِقْمَةٌ { لَعَذّبَهُمْ فِي الدّنْيَا } أَيْ بِالسّيْفِ { وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النّارِ } مَعَ ذَلِكَ . { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا } وَاللّينَةُ مَا خَالَفَ الْعَجْوَةَ مِنْ النّخْلِ { فَبِإِذْنِ اللّهِ } أَيْ فَبِأَمْرِ اللّهِ قُطِعَتْ لَمْ يَكُنْ فَسَادًا ، وَلَكِنْ كَانَ نِقْمَةً مِنْ اللّهِ { وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : اللّينَةُ مِنْ الْأَلْوَانِ وَهِيَ مَا لَمْ تَكُنْ بَرْنِيّةَ وَلَا عَجْوَةً مِنْ النّخْلِ فِيمَا حَدّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ . قَالَ ذُو الرّمّةِ
كَأَنّ قُتُودِي فَوْقَهَا عُشّ طَائِرٍ ... عَلَى لِينَةٍ سَوْقَاءَ تَهْفُو جُنُوبُهَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .

{ وَمَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ } - قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : يَعْنِي مِنْ بَنِي النّضِيرِ - { فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنّ اللّهَ يُسَلّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أَيْ لَهُ خَاصّةً .
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أوْجَفْتُمْ حَرّكْتُمْ وَأَتْعَبْتُمْ فِي السّيْرِ . قَالَ تَمِيمُ بْنُ أُبَيّ بْنِ مُقْبِلٍ أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ : [ ص 194 ]
مَذَاوِيدُ بِالْبِيضِ الْحَدِيثِ صِقَالُهَا ... عَنْ الرّكْبِ أَحْيَانًا إذَا الرّكْبُ أَوْجَفُوا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَهُوَ الْوَجِيفُ . ( و ) قَالَ أَبُو زُبَيْدٍ الطّائِيّ ، وَاسْمُهُ حَرْمَلَةُ بْنُ الْمُنْذِرِ
مُسْنِفَاتٌ كَأَنّهُنّ قَنَا ... الْهِنْدِ لِطُولِ الْوَجِيفِ جَدْبَ الْمَرُودِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : السّنَافُ الْبِطَانُ . وَالْوَجِيفُ ( أَيْضًا ) : وَجِيفُ الْقَلْبِ وَالْكَبِدِ وَهُوَ الضّرَبَانُ . قَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ الظّفَرِيّ :
إنّا وَإِنْ قَدّمُوا الّتِي عَلِمُوا ... أَكْبَادُنَا مِنْ وَرَائِهِمْ تَجِفُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . { مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : مَا يُوجِفُ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِالْخَيْلِ وَالرّكَابِ وَفُتِحَ بِالْحَرْبِ عَنْوَةً { فَلِلّهِ وَلِلرّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ } يَقُولُ هَذَا قِسْمٌ آخَرُ فِيمَا أُصِيبَ بِالْحَرْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا وَضَعَهُ اللّهُ عَلَيْهِ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ نَافَقُوا } يَعْنِي عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُبَيّ وَأَصْحَابَهُ وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ أَمْرِهِمْ { يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } يَعْنِي بَنِي النّضِير ِ [ ص 195 ] { كَمَثَلِ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يَعْنِي بَنِي قَيْنُقَاعَ . ثُمّ الْقِصّةُ . . . إلَى قَوْلِهِ { كَمَثَلِ الشّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنّي أَخَافُ اللّهَ رَبّ الْعَالَمِينَ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنّهُمَا فِي النّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظّالِمِينَ }

[ مَا قِيلَ فِي بَنِي النّضِيرِ مِنْ الشّعْرِ ]
وَكَانَ مِمّا قِيلَ فِي بَنِي النّضِير ِ مِنْ الشّعْرِ قَوْلُ ابْنِ لُقَيْمٍ الْعَبْسِيّ وَيُقَالُ قَالَهُ قَيْسُ بْنُ بَحْرِ بْنِ طَرِيفٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَيْسُ بْنُ بَحْرٍ الْأَشْجَعِيّ - فَقَالَ [ ص 196 ]
أَهْلِي فِدَاءٌ لِامْرِئٍ غَيْرِ هَالِكٍ ... أَحَلّ الْيَهُودَ بِالْحَسِيّ الْمُزَنّمِ
يَقِيلُونَ فِي جَمْرِ الغَضَاةِ وَبُدّلُوا ... أُهَيْضِبُ عُودى بِالْوَدِيّ الْمُكَمّمِ
فَإِنْ يَكُ ظَنّيّ صَادِقًا بِمُحَمّدٍ ... تَرَوْا خَيْلَهُ بَيْنَ الصّلَا وَيَرَمْرَمَ
يَؤُمّ بِهَا عَمْرَو بْنَ بُهْثَةَ إنّهُمْ ... عدْوّ وَمَا حَيّ صَدِيقٌ كَمُجْرِمِ
عَلَيْهِنّ أَبْطَالٌ مَسَاعِيرُ فِي الْوَغَى ... يَهُزّونَ أَطْرَافَ الْوَشِيجِ الْمُقَوّمِ
وَكُلّ رَقِيقِ الشّفْرَتَيْنِ مُهَنّدٌ ... تُوُورِثْنَ مِنْ أَزْمَانِ عَادٍ وَجُرْهُمِ
فَمَنْ مُبْلِغٌ عَنّي قُرَيْشًا رِسَالَةً ... فَهَلْ بَعْدَهُمْ فِي الْمَجْدِ مِنْ مُتَكَرّمِ
بِأَنّ أَخَاكُمْ فَاعْلَمُنّ مُحَمّدًا ... تَلِيدُ النّدَى بَيْنَ الْحَجُونِ وَزَمْزَمِ
فَدِينُوا لَهُ بِالْحَقّ تَجْسُمُ أُمُورُكُمْ ... وَتَسْمُوا مِنْ الدّنْيَا إلَى كُلّ مُعْظَمِ
نَبِيّ تَلَاقَتْهُ مِنْ اللّهِ رَحْمَةٌ ... وَلَا تَسْأَلُوهُ أَمْرَ غَيْبٍ مُرَجّمِ
فَقَدْ كَانَ فِي بَدْرٍ لَعَمْرِي عِبْرَةٌ ... إلَيْكُمْ يَا قُرَيْشًا وَالْقَلِيبِ الْمُلَمّمِ
غَدَاةَ أَتَى فِي الْخَزْرَجِيّةِ عَامِدًا ... إلَيْكُمْ مُطِيعًا لِلْعَظِيمِ الْمُكَرّمِ
مُعَانًا بِرُوحِ الْقُدْسِ يُنْكَى عَدُوّهُ ... رَسُولًا مِنْ الرّحْمَنِ حَقّا بِمَعْلَمِ
رَسُولًا مِنْ الرّحْمَنِ يَتْلُو كِتَابَهُ ... فَلَمّا أَنَارَ الْحَقّ لَمْ يَتَلَعْثَمْ
أَرَى أَمْرَهُ يَزْدَادُ فِي كُلّ مَوْطِنٍ ... عُلُوّا لِأَمْرِ حَمّهُ اللّهُ مُحْكَمِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَمْرُو بْنُ بُهْثَةَ ، مِنْ غَطَفَانَ . وَقَوْلُهُ " بِالْحَسِيّ الْمُزَنّمِ " ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : يَذْكُرُ إجْلَاءَ بَنِي النّضِير ِ وَقَتْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَهَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ يَعْرِفُهَا لِعَلِيّ [ ص 197 ]
عَرَفْتُ وَمَنْ يَعْتَدِلْ يَعْرِفْ ... وَأَيْقَنْتُ حَقّا وَلَمْ أَصْدِفْ
عَنْ الْكَلِمِ الْمُحْكَمِ اللّاءِ مِنْ ... لَدَى اللّهِ ذِي الرّأْفَةِ الْأَرْأَفِ
رَسَائِلُ تُدْرَسُ فِي الْمُؤْمِنِينَ ... بِهِنّ اصْطَفَى أَحْمَدَ الْمُصْطَفَى
فَأَصْبَحَ أَحْمَدُ فِينَا عَزِيزًا ... عَزِيزَ الْمُقَامَةِ وَالْمَوْقِفِ
فَيَأَيّهَا الْمُوعِدُوهُ سَفَاهًا ... وَلَمْ يَأْتِ جَوْرًا وَلَمْ يَعْنُفْ
أَلَسْتُمْ تَخَافُونَ أَدْنَى الْعَذَابِ ... وَمَا آمِنُ اللّهِ كَالْأَخْوَفِ
وَأَنْ تُصْرَعُوا تَحْتَ أَسْيَافِهِ ... كَمَصْرَعِ كَعْبٍ أَبِي الْأَشْرَفِ
غَدَاةَ رَأَى اللّهُ طُغْيَانَهُ ... وَأَعْرَضَ كَالْجَمَلِ الْأَجْنَفِ
فَأَنْزَلَ جِبْرِيلَ فِي قَتْلِهِ ... بِوَحْيٍ إلَى عَبْدِهِ مُلْطَفِ
فَدَسّ الرّسُولُ رَسُولًا لَهُ ... بِأَبْيَضَ ذِي هَبّةٍ مُرْهَفِ
فَبَاتَتْ عُيُونٌ لَهُ مُعْوِلَاتٍ ... مَتَى يُنْعَ كَعْبٌ لَهَا تَذْرِفْ
وَقُلْنَ لِأَحْمَدَ ذَرْنَا قَلِيلًا ... فَإِنّا مِنْ النّوْحِ لَمْ نَشْتَفِ
فَخَلّاهُمْ ثُمّ قَالَ اظْعَنُوا ... دُحُورًا عَلَى رَغْمِ الْآنُفِ
وَأَجْلَى النّضِيرَ إلَى غُرْبَةٍ ... وَكَانُوا بِدَارٍ ذَوِي زُخْرُفِ
إلَى أَذْرِعَاتٍ رُدَافَى وَهُمْ ... عَلَى كُلّ ذِي دَبَرٍ أَعْجَفِ
[ ص 198 ] سَمّاكٌ الْيَهُودِيّ ، فَقَالَ
إنْ تَفْخَرُوا فَهُوَ فَخْرٌ لَكُمْ ... بِمَقْتَلِ كَعْبٍ أَبِي الْأَشْرَفِ
غَدَاةَ غَدَوْتُمْ عَلَى حَتْفِهِ ... وَلَمْ يَأْتِ غَدِرًا وَلَمْ يُخْلِفْ
فَعَلّ اللّيَالِيَ وَصَرَفَ الدّهُورَ ... يُدِيلُ مِنْ الْعَادِلِ الْمُنْصِفِ
بِقَتْلِ النّضِيرِ وَأَحْلَافِهَا ... وَعَقْرِ النّخِيلِ وَلَمْ تُقْطَفْ
فَإِنْ لَا أَمُتْ نَأْتِكُمْ بِالْقَنَا ... وَكُلّ حُسَامٍ مَعًا مُرْهَفِ
بِكَفّ كَمِىّ بِهِ يَحْتَمِي ... مَتَى يَلْقَ قِرْنًا لَهُ يُتْلِفْ
مَعَ الْقَوْمِ صَخْرٌ وَأَشْيَاعُهُ ... إذَا غَاوَرَ الْقَوْمَ لَمْ يَضْعُفْ
كَلَيْثِ بِتَرْجِ حَمَى غِيلَهُ ... أَخِي غَابَةٍ هَاصِرٍ أَجْوَفِ

[ شِعْرُ كَعْبٍ فِي إجْلَاءِ بَنِي النّضِير ِ وَقَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَذْكُرُ إجْلَاءَ بَنِي النّضِيرِ وَقَتْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ [ ص 199 ]
لَقَدْ خَزِيَتْ بِغَدْرَتِهَا الْحُبُورُ ... كَذَاكَ الدّهْرُ ذُو صَرْفٍ يَدُورُ
وَذَلِكَ أَنّهُمْ كَفَرُوا بِرَبّ ... عَزِيزٍ أَمْرُهُ أَمْرٌ كَبِيرُ
وَقَدْ أُوتُوا مَعًا فَهْمًا وَعِلْمًا ... وَجَاءَهُمْ مِنْ اللّهِ النّذِيرُ
نَذِيرٌ صَادِقٌ أَدّى كِتَابًا ... وَآيَاتٍ مُبَيّنَةً تُنِيرُ
فَقَالُوا مَا أَتَيْتَ بِأَمْرِ صِدْقٍ ... وَأَنْتَ بِمُنْكَرٍ مِنّا جَدِيرُ
فَقَالَ بَلَى لَقَدْ أَدّيْتُ حَقّا ... يُصَدّقُنِي بِهِ الْفَهِمُ الْخَبِيرُ
فَمَنْ يَتْبَعْهُ يُهْدَ لِكُلّ رُشْدٍ ... وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ يُجْزَ الْكَفُورَ
فَلَمّا أُشْرِبُوا غَدِرًا وَكُفْرًا ... وَحَادَ بِهِمْ عَنْ الْحَقّ النّفُورِ
أَرَى اللّهُ النّبِيّ بِرَأْيِ صَدْقٍ ... وَكَانَ اللّهُ يَحْكُمُ لَا يَجُورُ
فَأَيّدَهُ وَسَلّطَهُ عَلَيْهِمْ ... وَكَانَ نَصِيرُهُ نِعْمَ النّصِيرِ
فَغُودِرَ مِنْهُمْ كَعْبٌ صَرِيعًا ... فَذَلّتْ بَعْدَ مَصْرَعِهِ النّضِيرُ
عَلَى الْكَفّيْنِ ثَمّ وَقَدْ عَلَتْهُ ... بِأَيْدِينَا مُشَهّرَةٌ ذُكُورُ
بِأَمْرِ مُحَمّدٍ إذْ دَسّ لَيْلًا ... إلَى كَعْبٍ أَخَا كَعْبٍ يَسِيرُ
فَمَا كَرِهَ فَأَنْزَلَهُ بِمَكْرٍ ... وَمَحْمُودٌ أَخُو ثِقَةٍ جَسُورُ
فَتِلْكَ بَنُو النّضِيرِ بِدَارِ سَوْءٍ ... أَبَارَهُمْ بِمَا اجْتَرَمُوا الْمُبِيرُ
غَدَاةَ أَتَاهُمْ فِي الزّحْفِ رَهْوًا ... رَسُولُ اللّهِ وَهْوَ بِهِمْ بَصِيرُ
وَغَسّانَ الْحُمَاةَ مُوَازِرُوهُ ... عَلَى الْأَعْدَاءِ وَهْوَ لَهُمْ وَزِيرُ
فَقَالَ السّلَمُ وَيْحَكُمْ فَصَدّوا ... وَحَالَفَ أَمْرَهُمْ كَذِبٌ وَزُورُ
فَذَاقُوا غِبّ أَمْرِهِمْ وَبَالًا ... لِكُلّ ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ بَعِيرُ
وَأَجْلَوْا عَامِدِينَ لِقَيْنُقَاعَ ... وَغُودِرَ مِنْهُمْ نَخْلٌ وَدُورُ
[ ص 200 ]

[ شِعْرُ سَمّاكٍ فِي الرّدّ عَلَى كَعْبٍ ]
فَأَجَابَهُ سَمّاكٌ الْيَهُودِيّ ، فَقَالَ
أَرِقْتُ وَضَافَنِي هَمّ كَبِيرُ ... بِلَيْلٍ غَيْرُهُ لَيْلٌ قَصِيرُ
أَرَى الْأَحْبَارَ تُنْكِرُهُ جَمِيعًا ... وَكُلّهُمْ لَهُ عِلْمٌ خَبِيرُ
وَكَانُوا الدّارِسِينَ لِكُلّ عِلْمٍ ... بِهِ التّوْرَاةُ تَنْطِقُ وَالزّبُورُ
قَتَلْتُمْ سَيّدَ الْأَحْبَارِ كَعْبًا ... وَقِدْمًا كَانَ يَأْمَنُ مَنْ يُجِيرُ
تَدَلّى نَحْوَ مَحْمُودٍ أَخِيهِ ... وَمَحْمُودٌ سَرِيرَتُهُ الْفُجُورُ
فَغَادَرَهُ كَأَنّ دَمًا نَجِيعًا ... يَسِيلُ عَلَى مَدَارِعِهِ عَبِيرُ
فُقِدَ وَأَبِيكُمْ وَأَبِي جَمِيعًا ... أُصِيبَتْ إذْ أُصِيبَ بِهِ النّضِيرُ
فَإِنْ نَسْلَمُ لَكُمْ نَتْرُكُ رِجَالًا ... بِكَعْبٍ حَوْلَهُمْ طَيْرٌ تَدُورُ
كَأَنّهُمْ عَتَائِرُ يَوْمَ عِيدٍ ... تُذَبّحُ وَهْيَ لَيْسَ لَهَا نَكِيرُ
بِبِيضٍ لَا تُلِيقُ لَهُنّ عَظْمًا ... صَوَافِي الْحَدّ أَكْثَرُهَا ذُكُورُ
كَمَا لَاقَيْتُمْ مِنْ بَأْسِ صَخْرٍ ... بِأُحْدٍ حَيْثُ لَيْسَ لَكُمْ نَصِيرُ

[ شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي امْتِدَاحِ رِجَالِ بَنِي النّضِيرِ ]
وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَخُو بَنِي سُلَيْمٍ يَمْتَدِحُ رِجَالَ بَنِي النّضِير ِ : [ ص 201 ]
لَوْ أَنّ أَهْلَ الدّارِ لَمْ يَتَصَدّعُوا ... رَأَيْتَ خِلَالَ الدّارِ مَلْهًى وَمَلْعَبَا
فَإِنّك عَمْرِي هَلْ أُرِيك ظَعَائِنَا ... سَلَكْنَ عَلَى رُكْنِ الشّطاة فَتَيْأَبَا
عَلَيْهِنّ عِينٌ مِنْ ظِبَاءٍ تَبّالَةٍ ... أَوَانِسُ يُصْبِيَن الْحَلِيمَ الْمُجَرّبَا
إذَا جَاءَ بَاغِي الْخَيْرِ قُلْنَ فُجَاءَةً ... لَهُ بِوُجُوهٍ كَالدّنَانِيرِ مَرْحَبَا
وَأَهْلًا فَلَا مَمْنُوعَ خَيْرٍ طَلَبْتَهُ ... وَلَا أَنْتَ تَخْشَى عِنْدَنَا أَنْ تُؤَنّبَا
فَلَا تَحْسَبَنّي كُنْت مَوْلَى ابْنِ مِشْكَمٍ ... سَلَامٍ وَلَا مَوْلَى حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَا

[ شِعْرُ خَوّاتٍ فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ مِرْدَاسٍ ]
فَأَجَابَهُ خَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ
تُبَكّي عَلَى قَتْلَى يَهُودَ وَقَدْ تَرَى ... مِنْ الشّجْوِ لَوْ تَبْكِي أَحَبّ وَأَقْرَبَا
فَهَلّا عَلَى قَتْلَى بِبَطْنِ أُرَيْنِق ... بَكَيْتَ وَلَمْ تُعْوِل مِنْ الشّجْوِ مُسْهِبَا
إذَا السّلْمُ دَارَتْ فِي صَدِيقٍ رَدَدْتَهَا ... وَفِي الدّينِ صَدّادًا وَفِي الْحَرْبِ ثَعْلَبَا
عَمَدْتَ إلَى قَدْرٍ لِقَوْمِك تَبْتَغِي ... لَهُمْ شَبَهًا كَيْمَا تَعِزّ وَتَغْلِبَا
فَإِنّك لَمّا أَنْ كَلِفْتَ تَمَدّحًا ... لِمَنْ كَانَ عَيْبًا مَدْحُهُ وَتَكَذّبَا
رَحَلْتَ بِأَمْرٍ كُنْتَ أَهْلًا لِمِثْلِهِ ... وَلَمْ تُلْفِ فِيهِمْ قَائِلًا لَك مَرْحَبَا
فَهَلّا إلَى قَوْمٍ مُلُوكٍ مَدَحْتَهُمْ ... تَبَنّوْا مِنْ الْعَزّ الْمُؤَثّلِ مَنْصِبَا
إلَى مَعْشَرٍ صَارُوا مُلُوكًا وَكُرّمُوا ... وَلَمْ يُلْفَ فِيهِمْ طَالِبُ الْعُرْفِ مُجْدِبَا
أُولَئِكَ أَحْرَى مِنْ يَهُودَ بِمِدْحَةٍ ... تَرَاهُمْ وَفِيهِمْ عِزّةُ الْمَجْدِ تُرْتُبَا
[ ص 202 ]

[ شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي الرّدّ عَلَى خَوّاتٍ ]
فَأَجَابَهُ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السّلَمِيّ ، فَقَالَ
هَجَوْتَ صَرِيحَ الْكَاهِنَيْنِ وَفِيكُمْ ... لَهُمْ نِعَمٌ كَانَتْ مِنْ الدّهْرِ تُرْتُبَا
أُولَئِكَ أَحْرَى لَوْ بَكَيْتَ عَلَيْهِمْ ... وَقَوْمُك لَوْ أَدّوْا مِنْ الْحَقّ مُوجَبَا
مِنْ الشّكْرِ إنّ الشّكْرَ خَيْرٌ مَغَبّةً ... وَأَوْفَقُ فِعْلًا لِلّذِي كَانَ أَصْوَبَا
فَكُنْتَ كَمَنْ أَمْسَى يُقَطّعُ رَأْسَهُ ... لِيَبْلُغَ عِزّا كَانَ فِيهِ مُرَكّبَا
فَبَكّ بَنِي هَارُونَ وَاذْكُرْ فِعَالَهُمْ ... وَقَتْلَهُمْ لِلْجُوعِ إذْ كُنْتَ مُجْدِبَا
أَخَوّاتُ أَذِرْ الدّمْعَ بِالدّمْعِ وَابْكِهِمْ ... وَأَعْرِضْ عَنْ الْمَكْرُوهِ مِنْهُمْ وَنَكّبَا
فَإِنّك لَوْ لَاقَيْتَهُمْ فِي دِيَارِهِمْ ... لَأُلْفِيتَ عَمّا قَدْ تَقُولُ مُنَكّبَا
سِرَاعٌ إلَى الْعَلْيَا كِرَامٌ لَدَى الْوَغَى ... يُقَالُ لِبَاغِي الْخَيْرِ أَهْلًا وَمَرْحَبَا

[ شِعْرٌ لِكَعْبِ أَوْ ابْنِ رَوَاحَةَ فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ مِرْدَاسٍ ]
فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، أَوْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، فَقَالَ [ ص 203 ]
لَعَمْرِي لَقَدْ حَكّتْ رَحَى الْحَرْبِ بَعْدَمَا ... أَطَارَتْ لُؤَيّا قَبْلُ شَرْقًا وَمَغْرِبَا
بَقِيّةَ آلِ الْكَاهِنَيْنِ وَعِزّهَا ... فَعَادَ ذَلِيلًا بَعْدَ مَا كَانَ أَغْلَبَا
فَطَاحَ سَلَامٌ وَابْنُ سَعْيَةَ عَنْوَةً ... وَقِيدَ ذَلِيلًا لِلْمَنَايَا ابْنُ أَخْطَبَا
وَأَجْلَبَ يَبْغِي الْعِزّ وَالذّلّ يَبْتَغِي ... خِلَافَ يَدَيْهِ مَا جَنَى حِينَ أَجْلَبَا
كَتَارِكِ سَهْلِ الْأَرْضِ وَالْحَزَنُ هَمّهُ ... وَقَدْ كَانَ ذَا فِي النّاسِ أَكْدَى وَأَصْعَبَا
وَشَأْسٌ وعَزّال وَقَدْ صَلَيَا بِهَا ... وَمَا غُيّبَا عَنْ ذَاكَ فِيمَنْ تَغَيّبَا
وَعَوْفُ بْنُ سَلْمَى وَابْنُ عَوْفٍ كِلَاهُمَا ... وَكَعْبٌ رَئِيسُ الْقَوْمِ حَانَ وَخُيّبَا
فَبُعْدًا وَسُحْقًا لِلنّضِيرِ وَمِثْلِهَا ... إنْ أَعْقَبَ فَتْحٌ أَوْ إنْ اللّهُ أَعْقَبَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيّ : ثُمّ غَزَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ بَنِي النّضِير ِ بَنِي الْمُصْطَلِق ِ . وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَهُمْ إنْ شَاءَ اللّهُ فِي الْمَوْضِعِ الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِيهِ.

غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ فِي سَنَةِ أَرْبَع
[ الْأُهْبَةُ لَهَا ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ غَزْوَةِ بَنِي النّضِيرِ شَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَبَعْضَ جُمَادَى ، ثُمّ غَزَا نَجْدًا يُرِيدُ بَنِي مُحَارِب ٍ وَبَنِيّ ثَعْلَبَة َ مِنْ غَطَفَانَ ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا ذَرّ الْغِفَارِيّ وَيُقَالُ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :

[ سَبَبُ تَسْمِيَتِهَا بِذَاتِ الرّقَاعِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : [ ص 204 ] نَزَلَ نَخْلًا ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَإِنّمَا قِيلَ لَهَا غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ ، لِأَنّهُمْ رَقّعُوا فِيهَا رَايَاتِهِمْ وَيُقَالُ ذَاتُ الرّقَاعِ : شَجَرَةٌ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ الرّقَاعِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَقِيَ بِهَا جَمْعًا عَظِيمًا مِنْ غَطَفَانَ ، فَتَقَارَبَ النّاسُ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ وَقَدْ خَافَ النّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، - حَتّى صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالنّاسِ صَلَاةَ الْخَوْفِ ، ثُمّ انْصَرَفَ بِالنّاسِ .

[ صَلَاةُ الْخَوْفِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التّنّورِيّ - وَكَانَ يُكَنّى : أَبَا عُبَيْدَةَ - قَالَ حَدّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِطَائِفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمّ سَلّمَ وَطَائِفَةٌ مُقْبِلُونَ عَلَى الْعَدُوّ . قَالَ فَجَاءُوا فَصَلّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمّ سَلّمَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ ، قَالَ حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ صَفّنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَفّيْنِ فَرَكَعَ بِنَا جَمِيعًا ، ثُمّ سَجَدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَجَدَ الصّفّ الْأَوّلُ فَلَمّا رَفَعُوا سَجَدَ الّذِينَ يَلُونَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ ثُمّ تَأَخّرَ الصّفّ الْأَوّلُ وَتَقَدّمَ الصّفّ الْآخَرُ حَتّى قَامُوا مَقَامَهُمْ ثُمّ رَكَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهِمْ جَمِيعًا ، ثُمّ سَجَدَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَجَدَ الّذِينَ يَلُونَهُ مَعَهُ فَلَمّا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ سَجَدَ الْآخَرُونَ بِأَنْفُسِهِمْ فَرَكَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهِمْ جَمِيعًا ، وَسَجَدَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْفُسِهِمْ سَجْدَتَيْنِ [ ص 205 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التّنّورِيّ ، قَالَ حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ يَقُومُ الْإِمَامُ وَتَقُومُ مَعَهُ طَائِفَةٌ ، وَطَائِفَةٌ مِمّا يَلِي عَدُوّهُمْ فَيَرْكَعُ بِهِمْ الْإِمَامُ وَيَسْجُدُ بِهِمْ ثُمّ يَتَأَخّرُونَ فَيَكُونُونَ مِمّا يَلِي الْعَدُوّ يَتَقَدّمُ الْآخَرُونَ فَيَرْكَعُ بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَةً وَيَسْجُدُ بِهِمْ ثُمّ تُصَلّي كُلّ طَائِفَةٍ بِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً فَكَانَتْ لَهُمْ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً رَكْعَةً وَصَلّوْا بِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً رَكْعَةً

[ غُوْرَثُ وَمَا هَمّ بِهِ مِنْ قَتْلِ الرّسُولِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ : أَنّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُحَارِب ٍ يُقَالُ لَهُ غُوْرَثُ قَالَ لِقَوْمِهِ مِنْ غَطَفَانَ وَمُحَارِبٍ أَلَا أَقْتُلُ لَكُمْ مُحَمّدًا ؟ قَالُوا : بَلَى ، وَكَيْفَ تَقْتُلُهُ ؟ قَالَ أَفْتِكُ بِهِ . قَالَ فَأَقْبَلَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ جَالِسٌ وَسَيْفُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حِجْرِهِ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَنْظُرُ إلَى سَيْفِك هَذَا ؟ قَالَ نَعَمْ - وَكَانَ مُحَلّى بِفِضّةِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - قَالَ فَأَخَذَهُ فَاسْتَلّهُ ثُمّ جَعَلَ يَهُزّهُ وَيَهُمّ فَيَكْبِتُهُ اللّهُ ثُمّ قَالَ يَا مُحَمّدُ أَمَا تَخَافَنِي ؟ قَالَ لَا ، وَمَا أَخَافُ مِنْك ؟ قَالَ أَمَا تَخَافَنِي وَفِي يَدِي السّيْفُ ؟ قَالَ لَا ، يَمْنَعُنِي ( اللّهُ ) مِنْك . ثُمّ عَمَدَ إلَى سَيْفِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَدّهُ عَلَيْهِ قَالَ فَأَنْزَلَ اللّهُ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتّقُوا اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ } [ ص 206 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ : أَنّهَا إنّمَا أُنْزِلَتْ فِي عَمْرِو بْنِ جِحَاشٍ ، أَخِي بَنِي النّضِير ِ وَمَا هَمّ بِهِ فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ .

[ جَابِرٌ وَقِصّتُهُ هُوَ وَجَمَلُهُ مَعَ الرّسُولِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى غَزْوَةِ ذَاتِ الرّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ ، عَلَى جَمَلٍ لِي ضَعِيفٍ فَلَمّا قَفَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ جَعَلَتْ الرّفَاقُ تَمْضِي ، وَجَعَلْت أَتَخَلّفُ حَتّى أَدْرَكَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مَا لَك يَا جَابِرُ ؟ قَالَ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ أَبْطَأَ بِي جَمَلِي هَذَا ، قَالَ أَنِخْهُ قَالَ فَأَنَخْته ، وَأَنَاخَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ أَعْطِنِي هَذِهِ الْعَصَا مِنْ يَدِك ، أَوْ اقْطَعْ لِي عَصًا مِنْ شَجَرَةٍ قَالَ فَفَعَلْت . قَالَ فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَخَسَهُ بِهَا نَخَسَاتٍ ثُمّ قَالَ ارْكَبْ فَرَكِبْتُ فَخَرَجَ وَاَلّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقّ يُوَاهِقُ نَاقَتَهُ مُوَاهَقَةً . قَالَ وَتَحَدّثْت مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لِي : أَتَبِيعُنِي جَمَلَك هَذَا يَا جَابِرُ ؟ قَالَ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ بَلْ أَهَبُهُ لَك ، قَالَ لَا ، وَلَكِنْ بِعْنِيهِ قَالَ قُلْت : فَسُمْنِيهِ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ قَدْ أَخَذْته بِدِرْهَمِ قَالَ قُلْت : لَا . إذَنْ تَغْبِنُنِي يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ فَبِدِرْهَمَيْنِ قَالَ قُلْت : لَا . قَالَ فَلَمْ يَزَلْ يَرْفَعُ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ثَمَنِهِ حَتّى بَلَغَ الْأُوقِيّةَ . قَالَ فَقُلْت : أَفَقَدْ رَضِيتَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت : فَهُوَ لَك ؛ قَالَ قَدْ أَخَذْته . قَالَ ثُمّ قَالَ يَا جَابِرُ هَلْ تَزَوّجْتَ بَعْدُ ؟ قَالَ قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ أَثَيّبًا أَمْ بِكْرًا ؟ قَالَ قُلْت : لَا ، بَلْ ثَيّبًا ؛ قَالَ أَفَلَا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُك قَالَ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَبِي أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ بَنَاتٍ لَهُ سَبْعًا ، فَنَكَحْت امْرَأَةً جَامِعَةً تَجْمَعُ رُءُوسَهُنّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنّ قَالَ أَصَبْتَ إنْ شَاءَ اللّهُ أَمَا إنّا لَوْ قَدْ جِئْنَا صِرَارًا أَمَرْنَا بِجَزُورٍ فَنُحِرَتْ وَأَقَمْنَا عَلَيْهَا يَوْمَنَا ذَاكَ وَسَمِعَتْ بِنَا ، فَنَفَضَتْ نَمَارِقَهَا . قَالَ قُلْت : وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا لَنَا مِنْ نَمَارِقَ قَالَ إنّهَا سَتَكُونُ فَإِذَا أَنْتَ قَدِمْت فَاعْمَلْ عَمَلًا كَيّسًا . [ ص 207 ] قَالَ فَلَمّا جِئْنَا صِرَارًا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِجَزُورٍ فَنُحِرَتْ وَأَقَمْنَا عَلَيْهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَلَمّا أَمْسَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَخَلَ وَدَخَلْنَا ، قَالَ فَحَدّثْتُ الْمَرْأَةَ الْحَدِيثَ وَمَا قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ فَدُونَك ، فَسَمْعٌ وَطَاعَةٌ . قَالَ فَلَمّا أَصْبَحْتُ أَخَذْتُ بِرَأْسِ الْجَمَلِ فَأَقْبَلْتُ بِهِ حَتّى أَنَخْته عَلَى بَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ ثُمّ جَلَسْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَرِيبًا مِنْهُ قَالَ وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَأَى الْجَمَلَ فَقَالَ مَا هَذَا ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا جَمَلٌ جَاءَ بِهِ جَابِرٌ قَالَ فَأَيْنَ جَابِرٌ ؟ قَالَ فَدُعِيتُ لَهُ قَالَ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي خُذْ بِرَأْسِ جَمَلِك ، فَهُوَ لَك ، وَدَعَا بِلَالًا ، فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ بِجَابِرِ فَأَعْطِهِ أُوقِيّةً . قَالَ فَذَهَبْت مَعَهُ فَأَعْطَانِي أُوقِيّةً وَزَادَنِي شَيْئًا يَسِيرًا . قَالَ فَوَاَللّهِ مَا زَالَ يَنْمِى عِنْدِي ، وَيَرَى مَكَانَهُ مِنْ بَيْتِنَا ، حَتّى أُصِيبَ أَمْسِ فِيمَا أُصِيبَ لَنَا يَعْنِي يَوْمَ الْحَرّةِ .

[ ابْنُ يَاسِرٍ وَابْنُ بِشْرٍ وَقِيَامُهُمَا عَلَى حِرَاسَةِ جَيْشِ الرّسُولِ وَمَا أُصِيبَا بِهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 208 ] عَمّي صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ عَقِيلِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْأَنْصَارِيّ ، قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ ، فَأَصَابَ رَجُلٌ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَلَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَافِلًا ، أَتَى زَوْجُهَا وَكَانَ غَائِبًا ؛ فَلَمّا أُخْبِرَ الْخَبَرَ حَلَفَ لَا يَنْتَهِي حَتّى يُهْرِيقَ فِي أَصْحَابِ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَمًا ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْزِلًا ، فَقَالَ مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا لَيْلَتَنَا ( هَذِهِ ) ؟ قَالَ فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ ، وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَا : نَحْنُ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ فَكُونَا بِفَمِ الشّعْبِ . قَالَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ قَدْ نَزَلُوا إلَى شِعْبٍ مِنْ الْوَادِي ، وَهُمَا عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا خَرَجَ الرّجُلَانِ إلَى فَمِ الشّعْبِ ، قَالَ الْأَنْصَارِيّ لِلْمُهَاجِرِيّ أَيّ اللّيْلِ تُحِبّ أَنْ أَكْفِيكَهُ : أَوّلَهُ أَمْ آخِرَهُ ؟ قَالَ بَلْ اكْفِنِي أَوّلَهُ قَالَ فَاضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيّ فَنَامَ وَقَامَ الْأَنْصَارِيّ يُصَلّي ؛ قَالَ وَأَتَى الرّجُلُ فَلَمّا رَأَى شَخْصَ الرّجُلِ عَرَفَ أَنّهُ رَبِيئَةُ الْقَوْمِ . قَالَ فَرَمَى بِسَهْمِ فَوَضَعَهُ فِيهِ قَالَ فَنَزَعَهُ وَوَضَعَهُ فَثَبَتَ قَائِمًا ؛ قَالَ ثُمّ رَمَاهُ بِسَهْمِ آخَرَ فَوَضَعَهُ فِيهِ . قَالَ فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ وَثَبَتَ قَائِمًا ؛ ثُمّ عَادَ لَهُ بِالثّالِثِ فَوَضَعَهُ فِيهِ قَالَ فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ ثُمّ رَكَعَ وَسَجَدَ ثُمّ أَهَبّ صَاحِبَهُ فَقَالَ اجْلِسْ فَقَدْ أَثْبَتّ ، قَالَ فَوَثَبَ [ ص 209 ] رَآهُمَا الرّجُلُ عَرَفَ أَنْ قَدْ نَذِرَا بِهِ فَهَرَبَ . قَالَ وَلَمّا رَأَى الْمُهَاجِرِيّ مَا بِالْأَنْصَارِيّ مِنْ الدّمَاءِ قَالَ سُبْحَانَ اللّهِ أَفَلَا أَهْبَبْتَنِي أَوّلَ مَا رَمَاك ؟ قَالَ كُنْت فِي سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا فَلَمْ أُحِبّ أَنْ أَقْطَعَهَا حَتّى أُنْفِدَهَا ، فَلَمّا تَابَعَ عَلَيّ الرّمْيَ رَكَعْتُ فَأَذِنْتُك ، وَأَيْمُ اللّهِ لَوْلَا أَنْ أُضَيّعَ ثَغْرًا أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِحِفْظِهِ لَقَطَعَ نَفْسِي قَبْلَ أَنْ أَقْطَعَهَا أَوْ أُنْفِدَها .

[ رُجُوعُ الرّسُولِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ أَنْفَذَهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ مِنْ غَزْوَةِ الرّقَاعِ أَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ جُمَادَى الْأُولَى وَجُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا .

غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ
فِي شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ
[ خُرُوجُ الرّسُولِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ خَرَجَ فِي شَعْبَانَ إلَى بَدْرٍ ، لِمِيعَادِ أَبِي سُفْيَانَ حَتّى نَزَلَهُ .
[ اسْتِعْمَالُهُ ابْنِ أُبَيّ عَلَى الْمَدِينَةِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ بْنِ سَلُولَ الْأَنْصَارِيّ .
[ رُجُوعُ أَبِي سُفْيَانَ فِي رِجَالِه ]ِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَمَانِي لَيَالٍ يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ فِي أَهْلِ مَكّةَ حَتّى نَزَلَ مَجِنّةَ ، مِنْ نَاحِيَةِ الظّهْرَانِ ؛ وَبَعْضُ النّاسِ يَقُولُ قَدْ بَلَغَ عُسْفَانَ ، ثُمّ بَدَا لَهُ فِي الرّجُوعِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّهُ لَا يُصْلِحُكُمْ إلّا عَامٌ خَصِيبٌ تَرْعَوْنَ فِيهِ الشّجَرَ وَتَشْرَبُونَ فِيهِ اللّبَنَ وَإِنّ عَامَكُمْ هَذَا عَامُ جَدْبٍ [ ص 210 ] فَسَمّاهُمْ أَهْلُ مَكّةَ جَيْشَ السّوِيقِ ، يَقُولُونَ إنّمَا خَرَجْتُمْ تَشْرَبُونَ السّوِيقَ .

[ الرّسُولُ وَمَخْشِيّ الضّمْرِيّ ]
وَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَدْرٍ يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ لِمِيعَادِهِ فَأَتَاهُ مَخْشِيّ بْنُ عَمْرٍو الضّمْرِيّ ، وَهُوَ الّذِي كَانَ وَادَعَهُ عَلَى بَنِي ضَمْرَةَ فِي غَزْوَةِ وَدّانَ ، فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَجِئْتَ لِلِقَاءِ قُرَيْشٍ عَلَى هَذَا الْمَاءِ ؟ قَالَ نَعَمْ يَا أَخَا بَنِي ضَمْرَةَ ، وَإِنْ شِئْتَ مَعَ ذَلِكَ رَدَدْنَا إلَيْك مَا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَك ، ثُمّ جَالَدْنَاك حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَك ، قَالَ لَا وَاَللّهِ يَا مُحَمّدُ مَا لَنَا بِذَلِكَ مِنْك مِنْ حَاجَةٍ

[ مَعْبَدٌ وَشِعْرُهُ فِي نَاقَةٍ لِلرّسُولِ هَوَتْ ]
فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ فَمَرّ بِهِ مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ ، فَقَالَ وَقَدْ رَأَى مَكَانَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَاقَتُهُ تَهْوَى بِهِ
قَدْ نَفَرَتْ مِنْ رُفْقَتَيْ مُحَمّدِ ... وَعَجْوَةٍ مِنْ يَثْرِبَ كالعَنْجَدِ
تَهْوَى عَلَى دِينِ أَبِيهَا الْأَتْلَدِ ... قَدْ جَعَلَتْ مَاءَ قُدَيْدٍ مَوْعِدِي
وَمَاءَ ضَجْنان لَهَا ضُحَى الْغَدِ

[ شِعْرٌ لِابْنِ رَوَاحَةَ أَوْ كَعْبٍ فِي بَدْرٍ ]
وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي ذَلِكَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِيهَا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ [ ص 211 ]
وَعَدْنَا أَبَا سُفْيَانَ بَدْرًا فَلَمْ نَجِدْ ... لِمِيعَادِهِ صِدْقًا وَمَا كَانَ وَافِيَا
فَأُقْسِمُ لَوْ وَافَيْتَنَا فَلَقِيتنَا ... لَأُبْتَ ذَمِيمًا وَافْتَقَدْتَ الْمَوَالِيَا
تَرَكْنَا بِهِ أَوْصَالَ عُتْبَةَ وَابْنَهُ ... وَعَمْرًا أَبَا جَهْلٍ تَرَكْنَاهُ ثَاوِيَا
عَصَيْتُمْ رَسُولَ اللّهِ أُفّ لِدِينِكُمْ ... وَأَمْرِكُمْ السّيْءِ الّذِي كَانَ غَاوِيَا
فَإِنّي وَإِنْ عَنّفْتُمُونِي لَقَائِلٌ ... فِدًى لِرَسُولِ اللّهِ أَهْلِي وَمَالِيَا
أَطَعْنَاهُ لَمْ نَعْدِلْهُ فِينَا بِغَيْرِهِ ... شِهَابًا لَنَا فِي ظُلْمَةِ اللّيْلِ هَادِيَا

[ شِعْرُ حَسّانٍ فِي بَدْرٍ ]
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ [ ص 212 ]
دَعُوا فَلَجَاتِ الشّامِ قَدْ حَالَ دُونَهَا ... جَلّادٌ كَأَفْوَاهِ الْمَخَاضِ الْأَوَارِكِ
بِأَيْدِي رِجَالٍ هَاجَرُوا نَحْوَ رَبّهِمْ ... وَأَنْصَارِهِ حَقّا وَأَيْدِي الْمَلَائِكِ
إذَا سَلَكْتَ لِلْغَوْرِ مِنْ بَطْنِ عَالِجٍ ... فَقُولَا لَهَا لَيْسَ الطّرِيقُ هُنَالِكِ
أَقَمْنَا عَلَى الرّسّ النّزُوعِ ثَمَانِيَا ... بِأَرْعَنَ جَرّارٍ عَرِيضِ الْمَبَارِكِ
بِكُلّ كُمَيْتٍ جَوْزُهُ نِصْفُ خَلْقِهِ ... وَقُبّ طُوّالٍ مُشْرِفَاتِ الْحَوَارِكِ
تَرَى الْعَرْفَجَ الْعَامِيّ تَذْرِي أُصُولَهُ ... مَنَاسِمُ أَخْفَافِ الْمَطِيّ الرّوَاتِك
فَإِنْ نَلْقَ فِي تَطْوَافِنَا وَالْتِمَاسِنَا ... فُرَاتَ بْنَ حَيّانٍ يَكُنْ رَهْنَ هَالِكِ
وَإِنْ تَلْقَ قَيْسَ بْنَ امْرِئِ الْقَيْسِ بَعْدَهُ ... يُزَدْ فِي سَوَادٍ لَوْنُهُ لَوْنُ حَالِكِ
فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنّي رِسَالَةً ... فَإِنّك مِنْ غُرّ الرّجَالِ الصّعَالِكِ

[ شِعْرُ أَبِي سُفْيَانَ فِي الرّدّ عَلَى حَسّانٍ ]
فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، فَقَالَ [ ص 213 ]
أَحَسّانُ إنّا يَا ابْنَ آكِلَةِ الْفَغَا ... وَجَدّك نَغْتَالُ الْخُرُوقَ كَذَلِكِ
خَرَجْنَا وَمَا تَنْجُو الْيَعَافِيرُ بَيْنَنَا ... وَلَوْ وَأَلَتْ مِنّا بِشَدّ مُدَارِكِ
إذَا مَا انْبَعَثْنَا مِنْ مُنَاخٍ حَسِبْتَهُ ... مُدَمّنَ أَهْلِ الْمَوْسِمِ الْمُتَعَارِكِ
أَقَمْتَ عَلَى الرّسّ النّزُوعِ تُرِيدُنَا ... وَتَتْرُكُنَا فِي النّخْلِ عِنْدَ الْمَدَارِكِ
عَلَى الزّرْعِ تَمْشِي خَيْلُنَا وَرِكَابُنَا ... فَمَا وَطِئَتْ أَلْصَقْنَهُ بِالدّكَادِكِ
أَقَمْنَا ثَلَاثًا بَيْنَ سَلْعٍ وَفَارِعٍ ... بِجُرْدِ الْجِيَادِ وَالْمَطِيّ الرّوَاتِكِ
حَسِبْتُمْ جِلَادَ الْقَوْمِ عِنْدَ قِبَابِهِمْ ... كَمَأْخَذِكُمْ بِالْعَيْنِ أَرْطَالَ آنُكِ
فَلَا تَبْعَثْ الْخَيْلَ الْجِيَادَ وَقُلْ لَهَا ... عَلَى نَحْوِ قَوْلِ الْمُعْصِمِ الْمُتَمَاسِكِ
سَعِدْتُمْ بِهَا وَغَيْرُكُمْ كَانَ أَهْلَهَا ... فَوَارِسُ مِنْ أَبْنَاءِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ
فَإِنّك لَا فِي هِجْرَةٍ إنْ ذَكَرْتَهَا ... وَلَا حُرُمَاتِ الدّينِ أَنْتَ بِنَاسِكِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بَقِيَتْ مِنْهَا أَبْيَاتٌ تَرَكْنَاهَا ، لِقُبْحِ اخْتِلَافِ قَوَافِيهَا . وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ هَذَا الْبَيْتَ خَرَجْنَا وَمَا تَنْجُو الْيَعَافِيرُ بَيْنَنَا
وَالْبَيْتَ الّذِي بَعْدَهُ لِحَسّانِ بْنِ ثَابِتٍ فِي قَوْلِهِ دَعُوا فَلَجَاتِ الشّأْمِ قَدْ حَالَ دُونَهَا
وَأَنْشَدَنِي لَهُ فِيهَا بَيْتَهُ " فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ " .

غَزْوَةُ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ
فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ سَنَةَ خَمْسٍ ( مَوْعِدُهَا ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَأَقَامَ مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَا أَشْهُرًا حَتّى مَضَى ذُو الْحِجّةِ وَوَلِيَ تِلْكَ الْحِجّةَ الْمُشْرِكُونَ وَهِيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ ثُمّ غَزَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَوْمَةَ الْجَنْدَلِ

[ اسْتِعْمَالُ ابْنِ عُرْفُطَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا ، فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ سَنَتِهِ .

غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ
فِي شَوّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ ( تَارِيخُهَا ) [ ص 214 ] قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ ثُمّ كَانَتْ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ فِي شَوّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ .

[ تَحْرِيضُ الْيَهُودِ لِقُرَيْشِ وَمَا نَزَلَ فِيهِمْ ]
فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ مَوْلَى آلِ الزّبَيْرِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، وَمَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، وَمُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، وَالزّهْرِيّ ، وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَائِنَا ، كُلّهُمْ قَدْ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُ فِي الْحَدِيثِ عَنْ الْخَنْدَقِ ، وَبَعْضُهُمْ يُحَدّثُ مَا لَا يُحَدّثُ بِهِ بَعْضٌ قَالُوا : إنّهُ كَانَ مِنْ حَدِيثِ الْخَنْدَقِ أَنّ نَفَرًا مِنْ الْيَهُودِ ، مِنْهُمْ سَلّامُ بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ النّضْرِيّ ، وَحُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ النّضْرِيّ ، وَكِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ النّضْرِيّ ، وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ الْوَائِلِيّ ، وَأَبُو عَمّارٍ الْوَائِلِيّ ، فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي النّضِيرِ وَنَفَرٍ مِنْ بَنِي وَائِلٍ وَهُمْ الّذِينَ حَزّبُوا الْأَحْزَابَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجُوا حَتّى قَدِمُوا عَلَى قُرَيْشٍ مَكّةَ ، فَدَعَوْهُمْ إلَى حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالُوا : إنّا سَنَكُونُ مَعَكُمْ عَلَيْهِ حَتّى نَسْتَأْصِلَهُ ، فَقَالَتْ لَهُمْ قُرَيْشٌ : يَا مَعْشَرَ يَهُودَ إنّكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوّلِ وَالْعِلْمِ بِمَا أَصْبَحْنَا نَخْتَلِفُ فِيهِ نَحْنُ وَمُحَمّدٌ أَفَدِينُنَا خَيْرٌ أَمْ دِينُهُ ؟ قَالُوا : بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ وَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْحَقّ [ ص 215 ] فَهُمْ الّذِينَ أَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا أُولَئِكَ الّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا } إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ } أَيْ النّبُوّةَ { فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنّمَ سَعِيرًا }

[ تَحْرِيضُ الْيَهُودِ لِغَطَفَانَ ]
قَالَ فَلَمّا قَالُوا ذَلِكَ لِقُرَيْشٍ سَرّهُمْ وَنَشَطُوا لِمَا دَعَوْهُمْ إلَيْهِ مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاجْتَمَعُوا لِذَلِكَ وَاتّعَدُوا لَهُ . ثُمّ خَرَجَ أُولَئِكَ النّفَرُ مِنْ يَهُودَ حَتّى جَاءُوا غَطَفَانَ ، مِنْ قَيْسِ عَيْلَانَ ، فَدَعَوْهُمْ إلَى حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَخْبَرُوهُمْ أَنّهُمْ سَيَكُونُونَ مَعَهُمْ عَلَيْهِ وَأَنّ قُرَيْشًا قَدْ تَابَعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَاجْتَمَعُوا مَعَهُمْ فِيهِ .

[ خُرُوجُ الْأَحْزَابِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ ، وَقَائِدُهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ؛ وَخَرَجَتْ غَطَفَانُ ، وَقَائِدُهَا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ ، فِي بَنِي فَزَارَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرّيّ ، فِي بَنِي مُرّةَ وَمِسْعَرُ بْنُ رُخَيْلَةَ بْنِ نُوَيْرَةَ بْنِ طَرِيفِ بْنِ سُحْمَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ خَلَاوَةَ بْنِ أَشْجَعَ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ ، فِيمَنْ تَابَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَشْجَعَ .

[ حَفْرُ الْخَنْدَقِ وَتَخَاذُلُ الْمُنَافِقِينَ وَجِدّ الْمُؤْمِنِينَ ]
فَلَمّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 216 ] ضَرَبَ الْخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ ، فَعَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَرْغِيبًا لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْأَجْرِ وَعَمِلَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ فَدَأَبَ فِيهِ وَدَأَبُوا . وَأَبْطَأَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي عَمَلِهِمْ ذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَجَعَلُوا يُوَرّونَ بِالضّعِيفِ مِنْ الْعَمَلِ وَيَتَسَلّلُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا إذْنٍ . وَجَعَلَ الرّجُلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذَا نَابَتْهُ النّائِبَةُ مِنْ الْحَاجَةِ الّتِي لَا بُدّ لَهُ مِنْهَا ، يَذْكُرُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَسْتَأْذِنُهُ فِي اللّحُوقِ بِحَاجَتِهِ فَيَأْذَنُ لَهُ فَإِذَا قَضَى حَاجَتَهُ رَجَعَ إلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ عَمَلِهِ رَغْبَةً فِي الْخَيْرِ وَاحْتِسَابًا لَهُ .

[ مَا نَزَلَ فِي الْعَامِلِينَ فِي الْخَنْدَقِ مُؤْمِنِينَ وَمُنَافِقِينَ ]
فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي أُولَئِكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ { إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنّ الّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُاللّهَ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيمَنْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْحِسْبَةِ وَالرّغْبَةِ فِي الْخَيْرِ وَالطّاعَةِ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى ، يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ الّذِينَ كَانُوا يَتَسَلّلُونَ مِنْ الْعَمَلِ وَيَذْهَبُونَ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : اللّوَاذُ الِاسْتِتَارُ بِالشّيْءِ عِنْدَ الْهَرَبِ قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ : [ ص 217 ]
وَقُرَيْشٌ تَفِرّ مِنّا لِوَاذًا
أَنْ يُقِيمُوا وَخَفّ مِنْهَا الْحُلُومُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ قَدْ ذَكَرْتهَا فِي أَشْعَارِ يَوْمِ أُحُدٍ . { أَلَا إِنّ لِلّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ } . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : مِنْ صَدْقٍ أَوْ كَذِبٍ . { وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

[ ارْتِجَازُ الْمُسْلِمِينَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَمِلَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ حَتّى أَحْكَمُوهُ وَارْتَجَزُوا فِيهِ بِرَجُلِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ لَهُ جُعَيْلٌ سَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمْرًا ، فَقَالُوا :
سَمّاهُ مِنْ بَعْدِ جُعَيْلٍ عَمْرَا ... وَكَانَ لِلْبَائِسِ يَوْمًا ظَهْرَا
فَإِذَا مَرّوا " بِعَمْرٍو " قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمْرًا ، وَإِذَا مَرّوا " بِظَهْرٍ " قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ظَهْرًا .

[ مَا ظَهَرَ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ أَحَادِيثُ بَلَغَتْنِي ، فِيهَا مِنْ اللّهِ تَعَالَى عِبْرَةٌ فِي تَصْدِيقِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَحْقِيقِ نُبُوّتِهِ عَايَنَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ .
[ مُعْجِزَةُ الْكُدْيَةِ ]
فَكَانَ مِمّا بَلَغَنِي أَنّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ كَانَ يُحَدّثُ أَنّهُ اشْتَدّتْ عَلَيْهِمْ فِي بَعْضِ الْخَنْدَقِ كُدْيَةٌ فَشَكَوْهَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَعَا بِإِنَاءِ مِنْ مَاءٍ فَتَفَلَ فِيهِ ثُمّ دَعَا بِمَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ ثُمّ نَضَحَ ذَلِكَ الْمَاءَ عَلَى تِلْكَ الْكُدْيَةِ فَيَقُولُ مَنْ حَضَرَهَا : فَوَاَلّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقّ نَبِيّا ، لَانْهَالَتْ حَتّى عَادَتْ كَالْكَثِيبِ لَا تَرُدّ فَأْسًا وَلَا مِسْحَاةً [ ص 218 ]

[ الْبَرَكَةُ فِي تَمْرِ ابْنَةِ بَشِيرٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مِينَا أَنّهُ حُدّثَ أَنّ ابْنَةً لِبَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ أُخْتِ النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَتْ دَعَتْنِي أُمّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ ، فَأَعْطَتْنِي حَفْنَةً مِنْ تَمْرٍ فِي ثَوْبِي ، ثُمّ قَالَتْ أَيْ بُنَيّةُ . اذْهَبِي إلَى أَبِيك وَخَالِك عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِغَدَائِهِمَا ، قَالَتْ فَأَخَذْتهَا ، فَانْطَلَقْت بِهَا ، فَمَرَرْتُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا أَلْتَمِسُ أَبِي وَخَالِي ، فَقَالَ تَعَالَيْ يَا بُنَيّةُ مَا هَذَا مَعَك ؟ قَالَتْ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا تَمْرٌ بَعَثَتْنِي بِهِ أُمّي إلَى أَبِي بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ وَخَالِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ يَتَغَدّيَانِهِ قَالَ هَاتِيهِ قَالَتْ فَصَبَبْته فِي كَفّيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَمَا مَلَأَتْهُمَا ، ثُمّ أَمَرَ بِثَوْبِ فَبُسِطَ لَهُ ثُمّ دَحَا بِالتّمْرِ عَلَيْهِ فَتَبَدّدَ فَوْقَ الثّوْبِ ثُمّ قَالَ لِإِنْسَانِ عِنْدَهُ اُصْرُخْ فِي أَهْلِ الْخَنْدَقِ : أَنْ هَلُمّ إلَى الْغَدَاءِ . فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَلَيْهِ فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْهُ وَجَعَلَ يَزِيدُ حَتّى صَدَرَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْهُ وَإِنّهُ لَيَسْقُطُ مِنْ أَطْرَافِ الثّوْبِ .

[ الْبَرَكَةُ فِي طَعَامِ جَابِرٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مِينَا ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ عَمِلْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْخَنْدَقِ ، فَكَانَتْ عِنْدِي شُوَيْهَةٌ غَيْرُ جِدّ سَمِينَةٌ . قَالَ فَقُلْت : وَاَللّهِ لَوْ صَنَعْنَاهَا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فَأَمَرْت امْرَأَتِي ، فَطَحَنَتْ لَنَا شَيْئًا مِنْ شَعِيرٍ فَصَنَعَتْ لَنَا مِنْهُ خُبْزًا ، وَذَبَحَتْ تِلْكَ الشّاةَ فَشَوَيْنَاهَا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ فَلَمّا أَمْسَيْنَا وَأَرَادَ رَسُولُ اللّهِ الِانْصِرَافَ عَنْ الْخَنْدَقِ - قَالَ وَكُنّا نَعْمَلُ فِيهِ نَهَارَنَا ، فَإِذَا أَمْسَيْنَا رَجَعْنَا إلَى أَهَالِيِنَا - قَالَ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي قَدْ صَنَعْت لَك شُوَيْهَةً كَانَتْ عِنْدَنَا ، وَصَنَعْنَا مَعَهَا شَيْئًا مِنْ خُبْزِ هَذَا الشّعِيرِ فَأُحِبّ أَنْ تَنْصَرِفَ [ ص 219 ] مَنْزِلِي ، وَإِنّمَا أُرِيدُ أَنْ يَنْصَرِفَ مَعِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحْدَهُ . قَالَ فَلَمّا أَنْ قُلْت لَهُ ذَلِكَ ؟ قَالَ نَعَمْ ثُمّ أَمَرَ صَارِخًا فَصَرَخَ أَنْ انْصَرِفُوا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ؛ قَالَ قُلْت : إنّا لِلّهِ وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ قَالَ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقْبَلَ النّاسُ مَعَهُ قَالَ فَجَلَسَ وَأَخْرَجْنَاهَا إلَيْهِ . قَالَ فَبَرّك وَسَمّى ( اللّهَ ) ، ثُمّ أَكَلَ وَتَوَارَدَهَا النّاسُ كُلّمَا فَرَغَ قَوْمٌ قَامُوا وَجَاءَ نَاسٌ حَتّى صَدَرَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْهَا .

[ مَا أَرَى اللّهُ رَسُولَهُ مِنْ الْفَتْحِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحُدّثْت عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيّ ، أَنّهُ قَالَ ضَرَبْت فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْخَنْدَقِ ، فَغَلُظَتْ عَلَيّ صَخْرَةٌ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَرِيبٌ مِنّي ؛ فَلَمّا رَآنِي أَضْرِبُ وَرَأَى شِدّةَ الْمَكَانِ عَلَيّ نَزَلَ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ مِنْ يَدِي ، فَضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً لَمَعَتْ تَحْتَ الْمِعْوَلِ بُرْقَةٌ قَالَ ثُمّ ضَرَبَ بِهِ ضَرْبَةً أُخْرَى ، فَلَمَعَتْ تَحْتَهُ بُرْقَةٌ أُخْرَى ؛ قَالَ ثُمّ ضَرَبَ بِهِ الثّالِثَةَ فَلَمَعَتْ تَحْتَهُ بُرْقَةٌ أُخْرَى . قَالَ قُلْت : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي يَا رَسُولَ اللّهِ مَا هَذَا الّذِي رَأَيْت لَمَعَ تَحْتَ الْمِعْوَلِ وَأَنْتَ تَضْرِبُ ؟ قَالَ أَوَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ يَا سَلْمَانُ ؟ قَالَ قُلْت : نَعَمْ قَالَ أَمّا الْأُولَى فَإِنّ اللّهَ فَتَحَ عَلَيّ بِهَا الْيَمَنَ ؛ وَأَمّا الثّانِيَةُ فَإِنّ اللّهَ فَتَحَ عَلَيّ بِهَا الشّامَ وَالْمَغْرِبَ وَأَمّا الثّالِثَةُ فَإِنّ اللّهَ فَتَحَ عَلَيّ بِهَا الْمَشْرِقَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ حِينَ فُتِحَتْ هَذِهِ الْأَمْصَارُ فِي زَمَانِ عُمَرَ وَزَمَانِ عُثْمَانَ وَمَا بَعْدَهُ افْتَتِحُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَوَاَلّذِي نَفْسِي أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ مَا افْتَتَحْتُمْ مِنْ مَدِينَةٍ وَلَا تَفْتَتِحُونَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلّا وَقَدْ أَعْطَى اللّهُ سُبْحَانَهُ مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَفَاتِيحَهَا قَبْلَ ذَلِكَ .

[ نُزُولُ قُرَيْشٍ الْمَدِينَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْخَنْدَقِ ، أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ حَتّى نَزَلَتْ بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُومَةَ ، بَيْنَ الْجُرُفِ وَزَغَابَةَ فِي عَشْرَةِ آلَافٍ [ ص 220 ] بَنِي كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ ، وَأَقْبَلَتْ غَطَفَانُ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ، حَتّى نَزَلُوا بِذَنَبِ نَقْمَى ، إلَى جَانِبِ أُحُدٍ . وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ حَتّى جَعَلُوا ظُهُورَهُمْ إلَى سَلْعٍ ، فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَضَرَبَ هُنَالِكَ عَسْكَرَهُ وَالْخَنْدَقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْمِ .

[ اسْتِعْمَالُ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَمَرَ بِالذّرَارِيّ وَالنّسَاءِ فَجُعِلُوا فِي الْآطَامِ .

[ حَمْلُ حُيَيّ كَعْبًا عَلَى نَقْضِ عَهْدِهِ لِلرّسُولِ ]
( قَالَ ) : وَخَرَجَ عَدُوّ اللّهِ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ النّضْرِيّ ، حَتّى أَتَى كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ الْقُرَظِيّ صَاحِبَ عَقْدِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَعَهْدِهِمْ وَكَانَ قَدْ وَادَعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى قَوْمِهِ وَعَاقَدَهُ عَلَى ذَلِكَ وَعَاهَدَهُ فَلَمّا سَمِعَ كَعْبٌ بِحُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ أَغْلَقَ دُونَهُ بَابَ حِصْنِهِ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ فَنَادَاهُ حُيَيّ : وَيْحَك يَا كَعْبُ افْتَحْ لِي ؛ قَالَ وَيْحك يَا حُيَيّ : إنّك امْرُؤٌ مَشْئُومٌ وَإِنّي قَدْ عَاهَدْت مُحَمّدًا ، فَلَسْتُ بِنَاقِضٍ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَلَمْ أَرَ مِنْهُ إلّا وَفَاءً وَصِدْقًا ؛ قَالَ وَيْحَك افْتَحْ لِي أُكَلّمْك ؛ قَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلِ قَالَ وَاَللّهِ إنْ أَغْلَقْت دُونِي إلّا عَنْ جَشِيشَتِك [ ص 221 ] فَقَالَ وَيْحَك يَا كَعْبُ جِئْتُك بِعِزّ الدّهْرِ وَبِبَحْرٍ طَامّ جِئْتُك بِقُرَيْشٍ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا ، حَتّى أَنْزَلْتهمْ بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُومَةَ ، وَبِغَطَفَانَ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا حَتّى أَنْزَلَتْهُمْ بِذَنَبِ نَقْمَى إلَى جَانِبِ أُحُدٍ ، قَدْ عَاهَدُونِي وَعَاقَدُونِي عَلَى أَنْ لَا يَبْرَحُوا حَتّى نَسْتَأْصِلَ مُحَمّدًا وَمَنْ مَعَهُ . قَالَ فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ جِئْتنِي وَاَللّهِ بِذُلّ الدّهْرِ وَبِجَهَامٍ قَدْ هَرَاقَ مَاءَهُ فَهُوَ يَرْعَدُ وَيَبْرُقُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ وَيْحَك يَا حُيَيّ فَدَعْنِي وَمَا أَنَا عَلَيْهِ فَإِنّي لَمْ أَرَ مِنْ مُحَمّدٍ إلّا صِدْقًا وَوَفَاءً . فَلَمْ يَزَلْ حُيَيّ بِكَعْبِ يَفْتِلُهُ فِي الذّرْوَةِ وَالْغَارِبِ حَتّى سَمَحَ لَهُ عَلَى أَنْ أَعْطَاهُ عَهْدًا ( مِنْ اللّهِ ) وَمِيثَاقًا : لَئِنْ رَجَعَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ ، وَلَمْ يُصِيبُوا مُحَمّدًا أَنْ أَدْخُلَ مَعَك فِي حِصْنِك حَتّى يُصِيبَنِي مَا أَصَابَك . فَنَقَضَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ عَهْدَهُ وَبَرِئَ مِمّا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .

[ تَحَرّي الرّسُولِ عَنْ نَقْضِ كَعْبٍ لِلْعَهْدِ ]
فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ وَإِلَى الْمُسْلِمِينَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ الْأَوْسِ ، وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمٍ ، أَحَدَ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ الْخَزْرَجِ وَمَعَهُمَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَخَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ . فَقَالَ [ ص 222 ] انْطَلِقُوا حَتّى تَنْظُرُوا ، أَحَقّ مَا بَلَغَنَا عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْ لَا ؟ فَإِنْ كَانَ حَقّا فَالْحَنُوا لِي لَحْنًا أَعْرِفُهُ وَلَا تَفُتّوا فِي أَعْضَادِ النّاسِ وَإِنْ كَانُوا عَلَى الْوَفَاءِ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْهَرُوا بِهِ لِلنّاسِ قَالَ فَخَرَجُوا حَتّى أَتَوْهُمْ فَوَجَدُوهُمْ عَلَى أَخْبَثِ مَا بَلَغَهُمْ عَنْهُمْ ( فِيمَا ) نَالُوا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالُوا : مَنْ رَسُولُ اللّهِ ؟ لَا عَهْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمّدٍ وَلَا عَقْدَ . فَشَاتَمَهُمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَشَاتَمُوهُ وَكَانَ رَجُلًا فِيهِ حِدّةٌ فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ : دَعْ عَنْك مُشَاتَمَتَهُمْ فَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَرْبَى مِنْ الْمُشَاتَمَةِ . ثُمّ أَقْبَلَ سَعْدٌ وَسَعْدٌ وَمَنْ مَعَهُمَا ، إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَلّمُوا عَلَيْهِ ثُمّ قَالُوا : عَضَلٌ وَالْقَارّةُ ؛ أَيْ كَغَدْرِ عَضَلٍ وَالْقَارّةِ بِأَصْحَابِ الرّجِيعِ ، خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُ أَكْبَرُ أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ

[ مَا عَمّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْخَوْفِ وَظُهُورُ نِفَاقِ الْمُنَافِقِينَ ]
( قَالَ ) : وَعَظُمَ عِنْدَ ذَلِكَ الْبَلَاءُ وَاشْتَدّ الْخَوْفُ وَأَتَاهُمْ عَدُوّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ حَتّى ظَنّ الْمُؤْمِنُونَ كُلّ ظَنّ وَنَجَمَ النّفَاقُ مِنْ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ حَتّى قَالَ مُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : كَانَ مُحَمّدٌ يَعِدُنَا أَنْ نَأْكُلَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ ، وَأَحَدُنَا الْيَوْمَ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْغَائِطِ .
[ رَأْيُ ابْنِ هِشَامٍ فِي نِفَاقِ مُعَتّبٍ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ مُعَتّبَ بْنَ قُشَيْرٍ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَاحْتَجّ بِأَنّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَتّى قَالَ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيّ ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ مِنْ الْعَدُوّ وَذَلِكَ عَنْ مَلَأٍ مِنْ رِجَالِ قَوْمِهِ فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَخْرُجَ فَنَرْجِعَ إلَى دَارِنَا ، فَإِنّهَا خَارِجٌ مِنْ الْمَدِينَةِ فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 223 ] الرّمّيا بِالنّبْلِ وَالْحِصَارُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ الرّمْيَا .

[ هَمّ الرّسُولُ بِعَقْدِ الصّلْحِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَطَفَانَ ثُمّ عَدَلَ ]
فَلَمّا اشْتَدّ عَلَى النّاسِ الْبَلَاءُ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَمَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ ، وَإِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرّيّ ، وَهُمَا قَائِدَا غَطَفَانَ ، فَأَعْطَاهُمَا ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ يَرْجِعَا بِمَنْ مَعَهُمَا عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ فَجَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا الصّلْحُ حَتّى كَتَبُوا الْكِتَابَ وَلَمْ تَقَعْ الشّهَادَةُ وَلَا عَزِيمَةُ الصّلْحِ إلّا الْمُرَاوَضَةُ فِي ذَلِكَ . فَلَمّا أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَفْعَلَ بَعَثَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمَا ، وَاسْتَشَارَهُمَا فِيهِ فَقَالَا لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَمْرًا نُحِبّهُ فَنَصْنَعُهُ أَمْ شَيْئًا أَمَرَك اللّهُ بِهِ لَا بُدّ لَنَا مِنْ الْعَمَلِ بِهِ أَمْ شَيْئًا تَصْنَعُهُ لَنَا ؟ قَالَ بَلْ شَيْءٌ أَصْنَعُهُ لَكُمْ ، وَاَللّهِ مَا أَصْنَعُ ذَلِكَ إلّا لِأَنّنِي رَأَيْت الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَكَالَبُوكُمْ مِنْ كُلّ جَانِبٍ فَأَرَدْت أَنْ أَكْسِرَ عَنْكُمْ مِنْ شَوْكَتِهِمْ إلَى أَمْرٍ مَا ، فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ كُنّا نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَى الشّرْكِ بِاَللّهِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ لَا نَعْبُدُ اللّهَ وَلَا نَعْرِفُهُ وَهُمْ لَا يَطْمَعُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا تَمْرَةً إلّا قِرًى أَوْ بَيْعًا ، أَفَحِينَ أَكْرَمْنَا اللّهُ بِالْإِسْلَامِ وَهَدَانَا لَهُ وَأَعَزّنَا بِك وَبِهِ نُعْطِيهِمْ أَمْوَالَنَا ( وَاَللّهِ ) مَا لَنَا بِهَذَا مِنْ حَاجَةٍ وَاَللّهِ لَا نُعْطِيهِمْ إلّا السّيْفَ حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَنْتَ وَذَاكَ . فَتَنَاوَلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الصّحِيفَةَ فَمَحَا مَا فِيهَا مِنْ الْكِتَابِ ثُمّ قَالَ لِيَجْهَدُوا عَلَيْنَا

[ عُبُورُ نَفَرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ الْخَنْدَقَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 224 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ وَعَدُوّهُمْ مُحَاصِرُوهُمْ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ إلّا أَنّ فَوَارِسَ مِنْ قُرَيْشٍ ، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدّ بْنِ أَبِي قَيْسٍ ، أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ . - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ - قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيّانِ وَضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ الشّاعِرُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ ، تَلَبّسُوا لِلْقِتَالِ ثُمّ خَرَجُوا عَلَى خَيْلِهِمْ حَتّى مَرّوا بِمَنَازِلِ بَنِي كِنَانَةَ ، فَقَالُوا : تَهَيّئُوا يَا بَنِي كِنَانَةَ لِلْحَرْبِ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ الْفُرْسَانُ الْيَوْمَ . ثُمّ أَقْبَلُوا تُعْنِقُ بِهِمْ خَيْلُهُمْ حَتّى وَقَفُوا عَلَى الْخَنْدَقِ ، فَلَمّا رَأَوْهُ قَالُوا : وَاَللّهِ إنّ هَذِهِ لَمَكِيدَةٌ مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَكِيدُهَا .

[ سَلْمَانُ وَإِشَارَتُهُ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يُقَالُ إنّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيّ أَشَارَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ الْمُهَاجِرِينَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ قَالُوا : سَلْمَانُ مِنّا ؛ وَقَالَتْ الْأَنْصَارُ : سَلْمَانُ مِنّا ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَلْمَانُ مِنّا أَهْلَ الْبَيْتِ .

[ قَتْلُ عَلِيّ لِعَمْرِو بْنِ عَبْدِ وُدّ وَشِعْرُهُ فِي ذَلِكَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ تَيَمّمُوا مَكَانًا ضَيّقًا مِنْ الْخَنْدَقِ ، فَضَرَبُوا خَيْلَهُمْ فَاقْتَحَمَتْ مِنْهُ فَجَالَتْ بِهِمْ فِي السّبْخَةِ بَيْنَ الْخَنْدَقِ وَسَلْعٍ ، وَخَرَجَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي نَفَرٍ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتّى أَخَذُوا عَلَيْهِمْ الثّغْرَةَ الّتِي أَقْحَمُوا مِنْهَا خَيْلَهُمْ [ ص 225 ] وَكَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدّ قَدْ قَاتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ حَتّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ فَلَمْ يَشْهَدْ يَوْمَ أُحُدٍ ؛ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ خَرَجَ مُعْلِمًا لِيُرِيَ مَكَانَهُ فَلَمّا وَقَفَ هُوَ وَخَيْلُهُ قَالَ مَنْ يُبَارِزُ ؟ فَبَرَزَ لَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ يَا عَمْرُو ، إنّك قَدْ كُنْت عَاهَدْت اللّهَ أَلّا يَدْعُوك رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى إحْدَى خَلّتَيْنِ إلّا أَخَذْتَهَا مِنْهُ قَالَ لَهُ أَجَلْ قَالَ لَهُ عَلِيّ : فَإِنّي أَدْعُوك إلَى اللّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ قَالَ لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ قَالَ فَإِنّي أَدْعُوك إلَى النّزَالِ فَقَالَ لَهُ لِمَ يَا ابْنَ أَخِي ؟ فَوَاَللّهِ مَا أُحِبّ أَنْ أَقْتُلَك ، قَالَ لَهُ عَلِيّ : لَكِنّي وَاَللّهِ أُحِبّ أَنْ أَقْتُلَك ؛ فَحَمَى عَمْرٌو عِنْدَ ذَلِكَ فَاقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ فَعَقَرَهُ وَضَرَبَ وَجْهَهُ ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيّ فَتَنَازَلَا وَتَجَاوَلَا ، فَقَتَلَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . وَخَرَجَتْ خَيْلُهُمْ مُنْهَزِمَةً حَتّى اقْتَحَمَتْ مِنْ الْخَنْدَقِ هَارِبَةً . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ
نَصَرَ الْحِجَارَةَ مِنْ سَفَاهَةِ رَأْيِهِ ... وَنَصَرْتُ رَبّ مُحَمّدٍ بِصَوَابِي
فَصَدَدْت حِينَ تَرَكْته مُتَجَدّلًا ... كَالْجِذْعِ بَيْنَ دَكادِكٍ وَرَوَافِي
وَعَفَفْت عَنْ أَثْوَابِهِ وَلَوْ أَنّنِي ... كُنْتُ الْمُقَطّرَ بَزّنِى أَثْوَابِي
لَا تَحْسَبَن اللّهَ خَاذِلَ دِينِهِ ... وَنَبِيّهِ يَا مَعْشَرَ الْأَحْزَابِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يَشُكّ فِيهَا لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ .

[ شِعْرُ حَسّانَ فِي فِرَارِ عِكْرِمَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 226 ] وَأَلْقَى عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ رُمْحَهُ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ مُنْهَزِمٌ عَنْ عَمْرٍو ؛ فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِك :
فَرّ وَأَلْقَى لَنَا رُمْحَهُ ... لَعَلّك عِكْرِمَ لَمْ تَفْعَلْ
وَوَلّيْتَ تَعْدُو كَعَدْوِ الظّلِيمِ ... مَا إنْ تَجُورُ عَنْ الْمَعْدِلِ
وَلَمْ تَلْقَ ظَهْرَك مُسْتَأْنِسًا ... كَأَنّ قَفَاك قَفَا فُرْعُلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْفُرْعُلُ صَغِيرُ الضّبَاعِ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ .

[ شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ ]
وَكَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَبَنِيّ قُرَيْظَةَ حم ، لَا يُنْصَرُون
[ شَأْنُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبُو لَيْلَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيّ ، أَخُو بَنِي حَارِثَةَ : أَنّ عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ فِي حِصْنِ بَنِي حَارِثَةَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ ، وَكَانَ مِنْ أَحْرَزِ حُصُونِ الْمَدِينَةِ . قَالَ وَكَانَتْ أُمّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ مَعَهَا فِي الْحِصْنِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَذَلِك قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ فَمَرّ سَعْدٌ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ لَهُ مُقَلّصَةٌ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا ذِرَاعُهُ كُلّهَا ، وَفِي يَدِهِ حَرْبَتُهُ يَرْقُدُ بِهَا وَيَقُولُ لَبّثْ قَلِيلًا يَشْهَدْ الهيجا جمل لَا بَأْسَ بِالْمَوْتِ إذَا حَانَ الأجل
[ ص 227 ] قَالَ ) فَقَالَتْ لَهُ أُمّهُ الْحَقّ : أَيْ بني ، فَقَدْ وَاَللّهِ أَخّرْت ؛ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْت لَهَا : يَا أُمّ سَعْدٍ وَاَللّهِ لَوَدِدْت أَنّ دِرْعَ سَعْدٍ كَانَتْ أَسْبَغَ مِمّا هِيَ قَالَتْ وَخِفْتِ عَلَيْهِ حَيْثُ أَصَابَ السّهْمُ مِنْهُ فَرُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ بِسَهْمِ فَقَطَعَ مِنْهُ الْأَكْحَلَ رَمَاهُ كَمَا حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قتادة ، حِبّانُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الْعَرِقَةِ أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، فَلَمّا أَصَابَهُ قَالَ خُذْهَا مِنّي وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ ؛ فَقَالَ لَهُ سَعْدُ عَرّقَ اللّهُ وَجْهَك فِي النّارِ اللّهُمّ إنْ كُنْتَ أَبْقَيْتَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا فَأَبْقِنِي لَهَا ، فَإِنّهُ لَا قَوْمَ أَحَبّ إلَيّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ مِنْ قَوْمٍ آذَوْا رَسُولَك وَكَذّبُوهُ وَأَخْرَجُوهُ اللّهُمّ وَإِنْ كُنْت قَدْ وَضَعْت الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْعَلْهُ لِي شَهَادَةً وَلَا تُمِتْنِي حَتّى تُقِرّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ

[ شِعْرٌ لِأُسَامَةَ يَدُلّ عَلَى أَنّهُ قَاتِلُ سَعْدٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ مَا أَصَابَ سَعْدًا يَوْمَئِذٍ إلّا أَبُو أُسَامَةَ الجشمي ، حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ . وَقَدْ قَالَ أَبُو أُسَامَةَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا لِعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ [ ص 228 ]
أعكرم هَلّا لُمْتنِي إذْ تَقُولُ لِي ... فِدَاك بِآطَامِ الْمَدِينَةِ خَالِدُ
أَلَسْتُ الّذِي أَلْزَمْت سَعْدًا مُرِشّةً ... لَهَا بَيْنَ أَثْنَاءِ الْمَرَافِقِ عَانِدُ
قَضَى نَحْبَهُ مِنْهَا سَعِيدٌ فأعولت ... عَلَيْهِ مَعَ الشّمْطِ الْعَذَارَى النواهد
وَأَنْتَ الّذِي دَافَعْتَ عَنْهُ وَقَدْ دَعَا ... عُبَيْدَةُ جَمْعًا مِنْهُمْ إذْ يُكَابِدُ
عَلَى حِينِ مَا هُمْ جَائِرٌ عَنْ طَرِيقِهِ ... وَآخَرُ مَرْعُوبٌ عَنْ الْقَصْدِ قَاصِدُ
( وَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِك كَانَ ) .
[ قَاتِلُ سَعْدٍ فِي رَأْيِ ابْنِ هَشّامٍ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ إنّ الّذِي رَمَى سَعْدًا خَفَاجَةُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ حِبّانَ .

[ صَفِيّةُ وَحَسّانُ وَمَا ذَكَرَتْهُ عَنْ جُبْنِهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ كَانَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فِي فَارِعٍ ، حِصْنُ حَسّانِ بْنِ ثَابِتٍ ؛ قَالَتْ وَكَانَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ مَعَنَا فِيهِ مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ . قَالَتْ صَفِيّةُ فَمَرّ بِنَا رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ فَجَعَلَ يُطِيفُ بِالْحِصْنِ وَقَدْ حَارَبَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ ، وَقَطَعَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَحَدٌ يَدْفَعُ عَنّا ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ فِي نُحُورِ عَدُوّهِمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْصَرِفُوا عَنْهُمْ إلَيْنَا إنْ أَتَانَا آتٍ . قَالَتْ فَقُلْت : يَا حَسّانُ إنّ هَذَا الْيَهُودِيّ كَمَا تَرَى يُطِيفُ بِالْحِصْنِ وَإِنّي وَاَللّهِ مَا آمنه أَنْ يَدُلّ عَلَى عَوْرَتِنَا مَنْ وَرَاءَنَا مِنْ يَهُودَ وَقَدْ شُغِلَ عَنّا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ فَانْزِلْ إلَيْهِ فَاقْتُلْهُ قَالَ يَغْفِرُ اللّهُ لَك يَا بنة عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَاَللّهِ لَقَدْ عَرَفْت مَا أَنَا بِصَاحِبِ هَذَا : قَالَتْ فَلَمّا قَالَ لِي ذَلِكَ وَلَمْ أَرَ عِنْدَهُ شَيْئًا ، احْتَجَزْت ثُمّ أَخَذْت عَمُودًا ، ثُمّ نَزَلْت مِنْ الْحِصْنِ إلَيْهِ فَضَرَبْتُهُ بِالْعَمُودِ حَتّى قَتَلْته . قَالَتْ فَلَمّا فَرَغْت مِنْهُ رَجَعْتُ إلَى الْحِصْنِ فَقُلْت : يَا حَسّانُ انْزِلْ إلَيْهِ فَاسْلُبْهُ فَإِنّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ سَلَبِهِ إلّا أَنّهُ رَجُلٌ قَالَ مَا لِي بِسَلَبِهِ مِنْ حَاجَةٍ يَا بنة عَبْدِ الْمُطّلِبِ .

[ شَأْنُ نُعَيْمٍ فِي تَخْذِيلِ الْمُشْرِكِينَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 229 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ فِيمَا وَصَفَ اللّهُ مِنْ الْخَوْفِ وَالشّدّةِ لِتَظَاهُرِ عَدُوّهِمْ عَلَيْهِمْ وَإِتْيَانِهِمْ إيّاهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ . ( قَالَ ) : ثُمّ إنّ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودِ بْنِ عَامِرِ بْنِ أُنَيْفِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ قُنْفُدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ خَلَاوَةَ بْنِ أَشْجَعَ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ ، أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي قَدْ أَسْلَمْت ، وَإِنّ قَوْمِي لَمْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي ، فَمُرْنِي بِمَا شِئْت ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا أَنْت فِينَا رَجُلٌ وَاحِدٌ ، فَخَذّلْ عَنّا إنْ اسْتَطَعْت ، فَإِنّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ فَخَرَجَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتّى أَتَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَكَانَ لَهُمْ نَدِيمًا فِي الْجَاهِلِيّةِ فَقَالَ يَا بَنِي قُرَيْظَةَ قَدْ عَرَفْتُمْ وُدّي إيّاكُمْ وَخَاصّةً مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ قَالُوا : صَدَقْت ، لَسْت عِنْدَنَا بِمُتّهَمٍ فَقَالَ لَهُمْ إنّ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ لَيْسُوا كَأَنْتُمْ الْبَلَدُ بَلَدُكُمْ فِيهِ أَمْوَالُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ تَحَوّلُوا مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَإِنّ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ قَدْ جَاءُوا لِحَرْبِ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَقَدْ ظَاهَرْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ وَبَلَدُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ بِغَيْرِهِ فَلَيْسُوا كَأَنْتُمْ فَإِنْ رَأَوْا نُهْزَةً أَصَابُوهَا ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ لَحِقُوا بِبِلَادِهِمْ وَخَلّوْا بَيْنَكُمْ [ ص 230 ] خَلَا بِكُمْ فَلَا تُقَاتِلُوا مَعَ الْقَوْمِ حَتّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَهْنًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ يَكُونُونَ بِأَيْدِيكُمْ ثِقَةً لَكُمْ عَلَى أَنْ تُقَاتِلُوا مَعَهُمْ مُحَمّدًا حَتّى تُنَاجِزُوهُ فَقَالُوا لَهُ لَقَدْ أَشَرْت بِالرّأْيِ . ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى قُرَيْشًا ، فَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ : قَدْ عَرَفْتُمْ وُدّي لَكُمْ وَفِرَاقِي مُحَمّدًا ، وَإِنّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَمْرٌ قَدْ رَأَيْت عَلَيّ حَقّا أَنْ أُبْلِغَكُمُوهُ نُصْحًا لَكُمْ فَاكْتُمُوا عَنّي ؛ فَقَالُوا : نَفْعَلُ قَالَ تَعْلَمُوا أَنّ مَعْشَرَ يَهُودَ قَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُحَمّدٍ وَقَدْ أَرْسَلُوا إلَيْهِ إنّا قَدْ نَدِمْنَا عَلَى مَا فَعَلْنَا ، ، فَهَلْ يُرْضِيك أَنْ نَأْخُذَ لَك مِنْ الْقَبِيلَتَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ رِجَالًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ فَنُعْطِيكَهُمْ فَتَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ ثُمّ نَكُونُ مَعَك عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ حَتّى نَسْتَأْصِلَهُمْ ؟ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ أَنْ نَعَمْ . فَإِنْ بَعَثَتْ إلَيْكُمْ يَهُودُ يَلْتَمِسُونَ مِنْكُمْ رَهْنًا مِنْ رِجَالِكُمْ فَلَا تَدْفَعُوا إلَيْهِمْ مِنْكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا . ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى غَطَفَانَ ، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ غَطَفَانَ ، إنّكُمْ أَصْلِي وَعَشِيرَتِي ، وَأَحَبّ النّاسِ إلَيّ وَلَا أَرَاكُمْ تَتّهِمُونِي ؛ قَالُوا : صَدَقْت ، مَا أَنْتَ عِنْدَنَا بِمُتّهَمٍ قَالَ فَاكْتُمُوا عَنّي ؛ قَالُوا : نَفْعَلُ فَمَا أَمْرُك ؟ ، ثُمّ قَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ لِقُرَيْشِ وَحَذّرَهُمْ مَا حَذّرَهُمْ .

[ دَبِيبُ الْفُرْقَةِ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ ]
فَلَمّا كَانَتْ لَيْلَةُ السّبْتِ مِنْ شَوّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَكَانَ مِنْ صُنْعِ اللّهِ لِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَرْسَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَرُءُوسُ غَطَفَانَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ ، فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ ، فَقَالُوا لَهُمْ إنّا لَسْنَا بِدَارِ مُقَامٍ ، قَدْ هَلَكَ الْخُفّ وَالْحَافِرُ فَاغْدُوَا لِلْقِتَالِ حَتّى نُنَاجِزَ مُحَمّدًا ، وَنَفْرُغَ مِمّا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَأَرْسَلُوا إلَيْهِمْ إنّ الْيَوْمَ يَوْمُ السّبْتِ وَهُوَ ( يَوْمٌ ) لَا نَعْمَلُ فِيهِ شَيْئًا ، وَقَدْ كَانَ أَحْدَثَ فِيهِ بَعْضُنَا حَدَثًا ، فَأَصَابَهُ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكُمْ وَلَسْنَا مَعَ ذَلِكَ بِاَلّذِينَ نُقَاتِلُ مَعَكُمْ مُحَمّدًا حَتّى تُعْطُونَا رَهْنًا مِنْ رِجَالِكُمْ يَكُونُونَ بِأَيْدِينَا ثِقَةً لَنَا حَتّى نُنَاجِزَ مُحَمّدًا ، فَإِنّا نَخْشَى إنّ ضَرّسَتْكُمْ الْحَرْبُ وَاشْتَدّ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَنْ تَنْشَمِرُوا إلَى بِلَادِكُمْ وَتَتْرُكُونَا ، وَالرّجُلَ فِي بَلَدِنَا ، وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِذَلِكَ مِنْهُ . [ ص 231 ] قَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ ، قَالَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ : وَاَللّهِ إنّ الّذِي حَدّثَكُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقّ ، فَأَرْسِلُوا بَنِي قُرَيْظَةَ إنّا وَاَللّهِ لَا نَدْفَعُ إلَيْكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا مِنْ رِجَالِنَا ، فَإِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ الْقِتَالَ فَاخْرُجُوا فَقَاتِلُوا ؛ فَقَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ ، حِينَ انْتَهَتْ الرّسُلُ إلَيْهِمْ بِهَذَا : إنّ الّذِي ذَكَرَ لَكُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقّ ، مَا يُرِيدُ الْقَوْمُ إلّا أَنْ يُقَاتِلُوا ، فَإِنْ رَأَوْا فُرْصَةً انْتَهَزُوهَا ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ انْشَمَرُوا إلَى بِلَادِهِمْ . وَخَلّوْا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الرّجُلِ فِي بَلَدِكُمْ فَأَرْسِلُوا إلَى قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ : إنّا وَاَللّهِ لَا نُقَاتِلُ مَعَكُمْ مُحَمّدًا حَتّى تُعْطُونَا رَهْنًا ؛ فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ وَخَذّلَ اللّهُ بَيْنَهُمْ وَبَعَثَ اللّهُ عَلَيْهِمْ الرّيحَ فِي لَيَالٍ شَاتِيَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ فَجَعَلَتْ تَكْفَأُ قُدُورَهُمْ وَتَطْرَحُ أَبْنِيَتَهُمْ

[ أَرْسَلَ الرّسُولُ حُذَيْفَةَ لِيَتَعَرّفَ مَا حَلّ بِالْمُشْرِكِينَ ]
( قَالَ ) : فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا اخْتَلَفَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَا فَرّقَ اللّهُ مِنْ جَمَاعَتِهِمْ دَعَا حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ ، فَبَعَثَهُ إلَيْهِمْ لِيَنْظُرَ مَا فَعَلَ الْقَوْمُ لَيْلًا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، قَالَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ أَرَأَيْتُمْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصَحِبْتُمُوهُ ؟ قَالَ نَعَمْ يَا ابْنَ أَخِي ، قَالَ فَكَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ ؟ [ ص 232 ] قَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ كُنّا نَجْهَدُ قَالَ فَقَالَ وَاَللّهِ لَوْ أَدْرَكْنَاهُ مَا تَرَكْنَاهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَلَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَعْنَاقِنَا . قَالَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ يَا ابْنَ أَخِي ، وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْخَنْدَقِ وَصَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوِيّا مِنْ اللّيْلِ ثُمّ الْتَفَتَ إلَيْنَا فَقَالَ مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرُ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ ثُمّ يَرْجِعُ - يَشْرِطُ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الرّجْعَةَ - أَسْأَلُ اللّهَ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ رَفِيقِي فِي الْجَنّةِ ؟ فَمَا قَامَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ ، مِنْ شِدّةِ الْخَوْفِ وَشِدّةِ الْجُوعِ وَشِدّةِ الْبَرْدِ فَلَمّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ ، دَعَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يَكُنْ لِي بُدّ مِنْ الْقِيَامِ حِينَ دَعَانِي ؛ فَقَالَ يَا حُذَيْفَةُ اذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْمِ ، فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُونَ وَلَا تُحْدِثَنّ شَيْئًا حَتّى تَأْتِيَنَا . قَالَ فَذَهَبْت فَدَخَلْت فِي الْقَوْمِ وَالرّيحُ وَجُنُودُ اللّهِ تَفْعَلُ بِهِمْ مَا تَفْعَلُ لَا تُقِرّ لَهُمْ قِدْرًا وَلَا نَارًا وَلَا بِنَاءً . فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ : لِيَنْظُرْ امْرُؤٌ مَنْ جَلِيسُهُ ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ فَأَخَذْت بِيَدِ الرّجُلِ الّذِي كَانَ إلَى جَنْبِي ، فَقُلْت : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ

[ مُنَادَاةُ أَبَى سُفْيَانَ فِيهِمْ بِالرّحِيلِ ]
ثُمّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّكُمْ وَاَللّهِ مَا أَصْبَحْتُمْ بِدَارِ مُقَامٍ لَقَدْ هَلَكَ الْكُرَاعُ وَالْخُفّ ، وَأَخْلَفَتْنَا بَنُو قُرَيْظَةَ ، وَبَلَغَنَا عَنْهُمْ الّذِي نَكْرَهُ وَلَقِينَا مِنْ شِدّةِ الرّيحِ مَا تَرَوْنَ مَا تَطْمَئِنّ لَنَا قِدْرٌ وَلَا تَقُومُ لَنَا نَارٌ وَلَا يَسْتَمْسِكُ لَنَا بِنَاءٌ فَارْتَحِلُوا فَإِنّي مُرْتَحِلٌ ثُمّ قَامَ إلَى جَمَلِهِ وَهُوَ مَعْقُولٌ فَجَلَسَ عَلَيْهِ ثُمّ ضَرَبَهُ فَوَثَبَ بِهِ عَلَى ثَلَاثٍ فَوَاَللّهِ مَا أَطْلَقَ عِقَالَهُ إلّا وَهُوَ قَائِمٌ وَلَوْلَا عَهْدُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيّ " أَنْ لَا تُحْدِثَ شَيْئًا حَتّى تَأْتِيَنِي " ، ثُمّ شِئْت ، لَقَتَلْته بِسَهْمِ .

[ رُجُوعُ حُذَيْفَةَ إلَى الرّسُولِ بِتَخَاذُلِ الْمُشْرِكِينَ وَانْصِرَافِهِمْ ]
[ ص 233 ] قَالَ حُذَيْفَةُ فَرَجَعْتُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي فِي مِرْطٍ لِبَعْضِ نِسَائِهِ مَرَاجِلُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْمَرَاجِلُ ضَرْبٌ مِنْ وَشَى الْيَمَنِ . فَلَمّا رَآنِي أَدْخَلَنِي إلَى رِجْلَيْهِ وَطَرَحَ عَلَيّ طَرَفَ الْمِرْطِ ثُمّ رَكَعَ وَسَجَدَ وَإِنّي لِفِيهِ فَلَمّا سَلّمَ أَخْبَرْته الْخَبَرَ ، وَسَمِعَتْ غَطَفَانُ بِمَا فَعَلَتْ قُرَيْشٌ ، فَانْشَمَرُوا رَاجِعِينَ إلَى بِلَادِهِمْ .
[ انْصِرَافُ الرّسُولِ عَنْ الْخَنْدَقِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ انْصَرَفَ عَنْ الْخَنْدَقِ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ وَالْمُسْلِمُونَ وَوَضَعُوا السّلَاحَ .

غَزْوَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ
[ أَمْرُ اللّهِ لِرَسُولِهِ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ بِحَرْبِ بَنِي قُرَيْظَةَ ]
فَلَمّا كَانَتْ الظّهْرُ أَتَى جِبْرِيلُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي الزّهْرِيّ ، مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةِ مِنْ إسْتَبْرَقٍ عَلَى بَغْلَةٍ عَلَيْهَا رِحَالَةٌ عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ فَقَالَ أَوَقَدْ وَضَعْتَ السّلَاحَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ جِبْرِيلُ فَمَا وَضَعَتْ الْمَلَائِكَةُ السّلَاحَ بَعْدُ وَمَا رَجَعَتْ الْآنَ إلّا مِنْ طَلَبِ الْقَوْمِ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ يَأْمُرُك يَا مُحَمّدُ بِالْمَسِيرِ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَإِنّي عَامِدٌ إلَيْهِمْ فَمُزَلْزِلٌ بِهِمْ .

[ دَعْوَةُ الرّسُولِ الْمُسْلِمِينَ لِلْقِتَالِ ]
[ ص 234 ] فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُؤَذّنًا ، فَأَذّنَ فِي النّاسِ مَنْ كَانَ سَامِعًا مُطِيعًا ، فَلَا يُصَلّيَنّ الْعَصْرَ إلّا بِبَنِي قُرَيْظَة

[ اسْتِعْمَالُ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ ]
وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ .
[ تَقَدّمُ عَلِيّ وَتَبْلِيغُهُ الرّسُولَ مَا سَمِعَهُ مِنْ سُفَهَائِهِمْ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بِرَايَتِهِ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَابْتَدَرَهَا النّاسُ . فَسَارَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، حَتّى إذَا دَنَا مِنْ الْحُصُونِ سَمِعَ مِنْهَا مَقَالَةً قَبِيحَةً لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَجَعَ حَتّى لَقِيَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالطّرِيقِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ لَا عَلَيْك أَنْ لَا تَدْنُوَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَخَابِثِ قَالَ لِمَ ؟ أَظُنّك سَمِعْت مِنْهُمْ لِي أَذًى ؟ قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ لَوْ رَأَوْنِي لَمْ يَقُولُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا . فَلَمّا دَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ حُصُونِهِمْ . قَالَ يَا إخْوَانَ الْقِرَدَةِ هَلْ أَخْزَاكُمْ اللّهُ وَأَنْزَلَ بِكُمْ نِقْمَتَهُ ؟ قَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا كُنْت جَهُولًا

[ سَأَلَ الرّسُولُ عَمّنْ مَرّ بِهِمْ فَقِيلَ دِحْيَةُ فَعَرَفَ أَنّهُ جِبْرِيلُ ]
وَمَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ بِالصّوْرَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَقَالَ هَلْ مَرّ بِكُمْ أَحَدٌ ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ مَرّ بِنَا دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ ، عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ عَلَيْهَا رِحَالَةٌ عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ دِيبَاجٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ جِبْرِيلُ بُعِثَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ يُزَلْزِلُ بِهِمْ حُصُونَهُمْ وَيَقْذِفُ الرّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ وَلَمّا أَتَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَنِي قُرَيْظَةَ نَزَلَ عَلَى بِئْرٍ مِنْ آبَارِهَا مِنْ نَاحِيَةِ أَمْوَالِهِمْ يُقَالُ لَهَا بِئْرُ أُنَا . [ ص 235 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بِئْرُ أَنّى .

[ تَلَاحُقُ الْمُسْلِمِينَ بِالرّسُولِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَتَلَاحَقَ بِهِ النّاسُ فَأَتَى رِجَالٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَلَمْ يُصَلّوا الْعَصْرَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُصَلّيَنّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إلّا بِبَنِي قُرَيْظَةَ فَشَغَلَهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ بُدّ فِي حَرْبِهِمْ وَأَبَوْا أَنْ يُصَلّوا ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى تَأْتُوا بَنِي قُرَيْظَةَ . فَصَلّوْا الْعَصْرَ بِهَا ، بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَمَا عَابَهُمْ اللّهُ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ وَلَا عَنّفَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . حَدّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبُو إسْحَاقَ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيّ .

[ حِصَارُهُمْ وَمَقَالَةُ كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ لَهُمْ ]
( قَالَ ) : وَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً حَتّى جَهَدَهُمْ الْحِصَارُ وَقَذَفَ اللّهُ فِي قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ . وَقَدْ كَانَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ دَخَلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي حِصْنِهِمْ حِينَ رَجَعَتْ عَنْهُمْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ ، وَفَاءً لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ بِمَا كَانَ عَاهَدَهُ عَلَيْهِ . فَلَمّا أَيْقَنُوا بِأَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - غَيْرُ مُنْصَرِفٍ عَنْهُمْ حَتّى يُنَاجِزَهُمْ قَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ لَهُمْ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنْ الْأَمْرِ مَا تَرَوْنَ ، وَإِنّي عَارِضٌ عَلَيْكُمْ خِلَالًا ثَلَاثًا ، فَخُذُوا أَيّهَا شِئْتُمْ قَالُوا : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ نُتَابِعُ هَذَا الرّجُلَ وَنُصَدّقُهُ فَوَاَللّهِ لَقَدْ تَبَيّنَ لَكُمْ أَنّهُ لَنَبِيّ مُرْسَلٌ وَأَنّهُ لَلّذِي تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ فَتَأْمَنُونَ عَلَى دِمَائِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ وَنِسَائِكُمْ . قَالُوا : لَا نُفَارِقُ حُكْمَ التّوْرَاةِ أَبَدًا ، وَلَا نَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ قَالَ فَإِذَا أَبَيْتُمْ عَلَيّ هَذِهِ فَهَلُمّ فَلْنَقْتُلْ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا [ ص 236 ] مُصْلِتِينَ السّيُوفَ لَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا ثَقَلًا ، حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمّدٍ فَإِنْ نَهْلِكْ نَهْلِكُ وَلَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا نَسْلًا نَخْشَى عَلَيْهِ وَإِنْ نَظْهَرْ فَلَعَمْرِي لِنَجِدَنّ النّسَاءَ وَالْأَبْنَاءَ قَالُوا : نَقْتُلُ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينِ فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ ؟ قَالَ فَإِنْ أَبَيْتُمْ عَلَيّ هَذِهِ فَإِنّ اللّيْلَةَ لَيْلَةُ السّبْتِ وَإِنّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَمّنُونَا فِيهَا ، فَانْزِلُوا لَعَلّنَا نُصِيبُ مِنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ غِرّةً قَالُوا : نُفْسِدُ سَبْتَنَا عَلَيْنَا ، وَنُحْدِثُ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا إلّا مَنْ قَدْ عَلِمْت ، فَأَصَابَهُ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْك مِنْ الْمَسْخِ قَالَ مَا بَاتَ رَجُلٌ مِنْكُمْ مُنْذُ وَلَدَتْهُ أُمّهُ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ الدّهْرِ حَازِمًا .

[ أَبُو لُبَابَةَ وَتَوْبَتُهُ ]
( قَالَ ) : ثُمّ إنّهُمْ بَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : أَنْ ابْعَثْ إلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْأَوْسِ ، لِنَسْتَشِيرَهُ فِي أَمْرِنَا ، فَأَرْسَلَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَيْهِمْ فَلَمّا رَأَوْهُ قَامَ إلَيْهِ الرّجَالُ وَجَهَشَ إلَيْهِ النّسَاءُ وَالصّبْيَانُ يَبْكُونَ فِي وَجْهِهِ فَرَقّ لَهُمْ وَقَالُوا لَهُ يَا أَبَا لُبَابَةَ أَتَرَى أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ مُحَمّدٍ ؟ قَالَ نَعَمْ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى حَلْقِهِ إنّهُ الذّبْحُ . قَالَ أَبُو لُبَابَةَ فَوَاَللّهِ مَا زَالَتْ قَدَمَايَ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتّى عَرَفْتُ [ ص 237 ] - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ثُمّ انْطَلَقَ أَبُو لُبَابَةَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حَتّى ارْتَبَطَ فِي الْمَسْجِدِ إلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِهِ وَقَالَ لَا أَبْرَحُ مَكَانِي هَذَا حَتّى يَتُوبَ اللّهُ عَلَيّ مِمّا صَنَعْت ، وَعَاهَدَ اللّهَ أَنْ لَا أَطَأَ بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا ، وَلَا أُرَى فِي بَلَدٍ خُنْت اللّهَ وَرَسُولَهُ فِيهِ أَبَدًا .

[ مَا نَزَلَ فِي خِيَانَةِ أَبَى لُبَابَةَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي أَبِي لُبَابَةَ فِيمَا قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللّهَ وَالرّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

[ مَوْقِفُ الرّسُولِ مِنْ أَبِي لُبَابَةَ وَتَوْبَةُ اللّهِ عَلَيْهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - خَبَرُهُ وَكَانَ قَدْ اَسْتَبْطَأَهُ قَالَ أَمَا إنّهُ لَوْ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ فَأَمّا إذْ قَدْ فَعَلَ مَا فَعَل فَمَا أَنَا بِاَلّذِي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانِهِ حَتّى يَتُوبَ اللّهُ عَلَيْهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُسَيْطٍ أَنّ تَوْبَةَ أَبَى لُبَابَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ السّحَرِ وَهُوَ فِي بَيْتِ أُمّ سَلَمَةَ . ( فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ ) : فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ السّحَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ . قَالَتْ فَقُلْت : مِمّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ أَضْحَكَ اللّهُ سِنّك ؛ قَالَ تِيبَ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ ، قَالَتْ قُلْت : أَفَلَا أُبَشّرُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ بَلَى ، إنْ شِئْتِ
قَالَ فَقَامَتْ عَلَى بَابِ حُجْرَتِهَا ، وَذَلِك قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِنّ الْحِجَابُ فَقَالَتْ يَا أَبَا لُبَابَةَ أَبْشِرْ فَقَدْ تَابَ اللّهُ عَلَيْك . قَالَتْ فَثَارَ النّاسُ إلَيْهِ لِيُطْلِقُوهُ فَقَالَ لَا وَاَللّهِ حَتّى يَكُونَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - هُوَ الّذِي يُطْلِقُنِي بِيَدِهِ فَلَمّا مَرّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - خَارِجًا إلَى صَلَاةِ الصّبْحِ أَطْلَقَهُ .

[ مَا نَزَلَ فِي التّوْبَةِ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ ]
[ ص 238 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ مُرْتَبِطًا بِالْجِذْعِ سِتّ لَيَالٍ . تَأْتِيهِ امْرَأَتُهُ فِي كُلّ وَقْتِ صَلَاةٍ فَتَحُلّهُ لِلصّلَاةِ ثُمّ يَعُودُ فَيَرْتَبِطُ بِالْجِذْعِ فِيمَا حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْآيَةُ الّتِي نَزَلَتْ فِي تَوْبَتِهِ قَوْلُ اللّهِ - عَزّ وَجَلّ - : { وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيّئًا عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

[ إسْلَامُ نَفَرٍ مِنْ بَنِي هُدَلٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ ثَعْلَبَةَ بْنَ سَعْيَةَ ، وَأُسَيْدَ بْنَ سَعْيَةَ . وَأَسَدَ بْنَ عُبَيْدٍ ، وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي هُدَلٍ لَيْسُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَلَا النّضِيرِ نَسَبُهُمْ فَوْقَ ذَلِكَ هُمْ بَنُو عَمّ الْقَوْمِ أَسْلَمُوا تِلْكَ اللّيْلَةَ الّتِي نَزَلَتْ فِيهَا بَنُو قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - .

[ أَمْرُ عَمْرِو بْنِ سُعْدَى ]
وَخَرَجَ فِي تِلْكَ اللّيْلَةِ عَمْرُو بْنُ سُعْدَى الْقَرَظِيُ فَمَرّ بِحَرَسِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَعَلَيْهِ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ تِلْكَ اللّيْلَةَ فَلَمّا رَآهُ قَالَ مَنْ هَذَا ؟ قَالَ أَنَا عَمْرُو بْنُ سُعْدَى - وَكَانَ عَمْرٌو قَدْ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي غَدْرِهِمْ بِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَقَالَ لَا أَغْدِرُ بِمُحَمّدِ أَبَدًا - فَقَالَ مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمَة حِينَ عَرَفَهُ اللّهُمّ لَا تَحْرِمْنِي إقَالَةَ عَثَرَاتِ الْكِرَامِ ثُمّ خَلّى سَبِيلَهُ . فَخَرَجَ عَلَى وَجْهِهِ حَتّى أَتَى بَابَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِالْمَدِينَةِ تِلْكَ اللّيْلَةِ ثُمّ ذَهَبَ فَلَمْ يُدْرَ أَيْنَ تَوَجّهَ مِنْ الْأَرْضِ إلَى يَوْمِهِ هَذَا ، فَذُكِرَ لِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - شَأْنُهُ فَقَالَ ذَاكَ رَجُلٌ نَجّاهُ اللّهُ بِوَفَائِهِ وَبَعْضُ النّاسِ يَزْعُمُ أَنّهُ كَانَ أُوثِقَ بِرُمّةِ فِيمَنْ أُوثِقَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَة َ حِينَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ [ ص 239 ] - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَأَصْبَحَتْ رُمّتُهُ مُلْقَاةً وَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيهِ تِلْكَ الْمَقَالَةَ وَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ .

[ نُزُولُ بَنِي قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ الرّسُولِ وَتَحْكِيمُ سَعْدٍ ]
( قَالَ ) فَلَمّا أَصْبَحُوا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَتَوَاثَبَتْ الْأَوْسُ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُمْ مَوَالِينَا دُونَ الْخَزْرَجِ ، وَقَدْ فَعَلْتَ فِي مَوَالِي إخْوَانِنَا بِالْأَمْسِ مَا قَدْ عَلِمْت - وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَبْلَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَدْ حَاصَرَ بَنِي قَيْنُقَاعِ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَسَأَلَهُ إيّاهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ ، فَوَهَبَهُمْ لَهُ - فَلَمّا كَلّمَتْهُ الْأَوْسُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : أَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى ؛ قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : فَذَاكَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ جَعَلَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِي خَيْمَةٍ لِامْرَأَةِ مِنْ أَسْلَمَ ، يُقَالُ لَهَا رُفَيْدَةُ فِي مَسْجِدِهِ كَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى ، وَتَحْتَسِبُ بِنَفْسِهَا عَلَى خِدْمَةِ مَنْ كَانَتْ بِهِ ضَيْعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ قَالَ لِقَوْمِهِ حِينَ أَصَابَهُ السّهْمُ بِالْخَنْدَقِ اجْعَلُوهُ فِي خَيْمَةِ رُفَيْدَةَ حَتّى أَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ فَلَمّا حَكّمَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي بَنِي قُرَيْظَةَ أَتَاهُ قَوْمُهُ فَحَمَلُوهُ عَلَى حِمَارٍ قَدْ وَطّئُوا لَهُ بِوِسَادَةِ مِنْ أَدَمٍ وَكَانَ رَجُلًا جَسِيمًا جَمِيلًا ، ثُمّ أَقْبَلُوا مَعَهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَهُمْ يَقُولُونَ يَا أَبَا عَمْرٍو ، أَحْسِنْ فِي مَوَالِيك ، فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إنّمَا وَلّاك ذَلِكَ لِتُحْسِنَ فِيهِمْ فَلَمّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ لَقَدْ آنَ لِسَعْدٍ أَنْ لَا تَأْخُذَهُ فِي اللّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ . فَرَجَعَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ إلَى دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، فَنَعَى لَهُمْ رِجَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِمْ سَعْدٌ عَنْ كَلِمَتِهِ الّتِي سَمِعَ مِنْهُ . فَلَمّا انْتَهَى سَعْدٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : [ ص 240 ] قُومُوا إلَى سَيّدِكُمْ فَأَمّا الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَيَقُولُونَ إنّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الْأَنْصَارَ ؛ وَأَمّا الْأَنْصَارُ ، فَيَقُولُونَ قَدْ عَمّ بِهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَامُوا إلَيْهِ فَقَالُوا : يَا أَبَا عَمْرٍو ، إنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ وَلّاك أَمْرَ مَوَالِيك لِتَحْكُمَ فِيهِمْ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللّهِ وَمِيثَاقُهُ ، أَنّ الْحُكْمَ فِيهِمْ لَمَا حَكَمْتُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ وَعَلَى مَنْ هَاهُنَا ؟ فِي النّاحِيَةِ الّتِي فِيهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إجْلَالًا لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : نَعَمْ قَالَ سَعْدٌ فَإِنّي أَحُكْمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الرّجَالُ وَتُقَسّمُ الْأَمْوَالُ وَتُسْبَى الذّرَارِيّ وَالنّسَاءُ .

[ رِضَاءُ الرّسُولِ بِحُكْمِ سَعْدٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقّاصٍ اللّيْثِيّ ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لِسَعْدٍ لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ
[ سَبَبُ نُزُولِ بَنِي قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ فِي رَأْيِ ابْنِ هِشَامٍ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي بَعْضُ مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ صَاحَ وَهُمْ مُحَاصِرُو بَنِي قُرَيْظَة َ : يَا كَتِيبَةَ الْإِيمَانِ ، وَتَقَدّمَ هُوَ وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ ، وَقَالَ وَاَللّهِ لَأَذُوقَنّ مَا ذَاقَ حَمْزَةُ أَوْ لَأُفْتَحَنّ حِصْنَهُمْ فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ نَنْزِلُ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ .

[ مَقْتَلُ بَنِي قُرَيْظَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : [ ص 241 ] ثُمّ اسْتَنْزَلُوا ، فَحَبَسَهُمْ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِالْمَدِينَةِ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النّجّارِ ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَى سُوقِ الْمَدِينَةِ ، الّتِي هِيَ سُوقُهَا الْيَوْمَ فَخَنْدَقَ بِهَا خَنَادِقَ ثُمّ بَعَثَ إلَيْهِمْ فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ فِي تِلْكَ الْخَنَادِقِ يُخْرَجُ بِهِمْ إلَيْهِ أَرْسَالًا ، وَفِيهِمْ عَدُوّ اللّهِ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ، رَأْسُ الْقَوْمِ وَهُمْ سِتّ مِئَةٍ أَوْ سَبْعُ مِئَةٍ وَالْمُكْثِرُ لَهُمْ يَقُولُ كَانُوا بَيْنَ الثّمَانِ مِئَةٍ وَالتّسْعِ مِئَةٍ . وَقَدْ قَالُوا لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ ، وَهُمْ يُذْهَبُ بِهِمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَرْسَالًا : يَا كَعْبُ مَا تَرَاهُ يُصْنَعُ بِنَا ؟ قَالَ أَفِي كُلّ مَوْطِنٍ لَا تَعْقِلُونَ ؟ أَلَا تَرَوْنَ الدّاعِيَ لَا يَنْزِعُ وَأَنّهُ مَنْ ذُهِبَ بِهِ مِنْكُمْ لَا يَرْجِعُ ؟ هُوَ وَاَللّهِ الْقَتْلُ فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الدّأْبُ حَتّى فَرَغَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ

[ مَقْتَلُ ابْنِ أَخْطَبَ وَشِعْرُ ابْنِ جَوّالٍ فِيهِ ]
وَأُتِيَ بِحُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ عَدُوّ اللّهِ وَعَلَيْهِ حُلّةٌ لَهُ فَقّاحِيّةٌ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَقّاحِيّةٌ ضَرْبٌ مِنْ الْوَشَى - قَدْ شَقّهَا عَلَيْهِ مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ ( أُنْمُلَة ) لِئَلّا يُسْلَبَهَا ، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ بِحَبْلِ . فَلَمّا نَظَرَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ أَمَا وَاَللّهِ مَا لُمْت نَفْسِي فِي عَدَاوَتِك ، وَلَكِنّهُ مَنْ يَخْذُلُ اللّهَ يُخْذَلْ ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّهُ لَا بَأْسَ بِأَمْرِ اللّهِ كِتَابٌ وَقَدَرٌ وَمَلْحَمَةٌ كَتَبَهَا اللّهُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ ثُمّ جَلَسَ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ . فَقَالَ جَبَلُ بْنُ جَوّالٍ الثّعْلَبِيّ :
لَعَمْرُك مَا لَامَ ابْنُ أَخْطَبَ نَفْسَهُ ... وَلَكِنّهُ مَنْ يَخْذُلُ اللّهُ يُخْذَلْ
لَجَاهَدَ حَتّى أَبْلَغَ النّفْسَ عُذْرَهَا ... وَقَلْقَلَ يَبْغِي الْعِزّ كُلّ مُقَلْقَلِ

[ قَتَلَ مِنْ نِسَائِهِمْ امْرَأَةً وَاحِدَةً ]
[ ص 242 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَة َ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ أَنّهَا قَالَتْ لَمْ يُقْتَلْ مِنْ نِسَائِهِمْ إلّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ . قَالَتْ وَاَللّهِ إنّهَا لِعِنْدِي تَحَدّتُ مَعِي ، وَتَضْحَكُ ظَهْرًا وَبَطْنًا ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْتُلُ رِجَالَهَا فِي السّوقِ إذْ هَتَفَ هَاتِفٌ بِاسْمِهَا : أَيْنَ فُلَانَةُ ؟ قَالَتْ أَنَا وَاَللّهِ قَالَتْ قُلْت لَهَا : وَيْلَك ؛ مَا لَك ؟ قَالَتْ أُقْتَلُ قُلْت : وَلِمَ ؟ قَالَتْ لِحَدَثِ أَحْدَثْته ؛ قَالَتْ فَانْطَلَقَ بِهَا ، فَضُرِبَتْ عُنُقُهَا ؛ فَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ فَوَاَللّهِ مَا أَنْسَى عَجَبًا مِنْهَا ، طِيبَ نَفْسِهَا ، وَكَثْرَةَ ضَحِكِهَا ، وَقَدْ عَرَفَتْ أَنّهَا تُقْتَلُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهِيَ الّتِي طَرَحَتْ الرّحَا عَلَى خَلّادِ بْنِ سُوَيْدٍ ، فَقَتَلَتْهُ .

[ شَأْنُ الزّبَيْرِ بْنِ بَاطَا ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ كَمَا ذَكَرَ لِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، أَتَى الزّبَيْرَ بْنَ بَاطَا الْقُرَظِيّ وَكَانَ يُكَنّى أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ - وَكَانَ الزّبَيْرُ قَدْ مَنّ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ . ذَكَرَ لِي بَعْضُ وَلَدِ الزّبَيْرِ أَنّهُ كَانَ مَنّ عَلَيْهِ يَوْمَ بُعَاثٍ أَخَذَهُ فَجَزّ نَاصِيَتَهُ ثُمّ خَلّى سَبِيلَهُ - فَجَاءَهُ ثَابِتٌ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ هَلْ تَعْرِفُنِي ؟ قَالَ وَهَلْ يَجْهَلُ مِثْلِي مِثْلَك ؛ قَالَ إنّي قَدْ أَرَدْت أَنْ أَجْزِيَك بِيَدِك عِنْدِي ؛ قَالَ إنّ الْكَرِيمَ يَجْزِي الْكَرِيمَ . ثُمّ أَتَى ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ قَدْ كَانَتْ لِلزّبَيْرِ عَلَيّ مِنّةٌ وَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ أَجْزِيَهُ بِهَا ، فَهَبْ لِي دَمَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ لَك ؛ فَأَتَاهُ فَقَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ وَهَبَ لِي دَمَك ، فَهُوَ لَك ، قَالَ شَيْخُ كَبِيرٌ لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا وَلَدٌ فَمَا يَصْنَعُ بِالْحَيَاةِ ؟ قَالَ فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي يَا رَسُولَ اللّهِ هَبْ لِي امْرَأَتَهُ وَوَلَدَهُ قَالَ هُمْ لَك . قَالَ فَأَتَاهُ فَقَالَ قَدْ وَهَبَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَهْلَك وَوَلَدَك ، فَهُمْ لَك ؛ قَالَ أَهْلُ بَيْتٍ بِالْحِجَازِ لَا مَالَ لَهُمْ فَمَا بَقَاؤُهُمْ عَلَى ذَلِكَ ؟ فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَالَهُ قَالَ هُوَ لَك . فَأَتَاهُ ثَابِتٌ فَقَالَ قَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَالَك ، فَهُوَ لَك [ ص 243 ] قَالَ أَيْ ثَابِتٌ مَا فَعَلَ الّذِي كَأَنّ وَجْهَهُ مِرْآةٌ صِينِيّةٌ يَتَرَاءَى فِيهَا عَذَارَى الْحَيّ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ؟ قَالَ قُتِلَ قَالَ فَمَا فَعَلَ سَيّدُ الْحَاضِرِ وَالْبَادِي حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ؟ قَالَ قُتِلَ قَالَ فَمَا فَعَلَ مُقَدّمَتُنَا إذَا شَدَدْنَا ، وَحَامِيَتُنَا إذَا فَرَرْنَا ، عَزّالُ بْنُ سَمَوْأَلَ ؟ قَالَ قُتِلَ قَالَ فَمَا فَعَلَ الْمُجْلِسَانِ ؟ يَعْنِي بَنِي كَعْبِ بْنِ قُرَيْظَةَ وَبَنِيّ عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ قَالَ ذَهَبُوا قُتِلُوا ؟ قَالَ فَأَنّي أَسْأَلُك يَا ثَابِتُ بِيَدِي عِنْدَك إلّا أَلْحَقْتنِي بِالْقَوْمِ فَوَاَللّهِ مَا فِي الْعَيْشِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ مِنْ خَيْرٍ فَمَا أَنَا بِصَابِرِ لِلّهِ فَتْلَةَ دَلْوٍ نَاضِحٍ حَتّى أَلْقَى الْأَحِبّةَ . فَقَدّمَهُ ثَابِتٌ فَضُرِبَ عُنُقُهُ . فَلَمّا بَلَغَ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ قَوْلَهُ أَلْقَى الْأَحِبّةَ . قَالَ يَلْقَاهُمْ وَاَللّهِ فِي نَارِ جَهَنّمَ خَالِدًا فِيهَا مُخَلّدًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قِبْلَةَ دَلْوٍ نَاضِحٍ . ( و ) قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سَلْمَى فِي " قِبْلَةٍ " :
وَقَابِلٍ يَتَغَنّى كُلّمَا قَدَرَتْ ... عَلَى الْعَرَاقَى يَدَاهُ قَائِمًا دَفَقَاه
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : وَقَابِلٌ يُتَلَقّى ، يَعْنِي قَابِلَ الدّلْوِ يَتَنَاوَلُ .

[ أَمْرُ عَطِيّةَ وَرِفَاعَةَ ]
[ ص 244 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَمَرَ بِقَتْلِ كُلّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي شُعْبَةُ بْنُ الْحَجّاجِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ عَطِيّةَ الْقُرَظِيّ ، قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَمَرَ أَنْ يُقْتَلَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ كُلّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ وَكُنْت غُلَامًا ، فَوَجَدُونِي لَمْ أُنْبِتْ فَخَلّوْا سَبِيلِي . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَيّوبُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ أَنّ سَلْمَى بِنْتَ قَيْسٍ ، أُمّ الْمُنْذِرِ أُخْتَ سُلَيْطِ بْنِ أُخْتَ سُلَيْطِ بْنِ قَيْسٍ - وَكَانَتْ إحْدَى خَالَاتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ صَلّتْ مَعَهُ الْقِبْلَتَيْنِ وَبَايَعَتْهُ بَيْعَةَ النّسَاءِ - سَأَلَتْهُ رِفَاعَةَ بْنَ سَمَوْأَلَ الْقُرَظِيّ وَكَانَ رَجُلًا قَدْ بَلَغَ فَلَاذَ بِهَا ، وَكَانَ يَعْرِفُهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَالَتْ يَا نَبِيّ اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، هَبْ لِي رِفَاعَةَ ، فَإِنّهُ قَدْ زَعَمَ أَنّهُ سَيُصَلّي وَيَأْكُلُ لَحْمَ الْجَمَلِ قَالَ فَوَهَبَهُ لَهَا ، فَاسْتَحْيَتْهُ

[ قَسْمُ فَيْءِ بَنِي قُرَيْظَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَسَمَ أَمْوَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَعْلَمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سُهْمَانَ الْخَيْلِ وَسُهْمَانَ الرّجَالِ وَأَخْرَجَ مِنْهَا الْخُمُسَ فَكَانَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِفَارِسِهِ سَهْمٌ وَلِلرّاجِلِ مَنْ لَيْسَ لَهُ فَرَسٌ سَهْمٌ . وَكَانَتْ الْخَيْلُ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ سِتّةً وَثَلَاثِينَ فَرَسًا ، وَكَانَ أَوّلَ فَيْءٍ وَقَعَتْ فِيهِ السّهْمَانُ وَأُخْرِجَ مِنْهَا الْخُمْسُ فَعَلَى سُنّتِهَا وَمَا مَضَى مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهَا وَقَعَتْ الْمَقَاسِمُ وَمَضَتْ السّنّةُ فِي الْمَغَازِي . [ ص 245 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ أَخَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بِسَبَايَا مِنْ سَبَايَا بَنِي قُرَيْظَةَ إلَى نَجْدٍ ، فَابْتَاعَ لَهُمْ بِهَا خَيْلًا وَسِلَاحًا .

[ شَأْنُ رَيْحَانَةَ ]
( قَالَ ) : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اصْطَفَى لِنَفْسِهِ مِنْ نِسَائِهِمْ رَيْحَانَةَ بِنْتَ عَمْرِو بْنِ خُنَافَةَ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَمْرِو بْنِ قُرَيْظَةَ فَكَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى تُوُفّيَ عَنْهَا وَهِيَ فِي مِلْكِهِ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَرَضَ عَلَيْهَا أَنْ يَتَزَوّجَهَا ، وَيَضْرِبَ عَلَيْهَا الْحِجَابَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ بَلْ تَتْرُكُنِي فِي مِلْكِك ، فَهُوَ أَخَفّ عَلَيّ وَعَلَيْك ، فَتَرَكَهَا . وَقَدْ كَانَتْ حِينَ سَبَاهَا قَدْ تَعَصّتْ بِالْإِسْلَامِ وَأَبَتْ إلّا الْيَهُودِيّةَ فَعَزَلَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ لِذَلِكَ مِنْ أَمْرِهَا . فَبَيْنَا هُوَ مَعَ أَصْحَابِهِ إذْ سَمِعَ وَقْعَ نَعْلَيْنِ خَلْفَهُ فَقَالَ إنّ هَذَا لِثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ يُبَشّرُنِي بِإِسْلَامِ رَيْحَانَةَ فَجَاءَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ أَسْلَمَتْ رَيْحَانَةُ فَسَرّهُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهَا

[ مَا نَزَلَ فِي الْخَنْدَقِ وَبَنِيّ قُرَيْظَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي أَمْرِ الْخَنْدَقِ ، وَأَمْرِ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ الْقُرْآنِ الْقِصّةَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ ، يَذْكُرُ فِيهَا مَا نَزَلَ مِنْ الْبَلَاءِ وَنِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ وَكِفَايَتِهِ إيّاهُمْ حِينَ فَرّجَ ذَلِكَ عَنْهُمْ بَعْدَ مَقَالَةِ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ النّفَاقِ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا } وَالْجُنُودُ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ وَبَنُو قُرَيْظَةَ ، وَكَانَتْ الْجُنُودُ الّتِي أَرْسَلَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مَعَ الرّيحِ الْمَلَائِكَةَ . يَقُول اللّهُ تَعَالَى : { إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنّونَ بِاللّهِ الظّنُونَ } [ ص 246 ] جَاءُوهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ بَنُو قُرَيْظَةَ ، وَاَلّذِينَ جَاءُوهُمْ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ . يَقُولُ اللّهُ ( تَبَارَكَ و ) تَعَالَى : { هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ إِلّا غُرُورًا } لِقَوْلِ مُعَتّبِ بْنِ قُشَيْرٍ إذْ يَقُولُ مَا قَالَ { وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النّبِيّ يَقُولُونَ إِنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلّا فِرَارًا } لِقَوْلِ أَوْسِ بْنِ قَيْظِيّ وَمَنْ كَانَ عَلَى رَأْيِهِ مِنْ قَوْمِهِ { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا } أَيْ الْمَدِينَةِ .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْأَقْطَارُ الْجَوَانِبُ وَوَاحِدُهَا : قُطْرٌ ، وَهِيَ الْأَقْتَارُ وَوَاحِدُهَا : قَتَرٌ . قَالَ الْفَرَزْدَقُ :
كَمْ مِنْ غِنًى فَتَحَ الْإِلَهُ لَهُمْ بِهِ ... وَالْخَيْلُ مُقْعِيَةٌ عَلَى الْأَقْطَارِ
وَيُرْوَى : " عَلَى الْأَقْتَارِ " . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . { ثُمّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ } أَيْ الرّجُوعَ إلَى الشّرْكِ { لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبّثُوا بِهَا إِلّا يَسِيرًا وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللّهِ مَسْئُولًا } فَهُمْ بَنُو حَارِثَةَ ، وَهُمْ الّذِينَ هَمّوا أَنْ يَفْشَلُوا يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ بَنِي سَلِمَةَ حَيْنَ هَمّتَا بِالْفَشَلِ يَوْمَ أُحُدٍ ، ثُمّ عَاهَدُوا اللّهَ أَنْ لَا يَعُودُوا لِمِثْلِهَا أَبَدًا ، فَذَكَرَ لَهُمْ الّذِي أَعْطَوْا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتّعُونَ إِلّا قَلِيلًا } { قُلْ مَنْ ذَا الّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيّا وَلَا نَصِيرًا قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ الْمُعَوّقِينَ مِنْكُمْ } أَيْ أَهْلَ النّفَاقِ { وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلّا قَلِيلًا } أَيْ إلّا دَفْعًا وَتَعْذِيرًا " [ ص 247 ] { أَشِحّةً عَلَيْكُمْ } أَيْ لِلضّغَنِ الّذِي فِي أَنْفُسِهِمْ { فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ } أَيْ إعْظَامًا لَهُ وَفَرَقًا مِنْهُ { فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } أَيْ فِي الْقَوْلِ بِمَا لَا تُحِبّونَ لِأَنّهُمْ لَا يَرْجُونَ آخِرَةً وَلَا تَحْمِلهُمْ حِسْبَةٌ فَهُمْ يَهَابُونَ الْمَوْتَ هَيْبَةَ مَنْ لَا يَرْجُو مَا بَعْدَهُ .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : { سَلَقُوكُمْ } بَالَغُوا فِيكُمْ بِالْكَلَامِ فَأَحْرَقُوكُمْ وَآذَوْكُمْ . تَقُولُ الْعَرَبُ : خَطِيبٌ سَلّاقٌ وَخَطِيبٌ مُسْلِقٌ وَمِسْلَاقٌ . قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ ابْنِ ثَعْلَبَةَ فِيهِمْ الْمَجْدُ وَالسّمَاحَةُ وَالنّجْ دَةُ فِيهِمْ وَالْخَاطِبُ السّلّاقُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . { يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا } قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ { وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدّوا لَوْ أَنّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلّا قَلِيلًا } ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ } أَيْ لِئَلّا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا عَنْ مَكَانٍ هُوَ بِهِ .

ثُمّ ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ وَصِدْقَهُمْ وَتَصْدِيقَهُمْ بِمَا وَعَدَهُمْ اللّهُ مِنْ الْبَلَاءِ يَخْتَبِرُهُمْ بِهِ فَقَالَ { وَلَمّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا } أَيْ صَبْرًا عَلَى الْبَلَاءِ وَتَسْلِيمًا لِلْقَضَاءِ وَتَصْدِيقًا لِلْحَقّ لَمّا كَانَ اللّهُ تَعَالَى وَعَدَهُمْ وَرَسُولُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 248 ] { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ } أَيْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ وَرَجَعَ إلَى رَبّهِ كَمَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ أُحُدٍ .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : { قَضَى نَحْبَهُ } مَاتَ وَالنّحْبُ النّفْسُ فِيمَا أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ وَجَمْعُهُ نُحُوبٌ . قَالَ ذُو الرّمّةِ
عَشِيّةَ فَرّ الْحَارِثِيّونَ بَعْدَمَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَهَوْبَرُ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ أَرَادَ يَزِيدَ بْنَ هَوْبَرٍ . وَالنّحْبُ ( أَيْضًا ) : النّذْرُ . قَالَ جَرِيرُ بْن الْخَطْفِيّ
بِطِخْفَةَ جَالَدْنَا الْمُلُوكَ وَخَيْلُنَا ... عَشِيّةَ بِسْطَامٍ جَرَيْنَ عَلَى نَحْبِ
يَقُول : عَلَى نَذْرٍ كَانَتْ نَذَرَتْ أَنْ تَقْتُلَهُ فَقَتَلَتْهُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَبِسْطَامٌ بِسْطَامُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَسْعُودٍ الشّيْبَانِيّ وَهُوَ ابْنُ ذِي الْجَدّيْنِ . حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّهُ كَانَ فَارِسَ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ . وَطِخْفَةُ : مَوْضِعٌ بِطَرِيقِ الْبَصْرَةِ وَالنّحْبُ ( أَيْضًا ) : الْخِطَارُ وَهُوَ الرّهَانُ . قَالَ الْفَرَزْدَقُ :
وَإِذْ نَحَبَتْ كَلْبٌ عَلَى النّاسِ أَيّنَا ... عَلَى النّحْبِ أَعْطَى لِلْجَزِيلِ وَأَفْضَلُ
وَالنّحْبُ ( أَيْضًا ) : الْبُكَاءُ . وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ يُنْتَحَبُ . وَالنّحْبُ ( أَيْضًا ) : الْحَاجَةُ وَالْهِمّةُ تَقُولُ مَا لِي عِنْدَهُمْ نَحْبٌ . قَالَ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرَةَ الْيَرْبُوعِي :
وَمَا لِي نَحْبٌ عِنْدَهُمْ غَيْرَ أَنّنِي ... تَلَمّسْت مَا تَبْغِي مِنْ الشّدُنِ الشّجْزِ
وَقَالَ نَهَارُ بْنُ تَوْسِعَةَ أَحَدُ بَنِي تَيْمِ اللّاتِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ . [ ص 249 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَؤُلَاءِ مَوَالِي بَنِي حَنِيفَةَ
وَنَجّى يُوسُفَ الثّقَفِيّ رَكْضٌ ... دِرَاكٌ بَعْدَ مَا وَقَعَ اللّوَاءُ
وَلَوْ أَدْرَكْنَهُ لَقَضَيْنَ نَحْبًا ... بِهِ وَلِكُلّ مُخْطَأَةٍ وِقَاءُ
وَالنّحْبُ ( أَيْضًا ) : السّيْرُ الْخَفِيفُ الْمُرّ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ } أَيْ مَا وَعَدَ اللّهُ بِهِ مِنْ نَصْرِهِ وَالشّهَادَةُ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ . يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : { وَمَا بَدّلُوا تَبْدِيلًا } أَيْ مَا شَكّوا وَمَا تَرَدّدُوا فِي دِينِهِمْ وَمَا اسْتَبْدَلُوا بِهِ غَيْرَهُ . { لِيَجْزِيَ اللّهُ الصّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَرَدّ اللّهُ الّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ } أَيْ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ { لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللّهُ قَوِيّا عَزِيزًا وَأَنْزَلَ الّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } أَيْ بَنِي قُرَيْظَةَ { مِنْ صَيَاصِيهِمْ } وَالصّيَاصِيّ الْحُصُونُ وَالْآطَامُ الّتِي كَانُوا فِيهَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَ سُحَيْمٌ عَبْدُ بَنِي الْحِسْحَاسِ وَبَنُو الْحِسْحَاسِ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ :
وَأَصْبَحَتْ الثّيرَانُ صَرْعَى وَأَصْبَحَتْ ... نِسَاءُ تَمِيمٍ يَبْتَدِرْنَ الصّيَاصِيَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَالصّيَاصِيّ ( أَيْضًا ) : الْقُرُونُ . قَالَ النّابِغَةُ الْجَعْدِيّ
وِسَادَةَ رَهْطِي حَتّى بَقِيتُ ... فَرْدًا كَصَيْصِيَةِ الْأَعْضَبِ
يَقُول : أَصَابَ الْمَوْتُ سَادَةَ رَهْطِي . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَالَ أَبُو دَواُدَ الْإِيَادِيّ [ ص 250 ] وَقَارُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَالصّيَاصِيّ ( أَيْضًا ) : الشّوْكُ الّذِي لِلنّسّاجِينَ فِيمَا أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ . وَأَنْشَدَنِي لِدُرَيْدِ بْنِ الصّمّةِ الْجُشَمِىّ جُشَمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ
نَظَرْتُ إلَيْهِ وَالرّمَاحُ تَنُوشُهُ ... كَوَقْعِ الصّيَاصِي فِي النّسِيجِ الْمُمَدّدِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَالصّيَاصِيّ ( أَيْضًا ) : الّتِي تَكُونُ فِي أَرْجُلِ الدّيَكَةِ نَاتِئَةً كَأَنّهَا الْقُرُونُ الصّغَارُ وَالصّيَاصِيّ ( أَيْضًا ) : الْأُصُولُ . أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ الْعَرَبَ تَقُولُ جَذّ اللّهُ صِيصِيَتَهُ أَيْ أَصْلَهُ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا } أَيْ قَتَلَ الرّجَالَ وَسَبَى الذّرَارِيّ وَالنّسَاءَ { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا } يَعْنِي خَيْبَرَ { وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرًا }

[ وَفَاةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَمَا ظَهَرَ مَعَ ذَلِكَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا انْقَضَى شَأْنُ بَنِي قُرَيْظَة َ انْفَجَرَ بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ جُرْحُهُ فَمَاتَ مِنْهُ شَهِيدًا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ الزّرَقِيّ ، قَالَ حَدّثَنِي مَنْ شِئْت مِنْ رِجَالِ قَوْمِي : أَنّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ قُبِضَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةِ مِنْ إسْتَبْرَقٍ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ مَنْ هَذَا الْمَيّتُ الّذِي فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السّمَاءِ وَاهْتَزّ لَهُ الْعَرْشُ ؟ قَالَ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَرِيعًا يَجُرّ ثَوْبَهُ إلَى سَعْدٍ فَوَجَدَهُ قَدْ مَاتَ [ ص 251 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ قَالَتْ أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ قَافِلَةً مِنْ مَكّةَ ، وَمَعَهَا أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَلَقِيَهُ مَوْتُ امْرَأَةٍ لَهُ فَحَزِنَ عَلَيْهَا بَعْضَ الْحُزْنِ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ يَغْفِرُ اللّهُ لَك يَا أَبَا يَحْيَى ، أَتَحْزَنُ عَلَى امْرَأَةٍ وَقَدْ أُصِبْت بِابْنِ عَمّك ، وَقَدْ اهْتَزّ لَهُ الْعَرْشُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ ، قَالَ كَانَ سَعْدٌ رَجُلًا بَادِنًا ، فَلَمّا حَمَلَهُ النّاسُ وَجَدُوا لَهُ خِفّةً فَقَالَ رِجَالٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَاَللّهِ إنْ كَانَ لَبَادِنَا ، وَمَا حَمَلْنَا مِنْ جِنَازَةٍ أَخَفّ مِنْهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّ لَهُ حَمَلَةً غَيْرَكُمْ ، وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ اسْتَبْشَرَتْ الْمَلَائِكَةُ بِرُوحِ سَعْدٍ وَاهْتَزّ لَهُ الْعَرْشُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ لَمّا دُفِنَ سَعْدٌ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَبّحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَبّحَ النّاسُ مَعَهُ ثُمّ كَبّرَ فَكَبّرَ النّاسُ مَعَهُ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ مِمّ سَبّحْت ؟ قَالَ لَقَدْ تَضَايَقَ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ الصّالِحِ قَبْرُهُ ، حَتّى فَرّجَهُ اللّهُ عَنْهُ [ ص 252 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَمَجَازُ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُ عَائِشَةَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ لِلْقَبْرِ لَضَمّةً لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْهَا نَاجِيًا لَكَانَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلِسَعْدِ يَقُولُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ :
وَمَا اهْتَزّ عَرْشُ اللّهِ مِنْ مَوْتِ هَالِكٍ ... سَمِعْنَا بِهِ إلّا لِسَعْدٍ أَبِي عَمْرٍو
وَقَالَتْ أُمّ سَعْدٍ حِين اُحْتُمِلَ نَعْشُهُ وَهِيَ تَبْكِيهِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَهِيَ كُبَيْشَةُ بِنْتُ رَافِعِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْأَبْجَرِ وَهُوَ خُدْرَةُ بْنُ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ :
وَيْلُ أُمّ سَعْدٍ سَعْدًا ... صَرَامَةً وَحَدّا
وَسُوْدُدًا وَمَجْدًا ... وَفَارِسًا مُعَدّا
سُدّ بِهِ مَسَدّا ... يَقُدّ هَامًا قَدّا
يَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلّ نَائِحَةٍ تَكْذِبُ إلّا نَائِحَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ

[ شُهَدَاءُ يَوْمِ الْخَنْدَقِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمْ يَسْتَشْهِدْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ إلّا سِتّةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ، وَأَنَسُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ عَمْرٍو ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ الطّفَيْلُ بْنُ النّعْمَانِ وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنْمَةَ . رَجُلَانِ . [ ص 253 ] بَنِي النّجّارِ ثُمّ مِنْ بَنِي دِينَارٍ : كَعْبُ بْنُ زَيْدٍ أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَقَتَلَهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : سَهْمُ غَرْبٍ وَسَهْمٌ غَرْبٌ بِإِضَافَةِ وَغَيْرِ إضَافَةٍ وَهُوَ الّذِي لَا يُعْرَفُ مِنْ أَيْنَ جَاءَ وَلَا مَنْ رَمَى بِهِ .

وَقُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : مُنَبّهُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السّبّاقِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ أَصَابَهُ سَهْمٌ فَمَاتَ مِنْهُ بِمَكّةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هُوَ عُثْمَانُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ مُنَبّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السّبّاقِ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ . سَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَبِيعَهُمْ جَسَدَهُ وَكَانَ اقْتَحَمَ الْخَنْدَقَ ، فَتَوَرّطَ فِيهِ فَقُتِلَ فَغَلَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَسَدِهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا حَاجَةَ لَنَا فِي جَسَدِهِ وَلَا بِثَمَنِهِ فَخَلّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَعْطَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِجَسَدِهِ عَشْرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ الزّهْرِيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، ثُمّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدّ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي الثّقَةُ أَنّهُ حَدّثَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ قَتَلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَئِذٍ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدّ وَابْنَهُ حِسْلَ بْنَ عَمْرٍو . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدّ ، وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ . [ ص 254 ]
[ شُهَدَاءُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : خَلّادُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرٍو ، طُرِحَتْ عَلَيْهِ رَحًى ، فَشَدَخَتْهُ شَدْخًا شَدِيدًا ، فَزَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ إنّ لَهُ لَأَجْرَ شَهِيدَيْن . وَمَاتَ أَبُو سِنَانِ بْنُ مُحْصَنِ بْنِ حَرْثَانَ أَخُو بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُحَاصِرٌ بَنِي قُرَيْظَةَ فَدُفِنَ فِي مَقْبَرَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ الّتِي يَدْفِنُونَ فِيهَا الْيَوْمَ وَإِلَيْهِ دَفَنُوا أَمْوَاتَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ .

[ بَشّرَ الرّسُولُ الْمُسْلِمِينَ بِغَزْوِ قُرَيْشٍ ]
وَلَمّا انْصَرَفَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْ الْخَنْدَقِ ؛ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي : لَنْ تَغْزُوَكُمْ قُرَيْشٌ بَعْدَ عَامِكُمْ هَذَا ، وَلَكِنّكُمْ تَغْزُونَهُم . فَلَمْ تَغْزُهُمْ قُرَيْشٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَانَ هُوَ الّذِي يَغْزُوهَا ، حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ مَكّةَ .
[ مَا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي أَمْرِ الْخَنْدَقِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ ]
[ شِعْرُ ضِرَارٍ ]
وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ ، فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ : [ ص 255 ]
وَمُشْفِقَةٌ تَظُنّ بِنَا الظّنُونَا ... وَقَدْ قُدْنَا عَرَنْدَسَةً طَحُونَا
كَأَنّ زُهَاءَهَا أُحُدٌ إذَا مَا ... بَدَتْ أَرْكَانُهُ لِلنّاظِرِينَا
تَرَى الْأَبْدَانَ فِيهَا مُسْبِغَاتٍ ... عَلَى الْأَبْطَالِ وَالْيَلَبَ الْحَصِينَا
وَجُرْدًا كَالْقِدَاحِ مُسَوّمَاتٍ ... نَؤُمّ بِهَا الْغُوَاةَ الْخَاطِيِينَا
كَأَنّهُمْ إذَا صَالُوا وَصُلْنَا ... بِبَابِ الْخَنْدَقَيْنِ مُصَافِحُونَا
أُنَاسٌ لَا نَرَى فِيهِمْ رَشِيدًا ... وَقَدْ قَالُوا أَلَسْنَا رَاشِدِينَا
فَأَحْجَرْنَاهُمُ شَهْرًا كَرِيتًا ... وَكُنّا فَوْقَهُمْ كَالْقَاهِرِينَا
نُرَاوِحُهُمْ وَنَغْدُو كُلّ يَوْمٍ ... عَلَيْهِمْ فِي السّلَاحِ مُدَجّجِينَا
بِأَيْدِينَا صَوَارِمُ مُرْهَفَاتٌ ... نَقُدّ بِهَا الْمَفَارِقَ وَالشّئُونَا
كَأَنّ وَمِيضَهُنّ مُعَرّيَاتٍ ... إذَا لَاحَتْ بِأَيْدِي مُصْلِتِينَا
وَمِيضُ عَقِيقَةٍ لَمَعَتْ بِلَيْلٍ ... تَرَى فِيهَا الْعَقَائِقَ مُسْتَبِينَا
فَلَوْلَا خَنْدَقٌ كَانُوا لَدَيْهِ ... لَدَمّرْنَا عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَا
وَلَكِنْ حَالَ دُونَهُمْ وَكَانُوا ... بِهِ مِنْ خَوْفِنَا مُتَعَوّذِينَا
فَإِنْ نَرْحَلْ فَإِنّا قَدْ تَرَكْنَا ... لَدَى أَبْيَاتِكُمْ سَعْدًا رَهِينَا
إذَا جَنّ الظّلَامُ سَمِعْتَ نَوْحَى ... عَلَى سَعْدٍ يُرَجّعْنَ الْحَنِينَا
وَسَوْفَ نَزُورُكُمْ عَمّا قَرِيبٍ ... كَمَا زُرْنَاكُمْ مُتَوَازِرِينَا
بِجَمْعٍ مِنْ كِنَانَةَ غَيْرَ عُزْلٍ ... كَأُسْدِ الْغَابِ قَدْ حَمَتِ الْعَرِينَا

شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرّدّ عَلَى ضِرَارٍ
فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ [ ص 256 ]
وَسَائِلَةٍ تُسَائِلُ مَا لَقِينَا ... وَلَوْ شَهِدَتْ رَأَتْنَا صَابِرِينَا
صَبَرْنَا لَا نَرَى لِلّهِ عَدْلًا ... عَلَى مَا نَابَنَا مُتَوَكّلِينَا
وَكَانَ لَنَا النّبِيّ وَزِيرَ صِدْقٍ ... بِهِ نَعْلُو الْبَرِيّةَ أَجْمَعِينَا
نُقَاتِلُ مَعْشَرًا ظَلَمُوا وَعَقّوا ... وَكَانُوا بِالْعَدَاوَةِ مُرْصِدِينَا
نُعَاجِلُهُمْ إذَا نَهَضُوا إلَيْنَا ... بِضَرْبٍ يُعْجِلُ الْمُتَسَرّعِينَا
تَرَانَا فِي فَضَافِضَ سَابِغَاتٍ ... كَغُدْرَانِ الْمَلَا مُتَسَرْبِلِينَا
وَفِي أَيْمَانِنَا بِيضٌ خِفَافٌ ... بِهَا نَشْفِي مُرَاحَ الشّاغِبِينَا
بِبَابِ الْخَنْدَقَيْنِ كَأَنّ أُسْدًا ... شَوَابِكُهُنّ يَحْمِينَ الْعَرِينَا
فَوَارِسُنَنا إذَا بَكَرُوا وَرَاحُوا ... عَلَى الْأَعْدَاءِ شُوسًا مُعْلَمِينَا
لِنَنْصُرَ أَحَمْدًا وَاَللّهَ حَتّى ... نَكُونَ عِبَادَ صِدْقٍ مُخْلِصِينَا
وَيَعْلَمَ أَهْلُ مَكّةَ حِينَ سَارُوا ... وَأَحْزَابٌ أَتَوْا مُتَحَزّبِينَا
بِأَنّ اللّهَ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ ... وَأَنّ اللّهَ مَوْلَى الْمُؤْمِنِينَا
فَإِمّا تَقْتُلُوا سَعْدًا سَفَاهًا ... فَإِنّ اللّهَ خَيْرُ الْقَادِرِينَا
سَيُدْخِلُهُ جِنَانًا طَيّبَاتٍ ... تَكُونُ مُقَامَةً لِلصّالِحِينَا
كَمَا قَدْ رَدّكُمْ فَلّا شَرِيدًا ... بِغَيْظِكُمْ خَزَايَا خَائِبِينَا
خَزَايَا لَمْ تَنَالُوا ثَمّ خَيْرًا ... وَكِدْتُمْ أَنْ تَكُونُوا دَامِرِينَا
بِرِيحِ عَاصِفٍ هَبّتْ عَلَيْكُمْ ... فَكُنْتُمْ تَحْتَهَا مُتَكَمّهِينَا

[ شِعْرُ ابْنِ الزّبَعْرَى ]
[ ص 258 ] قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَعْرَى السّهْمِيّ ، فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ : [ ص 257 ]
حَتّى الدّيَارَ مَحَا مَعَارِفَ رَسْمِهَا ... طُولُ الْبِلَى وَتَرَاوُحُ الْأَحْقَابِ
كَأَنّمَا كَتَبَ الْيَهُودُ رُسُومَهَا ... إلّا الْكَنِيفَ وَمَعْقِدَ الْأَطْنَابِ
قَفْرًا كَأَنّك لَمْ تَكُنْ تَلْهُو بِهَا ... فِي نِعْمَةٍ بِأَوَانِسٍ أَتْرَابِ
فَاتْرُكْ تَذَكّرَ مَا مَضَى مِنْ عِيشَةٍ ... وَمَحِلّةٍ خَلْقِ الْمَقَامِ يَبَابِ
وَاذْكُرْ بَلَاءَ مَعَاشِرٍ وَاشْكُرْهُمْ ... سَارُوا بِأَجْمَعِهِمْ مِنْ الْأَنْصَابِ
أَنْصَابِ مَكّةَ عَامِدِينَ لِيَثْرِبِ ... فِي ذِي غَيَاطِلَ جَحْفَلٍ جَبْجَابِ
يَدَعُ الْحُزُونَ مَنَاهِجًا مَعْلُومَةً ... فِي كُلّ نَشْرٍ ظَاهِرٍ وَشِعَابِ
فِيهَا الْجِيَادُ شَوَازِبٌ مَجْنُوبَةٌ ... قُبّ الْبُطُونِ لَوَاحِقُ الْأَقْرَابِ
مِنْ كُلّ سَلْهَبَةٍ وَأَجْرَدَ سَلْهَبٍ ... كَالسّيدِ بَادَرَ غَفْلَةَ الرّقّابِ
جَيْشُ عُيَيْنَةَ قَاصِدٌ بِلِوَائِه ... فِيهِ وَصَخْرٌ قَائِدُ الْأَحْزَابِ
قَرْمَانُ كَالْبَدْرَيْنِ أَصْبَحَ فِيهِمَا ... غَيْثُ الْفَقِيرِ وَمَعْقِلُ الْهُرّابِ
حَتّى إذَا وَرَدُوا الْمَدِينَةَ وَارْتَدَوْا ... لِلْمَوْتِ كُلّ مُجَرّبٍ قَضّابِ
شَهْرًا وَعَشْرًا قَاهِرِينَ مُحَمّدًا وَصِحَابُهُ ... فِي الْحَرْبِ خَيْرُ صِحَابِ
نَادَوْا بِرِحْلَتِهِمْ صَبِيحَةَ قُلْتُمْ ... كِدْنَا نَكُونُ بِهَا مَعَ الْخُيّابِ
لَوْلَا الْخَنَادِقَ غَادَرُوا مِنْ جَمْعِهِمْ ... قَتْلَى لِطَيْرٍ سُغّبٍ وَذِئَابِ

[ شِعْرُ حَسّانَ ]
فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ ، فَقَالَ [ ص 259 ]
هَلْ رَسْمُ دَارِسَةِ الْمَقَامِ يَبَابِ ... مُتَكَلّمٌ لِمُحَاوِرِ بِجَوَابِ
قَفْرٌ عَفَا رِهَمُ السّحَابِ رُسُومَهُ ... وَهُبُوبُ كُلّ مُطِلّةٍ مِرْبَابِ
وَلَقَدْ رَأَيْت بِهَا الْحُلُولَ يَزِينُهُمْ ... بِيضُ الْوُجُوهِ ثَوَاقِبُ الْأَحْسَابِ
فَدَعْ الدّيَارَ وَذِكْرَ كُلّ خَرِيدَةٍ ... بَيْضَاءَ آنِسَةِ الْحَدِيثِ كَعَابِ
وَاشْكُ الْهُمُومَ إلَى الْإِلَهِ وَمَا تَرَى ... مِنْ مَعْشَرٍ ظَلَمُوا الرّسُولَ غِضَابِ
سَارُوا بِأَجْمَعِهِمْ إلَيْهِ وَأَلّبُوا ... أَهْلَ الْقُرَى وَبَوَادِيَ الْأَعْرَابِ
جَيْشُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ حَرْبٍ فِيهِمْ ... مُتَخَمّطُونَ بِحَلَبَةِ الْأَحْزَابِ
حَتّى إذَا وَرَدُوا الْمَدِينَةَ وَارْتَجَوْا ... قَتْلَى الرّسُولِ وَمَغْنَمَ الْأَسْلَابِ
وَغَدَوْا عَلَيْنَا قَادِرِينَ بِأَيْدِهِمْ ... رُدّوا بِغَيْظِهِمْ عَلَى الْأَعْقَابِ
بِهُبُوبِ مُعْصِفَةٍ تُفَرّقُ جَمْعَهُمْ ... وَجُنُودِ رَبّكَ سَيّدِ الْأَرْبَابِ
فَكَفَى الْإِلَهُ الْمُؤْمِنِينَ قِتَالَهُمْ ... وَأَثَابَهُمْ فِي الْأَجْرِ خَيْرَ ثَوَابِ
مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا فَفَرّقَ جَمْعَهُمْ ... تَنْزِيلُ نَصْرٍ مَلِيكِنَا الْوَهّابِ
وَأَقَرّ عَيْنَ مُحَمّدٍ وَصِحَابِهِ ... وَأَذَلّ كُلّ مُكَذّبٍ مُرْتَابِ
عَاتِي الْفُؤَادِ مُوَقّعٍ ذِي رِيبَةٍ ... فِي الْكُفْرِ لَيْسَ بِطَاهِرِ الْأَثْوَابِ
عَلِقَ الشّقَاءُ بِقَلْبِهِ فَفُؤَادُهُ ... فِي الْكُفْرِ آخِرُ هَذِهِ الْأَحْقَابِ

[ شِعْرُ كَعْبٍ ]
وَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا ، فَقَالَ [ ص 260 ]
أَبْقَى لَنَا حَدَثُ الْحُرُوبِ بَقِيّةً ... مِنْ خَيْرِ نِحْلَةِ رَبّنَا الْوَهّابِ
بَيْضَاءَ مُشْرِفَةَ الذّرَى وَمَعَاطِنًا ... حُمّ الْجُذُوعِ غَزِيرَةُ الْأَحْلَابِ
كَاللّوبِ يُبْذَلُ جَمّهَا وَحَفِيلُهَا ... لِلْجَارِ وَابْنِ الْعَمّ وَالْمُنْتَابِ
وَنَزَائِعًا مِثْلَ السّرَاحِ نَمَى بِهَا ... عَلَفُ الشّعِيرِ وَجِزّةُ الْمِقْضَابِ
عَرِيَ الشّوَى مِنْهَا وَأَرْدَفَ نَحْضَهَا ... جُرْدُ الْمُتُونِ وَسَائِرُ الْآرَابِ
قُودًا تَرَاحُ إلَى الصّيَاحِ إذْ غَدَتْ ... فِعْلَ الضّرَاءِ تَرَاحُ لِلْكَلّابِ
وَتَحُوطُ سَائِمَةَ الدّيَارِ وَتَارَةً ... تُرْدِي الْعِدَا وَتَئُوبُ بِالْأَسْلَابِ
حُوشُ الْوُحُوشِ مُطَارَةٌ عِنْدَ الْوَغَى ... عُبْسُ اللّقَاءِ مُبِينَةُ الْإِنْجَابِ
عُلِفَتْ عَلَى دَعَةٍ فَصَارَتْ بُدّنًا ... دُخْسَ الْبَضِيعِ خَفِيفَةَ الْأَقْصَابِ
يَغْدُونَ بِالزّغْفِ الْمُضَاعَفِ شَكّةً ... وَبِمُتْرَصَاتِ فِي الثّقَافِ صِيَابِ
وَصَوَارِمٌ نَزَعَ الصّيَاقِلَ غُلْبَهَا ... وَبِكُلّ أَرْوَعَ مَاجِدْ الْأَنْسَابِ
يَصِلُ الْيَمِينَ بِمَارِنٍ مُتَقَارِبٍ ... وُكِلَتْ وَقِيعَتُهُ إلَى خَبّابِ
وَأَغَرّ أَزْرَقَ فِي الْقَنَاةِ كَأَنّهُ ... فِي طُخْيَةِ الظّلْمَاءِ ضَوْءُ شِهَابِ
وَكَتِيبَةٍ يَنْفِي الْقِرَانَ قَتِيرُهَا ... وَتَرُدّ حَدّ قَوَاحِذِ النّشّابِ
جَأْوَى مُلَمْلَمَةً كَأَنّ رِمَاحَهَا ... فِي كُلّ مَجْمَعَةٍ ضَرِيمَةُ غَابِ
يَأْوِي إلَى ظِلّ اللّوَاءِ كَأَنّهُ ... فِي صَعْدَةِ الْخَطّيّ فَيْءُ عُقّابِ
أَعْيَتْ أَبَا كَرْبٍ وَأَعْيَتْ تُبّعًا ... وَأَبَتْ بَسَالَتُهَا عَلَى الْأَعْرَابِ
وَمَوَاعِظٌ مِنْ رَبّنَا نُهْدَى بِهَا ... بِلِسَانِ أَزْهَرَ طَيّبِ الْأَثْوَابِ
عُرِضَتْ عَلَيْنَا فَاشْتَهَيْنَا ذِكْرَهَا ... مِنْ بَعْدِ مَا عُرِضَتْ عَلَى الْأَحْزَابِ
حِكَمًا يَرَاهَا الْمُجْرِمُونَ بِزَعْمِهِمْ ... حَرَجًا وَيَفْهَمُهَا ذَوُو الْأَلْبَابِ
جَاءَتْ سَخِينَةُ كَيْ تُغَالِبَ رَبّهَا ... فَلَيُغْلَبَنّ مُغَالِبُ الْغَلّابِ
[ ص 261 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ قَالَ حَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ لَمّا قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ :
جَاءَتْ سَخِينَةُ كَيْ تُغَالِبَ رَبّهَا ... فَلَيُغْلَبَنّ مُغَالِبُ الْغَلّابِ
قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقَدْ شَكَرَك اللّهُ يَا كَعْبُ عَلَى قَوْلِك هَذَا

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ [ ص 262 ]
مَنْ سَرّهُ ضَرْبٌ يُمَعْمِعُ بَعْضُهُ ... بَعْضًا كَمَعْمَعَةِ الْأَبَاءِ الْمُحْرَقِ
فَلْيَأْتِ مَأْسَدَةً تُسَنّ سُيُوفُهَا ... بَيْنَ الْمَذَادِ وَبَيْنَ جَزْعِ الْخَنْدَقِ
دَرِبُوا بِضَرْبِ الْمُعْلِمِينَ وَأَسْلَمُوا ... مُهُجَاتِ أَنْفُسِهِمْ لِرَبّ الْمَشْرِقِ
فِي عُصْبَةٍ نَصَرَ الْإِلَهُ نَبِيّهُ ... بِهِمْ وَكَانَ بِعَبْدِهِ ذَا مَرْفِقِ
فِي كُلّ سَابِغَةٍ تَخُطّ فُضُولُهَا ... كَالنّهْيِ هَبّتْ رِيحُهُ الْمُتَرَقْرِقِ
بَيْضَاءُ مُحْكِمَةٌ كَأَنّ قَتِيرَهَا ... حَدَقُ الْجَنَادِبِ ذَاتُ شَكّ مُوثَقِ
جَدْلَاءُ يَحْفِزُهَا نِجَادُ مُهَنّدٍ ... صَافِي الْحَدِيدَةِ صَارِمٌ ذِي رَوْنَقِ
تِلْكُمْ مَعَ التّقْوَى تَكُونُ لِبَاسَنَا ... يَوْمَ الْهِيَاجِ وَكُلّ سَاعَةِ مَصْدَقِ
نَصِلُ السّيُوفَ إذَا قَصُرْنَ بِخَطْوِنَا ... قُدُمًا وَنُلْحِقُهَا إذَا لَمْ تَلْحَقْ
فَتَرَى الْجَمَاجِمَ ضَاحِيًا هَامَاتُهَا ... بَلْهَ الْأَكُفّ كَأَنّهَا لَمْ تُخْلَقْ
نَلْقَى الْعَدُوّ بِفَخْمَةٍ مَلْمُومَةٍ ... تَنْفِي الْجُمُوعَ كَفَصْدِ رَأْسِ الْمَشْرِقِ
وَنُعِدّ لِلْأَعْدَاءِ كُلّ مُقَلّصٍ ... وَرْدٍ وَمَحْجُولِ الْقَوَائِمِ أَبْلَقِ
تُرْدِى بِفُرْسَانٍ كَأَنّ كُمَاتَهُمْ ... عِنْدَ الْهِيَاجِ أُسُودُ طَلّ مُلْثِقِ
صُدَقٌ يُعَاطُونَ الْكُمَاةَ حُتُوفَهُمْ ... تَحْتَ الْعِمَايَةِ بِالْوَشِيجِ الْمُزْهِقِ
أَمَرَ الْإِلَهُ بِرَبْطِهَا لِعَدُوّهِ ... فِي الْحَرْبِ إنّ اللّهَ خَيْرُ مُوَفّقِ
لِتَكُونَ غَيْظًا لِلْعَدُوّ وَحُيّطَا ... لِلدّارِ إنْ دَلَفَتْ خُيُولُ النّزّقِ
وَيُعِينُنَا اللّهُ الْعَزِيزُ بِقُوّةٍ ... مِنْهُ وَصِدْقِ الصّبْرِ سَاعَةَ نَلْتَقِي
وَنُطِيعُ أَمْرَ نَبِيّنَا وَنُجِيبُهُ ... وَإِذَا دَعَا لِكَرِيهَةٍ لَمْ نُسْبَقْ
وَمَتَى يُنَادِ إلَى الشّدَائِدِ نَأْتِهَا ... وَمَتَى نَرَ الْحَوْمَاتِ فِيهَا نُعْنِقْ
مَنْ يَتّبِعْ قَوْلَ النّبِيّ فَإِنّهُ ... فِينَا مُطَاعُ الْأَمْرِ حَقّ مُصَدّقِ
فَبِذَاكَ يَنْصُرنَا وَيُظْهِرُ عِزّنَا ... وَيُصِيبُنَا مِنْ نَيْلِ ذَاكَ بِمِرْفَقِ
إنّ الّذِينَ يُكَذّبُونَ مُحَمّدًا ... كَفَرُوا وَضَلّوا عَنْ سَبِيلِ الْمُتَقّي
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ أَنْشَدَنِي بَيْتَهُ تِلْكُمْ مَعَ التّقْوَى تَكُونُ لِبَاسَنَا
وَبَيْتَهُ مَنْ يَتّبِعْ قَوْلَ النّبِيّ
أَبُو زَيْدٍ . وَأَنْشَدَنِي : تَنْفِي الْجُمُوعَ كَرَأْسِ قُدْسِ الْمَشْرِقِ
[ ص 263 ]

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ :
لَقَدْ عَلِمَ الْأَحْزَابُ حِينَ تَأَلّبُوا ... عَلَيْنَا وَرَامُوا دِينَنَا مَا نُوَادِعُ
أَضَامِيمُ مِنْ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ أُصْفِقَتْ ... وَخِنْدِفُ لَمْ يَدْرُوا بِمَا هُوَ وَاقِعُ
يَذُودُونَنَا عَنْ دِينِنَا وَنَذُودُهُمْ ... عَنْ الْكُفْرِ وَالرّحْمَنُ رَاءٍ وَسَامِعُ
إذَا غَايَظُونَا فِي مَقَامٍ أَعَانَنَا ... عَلَى غَيْظِهِمْ نَصْرٌ مِنْ اللّهِ وَاسِعُ
وَذَلِك حِفْظُ اللّهِ فِينَا وَفَضْلُهُ ... عَلَيْنَا وَمَنْ لَمْ يَحْفَظْ اللّهُ ضَائِعُ
هَدَانَا لِدِينِ الْحَقّ وَاخْتَارَهُ لَنَا ... وَلِلّهِ فَوْقَ الصّانِعِينَ صَنَائِعُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 264 ] [ ص 265 ] وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ :
أَلَا أَبْلِغْ قُرَيْشًا أَنّ سَلْعًا ... وَمَا بَيْنَ الْعُرَيْضِ إلَى الصّمَادِ
نَوَاضِحُ فِي الْحُرُوبِ مُدَرّبَاتٌ ... وَخَوْصٌ ثُقّبَتْ مِنْ عَهْدِ عَادِ
رَوَاكِدُ يَزْخَرُ الْمُرّارُ فِيهَا ... فَلَيْسَتْ بِالْجِمَامِ وَلَا الثّمَادِ
كَأَنّ الْغَابَ وَالْبَرْدِيّ فِيهَا ... أَجَشّ إذَا تَبَقّعَ لِلْحَصَادِ
وَلَمْ نَجْعَلْ تِجَارَتَنَا اشْتِرَاءَ ... الْحَمِيرِ لِأَرْضِ دَوْسٍ أَوْ مُرَادِ
بِلَادٌ لَمْ تَثُرْ إلّا لِكَيْمَا ... نُجَالِدُ إنْ نَشِطْتُمْ لِلْجِلَادِ
أَثَرْنَا سِكّةَ الْأَنْبَاطِ فِيهَا ... فَلَمْ تَرَ مِثْلَهَا جَلَهَاتِ وَادِ
قَصَرْنَا كُلّ ذِي حُضْرٍ وَطَوْلٍ ... عَلَى الْغَايَاتِ مُقْتَدِرٍ جَوَادِ
أَجِيبُونَا إلَى مَا نَجْتَدِيكُمْ ... مِنْ الْقَوْلِ الْمُبَيّنِ وَالسّدَادِ
وَإِلّا فَاصْبِرُوا لِجِلَادِ يَوْمٍ ... لَكُمْ مِنّا إلَى شَطْرِ الْمَذَادِ
نُصَبّحُكُمْ بِكُلّ أَخِي حُرُوبٍ ... وَكُلّ مُطَهّمٍ سَلِسِ الْقِيَادِ
وَكُلّ طِمِرّةٍ خَفِقٌ حَشَاهَا ... تَدِفّ دَفِيفَ صَفْرَاءِ الْجَرَادِ
وَكُلّ مُقَلّصِ الْآرَابِ نَهْدٍ ... تَمِيمِ الْخَلْقِ مِنْ أُخْرٍ وَهَادِي
خُيُولٌ لَا تُضَاعُ إذَا أُضِيعَتْ ... خُيُولُ النّاسِ فِي السّنَةِ الْجَمَادِ
يُنَازِعْنَ الْأَعِنّةَ مُصْغِيَاتٍ ... إذَا نَادَى إلَى الْفَزَعِ الْمُنَادِي
إذَا قَالَتْ لَنَا النّذُرُ اسْتَعِدّوا ... تَوَكّلْنَا عَلَى رَبّ الْعِبَادِ
وَقُلْنَا لَنْ يُفَرّجَ مَا لَقِينَا ... سِوَى ضَرْبُ الْقَوَانِسِ وَالْجِهَادِ
فَلَمْ تَرَ عُصْبَةً فِيمَنْ لَقِينَا ... مِنْ الْأَقْوَامِ مِنْ قَارٍ وَبَادِي
أَشَدّ بَسَالَةً مِنّا إذَا مَا ... أَرَدْنَاهُ وَأَلْيَنَ فِي الْوِدَادِ
إذَا مَا نَحْنُ أَشْرَجْنَا عَلَيْهَا ... جِيَادَ الْجُدْلِ فِي الْأُرَبِ الشّدَادِ
قَذَفْنَا فِي السّوَابِغِ كُلّ صَقْرٍ ... كَرِيمٍ غَيْرِ مُعْتَلِثِ الزّنَادِ
أَشَمّ كَأَنّهُ أَسَدٌ عَبُوسٌ ... غَدَاةَ بَدَا بِبَطْنِ الْجَزَعِ غَادِي
يُغَشّي هَامَةَ الْبَطَلِ الْمُذَكّى ... صَبِيّ السّيْفِ مُسْتَرْخِي النّجَادِ
لِنُظْهِرَ دِينَك اللّهُمّ إنّا ... بِكَفّكَ فَاهْدِنَا سُبُلَ الرّشَادِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ بَيْتُهُ [ ص 266 ] قَصَرْنَا كُلّ ذِي حُضْرٍ وَطَوْلٍ
وَالْبَيْتُ الّذِي يَتْلُوهُ وَالْبَيْتُ الثّالِثُ مِنْهُ وَالْبَيْتُ الرّابِعُ مِنْهُ وَبَيْتُهُ أَشَمّ كَأَنّهُ أَسَدٌ عَبُوسٌ
وَالْبَيْتُ الّذِي يَتْلُوهُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ .

[ شِعْرُ مُسَافِعٍ فِي بُكَاءِ عَمْرٍو ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ مُسَافِعُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ يَبْكِي عَمْرَو بْنَ عَبْدِ وُدّ ، وَيَذْكُرُ قَتْلَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إيّاهُ
عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ كَانَ أَوّلَ فَارِسٍ ... جَزَعَ الْمَذَادَ وَكَانَ فَارِسَ يَلْيَلِ
سَمْحُ الْخَلَائِقِ مَاجِدٌ ذُو مِرّةٍ ... يَبْغِي الْقِتَالَ بِشِكّةِ لَمْ يَنْكُلْ
وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ حِينَ وَلّوْا عَنْكُمْ ... أَنّ ابْنَ عَبْدٍ فِيهِمْ لَمْ يَعْجَلْ
حَتّى تَكَنّفَهُ الْكُمَاةُ وَكُلّهُمْ ... يَبْغِي مَقَاتِلَهُ وَلَيْسَ بِمُؤْتَلِي
وَلَقَدْ تَكَنّفَتْ الْأَسِنّةُ فَارِسًا ... بِجُنُوبِ سَلْعٍ غَيْرَ نَكْسٍ أَمْيَلِ
تَسَلُ النّزَالَ عَلَيّ فَارِسَ غَالِبٍ ... بِجُنُوبِ سَلْعٍ لَيْته لَمْ يَنْزِلْ
فَاذْهَبْ عَلَيّ فَمَا ظَفِرْت بِمِثْلِهِ ... فَخْرًا وَلَا لَاقَيْتَ مِثْلَ الْمُعْضِلِ
نَفْسِي الْفِدَاءُ لِفَارِسٍ مِنْ غَالِبٍ ... لَاقَى حِمَامَ الْمَوْتِ لَمْ يَتَحَلْحَلْ
أَعْنِي الّذِي جَزَعَ الْمَذَادَ بِمُهْرِهِ ... طَلَبًا لِثَأْرِ مَعَاشِرٍ لَمْ يُخْذَلْ
[ ص 267 ]

[ شِعْرُ مُسَافِعٍ فِي تَأْنِيبِ الْفُرْسَانِ الّذِينَ كَانُوا مَعَ عَمْرٍو ]
وَقَالَ مُسَافِعٌ أَيْضًا يُؤَنّبُ فُرْسَانَ عَمْرٍو الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فَأَجْلَوْا عَنْهُ وَتَرَكُوهُ
عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ وَالْجِيَادُ يَقُودُهَا ... خَيْلٌ تُقَادُ لَهُ وَخَيْلٌ تُنْعَلُ
أَجْلَتْ فَوَارِسُهُ وَغَادَرَ رَهْطُهُ ... رُكْنًا عَظِيمًا كَانَ فِيهَا أَوّلُ
عَجَبًا وَإِنْ أَعْجَبْ فَقَدْ أَبْصَرْته ... مَهْمَا تَسُومُ عَلَيّ عَمْرًا يَنْزِلُ
لَا تَبْعَدَنّ فَقَدْ أُصِبْتُ بِقَتْلِهِ ... وَلَقِيتُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَمْرًا يَثْقُلُ
وَهُبَيْرَةُ الْمَسْلُوبُ وَلّى مُدْبِرًا ... عِنْدَ الْقِتَالِ مَخَافَةً أَنّ يُقْتَلُوا
وَضِرَارٌ كَأَنّ الْبَأْسَ مِنْهُ مُحْضَرًا ... وَلّى كَمَا وَلّى اللّئِيمُ الْأَعْزَلُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لَهُ . وَقَوْلُهُ " عَمْرًا يَنْزِلُ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .

[ شِعْرُ هُبَيْرَةَ فِي بُكَاءِ عَمْرٍو وَالِاعْتِذَارُ مِنْ فِرَارِهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ يَعْتَذِرُ مِنْ فِرَارِهِ وَيَبْكِي عَمْرًا ، وَيَذْكُرُ قَتْلَ عَلِيّ إيّاهُ [ ص 268 ]
لَعَمْرِي مَا وَلّيْتُ ظَهْرِي مُحَمّدًا ... وَأَصْحَابَهُ جُبْنًا وَلَا خِيفَةَ الْقَتْلِ
وَلَكِنّنِي قَلّبْت أَمْرِي فَلَمْ أَجِدْ ... لِسَيْفِي غَنَاءً إنْ ضَرَبْتُ وَلَا نَبْلِي
وَقَفْت فَلَمّا لَمْ أَجِدْ لِي مُقَدّمًا ... صَدَدْتُ كَضِرْغَامِ هِزَبْرٍ أَبِي شَبْلِ
ثَنَى عِطْفِهِ عَنْ قِرْنِهِ حِينَ لَمْ يَجِدْ ... مَكَرّا وَقِدْمًا كَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي
فَلَا تَبْعُدْنَ يَا عَمْرُو حَيّا وَهَالِكًا ... وَحُقّ لِحُسْنِ الْمَدْحِ مِثْلُك مِنْ مِثْلِي
وَلَا تَبْعَدَن يَا عَمْرُو حَيّا وَهَالِكًا ... فَقَدْ بِنْتَ مَحْمُودَ الثّنَا مَاجِدَ الْأَصْلِ
فَمَنْ لِطِرَادِ الْخَيْلِ تُقْدَعُ بِالْقَنَا ... وَلِلْفَخْرِ يَوْمًا عِنْدَ قَرْقَرَةَ الْبَزْلِ
هُنَالِكَ لَوْ كَانَ ابْنُ عَبْدٍ لَزَارَهَا ... وَفَرّجَهَا حَقّا فَتًى غَيْرُ مَا وَغْلِ
فَعَنْك عَلَيّ لَا أَرَى مِثْلَ مَوْقِفٍ ... وَقَفْت عَلَى نَجْدِ الْمُقَدّمِ كَالْفَحْلِ
فَمَا ظَفِرَتْ كَفّاك فَخْرًا بِمِثْلِهِ ... أَمِنْت بِهِ مَا عِشْت مِنْ زَلّةِ النّعْلِ


= ====================

مجلد 8.كتاب : السيرة النبوية لابن هشام
المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري


[ شِعْرٌ آخَرُ لِهُبَيْرَةَ فِي بُكَاءِ عَمْرٍو ]
وَقَالَ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ يَبْكِي عَمْرَو بْنَ عَبْدُ ودٍ ، وَيَذْكُرُ قَتْلَ عَلِيّ إيّاهُ
لَقَدْ عَلِمْت عُلْيَا لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... لَفَارِسُهَا عَمْرٌو إذَا نَابَ نَائِبُ
لَفَارِسُهَا عَمْرٌو إذَا مَا يَسُومُهُ ... عَلِيّ وَإِنّ اللّيْثَ لَا بُدّ طَالِبُ
عَشِيّةَ يَدْعُوهُ عَلِيّ وَإِنّهُ ... لَفَارِسُهَا إذْ خَامَ عَنْهُ الْكَتَائِبُ
فَيَا لَهْفَ نَفْسِي إنّ عَمْرًا تَرَكْتُهُ ... بِيَثْرِبَ لَا زَالَتْ هُنَاكَ الْمَصَائِبُ

[ شِعْرُ حَسّانَ فِي الْفَخْرِ بِقَتْلِ عَمْرٍو ]
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَفْتَخِرُ بِقَتْلِ عَمْرِو بْنِ عَبْدُ ودٍ :
بَقِيّتُكُمْ عَمْرٌو أَبَحْنَاهُ بِالْقَنَا ... بِيَثْرِبَ نَحْمِي وَالْحُمَاةُ قَلِيلُ
وَنَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ بِكُلّ مُهَنّدٍ ... وَنَحْنُ وُلَاةُ الْحَرْبِ حِينَ نَصُولُ
وَنَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ بِبَدْرٍ فَأَصْبَحَتْ ... مَعَاشِرُكُمْ فِي الْهَالِكِينَ تَجُولُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِحَسّانَ . [ ص 269 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا فِي شَأْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدُ ودٍ :
أَمْسَى الْفَتَى عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ يَبْتَغِي ... بِجُنُوبِ يَثْرِبَ ثَأْرَهُ لَمْ يُنْظَرْ
فَلَقَدْ وَجَدْتَ سُيُوفَنَا مَشْهُورَةً ... وَلَقَدْ وَجَدْتَ جِيَادَنَا لَمْ تُقْصَرْ
وَلَقَدْ لَقِيتَ غَدَاةَ بَدْرٍ عُصْبَةً ... ضَرَبُوكَ ضَرْبًا غَيْرَ ضَرْبِ الْحُسّرِ
أَصْبَحْت لَا تُدْعَى لِيَوْمِ عَظِيمَةٍ ... يَا عَمْرُو أَوْ لِجَسِيمِ أَمْرٍ مُنْكَرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْم بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِحَسّانَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا :
أَلَا أَبْلِغْ أَبَا هِدْمٍ رَسُولًا ... مُغَلْغَلَةً تَخُبّ بِهَا الْمَطِيّ
أَكُنْتُ وَلِيّكُمْ فِي كُلّ كُرْهٍ ... وَغَيْرِي فِي الرّخَاءِ هُوَ الْوَلِيّ
وَمِنْكُمْ شَاهِدٌ وَلَقَدْ رَآنِي ... رُفِعْتُ لَهُ كَمَا اُحْتُمِلَ الصّبِيّ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَتُرْوَى هَذِهِ الْأَبْيَاتُ لِرَبِيعَةَ بْنِ أُمَيّةَ الدّيْلِيّ ، وَيُرْوَى فِيهَا آخِرُهَا كَبَبْتَ الْخَزْرَجِيّ عَلَى يَدَيْهِ وَكَانَ شِفَاءَ نَفْسِي الْخَزْرَجِيّ وَتُرْوَى أَيْضًا لِأَبِي أُسَامَةَ الْجُشَمِيّ .

[ شِعْرُ حَسّانَ فِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَبُكَاءُ ابْنِ مُعَاذٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ يَبْكِي سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَيَذْكُرُ حُكْمَهُ فِيهِمْ [ ص 270 ]
لَقَدْ سَجَمَتْ مِنْ دَمْعِ عَيْنِي عَبْرَةٌ ... وَحُقّ لِعَيْنِي أَنْ تَفِيضَ عَلَى سَعْدٍ
قَتِيلٌ ثَوَى فِي مَعْرَكٍ فُجِعَتْ بِهِ ... عُيُونٌ ذَوَارِي الدّمْعِ دَائِمَةُ الْوَجْدِ
عَلَى مِلّةِ الرّحْمَنِ وَارِثَ جَنّةٍ ... مَعَ الشّهَدَاءِ وَفْدُهَا أَكْرَمُ الْوَفْدِ
فَإِنْ تَكُ قَدْ وَدّعْتنَا وَتَرَكْتنَا ... وَأَمْسَيْت فِي غَبْرَاءِ مُظْلِمَةِ اللّحْدِ
فَأَنْتَ الّذِي يَا سَعْدُ أُبْت بِمَشْهَدٍ ... كَرِيمٍ وَأَثْوَابِ الْمَكَارِمِ وَالْحَمْدِ
بِحُكْمِك فِي حَيّيْ قُرَيْظَةَ بِاَلّذِي ... قَضَى اللّهُ فِيهِمْ مَا قَضَيْت عَلَى عَمْدِ
فَوَافَقَ حُكْمَ اللّهِ حُكْمَك فِيهِمْ ... وَلَمْ تَعْفُ إذْ ذُكِرْت مَا كَانَ مِنْ عَهْدِ
فَإِنْ كَانَ رَيْبُ الدّهْرِ أَمْضَاكَ فِي الْأُلَى ... شَرَوْا هَذِهِ الدّنْيَا بِجَنّاتِهَا الْخُلْدِ
فَنِعْمَ مَصِيرُ الصّادِقِينَ إذَا دُعُوا ... إلَى اللّهِ يَوْمًا لِلْوَجَاهَةِ وَالْقَصْدِ

[ شِعْرُ حَسّانَ فِي بُكَاءِ ابْنِ مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ ]
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا ، يَبْكِي سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ ، وَرِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الشّهَدَاءِ ، وَيَذْكُرُهُمْ بِمَا كَانَ فِيهِمْ مِنْ الْخَيْرِ
أَلَا يَا لَقَوْمِي هَلْ لِمَا حُمّ دَافِعُ ... وَهَلْ مَا مَضَى مِنْ صَالِحِ الْعَيْشِ رَاجِعُ
تَذَكّرْت عَصْرًا قَدْ مَضَى فَتَهَافَتَتْ ... بَنَاتُ الْحَشَى وَانْهَلّ مِنّي الْمَدَامِعُ
صَبَابَةُ وَجْدٍ ذَكّرَتْنِي أَحِبّةً ... وَقَتْلَى مَضَى فِيهَا طُفَيْلٌ وَرَافِعُ
وَسَعْدٌ فَأَضْحَوْا فِي الْجِنَانِ وَأَوْحَشَتْ ... مَنَازِلُهُمْ فَالْأَرْضُ مِنْهُمْ بَلَاقِعُ
وَفَوْا يَوْمَ بَدْرٍ لِلرّسُولِ وَفَوْقَهُمْ ... ظِلَالُ الْمَنَايَا وَالسّيُوفُ اللّوَامِعُ
دَعَا فَأَجَابُوهُ بِحَقّ وَكُلّهُمْ ... مُطِيعٌ لَهُ فِي كُلّ أَمْرٍ وَسَامِعُ
فَمَا نَكَلُوا حَتّى تَوَلّوْا جَمَاعَةً ... وَلَا يَقْطَعَ الْآجَالَ إلّا الْمَصَارِعُ
لِأَنّهُمْ يَرْجُونَ مِنْهُ شَفَاعَةً ... إذَا لَمْ يَكُنْ إلّا النّبِيّونَ شَافِعُ
فَذَلِكَ يَا خَيْرَ الْعِبَادِ بَلَاؤُنَا ... إجَابَتُنَا لِلّهِ وَالْمَوْتُ نَاقِعُ
لَنَا الْقَدَمُ الْأُولَى إلَيْك وَخَلْفُنَا ... لِأَوّلِنَا فِي مِلّةِ اللّهِ تَابِعُ
وَنَعْلَمُ أَنّ الْمُلْكَ لِلّهِ وَحْدَهُ ... وَأَنّ قَضَاءَ اللّهِ لَا بُدّ وَاقِعُ
[ ص 271 ]

[ شِعْرٌ لِحَسّانَ فِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ ]
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا فِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ
لَقَدْ لَقِيَتْ قُرَيْظَةُ مَا سَآهَا ... وَمَا وَجَدَتْ لِذُلّ مِنْ نَصيرِ
أَصَابَهُمْ بَلَاءٌ كَانَ فِيهِ ... سِوَى مَا قَدْ أَصَابَ بَنِي النّضِيرِ
غَدَاةَ أَتَاهُمْ يَهْوَى إلَيْهِمْ ... رَسُولُ اللّهِ كَالْقَمَرِ الْمُنِيرِ
لَهُ خَيْلٌ مُجَنّبَةٌ تَعَادَى ... بِفُرْسَانٍ عَلَيْهَا كَالصّقُورِ
تَرَكْنَاهُمْ وَمَا ظَفِرُوا بِشَيْءِ ... دِمَاؤُهُمْ عَلَيْهِمْ كَالْغَدِيرِ
فَهُمْ صَرْعَى تَحُوم الطّيْرُ فِيهِمْ ... كَذَاكَ يُدَانُ ذُو الْعَنَدِ الْفَجُورِ
فَأَنْذِرْ مِثْلَهَا نُصْحًا قُرَيْشًا ... مِنْ الرّحْمَنِ إنْ قَبِلَتْ نَذِيرِى

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ [ ص 272 ]
لَقَدْ لَقِيَتْ قُرَيْظَةُ مَا سَآهَا ... وَحَلّ بِحِصْنِهَا ذُلّ ذَلِيلُ
وَسَعْدٌ كَانَ أَنْذَرَهُمْ بِنُصْحٍ ... بِأَنّ إلَهَكُمْ رَبّ جَلِيلُ
فَمَا بَرِحُوا بِنَقْضِ الْعَهْدِ حَتّى ... فَلَاهُمْ فِي بِلَادِهُمُ الرّسُولُ
أَحَاطَ بِحِصْنِهِمْ مِنّا صُفُوفٌ ... لَهُ مِنْ حَرّ وَقْعَتِهِمْ صَلِيلُ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا فِي يَوْمِ بَنِي قُرَيْظَةَ
تَفَاقَدَ مَعْشَرٌ نَصَرُوا قُرَيْشًا ... وَلَيْسَ لَهُمْ بِبَلْدَتِهِمْ نَصِيرُ
هُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ فَضَيّعُوهُ ... وَهُمْ عُمْيٌ مِنْ التّوْرَاةِ بُورُ
كَفَرْتُمْ بِالْقُرْانِ وَقَدْ أَتَيْتُمْ ... بِتَصْدِيقِ الّذِي قَالَ النّذِيرُ
فَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ

[ شِعْرُ أَبِي سُفْيَانَ فِي الرّدّ عَلَى حَسّانَ ]
فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، فَقَالَ
أَدَامَ اللّهُ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعٍ ... وَحَرّقَ فِي طَرَائِقِهَا السّعِيرُ
سَتَعْلَمُ أَيّنَا مِنْهَا بِنُزْهِ ... وَتَعْلَمُ أَيّ أَرْضَيْنَا تَضِيرُ
فَلَوْ كَانَ النّخِيلُ بِهَا رِكَابًا ... لَقَالُوا لَا مُقَامَ لَكُمْ فَسِيرُوا

[ شِعْرُ ابْنِ جَوّالٍ فِي الرّدّ عَلَى حَسّانَ ]
وَأَجَابَهُ جَبَلُ بْنُ جَوّالٍ الثّعْلَبِيّ أَيْضًا ، وَبَكَى النّضِيرَ وَقُرَيْظَةَ فَقَالَ [ ص 273 ]
أَلَا يَا سَعْدُ سَعْدَ بَنِي مُعَاذٍ ... لِمَا لَقِيَتْ قُرَيْظَةُ وَالنّضِيرُ
لَعَمْرُك إنّ سَعْدَ بَنِي مُعَاذٍ ... غَدَاةَ تَحَمّلُوا لَهُوَ الصّبُورُ
فَأَمّا الْخَزْرَجِيّ أَبُو حُبَابٍ ... فَقَالَ لِقَيْنُقَاعَ لَا تَسِيرُوا
وَبُدّلَتْ الْمَوَالِي مِنْ حُضَيْرٍ ... أُسَيْدًا وَالدّوَائِرُ قَدْ تَدُورُ
وَأَقْفَرَتْ الْبُوَيْرَةُ مِنْ سَلَامٍ ... وَسَعْيَةَ وَابْنِ أَخْطَبَ فَهِيَ بُورُ
وَقَدْ كَانُوا بِبَلْدَتِهِمْ ثِقَالًا ... كَمَا ثَقُلَتْ بِمِيطَانِ الصّخُورِ
فَإِنْ يَهْلِكْ أَبُو حَكَمٍ سَلَامٌ ... فَلَا رَثّ السّلَاحِ وَلَا دَثُورُ
وَكُلّ الْكَاهِنَيْنِ وَكَانَ فِيهِمْ ... مَعَ اللّينِ الْخَضَارِمَةُ الصّقُورُ
وَجَدْنَا الْمَجْدَ قَدْ ثَبَتُوا عَلَيْهِ ... بِمَجْدٍ لَا تُغَيّبُهُ الْبُدُورُ
أَقِيمُوا يَا سَرَاةَ الْأَوْسِ فِيهَا ... كَأَنّكُمْ مِنْ الْمَخْزَاةِ عُورُ
تَرَكْتُمْ قِدْرَكُمْ لَا شَيْءَ فِيهَا ... وَقِدْرُ الْقَوْمِ حَامِيَةٌ تَفُورُ

مَقْتَلُ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا انْقَضَى شَأْنُ الْخَنْدَقِ ، وَأَمْرُ بَنِي قُرَيْظَةَ وَكَانَ سَلّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ وَهُوَ أَبُو رَافِعٍ فِيمَنْ حَزّبَ الْأَحْزَابُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَتْ الْأَوْسُ قَبْلَ أُحُدٍ قَدْ قَتَلَتْ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ فِي عَدَاوَتِهِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَحْرِيضِهِ عَلَيْهِ اسْتَأْذَنَتْ الْخَزْرَجُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَتْلِ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَهُوَ بِخَيْبَرِ فَأَذِنَ لَهُمْ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، [ ص 274 ] عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ وَكَانَ مِمّا صَنَعَ اللّهُ بِهِ لِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ هَذَيْنِ الْحَيّيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَالْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، كَانَا يَتَصَاوَلَانِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ لَا تَصْنَعُ الْأَوْسُ شَيْئًا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَنَاءً إلّا قَالَتْ الْخَزْرَجُ : وَاَللّهِ لَا تَذْهَبُونَ بِهَذِهِ فَضْلًا عَلَيْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفِي الْإِسْلَامِ . قَالَ فَلَا يَنْتَهُونَ حَتّى يُوقِعُوا مِثْلَهَا ؛ وَإِذَا فَعَلَتْ الْخَزْرَجُ شَيْئًا قَالَتْ الْأَوْسُ مِثْلَ ذَلِكَ . وَلَمّا أَصَابَتْ الْأَوْسَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ فِي عَدَاوَتِهِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ الْخَزْرَجُ : وَاَللّهِ لَا تَذْهَبُونَ بِهَا فَضْلًا عَلَيْنَا أَبَدًا ، قَالَ فَتَذَاكَرُوا : مَنْ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَدَاوَةِ كَابْنِ الْأَشْرَفِ ؟ فَذَكَرُوا ابْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ ، وَهُوَ بِخَيْبَرِ فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَتْلِهِ فَأَذِنَ لَهُمْ .

[ النّفَرُ الّذِينَ خَرَجُوا لِقَتْلِ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَقِصّتُهُمْ ]
فَخَرَجَ إلَيْهِ مِنْ الْخَزْرَجِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ خَمْسَةُ نَفَرٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَتِيكٍ ، وَمَسْعُودُ بْنُ سِنَانٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ ، وَأَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيّ ، وَخُزَاعِيّ بْنُ أَسْوَدَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَسْلَمَ . فَخَرَجُوا وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَتِيكٍ ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَنْ يَقْتُلُوا وَلِيدًا أَوْ امْرَأَةً فَخَرَجُوا حَتّى إذَا قَدِمُوا خَيْبَرَ ، أَتَوْا دَارَ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ لَيْلًا ، فَلَمْ يَدْعُوَا بَيْتًا فِي الدّارِ إلّا أَغْلَقُوهُ عَلَى أَهْلِهِ . قَالَ وَكَانَ فِي عِلّيّةٍ لَهُ إلَيْهَا عَجَلَةٌ قَالَ فَأَسْنَدُوا فِيهَا ، حَتّى قَامُوا عَلَى بَابِهِ فَاسْتَأْذَنُوا عَلَيْهِ فَخَرَجَتْ إلَيْهِمْ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ مَنْ أَنْتُمْ ؟ قَالُوا : نَاسٌ مِنْ الْعَرَبِ نَلْتَمِسُ الْمِيرَةَ . قَالَتْ ذَاكُمْ صَاحِبكُمْ فَادْخُلُوا عَلَيْهِ قَالَ فَلَمّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ أَغْلَقْنَا عَلَيْنَا وَعَلَيْهَا الْحُجْرَةَ تَخَوّفًا أَنْ تَكُونَ دُونَهُ مُجَاوَلَةٌ تَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَالَتْ [ ص 275 ] فَصَاحَتْ امْرَأَتُهُ فَنَوّهَتْ بِنَا وَابْتَدَرْنَاهُ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِهِ بِأَسْيَافِنَا ، فَوَاَللّهِ مَا يَدُلّنَا عَلَيْهِ فِي سَوَادِ اللّيْلِ إلّا بَيَاضُهُ كَأَنّهُ قُبْطِيّةٌ مُلْقَاةٌ . قَالَ وَلَمّا صَاحَتْ بِنَا امْرَأَتُهُ جَعَلَ الرّجُلُ مِنّا يَرْفَعُ عَلَيْهَا سَيْفَهُ ثُمّ يَذْكُرُ نَهْيَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَكُفّ يَدَهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَفَرَغْنَا مِنْهَا بِلَيْلٍ . قَالَ فَلَمّا ضَرَبْنَاهُ بِأَسْيَافِنَا تَحَامَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ بِسَيْفِهِ فِي بَطْنِهِ حَتّى أَنْفَذَهُ وَهُوَ يَقُولُ قَطْنِي قَطْنِي : أَيْ حَسْبِي حَسْبِي . قَالَ وَخَرَجْنَا ، وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَتِيكٍ رَجُلًا سَيّئَ الْبَصَرِ قَالَ فَوَقَعَ مِنْ الدّرَجَةِ فَوُثِئَتْ يَدُهُ وَثْئًا شَدِيدًا - وَيُقَالُ رِجْلُهُ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَحَمَلْنَاهُ حَتّى نَأْتِيَ بِهِ مَنْهَرًا مِنْ عُيُونِهِمْ فَنَدْخُلَ فِيهِ . قَالَ فَأَوْقَدُوا النّيرَانَ وَاشْتَدّوا فِي كُلّ وَجْهٍ يَطْلُبُونَنَا ، قَالَ حَتّى إذَا يَئِسُوا رَجَعُوا إلَى صَاحِبِهِمْ فَاكْتَنَفُوهُ وَهُوَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ . قَالَ فَقُلْنَا : كَيْفَ لَنَا بِأَنْ نَعْلَمَ بِأَنّ عَدُوّ اللّهِ قَدْ مَاتَ ؟ قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنّا : أَنَا أَذْهَبُ فَأَنْظُرُ لَكُمْ فَانْطَلَقَ حَتّى دَخَلَ فِي النّاسِ . قَالَ فَوَجَدْت امْرَأَتَهُ وَرِجَالَ يَهُودَ حَوْلَهُ وَفِي يَدِهَا الْمِصْبَاحُ تَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ وَتُحَدّثُهُمْ وَتَقُولُ أَمَا وَاَللّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ ابْنِ عَتِيكٍ ثُمّ أَكْذَبْتُ نَفْسِي وَقُلْت : أَنّى ابْنُ عَتِيكٍ بِهَذِهِ الْبِلَادِ ؟ ثُمّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ تَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ ثُمّ قَالَتْ فَاظَ وَإِلَهِ يَهُودَ فَمَا سَمِعْتُ مِنْ كَلِمَةٍ كَانَتْ أَلَذّ إلَى نَفْسِي مِنْهَا . قَالَ ثُمّ جَاءَنَا الْخَبَرُ فَاحْتَمَلْنَا صَاحِبَنَا فَقَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ عَدُوّ اللّهِ وَاخْتَلَفْنَا عِنْدَهُ فِي قَتْلِهِ كُلّنَا يَدّعِيهِ . قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَاتُوا أَسْيَافَكُمْ قَالَ فَجِئْنَاهُ بِهَا ، فَنَظَرَ إلَيْهَا فَقَالَ لَسَيْفُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ : هَذَا قَتَلَهُ أَرَى فِيهِ أَثَرَ الطّعَامِ

[ شِعْرُ حَسّانَ فِي قَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ وَابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ ]
[ ص 276 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُوَ يَذْكُرُ قَتْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَقَتْلَ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ
لِلّهِ دَرّ عِصَابَةٍ لَاقَيْتَهُمْ ... يَا بْنَ الْحُقَيْقِ وَأَنْتَ يَا بْنَ الْأَشْرَفِ
يَسْرُونَ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ إلَيْكُمْ ... مَرَحًا كَأُسْدٍ فِي عَرِينٍ مُغْرِفِ
حَتّى أَتَوْكُمْ فِي مَحِلّ بِلَادِكُمْ ... فَسَقَوْكُمْ حَتْفًا بِبِيضِ ذُفّفِ
مُسْتَبْصِرِينَ لِنَصْرِ دِينِ نَبِيّهِمْ ... مُسْتَصْغِرِينَ لِكُلّ أَمْرٍ مُجْحِفٍ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ " ذُفّفِ " ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .

إسْلَامُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ رَاشِدٍ مَوْلَى حَبِيبِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ الثّقَفِيّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ الثّقَفِيّ قَالَ حَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنْ فِيهِ قَالَ لَمّا انْصَرَفْنَا مَعَ الْأَحْزَابِ عَنْ الْخَنْدَقِ جَمَعْتُ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ ، كَانُوا يَرَوْنَ رَأْيِي ، وَيَسْمَعُونَ مِنّي ، فَقُلْت لَهُمْ تَعْلَمُونَ وَاَللّهِ أَنّي أَرَى أَمْرَ مُحَمّدٍ يَعْلُو الْأُمُورَ عُلُوّا مُنْكَرًا ، وَإِنّي قَدْ رَأَيْت أَمْرًا ، فَمَا تَرَوْنَ فِيهِ ؟ قَالُوا : وَمَاذَا رَأَيْت ؟ قَالَ رَأَيْت أَنْ نَلْحَقَ بِالنّجَاشِيّ فَنَكُونَ عِنْدَهُ فَإِنْ ظَهَرَ مُحَمّدٌ عَلَى قَوْمِنَا كُنّا عِنْدَ النّجَاشِيّ ، فَإِنّا أَنْ نَكُونَ تَحْتَ يَدَيْهِ أَحَبّ إلَيْنَا مِنْ أَنْ نَكُونَ تَحْت يَدَيْ مُحَمّدٍ وَإِنْ ظَهَرَ قَوْمُنَا فَنَحْنُ مَنْ قَدْ عَرَفُوا ، فَلَنْ يَأْتِيَنَا مِنْهُمْ إلّا خَيْرٌ قَالُوا : إنّ هَذَا الرّأْيُ [ ص 277 ] وَكَانَ أَحَبّ مَا يُهْدَى إلَيْهِ مِنْ أَرْضِنَا الْأَدَمَ . فَجَمَعْنَا لَهُ أَدَمًا كَثِيرًا ، ثُمّ خَرَجْنَا حَتّى قَدِمْنَا عَلَيْهِ .

[ سُؤَالُهُ النّجَاشِيّ فِي قَتْلِ عَمْرٍو الضّمْرِيّ وَرَدّهُ عَلَيْهِ ]
فَوَاَللّهِ إنّا لَعِنْدَهُ إذْ جَاءَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ بَعَثَهُ إلَيْهِ فِي شَأْنِ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ . قَالَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثُمّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ . قَالَ فَقُلْت لِأَصْحَابِي : هَذَا عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ ، لَوْ قَدْ دَخَلْتُ عَلَى النّجَاشِيّ وَسَأَلْته إيّاهُ فَأَعْطَانِيهِ فَضَرَبْت عُنُقَهُ فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنّي قَدْ أَجْزَأْت عَنْهَا حِينَ قَتَلْت رَسُولَ مُحَمّدٍ . قَالَ فَدَخَلْت عَلَيْهِ فَسَجَدْت لَهُ كَمَا كُنْت أَصْنَعُ فَقَالَ مَرْحَبًا بِصَدِيقِي ، أَهْدَيْتَ إلَيّ مِنْ بِلَادِك شَيْئًا ؟ قَالَ قُلْت : نَعَمْ أَيّهَا الْمَلِكُ قَدْ أَهْدَيْت إلَيْك أَدَمًا كَثِيرًا ؛ قَالَ ثُمّ قَرّبْته إلَيْهِ فَأَعْجَبَهُ وَاشْتَهَاهُ ثُمّ قُلْت لَهُ أَيّهَا الْمَلِكُ إنّي قَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا خَرَجَ مِنْ عِنْدِك ، وَهُوَ رَسُولُ رَجُلٍ عَدُوّ لَنَا ، فَأَعْطِنِيهِ لِأَقْتُلَهُ فَإِنّهُ قَدْ أَصَابَ مِنْ أَشْرَافِنَا وَخِيَارِنَا ؛ قَالَ فَغَضِبَ ثُمّ مَدّ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا أَنْفَهُ ضَرْبَةً ظَنَنْتُ أَنّهُ قَدْ كَسَرَهُ فَلَوْ انْشَقّتْ لِي الْأَرْضُ لَدَخَلْت فِيهَا فَرَقًا مِنْهُ ثُمّ قُلْت لَهُ أَيّهَا الْمَلِكُ وَاَللّهِ لَوْ ظَنَنْت أَنّك تَكْرَهُ هَذَا مَا سَأَلْتُكَهُ قَالَ أَتَسْأَلُنِي أَنْ أُعْطِيَك رَسُولَ رَجُلٍ يَأْتِيهِ النّامُوسُ الْأَكْبَرُ الّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى لِتَقْتُلَهُ قَالَ قُلْت : أَيّهَا الْمَلِكُ أَكَذَاك هُوَ ؟ قَالَ وَيْحَك يَا عَمْرُو أَطِعْنِي وَاتّبِعْهُ فَإِنّهُ وَاَللّهِ لَعَلَى الْحَقّ وَلَيَظْهَرَنّ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ كَمَا ظَهَرَ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ قَالَ قُلْت : أَفَتُبَايِعُنِي لَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ؟ قَالَ نَعَمْ فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ثُمّ خَرَجْت إلَى أَصْحَابِي وَقَدْ حَالَ رَأْيِي عَمّا كَانَ عَلَيْهِ وَكَتَمْتُ أَصْحَابِي إسْلَامِي .

[ اجْتِمَاعُ عَمْرٍو وَخَالِدٍ عَلَى الْإِسْلَامِ ]
ثُمّ خَرَجْت عَامِدًا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأُسْلِمَ فَلَقِيتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، وَذَلِكَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ وَهُوَ مُقْبِلٌ مِنْ مَكّةَ ، فَقُلْت : أَيْنَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ ؟ [ ص 278 ] قَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ اسْتَقَامَ الْمَنْسِمُ وَإِنّ الرّجُلَ لَنَبِيّ ، أَذْهَبُ وَاَللّهِ فَأُسْلِمَ فَحَتّى مَتَى ؛ قَالَ قُلْت : وَاَللّهِ مَا جِئْتُ إلّا لِأُسْلِمَ . قَالَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتَقَدّمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَسْلَمَ وَبَايَعَ ثُمّ دَنَوْتُ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أُبَايِعُك عَلَى أَنْ يُغْفَرَ لِي مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِي ، وَلَا أَذْكُرُ مَا تَأَخّرَ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا عَمْرُو ، بَايِعْ فَإِنّ الْإِسْلَامَ يَجُبّ مَا كَانَ قَبْلَهُ ، وَإِنّ الْهِجْرَةَ تَجُبّ مَا كَانَ قَبْلَهَا قَالَ فَبَايَعْته ، ثُمّ انْصَرَفْت . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ فَإِنّ الْإِسْلَامَ يَحُتّ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَإِنّ الْهِجْرَةَ تَحُتّ مَا كَانَ قَبْلَهَا .

[ إسْلَامُ ابْنِ طَلْحَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ ، وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ أَنّ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، كَانَ مَعَهُمَا ، حِينَ أَسْلَمَا .
[ شِعْرٌ لِلسّهْمِيّ فِي إسْلَامِ ابْنِ طَلْحَةَ وَخَالِدٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ ابْنُ الزّبَعْرَى السّهْمِيّ :
أَنْشُدُ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ حِلْفَنَا ... وَمُلْقَى نِعَالِ الْقَوْمِ عِنْدَ الْمُقَبّلِ
وَمَا عَقَدَ الْآبَاءُ مِنْ كُلّ حِلْفِهِ ... وَمَا خَالِدٌ مِنْ مِثْلِهَا بِمُحَلّلِ
أَمِفْتَاحَ بَيْتٍ غَيْرِ بَيْتِك تَبْتَغِي ... وَمَا يُبْتَغَى مِنْ مَجْدِ بَيْتٍ مُؤَثّلِ
فَلَا تَأْمَنَنّ خَالِدًا بَعْدَ هَذِهِ ... وَعُثْمَانُ جَاءَ بِالدّهَيْمِ الْمُعَضّلِ
[ ص 279 ] وَكَانَ فَتْحُ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَصَدْرِ ذِي الْحَجّةِ وَوَلِيَ تِلْكَ الْحِجّةَ الْمُشْرِكُونَ .

غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ ذَا الْحَجّةِ وَالْمُحَرّمَ وَصَفَرًا وَشَهْرَيْ رَبِيعٍ وَخَرَجَ فِي جُمَادَى الْأُولَى عَلَى رَأْسِ سِتّةِ أَشْهُرٍ مِنْ فَتْحِ قُرَيْظَةَ إلَى بَنِي لِحْيَانَ يَطْلُبُ بِأَصْحَابِ الرّجِيعِ : خُبَيْبَ بْنَ عَدِيّ وَأَصْحَابَهُ وَأَظْهَرَ أَنّهُ يُرِيدُ الشّامَ ، لِيُصِيبَ مِنْ الْقَوْمِ غِرّةً .

[ اسْتِعْمَالُهُ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ ]
فَخَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ .
[ طَرِيقُهُ إلَيْهِمْ ثُمّ رُجُوعُهُ عَنْهُمْ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَسَلَكَ عَلَى غُرَابٍ ، جَبَلٍ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ عَلَى طَرِيقِهِ إلَى الشّامِ ، ثُمّ عَلَى مَحِيصٍ ، ثُمّ عَلَى الْبَتْرَاءِ ، ثُمّ صَفّقَ ذَاتَ الْيَسَارِ فَخَرَجَ عَلَى بَيْنٍ ثُمّ عَلَى صُخَيْرَاتِ الْيَمَامِ ، ثُمّ اسْتَقَامَ بِهِ الطّرِيقُ عَلَى الْمَحَجّةِ مِنْ طَرِيقِ مَكّةَ ، فَأَغَذّ السّيْرَ [ ص 280 ] نَزَلَ عَلَى غُرَانَ ، وَهِيَ مَنَازِلُ بَنِي لِحْيَانٍ ، وَغُرَانُ وَادٍ بَيْنَ أَمَجّ وَعُسْفَانَ ، إلَى بَلَدٍ يُقَالُ لَهُ سَايَةُ ، فَوَجَدَهُمْ قَدْ حَذِرُوا وَتَمَنّعُوا فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ . فَلَمّا نَزَلَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَخْطَأَهُ مِنْ غِرّتِهِمْ مَا أَرَادَ قَالَ لَوْ أَنّا هَبَطْنَا عُسْفَانَ لَرَأَى أَهْلُ مَكّةَ أَنّا قَدْ جِئْنَا مَكّةَ ، فَخَرَجَ فِي مِئَتَيْ رَاكِبٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتّى نَزَلَ عُسْفَانَ ، ثُمّ بَعَثَ فَارِسَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتّى بَلَغَا كُرَاعَ الْغَمِيمِ ، ثُمّ كَرّ وَرَاحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَافِلًا .

[ مَقَالَةُ الرّسُولِ فِي رُجُوعِهِ ]
فَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ حِينَ وَجّهَ رَاجِعًا : آيِبُونَ تَائِبُونَ إنْ شَاءَ اللّهُ لِرَبّنَا حَامِدُونَ أَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ

[ شِعْرُ كَعْبٍ فِي غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ ]
وَالْحَدِيثُ فِي غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ؛ فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ :
لَوْ أَنّ بَنِي لِحْيَانَ كَانُوا تَنَاظَرُوا ... لَقُوا عُصَبًا فِي دَارِهِمْ ذَاتَ مَصْدَقِ
لَقُوا سَرَعَانًا يَمْلَأُ السّرْبَ رَوْعُهُ ... أَمَامَ طَحُونٍ كَالْمَجَرّةِ فَيْلَقِ
وَلَكِنّهُمْ كَانُوا وِبَارًا تَتَبّعَتْ ... شِعَابَ حِجَازٍ غَيْرِ ذِي مُتَنَفّقِ
[ ص 281 ]

غَزْوَةَ ذِي قَرَدٍ
ثُمّ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَلَمْ يُقِمْ بِهَا إلّا لَيَالِيَ قَلَائِلَ حَتّى أَغَارَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيّ ، فِي خَيْلٍ مِنْ غَطَفَانَ عَلَى لِقَاحٍ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْغَابَةِ وَفِيهَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ وَامْرَأَةٌ لَهُ فَقَتَلُوا الرّجُلَ وَاحْتَمَلُوا الْمَرْأَةَ فِي اللّقَاحِ .

[ بَلَاءُ ابْنِ الْأَكْوَعِ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، وَمَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، كُلّ قَدْ حَدّثَ فِي غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ بَعْضَ الْحَدِيثِ أَنّهُ كَانَ أَوّلَ مَنْ نَذَرَ بِهِمْ سَلَمَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ الْأَسْلَمِيّ ، غَدا يُرِيدُ الْغَابَةَ مُتَوَشّحًا قَوْسَهُ وَنَبْلَهُ وَمَعَهُ غُلَامٌ لِطَلْحَةِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ مَعَهُ فَرَسٌ لَهُ يَقُودُهُ حَتّى إذَا عَلَا ثَنِيّةَ الْوَدَاعِ نَظَرَ إلَى بَعْضِ خُيُولِهِمْ فَأَشْرَفَ فِي نَاحِيَةِ سَلْعٍ ، ثُمّ صَرَخَ وَاصَبَاحَاه ، ثُمّ خَرَجَ يَشْتَدّ فِي آثَارِ الْقَوْمِ وَكَانَ مِثْلَ السّبُعِ حَتّى لَحِقَ بِالْقَوْمِ فَجَعَلَ يَرُدّهُمْ بِالنّبْلِ وَيَقُولُ إذَا رَمَى [ ص 282 ] خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ ، الْيَوْمُ يَوْمُ الرّضّعِ فَإِذَا وُجّهَتْ الْخَيْلُ نَحْوَهُ انْطَلَقَ هَارِبًا ، ثُمّ عَارَضَهُمْ فَإِذَا أَمْكَنَهُ الرّمْيُ رَمَى ، ثُمّ قَالَ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ ، الْيَوْمُ يَوْمُ الرّضّعِ قَالَ فَيَقُولُ قَائِلُهُمْ أُوَيْكَعُنَا هُوَ أَوّلُ النّهَارِ .

[ صُرَاخُ الرّسُولِ وَتَسَابُقُ الْفُرْسَانِ إلَيْهِ ]
قَالَ وَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صِيَاحُ ابْنِ الْأَكْوَعِ فَصَرَخَ بِالْمَدِينَةِ الْفَزَعُ الْفَزَعُ فَتَرَامَتْ الْخُيُولُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَكَانَ أَوّلَ مَنْ انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْفُرْسَانِ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو ، وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ ثُمّ كَانَ أَوّلَ فَارِسٍ وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ الْمِقْدَادِ مِنْ الْأَنْصَارِ ، عَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشِ بْنِ زُغْبَةَ بْنِ زَعُورَاءَ ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَسَعْدُ بْنُ زَيْدٍ ، أَحَدُ بَنِي كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَأُسَيْدُ بْنُ ظُهَيْرٍ ، أَخُو بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ يُشَكّ فِيهِ وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ أَخُو بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ ؛ وَمُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ أَخُو بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ ، وَأَبُو قَتَادَة َ َ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيّ ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ وَأَبُو عَيّاشٍ وَهُوَ عُبَيْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الصّامِتِ ، أَخُو بَنِي زُرَيْقٍ . فَلَمّا اجْتَمَعُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمّرَ عَلَيْهِمْ سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ ، فِيمَا بَلَغَنِي ، ثُمّ قَالَ اُخْرُجْ فِي طَلَبِ الْقَوْمِ ، حَتّى أَلْحَقَك فِي النّاسِ

[ الرّسُولُ وَنَصِيحَتُهُ لِأَبِي عَيّاشٍ بِتَرْكِ فَرَسِهِ ]
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ لِأَبِي عَيّاشٍ يَا أَبَا عِيَاشٍ لَوْ أَعْطَيْت هَذَا الْفَرَسَ رَجُلًا ، هُوَ أَفْرَسُ مِنْك فَلَحِقَ بِالْقَوْمِ ؟ قَالَ أَبُو عَيّاشٍ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا أَفْرَسُ النّاسِ ثُمّ ضَرَبْتُ الْفَرَسَ ، فَوَاَللّهِ مَا جَرَى بِي خَمْسِينَ ذِرَاعًا حَتّى طَرَحَنِي ، فَعَجِبْت أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لَوْ أَعْطَيْتَهُ أَفْرَسَ مِنْك ، وأنا أقول : أنا أفرس الناس . فزعم رِجَالٌ من بني زُرَيْق أن رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَعْطَى فَرَسَ أَبِي عَيّاشٍ مُعَاذَ بْنَ مَاعِصٍ أَوْ عَائِذَ بْنَ مَاعِصِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ وَكَانَ ثَامِنًا ، وَبَعْضُ [ ص 283 ] سَلَمَةِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ أَحَدَ الثّمَانِيَةِ وَيَطْرَحُ أُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ ، أَخَا بَنِي حَارِثَةَ وَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ . وَلَمْ يَكُنْ سَلَمَةُ يَوْمَئِذٍ فَارِسًا ، وَقَدْ كَانَ أَوّلَ مَنْ لَحِقَ بِالْقَوْمِ عَلَى رِجْلَيْهِ . فَخَرَجَ الْفُرْسَانُ فِي طَلَبِ الْقَوْمِ حَتّى تَلَاحَقُوا .

[ سَبْقُ مُحْرِزٍ إلَى الْقَوْمِ وَمَقْتَلُهُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ أَوّلَ فَارِسٍ لَحِقَ بِالْقَوْمِ مُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ أَخُو بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ - وَكَانَ يُقَالُ لِمُحْرَزِ الْأَخْرَمُ وَيُقَالُ لَهُ قُمَيْرٌ - وَأَنّ الْفَزَعَ لَمّا كَانَ جَالَ فَرَسٌ لِمَحْمُودِ بْنِ مَسْلَمَةَ فِي الْحَائِطِ ، حِينَ سَمِعَ صَاهِلَةَ الْخَيْلِ وَكَانَ فَرَسًا صَنِيعًا جَامّا ، فَقَالَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ حِينَ رَأَيْنَ الْفَرَسَ يَجُولُ فِي الْحَائِطِ بِجِذْعِ نَخْلٍ هُوَ مَرْبُوطٌ فِيهِ يَا قُمَيْرُ هَلْ لَك فِي أَنْ تَرْكَبَ هَذَا الْفَرَسَ ؟ فَإِنّهُ كَمَا تَرَى ، ثُمّ تَلْحَقُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبِالْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ نَعَمْ فَأَعْطَيْنَهُ إيّاهُ . فَخَرَجَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَذّ الْخَيْلَ بِجَمَامِهِ حَتّى أَدْرَكَ الْقَوْمَ فَوَقَفَ لَهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ثُمّ قَالَ قِفُوا يَا مَعْشَرَ بَنِي اللّكِيعَةِ حَتّى يَلْحَقَ بِكُمْ مَنْ وَرَاءَكُمْ مِنْ أَدْبَارِكُمْ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ . قَالَ وَحَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَتَلَهُ وَجَالَ الْفَرَسُ ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتّى وَقَفَ عَلَى آرِيّهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَلَمْ يُقْتَلْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُهُ .

[ رَأْيُ ابْنِ هِشَامٍ فِيمَنْ قُتِلَ مَعَ مُحْرِزٍ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَ مُحْرِزٍ وَقّاصُ بْنُ مُجَزّزٍ الْمُدْلِجِيّ ، فَمَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ .

[ أَسَمَاءُ أَفْرَاسِ الْمُسْلِمِينَ ]
[ ص 284 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ اسْمُ فَرَسِ مَحْمُودٍ ذَا اللّمّةِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ اسْمُ فَرَسِ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ : لَاحِقَ وَاسْمُ فَرَسِ الْمِقْدَادِ بَعْزَجَةُ وَيُقَالُ سُبْحَةُ وَاسْمُ فَرَسِ عُكَاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ ذو اللّمّةِ وَاسْمُ فَرَسِ أَبِي قَتَادَةَ : حَزْوَةُ وَفَرَسُ عَبّادِ بْنِ بِشْرٍ لَمّاعٌ وَفَرَسُ أُسَيْدِ بْنِ ظُهَيْرٍ : مَسْنُونٌ وَفَرَسُ أَبِي عَيّاشٍ جُلْوَةُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ : أَنّ مُجَزّزًا إنّمَا كَانَ عَلَى فَرَسٍ لِعُكّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ يُقَالُ لَهُ الْجَنَاحُ فَقُتِلَ مُجَزّزٌ وَاسْتُلِبَتْ الْجَنَاحُ .

[ الْقَتْلَى مِنْ الْمُشْرِكِينَ ]
وَلَمّا تَلَاحَقَتْ الْخَيْلُ قَتَلَ أَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثَ بْنَ رِبْعِيّ ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ حَبِيبُ بْنُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَغَشّاهُ بُرْدَهُ ثُمّ لَحِقَ بِالنّاسِ . وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ .

[ اسْتِعْمَالُ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَة ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَإِذَا حَبِيبٌ مُسَجّى بِبُرْدِ أَبِي قَتَادَةَ ، فَاسْتَرْجَعَ النّاسُ وَقَالُوا : قُتِلَ أَبُو قَتَادَةَ ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْسَ بِأَبِي قَتَادَةَ وَلَكِنّهُ قُتِلَ لِأَبِي قَتَادَةَ ، وَضَعَ عَلَيْهِ بُرْدَهُ لِتَعْرِفُوا أَنّهُ صَاحِبُهُ وَأَدْرَكَ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ أَوْبَارًا وَابْنَهُ عَمْرَو بْنَ أَوْبَارٍ ، وَهُمَا عَلَى بَعِيرٍ [ ص 285 ] وَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلَ بِالْجَبَلِ مِنْ ذِي قَرَدٍ ، وَتَلَاحَقَ بِهِ النّاسُ فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهِ وَأَقَامَ عَلَيْهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَقَالَ لَهُ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ : يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ سَرّحْتنِي فِي مِئَةِ رَجُلٍ لَاسْتَنْقَذْتُ بَقِيّةَ السّرْحِ وَأَخَذْت بِأَعْنَاقِ الْقَوْمِ ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي : إنّهُمْ الْآنَ لَيُغْبَقُونَ فِي غَطَفَان

[ تَقْسِيمُ الْفَيْءِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ]
فَقَسَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَصْحَابِهِ فِي كُلّ مِئَةِ رَجُلٍ جَزُورًا ، وَأَقَامُوا عَلَيْهَا ، ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَافِلًا حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ .

[ امْرَأَةُ الْغِفَارِيّ وَمَا نَذَرَتْ مَعَ الرّسُولِ ]
وَأَقْبَلَتْ امْرَأَةُ الْغِفَارِيّ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إبِلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قَدِمَتْ عَلَيْهِ فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ ، فَلَمّا فَرَغَتْ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي قَدْ نَذَرْت لِلّهِ أَنْ أَنَحْرَهَا إنْ نَجّانِي اللّهُ عَلَيْهَا ؛ قَالَ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ بِئْسَ مَا جَزَيْتِهَا أَنْ حَمَلَك اللّهُ عَلَيْهَا وَنَجّاك بِهَا ثُمّ تَنْحَرِينَهَا إنّهُ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللّهِ وَلَا فِيمَا لَا تَمْلِكِينَ إنّمَا هِيَ نَاقَةٌ مِنْ إبِلِي ، فَارْجِعِي إلَى أَهْلِك عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ وَالْحَدِيثُ عَنْ امْرَأَةِ الْغِفَارِيّ وَمَا قَالَتْ وَمَا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ الْمَكّيّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ .

[ شِعْرُ حَسّانَ فِي ذِي قَرَدٍ ]
وَكَانَ مِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ قَوْلُ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ [ ص 286 ]
لَوْلَا الّذِي لَاقَتْ وَمَسّ نُسُورُهَا ... بِجَنُوبِ سَايَةَ أَمْسِ فِي التّقْوَادِ
لَلَقِينَكُمْ يَحْمِلْنَ كُلّ مُدَجّجٍ ... حَامِي الْحَقِيقَةِ مَاجِدُ الْأَجْدَادِ
وَلَسَرّ أَوْلَادَ اللّقِيطَةِ أَنّنَا ... سِلْمٌ غَدَاةَ فَوَارِسِ الْمِقْدَادِ
كُنّا ثَمَانِيَةً وَكَانُوا جَحْفَلًا ... لِجَبَا فَشُكّوا بِالرّمَاحِ بَدَادِ
كُنّا مِنْ الْقَوْمِ الّذِينَ يَلُونَهُمْ ... وَيُقَدّمُونَ عِنَانَ كُلّ جَوَادٍ
كَلّا وَرَبّ الرّاقِصَاتِ إلَى مِنًى ... يَقْطَعْنَ عُرْضَ مَخَارِمِ الْأَطْوَادِ
حَتّى نُبِيلَ الْخَيْلَ فِي عَرَصَاتِكُمْ ... وَنُؤَوّبُ بِالْمَلَكَاتِ وَالْأَوْلَادِ
رَهْوًا بِكُلّ مُقَلّصٍ وَطِمَرّةٍ ... فِي كُلّ مُعْتَرَكٍ عَطَفْنَ وَوَادَى
أَفْنَى دَوَابِرَهَا وَلَاحَ مُتُونَهَا ... يَوْمٌ تُقَادُ بِهِ وَيَوْمٌ طِرَادُ
فَكَذَاك إنّ جِيَادَنَا مَلْبُونَةٌ ... وَالْحَرْبُ مُشْعَلَةٌ بِرِيحِ غَوَادٍ
وَسُيُوفُنَا بِيضُ الْحَدَائِدِ تَجْتَلِي ... جُنَنَ الْحَدِيدِ وَهَامَةَ الْمُرْتَادِ
أَخَذَ الْإِلَهُ عَلَيْهِمْ لِحَرَامِهِ ... وَلِعِزّةِ الرّحْمَنِ بِالْأَسْدَادِ
كَانُوا بِدَارٍ نَاعِمِينَ فَبُدّلُوا ... أَيّامَ ذِي قَرَدٍ وُجُوهَ عِبَادٍ

[ غَضَبُ سَعْدٍ عَلَى حَسّانَ وَمُحَاوَلَةُ حَسّانَ اسْتِرْضَاءَهُ ]
[ ص 287 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَلَمّا قَالَهَا حَسّانُ غَضِبَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ ، وَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلّمَهُ أَبَدًا ؛ قَالَ انْطَلَقَ إلَى خَيْلِي وَفَوَارِسِي فَجَعَلَهَا لِلْمِقْدَادِ فَاعْتَذَرَ إلَيْهِ حَسّانُ وَقَالَ وَاَللّهِ مَا ذَاكَ أَرَدْتُ وَلَكِنّ الرّوِيّ وَافَقَ اسْمَ الْمِقْدَادِ ؛ وَقَالَ أَبْيَاتًا يُرْضِي بِهَا سَعْدًا :
إذَا أَرَدْتُمْ الْأَشَدّ الْجَلْدَا ... أَوْ ذَا غَنَاءٍ فَعَلَيْكُمْ سَعْدًا
سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ لَا يُهَدّ هَدّا
فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ سَعْدٌ وَلَمْ يُغْنِ شَيْئًا .

[ شِعْرٌ آخَرُ لِحَسّانَ فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ ]
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ
أَظَنّ عُيَيْنَةُ إذْ زَارَهَا ... بِأَنْ سَوْفَ يَهْدِمُ فِيهَا قُصُورًا
فَأُكْذِبْتَ مَا كُنْتَ صَدّقْته ... وَقُلْتُمْ سَنَغْنَمُ أَمْرًا كَبِيرًا
فَعِفْتَ الْمَدِينَةَ إذْ زُرْتهَا ... وَآنَسْت لِلْأُسْدِ فِيهَا زَئِيرًا
فَوَلّوْا سِرَاعًا كَشَدّ النّعَامِ ... وَلَمْ يَكْشِفُوا عَنْ مُلِطّ حَصِيرًا
أَمِيرٌ عَلَيْنَا رَسُولُ الْمَلِيكِ ... أَحْبِبْ بِذَاكَ إلَيْنَا أَمِيرًا
رَسُولٌ نُصَدّقُ مَا جَاءَهُ ... وَيَتْلُو كِتَابًا مُضِيئًا مُنِيرًا

[ شِعْرُ كَعْبٍ فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ ]
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ لِلْفَوَارِسِ [ ص 288 ]
أَتَحْسَبُ أَوْلَادُ اللّقِيطَةِ أَنّنَا ... عَلَى الْخَيْلِ لَسْنَا مِثْلَهُمْ فِي الْفَوَارِسِ
وَإِنّا أُنَاسٌ لَا نَرَى الْقَتْلَ سُبّةً ... وَلَا نَنْثَنِي عِنْدَ الرّمَاحِ الْمَدَاعِسِ
وَإِنّا لَنَقْرِي الضّيْفَ مِنْ قَمَعِ الذّرَا ... وَنَضْرِبُ رَأْسَ الْأَبْلَخِ الْمُتَشَاوِسِ
نَرُدّ كُمَاةَ الْمُعْلَمِينَ إذَا انْتَخَوْا ... بِضَرْبٍ يُسْلِي نَخْوَةَ الْمُتَقَاعِسِ
بِكُلّ فَتًى حَامِي الْحَقِيقَةَ مَاجِدٍ ... كَرِيمٍ كَسِرْحَانِ الْغَضَاةِ مُخَالِسِ
يَذُودُونَ عَنْ أَحْسَابهِمْ وَتِلَادِهِمْ ... بِبِيضٍ تَقُدّ الْهَامَ تَحْتَ الْقَوَانِسِ
فَسَائِلْ بَنِي بَدْرٍ إذَا مَا لَقِيتَهُمْ ... بِمَا فَعَلَ الْإِخْوَانُ يَوْمَ التّمَارُسِ
إذَا مَا خَرَجْتُمْ فَاصْدُقُوا مَنْ لَقِيتُمْ ... وَلَا تَكْتُمُوا أَخْبَارَكُمْ فِي الْمَجَالِسِ
وَقُولُوا زَلِلْنَا عَنْ مَخَالِبِ خَادِرٍ ... بِهِ وَحَرٌ فِي الصّدْرِ مَا لَمْ يُمَارِسْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي بَيْتَهُ " وَإِنّا لَنَقْرِي الضّيْفَ " أَبُو زَيْدٍ .

[ شِعْرُ شَدّادٍ لِعُيَيْنَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ شَدّادُ بْنُ عَارِضٍ الْجُشَمِيّ ، فِي يَوْمِ ذِي قَرَدٍ لِعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَكَانَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ يُكَنّى بِأَبِي مَالِكٍ [ ص 289 ]
فَهَلّا كَرَرْتَ أَبَا مَالِكٍ ... وَخَيْلُك مُدْبِرَةٌ تُقْتَلُ
ذَكَرْتَ الْإِيَابَ إلَى عَسْجَرٍ ... وَهَيْهَاتَ قَدْ بَعُدَ الْمُقْفَلُ
وَطَمّنْتَ نَفْسَك ذَا مَيْعَةَ ... مِسَحّ الْفَضَاءِ إذَا يُرْسَلُ
إذَا قَبّضَتْهُ إلَيْك الشّمَا ... لُ جَاشَ كَمَا اضْطَرَمَ الْمِرْجَلُ
فَلَمّا عَرَفْتُمْ عِبَادَ الْإِلَهِ ... لَمْ يَنْظُرْ الْآخَرَ الْأَوّلَ
عَرَفْتُمْ فَوَارِسَ قَدْ عُوّدُوا ... طِرَادَ الْكُمَاةِ إذَا أَسْهَلُوا
إذَا طَرَدُوا الْخَيْلَ تَشْقَى بِهِمْ ... فِضَاحًا وَإِنْ يُطْرَدُوا يَنْزِلُوا
فَيَعْتَصِمُوا فِي سَوَاءِ اُلْمُقَا ... مِ بِالْبِيضِ أَخْلَصَهَا الصّيْقَلُ

غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ
( وَقْتُهَا ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ بَعْضَ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا ، ثُمّ غَزَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ ، فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتّ .
[ اسْتِعْمَالُ أَبِي ذَرّ عَلَى الْمَدِينَةِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا ذَرّ الْغِفَارِيّ وَيُقَالُ نُمَيْلَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ اللّيْثِيّ .

سَبَبُ غَزْوِ الرّسُولِ لَهُمْ
[ ص 290 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ ، كُلّ قَدْ حَدّثَنِي بَعْضَ حَدِيثِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ ، قَالُوا : بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ بَنِي الْمُصْطَلِقِ يَجْمَعُونَ لَهُ وَقَائِدُهُمْ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ أَبُو جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ ، زَوْجِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهِمْ خَرَجَ إلَيْهِمْ حَتّى لَقِيَهُمْ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ الْمُرَيْسِيعُ ، مِنْ نَاحِيَةِ قَدِيدٍ إلَى السّاحِل ِ فَتَزَاحَفَ النّاسُ وَاقْتَتَلُوا ، فَهَزَمَ اللّهُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ وَنَفّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَأْفَاءَهُمْ عَلَيْهِ .

[ مَوْتُ ابْنِ صُبَابَةَ ]
وَقَدْ أُصِيبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي كَلْبِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرٍ يُقَالُ لَهُ هِشَامُ بْنُ صُبَابَةَ ، أَصَابَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ رَهْطِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ ، وَهُوَ يَرَى أَنّهُ مِنْ الْعَدُوّ فَقَتَلَهُ خَطَأٍ .

[ جَهْجَاه وَسِنَانٌ وَمَا كَانَ مِنْ ابْنِ أُبَيّ ]
فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ وَرَدَتْ وَارِدَةُ النّاسِ وَمَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ أَجِيرٌ لَهُ مِنْ بَنِي غِفَارٍ ، يُقَالُ لَهُ جَهْجَاه بْنُ مَسْعُودٍ يَقُودُ فَرَسَهُ فَازْدَحَمَ جَهْجَاه وَسِنَانُ بْنُ وَبَرٍ الْجُهَنِيّ ، حَلِيفُ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ عَلَى الْمَاءِ فَاقْتَتَلَا ، فَصَرَخَ الْجُهَنِيّ : يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ، وَصَرَخَ جَهْجَاه : يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ فَغَضِبَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ وَعِنْدَهُ رَهْطٌ مِنْ [ ص 291 ] قُرَيْشٍ إلّا كَمَا قَالَ الْأَوّلُ سَمّنْ كَلْبَك يَأْكُلْك ، أَمَا وَاَللّهِ { لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الْأَعَزّ مِنْهَا الْأَذَلّ } ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ مِنْ قَوْمِهِ فَقَالَ لَهُمْ هَذَا مَا فَعَلْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ أَحْلَلْتُمُوهُمْ بِلَادَكُمْ وَقَاسَمْتُوهُمْ أَمْوَالَكُمْ أَمَا وَاَللّهِ لَوْ أَمْسَكْتُمْ عَنْهُمْ مَا بِأَيْدِيكُمْ لَتَحَوّلُوا إلَى غَيْرِ دَارِكُمْ . فَسَمِعَ ذَلِكَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فَمَشَى بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَذَلِكَ عِنْدَ فَرَاغِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ عَدُوّهِ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ ، وَعِنْدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، فَقَالَ مُرْ بِهِ عَبّادَ بْنِ بِشْرٍ فَلْيَقْتُلْهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَيْفَ يَا عُمَرُ إذَا تَحَدّثَ النّاسُ أَنّ مُحَمّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ لَا وَلَكِنْ أَذّنَ بِالرّحِيلِ وَذَلِكَ فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَرْتَحِلُ فِيهَا ، فَارْتَحَلَ النّاسُ .

[ اعْتِذَارُ ابْنِ أُبَيّ لِلرّسُولِ ]
وَقَدْ مَشَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ بَلَغَهُ أَنّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَدْ بَلّغَهُ مَا سَمِعَ مِنْهُ فَحَلَفَ بِاَللّهِ مَا قُلْت مَا قَالَ وَلَا تَكَلّمْت بِهِ . - وَكَانَ فِي قَوْمِهِ شَرِيفًا عَظِيمًا - ، فَقَالَ مَنْ حَضَرَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَا رَسُولَ اللّهِ عَسَى أَنْ يَكُونَ الْغُلَامُ قَدْ أَوْهَمَ فِي حَدِيثِهِ وَلَمْ يَحْفَظْ مَا قَالَ الرّجُلُ حَدَبًا عَلَى ابْنِ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ ، وَدَفْعًا عَنْهُ .

[ الرّسُولُ وَأُسَيْدٌ وَمَقَالَةُ ابْنِ أُبَيّ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا اسْتَقَلّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَارَ لَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَحَيّاهُ بِتَحِيّةِ النّبُوّةِ وَسَلّمَ عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ وَاَللّهِ لَقَدْ رُحْتَ فِي سَاعَةٍ مُنْكَرَةٍ مَا كُنْتَ تَرُوحُ فِي مِثْلِهَا ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ [ ص 292 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوْ مَا بَلَغَك مَا قَالَ صَاحِبُكُمْ ؟ قَالَ وَأَيّ صَاحِبٍ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ؛ قَالَ وَمَا قَالَ ؟ قَالَ زَعَمَ أَنّهُ إنْ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَن الْأَعَزّ مِنْهَا الْأَذَلّ قَالَ فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللّهِ وَاَللّهِ تُخْرِجُهُ مِنْهَا إنْ شِئْت . هُوَ وَاَللّهِ الذّلِيلُ وَأَنْتَ الْعَزِيزُ ثُمّ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ . اُرْفُقْ بِهِ فَوَاَللّهِ لَقَدْ جَاءَنَا اللّهُ بِك ، وَإِنّ قَوْمَهُ لَيَنْظِمُونَ لَهُ الْخَرَزَ لِيُتَوّجُوهُ فَإِنّهُ لَيَرَى أَنّك قَدْ اسْتَلَبْته مُلْكًا

[سَيْرُ الرّسُولِ بِالنّاسِ لِيُشْغِلَهُمْ عَنْ الْفِتْنَةِ ]
ثُمّ مَشَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالنّاسِ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ حَتّى أَمْسَى ، وَلَيْلَتَهُمْ حَتّى أَصْبَحَ وَصَدْرَ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ حَتّى آذَتْهُمْ الشّمْسُ ثُمّ نَزَلَ بِالنّاسِ فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ وَجَدُوا مَسّ الْأَرْضِ فَوَقَعُوا نِيَامًا ، وَإِنّمَا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَشْغَلَ النّاسَ عَنْ الْحَدِيثِ الّذِي كَانَ بِالْأَمْسِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ ابْنِ أُبَيّ .

[ تَنَبّؤُ الرّسُولِ بِمَوْتِ رِفَاعَةَ ]
ثُمّ رَاحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالنّاسِ وَسَلَكَ الْحِجَازَ حَتّى نَزَلَ عَلَى مَاءٍ بِالْحِجَازِ فُوَيْقَ النّقِيعِ ؛ يُقَالُ لَهُ بَقْعَاءُ . فَلَمّا رَاحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَبّتْ عَلَى النّاسِ رِيحٌ شَدِيدَةٌ آذَتْهُمْ وَتَخَوّفُوهَا ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَخَافُوهَا ، فَإِنّمَا هَبّتْ لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْكُفّارِ . فَلَمّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَجَدُوا رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ أَحَدَ بَنِي قَيْنُقَاعَ ، وَكَانَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَاءِ يَهُودَ وَكَهْفًا لِلْمُنَافِقِينَ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ .

[ مَا نَزَلَ فِي ابْنِ أُبَيّ مِنْ الْقُرْآنِ ]
وَنَزَلَتْ السّورَةُ الّتِي ذَكَرَ اللّهُ فِيهَا الْمُنَافِقِينَ فِي ابْنِ أُبَيّ وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ أَمْرِهِ فَلَمّا نَزَلَتْ أَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأُذُنِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ثُمّ قَالَ هَذَا الّذِي أَوْفَى اللّهُ بِأُذُنِهِ . وَبَلَغَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ الّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِ أَبِيهِ .

طَلَبُ ابْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ أَنْ يَتَوَلّى هُوَ قَتْلَ أَبِيهِ وَعَفْوَ الرّسُولِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : [ ص 293 ] أَنّ عَبْدَ اللّهِ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ بَلَغَنِي أَنّك تُرِيدُ قَتْلَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ فِيمَا بَلَغَك عَنْهُ فَإِنْ كُنْت لَا بُدّ فَاعِلًا فَمُرْنِي بِهِ فَأَنَا أَحْمِلُ إلَيْك رَأْسَهُ فَوَاَللّهِ لَقَدْ عَلِمَتْ الْخَزْرَجُ مَا كَانَ لَهَا مِنْ رَجُلٍ أَبَرّ بِوَالِدِهِ مِنّي ، وَإِنّي أَخْشَى أَنْ تَأْمُرَ بِهِ غَيْرِي فَيَقْتُلَهُ فَلَا تَدَعُنِي نَفْسِي أَنْظُرُ إلَى قَاتِلِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ يَمْشِي فِي النّاسِ فَأَقْتُلَهُ فَأَقْتُلَ ( رَجُلًا ) مُؤْمِنًا بِكَافِرِ فَأَدْخُلَ النّارَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلْ نَتَرَفّقُ بِهِ وَنُحْسِنُ صُحْبَتَهُ مَا بَقِيَ مَعَنَا .

تَوَلّي قَوْمِ ابْنِ أُبَيّ مُجَازَاتَهُ
وَجَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا أَحْدَثَ الْحَدَثَ كَانَ قَوْمُهُ هُمْ الّذِينَ يُعَاتِبُونَهُ وَيَأْخُذُونَهُ وَيُعَنّفُونَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِمْ كَيْفَ تَرَى يَا عُمَرُ أَمَا وَاَللّهِ لَوْ قَتَلْته يَوْمَ قُلْتَ لِي اُقْتُلْهُ لَأُرْعِدَتْ لَهُ آنُفٌ لَوْ أَمَرْتهَا الْيَوْمَ بِقَتْلِهِ لَقَتَلْته ؛ قَالَ قَالَ عُمَرُ قَدْ وَاَللّهِ عَلِمْتُ لَأَمْرُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَعْظَمُ بَرَكَةً مِنْ أَمْرِي .

[ مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ وَحِيلَتُهُ فِي الْأَخْذِ بِثَأْرِ أَخِيهِ وَشَعْرِهِ فِي ذَلِكَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدِمَ مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ مِنْ مَكّةَ مُسْلِمًا ، فِيمَا يَظْهَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ جِئْتُك مُسْلِمًا ، وَجِئْتُك أَطُلُبُ دِيَةَ أَخِي ، قُتِلَ خَطَأً . فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِدِيَةِ أَخِيهِ هِشَامِ بْنِ صُبَابَةَ ؛ فَأَقَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَيْرَ كَثِيرٍ ثُمّ عَدَا عَلَى قَاتِلِ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ ثُمّ خَرَجَ إلَى مَكّةَ مُرْتَدّا فَقَالَ فِي شِعْرٍ يَقُولُهُ [ ص 294 ]
شَفَى النّفْسَ أَنْ قَدْ مَاتَ بِالْقَاعِ مُسْنَدًا ... تُضَرّجُ ثَوْبَيْهِ دِمَاءُ الْأَخَادِعِ
وَكَانَتْ هُمُومُ النّفْسِ مِنْ قَبْلِ قَتْلِهِ ... تُلِمّ فَتَحْمِينِي وِطَاءَ الْمَضَاجِعِ
حَلَلْت بِهِ وِتْرِي وَأَدْرَكْتُ ثؤرتي ... وَكُنْتُ إلَى الْأَوْثَانِ أَوّلَ رَاجِعٍ
ثَأَرْتُ بِهِ فِهْرًا وَحَمَلْت عَقْلَهُ ... سَرَاةَ بَنِي النّجّارِ أَرْبَابَ فَارِعِ
وَقَالَ مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ أَيْضًا :
جَلّلْته ضَرْبَةً بَاءَتْ لَهَا وَشَلٌ ... مِنْ نَاقِعِ الْجَوْفِ يَعْلُوهُ وَيَنْصَرِمُ
فَقُلْتُ وَالْمَوْتُ تَغْشَاهُ أَسِرّتُهُ ... لَا تَأْمَنَن بَنِي بَكْرٍ إذَا ظُلِمُوا
[ شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ : يَا مَنْصُورُ ، أَمِتْ أَمِتْ

[ قَتْلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأُصِيبَ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ يَوْمَئِذٍ نَاسٌ ، وَقَتَلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْهُمْ رَجُلَيْنِ مَالِكًا وَابْنَهُ وَقَتَلَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَجُلًا مِنْ فُرْسَانِهِمْ يُقَالُ لَهُ أَحْمَرُ أَوْ أُحَيْمِرٌ

[ أَمْرُ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ ]
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَصَابَ مِنْهُمْ سَبْيًا كَثِيرًا ، فَشَا قَسْمُهُ فِي الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ فِيمَنْ أُصِيبَ يَوْمَئِذٍ مِنْ السّبَايَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ ، زَوْجُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمّا قَسَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فِي السّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ أَوْ لِابْنِ عَمّ لَهُ فَكَاتَبَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا ، وَكَانَتْ امْرَأَةً حُلْوَةً مُلّاحَةً لَا يَرَاهَا أَحَدٌ إلّا أَخَذَتْ بِنَفْسِهِ فَأَتَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَسْتَعِينُهُ فِي كِتَابَتِهَا ؛ قَالَتْ عَائِشَةُ فَوَاَللّهِ مَا هُوَ [ ص 295 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا رَأَيْتُ فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ ، سَيّدِ قَوْمِهِ وَقَدْ أَصَابَنِي مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْك ، فَوَقَعْت فِي السّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ أَوْ لِابْنِ عَمّ لَهُ فَكَاتَبْتُهُ عَلَى نَفْسِي ، فَجِئْتُك أَسْتَعِينُك عَلَى كِتَابَتِي ، قَالَ فَهَلْ لَك فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ ؟ قَالَتْ وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ أَقْضِي عَنْك كِتَابَتك وَأَتَزَوّجُك ؛ قَالَتْ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ قَدْ فَعَلْت . قَالَتْ وَخَرَجَ الْخَبَرُ إلَى النّاسِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تَزَوّجَ جُوَيْرِيَةَ ابْنَةَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ ، فَقَالَ النّاسُ أَصْهَارُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَرْسَلُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ قَالَتْ فَلَقَدْ أُعْتِقَ بِتَزْوِيجِهِ إيّاهَا مِئَةُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَمَا أَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ عَلَى قَوْمِهَا بَرَكَةً مِنْهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ لَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَمَعَهُ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ ، وَكَانَ بِذَاتِ الْجَيْشِ دَفَعَ جُوَيْرِيَةَ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَدِيعَةً وَأَمَرَهُ بِالِاحْتِفَاظِ بِهَا ، وَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ؛ فَأَقْبَلَ أَبُوهَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ بِفِدَاءِ ابْنَتِهِ فَلَمّا كَانَ بِالْعَقِيقِ نَظَرَ إلَى الْإِبِلِ الّتِي جَاءَ بِهَا لِلْفِدَاءِ فَرَغِبَ فِي بَعِيرَيْنِ مِنْهَا ، فَغَيّبَهُمَا فِي شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ الْعَقِيقِ ، ثُمّ أَتَى إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَصَبْتُمْ ابْنَتِي ، وَهَذَا فِدَاؤُهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 296 ] فَأَيْنَ الْبَعِيرَانِ اللّذَانِ غَيّبْتهمَا بِالْعَقِيقِ ، فِي شِعْبِ كَذَا وَكَذَا ؟ فَقَالَ الْحَارِثُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ، وَأَنّك مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ فَوَاَللّهِ مَا اطّلَعَ عَلَى ذَلِكَ إلّا اللّهُ فَأَسْلَمَ الْحَارِثُ وَأَسْلَمَ مَعَهُ ابْنَانِ لَهُ وَنَاسٌ مِنْ قَوْمِهِ وَأَرْسَلَ إلَى الْبَعِيرَيْنِ فَجَاءَ بِهِمَا ، فَدَفَعَ الْإِبِلَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدُفِعَتْ إلَيْهِ ابْنَتُهُ جُوَيْرِيَةُ فَأَسْلَمَتْ وَحَسُنَ إسْلَامُهَا ؛ فَخَطَبَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَبِيهَا ، فَزَوّجَهُ إيّاهَا ، وَأَصْدَقَهَا أَرْبَعَ مِئَةِ دِرْهَمٍ

[ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ وَبَنُو الْمُصْطَلِقِ وَمَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ إلَيْهِمْ بَعْدَ إسْلَامِهِمْ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ ، فَلَمّا سَمِعُوا بِهِ رَكِبُوا إلَيْهِ فَلَمّا سَمِعَ بِهِمْ هَابَهُمْ فَرَجَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنّ الْقَوْمَ قَدْ هَمّوا بِقَتْلِهِ وَمَنَعُوهُ مَا قِبَلَهُمْ مِنْ صَدْقِهِمْ فَأَكْثَرَ الْمُسْلِمُونَ فِي ذِكْرِ غَزْوِهِمْ حَتّى هَمّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنْ يَغْزُوَهُمْ فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ قَدِمَ وَفْدُهُمْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ سَمِعْنَا بِرَسُولِك حِينَ بَعَثْته إلَيْنَا ، فَخَرَجْنَا إلَيْهِ لِنُكْرِمَهُ وَنُؤَدّيَ إلَيْهِ مَا قِبَلَنَا مِنْ الصّدَقَةِ فَانْشَمَرَ رَاجِعًا ، فَبَلَغْنَا أَنّهُ زَعَمَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّا خَرَجْنَا إلَيْهِ لِنَقْتُلَهُ وَوَاللّهِ مَا جِئْنَا لِذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ وَفِيهِمْ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ وَاعْلَمُوا أَنّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتّمْ } إلَى آخِرِ الْآيَةِ وَقَدْ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ سَفَرِهِ ذَلِكَ كَمَا حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، حَتّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ ، وَكَانَتْ مَعَهُ عَائِشَةُ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ قَالَ فِيهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا . [ ص 297 ]

خَبَرُ الْإِفْكِ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ ( سَنَةَ سِتّ )
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنَا الزّهْرِيّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقّاصٍ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ كُلّ قَدْ حَدّثَنِي بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَعْضُ الْقَوْمِ كَانَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ وَقَدْ جَمَعْت لَك الّذِي حَدّثَنِي الْقَوْمُ .

[ شَأْنُ الرّسُولِ مَعَ نِسَائِهِ فِي سَفَرِهِ ]
قَالَ مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ ، عَنْ عَائِشَةَ عَنْ نَفْسِهَا ، حِينَ قَالَ فِيهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا ، فَكُلّ قَدْ دَخَلَ فِي حَدِيثِهَا عَنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا يُحَدّثُ بَعْضُهُمْ مَا لَمْ يُحَدّثْ صَاحِبَهُ وَكُلّ كَانَ عَنْهَا ثِقَةً فَكُلّهُمْ حَدّثَ عَنْهَا مَا سَمِعَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيّتُهُنّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ فَلَمّا كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فَخَرَجَ سَهْمِي عَلَيْهِنّ مَعَهُ فَخَرَجَ بِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ

[ سُقُوطُ عِقْدِ عَائِشَةَ وَتَخَلّفُهَا لِلْبَحْثِ عَنْهُ ]
قَالَتْ وَكَانَ النّسَاءُ إذْ ذَاكَ إنّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلَقَ لَمْ يَهِجْهُنّ اللّحْمُ فَيَثْقُلْنَ وَكُنْت إذَا رَحَلَ لِي بَعِيرِي جَلَسْتُ فِي هَوْدَجِي ، ثُمّ يَأْتِي الْقَوْمُ الّذِينَ يُرَحّلُونَ لِي وَيَحْمِلُونَنِي ، فَيَأْخُذُونَ بِأَسْفَلَ الْهَوْدَجِ فَيَرْفَعُونَهُ فَيَضَعُونَهُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ فَيُشِدّونَهُ بِحِبَالِهِ ثُمّ يَأْخُذُونَ بِرَأْسِ الْبَعِيرِ فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ . قَالَتْ فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ سَفَرِهِ ذَلِكَ وَجّهَ قَافِلًا ، حَتّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ [ ص 298 ] نَزَلَ مَنْزِلًا ، فَبَالَ بِهِ بَعْضَ اللّيْلِ ثُمّ أَذّنَ فِي النّاسِ بِالرّحِيلِ فَارْتَحَلَ النّاسُ وَخَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي ، وَفِي عُنُقِي عِقْدٌ لِي ، فِيهِ جَزْعُ ظِفَارٍ ، فَلَمّا فَرَغْت انْسَلّ مِنْ عُنُقِي وَلَا أَدْرِي ، فَلَمّا رَجَعْت إلَى الرّحْلِ ذَهَبْتُ أَلْتَمِسُهُ فِي عُنُقِي ، فَلَمْ أَجِدْهُ وَقَدْ أَخَذَ النّاسُ فِي الرّحِيلِ فَرَجَعْت إلَى مَكَانِي الّذِي ذَهَبْت إلَيْهِ فَالْتَمَسْته حَتّى وَجَدْته . وَجَاءَ الْقَوْمُ خِلَافِي ، الّذِينَ كَانُوا يُرَحّلُونَ لِي الْبَعِيرَ وَقَدْ فَرَغُوا مِنْ رِحْلَتِهِ فَأَخَذُوا الْهَوْدَجَ وَهُمْ يَظُنّونَ أَنّي فِيهِ كَمَا كُنْت أَصْنَعُ فَاحْتَمَلُوهُ فَشَدّوهُ عَلَى الْبَعِيرِ وَلَمْ يَشُكّوا أَنّي فِيهِ ثُمّ أَخَذُوا بِرَأْسِ الْبَعِيرِ فَانْطَلَقُوا بِهِ فَرَجَعْتُ إلَى الْعَسْكَرِ وَمَا فِيهِ مِنْ دَاعٍ وَلَا مُجِيبٍ قَدْ انْطَلَقَ النّاسُ .

[ مُرُورُ ابْنِ الْمُعَطّلِ بِهَا وَاحْتِمَالُهُ إيّاهَا عَلَى بَعِيرِهِ ]
قَالَتْ فَتَلَفّفْت بِجِلْبَابِي ، ثُمّ اضْطَجَعْتُ فِي مَكَانِي ، وَعَرَفْت أَنْ لَوْ قَدْ اُفْتُقِدْت لَرُجِعَ إلَيّ . قَالَتْ فَوَاَللّهِ إنّي لَمُضْطَجِعَةٌ إذْ مَرّ بِي صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطّلِ السّلَمِيّ ، وَقَدْ كَانَ تَخَلّفَ عَنْ الْعَسْكَرِ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ فَلَمْ يَبِتْ مَعَ النّاسِ فَرَأَى سَوَادِي ، فَأَقْبَلَ حَتّى وَقَفَ عَلَيّ وَقَدْ كَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ فَلَمّا رَآنِي قَالَ إنّا لِلّهِ وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ، ظَعِينَةُ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَأَنَا مُتَلَفّفَةٌ فِي ثِيَابِي ، قَالَ مَا خَلّفَك يَرْحَمُك اللّهُ ؟ قَالَتْ فَمَا كَلّمَتْهُ ثُمّ قَرّبَ الْبَعِيرَ فَقَالَ ارْكَبِي ، وَاسْتَأْخَرَ عَنّي .
قَالَتْ فَرَكِبْتُ وَأَخَذَ بِرَأْسِ الْبَعِيرِ فَانْطَلَقَ سَرِيعًا ، يَطْلُبُ النّاسَ فَوَاَللّهِ مَا أَدْرَكْنَا النّاسَ وَمَا افْتَقَدْت حَتّى أَصْبَحْتُ وَنَزَلَ النّاسُ فَلَمّا اطْمَأَنّوا طَلَعَ الرّجُلُ يَقُودُ بِي ، فَقَالَ أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا ، فَارْتَعَجَ الْعَسْكَرُ وَوَاللّهِ مَا أَعْلَمُ بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ .

[ إعْرَاضُ الرّسُولِ عَنْهَا ]
ثُمّ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ، فَلَمْ أَلْبَثَ أَنْ اشْتَكَيْتُ شَكْوَى شَدِيدَةً وَلَا يَبْلُغُنِي مِنْ ذَلِكَ [ ص 299 ] - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَإِلَى أَبَوَيّ لَا يَذْكُرُونَ لِي مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا ، إلّا أَنّي قَدْ أَنْكَرْتُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بَعْضَ لُطْفِهِ بِي ، كُنْت إذَا اشْتَكَيْتُ رَحِمَنِي ، وَلَطَفَ بِي ، فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِي فِي شَكْوَايَ تِلْكَ فَأَنْكَرْت ذَلِكَ مِنْهُ كَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيّ وَعِنْدِي أُمّي تُمَرّضُنِي
- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهِيَ أُمّ رُومَانَ ، وَاسْمُهَا زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ دُهْمَانَ ، أَحَدُ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ - قَالَ كَيْفَ تِيكُمْ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ .

[ انْتِقَالُهَا إلَى بَيْتِ أَبِيهَا وَعِلْمُهَا بِمَا قِيلَ فِيهَا ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَتْ حَتّى وَجَدْتُ فِي نَفْسِي ، فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ حِينَ رَأَيْتُ مَا رَأَيْت مِنْ جَفَائِهِ لِي : لَوْ أَذِنْتَ لِي ، فَانْتَقَلْت إلَى أُمّي ، فَمَرّضْتنِي ؟ قَالَ لَا عَلَيْك . قَالَتْ فَانْتَقَلْت إلَى أُمّي ، وَلَا عِلْمَ لِي بِشَيْءِ مِمّا كَانَ حَتّى نَقِهْت مِنْ وَجَعِي بَعْدَ بِضْعٍ وَعَشْرَيْنِ لَيْلَةً وَكُنّا قَوْمًا عَرَبًا ، لَا نَتّخِذُ فِي بُيُوتِنَا هَذِهِ الْكُنُفَ الّتِي تَتّخِذُهَا الْأَعَاجِمُ ، نَعَافُهَا وَنَكْرَهُهَا ، إنّمَا كُنّا نَذْهَبُ فِي فُسَحِ الْمَدِينَةِ ، وَإِنّمَا كَانَتْ النّسَاءُ يَخْرُجْنَ كُلّ لَيْلَةٍ فِي حَوَائِجِهِنّ فَخَرَجْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ حَاجَتِي وَمَعِي أُمّ مِسْطَحٍ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَكَانَتْ أُمّهَا بِنْتَ صَخْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ خَالَةَ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - قَالَتْ فَوَاَللّهِ إنّهَا لَتَمْشِي مَعِي إذْ عَثَرْت فِي مِرْطِهَا ؛ فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ وَمِسْطَحٌ لَقَبٌ وَاسْمُهُ عَوْفٌ قَالَتْ قُلْت : بِئْسَ لَعَمْرُ اللّهِ مَا قُلْت لِرَجُلٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، قَالَتْ أَوْ مَا بَلَغَك الْخَبَرُ يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ ؟ قَالَتْ قُلْت : وَمَا الْخَبَرُ ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِاَلّذِي كَانَ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ قَالَتْ قُلْت : أَوَ قَدْ كَانَ هَذَا ؟ قَالَتْ نَعَمْ وَاَللّهِ لَقَدْ كَانَ . قَالَتْ فَوَاَللّهِ مَا قَدَرْت عَلَى أَنْ أَقْضِيَ حَاجَتِي ، وَرَجَعْت ، فَوَاَللّهِ مَا زِلْت أَبْكِي حَتّى ظَنَنْت أَنّ الْبُكَاءَ سَيَصْدَعُ كَبِدِي ؛ قَالَتْ وَقُلْت لِأُمّي : يَغْفِرُ اللّهُ لَك ، تَحَدّثَ النّاسُ بِمَا تَحَدّثُوا بِهِ وَلَا تَذْكُرِينَ لِي مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا قَالَتْ أَيْ بُنَيّةُ خَفّضِي [ ص 300 ] كَانَتْ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبّهَا ، لَهَا ضَرَائِرُ إلّا كَثّرْنَ وَكَثّرَ النّاسُ عَلَيْهَا .

[ خُطْبَةُ الرّسُولِ فِي النّاسِ يُذَكّرُ إيذَاءَ قَوْمٍ لَهُ فِي عِرْضِهِ ]
قَالَتْ وَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي النّاسِ يَخْطُبُهُمْ وَلَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ مَا بَالُ رِجَالٍ يُؤْذُونَنِي فِي أَهْلِي وَيَقُولُونَ عَلَيْهِمْ غَيْرَ الْحَقّ وَاَللّهِ مَا عَلِمْت مِنْهُمْ إلّا خَيْرًا ، وَيَقُولُونَ ذَلِكَ لِرَجُلِ وَاَللّهِ مَا عَلِمْت مِنْهُ إلّا خَيْرًا ، وَمَا يَدْخُلُ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِي إلّا وَهُوَ مَعِي

[ أَثَرُ ابْنِ أُبَيّ وَحَمْنَةُ فِي إشَاعَةِ هَذَا الْحَدِيثِ ]
قَالَتْ وَكَانَ كُبْر ذَلِكَ عِنْدِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ فِي رِجَالٍ مِنْ الْخَزْرَجِ مَعَ الّذِي قَالَ مِسْطَحٌ وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ ، وَذَلِكَ أَنّ أُخْتَهَا زَيْنَبَ بِنْتُ جَحْشٍ كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَلَمْ تَكُنْ مِنْ نِسَائِهِ امْرَأَةٌ تُنَاصِينِي فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُ غَيْرُهَا ؛ فَأَمّا زَيْنَبُ فَعَصَمَهَا اللّهُ تَعَالَى بِدِينِهَا فَلَمْ تَقُلْ إلّا خَيْرًا وَأَمّا حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ ، فَأَشَاعَتْ مِنْ ذَلِكَ مَا أَشَاعَتْ تُضَادّنِي لِأُخْتِهَا ، فَشَقِيَتْ بِذَلِكَ .

[ مَا كَانَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ خُطْبَةِ الرّسُولِ ]
فَلَمّا قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - تِلْكَ الْمَقَالَةَ قَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ يَكُونُوا مِنْ الْأَوْسِ نَكْفِكَهُمْ وَإِنْ يَكُونُوا مِنْ إخْوَانِنَا مِنْ الْخَزْرَجِ ، فَمُرْنَا بِأَمْرِك ، فَوَاَللّهِ إنّهُمْ لَأَهْلٌ أَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ . قَالَتْ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَرَى رَجُلًا صَالِحًا ، فَقَالَ كَذَبْت لَعَمْرُ اللّهِ لَا نَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ أَمَا وَاَللّهِ مَا قُلْتَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إلّا أَنّك قَدْ عَرَفْت أَنّهُمْ مِنْ الْخَزْرَجِ وَلَوْ كَانُوا مِنْ قَوْمِك مَا قُلْتَ هَذَا ، فَقَالَ أُسَيْدٌ كَذَبْت لَعَمْرُ اللّهِ وَلَكِنّك مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ قَالَتْ وَتَسَاوَرَ النّاسُ حَتّى كَادَ يَكُونُ بَيْنَ هَذَيْنِ [ ص 301 ] الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ شَرّ . وَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَدَخَلَ عَلَيّ

[ اسْتِشَارَةُ الرّسُولِ لِعَلِيّ وَأُسَامَةَ ]
( قَالَتْ ) فَدَعَا عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ - وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَاسْتَشَارَهُمَا ؛ فَأَمّا أُسَامَةُ فَأَثْنَى عَلَيّ خَيْرًا وَقَالَهُ ثُمّ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَهْلُك وَلَا نَعْلَمُ مِنْهُمْ إلّا خَيْرًا ، وَهَذَا الْكَذِبُ وَالْبَاطِلُ وَأَمّا عَلِيّ فَإِنّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ النّسَاءَ لَكَثِيرٌ وَإِنّك لَقَادِرٌ عَلَى أَنْ تَسْتَخْلِفَ وَسَلْ الْجَارِيَةَ فَإِنّهَا سَتُصْدِقُك . فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بَرِيرَةَ لِيَسْأَلَهَا ؛ قَالَتْ فَقَامَ إلَيْهَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَضَرَبَهَا ضَرْبًا شَدِيدًا ، وَيَقُولُ اُصْدُقِي رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَتْ فَتَقُولُ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ إلّا خَيْرًا ، وَمَا كُنْت أَعِيبُ عَلَى عَائِشَةَ شَيْئًا ، إلّا أَنّي كُنْت أَعْجِنُ عَجِينِي ، فَآمُرُهَا أَنْ تَحْفَظَهُ فَتَنَامُ عَنْهُ فَتَأْتِي الشّاةُ فَتَأْكُلُهُ .

[ نُزُولُ الْقُرْآنِ بِبَرَاءَةِ عَائِشَةَ ]
قَالَتْ ثُمّ دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَعِنْدِي أَبَوَايَ وَعِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَأَنَا أَبْكِي ، وَهِيَ تَبْكِي مَعِي ، فَجَلَسَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ يَا عَائِشَةُ . إنّهُ قَدْ كَانَ مَا قَدْ بَلَغَك مِنْ قَوْلِ النّاسِ فَاتّقِي اللّهَ وَإِنْ كُنْت قَدْ قَارَفْت سُوءًا مِمّا يَقُولُ النّاسُ فَتُوبِي إلَى اللّهِ فَإِنّ اللّهَ يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَنْ عِبَادِه قَالَتْ فَوَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ قَالَ لِي ذَلِكَ فَقَلَصَ دَمْعِي ، حَتّى مَا أُحِسّ مِنْهُ شَيْئًا ، وَانْتَظَرْت أَبَوَيّ أَنْ يُجِيبَا عَنّي رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَلَمْ يَتَكَلّمَا . قَالَتْ وَاَيْمُ اللّهِ لَأَنَا كُنْت أَحْقَرَ فِي نَفْسِي ، وَأَصْغَرَ شَأْنًا مِنْ أَنْ يُنْزِلَ اللّهُ فِيّ قُرْآنًا يُقْرَأُ بِهِ فِي الْمَسَاجِدِ وَيُصَلّى بِهِ وَلَكِنّي قَدْ كُنْت أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي نَوْمِهِ شَيْئًا يُكَذّبُ بِهِ اللّهُ عَنّي ، لِمَا يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَتِي ، أَوْ يُخْبِرُ خَبَرًا ؛ فَأَمّا قُرْآنٌ يَنْزِلُ فِيّ فَوَاَللّهِ لَنَفْسِي كَانَتْ أَحْقَرَ عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ . قَالَتْ فَلَمّا لَمْ أَرَ أَبَوَيّ يَتَكَلّمَانِ قَالَتْ قُلْت لَهُمَا : أَلَا تُجِيبَانِ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ؟ [ ص 352 ] قَالَتْ فَقَالَا : وَاَللّهِ مَا نَدْرِي بِمَاذَا نُجِيبُهُ قَالَتْ وَوَاللّهِ مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ دَخَلَ عَلَيْهِمْ مَا دَخَلَ عَلَى آلِ أَبِي بَكْرٍ فِي تِلْكَ الْأَيّامِ قَالَتْ فَلَمّا أَنْ اسْتَعْجَمَا عَلَيّ اسْتَعْبَرْتُ فَبَكَيْتُ ثُمّ قُلْت : وَاَللّهِ لَا أَتُوبُ إلَى اللّهِ مِمّا ذَكَرْت أَبَدًا . وَاَللّهِ إنّي لَأَعْلَمُ لَئِنْ أَقْرَرْتُ بِمَا يَقُولُ النّاسُ وَاَللّهُ يَعْلَمُ أَنّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَأَقُولَن مَا لَمْ يَكُنْ وَلَئِنْ أَنَا أَنْكَرْت مَا يَقُولُونَ لَا تُصَدّقُونَنِي . قَالَتْ ثُمّ الْتَمَسْت اسْمَ يَعْقُوبَ فَمَا أَذْكُرُهُ فَقُلْت : وَلَكِنْ سَأَقُولُ كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ : { فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } قَالَتْ فَوَاَللّهِ مَا بَرِحَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مَجْلِسَهُ حَتّى تَغَشّاهُ مِنْ اللّهِ مَا كَانَ يَتَغَشّاهُ فَسُجّيَ بِثَوْبِهِ وَوُضِعَتْ لَهُ وِسَادَةُ مِنْ أَدَمٍ تَحْت رَأْسِهِ فَأَمّا أَنَا حِينَ رَأَيْت مِنْ ذَلِكَ مَا رَأَيْت ، فَوَاَللّهِ مَا فَزِعْت وَلَا بَالَيْتُ قَدْ عَرَفْت أَنّي بَرِيئَةٌ وَأَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ غَيْرُ ظَالِمِي . وَأَمّا أَبَوَايَ فَوَاَلّذِي نَفْسُ عَائِشَةَ بِيَدِهِ مَا سُرّيَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حَتّى ظَنَنْتُ لَتَخْرُجَن أَنَفْسُهُمَا ، فَرَقًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ اللّهِ تَحْقِيقُ مَا قَالَ النّاسُ قَالَتْ ثُمّ سُرّيَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَجَلَسَ وَإِنّهُ لَيَتَحَدّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ فِي يَوْمٍ شَاتٍ فَجَعَلَ يَمْسَحُ الْعَرَقَ عَنْ جَبِينِهِ وَيَقُولُ أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ فَقَدْ أَنَزَلَ اللّهُ بَرَاءَتَك ؛ قَالَتْ قُلْت : بِحَمْدِ اللّهِ ثُمّ خَرَجَ إلَى النّاسِ فَخَطَبَهُمْ وَتَلَا عَلَيْهِمْ مَا أَنَزَلَ اللّهُ عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ ثُمّ أَمَرَ بِمِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ وَحَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ ، وَحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ ، وَكَانُوا مِمّنْ أَفْصَحَ بِالْفَاحِشَةِ فَضُرِبُوا حَدّهُمْ .

[ أَبُو أَيّوبَ وَذِكْرُهُ طُهْرَ عَائِشَةَ لِزَوْجِهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي النّجّارِ : أَنّ أَبَا أَيّوبٍ خَالِدَ بْنَ زَيْدٍ ، قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ أَيّوبَ يَا أَبَا أَيّوبَ أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النّاسُ فِي عَائِشَةَ ؟ قَالَ بَلَى ، وَذَلِكَ الْكَذِبُ أَكُنْت يَا أُمّ أَيّوبَ فَاعِلَةٌ ؟ قَالَتْ لَا وَاَللّهِ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَهُ قَالَ فَعَائِشَةُ وَاَللّهِ خَيْرٌ مِنْك .
[ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ ]
قَالَتْ فَلَمّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِذِكْرِ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْفَاحِشَةِ مَا قَالَ مِنْ أَهْلِ الْإِفْكِ [ ص 353 ] فَقَالَ تَعَالَى : { إِنّ الّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } وَذَلِكَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَصْحَابُهُ الّذِينَ قَالُوا مَا قَالُوا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ وَذَلِكَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ وَأَصْحَابُهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاَلّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ عَبْد اللّهِ بْنُ أُبَيّ ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَبْلَ هَذَا . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا } أَيْ فَقَالُوا كَمَا قَالَ أَبُو أَيّوبَ وَصَاحِبَتُهُ ثُمّ قَالَ { إِذْ تَلَقّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللّهِ عَظِيمٌ }

[ هَمّ أَبِي بَكْرٍ بِعَدِمِ الْإِنْفَاقِ عَلَى مِسْطَحٍ ثُمّ عُدُولُهُ ]
فَلَمّا نَزَلَ هَذَا فِي عَائِشَةَ وَفِيمَنْ قَالَ لَهَا مَا قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ وَحَاجَتِهِ وَاَللّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا ، وَلَا أَنْفَعُهُ بِنَفْعِ أَبَدًا بَعْدَ الّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ وَأَدْخَلَ عَلَيْنَا قَالَتْ فَأَنْزَلَ اللّهُ فِي ذَلِك { وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ بَعْضَ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يُقَالُ كِبْرُهُ وَكُبْرُهُ فِي الرّوَايَةِ وَأَمّا فِي الْقُرْآنِ فَكِبْرُهُ بِالْكَسْرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : { وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ } وَلَا يَأْلُ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ . قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ حِجْرٍ الْكِنْدِي ّ ّ : أَلَا رُبّ خَصْمٌ فِيك أَلْوَى رَدَدْتُهُ نَصِيحٌ عَلَى تَعْذَالِهِ غَيْرُ مُؤْتَلِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَيُقَالُ وَلَا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ وَلَا يَحْلِفُ أُولُو الْفَضْلِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ ، فِيمَا بَلَغْنَا عَنْهُ . [ ص 304 ] { لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ } وَهُوَ مِنْ الْأَلْيَةِ وَالْأَلْيَةُ الْيَمِينُ .
قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ : آلَيْتُ مَا فِي جَمِيعِ النّاسِ مُجْتَهِدًا مِنّي أَلِيّةَ بِرّ غَيْرَ إفْنَادِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللّهُ فِي مَوْضِعِهَا . فَمَعْنَى : أَنْ يُؤْتَوْا فِي هَذَا الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يُؤْتَوْا ، وَفِي كِتَابِ اللّهِ - عَزّ وَجَلّ - : { يُبَيّنُ اللّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلّوا } يُرِيدُ أَنْ لَا تَضِلّوا ؛ { وَيُمْسِكُ السّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ } يُرِيدُ أَنْ لَا تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ .
وَقَالَ ابْنُ مُفَرّغٍ الْحِمْيَرِيّ : لَا ذَعَرْت السّوَامَ فِي وَضَحِ الصّبْحِ مُغِيرًا وَلَا دُعِيتُ يَزِيدَا
يَوْم أُعْطَى مَخَافَةَ الْمَوْتِ ضَيْمًا وَالْمَنَايَا يَرْصُدْنَنِي أَنْ أَحِيدَا
يُرِيدُ أَنْ لَا أَحِيدَ وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَتْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بَلَى وَاَللّهِ إنّي لَأُحِبّ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لِي ، فَرَجّعَ إلَى مِسْطَحٍ نَفَقَتَهُ الّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ وَاَللّهِ لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا .

[ هَمّ ابْنِ الْمُعَطّلِ بِقَتْلِ حَسّانَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ صَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطّلِ اعْتَرَضَ حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ بِالسّيْفِ حِينَ بَلَغَهُ مَا كَانَ يَقُولُ فِيهِ وَقَدْ كَانَ حَسّانُ قَالَ شِعْرًا مَعَ ذَلِكَ يُعَرّضُ بِابْنِ الْمُعَطّلِ فِيهِ وَبِمَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ مُضَرَ ، فَقَالَ [ ص 305 ] أَمْسَى الْجَلَابِيبُ قَدْ عَزّوا وَقَدْ كَثُرُوا وَابْنُ الْفُرَيْعَةَ أَمْسَى بَيْضَةَ الْبَلَدِ
قَدْ ثَكِلَتْ أُمّهُ مَنْ كُنْتَ صَاحِبَهُ أَوْ كَانَ مُنْتَشِبًا فِي بُرْثُنِ الْأَسَدِ
مَا لِقَتِيلِي الّذِي أَغْدُو فَآخُذُهُ مِنْ دِيَةٍ فِيهِ يُعْطَاهَا وَلَا قَوَدِ
مَا الْبَحْرُ حِينَ تَهُبّ الرّيحُ شَامِيّةً فَيَغْطَئِلُ وَيَرْمِي الْعِبْرَ بِالزّبَدِ
يَوْمًا بِأَغْلَبَ مِنّي حِينَ تُبْصِرُنِي مِلْغَيِظٍ أَفْرِي كَفَرْيِ الْعَارِضِ الْبَرِدِ
أُمّا قُرَيْشٌ فَإِنّي لَنْ أُسَالِمَهُمْ حَتّى يُنِيبُوا مِنْ الْغِيّاتِ لِلرّشْدِ
وَيَتْرُكُوا اللّاتَ وَالْعُزّى بِمَعْزِلَةٍ وَيَسْجُدُوا كُلّهُمْ لِلْوَاحِدِ الصّمَدِ
وَيَشْهَدُوا أَنّ مَا قَالَ الرّسُولُ لَهُمْ حَقّ وَيُوفُوا بِعَهْدِ اللّهِ وَالْوُكُدِ
فَاعْتَرَضَهُ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطّلِ ، فَضَرَبَهُ بِالسّيْفِ ثُمّ قَالَ كَمَا حَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ : تَلَقّ ذُبَابُ السّيْفِ عَنّي فَإِنّنِي غُلَامٌ إذَا هُوجِيتُ لَسْتُ بِشَاعِرٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ : أَنّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ وَثَبَ عَلَى صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطّلِ ، حِينَ ضَرَبَ حَسّانَ فَجَمَعَ يَدَيْهِ إلَى عُنُقِهِ بِحَبْلِ ثُمّ انْطَلَقَ بِهِ إلَى دَارِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ؛ فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، فَقَالَ مَا هَذَا ؟ قَالَ أَمَا أَعْجَبَك ضَرْبُ حَسّانَ بِالسّيْفِ وَاَللّهِ مَا أَرَاهُ إلّا قَدْ قَتَلَهُ قَالَ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ : هَلْ عَلِمَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِشَيْءِ مِمّا صَنَعْت ؟ قَالَ لَا وَاَللّهِ قَالَ لَقَدْ اجْتَرَأْت ، أَطْلِقْ الرّجُلَ فَأَطْلَقَهُ . ثُمّ أَتَوْا رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَدَعَا حَسّانَ وَصَفْوَانَ بْنَ الْمُعَطّلِ ، فَقَالَ ابْنُ الْمُعَطّلِ يَا رَسُولَ اللّهِ آذَانِي وَهَجَانِي ، فَاحْتَمَلَنِي الْغَضَبُ فَضَرَبْته ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لِحَسّانَ أَحْسِنْ يَا حَسّانُ أَتَشَوّهْتَ عَلَى قَوْمِي أَنْ هَدَاهُمْ اللّهُ لِلْإِسْلَامِ ثُمّ قَالَ أَحْسِنْ يَا حَسّانُ فِي الّذِي أَصَابَك قَالَ هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ . [ ص 306 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ أَبَعْدَ أَنْ هُدَاكُمْ اللّهُ لِلْإِسْلَامِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَعْطَاهُ عِوَضًا مِنْهَا بَيْرُحَاءَ ، وَهِيَ قَصْرُ بَنِي حُدَيْلَةَ الْيَوْمَ بِالْمَدِينَةِ وَكَانَتْ مَالًا لِأَبِي طَلْحَةَ بْنِ سَهْلٍ تَصَدّقَ بِهَا عَلَى آلِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ، فَأَعْطَاهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حَسّانَ فِي ضَرْبَتِهِ وَأَعْطَاهُ سِيرِينَ ، أَمَةً قِبْطِيّة ، فَوَلَدَتْ لِي عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ حَسّانَ ، قَالَتْ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ لَقَدْ سُئِلَ عَنْ ابْنِ الْمُعَطّلِ فَوَجَدُوهُ رَجُلًا حَصُورًا ، مَا يَأْتِي النّسَاءَ ثُمّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهِيدًا .

قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَعْتَذِرُ مِنْ الّذِي كَانَ قَالَ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا - :
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ
عَقِيلَةُ حَيّ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... كِرَامِ الْمَسَاعِي مَجْدُهُمْ غَيْرُ زَائِلِ
مُهَذّبَةٌ قَدْ طَيّبَ اللّهُ خِيمَهَا ... وَطَهّرَهَا مِنْ كُلّ سُوءٍ وَبَاطِلِ
فَإِنْ كُنْتُ قَدْ قُلْت الّذِي قَدْ زَعَمْتُمْ ... فَلَا رَفَعَتْ سَوْطِي إلَيّ أَنَامِلِي
وَكَيْفَ وَوُدّي مَا حَيِيتُ وَنُصْرَتِي ... لِآلِ رَسُولِ اللّهِ زَيْنُ الْمَحَافِلِ
لَهُ رَتَبٌ عَالٍ عَلَى النّاسِ كُلّهِمْ ... تَقَاصَرَ عَنْهُ سَوْرَةُ الْمُتَطَاوِلِ
فَإِنّ الّذِي قَدْ قِيلَ لَيْسَ بِلَائِطٍ ... وَلَكِنّهُ قَوْلُ امْرِئٍ بِي مَاحِلِ
[ ص 307 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بَيْتُهُ " عَقِيلَةُ حَيّ " وَاَلّذِي بَعْدَهُ وَبَيْتُهُ " لَهُ رَتَبٌ عَالٍ " عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ امْرَأَةً مَدَحَتْ بِنْتَ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ
فَقَالَتْ عَائِشَةُ لَكِنْ أَبُوهَا .

[ شِعْرٌ فِي هِجَاءِ حَسّانَ وَمِسْطَحٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ قَائِلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي ضَرْبِ حَسّانَ وَأَصْحَابِهِ فِي فِرْيَتِهِمْ عَلَى عَائِشَةَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فِي ضَرْبِ حَسّانَ وَصَاحِبَيْهِ - :
لَقَدْ ذَاقَ حَسّانُ الّذِي كَانَ أَهْلَهُ ... وَحَمْنَةُ إذْ قَالُوا هَجِيرًا وَمِسْطَحُ
تَعَاطَوْا بِرَجْمِ الْغَيْبِ زَوْجَ نَبِيّهِمْ ... وَسَخْطَةَ ذِي الْعَرْشِ الْكَرِيمِ فَأُتْرِحُوا
وَآذَوْا رَسُولَ اللّهِ فِيهَا فَجُلّلُوا ... مَخَازِيَ تَبْقَى عُمّمُوهَا وَفُضّحُوا
وَصُبّتْ عَلَيْهِمْ مُحْصَدَاتٌ كَأَنّهَا ... شَآبِيبُ قَطْرٍ مِنْ ذُرَا الْمُزْنِ تُسْفَحُ

أَمْرُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي آخِرِ سَنَةِ سِتّ ، وَذِكْرُ بَيْعَةِ الرّضْوَانِ وَالصّلْحِ
بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَبَيْنَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو
[ خُرُوجُ الرّسُولِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 308 ] أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِالْمَدِينَةِ شَهْرَ رَمَضَانَ وَشَوّالًا ، وَخَرَجَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مُعْتَمِرًا ، لَا يُرِيدُ حَرْبًا .
[ نُمَيْلَةُ عَلَى الْمَدِينَةِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ نُمَيْلَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ اللّيْثِيّ .
[ اسْتِنْفَارُ الرّسُولِ النّاسَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَاسْتَنْفَرَ الْعَرَبَ وَمَنْ حَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْبَوَادِي مِنْ الْأَعْرَابِ لِيَخْرُجُوا مَعَهُ وَهُوَ يَخْشَى مِنْ قُرَيْشٍ الّذِي صَنَعُوا ، أَنْ يَعْرِضُوا لَهُ بِحَرْبِ أَوْ يَصُدّوهُ عَنْ الْبَيْتِ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَعْرَابِ ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمَنْ لَحِقَ بِهِ مِنْ الْعَرَبِ ، وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ لِيَأْمَنَ النّاسُ مِنْ حَرْبِهِ وَلِيَعْلَمَ النّاسُ أَنّهُ إنّمَا خَرَجَ زَائِرًا لِهَذَا الْبَيْتِ وَمُعَظّمًا لَهُ .

[ عِدّةُ الرّجَالِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ مِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنّهُمَا حَدّثَاهُ قَالَا : خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَامَ الْحُدَيْبِيَة ِ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ لَا يُرِيدُ قِتَالًا ، وَسَاقَ مَعَهُ [ ص 359 ] وَكَانَ النّاسُ سَبْعَ مِئَةِ رَجُلٍ فَكَانَتْ كُلّ بَدَنَةٍ عَنْ عَشَرَةِ نَفَرٍ . وَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، فِيمَا بَلَغَنِي ، يَقُولُ كُنّا أَصْحَابَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِئَةً .

[ الرّسُولُ وَبِشْرُ بْنُ سُفْيَانَ ]
قَالَ الزّهْرِيّ : وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حَتّى إذَا كَانَ بِعُسْفَانَ لَقِيَهُ بِشْرُ بْنُ سُفْيَانَ الْكَعْبِيّ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ بُسْرٌ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ هَذِهِ قُرَيْشٌ ، قَدْ سَمِعْت بِمَسِيرِك ، فَخَرَجُوا مَعَهُمْ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النّمُورِ وَقَدْ نَزَلُوا بِذِي طُوًى ، يُعَاهِدُونَ اللّهَ لَا تَدْخُلُهَا عَلَيْهِمْ أَبَدًا ، وَهَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي خَيْلِهِمْ قَدْ قَدّمُوهَا إلَى كُرَاعِ الْغَمِيمِ . قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : يَا وَيْحَ قُرَيْشٍ لَقَدْ أَكَلَتْهُمْ الْحَرْبُ ، مَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ خَلّوْا بَيْنِي وَبَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ ، فَإِنْ هُمْ أَصَابُونِي كَانَ الّذِي أَرَادُوا ، وَإِنْ أَظْهَرَنِي اللّهُ عَلَيْهِمْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَافِرِينَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا قَاتَلُوا وَبِهِمْ قُوّةٌ فَمَا تَظُنّ قُرَيْشٌ ، فَوَاَللّهِ لَا أَزَالُ أُجَاهِدُ عَلَى الّذِي بَعَثَنِي اللّهُ بِهِ حَتّى يُظْهِرَهُ اللّهُ أَوْ تَنْفَرِدَ هَذِهِ السّالِفَةُ ثُمّ قَالَ مَنْ رَجُلٌ يَخْرَجُ بِنَا عَلَى طَرِيقٍ غَيْرِ طَرِيقِهِمْ الّتِي هُمْ بِهَا ؟

[ تَجَنّبُ الرّسُولِ لِقَاءَ قُرَيْشٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ : أَنّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ قَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ فَسَلَكَ بِهِمْ طَرِيقًا وَعْرًا أَجْرَلَ بَيْنَ شِعَابٍ فَلَمّا خَرَجُوا مِنْهُ وَقَدْ شَقّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَفْضَوْا إلَى أَرْضٍ سَهْلَةٍ عِنْدَ مُنْقَطِعِ الْوَادِي [ ص 310 ] قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لِلنّاسِ قُولُوا نَسْتَغْفِرُ اللّهَ وَنَتُوبُ إلَيْهِ فَقَالُوا ذَلِكَ فَقَالَ وَاَللّهِ إنّهَا لَلْحِطّةُ الّتِي عُرِضَتْ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ . فَلَمْ يَقُولُوهَا . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - النّاسَ فَقَالَ اُسْلُكُوا ذَاتَ الْيَمِينِ بَيْنَ ظَهْرَيْ الْحَمْشِ ، فِي طَرِيقٍ ( تُخْرِجُهُ ) عَلَى ثَنِيّةِ الْمُرَارِ مَهْبِطِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ أَسْفَلِ مَكّةَ قَالَ فَسَلَكَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الطّرِيقَ فَلَمّا رَأَتْ خَيْلُ قُرَيْشٍ قَتَرَةَ الْجَيْشِ قَدْ خَالَفُوا عَنْ طَرِيقِهِمْ رَجَعُوا رَاكِضِينَ إلَى قُرَيْشٍ ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حَتّى إذَا سَلَكَ فِي ثَنِيّةِ الْمُرَارِ بَرَكَتْ نَاقَتُهُ فَقَالَتْ النّاسُ خَلَأَتْ النّاقَةُ قَالَ مَا خَلَأَتْ وَمَا هُوَ لَهَا بِخُلُقٍ ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ عَنْ مَكّةَ . لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إلَى خُطّةٍ يَسْأَلُونَنِي فِيهَا صِلَةَ الرّحَمِ إلّا أَعْطَيْتُهُمْ إيّاهَا ثُمّ قَالَ لِلنّاسِ انْزِلُوا ؛ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا بِالْوَادِي مَاءٌ نَنْزِلُ عَلَيْهِ فَأَخْرَجَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ . فَأَعْطَاهُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَنَزَلَ بِهِ فِي قَلِيبٍ مِنْ تِلْكَ الْقُلُبِ . فَغَرّزَهُ فِي جَوْفِهِ فَجَاشَ بِالرّوّاءِ حَتّى ضَرَبَ النّاسُ عَنْهُ بِعَطَنٍ .

[ الّذِي نَزَلَ بِسَهْمِ الرّسُولِ فِي طَلَبِ الْمَاءِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَسْلَمَ : أَنّ الّذِي نَزَلَ فِي الْقَلِيبِ بِسَهْمِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ دَارِمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَائِلَةَ بْنِ سَهْمِ بْنِ مَازِنِ بْنِ سَلَامَانِ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ أَفْصَى بْنِ أَبِي حَارِثَةَ ، وَهُوَ سَائِقُ بُدْنِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - . [ ص 311 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَفْصَى بْنُ حَارِثَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ زَعَمَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ كَانَ يَقُولُ أَنَا الّذِي نَزَلْت بِسَهْمِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ .

[ شِعْرٌ لِنَاجِيَةَ يُثْبِتُ أَنّهُ حَامِلٌ سَهْمَ الرّسُولِ ]
وَقَدْ أَنْشَدَتْ أَسْلَمُ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ قَالَهَا نَاجِيَةُ قَدْ ظَنَنّا أَنّهُ هُوَ الّذِي نَزَلَ بِالسّهْمِ فَزَعَمَتْ أَسْلَمُ أَنّ جَارِيَةً مِنْ الْأَنْصَارِ أَقْبَلَتْ بِدَلْوِهَا ، وَنَاجِيَةُ فِي الْقَلِيبِ يَمِيحُ عَلَى النّاسِ فَقَالَتْ
يَا أَيّهَا الْمَائِحُ دَلْوَى دُونَكَا ... إنّي رَأَيْتُ النّاسَ يَحْمَدُونَكَا
يُثْنُونَ خَيْرًا وَيُمَجّدُونَكَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : إنّي رَأَيْت النّاسَ يَمْدَحُونَكَا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ نَاجِيَةُ وَهُوَ فِي الْقَلِيبِ يَمِيحُ عَلَى النّاسِ
قَدْ عَلِمَتْ جَارِيَةٌ يَمَانِيَهْ ... أَنّي أَنَا الْمَائِحُ وَاسْمِي نَاجِيَهْ
وَطَعْنَةٍ ذَاتِ رَشَاشٍ وَاهِيَهْ ... طَعَنْتُهَا عِنْدَ صُدُورِ الْعَادِيَهْ

[ بُدَيْلٌ وَرِجَالُ خُزَاعَةَ بَيْنَ الرّسُولِ وَقُرَيْشٍ ]
فَقَالَ الزّهْرِيّ فِي حَدِيثِهِ فَلَمّا اطْمَأَنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَتَاهُ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيّ ، فِي رِجَالٍ مِنْ خُزَاعَةَ ، فَكَلّمُوهُ وَسَأَلُوهُ مَا الّذِي جَاءَ بِهِ ؟ فَأَخْبَرَهُمْ أَنّهُ لَمْ يَأْتِ يُرِيدُ حَرْبًا ، وَإِنّمَا جَاءَ زَائِرًا لِلْبَيْتِ وَمُعَظّمًا لِحُرْمَتِهِ ثُمّ قَالَ لَهُمْ نَحْوًا مِمّا قَالَ لِبِشْرِ بْنِ سُفْيَانَ فَرَجَعُوا إلَى قُرَيْشٍ فَقَالُوا : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّكُمْ تَعْجَلُونَ عَلَى مُحَمّدٍ إنّ مُحَمّدًا لَمْ يَأْتِ لِقِتَالِ وَإِنّمَا جَاءَ زَائِرًا هَذَا الْبَيْتَ فَاتّهَمُوهُمْ وَجَبَهُوهُمْ وَقَالُوا : وَإِنْ كَانَ جَاءَ وَلَا يُرِيدُ قِتَالًا ، فَوَ اللّهِ لَا يَدْخُلُهَا عَلَيْنَا عَنْوَةً أَبَدًا ، وَلَا تَحَدّثَ بِذَلِكَ عَنّا الْعَرَبُ . [ ص 312 ] قَالَ الزّهْرِيّ : وَكَانَتْ خُزَاعَةُ عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُسْلِمُهَا وَمُشْرِكُهَا ، لَا يُخْفُونَ عَنْهُ شَيْئًا كَانَ بِمَكّةَ .

[ مِكْرَزٌ رَسُولُ قُرَيْشٍ إلَى الرّسُولِ ]
قَالَ ثُمّ بَعَثُوا إلَيْهِ مِكْرَزَ بْنَ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ ، أَخَا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُقْبِلًا قَالَ هَذَا رَجُلٌ غَادِرٌ فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَلّمَهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْوًا مِمّا قَالَ لِبُدَيْلٍ وَأَصْحَابِهِ فَرَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .

[ الْحُلَيْسُ رَسُولٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى الرّسُولِ ]
ثُمّ بَعَثُوا إلَيْهِ الْحُلَيْسَ بْنَ عَلْقَمَةَ أَوْ ابْنَ زَبّانَ وَكَانَ يَوْمَئِذٍ سَيّدَ الْأَحَابِيشِ ، وَهُوَ أَحَدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ ؛ فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ إنّ هَذَا مِنْ قَوْمٍ يَتَأَلّهُونَ فَابْعَثُوا الْهَدْيَ فِي وَجْهِهِ حَتّى يَرَاهُ فَلَمّا رَأَى الْهَدْيَ يَسِيلُ عَلَيْهِ مِنْ عُرْضِ الْوَادِي فِي قَلَائِدِهِ وَقَدْ أَكَلَ أَوْبَارَهُ مِنْ طُولِ الْحَبْسِ عَنْ مَحِلّهِ رَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ ، وَلَمْ يَصِلْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إعْظَامًا لَمَا رَأَى ، فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ . قَالَ فَقَالُوا لَهُ اجْلِسْ فَإِنّمَا أَنْتَ أَعْرَابِيّ لَا عِلْمَ لَك . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ : أَنّ الْحُلَيْسَ غَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ وَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ وَاَللّهِ مَا عَلَى هَذَا حَالَفْنَاكُمْ ، وَلَا عَلَى هَذَا عَاقَدْنَاكُمْ . أَيُصَدّ عَنْ بَيْتِ اللّهِ مَنْ جَاءَ مُعَظّمًا لَهُ وَاَلّذِي نَفْسُ الْحُلَيْسِ بِيَدِهِ لَتُخَلّنّ بَيْنَ مُحَمّدٍ وَبَيْنَ مَا جَاءَ لَهُ أَوْ لَأَنْفِرَن بِالْأَحَابِيشِ نَفْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ . قَالَ فَقَالُوا لَهُ مَهْ كُفّ عَنّا يَا حُلَيْسُ حَتّى نَأْخُذَ لِأَنْفُسِنَا مَا نَرْضَى بِهِ

[ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ رَسُولٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى الرّسُولِ ]
[ ص 313 ] قَالَ الزّهْرِيّ فِي حَدِيثِهِ ثُمّ بَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثّقَفِيّ ، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّي قَدْ رَأَيْت مَا يَلْقَى مِنْكُمْ مَنْ بَعَثْتُمُوهُ إلَى مُحَمّدٍ إذْ جَاءَكُمْ مِنْ التّعْنِيفِ وَسُوءِ اللّفْظِ وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنّكُمْ وَالِدٌ وَإِنّي وَلَدٌ - وَكَانَ عُرْوَةُ لِسُبَيْعَةَ بِنْتِ عَبْدِ شَمْسٍ - وَقَدْ سَمِعْت بِاَلّذِي نَابَكُمْ فَجَمَعْتُ مَنْ أَطَاعَنِي مِنْ قَوْمِي ، ثُمّ جِئْتُكُمْ حَتّى آسَيْتُكُمْ بِنَفْسِي ؛ قَالُوا : صَدَقْت ، مَا أَنْتَ عِنْدَنَا بِمُتّهَمٍ . فَخَرَجَ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمّ قَالَ يَا مُحَمّدُ أَجَمَعْتَ أَوْشَابَ النّاسِ ثُمّ جِئْتَ بِهِمْ إلَى بَيْضَتِك لِتَفُضّهَا بِهِمْ إنّهَا قُرَيْشٌ قَدْ خَرَجَتْ مَعَهَا الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ . قَدْ لَبِسُوا جُلُودَ النّمُورِ يُعَاهِدُونَ اللّهَ لَا تَدْخُلُهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً أَبَدًا . وَاَيْمُ اللّهِ لِكَأَنّي بِهَؤُلَاءِ قَدْ انْكَشَفُوا عَنْك غَدًا . قَالَ وَأَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ خَلْفَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَاعِدٌ فَقَالَ اُمْصُصْ بَظْرَ اللّاتِي ، أَنَحْنُ نَنْكَشِفُ عَنْهُ ؟ قَالَ مَنْ هَذَا يَا مُحَمّدُ ؟ قَالَ هَذَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ، قَالَ أَمَا وَاَللّهِ لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لَك عِنْدِي لَكَافَأْتُك بِهَا ، وَلَكِنْ هَذِهِ بِهَا قَالَ ثُمّ جَعَلَ يَتَنَاوَلُ لِحْيَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يُكَلّمُهُ . قَالَ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَاقِفٌ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْحَدِيدِ . قَالَ فَجَعَلَ يَقْرَعُ يَدَهُ إذَا تَنَاوَلَ لِحْيَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَقُولُ اُكْفُفْ يَدَك عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ لَا تَصِلَ إلَيْك ؛ قَالَ فَيَقُولُ عُرْوَةُ وَيْحَك مَا أَفَظّكَ وَأَغْلَظَك قَالَ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ مَنْ هَذَا يَا مُحَمّدُ ؟ قَالَ هَذَا ابْنُ أَخِيك الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ ؛ قَالَ أَيْ غُدَرُ وَهَلْ غَسَلْتُ سَوْأَتَك إلّا بِالْأَمْسِ . - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَرَادَ عُرْوَةُ بِقَوْلِهِ هَذَا أَنّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ قَبْلَ إسْلَامِهِ قَتَلَ [ ص 314 ] عَشَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَالِكٍ . مِنْ ثَقِيفٍ . فَتَهَايَجَ الْحَيّانِ مِنْ ثَقِيفٍ : بَنُو مَالِكٍ رَهْطُ الْمَقْتُولِينَ وَالْأَحْلَافُ رَهْطُ الْمُغِيرَةِ فَوَدَى عُرْوَةُ الْمَقْتُولِينَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ دِيَةً وَأَصْلَحَ ذَلِكَ الْأَمْرَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَ الزّهْرِيّ : فَكَلّمَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَحْوٍ مِمّا كَلّمَ بِهِ أَصْحَابَهُ وَأَخْبَرَهُ أَنّهُ لَمْ يَأْتِ يُرِيدُ حَرْبًا . فَقَامَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ رَأَى مَا يَصْنَعُ بِهِ أَصْحَابُهُ لَا يَتَوَضّأُ إلّا ابْتَدَرُوا وُضُوءَهُ وَلَا يَبْصُقُ بُصَاقًا إلّا ابْتَدَرُوهُ . وَلَا يَسْقُطُ مِنْ شَعْرِهِ شَيْءٌ إلّا أَخَذُوهُ . فَرَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ ، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إنّي قَدْ جِئْت كِسْرَى فِي مُلْكِهِ ، وَقَيْصَرَ فِي مُلْكِهِ . وَالنّجَاشِيّ فِي مُلْكِهِ . وَإِنّي وَاَللّهِ مَا رَأَيْت مَلِكًا فِي قَوْمٍ قَطّ مِثْلَ مُحَمّدٍ فِي أَصْحَابِهِ وَلَقَدْ رَأَيْتُ قَوْمًا لَا يُسْلِمُونَهُ لِشَيْءِ أَبَدًا ، فَرَوْا رَأْيَكُمْ .

[ خِرَاشٌ رَسُولُ الرّسُولِ إلَى قُرَيْشٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعَا خِرَاشَ بْنَ أُمَيّةَ الْخُزَاعِيّ ، فَبَعَثَهُ إلَى قُرَيْشٍ بِمَكّةَ وَحَمَلَهُ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ الثّعْلَبُ لِيُبَلّغَ أَشْرَافَهُمْ عَنْهُ مَا جَاءَ لَهُ فَعَقَرُوا بِهِ جَمْلَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَرَادُوا قَتْلَهُ فَمَنَعَتْهُ الْأَحَابِيشُ ، فَخَلّوْا سَبِيلَهُ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .

[ النّفَرُ الْقُرَشِيّونَ الّذِينَ أَرْسَلَتْهُمْ قُرَيْشٌ لِلْعُدْوَانِ ثُمّ عَفَا عَنْهُمْ الرّسُولُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ حَدّثَنِي بَعْضُ مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ قُرَيْشًا كَانُوا بَعَثُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ أَوْ خَمْسِينَ رَجُلًا ، وَأَمَرُوهُمْ أَنْ يُطِيفُوا بِعَسْكَرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيُصِيبُوا لَهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا ، فَأُخِذُوا أَخْذًا ، فَأُتِيَ بِهِمْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَعَفَا عَنْهُمْ وَخَلّى سَبِيلَهُمْ و قَدْ كَانُوا رَمَوْا فِي عَسْكَرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْحِجَارَةِ وَالنّبْلِ .

[ عُثْمَانُ رَسُولُ مُحَمّدٍ إلَى قُرَيْشٍ ]
[ ص 315 ] دَعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ لِيَبْعَثَهُ إلَى مَكّةَ ، فَيُبَلّغُ عَنْهُ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مَا جَاءَ لَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أَخَافُ قُرَيْشًا عَلَى نَفْسِي ، وَلَيْسَ بِمَكّةَ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ أَحَدٌ يَمْنَعُنِي ، وَقَدْ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ عَدَاوَتِي إيّاهَا ، وَغِلْظَتِي عَلَيْهَا ، وَلَكِنّي أَدُلّك عَلَى رَجُلٍ أَعَزّ بِهَا مِنّي ، عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ . فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ ، فَبَعَثَهُ إلَى أَبِي سُفْيَانَ وَأَشْرَافِ قُرَيْشٍ ، يُخْبِرُهُمْ أَنّهُ لَمْ يَأْتِ لِحَرْبِ وَإِنّهُ إنّمَا جَاءَ زَائِرًا لِهَذَا الْبَيْتِ وَمُعَظّمًا لِحُرْمَتِهِ

[ إشَاعَةُ مَقْتَلِ عُثْمَانَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَخَرَجَ عُثْمَانُ إلَى مَكّةَ ، فَلَقِيَهُ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ حِينَ دَخَلَ مَكّةَ ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا ، فَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمّ أَجَارَهُ حَتّى بَلّغَ رِسَالَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَانْطَلَقَ عُثْمَانُ حَتّى أَتَى أَبَا سُفْيَانَ وَعُظَمَاءَ قُرَيْشٍ ، فَبَلّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا أَرْسَلَهُ بِهِ فَقَالُوا لِعُثْمَانِ حِينَ فَرَغَ مِنْ رِسَالَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ إنْ شِئْت أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَطُفْ فَقَالَ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ حَتّى يَطُوفَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَاحْتَبَسَتْهُ قُرَيْشٌ عِنْدَهَا ، فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمِينَ أَنّ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ قَدْ قُتِلَ .

بَيْعَةُ الرّضْوَانِ
[ مُبَايَعَةُ الرّسُولِ النّاسَ عَلَى الْحَرْبِ وَتَخَلّفُ الْجَدّ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ حِينَ بَلَغَهُ أَنّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ لَا نَبْرَحُ حَتّى نُنَاجِزَ الْقَوْمَ ، فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ إلَى الْبَيْعَةِ فَكَانَتْ بَيْعَةُ الرّضْوَانِ تَحْتَ الشّجَرَةِ ، فَكَانَ النّاسُ يَقُولُونَ بَايَعَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْمَوْتِ وَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يُبَايِعْنَا عَلَى الْمَوْتِ وَلَكِنْ بَايَعَنَا عَلَى أَنْ لَا نَفِرّ . [ ص 316 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ وَلَمْ يَتَخَلّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَهَا ، إلّا الْجَدّ بْنَ قَيْسٍ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ ، فَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ وَاَللّهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَيْهِ لَاصِقًا بِإِبْطِ نَاقَتِهِ . قَدْ ضَبَأَ إلَيْهَا ، يَسْتَتِرُ بِهَا مِنْ النّاسِ . ثُمّ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ الّذِي ذُكِرَ مِنْ أَمْرِ عُثْمَانَ بَاطِلٌ .
[ أَوّلُ مَنْ بَايَعَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَذَكَرَ وَكِيعٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشّعْبِيّ : أَنّ أَوّلَ مَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْعَةَ الرّضْوَانِ أَبُو سِنَانٍ الْأَسَدِيّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ عَمّنْ حَدّثَهُ بِأَسْنَادٍ لَهُ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي عُمَرَ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَايَعَ لِعُثْمَانِ فَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى .

أَمْرُ الْهُدْنَةِ
[ إرْسَال قُرَيْشٍ سُهَيْلًا إلَى الرّسُولِ لِلصّلْحِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَ الزّهْرِيّ : ثُمّ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو ، أَخَا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالُوا لَهُ ائْتِ مُحَمّدًا فَصَالِحْهُ وَلَا يَكُنْ فِي صُلْحِهِ إلّا أَنْ يَرْجِعَ عَنّا عَامَهُ هَذَا ، فَوَاَللّهِ لَا تُحَدّثُ الْعَرَبُ عَنّا أَنّهُ دَخَلَهَا عَلَيْنَا عَنْوَةً أَبَدًا . فَأَتَاهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُقْبِلًا ، قَالَ قَدْ أَرَادَ الْقَوْمُ الصّلْحَ حِينَ بَعَثُوا هَذَا الرّجُل فَلَمّا انْتَهَى سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَكَلّمَ فَأَطَالَ الْكَلَامَ وَتَرَاجَعَا ، ثُمّ جَرَى بَيْنَهُمَا الصّلْحُ .

[ عُمَرُ يُنْكِرُ عَلَى الرّسُولِ الصّلْحَ ]
فَلَمّا الْتَأَمَ الْأَمْرُ وَلَمْ يَبْقَ إلّا الْكِتَابُ وَثَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ [ ص 317 ] فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ ، أَلَيْسَ بِرَسُولِ اللّهِ ؟ قَالَ بَلَى ، قَالَ أَوَ لَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ بَلَى ؛ قَالَ أَوَ لَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ ؟ قَالَ بَلَى ؛ قَالَ فَعَلَامَ نُعْطَى الدّنِيّةَ فِي دِينِنَا ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا عُمَرُ الْزَمْ غَرْزَهُ فَأَنّي أَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ قَالَ عُمَرُ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ ثُمّ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَسْتَ بِرَسُولِ اللّهِ ؟ قَالَ بَلَى ؛ قَالَ أَوَ لَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ بَلَى ؛ قَالَ أَوَ لَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ ؟ قَالَ بَلَى ؛ قَالَ فَعَلَامَ نُعْطَى الدّنِيّةَ فِي دِينِنَا ؟ قَالَ أَنَا عَبْدُ اللّهِ وَرَسُولُهُ لَنْ أُخَالِفَ أَمْرَهُ ، وَلَنْ يُضَيّعَنِي قَالَ فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ مَا زِلْت أَتَصَدّقُ وَأَصُومُ وَأُصَلّي وَأُعْتِقُ مِنْ الّذِي صَنَعْتُ يَوْمَئِذٍ مَخَافَةَ كَلَامِي الّذِي تَكَلّمْت بِهِ حَتّى رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا .

[ عَلِيّ يَكْتُبُ شُرُوطَ الصّلْحِ ]
قَالَ ثُمّ دَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ فَقَالَ اُكْتُبْ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ قَالَ فَقَالَ سُهَيْلٌ لَا أَعْرِفُ هَذَا ، وَلَكِنْ اُكْتُبْ بِاسْمِك اللّهُمّ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اُكْتُبْ بِاسْمِك اللّهُمّ فَكَتَبَهَا ؛ ثُمّ قَالَ اُكْتُبْ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمّدٌ رَسُولَ اللّهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو ؛ قَالَ فَقَالَ سُهَيْلٌ لَوْ شَهِدْت أَنّك رَسُولُ اللّهِ لَمْ أُقَاتِلْك ، وَلَكِنْ اُكْتُبْ اسْمَك وَاسْمَ أَبِيك ؛ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اُكْتُبْ هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو ، اصْطَلَحَا عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَنْ النّاسِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهِنّ النّاسُ وَيَكُفّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ عَلَى أَنّهُ مَنْ أَتَى مُحَمّدًا مِنْ قُرَيْشٍ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيّهِ رَدّهُ عَلَيْهِمْ وَمَنْ جَاءَ قُرَيْشًا مِمّنْ مَعَ مُحَمّدٍ لَمْ يَرُدّوهُ عَلَيْهِ وَإِنّ بَيْنَنَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً وَأَنّهُ لَا إسْلَالَ وَلَا إغْلَالَ وَأَنّهُ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ مُحَمّدٍ وَعَهْدِهِ دَخَلَ فِيهِ وَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ فِيهِ [ ص 318 ]

[ دُخُولُ خُزَاعَةَ فِي عَهْدِ مُحَمّدٍ وَبَنِيّ بَكْرٍ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ ]
فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ فَقَالُوا : نَحْنُ فِي عَقْدِ مُحَمّدٍ وَعَهْدِهِ وَتَوَاثَبَتْ بَنُو بَكْرٍ فَقَالُوا : نَحْنُ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ وَأَنّك تَرْجِعُ عَنّا عَامَك هَذَا ، فَلَا تَدْخُلُ عَلَيْنَا مَكّةَ ، وَأَنّهُ إذَا كَانَ عَامُ قَابِلٍ خَرَجْنَا عَنْك فَدَخَلْتهَا بِأَصْحَابِك ، فَأَقَمْتَ بِهَا ثَلَاثًا ، مَعَك سِلَاحُ الرّاكِبِ السّيُوفُ فِي الْقُرُبِ لَا تَدْخُلُهَا بِغَيْرِهَا .

[ مَا أَهَمّ النّاسَ مِنْ الصّلْحِ وَمَجِيءُ أَبِي جَنْدَلٍ ]
فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ هُوَ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، إذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو يَرْسُفَ فِي الْحَدِيدِ قَدْ انْفَلَتَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجُوا وَهُمْ لَا يَشُكّونَ فِي الْفَتْحِ لِرُؤْيَا رَآهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا رَأَوْا مَا رَأَوْا مِنْ الصّلْحِ وَالرّجُوعِ وَمَا تَحَمّلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَفْسِهِ دَخَلَ عَلَى النّاسِ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ حَتّى كَادُوا يُهْلِكُونَ فَلَمّا رَأَى سُهَيْلٌ أَبَا جَنْدَلٍ قَامَ إلَيْهِ فَضَرَبَ وَجْهَهُ وَأَخَذَ بِتَلْبِيبِهِ ثُمّ قَالَ يَا مُحَمّدُ قَدْ لَجّتْ الْقَضِيّةُ بَيْنِي وَبَيْنَك قَبْل أَنْ يَأْتِيَك هَذَا ؛ قَالَ صَدَقْتَ فَجَعَلَ يَنْتُرُهُ بِتَلْبِيبِهِ وَيَجُرّهُ لِيَرُدّهُ إلَى قُرَيْشٍ ، وَجَعَلَ أَبُو جَنْدَلٍ يَصْرُخُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَأُرَدّ إلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونِي فِي دِينِي ؟ فَزَادَ ذَلِكَ النّاسَ إلَى مَا بِهِمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا أَبَا جَنْدَلٍ اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ ، فَإِنّ اللّهَ جَاعِلٌ لَك وَلِمَنْ مَعَك مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا ، إنّا قَدْ عَقَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ صُلْحًا ، وَأَعْطَيْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَأَعْطَوْنَا عَهْدَ اللّهِ وَإِنّا لَا نَغْدِرُ بِهِمْ قَالَ فَوَثَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ مَعَ أَبِي جَنْدَلٍ يَمْشِي إلَى جَنْبِهِ وَيَقُولُ اصْبِرْ يَا أَبَا جَنْدَلٍ فَإِنّمَا هُمْ الْمُشْرِكُونَ وَإِنّمَا دَمُ أَحَدِهِمْ دَمُ كَلْبٍ قَالَ وَيُدْنِي قَائِمَ السّيْفِ مِنْهُ . قَالَ يَقُولُ عُمَرُ [ ص 319 ] أَبَاهُ قَالَ فَضَنّ الرّجُلُ بِأَبِيهِ وَنَفَذَتْ الْقَضِيّةُ .

[ مَنْ شَهِدُوا عَلَى الصّلْحِ ]
فَلَمّا فَرَغَ ( رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ) مِنْ الْكِتَابِ أَشْهَدَ عَلَى الصّلْحِ رِجَالًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَرِجَالًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ ، وَمَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ ، وَمِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَكَتَبَ وَكَانَ هُوَ كَاتِبَ الصّحِيفَةِ .

[ نَحَرَ الرّسُولُ وَحَلْقُ فَاقْتَدَى بِهِ النّاسُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُضْطَرَبًا فِي الْحِلّ وَكَانَ يُصَلّي فِي الْحُرُمِ ، فَلَمّا فَرَغَ مِنْ الصّلْحِ قَدِمَ إلَى هَدْيِهِ فَنَحَرَهُ ثُمّ جَلَسَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ وَكَانَ الّذِي حَلَقَهُ فِيمَا بَلَغَنِي ، فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ خِرَاشَ بْنَ أُمَيّةَ بْنِ الْفَضْلِ الْخُزَاعِيّ ؛ فَلَمّا رَأَى النّاسُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ نَحَرَ وَحَلَقَ تَوَاثَبُوا يَنْحَرُونَ وَيَحْلِقُونَ .

[ دَعْوَةُ الرّسُولِ لِلْمُحَلّقِينَ ثُمّ لِلْمُقَصّرِينَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهَدٍ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ حَلَقَ رِجَالٌ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَقَصّرَ آخَرُونَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَرْحَمُ اللّهُ الْمُحَلّقِينَ ، قَالُوا : وَالْمُقَصّرِينَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ يَرْحَمُ اللّهُ الْمُحَلّقِينَ ، قَالُوا : وَالْمُقَصّرِينَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ يَرْحَمُ اللّهُ الْمُحَلّقِينَ ، قَالُوا : وَالْمُقَصّرِينَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ وَالْمُقَصّرِينَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ فَلِمَ ظَاهَرْت التّرْحِيمَ لِلْمُحَلّقِينَ دُونَ الْمُقَصّرِينَ ؟ قَالَ لَمْ يَشُكّوا

[ أَهْدَى الرّسُولُ جَمَلًا فِيهِ بَرّةٌ مِنْ فِضّةٍ ]
[ ص 320 ] وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ : حَدّثَنِي مُجَاهِدٌ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَهْدَى عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي هَدَايَاهُ جَمَلًا لِأَبِي جَهْلٍ فِي رَأْسِهِ بَرّةٌ مِنْ فِضّةٍ يَغِيظُ بِذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ

[ نُزُولُ سُورَةِ الْفَتْحِ ]
قَالَ الزّهْرِيّ فِي حَدِيثِهِ ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ قَافِلًا ، حَتّى إذَا كَانَ بَيْنَ مَكّةَ وَالْمَدِينَةِ ، نَزَلَتْ سُورَةُ الْفَتْحِ { إِنّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخّرَ وَيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا }

[ ذِكْرُ الْبَيْعَةِ ]
ثُمّ كَانَتْ الْقِصّةُ فِيهِ وَفِي أَصْحَابِهِ حَتّى انْتَهَى إلَى ذِكْرِ الْبَيْعَةِ ، فَقَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ { إِنّ الّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنّمَا يُبَايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا }

[ ذِكْرُ مَنْ تَخَلّفَ ]
ثُمّ ذَكَرَ مَنْ تَخَلّفَ عَنْهُ مِنْ الْأَعْرَابِ ، ثُمّ قَالَ حِينَ اسْتَفَزّهُمْ لِلْخُرُوجِ مَعَهُ فَأَبْطَئُوا عَلَيْهِ { سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا } ثُمّ الْقِصّةُ عَنْ خَبَرِهِمْ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ { سَيَقُولُ الْمُخَلّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدّلُوا كَلَامَ اللّهِ قُلْ لَنْ تَتّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللّهُ مِنْ قَبْلُ } ثُمّ الْقِصّةُ عَنْ خَبَرِهِمْ وَمَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِهَادِ الْقَوْمِ أُولِي الْبَأْسِ الشّدِيدِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، [ ص 321 ] ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ فَارِسٌ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ أُولُو الْبَأْسِ الشّدِيدِ حَنِيفَةُ مَعَ الْكَذّابِ ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا وَعَدَكُمُ اللّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفّ أَيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللّهُ بِهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرًا }

[ ذِكْرُ كَفّ الرّسُولِ عَنْ الْقِتَالِ ]
ثُمّ ذَكَرَ مَحْبِسَهُ وَكَفّهُ إيّاهُ عَنْ الْقِتَالِ بَعْدَ الظّفَرِ مِنْهُ بِهِمْ يَعْنِي النّفَرَ الّذِينَ أَصَابَ مِنْهُمْ وَكَفّهُمْ عَنْهُ ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَهُوَ الّذِي كَفّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا } ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { هُمُ الّذِينَ كَفَرُوا وَصَدّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلّهُ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْمَعْكُوفُ الْمَحْبُوسُ قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
وَكَأَنّ السّمُوطَ عَكّفَهُ السّلْكُ ... بِعِطْفِي جَيْدَاءَ أُمّ غَزَالِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : { وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ } وَالْمَعَرّةُ الْغُرْمُ أَيْ أَنْ تُصِيبُوا مِنْهُمْ ( مَعَرّةً ) بِغَيْرِ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوا دِيَتَهُ فَإِمّا إثْمٌ فَلَمْ يُخَشّهِ عَلَيْهِمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ أَنّهُ قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ [ ص 322 ] الْمُغِيرَةِ ، وَسَلَمَةَ بْنِ هِشَامٍ ، وَعَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَأَبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ وَأَشْبَاهِهِمْ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إِذْ جَعَلَ الّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيّةَ حَمِيّةَ الْجَاهِلِيّةِ } يَعْنِي سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو حِينَ حَمِيَ أَنْ يَكْتُبَ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التّقْوَى وَكَانُوا أَحَقّ بِهَا وَأَهْلَهَا } أَيْ التّوْحِيدُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { لَقَدْ صَدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ الرّؤْيَا بِالْحَقّ لَتَدْخُلُنّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللّهُ آمِنِينَ مُحَلّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا } أَيْ لِرُؤْيَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّتِي رَأَى ، أَنّهُ سَيَدْخُلُ مَكّةَ آمِنًا لَا يَخَافُ يَقُولُ { مُحَلّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصّرِينَ } مَعَهُ { لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ } مِنْ ذَلِكَ { مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا } صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ . يَقُولُ الزّهْرِيّ : فَمَا فُتِحَ فِي الْإِسْلَامِ فَتْحٌ قَبْلَهُ كَانَ أَعْظَمَ مِنْهُ إنّمَا كَانَ الْقِتَالُ حَيْثُ الْتَقَى النّاسُ فَلَمّا كَانَتْ الْهُدْنَةُ وَوُضِعَتْ الْحَرْبُ وَآمَنَ النّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَالْتَقَوْا فَتَفَاوَضُوا فِي الْحَدِيثِ وَالْمُنَازَعَةِ فَلَمْ يُكَلّمْ أَحَدٌ بِالْإِسْلَامِ يَعْقِلُ شَيْئًا إلّا دَخَلَ فِيهِ وَلَقَدْ دَخَلَ فِي تِينِك السّنَتَيْنِ مِثْلُ مَنْ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَالدّلِيلُ عَلَى قَوْلِ الزّهْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجَ إلَى الْحُدَيْبِبّةِ فِي أَلْفٍ وَأَرْبَعِ مِئَةٍ فِي قَوْلِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، ثُمّ خَرَجَ عَامَ فَتْحِ مَكّةَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَتَيْنِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ .

مَا جَرَى عَلَيْهِ أَمْرُ قَوْمٍ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ بَعْدَ الصّلْحِ
[ ص 323 ] ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ أَتَاهُ أَبُو بَصِيرٍ عُتْبَةُ بْنُ أُسَيْدِ بْنِ جَارِيَةَ ، وَكَانَ مِمّنْ حُبِسَ بِمَكّةَ فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَتَبَ فِيهِ أَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ وَالْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِيّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَعَثَا رَجُلًا مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، وَمَعَهُ مَوْلًى لَهُمْ فَقَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِكِتَابِ الْأَزْهَرِ وَالْأَخْنَسِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا أَبَا بِصَيْرِ إنّا قَدْ أَعْطَيْنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ مَا قَدْ عَلِمْتَ وَلَا يَصْلُحُ لَنَا فِي دِينِنَا الْغَدْرُ وَإِنّ اللّهَ جَاعِلٌ لَك وَلِمَنْ مَعَك مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرْجًا وَمَخْرَجًا ، فَانْطَلِقْ إلَى قَوْمِك ؛ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتَرُدّنِي إلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونَنِي فِي دِينِي ؟ قَالَ يَا أَبَا بِصَيْرِ انْطَلِقْ فَإِنّ اللّهَ تَعَالَى سَيَجْعَلُ لَك وَلِمَنْ مَعَك مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرْجًا وَمَخْرَجًا

[ قَتْلُ أَبِي بِصَيْرِ لِلْعَامِرِيّ وَمَقَالَةُ الرّسُولِ فِي ذَلِكَ ]
فَانْطَلَقَ مَعَهُمَا ، حَتّى إذَا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ جَلَسَ إلَى جِدَارٍ وَجَلَسَ مَعَهُ صَاحِبَاهُ فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ : أَصَارِمٌ سَيْفُك هَذَا يَا أَخَا بَنِي عَامِرٍ ؟ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ أَنَظَرَ إلَيْهِ ؟ قَالَ اُنْظُرْ إنْ شِئْت . قَالَ فَاسْتَلّهُ أَبُو بَصِيرٍ ، ثُمّ عَلَاهُ بِهِ حَتّى قَتَلَهُ وَخَرَجَ الْمَوْلَى سَرِيعًا حَتّى أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَالِعًا ، قَالَ إنّ هَذَا الرّجُلَ قَدْ رَأَى فَزِعًا ؛ فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ وَيْحَك مَا لَك ؟ قَالَ قَتَلَ صَاحِبُكُمْ صَاحِبِي . فَوَاَللّهِ مَا بَرِحَ حَتّى طَلَعَ أَبُو بَصِيرٍ مُتَوَشّحًا بِالسّيْفِ حَتّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ وَفَتْ ذِمّتُك ، وَأَدّى اللّهُ عَنْك ، أَسْلَمْتنِي بِيَدِ الْقَوْمِ وَقَدْ امْتَنَعْتُ بِدِينِي أَنْ أُفْتَنَ فِيهِ أَوْ يُعْبَثَ بِي . قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيْلُ أُمّهِ مِحَشّ حَرْبٍ لَوْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ [ ص 324 ]

[ إجْمَاعُ الْمُحْتَبَسِينَ إلَى أَبِي بِصَيْرِ وَإِيذَاؤُهُمْ قُرَيْشًا وَإِيوَاءُ الرّسُولِ لَهُمْ ]
ثُمّ خَرَجَ أَبُو بَصِيرٍ حَتّى نَزَلَ الْعِيصَ ، مِنْ نَاحِيَةِ ذِي الْمَرْوَةِ ، عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ بِطَرِيقِ قُرَيْشٍ الّتِي كَانُوا يَأْخُذُونَ عَلَيْهَا إلَى الشّامِ ، وَبَلَغَ الْمُسْلِمِينَ الّذِينَ كَانُوا اُحْتُبِسُوا بِمَكّةَ قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَبِي بِصَيْرِ وَيْلُ أُمّهِ مِحَشّ حَرْبٍ لَوْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ فَخَرَجُوا إلَى أَبِي بِصَيْرِ بِالْعِيصِ فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ مِنْهُمْ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ رَجُلًا ، وَكَانُوا قَدْ ضَيّقُوا عَلَى قُرَيْشٍ ، لَا يَظْفَرُونَ بِأَحَدِ مِنْهُمْ إلّا قَتَلُوهُ وَلَا تَمُرّ بِهِمْ عِيرٌ إلّا اقْتَطَعُوهَا ، حَتّى كَتَبَتْ قُرَيْشٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَسْأَلُ بِأَرْحَامِهَا إلّا آوَاهُمْ فَلَا حَاجَةَ لَهُمْ بِهِمْ . فَآوَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَدِمُوا عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو بِصَيْرِ ثَقَفِيّ .

[ أَرَادَ سُهَيْلٌ وَدْيَ أَبِي بِصَيْرِ وَشِعْرُ مَوْهَبٍ فِي ذَلِكَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا بَلَغَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو قَتْلُ أَبِي بَصِيرٍ صَاحِبَهُمْ الْعَامِرِيّ أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إلَى الْكَعْبَةِ ، ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ لَا أُؤَخّرُ ظَهْرِي عَنْ الْكَعْبَةِ حَتّى يُودِيَ هَذَا الرّجُلُ ؛ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَهُوَ السّفِهُ ، وَاَللّهِ لَا يُودَى ( ثَلَاثًا ) فَقَالَ فِي ذَلِكَ مَوْهِبُ بْنُ رِيَاحٍ أَبُو أُنَيْسٍ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو أُنَيْسٍ أَشْعَرِيّ [ ص 325 ]
أَتَانِي عَنْ سُهَيْلٍ ذَرْءُ قَوْلٍ ... فَأَيْقَظَنِي وَمَا بِي مِنْ رُقَادِ
فَإِنْ تَكُنِ الْعِتَابَ تُرِيدُ مِنّي ... فَعَاتِبْنِي فَمَا بِكَ مِنْ بِعَادِي
أَتُوعِدُنِي وَعَبْدُ مَنَافٍ حَوْلِي ... بِمَخْزُومٍ أَلَهْفًا مَنْ تُعَادَى
فَإِنْ تَغْمِزْ قَنَاتِي لَا تَجِدْنِي ... ضَعِيفَ الْعُودِ فِي الْكُرَبِ الشّدَادِ
أُسَامِي الْأَكْرَمِينَ أَبًا بِقَوْمِي ... إذَا وَطِئَ الضّعِيفُ بِهِمْ أُرَادَى
هُمْ مَنَعُوا الظّوَاهِرَ غَيْرَ شَكّ ... إلَى حَيْثُ الْبَوَاطِنُ فَالْعَوَادِي
بِكُلّ طِمِرّةٍ وَبِكُلّ نَهْدٍ ... سَوَاهِمَ قَدْ طُوِينَ مِنْ الطّرَادِ
لَهُمْ بِالْخَيْفِ قَدْ عَلِمَتْ مَعَدّ ... رِوَاقِ الْمَجْدِ رُفِعَ بِالْعِمَادِ

( شِعْرُ ابْنِ الزّبَعْرَى فِي الرّدّ عَلَى مَوْهَبٍ )
فَأَجَابَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَعْرَى ، فَقَالَ
وَأَمْسَى مَوْهِبٌ كَحِمَارِ سَوْءٍ ... أَجَازَ بِبَلْدَةٍ فِيهَا يُنَادِي
فَإِنّ الْعَبْدَ مِثْلَك لَا يُنَاوِي ... سُهَيْلًا ضَلّ سَعْيُك مَنْ تُعَادِي
فَأَقْصِرْ يَا بْنَ قَيْنِ السّوءِ عَنْهُ ... وَعَدّ عَنْ الْمَقَالَةِ فِي الْبِلَادِ
وَلَا تَذْكُرْ عِتَابَ أَبِي يَزِيدٍ ... فَهَيْهَاتَ الْبُحُورُ مِنْ الثّمَادِ

أَمْرُ الْمُهَاجِرَاتِ بَعْدَ الْهُدْنَةِ
( قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ ) : وَهَاجَرَتْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعِيطٍ فِي تِلْكَ الْمُدّةِ فَخَرَجَ أَخَوَاهَا عِمَارَةُ وَالْوَلِيدُ ابْنَا عُقْبَةَ [ ص 326 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْأَلَانِهِ أَنْ يَرُدّهَا عَلَيْهِمَا بِالْعَهْدِ الّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ فِي الْحُدَيْبِيَةِ ، فَلَمْ يَفْعَلْ أَبَى اللّهُ ذَلِكَ .

( سُؤَالُ ابْنِ هُنَيْدَةَ لِعُرْوَةِ عَنْ آيَةِ الْمُهَاجِرَاتِ وَرَدّهُ عَلَيْهِ )
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَكْتُبُ كِتَابًا إلَى ابْنِ أَبِي هُنَيْدَةَ ، صَاحِبِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَكَتَبَ إلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنّ اللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنّ إِلَى الْكُفّارِ لَا هُنّ حِلّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلّونَ لَهُنّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنّ أُجُورَهُنّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } .
( تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ )
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاحِدَةُ الْعِصَمِ عِصْمَةٌ وَهِيَ الْحَبْلُ وَالسّبَبُ . قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
إلَى الْمَرْءِ قَيْسٍ نُطِيلُ السّرَى ... وَنَأْخُذُ مِنْ كُلّ حَيّ عِصَمِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . { وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .

[ عَوْدٌ إلَى جَوَابِ عُرْوَةَ ]
قَالَ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ : إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ صَالَحَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ مَنْ جَاءَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيّهِ فَلَمّا هَاجَرَ النّسَاءُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِلَى الْإِسْلَامِ أَبَى اللّهُ أَنْ يُرْدَدْنَ إلَى الْمُشْرِكِينَ إذَا هُنّ اُمْتُحِنّ بِمِحْنَةِ الْإِسْلَامِ فَعَرَفُوا أَنّهُنّ إنّمَا جِئْنَ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ وَأَمَرَ بِرَدّ صَدُقَاتِهِنّ إلَيْهِمْ إنْ احْتَبَسْنَ عَنْهُمْ إنْ هُمْ رَدّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ صَدَاقَ مَنْ حُبِسُوا عَنْهُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ ذَلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاَللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّسَاءَ وَرَدّ الرّجَالَ وَسَأَلَ الّذِي [ ص 327 ] أَمَرَهُ اللّهُ بِهِ أَنْ يَسْأَلَ مِنْ صَدُقَاتِ نِسَاءِ مَنْ حُبِسُوا مِنْهُنّ وَأَنْ يَرُدّوا عَلَيْهِمْ مِثْلَ الّذِي يَرُدّونَ عَلَيْهِمْ إنْ هُمْ فَعَلُوا ، وَلَوْلَا الّذِي حَكَمَ اللّهُ بِهِ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ لَرَدّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّسَاءَ كَمَا رَدّ الرّجَالَ وَلَوْلَا الْهُدْنَةُ وَالْعَهْدُ الّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ لَأَمْسَكَ النّسَاءَ وَلَمْ يَرْدُدْ لَهُنّ صَدَاقًا ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ بِمَنْ جَاءَهُ مِنْ الْمُسْلِمَاتِ قَبْلَ الْعَهْدِ .

( سُؤَالُ ابْنِ إسْحَاقَ الزّهْرِيّ عَنْ آيَةِ الْمُهَاجِرَاتِ )
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَأَلْت الزّهْرِيّ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَقَوْلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ فِيهَا : { وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ } فَقَالَ يَقُولُ إنْ فَاتَ أَحَدًا مِنْكُمْ أَهْلُهُ إلَى الْكُفّارِ وَلَمْ تَأْتِكُمْ امْرَأَةٌ تَأْخُذُونَ بِهَا مِثْلَ الّذِي يَأْخُذُونَ مِنْكُمْ فَعَوّضُوهُمْ مِنْ فَيْءٍ إنْ أَصَبْتُمُوهُ . فَلَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ } إلَى قَوْلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } كَانَ مِمّنْ طَلّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، طَلّقَ امْرَأَتَهُ قُرَيْبَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَتَزَوّجَهَا بَعْدَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ ، وَهُمَا عَلَى شِرْكِهِمَا بِمَكّةَ وَأُمّ كُلْثُومٍ بِنْتُ جَرْوَلَ أُمّ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ الْخُزَاعِيّةُ فَتَزَوّجَهَا أَبُو جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ ، رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ وَهُمَا عَلَى شِرْكِهِمَا

( بُشْرَى فَتْحِ مَكّةَ وَتَعَجّلُ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ )
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ بَعْضَ مَنْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهُ لَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ : أَلَمْ تَقُلْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّك تَدْخُلُ مَكّةَ آمِنًا ؟ قَالَ بَلَى ، أَفَقُلْت لَكُمْ مِنْ عَامِي هَذَا ؟ قَالُوا : لَا ، قَالَ فَهُوَ كَمَا قَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ

ذِكْرُ الْمَسِيرِ إلَى خَيْبَرَ فِي الْمُحَرّمِ سَنَةَ سَبْعٍ
[ ص 328 ] قَالَ مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ ثُمّ أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ حِينَ رَجَعَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ ، ذَا الْحَجّةِ وَبَعْضَ الْمُحَرّمِ وَوَلِيَ تِلْكَ الْحَجّةَ الْمُشْرِكُونَ ثُمّ خَرَجَ فِي بَقِيّةِ الْمُحَرّمِ إلَى خَيْبَرَ
( اسْتِعْمَالُ نُمَيْلَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ )
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ نُمَيْلَةَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ اللّيْثَيّ ، وَدَفَعَ الرّايَةَ إلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَكَانَتْ بَيْضَاءَ .

( ارْتِجَازُ ابْنِ الْأَكْوَعِ وَدُعَاءُ الرّسُولِ لَهُ وَاسْتِشْهَادُهُ )
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ عَنْ [ ص 329 ] أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ نَصْرِ بْنِ دَهْرٍ الْأَسْلَمِيّ أَنّ أَبَاهُ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ فِي مَسِيرِهِ إلَى خَيْبَرَ لِعَامِرِ بْنِ الْأَكْوَعِ وَهُوَ عَمّ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ ، وَكَانَ اسْمُ الْأَكْوَعِ سِنَانًا : انْزِلْ يَا بْنَ الْأَكْوَعِ فَحُدْ لَنَا مِنْ هَنَاتِك ، قَالَ فَنَزَلَ يَرْتَجِزُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ
وَاَللّهِ لَوْلَا اللّهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدّقْنَا وَلَا صَلّيْنَا
إنّا إذَا قَوْمٌ بَغَوْا عَلَيْنَا ... وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبّتْ الْأَقْدَامَ إنْ لَاقَيْنَا
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَرْحَمُك اللّهُ ؛ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ : وَجَبَتْ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ أَمْتَعْتنَا بِهِ فَقُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ شَهِيدًا ، وَكَانَ قَتَلَهُ فِيمَا بَلَغَنِي ، أَنّ سَيْفَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُقَاتِلُ فَكَلَمَهُ كَلْمًا شَدِيدًا ، فَمَاتَ مِنْهُ فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ شَكّوا فِيهِ وَقَالُوا : إنّمَا قَتَلَهُ سِلَاحُهُ حَتّى سَأَلَ ابْنُ أَخِيهِ سَلَمَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذَلِكَ وَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النّاسِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّهُ لَشَهِيدٌ وَصَلّى عَلَيْهِ فَصَلّى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ .

( دُعَاءُ الرّسُولِ لَمّا أَشْرَفَ عَلَى خَيْبَرَ )
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَطَاءِ بْن أَبِي مَرْوَانَ الْأَسْلَمِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُعَتّبِ بْنِ عَمْرٍو : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا أَشْرَفَ عَلَى خَيْبَرَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ وَأَنَا فِيهِمْ قِفُوا ، ثُمّ قَالَ اللّهُمّ رَبّ السّمَوَاتِ وَمَا أَظْلَلْنَ وَرَبّ الْأَرَضِينَ وَمَا أَقَلَلْنَ وَرَبّ الشّيَاطِينِ وَمَا أَضَلَلْنَ وَرَبّ الرّيَاحِ وَمَا أَذْرَيْنَ فَإِنّا نَسْأَلُك خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا ، وَنَعُوذُ بِك مِنْ شَرّهَا وَشَرّ أَهْلِهَا وَشَرّ مَا فِيهَا ، أَقَدِمُوا بِسْمِ اللّهِ . قَالَ وَكَانَ يَقُولُهَا عَلَيْهِ السّلَامُ لِكُلّ قَرْيَةٍ دَخَلَهَا

( فِرَارُ أَهْلِ خَيْبَرَ لَمّا رَأَوْا الرّسُولَ )
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ [ ص 330 ] أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يُغِرْ عَلَيْهِمْ حَتّى يُصْبِحَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ . فَنَزَلْنَا خَيْبَرَ لَيْلًا ، فَبَاتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا أَصْبَحَ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا ، فَرَكِبَ وَرَكِبْنَا مَعَهُ فَرَكِبْتُ خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ وَإِنّ قَدَمِي لَتَمَسّ قَدَمَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاسْتَقْبَلْنَا عُمّالَ خَيْبَرَ غَادِينَ قَدْ خَرَجُوا بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ فَلَمّا رَأَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْجَيْشَ قَالُوا : مُحَمّدٌ وَالْجَيْشُ مَعَهُ فَأَدْبَرُوا هُرّابًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ ، إنّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنَا هَارُونَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ بِمِثْلِهِ .

( مَنَازِلُ الرّسُولِ فِي طَرِيقِهِ إلَى خَيْبَرَ )
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى خَيْبَرَ سَلَكَ عَلَى عَصْرٍ ، فَبَنَى لَهُ فِيهَا مَسْجِدٌ ثُمّ عَلَى الصّهْبَاءِ ، ثُمّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِجَيْشِهِ حَتّى نَزَلَ بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ الرّجِيعُ ، فَنَزَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَطَفَانَ ، لِيَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ يُمِدّوا أَهْلَ خَيْبَرَ ، وَكَانُوا لَهُمْ مُظَاهِرِينَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .

( غَطَفَانُ وَمُحَاوَلَتُهُمْ مَعُونَةَ خَيْبَرَ ثُمّ انْخِذَالُهُمْ )
فَبَلَغَنِي أَنّ غَطَفَانَ لَمّا سَمِعَتْ بِمَنْزِلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ جَمَعُوا لَهُ ثُمّ خَرَجُوا لِيُظَاهِرُوا يَهُودَ عَلَيْهِ حَتّى إذَا سَارُوا مَنْقَلَةً سَمِعُوا خَلْفَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ حِسّا ، ظَنّوا أَنّ الْقَوْمَ قَدْ خَالَفُوا إلَيْهِمْ فَرَجَعُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ فَأَقَامُوا فِي أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَخَلّوْا بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ خَيْبَرَ .

( افْتِتَاحُ رَسُولِ اللّهِ الْحُصُونَ )
وَتَدَنّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَمْوَالَ يَأْخُذُهَا مَالًا مَالًا ، وَيَفْتَتِحُهَا حِصْنًا حِصْنًا ، فَكَانَ أَوّلُ حُصُونِهِمْ اُفْتُتِحَ حِصْنُ نَاعِمٍ ، وَعِنْدَهُ قُتِلَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ ، [ ص 331 ] الْقَمُوصُ ، حِصْنُ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ وَأَصَابَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ سَبَايَا ، مِنْهُنّ صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ ، وَكَانَتْ عِنْدَ كِنَانَةَ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ ، وَبِنْتَيْ عَمّ لَهَا ؛ فَاصْطَفَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَفِيّةَ لِنَفْسِهِ . وَكَانَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ قَدْ سَأَلَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَفِيّةَ فَلَمّا أَصْفَاهَا لِنَفْسِهِ أَعْطَاهُ ابْنَتَيْ عَمّهَا ، وَفَشَتْ السّبَايَا من خَيْبَرَ في الْمُسْلِمِينَ .

( نَهَى الرّسُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَشْيَاءَ )
وَأَكَلَ الْمُسْلِمُونَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ مِنْ حُمُرِهَا ، فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَهَى النّاسَ عَنْ أُمُورٍ سَمّاهَا لَهُمْ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ ضَمْرَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي سَلِيطٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَانَا نَهْيُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيّةِ وَالْقُدُورُ تَفُورُ بِهَا ، فَكَفَأْنَاهَا عَلَى وُجُوهِهَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مَكْحُولٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَاهُمْ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ إتْيَانِ الْحَبَالَى مِنْ السّبَايَا ، وَعَنْ أَكْلِ الْحِمَارِ الْأَهْلِيّ وَعَنْ أَكْلِ كُلّ ذِي نَابٍ مِنْ السّبَاعِ وَعَنْ بَيْعِ الْمَغَانِمِ حَتّى تُقْسَمَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي سَلّامُ بْنُ كِرْكِرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْأَنْصَارِيّ وَلَمْ يَشْهَدْ جَابِرٌ خَيْبَرَ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ نَهَى النّاسَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ أَذِنَ لَهُمْ فِي أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ أَبِي مَرْزُوقٍ مَوْلَى تُجِيبَ ، عَنْ [ ص 332 ] حَنْشٍ الصّنْعَانِيّ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ الْمَغْرِبَ فَافْتَتَحَ قَرْيَةً مِنْ قُرَى الْمَغْرِبِ يُقَالُ لَهَا جِرْبَةٌ فَقَامَ فِينَا خَطِيبًا ، فَقَالَ يَأَيّهَا النّاسُ إنّي لَا أَقُولُ فِيكُمْ إلّا مَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُهُ فِينَا يَوْمَ خَيْبَرَ ، قَامَ فِينَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَا يَحِلّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاؤُهُ زَرْعَ غَيْرِهِ يَعْنِي إتْيَانَ الْحَبَالَى مِنْ السّبَايَا ، وَلَا يَحِلّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُصِيبَ امْرَأَةً مِنْ السّبْي حَتّى يَسْتَبْرِئَهَا ، وَلَا يَحِلّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَبِيعَ مَغْنَمًا حَتّى يَقْسِمَ وَلَا يَحِلّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَرْكَبَ دَابّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتّى إذَا أَعْجَفَهَا رَدّهَا فِيهِ وَلَا يَحِلّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتّى إذَا أَخْلَقَهُ رَدّهُ فِيهِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُسَيْطٍ أَنّهُ حُدّثَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ ، قَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَنْ نَبِيعَ أَوْ نَبْتَاعَ تِبْرَ الذّهَبِ بِالذّهَبِ الْعَيْنِ وَتِبْرَ الْفَضّةِ بِالْوَرِقِ الْعَيْنِ وَقَالَ ابْتَاعُوا تِبْرَ الذّهَبِ بِالْوَرِقِ الْعَيْنِ ، وَتِبْرَ الْفِضّةِ بِالذّهَبِ الْعَيْنِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَدَنّى الْحُصُونَ وَالْأَمْوَالَ .

[ شَأْنُ بَنِي سَهْمِ الْأَسْلَمِيّينَ ]
فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حَدّثَهُ بَعْضُ أَسْلَمَ : أَنّ بَنِي سَهْمٍ مِنْ أَسْلَمَ أَتَوْا رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالُوا : وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ لَقَدْ جَهَدْنَا وَمَا بِأَيْدِينَا مِنْ شَيْءٍ فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - شَيْئًا يُعْطِيهِمْ إيّاهُ فَقَالَ اللّهُمّ إنّك قَدْ عَرَفْت حَالَهُمْ وَأَنْ لَيْسَتْ بِهِمْ قُوّةٌ وَأَنْ لَيْسَ بِيَدِي شَيْءٌ أُعْطِيهِمْ إيّاهُ فَافْتَحْ عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ حُصُونِهَا عَنْهُمْ غَنَاءً وَأَكْثَرَهَا طَعَامًا وَوَدَكًا ، فَغَدَا النّاسُ فَفَتَحَ اللّهُ - عَزّ وَجَلّ - حِصْنَ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ ، وَمَا بِخَيْبَرِ حِصْنٌ كَانَ أَكْثَرَ طَعَامًا وَوَدَكًا مِنْهُ .

[ مَقْتَلُ مَرْحَبٍ الْيَهُودِيّ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ حُصُونِهِمْ مَا افْتَتَحَ وَحَازَ مِنْ الْأَمْوَالِ مَا حَازَ انْتَهَوْا إلَى حِصْنَيْهِمْ الْوَطِيحِ وَالسّلَالِمِ ، وَكَانَ آخِرَ حُصُونِ أَهْلِ خَيْبَرَ افْتِتَاحًا ، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً .
[ ص 333 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ شَعَارُ أَصْحَابِ الرّسُولِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ : يَا مَنْصُورُ ، أَمِتْ أَمِتْ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ خَرَجَ مَرْحَبٌ الْيَهُودِيّ مِنْ حِصْنِهِمْ قَدْ جَمَعَ سِلَاحَهُ يَرْتَجِزُ وَهُوَ يَقُولُ
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنّي مَرْحَبْ ... شَاكِي السّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرّبْ
أَطْعَنُ أَحْيَانًا وَحِينًا أَضْرِبْ ... إذَا اللّيُوثُ أَقْبَلَتْ تَحَرّبْ
إنّ حِمَايَ لِلْحِمَى لَا يُقَرّبْ
وَهُوَ يَقُولُ مَنْ يُبَارِزُ ؟ فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، فَقَالَ
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنّي كَعْبُ ... مُفَرّجُ الْغَمّى جَرِيءٌ صُلْبُ
إذْ شَبّتْ الْحَرْبُ تَلَتْهَا الْحَرْبُ ... مَعِي حُسَامٌ كَالْعَقِيقِ عَضْبُ
نَطَؤُكُمْ حَتّى يَذِلّ الصّعْبُ ... نُعْطِي الْجَزَاءَ أَوْ يَفِيءَ النّهْبُ
بِكَفّ مَاضٍ لَيْسَ فِيهِ عَتْبُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ :
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنّي كَعْبُ ... وَأَنّنِي مَتَى تُشَبّ الْحَرْبُ
مَاضٍ عَلَى الْهَوْلِ جَرِيءٌ صُلْبُ ... مَعِي حُسَامٌ كَالْعَقِيقِ عَضْبُ
بِكَفّ مَاضٍ لَيْسَ فِيهِ عَتْبُ ... نَدُكّكُمْ حَتّى يَذِلّ الصّعْبُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَمَرْحَبٌ مِن ْ حِمْيَرَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْأَنْصَارِيّ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : مَنْ لِهَذَا ؟ قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَا لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا وَاَللّهِ الْمَوْتُورُ الثّائِرُ قُتِلَ أَخِي بِالْأَمْسِ فَقَالَ فَقُمْ إلَيْهِ اللّهُمّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ [ ص 334 ] حِمْيَرَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْأَنْصَارِيّ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : مَنْ لِهَذَا ؟ قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَا لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا وَاَللّهِ الْمَوْتُورُ الثّائِرُ قُتِلَ أَخِي بِالْأَمْسِ فَقَالَ فَقُمْ إلَيْهِ اللّهُمّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ [ ص 334 ] قَالَ فَلَمّا دَنَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ دَخَلَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ عُمْرِيّةٌ مِنْ شَجَرِ الْعُشَرِ فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا يَلُوذُ بِهَا مِنْ صَاحِبِهِ كَلّمَا لَاذَ بِهَا مِنْهُ اقْتَطَعَ صَاحِبُهُ بِسَيْفِهِ مَا دُونَهُ مِنْهَا ، حَتّى بَرَزَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَصَارَتْ بَيْنَهُمَا كَالرّجُلِ الْقَائِمِ مَا فِيهَا فَنَنٌ ثُمّ حَمَلَ مَرْحَبٌ عَلَى مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَضَرَبَهُ فَاتّقَاهُ بِالدّرَقَةِ فَوَقَعَ سَيْفُهُ فِيهَا ، فَعَضّتْ بِهِ فَأَمْسَكَتْهُ وَضَرَبَهُ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَتّى قَتَلَهُ .

[ مَقْتَلُ يَاسِرٍ أَخِي مَرْحَبٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ خَرَجَ بَعْدَ مَرْحَبٍ أَخُوهُ يَاسِرٌ وَهُوَ يَقُولُ مَنْ يُبَارِزُ ؟ فَزَعَمَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَنّ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ خَرَجَ إلَى يَاسِرٍ فَقَالَتْ أُمّهُ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ : يَقْتُلُ ابْنِي يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ بَلْ ابْنُك يَقْتُلُهُ إنْ شَاءَ اللّهُ فَخَرَجَ الزّبَيْرُ فَالْتَقَيَا ، فَقَتَلَهُ الزّبَيْرُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ : أَنّ الزّبَيْرَ كَانَ إذَا قِيلَ لَهُ وَاَللّهِ إنْ كَانَ سَيْفُك يَوْمَئِذٍ لَصَارِمًا عَضْبًا ، قَالَ وَاَللّهِ مَا كَانَ صَارِمًا ، وَلَكِنّي أَكْرَهْتُهُ .

[ شَأْنُ عَلِيّ يَوْمَ خَيْبَرَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ الْأَسْلَمِيّ ، عَنْ أَبِيهِ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ ، قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - بِرَايَتِهِ وَكَانَتْ بَيْضَاءَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، إلَى بَعْضِ حُصُونِ خَيْبَرَ ، فَقَاتَلَ فَرَجَعَ وَلَمْ يَكُ فَتْحٌ وَقَدْ جَهَدَ ثُمّ بَعَثَ الْغَدَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ ، فَقَاتَلَ ثُمّ رَجَعَ وَلَمْ يَكُ فَتَحَ وَقَدْ جَهَدَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : لَأُعْطِيَن الرّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبّ اللّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللّهُ عَلَى يَدَيْهِ لَيْسَ بِفَرّارٍ قَالَ يَقُولُ سَلَمَةُ فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَلِيّا - رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ - وَهُوَ أَرْمَدُ فَتَفَلَ فِي عَيْنِهِ ثُمّ قَالَ خُذْ هَذِهِ الرّايَةَ فَامْضِ بِهَا حَتّى يَفْتَحَ اللّهُ عَلَيْك [ ص 335 ] قَالَ يَقُولُ سَلَمَةُ فَخَرَجَ وَاَللّهِ بِهَا يَأْنِحُ يُهَرْوِلُ هَرْوَلَةً وَإِنّا لَخَلْفَهُ نَتّبِعُ أَثَرَهُ حَتّى رَكَزَ رَايَتَهُ فِي رَضْمٍ مِنْ حِجَارَةٍ تَحْتَ الْحِصْنِ فَاطّلَعَ إلَيْهِ يَهُودِيّ مِنْ رَأْسِ الْحِصْنِ فَقَالَ مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ أَنَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . قَالَ يَقُولُ الْيَهُودِيّ : عَلَوْتُمْ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى ، أَوْ كَمَا قَالَ . قَالَ فَمَا رَجَعَ حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَى يَدَيْهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَ خَرَجْنَا مَعَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِرَايَتِهِ فَلَمّا دَنَا مِنْ الْحِصْنِ خَرَجَ إلَيْهِ أَهْلُهُ فَقَاتَلَهُمْ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ فَطَاحَ تُرْسُهُ مِنْ يَدِهِ فَتَنَاوَلَ عَلِيّ - عَلَيْهِ السّلَامُ - بَابًا كَانَ عِنْدَ الْحِصْنِ فَتَرّسَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُقَاتِلُ حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ ثُمّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ حِينَ فَرَغَ فَلَقَدْ رَأَيْتنِي فِي نَفَرٍ سَبْعَةٍ مَعِي ، أَنَا ثَامِنُهُمْ نَجْهَدُ عَلَى أَنْ نَقْلِبَ ذَلِكَ الْبَابَ فَمَا نُقَلّبُهُ .

[ أَمْرُ أَبِي الْيُسْرِ كَعْبَ بْنَ عَمْرٍو ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ الْأَسْلَمِيّ ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي سَلِمَةَ عَنْ أَبِي الْيُسْرِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ وَاَللّهِ إنّا لَمَعَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِخَيْبَرِ ذَات عَشِيّةٍ إذْ أَقْبَلَتْ غَنَمٌ لِرَجُلِ مِنْ يَهُودَ تُرِيدُ حِصْنَهُمْ وَنَحْنُ مُحَاصِرُوهُمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : مَنْ رَجُلٌ يُطْعِمُنَا مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ ؟ قَالَ أَبُو الْيُسْرِ فَقُلْت : أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ فَافْعَلْ قَالَ فَخَرَجْت أَشْتَدّ مِثْلَ الظّلِيمِ فَلَمّا نَظَرَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مُوَلّيًا قَالَ اللّهُمّ أَمْتِعْنَا بِه قَالَ فَأَدْرَكْتُ الْغَنَمَ وَقَدْ دَخَلَتْ أُولَاهَا الْحِصْنَ فَأَخَذْت شَاتَيْنِ مِنْ أُخْرَاهَا ، فَاحْتَضَنْتهمَا تَحْتَ يَدَيّ ثُمّ أَقْبَلْت بِهِمَا أَشْتَدّ ، كَأَنّهُ لَيْسَ مَعِي شَيْءٌ حَتّى أَلْقَيْتهمَا [ ص 336 ] - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَذَبَحُوهُمَا فَأَكَلُوهُمَا ، فَكَانَ أَبُو الْيُسْرِ مِنْ آخِرِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - هَلَاكًا فَكَانَ إذَا حَدّثَ هَذَا الْحَدِيثَ بَكَى ، ثُمّ قَالَ أُمْتِعُوا بِي ، لَعَمْرِي ، حَتّى كُنْت مِنْ آخِرِهِمْ هُلْكًا .

[ أَمْرُ صَفِيّةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الْقَمُوصَ ، حِصْنُ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ أُتِيَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِصَفِيّةَ بِنْتِ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ ، وَبِأُخْرَى مَعَهَا ، فَمَرّ بِهِمَا بِلَالٌ وَهُوَ الّذِي جَاءَ بِهِمَا عَلَى قَتْلَى مِنْ قَتْلَى يَهُودَ فَلَمّا رَأَتْهُمْ الّتِي مَعَ صَفِيّةَ صَاحَتْ . وَصَكّتْ وَجْهَهَا وَحَثّتْ التّرَابَ عَلَى رَأْسِهَا ؛ فَلَمّا رَآهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَ أَعْزِبُوا عَنّي هَذِهِ الشّيْطَانَةَ وَأَمَرَ بِصَفِيّةَ فَحِيزَتْ خَلْفَهُ . وَأَلْقَى عَلَيْهَا رِدَاءَهُ فَعَرَفَ الْمُسْلِمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ اصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لِبِلَالِ فِيمَا بَلَغَنِي ، حِينَ رَأَى بِتِلْكَ الْيَهُودِيّةِ مَا رَأَى : أَنُزِعَتْ مِنْك الرّحْمَةُ يَا بِلَالُ ، حِينَ تَمُرّ بِامْرَأَتَيْنِ عَلَى قَتْلَى رِجَالِهِمَا ؟ وَكَانَتْ صَفِيّةُ قَدْ رَأَتْ فِي الْمَنَامِ وَهِيَ عَرُوسٌ بِكِنَانَةِ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ أَنّ قَمَرًا وَقَع حِجْرُهَا . فَعَرَضَتْ رُؤْيَاهَا عَلَى زَوْجِهَا ؟ فَقَالَ مَا هَذَا إلّا أَنّك تَمَنّيْنَ مُلْكَ الْحِجَازِ مُحَمّدًا ، فَلَطَمَ وَجْهَهَا لَطْمَةً خَضّرَ عَيْنَهَا مِنْهَا . فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَبِهَا أَثَرٌ مِنْهُ فَسَأَلَهَا مَا هُوَ ؟ فَأَخْبَرَتْهُ هَذَا الْخَبَرَ .

بَقِيّةُ أَمْرِ خَيْبَرَ
[ عُقُوبَةُ كِنَانَةَ بْنِ الرّبِيعِ ]
وَأُتِيَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِكِنَانَةَ بْنِ الرّبِيعِ وَكَانَ عِنْدَهُ كَنْزُ بَنِي النّضِيرِ فَسَأَلَهُ عَنْهُ . فَجَحَدَ أَنْ يَكُونَ يَعْرِفُ مَكَانَهُ فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ فَقَالَ لِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : إنّي رَأَيْت كِنَانَةَ يُطِيفُ بِهَذِهِ الْخَرِبَةِ كُلّ غَدَاةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لِكِنَانَةَ [ ص 337 ] أَرَأَيْت إنْ وَجَدْنَاهُ عِنْدَك ، أَأَقْتُلُك ؟ قَالَ نَعَمْ . فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِالْخَرِبَةِ فَحُفِرَتْ فَأَخْرَجَ مِنْهَا بَعْضَ كَنْزِهِمْ ثُمّ سَأَلَهُ عَمّا بَقِيَ فَأَبَى أَنْ يُؤَدّيَهُ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ ، فَقَالَ عَذّبْهُ حَتّى تَسْتَأْصِل مَا عِنْدَهُ فَكَانَ الزّبَيْرُ يَقْدَحُ بِزَنْدٍ فِي صَدْرِهِ حَتّى أَشْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمّ دَفَعَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَى مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ بِأَخِيهِ مَحْمُودِ بْنِ مَسْلَمَةَ .

[ مُصَالَحَةُ الرّسُولِ أَهْلَ خَيْبَرَ ]
وَحَاصَرَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَهْلَ خَيْبَرَ فِي حِصْنَيْهِمْ الْوَطِيحِ وَالسّلَالِمِ ، حَتّى إذَا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ سَأَلُوهُ أَنْ يُسَيّرَهُمْ وَأَنْ يَحْقِنَ لَهُمْ دِمَاءَهُمْ فَفَعَلَ . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ حَازَ الْأَمْوَالَ كُلّهَا : الشّقّ وَنَطَاةَ وَالْكَتِيبَةَ وَجَمِيعَ حُصُونِهِمْ إلّا مَا كَانَ مِنْ ذَيْنِك الْحِصْنَيْنِ . فَلَمّا سَمِعَ بِهِمْ أَهْلُ فَدَكَ قَدْ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا ، بَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَسْأَلُونَهُ أَنْ يُسَيّرَهُمْ وَأَنّ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ وَيُخَلّوا لَهُ الْأَمْوَالَ فَفَعَلَ . وَكَانَ فِيمَنْ مَشَى بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَبَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ مُحَيّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ ، أَخُو بَنِي حَارِثَةَ فَلَمّا نَزَلَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَلَى ذَلِكَ سَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنْ يُعَامِلَهُمْ فِي الْأَمْوَالِ عَلَى النّصْفِ وَقَالُوا : نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَا مِنْكُمْ وَأَعْمَرُ لَهَا ؛ فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَلَى النّصْفِ عَلَى أَنّا إذَا شِئْنَا أَنْ نُخْرِجَكُمْ أَخْرَجْنَاكُمْ فَصَالَحَهُ أَهْلُ فَدَكَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَكَانَتْ خَيْبَرُ فَيْئًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَتْ فَدَكُ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ، لِأَنّهُمْ لَمْ يَجْلِبُوا عَلَيْهَا بِخَيْلِ وَلَا رِكَابٍ .

[ أَمْرُ الشّاةِ الْمَسْمُومَةِ ]
فَلَمّا اطْمَأَنّ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَهْدَتْ لَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ ، امْرَأَةُ سَلّامِ بْنِ مِشْكَمٍ ، شَاةً مَصْلِيّةً وَقَدْ سَأَلَتْ أَيّ عُضْوٍ مِنْ الشّاةِ أَحَبّ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ؟ فَقِيلَ لَهَا : الذّرَاعُ فَأَكْثَرَتْ فِيهَا مِنْ السّمّ [ ص 338 ] سَمّتْ سَائِرَ الشّاةِ ثُمّ جَاءَتْ بِهَا ؛ فَلَمّا وَضَعَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - تَنَاوَلَ الذّرَاعَ فَلَاكَ مِنْهَا مُضْغَةً فَلَمْ يُسِغْهَا ، وَمَعَهُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ ، قَدْ أَخَذَ مِنْهَا كَمَا أَخَذَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - . فَأَمّا بِشْرٌ فَأَسَاغَهَا ؛ وَأَمّا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَلَفَظَهَا ، ثُمّ قَالَ إنّ هَذَا الْعَظْمَ لَيُخْبِرُنِي أَنّهُ مَسْمُومٌ ثُمّ دَعَا بِهَا ، فَاعْتَرَفَتْ فَقَالَ مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكِ ؟ قَالَ بَلَغْتَ مِنْ قَوْمِي مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْك ، فَقُلْت : إنْ كَانَ مَلِكًا اسْتَرَحْتُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ نَبِيّا فَسَيُخْبَرُ قَالَ فَتَجَاوَزَ عَنْهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَمَاتَ بِشْرٌ مِنْ أَكْلَتِهِ الّتِي أَكَلَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَرْوَانُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلّى ، قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ قَالَ فِي مَرَضِهِ الّذِي تُوُفّيَ فِيهِ وَدَخَلَتْ أُمّ بِشْرٍ بِنْتُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ تَعُودُهُ يَا أُمّ بِشْرٍ إنّ هَذَا الْأَوَانَ وَجَدْتُ فِيهِ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ الْأَكْلَةِ الّتِي أَكَلْت مَعَ أَخِيك بِخَيْبَرِ قَالَ فَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَيَرَوْنَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مَاتَ شَهِيدًا ، مَعَ مَا أَكْرَمَهُ اللّهُ بِهِ مِنْ النّبُوّةِ
[ رُجُوعُ الرّسُولِ إلَى الْمَدِينَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ خَيْبَرَ انْصَرَفَ إلَى وَادِي الْقُرَى ، فَحَاصَرَ أَهْلَهُ لَيَالِيَ ثُمّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ .

[ مَقْتَلُ غُلَامِ رِفَاعَةَ الّذِي أَهْدَاهُ لِلرّسُولِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي نُورُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سَالِمٍ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُطِيعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ فَلَمّا انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَنْ خَيْبَرَ إلَى وَادِي الْقُرَى نَزَلْنَا بِهَا أَصِيلًا مَعَ مَغْرِبِ الشّمْسِ وَمَعَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - غُلَامٌ لَهُ أَهْدَاهُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِيّ ، ثُمّ الضّبِينِيّ . [ ص 339 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : جُذَامٌ ، أَخُو لَخْمٍ . قَالَ فَوَاَللّهِ إنّهُ لَيَضَعُ رَحْلَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إذْ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ فَقُلْنَا : هَنِيئًا لَهُ الْجَنّةُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : كَلّا ، وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ إنّ شَمْلَتَهُ الْآنَ لَتَحْتَرِقُ عَلَيْهِ فِي النّارِ كَانَ غَلّهَا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ خَيْبَرَ قَالَ فَسَمِعَهَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَصَبْتُ شِرَاكَيْنِ لِنَعْلَيْنِ لِي ؛ قَالَ فَقَالَ يُقَدّ لَك مِثْلَهُمَا مِنْ النّارِ .

[ ابْنُ مُغَفّلٍ وَجِرَابُ شَحْمٍ أَصَابَهُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُغَفّلٍ الْمُزَنِيّ ، قَالَ أَصَبْت مِنْ فَيْءِ خَيْبَرَ جِرَابَ شَحْمٍ فَاحْتَمَلْته عَلَى عَاتِقِي إلَى رَحْلِي وَأَصْحَابِي . قَالَ فَلَقِيَنِي صَاحِبُ الْمَغَانِمِ الّذِي جُعِلَ عَلَيْهَا ، فَأَخَذَ بِنَاحِيَتِهِ وَقَالَ هَلُمّ هَذَا نَقْسِمُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ قُلْت : لَا وَاَللّهِ لَا أُعْطِيكَهُ قَالَ فَجَعَلَ يُجَابِذُنِي الْجِرَابَ . قَالَ فَرَآنَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَنَحْنُ نَصْنَعُ ذَلِكَ . قَالَ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ضَاحِكًا ، ثُمّ قَالَ لِصَاحِبِ الْمَغَانِمِ لَا أَبَا لَك ، خَلّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَالَ فَأَرْسَلَهُ فَانْطَلَقْتُ بِهِ إلَى رَحْلِي وَأَصْحَابِي ، فَأَكَلْنَاهُ .

[ بِنَاءُ الرّسُولِ بِصَفِيّةَ وَحِرَاسَةُ أَبِي أَيّوبَ لِلْقُبّةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا أَعْرَسَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِصَفِيّةَ . بِخَيْبَرِ أَوْ بِبَعْضِ الطّرِيقِ وَكَانَتْ الّتِي جَمّلَتْهَا لِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَمَشّطَتْهَا [ ص 340 ] أَمْرِهَا أُمّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ أُمّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ . فَبَاتَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي قُبّةٍ لَهُ . وَبَاتَ أَبُو أَيّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ ، أَخُو بَنِي النّجّارِ مُتَوَشّحًا سَيْفَهُ يَحْرَسُ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَيُطِيفُ بِالْقُبّةِ حَتّى أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَلَمّا رَأَى مَكَانَهُ قَالَ مَا لَك يَا أَبَا أَيّوبَ ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ خِفْت عَلَيْك مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَكَانَتْ امْرَأَةً قَدْ قَتَلْتَ أَبَاهَا وَزَوْجَهَا وَقَوْمَهَا ، وَكَانَتْ حَدِيثَةَ عَهْدٍ بِكُفْرٍ فَخِفْتهَا عَلَيْك . فَزَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ، قَالَ اللّهُمّ احْفَظْ أَبَا أَيّوبَ كَمَا بَاتَ يَحْفَظُنِي

[ تَطَوّعُ بِلَالٍ لِلْحِرَاسَةِ وَغَلَبَةُ النّوُمُ عَلَيْهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ ، قَالَ لَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ خَيْبَرَ فَكَانَ بِبَعْضِ الطّرِيقِ قَالَ مِنْ آخِرِ اللّيْلِ مَنْ رَجُلٌ يَحْفَظُ عَلَيْنَا الْفَجْرَ لَعَلّنَا نَنَام قَالَ بِلَالٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ أَحْفَظُهُ عَلَيْك . فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَنَزَلَ النّاسُ فَنَامُوا ، وَقَامَ بِلَالٌ يُصَلّي ، فَصَلّى مَا شَاءَ اللّهُ - عَزّ وَجَلّ - أَنْ يُصَلّيَ . ثُمّ اسْتَنَدَ إلَى بَعِيرِهِ . وَاسْتَقْبَلَ الْفَجْرَ يَرْمُقُهُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَنَامَ فَلَمْ يُوقِظْهُمْ إلّا مَسّ الشّمْسِ . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَوّلَ أَصْحَابِهِ هَبّ فَقَالَ مَاذَا صَنَعْتَ بِنَا يَا بِلَالُ ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَخَذَ بِنَفْسِي الّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك ؛ قَالَ صَدَقْت ؛ ثُمّ اقْتَادَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بَعِيرَهُ غَيْرَ كَثِيرٍ ثُمّ أَنَاخَ فَتَوَضّأَ وَتَوَضّأَ النّاسُ ثُمّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصّلَاةَ فَصَلّى رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِالنّاسِ فَلَمّا سَلّمَ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ إذَا نَسِيتُمْ الصّلَاةَ فَصَلّوهَا إذَا ذَكَرْتُمُوهَا ، فَإِنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ { وَأَقِمِ الصّلَاةَ لِذِكْرِي }

[ شِعْرُ ابْنِ لُقَيْمٍ فِي فَتْحِ خَيْبَرَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنِي ، قَدْ أَعْطَى [ ص 341 ] لُقَيْمٍ الْعَبْسِيّ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ ، مَا بِهَا مِنْ دَجَاجَةٍ أَوْ دَاجِنٍ وَكَانَ فَتْحُ خَيْبَرَ فِي صَفَرٍ فَقَالَ ابْنُ لُقَيْمٍ الْعَبْسِيّ فِي خَيْبَر َ :
رُمِيَتْ نَطَاةٌ مِنْ الرّسُولِ بِفَيْلَقٍ ... شَهْبَاءَ ذَاتِ مَنَاكِبَ وَفَقَارِ
وَاسْتَيْقَنَتْ بِالذّلّ لَمَا شُيّعَتْ ... وَرِجَالُ أَسْلَمَ وَسْطَهَا وَغِفَارِ
صَبّحَتْ بَنِي عَمْرِو بْنِ زُرْعَةَ غُدْوَةً ... وَالشّقّ أَظْلَمَ أَهْلُهُ بِنَهَارِ
جَرّتْ بِأَبْطَحِهَا الذّيُولُ فَلَمْ تَدَعْ ... إلّا الدّجَاجَ تَصِيحُ فِي الْأَسْحَارِ
وَلِكُلّ حِصْنٍ شَاغِلٌ مِنْ خَيْلِهِمْ ... مِنْ عَبْدِ أَشْهَلَ أَوْ بَنِي النّجّارِ
وَمُهَاجِرِينَ قَدْ اعْلَمُوا سِيمَاهُمْ ... فَوْقَ الْمَغَافِرِ لَمْ يَنُوا لِفِرَارِ
وَلَقَدْ عَلِمْتُ لَيَغْلِبَن مُحَمّدٌ ... وَلَيَثْوِيَن بِهَا إلَى أَصْفَارِ
فَرّتْ يَهُودٌ يَوْمَ ذَلِكَ فِي الْوَغَى ... تَحْتَ الْعَجَاجِ غَمَائِمَ الْأَبْصَارِ
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [ ص 342 ] فَرّتْ كَشَفَتْ كَمَا تُفَرّ الدّابّةُ بِالْكَشَفِ عَنْ أَسْنَانِهَا ؛ يُرِيدُ كَشَفَتْ عَنْ جُفُونِ الْعُيُونِ غَمَائِمَ الْأَبْصَارِ يُرِيدُ الْأَنْصَارَ .

[ شُهُودُ النّسَاءِ خَيْبَرَ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ الْغِفَارِيّةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَشَهِدَ خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَرَضَخَ لَهُنّ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ الْفَيْءِ وَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنّ بِسَهْمٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ عَنْ أُمَيّةَ بْنِ أَبِي الصّلْتِ ، عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ ، قَدْ سَمّاهَا لِي ، قَالَتْ أَتَيْت رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ مَعَك إلَى وَجْهِك هَذَا ، وَهُوَ يَسِيرُ إلَى خَيْبَرَ ، فَنُدَاوِي الْجَرْحَى ، وَنُعِينُ الْمُسْلِمِينَ بِمَا اسْتَطَعْنَا ؛ فَقَالَ عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ . قَالَتْ فَخَرَجْنَا مَعَهُ وَكُنْت جَارِيَةً حَدَثَةً فَأَرْدَفَنِي رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ . قَالَتْ فَوَاَللّهِ لَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَى الصّبْحِ وَأَنَاخَ وَنَزَلْت عَنْ حَقِيبَةِ رَحْلِهِ وَإِذَا بِهَا دَمٌ مِنّي ، وَكَانَتْ أَوّلَ حَيْضَةٍ حِضْتَهَا ، قَالَتْ فَتَقَبّضْت إلَى النّاقَةِ وَاسْتَحْيَيْت ؛ فَلَمّا رَأَى رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مَا بِي وَرَأَى الدّمَ قَالَ مَا لَك ؟ لَعَلّك نُفِسْت قَالَتْ قُلْت : نَعَمْ قَالَ فَأَصْلِحِي مِنْ نَفْسِك ، ثُمّ خُذِي إنَاءً مِنْ مَاءٍ فَاطْرَحِي فِيهِ مِلْحًا ، ثُمّ اغْسِلِي بِهِ مَا أَصَابَ الْحَقِيبَةَ مِنْ الدّمِ ثُمّ عُودِي لِمَرْكَبِك . قَالَتْ فَلَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - خَيْبَرَ ، رَضَخَ لَنَا مِنْ الْفَيْءِ [ ص 343 ] وَأَخَذَ هَذِهِ الْقِلَادَةَ الّتِي تَرَيْنَ فِي عُنُقِي فَأَعْطَانِيهَا ، وَعَلّقَهَا بِيَدِهِ فِي عُنُقِي ، فَوَاَللّهِ لَا تُفَارِقُنِي أَبَدًا . قَالَتْ فَكَانَتْ فِي عُنُقِهَا حَتّى مَاتَتْ ثُمّ أَوْصَتْ أَنْ تُدْفَنَ مَعَهَا . قَالَتْ وَكَانَتْ لَا تَطَهّرَ مِنْ حَيْضَةٍ إلّا جَعَلَتْ فِي طَهُورِهَا مِلْحًا ، وَأَوْصَتْ بِهِ أَنْ يُجْعَلَ فِي غُسْلِهَا حِينَ مَاتَتْ .

[ شُهَدَاءُ خَيْبَرَ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، ثُمّ مِنْ حَلْفَائِهِمْ رَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ بْنِ سَخْبَرَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ بُكَيْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ ؛ وَثَقِيفُ بْنُ عَمْرٍو ، وَرِفَاعَةُ بْنُ مَسْرُوحٍ .

وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى : عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْهُبَيْبِ ، وَيُقَالُ ابْنُ الْهَبِيبِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، ابْنُ أُهَيْبِ بْنِ سُحَيْمِ بْنِ غِيرَةَ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ حَلِيفٌ لِبَنِي أَسَدٍ ، وَابْنُ أُخْتِهِمْ .

وَمِنْ الْأَنْصَارِ ثُمّ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ ، مَاتَ مِنْ الشّاةِ الّتِي سُمّ فِيهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : وَفُضَيْلُ بْنُ النّعْمَانِ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي زُرَيْقٍ مَسْعُودُ بْنُ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ . وَمِنْ الْأَوْسِ ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ . [ ص 344 ] بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَبُو ضَيّاحِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ ؛ وَعُرْوَةُ بْنُ مُرّةَ بْنِ سُرَاقَةَ ؛ وَأَوْسُ بْنُ الْقَائِدِ وَأُنَيْفُ بْنُ حَبِيبٍ وَثَابِتُ بْنُ أَثَلَةَ ؛ وَطَلْحَةُ . وَمِنْ بَنِي غِفَارٍ : عِمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ ، رُمِيَ بِسَهْمِ وَمِنْ أَسْلَمَ : عَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ ؛ وَالْأَسْوَدُ الرّاعِي ، وَكَانَ اسْمُهُ أَسْلَمَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْأَسْوَدُ الرّاعِي مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ وَمِمّنْ اُسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرِ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، مِنْ بَنِي زُهْرَةُ مَسْعُودُ بْنُ رَبِيعَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْقَارَةِ . وَمِنْ الْأَنْصَارِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَوْسُ بْنُ قَتَادَةَ .

أَمْرُ الْأَسْوَدِ الرّاعِي فِي حَدِيثِ خَيْبَرَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ [ ص 345 ] الْأَسْوَدِ الرّاعِي ، فِيمَا بَلَغَنِي : أَنّهُ أَتَى رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَهُوَ مُحَاصِرٌ لِبَعْضِ حُصُونِ خَيْبَرَ ، وَمَعَهُ غَنَمٌ لَهُ كَانَ فِيهَا أَجِيرًا لِرَجُلِ مِنْ يَهُودَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ اعْرِضْ عَلَيّ الْإِسْلَامَ فَعَرّضَهُ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ - وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَا يَحْقِرُ أَحَدًا أَنْ يَدْعُوَهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَيَعْرِضَهُ عَلَيْهِ - فَلَمّا أَسْلَمَ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي كُنْت أَجِيرًا لِصَاحِبِ هَذِهِ الْغَنَمِ وَهِيَ أَمَانَةٌ عِنْدِي ، فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِهَا ؟ قَالَ اضْرِبْ فِي وُجُوهِهَا ، فَإِنّهَا سَتَرْجِعُ إلَى رَبّهَا - أَوْ كَمَا قَالَ - فَقَالَ الْأَسْوَدُ فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ الْحَصَى ، فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِهَا ، وَقَالَ ارْجِعِي إلَى صَاحِبِك ، فَوَاَللّهِ لَا أَصْحَبُك أَبَدًا ، فَخَرَجَتْ مُجْتَمَعَةً كَأَنّ سَائِقًا يَسُوقُهَا حَتّى دَخَلَتْ الْحِصْنَ . ثُمّ تَقَدّمَ إلَى ذَلِكَ الْحِصْنِ لِيُقَاتِلَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَأَصَابَهُ حَجَرٌ فَقَتَلَهُ وَمَا صَلّى لِلّهِ صَلَاةً قَطّ ؛ فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ، فَوُضِعَ خَلْفَهُ وَسُجّيَ بِشَمْلَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ . فَالْتَفَتَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ثُمّ أَعَرَضَ عَنْهُ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَ أَعَرَضْت عَنْهُ ؟ قَالَ إنّ مَعَهُ الْآنَ زَوْجَتَيْهِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَنّهُ ذُكِرَ لَهُ أَنّ الشّهِيدَ إذَا مَا أُصِيبَ تَدَلّتْ ( لَهُ ) زَوْجَتَاهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ عَلَيْهِ تَنْفُضَانِ التّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ وَتَقُولَانِ تَرّبَ اللّهُ وَجْهَ مَنْ تَرّبَك ، وَقَتَلَ مَنْ قَتَلَك .

أَمْرُ الْحَجّاجِ بْنِ عِلَاطٍ السّلَمِيّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ ، كَلّمَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الْحَجّاجُ بْنُ عِلَاطٍ السّلَمِيّ ثُمّ الْبَهْزِيّ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ لِي بِمَكّةَ مَالًا عِنْدَ صَاحِبَتِي أُمّ شَيْبَةَ بِنْتِ أَبِي طَلْحَةَ - وَكَانَتْ عِنْدَهُ لَهُ مِنْهَا مُعْرِضُ بْنِ الْحَجّاجِ وَمَالٌ مُتَفَرّقٌ فِي تُجّارِ أَهْلِ مَكّةَ ، فَأْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللّهِ فَأَذِنَ لَهُ قَالَ إنّهُ لَا بُدّ لِي يَا رَسُولَ اللّهِ مِنْ أَنْ أَقُولَ قَالَ قُلْ . قَالَ الْحَجّاجُ فَخَرَجْتُ حَتّى إذَا قَدِمْت مَكّةَ وَجَدْت بِثَنِيّةِ الْبَيْضَاءِ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ يَتَسَمّعُونَ الْأَخْبَارَ وَيَسْأَلُونَ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَقَدْ بَلَغَهُمْ أَنّهُ قَدْ سَارَ إلَى خَيْبَرَ ، وَقَدْ عَرَفُوا أَنّهَا قَرْيَةُ الْحِجَازِ ، رِيفًا وَمَنَعَةً وَرِجَالًا ، فَهُمْ يَتَحَسّسُونَ الْأَخْبَارَ وَيَسْأَلُونَ [ ص 346 ] قَالُوا : الْحَجّاجُ بْنُ عِلَاطٍ - قَالَ وَلَمْ يَكُونُوا عَلِمُوا بِإِسْلَامِي عِنْدَهُ وَاَللّهِ الْخَبَرُ - أَخْبِرْنَا يَا أَبَا مُحَمّدٍ . فَإِنّهُ قَدْ بَلَغْنَا أَنّ الْقَاطِعَ قَدْ سَارَ إلَى خَيْبَرَ ، وَهِيَ بَلَدُ يَهُودُ وَرِيفُ الْحِجَازِ . قَالَ قُلْت : قَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ وَعِنْدِي مِنْ الْخَبَرِ مَا يَسُرّكُمْ قَالَ فَالْتَبَطُوا بِجَنْبَيْ نَاقَتِي يَقُولُونَ إيهِ يَا حَجّاجُ قَالَ قُلْت : هُزِمَ هَزِيمَةً لَمْ تَسْمَعُوا بِمِثْلِهَا قَطّ ، وَقُتِلَ أَصْحَابُهُ قَتْلًا لَمْ تَسْمَعُوا بِمِثْلِهِ قَطّ ، وَأُسِرَ مُحَمّدٌ أَسْرًا ، وَقَالُوا : لَا نَقْتُلُهُ حَتّى نَبْعَثَ بِهِ إلَى أَهْلِ مَكّةَ ، فَيَقْتُلُوهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ بِمَنْ كَانَ أَصَابَ مِنْ رِجَالِهِمْ . قَالَ فَقَامُوا وَصَاحُوا بِمَكّةَ وَقَالُوا : قَدْ جَاءَكُمْ الْخَبَرُ ، وَهَذَا مُحَمّدُ إنّمَا تَنْتَظِرُونَ أَنْ يُقْدَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ فَيُقْتَلُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ . قَالَ قُلْت : أَعِينُونِي عَلَى جَمْعِ مَالِي بِمَكّةَ وَعَلَى غُرَمَائِي ، فَإِنّي أُرِيدُ أَنْ أَقْدَمَ خَيْبَر ، فَأُصِيبُ مِنْ فَلّ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَنِي التّجّارُ إلَى مَا هُنَالِكَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ مِنْ فَيْءِ مُحَمّدٍ .

[ الْعَبّاسُ يَسْتَوْثِقُ مِنْ خَبَرِ الْحَجّاجِ وَيُفَاجِئُ قُرَيْشًا ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَ فَقَامُوا فَجَمَعُوا لِي مَالِي كَأَحَثّ جَمْعٍ سَمِعْت بِهِ . قَالَ وَجِئْت صَاحِبَتِي فَقُلْت : مَالِي ، وَقَدْ كَانَ لِي عِنْدَهَا مَالٌ مَوْضُوعٌ لَعَلّي أَلْحَقُ بِخَيْبَرِ فَأُصِيبَ مِنْ فُرَصِ الْبَيْعِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَنِي التّجّارُ قَالَ فَلَمّا سَمِعَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ الْخَبَرَ ، وَجَاءَهُ عَنّي ، أَقْبَلَ حَتّى وَقَفَ إلَى جَنْبِي وَأَنَا فِي خَيْمَةٍ مِنْ خِيَامِ التّجّارِ فَقَالَ يَا حَجّاجُ مَا هَذَا الْخَبَرُ الّذِي جِئْت بِهِ ؟ قَالَ فَقُلْت : وَهَلْ عِنْدَك حِفْظٌ لِمَا وَضَعْتُ عِنْدَك ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ قُلْت : فَاسْتَأْخِرْ عَنّي حَتّى أَلْقَاك عَلَى خَلَاءٍ فَإِنّي فِي جَمْعِ مَالِي كَمَا تَرَى ، فَانْصَرِفْ عَنّي حَتّى أَفَرُغَ . قَالَ حَتّى إذَا فَرَغْت مِنْ جَمْعِ كُلّ شَيْءٍ كَانَ لِي بِمَكّةَ وَأَجْمَعْت الْخُرُوجَ لَقِيت الْعَبّاسَ فَقُلْت [ ص 347 ] احْفَظْ عَلَيّ حَدِيثِي يَا أَبَا الْفَضْلِ ، فَإِنّي أَخْشَى الطّلَبَ ثَلَاثًا ، ثُمّ قُلْ مَا شِئْت ، قَالَ أَفْعَلُ ؟ قُلْت : فَإِنّي وَاَللّهِ لَقَدْ تَرَكْت ابْنَ أَخِيك عَرُوسًا عَلَى بِنْتِ مَلِكِهِمْ يَعْنِي صَفِيّةَ بِنْتَ حُيَيّ وَلَقَدْ افْتَتَحَ خَيْبَرَ ، وَانْتَثَلَ مَا فِيهَا ، وَصَارَتْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا تَقُولُ يَا حَجّاجُ ؟ قَالَ قُلْت : إي وَاَللّهِ فَاكْتُمْ عَنّي ، وَلَقَدْ أَسْلَمْتُ وَمَا جِئْت إلّا لِآخُذَ مَالِي ، فَرَقًا مِنْ أَنْ أُغْلَبَس عَلَيْهِ فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثٌ فَأَظْهِرْ أَمْرَك ، فَهُوَ وَاَللّهِ عَلَى مَا تُحِبّ ، قَالَ حَتّى إذَا كَانَ الْيَوْمُ الثّالِثُ لَبِسَ الْعَبّاسُ حُلّةً لَهُ وَتَخَلّقَ وَأَخَذَ عَصَاهُ ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى الْكَعْبَةَ ، فَطَافَ بِهَا ، فَلَمّا رَأَوْهُ قَالُوا : يَا أَبَا الْفَضْلِ هَذَا وَاَللّهِ التّجَلّدُ لِحَرّ الْمُصِيبَةِ ؛ قَالَ كَلّا ، وَاَللّهِ الّذِي حَلَفْتُمْ بِهِ لَقَدْ افْتَتَحَ مُحَمّدٌ خَيْبَرَ وَتُرِكَ عَرُوسًا عَلَى بِنْتِ مَلِكِهِمْ وَأَحْرَزَ أَمْوَالَهُمْ وَمَا فِيهَا فَأَصْبَحَتْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ قَالُوا : مَنْ جَاءَك بِهَذَا الْخَبَرِ ؟ قَالَ الّذِي جَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ وَلَقَدْ دَخَلَ عَلَيْكُمْ مُسْلِمًا ، فَأَخَذَ مَالَهُ فَانْطَلَقَ لِيَلْحَقَ بِمُحَمّدِ وَأَصْحَابِهِ فَيَكُونُ مَعَهُ قَالُوا : يَا لِعِبَادِ اللّهِ انْفَلَتَ عَدُوّ اللّهِ أَمَا وَاَللّهِ لَوْ عَلِمْنَا لَكَانَ لَنَا وَلَهُ شَأْنٌ قَالَ وَلَمْ يَنْشَبُوا أَنْ جَاءَهُمْ الْخَبَرُ بِذَلِكَ

[ شِعْرُ حَسّانَ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ قَوْلُ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ :
بِئْسَمَا قَاتَلَتْ خَيَابِرُ عَمّا ... جَمَعُوا مِنْ مَزَارِعَ وَنَخِيلِ
كَرِهُوا الْمَوْتَ فَاسْتُبِيحَ حِمَاهُمْ ... وَأَقَرّوا فِعْلَ اللّئِيمِ الذّلِيلِ
أَمِنْ الْمَوْتِ يَهْرَبُونَ فَإِنّ الْ ... مَوْتَ مَوْتُ الْهُزَالِ غَيْرُ جَمِيلِ

[ شِعْرُ حَسّانَ فِي عُذْرِ أَيْمَنَ لِتَخَلّفِهِ عَنْ خَيْبَرَ ]
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا ، وَهُوَ يَعْذِرُ أَيْمَنَ بْنِ أُمّ أَيْمَنَ بْنِ عُبَيْدٍ ، وَكَانَ قَدْ تَخَلّفَ عَنْ خَيْبَرَ ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَكَانَتْ أُمّهُ أُمّ أَيْمَنَ مَوْلَاةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهِيَ أُمّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، فَكَانَ أَخَا أُسَامَةَ لِأُمّهِ [ ص 348 ]
عَلَى حِينِ أَنْ قَالَتْ لِأَيْمَنَ أُمّهُ ... جَبُنْتَ وَلَمْ تَشْهَدْ فَوَارِسَ خَيْبَر
وَأَيْمَنُ لَمْ يَجْبُنْ وَلَكِنّ مُهْرَهُ ... أَضَرّ بِهِ شُرْبُ الْمَدِيدِ الْمُخَمّرِ
وَلَوْلَا الّذِي قَدْ كَانَ مِنْ شَأْنِ مُهْرِهِ ... لَقَاتَلَ فِيهِمْ فَارِسًا غَيْرَ أَعْسَرَ
وَلَكِنّهُ قَدْ صَدّهُ فِعْلُ مُهْرِهِ ... وَمَا كَانَ مِنْهُ عِنْدَهُ غَيْرَ أَيْسَرَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَأَنْشَدَنِي :
وَلَكِنّهُ قَدْ صَدّهُ شَأْنُ مُهْرِهِ ... وَمَا كَانَ لَوْلَا ذَاكُمْ بِمُقَصّرِ

[ شِعْرُ نَاجِيَةَ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيّ :
يَا لِعِبَادِ لَلّهَ فِيمَ يُرْغَبُ ... مَا هُوَ إلّا مَأْكَلٌ وَمَشْرَبُ
وَجَنّةٌ فِيهَا نَعِيمٌ مُعْجِبُ وَقَالَ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيّ أَيْضًا :
أَنَا لِمَنْ أَنْكَرَنِي ابْنُ جُنْدُبِ ... يَا رُبّ قِرْنٍ فِي مَكَرّي أَنْكَبِ
طَاحَ بِمَغْدَى أَنْسُرٍ وَثَعْلَبِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ الرّوَاةِ لِلشّعْرِ قَوْلَهُ " في مَكَرّي " ، و " طاح بِمَغْدَى " .

[ شِعْرُ كَعْبٍ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ ]
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ [ ص 349 ]
وَنَحْنُ وَرَدْنَا خَيْبَرًا وَفُرُوضَهُ ... بِكُلّ فَتًى عَارِي الْأَشَاجِعِ مِذْوَدِ
جَوَادٍ لَدَى الْغَايَاتِ لَا وَاهِنِ الْقُوَى ... جَرِيءٍ عَلَى الْأَعْدَاءِ فِي كُلّ مَشْهَدِ
عَظِيمِ رَمَادِ الْقِدْرِ فِي كُلّ شَتْوَةٍ ... ضَرُوبٍ بِنَصْلِ الْمَشْرَفِيّ الْمُهَنّدِ
يَرَى الْقَتْلَ مَدْحًا إنْ أَصَابَ شَهَادَةً ... مِنْ اللّهِ يَرْجُوهَا وَفَوْزًا بِأَحْمَدِ
يَذُودُ وَيَحْمِي عَنْ ذِمَارِ مُحَمّدٍ ... وَيَدْفَعُ عَنْهُ بِاللّسَانِ وَبِالْيَدِ
وَيَنْصُرُهُ مِنْ كُلّ أَمْرٍ يَرِيبُهُ ... يَجُودُ بِنَفْسٍ دُونَ نَفْسِ مُحَمّدٍ
يُصَدّقُ بِالْأَنْبَاءِ بِالْغَيْبِ مُخْلِصًا ... يُرِيدُ بِذَاكَ الْفَوْزَ وَالْعِزّ فِي غَدٍ

ذِكْرُ مَقَاسِمِ خَيْبَرَ وَأَمْوَالِهَا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَتْ الْمَقَاسِمُ عَلَى أَمْوَالِ خَيْبَرَ عَلَى الشّقّ وَنَطَاةَ وَالْكَتِيبَةِ فَكَانَتْ الشّقّ وَنَطَاةُ فِي سُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَتْ الْكَتِيبَةُ خُمُسَ اللّهِ وَسَهْمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَطُعْمَ أَزْوَاجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَطُعْمَ رِجَالٍ مَشَوْا بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ أَهْلِ فَدَكَ بِالصّلْحِ مِنْهُمْ مُحَيّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ ، أَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ وَثَلَاثِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ . وَقُسِمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ ، مَنْ شَهِدَ خَيْبَر َ ، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا ، وَلَمْ يَغِبْ عَنْهَا إلّا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ فَقَسَمَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَسَهْمِ مَنْ حَضَرَهَا ، وَكَانَ وَادِيَاهَا ، وَادِي السّرَيْرَةِ ، وَوَادِي خَاصّ ، وَهُمَا اللّذَانِ قُسِمَتْ عَلَيْهِمَا خَيْبَرُ ، وَكَانَتْ نَطَاةُ وَالشّقّ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا ، نَطَاةُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ [ ص 350 ] وَالشّقّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا ، وَقُسِمَتْ الشّقّ وَنَطَاةُ عَلَى أَلْفِ سَهْمٍ وَثَمَانِ مِئَةِ سَهْمٍ .

[ عِدّةُ مَنْ قُسِمَتْ عَلَيْهِمْ خَيْبَرُ ]
وَكَانَتْ عِدّةُ الّذِينَ قُسِمَتْ عَلَيْهِمْ خَيْبَرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلْفَ سَهْمٍ وَثَمَانَ مِئَةِ سَهْمٍ بِرِجَالِهِمْ وَخَيْلِهِمْ الرّجَالُ أَرْبَعَ عَشَرَةَ مِئَةٍ وَالْخَيْلُ مِئَتَا فَارِسٍ ؛ فَكَانَ لِكُلّ فَرَسٍ سَهْمَانِ وَلِفَارِسِهِ سَهْمٌ وَكَانَ لِكُلّ رَاجِلٍ سَهْمٌ فَكَانَ لِكُلّ سَهْمٍ رَأْسٌ جُمِعَ إلَيْهِ مِئَةُ رَجُلٍ فَكَانَتْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا جُمِعَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَفِي يَوْم خَيْبَرَ عَرّبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَرَبِيّ مِنْ الْخَيْلِ وَهَجّنَ الْهَجِينَ .

[ قِسْمَةُ الْأَسْهُمِ عَلَى أَرْبَابِهَا ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَكَانَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَأْسًا ، وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَعَاصِمُ بْنُ عَدِيّ ، أَخُو بَنِي الْعَجْلَانِ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَسَهْمُ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَسَهْمُ نَاعِمِ وَسَهْمُ بَنِي بَيَاضَةَ وَسَهْمُ بَنِي عُبَيْدٍ ، وَسَهْمُ بَنِي حَرَامٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ وَعُبَيْدٍ السّهَامِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَإِنّمَا قِيلَ لَهُ عُبَيْدٌ السّهَامُ لِمَا اشْتَرَى مِنْ السّهَامِ يَوْمَ خَيْبَرَ ، وَهُوَ عُبَيْدُ بْنُ أَوْسٍ ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَهْمُ سَاعِدَةَ وَسَهْمُ غِفَارٍ وَأَسْلَمَ ، وَسَهْمُ النّجّارِ وَسَهْمُ حَارِثَةَ وَسَهْمُ أَوْسٍ . فَكَانَ أَوّلُ سَهْمٍ خَرَجَ مِنْ خَيْبَرَ بِنَطَاةَ سَهْمَ الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ . وَهُوَ الْخَوْعُ ، وَتَابَعَهُ السّرَيْرُ ؛ ثُمّ كَانَ الثّانِي سَهْمَ بَيَاضَةَ ثُمّ كَانَ الثّالِثُ سَهْمَ أُسَيْدٍ ثُمّ كَانَ الرّابِعُ سَهْمَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ كَانَ الْخَامِسُ سَهْمَ نَاعِمٍ لِبَنِي عَوْفِ [ ص 351 ] الْخَزْرَجِ وَمُزَيْنَةَ وَشُرَكَائِهِمْ وَفِيهِ قُتِلَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ ؛ فَهَذِهِ نَطَاةُ . ثُمّ هَبَطُوا إلَى الشّقّ ، فَكَانَ أَوّلُ سَهْمٍ خَرَجَ مِنْهُ سَهْمَ عَاصِمِ بْنِ عَدِيّ ، أَخِي بَنِي الْعَجْلَانِ وَمَعَهُ كَانَ سَهْمُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ سَهْمُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، ثُمّ سَهْمُ سَاعِدَةَ ثُمّ سَهْمُ النّجّارِ . ثُمّ سَهْمُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ ثُمّ سَهْمُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ ، ثُمّ سَهْمُ غِفَارٍ وَأَسْلَمَ ، ثُمّ سَهْمُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، ثُمّ سَهْمُ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَبَنِيّ حَرَامٍ ثُمّ سَهْمُ حَارِثَةَ ثُمّ سَهْمُ عُبَيْدٍ السّهَامِ ، ثُمّ سَهْمُ أَوْسٍ وَهُوَ سَهْمُ اللّفِيفِ جَمَعَتْ إلَيْهِ جُهَيْنَةُ وَمَنْ حَضَرَ خَيْبَرَ مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ ؛ وَكَانَ حَذْوهُ سَهْمَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي كَانَ أَصَابَهُ فِي سَهْمِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيّ . ثُمّ قَسَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْكَتِيبَةَ ، وَهِيَ وَادِي خَاصّ ، بَيْنَ قَرَابَتِهِ وَبَيْنَ نِسَائِهِ وَبَيْنَ رِجَالِ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَاءٍ أَعْطَاهُمْ مِنْهَا ، فَقَسَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِفَاطِمَةَ ابْنَتِهِ مِئَتَيْ وَسْقٍ وَلِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِئَةَ وَسْقٍ وَلِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ مِئَتَيْ وَسْقٍ وَخَمْسِينَ وَسْقًا مِنْ نَوًى ، وَلِعَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ مِئَتَيْ وَسْقٍ وَلِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ مِئَةَ وَسْقٍ وَلِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِئَةَ وَسْقٍ وَأَرْبَعِينَ وَسْقًا ، وَلِبَنِي جَعْفَرٍ خَمْسِينَ وَسْقًا ، وَلِرَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ مِئَةَ وَسْقٍ وَلِلصّلْتِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَابْنَيْهِ مِئَةَ وَسْقٍ لِلصّلْتِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ وَسْقًا ، وَلِأَبِي نَبْقَةَ خَمْسِينَ وَسْقًا ، وَلِرُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ خَمْسِينَ وَسْقًا ، وَلِقَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَرْبَعِينَ وَسْقًا ، وَلِبَنَاتِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَابْنَةِ الْحُصَيْنِ بْنِ الْحَارِثِ مِئَةَ وَسْقٍ وَلِبَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ سِتّينَ وَسْقًا ، وَلِابْنِ أَوْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا . وَلِمِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ وَابْنِ إلْيَاسَ خَمْسِينَ وَسْقًا ، وَلِأُمّ رُمَيْثَةَ [ ص 352 ] هِنْدٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِبُحَيْنَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ ثَلَاثِينَ وَسْقًا وَلِعُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِأُمّ حَكِيمٍ ( بِنْتِ الزّبَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ) ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِجُمَانَةِ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِابْنِ الْأَرْقَمِ خَمْسِينَ وَسْقًا ، وَلِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَسْقًا ، وَلِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِأُمّ الزّبَيْرِ أَرْبَعِينَ وَسْقًا ، وِلِضُبَاعَةَ بِنْتِ الزّبَيْرِ أَرْبَعِينَ وَسْقًا ، وَلِابْنِ أَبِي خُنَيْسٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِأُمّ طَالِبٍ أَرْبَعِينَ وَسْقًا ، وَلِأَبِي بَصْرَةَ عِشْرِينَ وَسْقًا ، وَلِنُمَيْلَةَ الْكَلْبِيّ خَمْسِينَ وَسْقًا ، وَلِعَبْدِ اللّهِ بْنِ وَهْبٍ وَابْنَتَيْهِ تِسْعِينَ وَسْقًا ، لَابْنَيْهِ مِنْهَا أَرْبَعِينَ وَسْقًا ، وَلِأُمّ حَبِيبٍ بِنْتِ جَحْشٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِمَلْكُو بْنِ عَبَدَةَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِنِسَائِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَبْعَ مِئَةِ وَسْقٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَمْحٌ وَشَعِيرٌ وَتَمْرٌ وَنَوًى وَغَيْرُ ذَلِكَ قَسَمَهُ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ وَكَانَتْ الْحَاجَةُ فِي بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَكْثَرَ وَلِهَذَا أَعْطَاهُمْ أَكْثَرَ .

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ
[ عَهْدُ الرّسُولِ إلَى نِسَائِهِ بِنَصِيبِهِنّ فِي الْمَغَانِمِ ]
ذِكْرُ مَا أَعْطَى مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِسَاءَهُ مِنْ قَمْحِ خَيْبَرَ : قَسَمَ لَهُنّ مِئَةَ وَسْقٍ وَثَمَانِينَ وَسْقًا ، وَلِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 353 ] عَشَرَ وَسْقًا ، وَلِأُمّ رُمَيْثَةَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ . شَهِدَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ وَعَبّاسٌ . وَكَتَبَ .

[ مَا أَوْصَى بِهِ الرّسُولُ عِنْدَ مَوْتِهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ لَمْ يُوصِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ إلّا بِثَلَاثِ أَوْصَى لِلرّهَاوِيّينَ بِجَادّ مِئَةِ وَسْقٍ مِنْ خَيْبَرَ ، وَلِلدّارِيّينَ بِجَادّ مِئَةِ وَسْقٍ مِنْ خَيْبَرَ ، وَلِلسّبائِيّينَ وللأشعريين بِجَادّ مِئَةِ وَسْقٍ مِنْ خَيْبَرَ . وَأَوْصَى بِتَنْفِيذِ بَعْثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ : وَأَلّا يُتْرَكَ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ .

أَمْرُ فَدَكِ فِي خَبَرِ خَيْبَرَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ قَذَفَ اللّهُ الرّعْبَ فِي قُلُوبِ أَهْلِ فَدَكِ ، حِينَ بَلَغَهُمْ مَا أَوْقَعَ اللّهُ تَعَالَى بِأَهْلِ خَيْبَرَ ، فَبَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَالِحُونَهُ عَلَى النّصْفِ مِنْ فَدَكِ ، فَقَامَتْ عَلَيْهِ رُسُلُهُمْ بِخَيْبَرِ أَوْ بِالطّائِفِ أَوْ بَعْدَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَكَانَتْ فَدَكُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَالِصَةً لِأَنّهُ لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهَا بِخَيْلِ وَلَا رِكَابٍ [ ص 354 ]
تَسْمِيَةُ النّفَرِ الدّارِيّينَ الّذِينَ أَوْصَى لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ
وَهُمْ بَنُو الدّارِ بْنِ هَانِئِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ نُمَارَةَ بْنِ لَحْمٍ الّذِينَ سَارُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الشّامِ : تَمِيمُ بْنُ أَوْسٍ وَنُعَيْمُ بْنُ أَوْسٍ أَخُوهُ وَيَزِيدُ بْنُ قَيْسٍ ، وَعَرَفَةُ بْنُ مَالِكٍ ؟ سَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ الرّحْمَنِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَزّةُ بْنُ مَالِكٍ : وَأَخُوهُ مُرّانُ بْنُ مَالِكٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مَرْوَانُ بْنُ مَالِكٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَفَاكِهُ بْنُ نُعْمَانَ ، وَجَبَلَةُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو هِنْدِ بْنُ بَرّ ، وَأَخُوهُ الطّيّبُ بْنُ بَرّ فَسَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ .

خَرْصُ بْنِ رَوَاحَةَ ثُمّ جَبّارٍ عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ
فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، يَبْعَثُ إلَى أَهْلِ خَيْبَرَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ خَارِصًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَيَهُودَ فَيَخْرُصُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا قَالُوا : تَعَدّيْت عَلَيْنَا ، قَالَ إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَنَا ، فَتَقُولُ يَهُودُ بِهَذَا قَامَتْ السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ . وَإِنّمَا خَرَصَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ عَامًا وَاحِدًا ، ثُمّ أُصِيبَ بِمُؤْتَةِ يَرْحَمُهُ اللّهُ فَكَانَ جَبّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ هُوَ الّذِي يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ

[ مَقْتَلُ ابْنِ سَهْلٍ وَدِيَةُ الرّسُولِ إلَى أَهْلِهِ ]
فَأَقَامَتْ يَهُودُ عَلَى ذَلِكَ لَا يَرَى بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ بَأْسًا فِي مُعَامَلَتِهِمْ حَتّى عَدَوْا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَهْلِ ، أَخِي بَنِي حَارِثَةَ فَقَتَلُوهُ فَاتّهَمَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ . [ ص 355 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَحَدّثَنِي أَيْضًا بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ ، مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ أُصِيبَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلٍ بِخَيْبَرِ وَكَانَ خَرَجَ إلَيْهَا فِي أَصْحَابٍ لَهُ يَمْتَارُ مِنْهَا تَمْرًا ، فَوُجِدَ فِي عَيْنٍ قَدْ كُسِرَتْ عُنُقُهُ تَمّ طُرِحَ فِيهَا ، قَالَ فَأَخَذُوهُ فَغَيّبُوهُ ثُمّ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرُوا لَهُ شَأْنَهُ فَتَقَدّمَ إلَيْهِ أَخُوهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ ، وَمَعَهُ ابْنَا عَمّهِ حُوَيّصَةُ وَمُحَيّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ وَكَانَ عَبْدُ الرّحْمَنِ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنّا ، وَكَانَ صَاحِبَ الدّمِ وَكَانَ ذَا قَدَمٍ فِي الْقَوْمِ فَلَمّا تَكَلّمَ قَبْل ابْنَىْ عَمّهِ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْكُبْرَ الْكُبْرَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ كَبّرْ كَبّرْ - فِيمَا ذَكَرَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ - فَسَكَتَ فَتَكَلّمَ حُوَيّصَةُ وَمُحَيّصَةُ ثُمّ تَكَلّمَ هُوَ بَعْدُ فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَتْلَ صَاحِبِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَتُسَمّونَ قَاتِلَكُمْ ثُمّ تَحْلِفُونَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا فَنُسَلّمُهُ إلَيْكُمْ ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ مَا كُنّا لِنَحْلِفَ عَلَى مَا لَا نَعْلَمُ قَالَ أَفَيَحْلِفُونَ بِاَللّهِ خَمْسِينَ يَمِينًا مَا قَتَلُوهُ وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا ثُمّ يَبْرَءُونَ مِنْ دَمِهِ ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ مَا كُنّا لِنَقْبَلَ أَيْمَانَ يَهُودَ مَا فِيهِمْ مِنْ الْكُفْرِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى إثْمٍ قَالَ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ عِنْدِهِ مِئَةَ نَاقَةٍ . قَالَ سَهْلٌ فَوَاَللّهِ مَا أَنْسَى بَكْرَةً مِنْهَا حَمْرَاءَ ضَرَبَتْنِي وَأَنَا أَحُوزُهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدِ بْنِ قَيْظِيّ أَخِي بَنِي حَارِثَةَ قَالَ مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَاَيْمُ اللّهِ مَا كَانَ سَهْلٌ بِأَكْثَرَ عِلْمًا مِنْهُ وَلَكِنّهُ كَانَ أَسَنّ - مِنْهُ إنّهُ قَالَ لَهُ وَاَللّهِ مَا هَكَذَا كَانَ الشّأْنُ وَلَكِنّ سَهْلًا أَوْهَمَ مَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ احْلِفُوا عَلَى [ ص 356 ] خَيْبَرَ حِينَ كَلّمَتْهُ الْأَنْصَارُ : إنّهُ قَدْ وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ أَبْيَاتِكُمْ فَدُوهُ فَكَتَبُوا إلَيْهِ يَحْلِفُونَ بِاَللّهِ مَا قَتَلُوهُ وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا . فَوَدَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ مِثْلَ حَدِيثِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدٍ إلّا أَنّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ دُوهُ أَوْ ائْذَنُوا بِحَرْبِ . فَكَتَبُوا يَحْلِفُونَ بِاَللّهِ مَا قَتَلُوهُ وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا ، فَوَدَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ عِنْدِهِ .

[ إجْلَاءُ الْيَهُودِ عَنْ خَيْبَرَ أَيّامَ عُمَرَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَأَلْت ابْنَ شِهَابٍ الزّهْرِيّ : كَيْفَ كَانَ إعْطَاءُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَهُودَ خَيْبَرَ نَخْلَهُمْ حِينَ أَعْطَاهُمْ النّخْلَ عَلَى خَرْجِهَا ، أَبَتّ ذَلِكَ لَهُمْ حَتّى قُبِضَ أَمْ أَعْطَاهُمْ إيّاهَا لِلضّرُورَةِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ ؟ فَأَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ عَنْوَةً بَعْدَ الْقِتَالِ وَكَانَتْ خَيْبَرُ مِمّا أَفَاءَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمّسَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَسَمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَنَزَلَ مَنْ نَزَلَ مِنْ أَهْلِهَا عَلَى الْجَلَاءِ بَعْدَ الْقِتَالِ فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنْ شِئْتُمْ دَفَعْت إلَيْكُمْ هَذِهِ الْأَمْوَالَ عَلَى أَنْ تُعْمِلُوهَا ، وَتَكُونَ ثِمَارُهَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ وَأُقِرّكُمْ مَا أَقَرّكُمْ اللّهُ فَقَبِلُوا ، فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ يُعْمِلُونَهَا وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ ، فَيَقْسِمُ ثَمَرَهَا ، وَيَعْدِلُ عَلَيْهِمْ فِي الْخَرْصِ فَلَمّا تَوَفّى اللّهُ نَبِيّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَقَرّهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَعْدَ رَسُولِ اللّه صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى الْمُعَامَلَةِ الّتِي عَامَلَهُمْ عَلَيْهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى تُوُفّيَ ثُمّ أَقَرّهَا عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ صَدْرًا مِنْ إمَارَتِهِ . ثُمّ بَلَغَ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فِي وَجَعِهِ الّذِي قَبَضَهُ اللّهُ فِيهِ لَا يَجْتَمِعَنّ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ فَفَحَصَ عُمَرُ ذَلِكَ حَتّى بَلَغَهُ الثّبْتُ فَأَرْسَلَ إلىَ يَهُودَ فَقَالَ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ أَذِنَ فِي جَلَائِكُمْ قَدْ بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَا يَجْتَمِعَنّ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْيَهُودِ فَلْيَأْتِنِي بِهِ أُنْفِذُهُ [ ص 357 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْيَهُودِ ، فَلْيَتَجَهّزْ لِلْجَلَاءِ فَأَجْلَى عُمَرُ مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ خَرَجْت أَنَا وَالزّبَيْرُ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ إلَى أَمْوَالِنَا بِخَيْبَرِ نَتَعَاهَدُهَا ، فَلَمّا قَدِمْنَا تَفَرّقْنَا فِي أَمْوَالِنَا ، قَالَ فَعُدِيَ عَلَيّ تَحْتَ اللّيْلِ وَأَنَا نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِي ، فَفُدِعَتْ يَدَايَ مِنْ مِرْفَقَيّ فَلَمّا أَصْبَحْت اسْتَصْرَخَ عَلَيّ صَاحِبَايَ فَأَتَيَانِي فَسَأَلَانِي : مَنْ صَنَعَ هَذَا بِك ؟ فَقُلْت : لَا أَدْرِي ، قَالَ فَأَصْلَحَا مِنْ يَدَيّ ثُمّ قَدِمَا بِي عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ؟ فَقَالَ هَذَا عَمَلُ يَهُودَ ثُمّ قَامَ فِي النّاسِ خَطِيبًا فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَنّا نُخْرِجُهُمْ إذَا شِئْنَا ، وَقَدْ عَدَوْا عَلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، فَفَدَعُوا يَدَيْهِ كَمَا قَدْ بَلَغَكُمْ مَعَ عَدْوِهِمْ عَلَى الْأَنْصَارِيّ قَبْلَهُ لَا نَشُكّ أَنّهُمْ أَصْحَابُهُ لَيْسَ لَنَا هُنَاكَ عَدُوّ غَيْرُهُمْ فَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ بِخَيْبَرِ فَلْيَلْحَقْ بِهِ فَإِنّي مُخْرِجٌ يَهُودَ فَأَخْرَجَهُمْ .

[ قِسْمَةُ عُمَرَ لِوَادِي الْقُرَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَكْنَفٍ ، أَخِي بَنِي حَارِثَةَ قَالَ لَمّا أَخْرَجَ عُمَرُ يَهُودَ مِنْ خَيْبَرَ رَكِبَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَخَرَجَ مَعَهُ جَبّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ أَخُو بَنِي سَلَمَةَ كَانَ خَارِصَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحَاسِبَهُمْ - وَيَزِيدُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُمَا قَسَمَا خَيْبَرَ بَيْنَ أَهْلِهَا ، عَلَى أَصْلِ جَمَاعَةِ السّهْمَانِ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا وَكَانَ مَا قَسَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ مِنْ وَادِي الْقُرَى ، لِعُثْمَانِ بْنِ عَفّانَ خَطَرٌ وَلِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ خَطَرٌ وَلِعُمَرِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ خَطَرٌ وَلِعَامِرِ بْنِ أَبِي رَبِيعَة خَطَرٌ وَلِعَمْرِو بْنِ سُرَاقَةَ خَطَرٌ وَلِأُشَيْمٍ خَطَرٌ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ وَلِأَسْلَمَ وَلِبَنِي جَعْفَرٍ خَطَرٌ وَلِمُعَيْقِيبٍ خَطَرٌ وَلِعَبْدِ اللّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ خَطَرٌ وَلِعَبْدِ اللّهِ وَعُبَيْدِ اللّهِ خَطَرَانِ وَلِابْنِ عَبْدِ اللّهِ [ ص 358 ] خَطَرٌ وَلِابْنِ الْبُكَيْرِ خَطَرٌ وَلِمُعْتَمِرٍ خَطَرٌ وَلِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ خَطَرٌ وَلِأُبَيّ بْنِ كَعْبٍ خَطَرٌ وَلِمُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ خَطَرٌ وَلِأَبِي طَلْحَةَ وَحَسَنٍ خَطَرٌ وَلِجَبّارِ بْنِ صَخْرٍ خَطَرٌ وَلِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رِئَابٍ خَطَرٌ وَلِمَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو خَطَرٌ وَلِابْنِ حُضَيْرٍ خَطَرٌ وَلِابْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ خَطَرٌ وَلِسَلَامَةِ بْنِ سَلَامَةَ خَطَرٌ وَلِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي شَرِيكٍ خَطَرٌ وَلِأَبِي عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ خَطَرٌ وَلِمُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ خَطَرٌ وَلِعُبَادَةَ بْنِ طَارِقٍ خَطَرٌ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ لِقَتَادَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلِجَبْرِ بْنِ عَتِيكٍ نِصْفُ خَطَرٍ وَلِابْنَيْ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ نِصْفُ خَطَرٍ وَلِابْنِ حَزَمَةَ وَالضّحّاكِ خَطَرٌ فَهَذَا مَا بَلَغَنَا مِنْ أَمْرِ خَيْبَرَ وَوَادِي الْقُرَى وَمَقَاسِمِهَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . الْخَطَرُ النّصِيبُ . يُقَالُ أَخْطَرَ لِي فُلَانٌ خَطَرًا .

ذِكْرُ قُدُومِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ الْحَبَشَةِ وَحَدِيثُ الْمُهَاجِرِينَ إلَى الْحَبَشَةِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [ ص 359 ] وَذَكَرَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ الشّعْبِيّ : أَنّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ فَتْحِ خَيْبَرَ فَقَبّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَأَلْزَمَهُ وَقَالَ مَا أَدْرِي بِأَيّهِمَا أَنَا أُسَرّ : بِفَتْحِ خَيْبَرَ . أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ ؟

[ مُهَاجِرَةُ الْحَبَشَةِ الّذِينَ قَدِمَ بِهِمْ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مَنْ أَقَامَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى النّجَاشِيّ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ فَحَمَلَهُمْ فِي سَفِينَتَيْنِ فَقَدِمَ بِهِمْ عَلَيْهِ وَهُوَ بِخَيْبَرِ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ . مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيّةُ ، وَابْنُهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَكَانَتْ وَلَدَتْهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ . قُتِلَ جَعْفَرٌ بِمُؤْتَةِ مِنْ أَرْضِ الشّامِ أَمِيرًا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ مَعَهُ امْرَأَتُهُ أَمِينَةُ بِنْتُ خَلَفِ بْنِ أَسْعَد قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ هُمَيْنَةُ بِنْتُ خَلَفٍ وَابْنَاهُ سَعِيدُ بْنُ خَالِدٍ وَأُمّهُ بِنْتُ خَالِدٍ وَلَدَتْهُمَا بِأَرْضِ [ ص 360 ] الْحَبَشَةِ . قُتِلَ خَالِدٌ بِمَرْج الصّفّرِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ بِأَرْضِ الشّامِ ، وَأَخُوهُ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ محرّث الْكِنَانِيّ هَلَكَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ . قُتِلَ عَمْرٌو بِأَجْنَادِينَ مِنْ أَرْضِ الشّامِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ .

[ شِعْرُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ لِابْنِهِ عَمْرٍو]
وَلِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ يَقُولُ أَبُوهُ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ أَبُو أُحَيْحَةَ
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي عَنْك يَا عَمْرُو سَائِلًا ... إذَا شَبّ وَاشْتَدّتْ يَدَاهُ وَسُلّحَا
أَتَتْرُكُ أَمْرَ الْقَوْمِ فِيهِ بَلَابِلُ ... تُكَشّفُ غَيْظًا كَانَ فِي الصّدْرِ مُوجَحَا
[شِعْرُ أَبَانَ بْنِ الْعَاصِ لِأَخَوَيْهِ خَالِدٍ وَسَعِيدٍ وَرَدّ خَالِدٍ ]
وَلِعَمْرِو وَخَالِدٍ يَقُولُ أَخُوهُمَا أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ، حِينَ أَسْلَمَا ، وَكَانَ أَبُوهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ هَلَكَ بِالظّرَيْبَةِ مِنْ نَاحِيَةِ الطّائِفِ ، هَلَكَ فِي مَالٍ لَهُ بِهَا :
أَلَا لَيْتَ مَيْتًا بِالظّرَيْبَةِ شَاهِدُ ... لِمَا يَفْتَرِي فِي الدّينِ عَمْرٌو وَخَالِدُ
أَطَاعَا بِنَا أَمْرَ النّسَاءِ فَأَصْبَحَا ... يُعِينَانِ مِنْ أَعْدَائِنَا مَنْ نُكَايِدُ
فَأَجَابَهُ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ ، فَقَالَ
أَخِي مَا أَخِي لَا شَاتِمٌ أَنَا عِرْضَهُ ... وَلَا هُوَ مِنْ سُوءِ الْمَقَالَةِ مُقْصِرُ
يَقُولُ إذَا اشْتَدّتْ عَلَيْهِ أُمُورُهُ ... أَلَا لَيْتَ مَيْتًا بِالظّرَيْبَةِ يُنْشَرُ
فَدَعْ عَنْكَ مَيْتًا قَدْ مَشَى لِسَبِيلِهِ ... وَأَقْبِلْ عَلَى الْأَدْنَى الّذِي هُوَ أَفْقَرُ
وَمُعَيْقِيبُ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ خَازِنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ عَلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ [ ص 361 ] آلِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ قَيْسٍ ، حَلِيفُ آلِ عُتْبَةَ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، أَرْبَعَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ : الْأَسْوَدُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ خُوَيْلِدٍ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : جَهْمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ مَعَهُ ابْنَاهُ عَمْرُو بْنُ جَهْمٍ وَخُزَيْمَةُ بْنُ جَهْمٍ وَكَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ حَرْمَلَةَ بِنْتُ عَبْدِ الْأَسْوَدِ هَلَكَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَابْنَاهُ لَهَا . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ : عَامِرُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ وَعُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ هُذَيْلٍ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبٍ : الْحَارِثُ بْنُ خَالِدِ بْنِ صَخْرٍ وَقَدْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ رَيْطَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ جُبَيْلَةَ هَلَكَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي جُمَحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ عُثْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ أُهْبَانَ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ مَحْمِيّةُ بْنُ الْجَزْءِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ ، كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَعَلَهُ عَلَى خُمُسِ الْمُسْلِمِينَ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ : مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نَضْلَةَ رَجُلٌ . [ ص 362 ] وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ : أَبُو حَاطِبِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ؛ وَمَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ عَمْرَةُ بِنْتُ السّعْدِيّ بْنِ وَقْدَانَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ : الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ لَقِيطٍ . رَجُلٌ وَقَدْ كَانَ حُمِلَ مَعَهُمْ فِي السّفِينَتَيْنِ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ مَنْ هَلَكَ هنالك من المسلمين .

[ عِدّةُ مَنْ حَمَلَهُمْ مَعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ ]
فَهَؤُلَاءِ الّذِينَ حَمَلَ النّجَاشِيّ مَعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ فِي السّفِينَتَيْنِ فَجَمِيعُ مَنْ قَدِمَ فِي السّفِينَتَيْنِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سِتّةَ عَشَرَ رَجُلًا .
[ سَائِرُ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ ]
وَكَانَ مِمّنْ هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَلَمْ يَقْدَمْ إلّا بَعْدَ بَدْرٍ وَلَمْ يَحْمِلْ النّجَاشِيّ فِي السّفِينَتَيْنِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمِنْ قَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَنْ هَلَكَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ : مِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأُسْدِيّ ، أُسْدَ خُزَيْمَةَ ، حَلِيفُ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ وَابْنَتُهُ حَبِيبَةُ بِنْتُ عُبَيْدِ اللّهِ وَبِهَا كَانَتْ تُكْنَى أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَ اسْمُهَا رَمْلَةَ .
[ تَنَصّرُ ابْنِ جَحْشٍ بِالْحَبَشَةِ وَخَلَفُ الرّسُولِ عَلَى امْرَأَتِهِ ]
خَرَجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مُهَاجِرًا ، فَلَمّا قَدِمَ أَرْضَ الْحَبَشَةِ تَنَصّرَ بِهَا وَفَارَقَ الْإِسْلَامَ وَمَاتَ هُنَالِكَ نَصْرَانِيّا ، فَخَلَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى امْرَأَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ خَرَجَ [ ص 363 ] عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مُسْلِمًا - فَلَمّا قَدِمَ أَرْضَ الْحَبَشَةِ تَنَصّرَ قَالَ فَكَانَ إذَا مَرّ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فَتّحْنَا وَصَأْصَأْتُمْ . أيَ قَدْ أَبْصَرْنَا وَأَنْتُمْ تَلْتَمِسُونَ الْبَصَرَ وَلَمْ تُبْصِرُوا بَعْدُ . وَذَلِكَ أَنّ وَلَدَ الْكَلْبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ عَيْنَيْهِ لِلنّظَرِ صَأْصَأَ قَبْلَ ذَلِكَ فَضَرَبَ ذَلِكَ لَهُ وَلَهُمْ مَثَلًا : أَيْ أَنّا قَدْ فَتّحْنَا أَعْيُنَنَا فَأَبْصَرْنَا ، : وَلَمْ تَفْتَحُوا أَعْيُنَكُمْ فَتُبْصِرُوا . وَأَنْتُمْ تَلْتَمِسُونَ ذَلِكَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَيْسُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ . رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُسْدِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَهُوَ أَبُو أُمَيّةَ بِنْتِ قَيْسٍ الّتِي كَانَتْ مَعَ أُمّ حَبِيبَةَ - وَامْرَأَتُهُ بَرَكَةُ بِنْتُ يَسَارٍ مَوْلَاةُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ كَانَتَا ظِئْرَى عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ وَأُمّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ - فَخَرَجَا بِهِمَا ، مَعَهُمَا حِينَ هَاجَرَا إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ : يَزِيدُ بْنُ زَمَعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَلّبِ ابْنِ أَسَدٍ ، قُتِلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَهِيدًا ، وَعَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ - هَلَكَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : أَبُو الرّومِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ وَفِرَاسُ بْنُ النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ : الْمُطّلِبُ بْنُ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ ( بْنِ ) الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي عَوْفِ بْنِ ضُبَيْرَةَ بْنِ سُعَيْدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ [ ص 364 ] الْحَبَشَةِ ، وَلَدَتْ لَهُ هُنَالِكَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ الْمُطّلِبِ . فَكَانَ يُقَالُ إنْ كَانَ لَأَوّلُ رَجُلٍ وَرِثَ أَبَاهُ فِي الْإِسْلَامِ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ قُتِلَ بِالْقَادِسِيّةِ مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبٍ : هَبّارُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ قُتِلَ بِأَجْنَادِينَ مِنْ أَرْضِ الشّامِ ، فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سُفْيَانَ ، قُتِلَ عَامَ الْيَرْمُوكِ بِالشّامِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يُشَكّ فِيهِ أَقُتِلَ ثَمّ أَمْ لَا ، وَهِشَامُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي جُمَحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ . حَاطِبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ . ابْنَاهُ مُحَمّدٌ وَالْحَارِثُ مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُجَلّلِ . هَلَكَ حَاطِبٌ هُنَالِكَ مُسْلِمًا ، فَقَدِمَتْ امْرَأَتُهُ وَابْنَاهُ وَهِيَ أُمّهُمَا فِي إحْدَى السّفِينَتَيْنِ ؟ وَأَخُوهُ حَطّابُ بْنُ الْحَارِثِ مَعَهُ امْرَأَتُهُ فُكَيْهَةُ بِنْتُ يَسَارٍ هَلَكَ هُنَالِكَ مُسْلِمًا ، فَقَدِمَتْ امْرَأَتُهُ فُكَيْهَةُ فِي إحْدَى السّفِينَتَيْنِ وَسُفْيَانُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبٍ وَابْنَاهُ جُنَادَةُ وَجَابِرٌ . وَأُمّهُمَا مَعَهُ حَسَنَةُ وَأَخُوهُمَا لِأُمّهِمَا شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ وَهَلَكَ سُفْيَانُ وَهَلَكَ ابْنَاهُ جُنَادَةُ وَجَابِرٌ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . سِتّةُ نَفَرٍ . [ ص 365 ] وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ . عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ الشّاعِرُ هَلَكَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَقَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ . وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ . قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ وَهُوَ رَسُولُ ( رَسُولِ ) اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى كِسْرَى ، وَالْحَارِثُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ ؛ وَمَعْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ وَبِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ ؛ وَأَخٌ لَهُ مِنْ أُمّهِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو ، قُتِلَ بِأَجْنَادِينَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَسَعِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ ، قُتِلَ عَامَ الْيَرْمُوكِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . وَالسّائِبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ ، جُرِحَ بِالطّائِفِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقُتِلَ يَوْمَ فِحْلٍ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَيُقَالُ قُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ يُشَكّ فِيهِ وَعُمَيْرُ بْنُ رِئَابِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ مِهْشَمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ . قُتِلَ بِعَيْنِ التّمْرِ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، مُنْصَرَفَهُ مِنْ الْيَمَامَةِ ، فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا . وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ عُرْوَةُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حُرْثَانَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ هَلَكَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ؛ وَعَدِيّ بْنُ نَضْلَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حُرْثَانَ هَلَكَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ . رَجُلَانِ .

[ تَوْلِيَةُ عُمَرَ النّعْمَانَ عَلَى مَيْسَانَ ثُمّ عَزْلُهُ ]
[ ص 366 ] كَانَ مَعَ عَدِيّ ابْنُهُ النّعْمَانُ بْنُ عَدِيّ فَقَدِمَ النّعْمَانُ مَعَ مَنْ قَدِمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَبَقِيَ حَتّى كَانَتْ خِلَافَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى مَيْسَانَ مِنْ أَرْضِ الْبَصْرَةِ . فَقَالَ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ . وَهِيَ
أَلَا هَلْ أَتَى الْحَسْنَاءَ أَنّ حَلِيلَهَا ... بِمَيْسَانَ يُسْقَى فِي زُجَاجٍ وَحَنْتَمِ
إذَا شِئْتُ غَنّتِني دَهَاقِينُ قَرْيَةٍ ... وَرَقّاصَةٌ تَجْذُو عَلَى كُلّ مَنْسِمِ
فَإِنْ كُنْت نَدْمَانِي فَبِالْأَكْبَرِ اسْقِنِي ... وَلَا تَسْقِنِي بِالْأَصْغَرِ الْمُتَثَلّمِ
لَعَلّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَسُوءُهُ ... تَنَادُمُنَا فِي الجَوْسَقِ الْمُتَهَدّمِ
فَلَمّا بَلَغَتْ أَبْيَاتُهُ عُمَرَ قَالَ نَعَمْ وَاَللّهِ إنّ ذَلِكَ لَيَسُوءنِي فَمَنْ لَقِيَهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنّي قَدْ عَزَلْته ، وَعَزَلَهُ . فَلَمّا قَدِمَ عَلَيْهِ اعْتَذَرَ إلَيْهِ وَقَالَ وَاَللّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا صَنَعْت شَيْئًا مِمّا بَلَغَك أَنّي قُلْته قَطّ . وَلَكِنّي كُنْت امْرَأً شَاعِرًا وَجَدْت فَضْلًا مِنْ قَوْلٍ فَقُلْت فِيمَا تَقُولُ الشّعَرَاءُ - فَقَالَ لَهُ عُمَرُ وَاَيْمُ اللّهِ . لَا تَعْمَلُ لِي عَلَى عَمَلٍ مَا بَقِيت ، وَقَدْ قُلْتَ مَا قُلْتَ . وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ : سَلِيطُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وَدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ وَهُوَ كَانَ رَسُولَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيّ الْحَنَفِيّ بِالْيَمَامَةِ . رَجُلٌ . [ ص 367 ] وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ : عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ غَنْمِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدّادٍ وَسَعْدُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ عَامِرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ ظَرْبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ ، وَعِيَاضُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدّادٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . فَجَمِيعُ مَنْ تَخَلّفَ عَنْ بَدْرٍ وَلَمْ يَقْدَمْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ ، وَمَنْ قَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يَحْمِلْ النّجَاشِيّ فِي السّفِينَتَيْنِ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا .

وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ ( جُمْلَةِ ) مَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ وَمِنْ أَبْنَائِهِمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ . حَلِيفُ بَنِي أُمَيّةَ ، مَاتَ بِهَا نَصْرَانِيّا . وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ : عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ . وَمِنْ بَنِي جُمَحٍ : حَاطِبُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَأَخُوهُ حَطّابُ بْنُ الْحَارِثِ . وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ . وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ : عُرْوَةُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حُرْثَانَ بْنِ عَوْفٍ وَعَدِيّ بْنُ نَضْلَةَ سَبْعَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ أَبْنَائِهِمْ . مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ : مُوسَى بْنُ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدِ بْنِ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ . رَجُلٌ .

[ مُهَاجِرَاتُ الْحَبَشَةِ ]
وَجَمِيعُ مَنْ [ ص 368 ] هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ النّسَاءِ مَنْ قَدِمَ مِنْهُنّ وَمَنْ هَلَكَ هُنَالِكَ سِتّ عَشْرَةَ امْرَأَةً سِوَى بَنَاتِهِنّ اللّاتِي وُلِدْنَ هُنَالِكَ . مَنْ قَدِمَ مِنْهُنّ وَمَنْ هَلَكَ هُنَالِكَ وَمَنْ خَرَجَ بِهِ مَعَهُنّ حِينَ خَرَجْنَ مِنْ قُرَيْشٍ ، مِنْ بَنِي هَاشِمٍ : رُقَيّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَمِنْ بَنِي أُمَيّةَ : أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ ، مَعَهَا ابْنَتُهَا حَبِيبَةُ خَرَجَتْ مِنْ مَكّةَ ، وَرَجَعَتْ بِهَا مَعَهَا . وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ : أُمّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيّةَ ، قَدِمَتْ مَعَهَا بِزَيْنَبِ ابْنَتِهَا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ وَلَدَتْهَا هُنَالِكَ . وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ : رَيْطَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ جُبَيْلَةَ . هَلَكَتْ بِالطّرِيقِ وَبِنْتَانِ لَهَا كَانَتْ وَلَدَتْهُمَا هُنَالِكَ عَائِشَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ وَزَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ ، هَلَكْنَ جَمِيعًا ، وَأَخُوهُنّ مُوسَى بْنُ الْحَارِثِ مِنْ مَاءٍ شَرِبُوهُ فِي الطّرِيقِ وَقَدِمَتْ بِنْتٌ لَهَا وَلَدَتْهَا هُنَالِكَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ وَلَدِهَا غَيْرُهَا ، يُقَالُ لَهَا فَاطِمَةُ . وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو : رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي عَوْفِ بْنِ ضُبَيْرَةَ . وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ : لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ بْنِ غَانِمٍ وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : سَوْدَةُ بِنْتُ زَمَعَةَ بْنِ قَيْسٍ ؟ وَسَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو [ ص 369 ] وَعَمْرَةُ بِنْتُ السّعْدِيّ بْنِ وَقْدَانَ . وَأُمّ كُلْثُومِ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو .
[مِنْ غَرَائِبِ الْعَرَبِ ]
وَمِنْ غَرَائِبِ الْعَرَبِ : أَسَمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسِ بْنِ النّعْمَانِ الْخَثْعَمِيّةُ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مُحرّث الْكِنَانِيّةُ - وَفُكَيْهَةُ بِنْتُ يَسَارٍ ، وَبَرَكَةُ بِنْتُ يَسَارٍ وَحَسَنَةُ . أُمّ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَة َ . وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ وُلِدَ مِنْ أَبْنَائِهِمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ . وَمِنْ بَنِي هَاشِمٍ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ . وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ : مُحَمّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ وَسَعِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ ، وَأُخْتُهُ أَمَةُ بِنْتُ خَالِدٍ . وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ : زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ الْأَسَدِ . وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُطّلِبِ بْنِ أَزْهَرَ . وَمِنْ بَنِي تَمِيمٍ : مُوسَى بْنُ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدٍ . وَأَخَوَاتُهُ عَائِشَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ وَزَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ . الرّجَالُ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرِ وَمُحَمّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ وَسَعِيدُ بْنُ خَالِدٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُطّلِبِ ، وَمُوسَى بْنُ الْحَارِثِ . [ ص 370 ] وَمِنْ النّسَاءِ خَمْسٌ أَمَةُ بِنْتُ خَالِدٍ وَزَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ ، وَعَائِشَةُ وَزَيْنَبُ وَفَاطِمَةُ بَنَاتُ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدِ بْنِ صَخْرٍ .

عُمْرَةُ الْقَضَاءِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ خَيْبَرَ ، أَقَامَ بِهَا شَهْرَيْ رَبِيعٍ وَجُمَادَيَيْنِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَشَوّالًا ، يَبْعَثُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ غَزْوِهِ وَسَرَايَاهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . ثُمّ خَرَجَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فِي الشّهْرِ الّذِي صَدّهُ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ مُعْتَمِرًا عُمْرَةَ الْقَضَاءِ مَكَانَ عُمْرَتِهِ الّتِي صَدّوهُ عَنْهَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُوَيْفَ بْنَ الْأَضْبَطِ الدّيلِيّ
[ سَبَبُ تَسْمِيَتِهَا بِعُمْرَةِ الْقِصَاصِ ]
وَيُقَالُ لَهَا عُمْرَةُ الْقِصَاصِ لِأَنّهُمْ صَدّوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ مِنْ سَنَةِ سِتّ فَاقْتَصّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ فَدَخَلَ مَكّةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ الّذِي صَدّوهُ فِيهِ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ . وَبَلَغَنَا عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ فَأَنْزَلَ اللّهُ فِي ذَلِكَ { وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ }
[خُرُوجُ الْمُسْلِمِينَ الّذِينَ صُدّوا أَوّلًا مَعَهُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَرَجَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ مِمّنْ كَانَ صُدّ مَعَهُ فِي عُمْرَتِهِ تِلْكَ وَهِيَ سَنَةَ سَبْعٍ فَلَمّا سَمِعَ بِهِ أَهْلُ مَكّةَ خَرَجُوا عَنْهُ وَتَحَدّثَتْ قُرَيْشٌ بَيْنَهَا أَنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ فِي عُسْرَةٍ وَجَهْدٍ وَشِدّةٍ .

[ سَبَبُ الْهَرْوَلَةِ بَيْنَ الصّفَا وَالْمَرْوَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 371 ] عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ؟ قَالَ صَفّوا لَهُ عِنْدَ دَارِ النّدْوَةِ لِيَنْظُرُوا إلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَسْجِدَ اضْطَبَعَ بِرِدَائِهِ وَأَخْرَجَ عَضُدَهُ الْيُمْنَى ، ثُمّ قَالَ رَحِمَ اللّهُ امْرَأً أَرَاهُمْ الْيَوْمَ مِنْ نَفْسِهِ قُوّةً ، ثُمّ اسْتَلَمَ الرّكْنَ ، وَخَرَجَ يُهَرْوِلُ وَيُهَرْوِلُ أَصْحَابُهُ مَعَهُ حَتّى إذَا وَارَاهُ الْبَيْتُ مِنْهُمْ وَاسْتَلَمَ الرّكْنَ الْيَمَانِيّ ، مَشَى حَتّى يَسْتَلِمَ الرّكْنَ الْأَسْوَدَ ثُمّ هَرْوَلَ كَذَلِك ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَمَشَى سَائِرَهَا فَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَقُول : كَانَ النّاسُ يَظُنّونَ أَنّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِمْ . وَذَلِك أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا صَنَعَهَا لِهَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ لِلّذِي بَلَغَهُ عَنْهُمْ حَتّى إذَا حَجّ حَجّةَ الْوَدَاعِ فَلَزِمَهَا ، فَمَضَتْ السّنّةُ بِهَا

[ ارْتِجَازُ ابْنِ رَوَاحَةَ وَهُوَ يَقُودُ نَاقَةَ الرّسُولِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ دَخَلَ مَكّةَ فِي تِلْكَ الْعُمْرَةِ دَخَلَهَا وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ يَقُولُ
خَلّوا بَنِي الْكُفّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... خَلّوا فَكُلّ الْخَيْرِ فِي رَسُولِهِ
يَا رَبّ إنّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهِ ... أَعْرِفُ حَقّ اللّهِ فِي قَبُولِهِ
نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ ... كَمَا قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ
ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ ... وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : " نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ
" إلَى آخِرِ الْأَبْيَاتِ لِعَمّارِ بْنِ يَاسِر ٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْيَوْمِ وَالدّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنّ ابْنَ رَوَاحَةَ إنّمَا أَرَادَ الْمُشْرِكِينَ [ ص 372 ] أَقَرّ بِالتّنْزِيلِ

[ زَوَاجُ الرّسُولِ بِمَيْمُونَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ . عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٍ أَبِي الْحَجّاجِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَزَوّجَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ وَهُوَ حَرَامٌ وَكَانَ الّذِي زَوّجَهُ إيّاهَا الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَتْ جَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَى أُخْتِهَا أُمّ الْفَضْل ِ وَكَانَتْ أُمّ الْفَضْلِ تَحْتَ الْعَبّاسِ ، فَجَعَلَتْ أُمّ الْفَضْلِ أَمْرَهَا إلَى الْعَبّاسِ ، فَزَوّجَهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ وَأَصْدَقَهَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَعَ مِئَةِ دِرْهَمٍ .
[ إرْسَالُ قُرَيْشٍ حُوَيْطِبًا إلَى الرّسُولِ يَطْلُبُ مِنْهُ الْخُرُوجَ مِنْ مَكّةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ ثَلَاثًا فَأَتَاهُ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وَدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ ، فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْيَوْمِ الثّالِثِ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ وَكّلَتْهُ بِإِخْرَاجِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَكّةَ ؟ فَقَالُوا لَهُ إنّهُ قَدْ انْقَضَى أَجَلُك ، فَاخْرُجْ عَنّا ؛ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا عَلَيْكُمْ لَوْ تَرَكْتُمُونِي فَأَعْرَسْت بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ، وَصَنَعْنَا لَكُمْ طَعَامًا فَحَضَرْتُمُوهُ قَالُوا : لَا حَاجَةَ لَنَا فِي طَعَامِك فَاخْرُجْ عَنّا فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخَلّفَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ عَلَى مَيْمُونَةَ ، حَتّى أَتَاهُ بِهَا بِسَرِفَ . فَبَنَى بِهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُنَالِكَ ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ فِي ذِي الْحِجّةِ .
[مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَلَيْهِ فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ [ ص 373 ] { لَقَدْ صَدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ الرّؤْيَا بِالْحَقّ لَتَدْخُلُنّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللّهُ آمِنِينَ مُحَلّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا } يَعْنِي خَيْبَرَ .

ذِكْرُ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ
فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ وَمَقْتَلُ جَعْفَرٍ وَزَيْدٍ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ ذِي الْحِجّةِ وَوَلِيَ تِلْكَ الْحَجّةَ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُحَرّمَ وَصَفَرًا وَشَهْرَيْ رَبِيعٍ وَبَعَثَ فِي جُمَادَى الْأُولَى بَعْثَهُ إلَى الشّامِ الّذِينَ أُصِيبُوا بِمُؤْتَة ِ .

[ بَعْثُ الرّسُولِ إلَى مُؤْتَةَ وَاخْتِيَارُهُ الْأُمَرَاءَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْثَةَ إلَى مُؤْتَةَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَقَالَ إنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى النّاسِ . فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ عَلَى النّاسِ
[ بُكَاءُ ابْنِ رَوَاحَةَ مَخَافَةَ النّارِ وَشِعْرُهُ لِلرّسُولِ ]
فَتَجَهّزَ النّاسُ ثُمّ تَهَيّئُوا لِلْخُرُوجِ . وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ فَلَمّا حَضَرَ خُرُوجَهُمْ وَدّعَ النّاسُ أُمَرَاءَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَلّمُوا عَلَيْهِمْ . فَلَمّا وَدّعَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ مَنْ وَدّعَ مِنْ أُمَرَاءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَكَى ، فَقَالُوا : مَا يُبْكِيك يَا بْنَ رَوَاحَةَ ؟ فَقَالَ . أَمَا وَاَللّهِ مَا بِي حُبّ الدّنْيَا وَلَا صَبَابَةٌ بِكُمْ وَلَكِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْرَأُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ . يَذْكُرُ فِيهَا النّارَ { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبّكَ حَتْمًا مَقْضِيّا } [ ص 374 ] أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصّدَرِ بَعْدَ الْوُرُودِ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ صَحِبَكُمْ اللّهُ وَدَفَعَ عَنْكُمْ وَرَدّكُمْ إلَيْنَا صَالِحِينَ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ :
لَكِنّنِي أَسْأَلُ الرّحْمَنَ مَغْفِرَةً ... وَضَرْبَةً ذَاتَ فَزْعٍ تَقْذِفُ الزّبَدا
أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرّانَ مُجْهِزَةً ... بِحَرْبَةٍ تُنْفِذُ الْأَحْشَاءَ وَالْكَبِدَا
حَتّى يُقَالَ إذَا مَرّوا عَلَى جَدَثِي ... أَرْشَدَهُ اللّهُ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ الْقَوْمَ تَهَيّئُوا لِلْخُرُوجِ فَأَتَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَدّعَهُ ثُمّ قَالَ
فَثَبّتَ اللّهُ مَا آتَاك مِنْ حَسَنٍ ... تَثْبِيتَ مُوسَى وَنَصْرًا كَاَلّذِي نُصِرُوا
إنّي تَفَرّسْتُ فِيكَ الْخَيْرَ نَافِلَةً ... اللّهُ يَعْلَمُ أَنّي ثَابِتُ الْبَصَرِ
أَنْتَ الرّسُولُ فَمَنْ يُحْرَمْ نَوَافِلَهُ ... وَالْوَجْهَ مِنْهُ . فَقَدْ أَزْرَى بِهِ الْقَدَرُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ
أَنْتَ الرّسُولُ فَمَنْ يُحْرَمْ نَوَافِلَهُ ... وَالْوَجْهَ مِنْهُ فَقَدْ أَزْرَى بَهْ الْقَدَرُ
فَثَبّتَ اللّهُ مَا آتَاك مِنْ حَسَنٍ ... فِي الْمُرْسَلِينَ وَنَصْرًا كَاَلّذِي نُصِرُوا
إنّي تَفَرّسْت فِيك الْخَيْرَ نَافِلَةً ... فِرَاسَةً خَالَفَتْ فِيكَ الّذِي نَظَرُوا
يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ خَرَجَ الْقَوْمُ وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا وَدّعَهُمْ وَانْصَرَفَ عَنْهُمْ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ :
خَلَفَ السّلَامُ عَلَى امْرِئٍ وَدّعْته ... فِي النّخْلِ خَيْرَ مُشَيّعٍ وَخَلِيلِ

[ تَخَوّفُ النّاسِ مِنْ لِقَاءِ هِرَقْلَ وَشِعْرُ ابْنِ رَوَاحَةَ يُشَجّعُهُمْ ]
ثُمّ مَضَوْا [ ص 375 ] مَعَانَ ، مِنْ أَرْضِ الشّامِ ، فَبَلَغَ النّاسَ أَنّ هِرَقْلَ قَدْ نَزَلَ مَآبَ ، مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ ، فِي مِئَةِ أَلْفٍ مِنْ الرّومِ ، وَانْضَمّ إلَيْهِمْ مِنْ لَخْم ٍ وَجُذَامٍ وَالْقَيْنِ وَبَهْرَاءَ وَبَلِي ّ مِئَةُ أَلْفٍ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ بَلِيّ ثُمّ أَحَدُ إرَاشَةَ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ بْنُ زَافِلَةَ . فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ أَقَامُوا عَلَى مَعَانَ لَيْلَتَيْنِ يُفَكّرُونَ فِي أَمْرِهِمْ وَقَالُوا : نَكْتُبُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنُخْبِرُهُ بِعَدَدِ عَدُوّنَا ، فَإِمّا أَنْ يُمِدّنَا بِالرّجَالِ وَإِمّا أَنْ يَأْمُرَنَا بِأَمْرِهِ فَنَمْضِيَ لَهُ .

[ تَشْجِيعُ ابْنِ رَوَاحَةَ النّاسَ عَلَى الْقِتَالِ ]
قَالَ فَشَجّعَ النّاسَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، وَقَالَ يَا قَوْمِ وَاَللّهِ إنّ الّتِي تَكْرَهُونَ لَلّتِي خَرَجْتُمْ تَطْلُبُونَ الشّهَادَةُ وَمَا نُقَاتِلُ النّاسَ بِعَدَدِ وَلَا قُوّةٍ وَلَا كَثْرَةٍ مَا نُقَاتِلُهُمْ إلّا بِهَذَا الدّينِ الّذِي أَكْرَمَنَا اللّهُ بِهِ فَانْطَلِقُوا فَإِنّمَا هِيَ إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إمّا ظُهُورٌ وَإِمّا شَهَادَةٌ . قَالَ فَقَالَ النّاسُ قَدْ وَاَللّهِ صَدَقَ ابْنُ رَوَاحَةَ . فَمَضَى النّاسُ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي مَحْبِسِهِمْ ذَلِكَ [ ص 376 ]
جَلَبْنَا الْخَيْلَ مِنْ أَجَإٍ وَفَرْعٍ ... تُغَرّ مِنْ الْحَشِيشِ لَهَا الْعُكُومُ
حَذَوْنَاهَا مِنْ الصّوّانِ سِبْتًا ... أَزَلّ كَأَنّ صَفْحَتَهُ أَدِيمُ
أَقَامَتْ لَيْلَتَيْنِ عَلَى مَعَانٍ ... فَأَعْقَبَ بَعْدَ فَتْرَتِهَا جُمُومُ
فَرُحْنَا وَالْجِيَادُ مُسَوّمَاتٌ ... تَنَفّسُ فِي مَنَاخِرِهَا السّمُومُ
فَلَا وَأَبِي مَآبَ لَنَأْتِيَنْهَا ... وَإِنْ كَانَتْ بِهَا عَرَبٌ وَرُومُ
فَعَبّأْنَا أَعِنّتَهَا فَجَاءَتْ ... عَوَابِسَ وَالْغُبَارُ لَهَا بَرِيمُ
بِذِي لَجَبٍ كَأَنّ الْبَيْضَ فِيهِ ... إذَا بَرَزَتْ قَوَانِسُهَا النّجُومُ
فَرَاضِيَةُ الْمَعِيشَةِ طَلّقَتْهَا ... أَسِنّتُهَا فَتَنْكِحُ أَوْ تَئِيمُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : " وَيُرْوَى : جَلَبْنَا الْخَيْلَ مِنْ آجَامِ قُرْحٍ " ، وَقَوْلُهُ " فَعَبّأْنَا أَعِنّتَهَا " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ مَضَى النّاسُ فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حُدّثَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ كُنْت يَتِيمًا لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فِي حَجْرِهِ ، فَخَرَجَ بِي فِي سَفَرِهِ ذَلِك مُرْدِفِي عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ فَوَاَللّهِ إنّهُ لَيَسِيرُ لَيْلَةً إذْ سَمِعْته وَهُوَ يُنْشِدُ أَبْيَاتَهُ هَذِهِ [ ص 377 ]
إذَا أَدّيْتِنِي وَحَمَلْتِ رَحْلِي ... مَسِيرَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ الْحِسَاءِ
فَشَأْنُك أَنْعُمٌ وَخَلّاكِ ذَمّ ... وَلَا أَرْجِعْ إلَى أَهْلِي وَرَائِي
وَجَاءَ الْمُسْلِمُونَ وَغَادَرُونِي ... بِأَرْضِ الشّامِ مُشْتَهِيَ الثّوَاءِ
وَرَدّك كُلّ ذِي نَسَبٍ قَرِيبٍ ... إلَى الرّحْمَنِ مُنْقَطِعَ الْإِخَاءِ
هُنَالِكَ لَا أُبَالِي طَلْعَ بَعْلٍ ... وَلَا نَخْلٍ أَسَافِلُهَا رِوَاءُ
فَلَمّا سَمِعْتُهُنّ مِنْهُ بَكَيْت قَالَ فَخَفَقَنِي بِالدّرّةِ وَقَالَ مَا عَلَيْك يَا لُكَعُ أَنْ يَرْزُقَنِي اللّهُ شَهَادَةً وَتَرْجِعَ بَيْنَ شُعْبَتَيْ الرّحْلِ قَالَ ثُمّ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي بَعْضِ سَفَرِهِ ذَلِكَ وَهُوَ يَرْتَجِزُ
يَا زَيْدُ زَيْدَ الْيَعْمَلَاتِ الذّبّلِ ... تَطَاوَلَ اللّيْلُ هُدِيتَ فَانْزِلْ

[ لِقَاءُ الرّومِ ٍ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَمَضَى النّاسُ حَتّى إذَا كَانُوا بِتُخُومِ الْبَلْقَاءِ لَقِيَتْهُمْ جَمُوعُ هِرَقْلَ مِنْ الرّوم ِ وَالْعَرَبِ ، بِقَرْيَةِ مِنْ قُرَى الْبَلْقَاءِ يُقَالُ لَهَا مَشَارِفُ ، ثُمّ دَنَا الْعَدُوّ ، وَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا مُؤْتَةُ . فَالْتَقَى النّاسُ عِنْدَهَا فَتَعَبّأَ لَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَتِهِمْ رَجُلًا مِنْ بَنِي عُذْرَةَ يُقَالُ لَهُ قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ وَعَلَى مَيْسَرَتِهِمْ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ عُبَايَةُ بْنُ مَالِكٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عُبَادَةُ بْنُ مَالِكٍ [ ص 378 ]
[مَقْتَلُ ابْنِ حَارِثَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : تَمّ الْتَقَى النّاسُ وَاقْتَتَلُوا ، فَقَاتَلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِرَايَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى شَاطَ فِي رِمَاحِ الْقَوْمِ .

[ إمَارَةُ جَعْفَرٍ وَمَقْتَلُهُ ]
ثُمّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا ، حَتّى إذَا أَلْحَمَهُ الْقِتَالُ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ ، فَعَقَرَهَا ، ثُمّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِلَ . فَكَانَ جَعْفَرٌ أَوّلَ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَقَرَ فِي الْإِسْلَامِ . وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ حَدّثَنِي أَبِي الّذِي أَرْضَعَنِي ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرّةَ بْنِ عَوْفٍ ، وَكَانَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ قَالَ وَاَللّهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى جَعْفَرٍ حِينَ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ ثُمّ عَقَرَهَا ثُمّ قَاتَلَ حَتّى قُتِلَ وَهُوَ يَقُولُ
يَا حَبّذَا الْجَنّةُ وَاقْتِرَابُهَا ... طَيّبَةً وَبَارِدًا شَرَابُهَا
وَالرّومُ رُومٌ قَدْ دَنَا عَذَابُهَا ... كَافِرَةٌ بَعِيدَةٌ أَنْسَابُهَا
عَلَيّ إذْ لَاقَيْتُهَا ضِرَابُهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخَذَ اللّوَاءَ بِيَمِينِهِ فَقَطِعَتْ فَأَخَذَهُ بِشِمَالِهِ فَقُطِعَتْ فَاحْتَضَنَهُ بِعَضُدَيْهِ حَتّى قُتِلَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً فَأَثَابَهُ اللّهُ بِذَلِكَ جَنَاحَيْنِ فِي الْجَنّةِ يَطِيرُ بِهِمَا حَيْثُ شَاءَ . وَيُقَالُ إنّ رَجُلًا مِنْ الرّومِ ضَرَبَهُ يَوْمَئِذٍ ضَرْبَةً فَقَطَعَهُ بِنِصْفَيْنِ .

[ إمَارَةُ ابْنِ رَوَاحَةَ وَمَقْتَلُهُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 379 ] يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ حَدّثَنِي أَبِي الّذِي أَرْضَعَنِي ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرّةَ بْنِ عَوْفٍ ، قَالَ فَلَمّا قُتِلَ جَعْفَرٌ أَخَذَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ الرّايَةَ ثُمّ تَقَدّمَ بِهَا ، وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ وَيَتَرَدّدُ بَعْضَ التّرَدّدِ ثُمّ قَالَ
أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلِنّهْ ... لَتَنْزِلِنّ أَوْ لَتُكْرَهِنّهْ
إنْ أَجْلَبَ النّاسُ وَشَدّوا الرّنّهْ ... مَالِي أَرَاكِ تَكْرَهِينَ الْجَنّهْ
قَدْ طَالَ مَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنّهْ ... هَلْ أَنْتِ إلّا نُطْفَةٌ فِي شَنّهْ
وَقَالَ أَيْضًا :
يَا نَفْسُ إلّا تُقْتَلِي تَمُوتِي
هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صَلِيَتْ
وَمَا تَمَنّيْتِ فَقَدْ أُعْطِيت
إنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيت
زَيْدًا وَجَعْفَرًا ؛ ثُمّ نَزَلَ فَلَمّا نَزَلَ أَتَاهُ ابْنُ عَمّ لَهُ بِعَرْقٍ مِنْ لَحْمٍ فَقَالَ شُدّ بِهَذَا صُلْبَك ، فَإِنّك قَدْ لَقِيت فِي أَيّامِك هَذِهِ مَا لَقِيت ، فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ ثُمّ انْتَهَسَ مِنْهُ نَهْسَةً ثُمّ سَمِعَ الْحَطْمَةَ فِي نَاحِيَةِ النّاسِ فَقَالَ وَأَنْتَ فِي الدّنْيَا ثُمّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَتَقَدّمَ فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ .
[ابْنُ الْوَلِيدِ وَانْصِرَافُهُ بِالنّاسِ ]
تَمّ أَخَذَ الرّايَةَ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ أَخُو بَنِي الْعَجْلَانِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اصْطَلِحُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ قَالُوا : أَنْتَ قَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلِ . فَاصْطَلَحَ النّاسُ عَلَى [ ص 380 ] خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، فَلَمّا أَخَذَ الرّايَةَ دَافَعَ الْقَوْمَ . وَحَاشَى بِهِمْ ثُمّ انْحَازَ وَانْحِيزَ عَنْهُ حَتّى انْصَرَفَ بِالنّاسِ .

[ تَنَبّؤُ الرّسُولِ بِمَا حَدَثَ لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ الرّومِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا أُصِيبَ الْقَوْمُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي : أَخَذَ الرّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَقَاتَلَ بِهَا حَتّى قُتِلَ شَهِيدًا ، ثُمّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا حَتّى قُتِلَ شَهِيدًا ، قَالَ ثُمّ صَمَتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى تَغَيّرَتْ وُجُوهُ الْأَنْصَارِ ، وَظَنّوا أَنّهُ قَدْ كَانَ فِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بَعْضُ مَا يَكْرَهُونَ ثُمّ قَالَ ثُمّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ بِهَا حَتّى قُتِلَ شَهِيدًا ، ثُمّ قَالَ لَقَدْ رُفِعُوا إلَيّ فِي الْجَنّةِ ، فِيمَا يَرَى النّائِمُ عَلَى سُرُرٍ مِنْ ذَهَبٍ فَرَأَيْت فِي سَرِيرِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ ازْوِرَارًا عَنْ سَرِيرَيْ صَاحِبَيْهِ فَقُلْت : عَمّ هَذَا ؟ فَقِيلَ لِي : مَضَيَا وَتَرَدّدَ عَبْدُ اللّهِ بَعْضَ التّرَدّدِ ثُمّ مَضَى

[ حُزْنُ الرّسُولِ عَلَى جَعْفَرٍ وَوِصَايَتُهُ بِآلِهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أُمّ عِيسَى الْخُزَاعِيّةِ عَنْ أُمّ جَعْفَرِ بِنْتِ مُحَمّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَنْ جَدّتِهَا أَسَمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ ، قَالَتْ لَمّا أُصِيبَ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ دَبَغْت أَرْبَعِينَ مَنًا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى أَرْبَعِينَ مَنِيئَةً وَعَجَنْت عَجِينِي ، وَغَسَلْت بَنِيّ وَدَهَنْتهمْ وَنَظّفْتهمْ . قَالَتْ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ائْتِينِي بِبَنِي جَعْفَرٍ ؟ قَالَتْ فَأَتَيْته بِهِمْ فَتَشَمّمَهُمْ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ . [ ص 381 ] بِأَبِي أَنْت وَأُمّي مَا يُبْكِيك ؟ أَبَلَغَك عَنْ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ ؟ قَالَ نَعَمْ أُصِيبُوا هَذَا الْيَوْمَ . قَالَتْ فَقُمْت أَصِيحُ وَاجْتَمَعَتْ إلَيّ النّسَاءُ وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَهْلِهِ . فَقَالَ لَا تُغْفِلُوا آلَ جَعْفَرٍ مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا لَهُمْ طَعَامًا ، فَإِنّهُمْ قَدْ شُغِلُوا بِأَمْرِ صَاحِبِهِمْ وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ لَمّا أَتَى نَعْيُ جَعْفَرٍ عَرَفْنَا فِي وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحُزْنَ قَالَتْ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ النّسَاءَ عَنّيْنَنَا وَفَتَنّنَا ؟ قَالَ فَارْجِعْ إلَيْهِنّ فَأَسْكِتْهُنّ . قَالَتْ فَذَهَبَ ثُمّ رَجَعَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ تَقُولُ وَرُبّمَا ضَرّ التّكَلّفُ أَهْلَهُ قَالَتْ قَالَ فَاذْهَبْ فَأَسْكِتْهُنّ فَإِنْ أَبَيْنَ فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنّ التّرَابَ قَالَتْ وَقُلْت فِي نَفْسِي : أَبْعَدَك اللّهُ فَوَاَللّهِ مَا تَرَكْتَ نَفْسَك وَمَا أَنْتَ بِمُطِيعٍ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَتْ وَعَرَفْت أَنّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَحْثِيَ فِي أَفْوَاهِهِنّ التّرَابَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ الْعُذْرِيّ الّذِي كَانَ عَلَى مَيْمَنَةِ الْمُسْلِمِينَ قَدْ حَمَلَ عَلَى مَالِكِ بْنِ زَافِلَةَ فَقَتَلَهُ فَقَالَ قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ :
طَعَنْتُ ابْنَ زَافِلَةَ بْنِ الْإِرَا ... شِ بِرُمْحٍ مَضَى فِيهِ ثُمّ انْحَطَمْ
ضَرَبْتُ عَلَى جِيدِهِ ضَرْبَةً ... فَمَالَ كَمَا مَالَ غُصْنُ السّلَمْ
وَسُقْنَا نِسَاءَ بَنِي عَمّهِ ... غَدَاةَ رقوقين سَوْقَ النّعَمْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ " ابْنِ الْإِرَاشِ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . [ ص 382 ] خَلّادِ بْنِ قُرّةَ ؛ وَيُقَالُ مَالِكُ بْنُ رَافِلَةَ

[كَاهِنَةُ حَدَسٍ وَإِنْذَارُهَا قَوْمَهَا ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَتْ كَاهِنَةٌ مِنْ حَدَسٍ حِينَ سَمِعَتْ بِجَيْشِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُقْبِلًا ، قَدْ قَالَتْ لِقَوْمِهَا مِنْ حَدَسٍ وَقَوْمُهَا بَطْنٌ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو غَنْمٍ أُنْذِرُكُمْ قَوْمًا خُزْرًا ، يَنْظُرُونَ شَزْرًا ، وَيَقُودُونَ الْخَيْلَ تَتْرَى ، ويُهْرِيقُونَ دَمًا عَكْرًا . فَأَخَذُوا بِقَوْلِهَا ، وَاعْتَزَلُوا مِنْ بَيْنِ لَخْمٍ ؟ فَلَمْ تَزَلْ بَعْدُ أَثْرَى حَدَسٍ . وَكَانَ الّذِينَ صَلَوْا الْحَرْبَ يَوْمَئِذٍ بَنُو ثَعْلَبَةَ بَطْنٌ مِنْ حَدَسٍ فَلَمْ يَزَالُوا قَلِيلًا بَعْدُ . فَلَمّا انْصَرَفَ خَالِدٌ بِالنّاسِ أَقْبَلَ بِهِمْ قَافِلًا .
[ رُجُوعُ الْجَيْشِ وَتَلَقّي الرّسُولِ لَهُ وَغَضَبُ الْمُسْلِمِينَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ . قَالَ لَمّا دَنَوْا مِنْ حَوْلِ الْمَدِينَةِ تَلَقّاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ . قَالَ وَلَقِيَهُمْ الصّبْيَانُ يَشْتَدّونَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُقْبِلٌ مَعَ الْقَوْمِ عَلَى دَابّةٍ فَقَالَ خُذُوا الصّبْيَانَ فَاحْمِلُوهُمْ ، وَأَعْطُونِي ابْنَ جَعْفَرٍ . فَأَتَى بِعَبْدِ اللّهِ فَأَخَذَهُ فَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ . قَالَ وَجَعَلَ النّاسُ يَحْثُونَ عَلَى الْجَيْشِ التّرَابَ وَيَقُولُونَ يَا فُرّارُ فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ فَيَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْسُوا بِالْفُرّارِ وَلَكِنّهُمْ الْكُرّارُ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ بَعْضِ آلِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ : وَهُمْ أَخْوَالُهُ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ [ ص 383 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ لِامْرَأَةِ سَلَمَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ مَالِي لَا أَرَى سَلَمَةَ يَحْضُرُ الصّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعَ الْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَتْ وَاَللّهِ مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ كُلّمَا خَرَجَ صَاحَ بِهِ النّاسُ يَا فُرّارُ فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ حَتّى قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَمَا يَخْرُجُ

[ شِعْرُ قَيْسٍ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ تَقَهْقُرِ خَالِدٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ قَالَ فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ النّاسِ وَأَمْرِ خَالِدٍ وَمُخَاشَاتِهِ بِالنّاسِ وَانْصِرَافِهِ بِهِمْ قَيْسُ بْنُ الْمُسَحّرِ الْيَعْمَرِيّ ، يَعْتَذِرُ مِمّا صَنَعَ يَوْمَئِذٍ وَصَنَعَ النّاسُ
فَوَاَللّهِ لَا تَنْفَكّ نَفْسِي تَلُومُنِي ... عَلَى مَوْقِفِي وَالْخَيْلُ قَابِعَةٌ قُبْلُ
وَقَفْتُ بِهَا لَا مُسْتَجِيرًا فَنَافِذًا ... وَلَا مَانِعًا مَنْ كَانَ حُمّ لَهُ الْقَتْلُ
عَلَى أَنّنِي آسَيْتُ نَفْسِي بِخَالِدِ ... أَلَا خَالِدٌ فِي الْقَوْمِ لَيْسَ لَهُ مِثْلُ
وَجَاشَتْ إلَيّ النّفْسُ مِنْ نَحْوِ جَعْفَرٍ ... بِمُؤْتَةِ إذْ لَا يَنْفَعُ النّابِلَ النّبْلُ
وَضَمّ إلَيْنَا حَجْزَتَيْهِمْ كِلَيْهِمَا ... مُهَاجِرَةٌ لَا مُشْرِكُونَ وَلَا عُزْلُ
فَبَيّنَ قَيْسٌ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ النّاسُ مِنْ ذَلِكَ فِي شِعْرِهِ أَنّ الْقَوْمَ حَاجَزُوا وَكَرِهُوا الْمَوْتَ وَحَقّقَ انْحِيَازَ خَالِدٍ بِمَنْ مَعَهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَأَمّا الزّهْرِيّ فَقَالَ فِيمَا بَلَغَنَا عَنْهُ أَمّرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، فَفَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَتّى قَفَلَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ

[ شِعْرُ حَسّانَ فِي بُكَاءِ قَتْلَى مُؤْتَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّا بُكِيَ بِهِ أَصْحَابُ مُؤْتَةَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَوْلُ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ : [ ص 384 ] [ ص 385 ]
تَأَوّبَنِي لَيْلٌ بِيَثْرِبَ أَعْسَرُ ... وَهَمّ إذَا مَا نَوّمَ النّاسُ مُسْهِرُ
لِذِكْرِ حَبِيبٍ هَيّجَتْ لِي عَبْرَةً ... سَفُوحًا وَأَسْبَابُ الْبُكَاءِ التّذَكّرُ
بَلَى ، إنّ فِقْدَانَ الْحَبِيبِ بَلِيّةٌ ... وَكَمْ مِنْ كَرِيمٍ يُبْتَلَى ثُمّ يَصْبِرُ
رَأَيْتُ خِيَارَ الْمُومِنِينَ تَوَارَدُوا ... شَعُوبَ وَخَلْفًا بَعْدَهُمْ يَتَأَخّرُ
فَلَا يُبْعِدَنّ اللّهُ قَتْلَى تَتَابَعُوا ... بِمُؤْتَة ِ مِنْهُمْ ذُو الْجَنَاحَيْنِ جَعْفَرُ
وَزَيْدٌ وَعَبْدُ اللّهِ حِينَ تَتَابَعُوا ... جَمِيعًا وَأَسْبَابُ الْمَنِيّةِ تَخْطِرُ
غَدَاةَ مَضَوْا بِالْمُؤْمِنِينَ يَقُودُهُمْ ... إلَى الْمَوْتِ مَيْمُونُ النّقِيبَةِ أَزْهَرُ
أَغَرّ كَضَوْءِ الْبَدْرِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... أَبِيّ إذَا سِيمَ الظّلَامَةَ مِجْسَرُ
فَطَاعَنَ حَتّى مَالَ غَيْرَ مُوَسّدٍ ... لِمُعْتَرَكٍ فِيهِ قَنًا مُتَكَسّرُ
فَصَارَ مَعَ الْمُسْتَشْهَدِينَ ثَوَابَهُ ... جِنَانٌ وَمُلْتَفّ الْحَدَائِقِ أَخْضَرُ
وَكُنّا نَرَى فِي جَعْفَرٍ مِنْ مُحَمّدٍ ... وَفَاءً وَأَمْرًا حَازِمًا حِينَ يَأْمُرُ
فَمَا زَالَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... دَعَائِمُ عِزّ لَا يَزُلْنَ وَمَفْخَرُ
هُمْ جَبَلُ الْإِسْلَامِ وَالنّاسُ حَوْلَهُمْ ... رِضَامٌ إلَى طَوْدٍ يَرْوَقُ وَيُقْهَرُ
بَهَالِيلُ مِنْهُمْ جَعْفَرٌ وَابْنُ أُمّهِ ... عَلِيّ وَمِنْهُمْ أَحْمَدُ الْمُتَخَيّرُ
وَحَمْزَةُ وَالْعَبّاسُ مِنْهُمْ وَمِنْهُمْ ... عَقِيلٌ وَمَاءُ الْعُودِ مِنْ حَيْثُ يُعْصَرُ
بِهِمْ تُفْرَجُ اللّأْوَاءُ فِي كُلّ مَأْزِقٍ ... عَمَاسٍ إذَا مَا ضَاقَ بِالنّاسِ مَصْدَرُ
هُمْ أَوْلِيَاءُ اللّهِ أَنْزَلَ حُكْمَهُ ... عَلَيْهِمْ وَفِيهِمْ ذَا الْكِتَابُ الْمُطَهّرُ

[ شِعْرُ كَعْبٍ فِي بُكَاءِ قَتْلَى مُؤْتَةَ ]
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ : [ ص 386 ]
نَامَ الْعُيُونُ وَدَمْعُ عَيْنِك يَهْمُلُ ... سَحّا كَمَا وَكَفَ الطّبَابُ الْمُخْضَلُ
فِي لَيْلَةٍ وَرَدَتْ عَلَيّ هُمُومُهَا ... طَوْرًا أَحِنّ وَتَارَةً أَتَمَلْمَلُ
وَاعْتَادَنِي حُزْنٌ فَبِتّ كَأَنّنِي بِبَنَاتِ ... نَعْشٍ وَالسّمَاكِ مُوَكّلُ
وَكَأَنّمَا بَيْنَ الْجَوَانِحِ وَالْحَشَى ... مِمّا تَأَوّبَنِي شِهَابٌ مُدْخَلُ
وَجْدًا عَلَى النّفَرِ الّذِينَ تَتَابَعُوا ... يَوْمًا بِمُؤْتَة ِ أُسْنِدُوا لَمْ يُنْقَلُوا
صَلّى الْإِلَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ فِتْيَةٍ ... وَسَقَى عِظَامَهُمْ الْغَمَامُ الْمُسْبِلُ
صَبَرُوا بِمُؤْتَة ِ لِلْإِلَهِ نُفُوسَهُمْ ... حَذَرَ الرّدَى وَمَخَافَةً أَنْ يَنْكُلُوا
فَمَضَوْا أَمَامَ الْمُسْلِمِينَ كَأَنّهُمْ ... فُنُقٌ عَلَيْهِنّ الْحَدِيدُ الْمُرْفَلُ
إذْ يَهْتَدُونَ بِجَعْفَرٍ وَلِوَائِهِ ... قُدّامَ أَوّلِهِمْ فَنِعْمَ الْأَوّلُ
حَتّى تَفَرّجَتْ الصّفُوفُ وَجَعْفَرٌ ... حَيْثُ الْتَقَى وَعْثُ الصّفُوفِ مُجَدّلُ
فَتَغَيّرَ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ لِفَقْدِهِ ... وَالشّمْسُ قَدْ كَسَفَتْ وَكَادَتْ تَأْفِلُ
قَرْمٌ عَلَا بُنْيَانُهُ مِنْ هَاشِمٍ ... فَرْعًا أَشَمّ وَسُؤْدُدًا مَا يُنْقَلُ
قَوْمٌ بِهِمْ عَصَمَ الْإِلَهُ عِبَادَهُ ... وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْكِتَابُ الْمُنْزَلُ
فَضَلُوا الْمَعَاشِرَ عِزّةً وَتَكَرّمًا ... وَتَغَمّدَتْ أَحْلَامُهُمْ مَنْ يَجْهَلُ
لَا يُطْلِقُونَ إلَى السّفَاهِ حُبَاهُمْ ... وَيُرَى خَطِيبُهُمْ بِحَقّ يَفْصِلُ
بِيضُ الْوُجُوهِ تُرَى بُطُونُ أَكُفّهِمْ ... تَنْدَى إذَا اعْتَذَرَ الزّمَانُ الْمُمْحِلُ
وَبِهَدْيِهِمْ رَضِيَ الْإِلَهُ لِخَلْقِهِ ... وَبِجَدّهِمْ نُصِرَ النّبِيّ الْمُرْسَلُ

[ شِعْرُ حَسّانَ فِي بُكَاءِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ]
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ [ ص 387 ]
وَلَقَدْ بَكَيْتُ وَعَزّ مُهْلَكُ جَعْفَرٍ ... حِبّ النّبِيّ عَلَى الْبَرِيّةِ كُلّهَا
وَلَقَدْ جَزِعْت وَقُلْت حِينَ نُعِيتَ لِي ... مَنْ لِلْجِلَادِ لَدَى الْعُقَابِ وَظِلّهَا
بِالْبِيضِ حِينَ تُسَلّ مِنْ أَغْمَادِهَا ... ضَرْبًا وَإِنْهَالِ الرّمَاحِ وَعَلّهَا
بَعْدَ ابْنِ فَاطِمَةَ الْمُبَارَكِ جَعْفَرٍ ... خَيْرِ الْبَرِيّةِ كُلّهَا وَأَجَلّهَا
رُزْءًا وَأَكْرَمِهَا جَمِيعًا مَحْتِدًا ... وَأَعَزّهَا مُتَظَلّمًا وَأَزَلّهَا
لِلْحَقّ حِينَ يَنُوبُ غَيْرَ تَنَحّلٍ ... كَذِبًا ، وَأَنْدَاهَا يَدًا وَأَقَلّهَا
فُحْشًا وَأَكْثَرِهَا إذَا مَا يُجْتَدَى ... فَضْلًا ، وَأَبْذَلِهَا نَدَى ، وَأَبَلّهَا
بِالْعُرْفِ غَيْرَ مُحَمّدٍ لَا مِثْلُهُ ... حَيّ مِنْ احْيَاءِ الْبَرِيّةِ كُلّهَا

[ شِعْرُ حَسّانَ فِي بُكَاءِ ابْنِ حَارِثَةَ وَابْنِ رَوَاحَةَ ]
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي يَوْمِ مُؤْتَةَ يَبْكِي زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ [ ص 388 ]
عَيْنِ جُودِي بِدَمْعِك الْمَنْزُورِ ... وَاذْكُرِي فِي الرّخَاءِ أَهْلَ الْقُبُورِ
وَاذْكُرِي مُؤْتَةً وَمَا كَانَ فِيهَا ... يَوْمَ رَاحُوا فِي وَقْعَةِ التّغْوِيرِ
حِينَ رَاحُوا وَغَادَرُوا ثَمّ زَيْدًا ... نِعْمَ مَأْوَى الضّرِيكِ وَالْمَأْسُورِ
حِبّ خَيْرِ الْأَنَامِ طُرّا جَمِيعًا ... سَيّدَ النّاسِ حُبّهُ فِي الصّدُورِ
ذَاكُمْ أَحْمَدُ الّذِي لَا سِوَاهُ ... ذَاكَ حُزْنِي لَهُ مَعًا وَسُرُورِي
إنّ زَيْدًا قَدْ كَانَ مِنّا بِأَمْرٍ ... لَيْسَ أَمْرَ الْمُكَذّبِ الْمَغْرُورِ
ثُمّ جُودِي لِلْخَزْرَجِيّ بِدَمْعٍ ... سَيّدًا كَانَ ثَمّ غَيْرَ نَزُورِ
قَدْ أَتَانَا مِنْ قَتْلِهِمْ مَا كَفَانَا ... فَبِحُزْنٍ نَبِيتُ غَيْرَ سُرُورِ
وَقَالَ شَاعِرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمّنْ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ :
كَفَى حَزَنًا أَنّي رَجَعْتُ وَجَعْفَرٌ ... وَزَيْدٌ وَعَبْدُ اللّهِ فِي رَمْسِ أَقْبُرْ
قَضَوْا نَحْبَهُمْ لَمّا مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ ... وَخُلّفْتُ لِلْبَلْوَى مَعَ الْمُتَغَبّرِ
ثَلَاثَةُ رَهْطٍ قُدّمُوا فَتَقَدّمُوا ... إلَى وَرْدِ مَكْرُوهٍ مِنْ الْمَوْتِ أَحْمَرِ

[ شُهَدَاءُ مُؤْتَةَ ]
وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ مُؤْتَةَ . مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ : مَسْعُودُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ نَضْلَةَ . وَمِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ وَهْبُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ . وَمِنْ الْأَنْصَارِ ثُمّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، وَعَبّادُ بْنُ قَيْسٍ . وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ الْحَارِثُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ أَسَافَ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ . وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ سُرَاقَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطِيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَمِمّنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ مُؤْتَةَ ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ : [ ص 389 ] بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ أَبُو كُلَيْبٍ وَجَابِرٌ ابْنَا عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولٍ وَهُمَا لِأَبٍ وَأُمّ . وَمِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ أَفْصَى : عَمْرٌو وَعَامِرٌ ابْنَا سَعْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبّادِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَفْصَى . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ أَبُو كِلَابٍ وَجَابِرٌ ابْنَا عَمْرٍو .

ذِكْرُ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ الْمَسِيرَ إلَى مَكّةَ وَذِكْرُ فَتْحِ مَكّةَ
فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ بَعْثِهِ إلَى مُؤْتَةَ جُمَادَى الْآخِرَةَ وَرَجَبًا . ثُمّ إنّ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ عَدَتْ عَلَى خُزَاعَةَ ، وَهُمْ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ بِأَسْفَلِ مَكّةَ يُقَالُ لَهُ الْوَتِيرُ ، وَكَانَ الّذِي هَاجَ مَا بَيْنَ بَنِي بَكْرٍ وَخُزَاعَةَ أَنّ رَجُلًا مِنْ بَنِي الْحَضْرَمِيّ وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ عَبّادٍ وَحِلْفُ الْحَضْرَمِيّ يَوْمَئِذٍ إلَى الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ خَرَجَ تَاجِرًا ، فَلَمّا تَوَسّطَ أَرْضَ خُزَاعَةَ ، عَدَوْا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا مَالَهُ فَعَدَتْ بَنُو بَكْرٍ عَلَى رَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ فَقَتَلُوهُ فَعَدَتْ خُزَاعَةُ قُبَيْلَ الْإِسْلَامِ عَلَى بَنِي الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ الدّيلِيّ وَهُمْ مَنْخَرُ بَنِي كِنَانَةَ وَأَشْرَافُهُمْ سَلْمَى وَكُلْثُومٌ وَذُؤَيْبٌ فَقَتَلُوهُمْ بِعَرَفَةَ عِنْدَ أَنْصَابِ الْحَرَمِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي الدّيلِ ، قَالَ كَانَ بَنُو الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ يُودَوْنَ فِي الْجَاهِلِيّةِ دِيَتَيْنِ دِيَتَيْنِ وَنُودَى دِيَةً دِيَةً لِفَضْلِهِمْ فِينَا [ ص 390 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَبَيْنَا بَنُو بَكْرٍ وَخُزَاعَةُ عَلَى ذَلِكَ حَجَزَ بَيْنَهُمْ الْإِسْلَامُ وَتَشَاغَلَ النّاسُ بِهِ فَلَمّا كَانَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ كَانَ فِيمَا شَرَطُوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَشَرَطَ لَهُمْ كَمَا حَدّثَنِي الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَائِنَا : أَنّهُ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَهْدِهِ فَلْيَدْخُلْ فِيهِ وَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ فَلْيَدْخُلْ فِيهِ فَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ وَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَهْدِهِ . الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ ، كَانَ فِيمَا شَرَطُوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَشَرَطَ لَهُمْ كَمَا حَدّثَنِي الزّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَائِنَا : أَنّهُ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَهْدِهِ فَلْيَدْخُلْ فِيهِ وَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ فَلْيَدْخُلْ فِيهِ فَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ وَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَهْدِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا كَانَتْ الْهُدْنَةُ اغْتَنَمَهَا بَنُو الدّيلِ مِنْ بَنِي بَكْرٍ مِنْ خُزَاعَةَ ، وَأَرَادُوا أَنْ يُصِيبُوا مِنْهُمْ ثَأْرًا بِأُولَئِكَ النّفَرِ الّذِينَ أَصَابُوا مِنْهُمْ بِبَنِي الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ فَخَرَجَ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدّيلِيّ فِي بَنِي الدّيلِ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَائِدُهُمْ وَلَيْسَ كُلّ بَنِي بَكْرٍ تَابَعَهُ حَتّى بَيّتَ خُزَاعَةَ وَهُمْ عَلَى الْوَتِيرِ ، مَاءٌ لَهُمْ فَأَصَابُوا مِنْهُمْ رَجُلًا ، وَتَحَاوَزُوا وَاقْتَتَلُوا ، وَرَفَدَتْ بَنِي بَكْرٍ قُرَيْشٌ بِالسّلَاحِ وَقَاتَلَ مَعَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ مَنْ قَاتَلَ بِاللّيْلِ مُسْتَخْفِيًا ، حَتّى حَازُوا خُزَاعَةَ إلَى الْحَرَمِ ، فَلَمّا انْتَهَوْا إلَيْهِ قَالَتْ بَنُو بَكْرٍ يَا نَوْفَلُ إنّا قَدْ دَخَلْنَا الْحَرَمَ ، إلَهَكَ إلَهَكَ فَقَالَ كَلِمَةً عَظِيمَةً لَا إلَهَ لَهُ الْيَوْمَ يَا بَنِي بَكْرٍ أَصِيبُوا ثَأْرَكُمْ فَلَعَمْرِي إنّكُمْ لَتَسْرِقُونَ فِي الْحَرَمِ ، أَفَلَا تُصِيبُونَ ثَأْرَكُمْ فِيهِ وَقَدْ أَصَابُوا مِنْهُمْ لَيْلَةَ بَيّتُوهُمْ بِالْوَتِيرِ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ مُنَبّهٌ وَكَانَ مُنَبّهٌ رَجُلًا مَفْئُودًا خَرَجَ هُوَ وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ تَمِيمُ بْنُ أَسَدٍ وَقَالَ لَهُ مُنَبّهٌ يَا تَمِيمُ اُنْجُ بِنَفْسِك ، فَأَمّا أَنَا فَوَاَللّهِ إنّي لَمَيّتٌ قَتَلُونِي أَوْ تَرَكُونِي ، لَقَدْ انْبَتّ فُؤَادِي ، وَانْطَلَقَ تَمِيمٌ فَأَفْلَتْ وَأَدْرَكُوا مُنَبّهًا فَقَتَلُوهُ فَلَمّا دَخَلَتْ [ ص 391 ] خُزَاعَةُ مَكّةَ ، لَجَئُوا إلَى دَارِ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ وَدَارِ مَوْلَى لَهُمْ يُقَالُ لَهُ رَافِعٌ فَقَالَ تَمِيمُ بْنُ أَسَدٍ يَعْتَذِرُ مِنْ فِرَارِهِ عَنْ مُنَبّهٍ

[ شِعْرُ تَمِيمٍ فِي الِاعْتِذَارِ مِنْ فِرَارِهِ عَنْ مُنَبّهٍ ]
لَمّا رَأَيْتُ بَنِي نُفَاثَةَ أَقْبَلُوا ... يَغْشَوْنَ كُلّ وَتِيرَةٍ وَحِجَابِ
صَخْرًا وَرَزْنًا لَا عَرِيبَ سِوَاهُمْ ... يُزْجُونَ كُلّ مُقَلّصٍ خَنّابِ
وَذَكَرْتُ ذَحْلًا عِنْدَنَا مُتَقَادِمًا ... فِيمَا مَضَى مِنْ سَالِفِ الْأَحْقَابِ
ونَشَيْتُ رِيحَ الْمَوْتِ مِنْ تِلْقَائِهِمْ ... وَرَهِبْتُ وَقْعَ مُهَنّدٍ قَضّابِ
وَعَرَفْت أَنْ مَنْ يَثْقَفُوهُ يَتْرُكُوا ... لَحْمًا لِمُجْرِيَةٍ وَشِلْوَ غُرَابِ
قَوّمْتُ رِجْلًا لَا أَخَافُ عِثَارَهَا ... وَطَرَحْت بِالْمَتْنِ الْعَرَاءِ ثِيَابِي
وَنَجَوْتُ لَا يَنْجُو نَجَائِي أحْقَبٌ ... عِلْجٌ أَقَبّ مُشَمّرُ الْأَقْرَابِ
تَلْحَى وَلَوْ شَهِدَتْ لَكَانَ نَكِيرُهَا ... بَوْلًا يَبُلّ مَشَافِرَ الْقَبْقَابِ
الْقَوْمُ أَعْلَمُ مَا تَرَكْتُ مُنَبّهًا ... عَنْ طِيبِ نَفْسٍ فَاسْأَلِي أَصْحَابِي
[ ص 392 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَتُرْوَى لِحَبِيبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ( الْأَعْلَمِ ) الْهُذَلِيّ وَبَيْتُهُ " وَذَكَرْت ذَحْلًا عِنْدَنَا مُتَقَادِمًا " عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَقَوْلُهُ " خَنّابِ " وَ " عِلْجٌ أَقَبّ مُشَمّرُ الْأَقْرَابِ " عنه أيضا .

[ شِعْرُ الْأَخْزَرِ فِي الْحَرْبِ بَيْنَ كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ الْأَخْزَرُ بْنُ لُعْطٍ الدّيلِيّ فِيمَا كَانَ بَيْنَ كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ فِي تِلْكَ الْحَرْبِ
أَلَا هَلْ أَتَى قُصْوَى الْأَحَابِيشِ أَنّنَا ... رَدَدْنَا بَنِي كَعْبٍ بِأَفْوَقِ نَاصِلِ
حَبَسْنَاهُمْ فِي دَارَةِ الْعَبْدِ رَافِعٍ ... وَعِنْدَ بُدَيْلٍ مَحْبِسًا غَيْرَ طَائِلِ
بِدَارِ الذّلِيلِ الْآخِذِ الضّيْمِ بَعْدَمَا ... شَفَيْنَا النّفُوسَ مِنْهُمْ بِالْمَنَاصِلِ
حَبَسْنَاهُمْ حَتّى إذَا طَالَ يَوْمُهُمْ ... نَفَحْنَا لَهُمْ مِنْ كُلّ شِعْبٍ بِوَابِلِ
نُذَبّحْهُمُ ذَبْحَ التّيُوسِ كَأَنّنَا ... أَسُودٌ تَبَارَى فِيهِمْ بِالْقَوَاصِلِ
هُمْ ظَلَمُونَا واعَتَدَوْا فِي مَسِيرِهِمْ ... وَكَانُوا لَدَى الْأَنْصَابِ أَوّلَ قَاتِلِ
كَأَنّهُمْ بِالْجِزْعِ إذْ يَطْرُدُونَهُمْ ... بِفَاثُورَ حُفّانُ النّعَامِ الْجَوَافِلِ

[ شِعْرُ بُدَيْلٍ فِي الرّدّ عَلَى الْأَخْزَرِ ]
فَأَجَابَهُ [ ص 393 ] بُدَيْلُ بْنُ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَجَبّ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ بُدَيْلُ بْنُ أُمّ أَصْرَم ، فَقَالَ
تَفَاقَدَ قَوْمٌ يَفْخَرُونَ وَلَمْ نَدَعْ ... لَهُمْ سَيّدًا يَنْدُوهُمُ غَيْرَ نَافِلِ
أَمِنْ خِيفَةِ الْقَوْمِ الْأُلَى تَزْدَرِيهِمْ ... تُجِيزُ الْوَتِيرَ خَائِفًا غَيْرَ آئِلِ
وَفِي كُلّ يَوْمٍ نَحْنُ نَحْبُو حِبَاءَنَا ... لِعَقْلٍ وَلَا يُحْبَى لَنَا فِي الْمَعَاقِلِ
وَنَحْنُ صَبَحْنَا بِالتّلَاعَةِ دَارَكُمْ ... بِأَسْيَافِنَا يَسْبِقْنَ لَوْمَ الْعَوَاذِلِ
وَنَحْنُ مَنَعْنَا بَيْنَ بَيْضٍ وَعِتْوَدٍ ... إلَى خَيْفِ رَضْوَى مِنْ مِجَرّ الْقَنَابِلِ
وَيَوْمَ الْغَمِيمِ قَدْ تَكَفّتَ سَاعِيًا ... عُبَيْسٌ فَجَعْنَاهُ بِجَلْدٍ حُلَاحِلِ
أَأَنْ أَجْمَرَتْ فِي بَيْتِهَا أُمّ بَعْضِكُمْ ... بِجُعْمُوسِهَا تَنْزُونَ أَنْ لَمْ نُقَاتِلْ
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللّهِ مَا إنْ قَتَلْتُمْ ... وَلَكِنْ تَرَكْنَا أَمْرَكُمْ فِي بَلَابِلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ " غَيْرَ نَافِلِ " ، وَقَوْلُهُ " إلَى خَيْفِ رَضْوَى " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .

[ شِعْرُ حَسّانَ فِي الْحَرْبِ بَيْنَ كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [ ص 394 ] وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ
لَحَا اللّهُ قَوْمًا لَمْ نَدَعْ مِنْ سَرَاتِهِمْ ... لَهُمْ أَحَدًا يَنْدُوهُمُ غَيْرَ نَاقِبْ
أَخُصْيَيْ حِمَارٍ مَاتَ بِالْأَمْسِ نَوْفَلًا ... مَتَى كُنْتَ مِفْلَاحًا عَدُوّ الْحَقَائِبِ
[ شِعْرُ عَمْرٍو الْخُزَاعِيّ لِلرّسُولِ يَسْتَنْصِرُهُ وَرَدّهُ عَلَيْهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا تَظَاهَرَتْ بَنُو بَكْرٍ وَقُرَيْشٌ عَلَى خُزَاعَةَ ، وَأَصَابُوا مِنْهُمْ مَا أَصَابُوا ، وَنَقَضُوا مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ بِمَا اسْتَحَلّوا مِنْ خُزَاعَةَ ، وَكَانَ فِي عَقْدِهِ وَعَهْدِهِ خَرَجَ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيّ ثُمّ أَحَدُ بَنِي كَعْبٍ حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمّا هَاجَ فَتْحَ مَكّةَ ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ النّاسِ فَقَالَ [ ص 395 ]
يَا رَبّ إنّي نَاشِدٌ مُحَمّدًا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا
قَدْ كُنْتُمْ وُلْدًا وَكُنّا وَالِدَا ... ثُمّتَ أَسْلَمْنَا فَلَمْ نَنْزِعْ يَدَا
فَانْصُرْ هَدَاكَ اللّهُ نَصْرًا أَعْتَدَا ... وَادْعُ عِبَادَ اللّهِ يَأْتُوا مَدَدَا
فِيهِمْ رَسُولُ اللّهِ قَدْ تَجَرّدَا ... إنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبّدَا
فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبِدًا ... إنّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوك الْمَوْعِدَا
وَنَقَضُوا مِيثَاقَك الْمُوَكّدَا ... وَجَعَلُوا لِي فِي كَدَاءٍ رُصّدَا
وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتُ أَدْعُو أَحَدَا ... وَهُمْ أَذَلّ وَأَقَلّ عَدَدَا
هُمْ بَيّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجّدًا ... وَقَتَلُونَا رُكّعًا وَسُجّدَا
( يَقُولُ قُتِلْنَا وَقَدْ أَسْلَمْنَا ) . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى أَيْضًا : فَانْصُرْ هَدَاك اللّهُ نَصْرًا أَيّدَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى أَيْضًا : نَحْنُ وَلَدْنَاك فَكُنْت وَلَدًا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نُصِرْتَ يَا عَمْرَو بْنُ سَالِمٍ . ثُمّ عَرَضَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنَانٌ مِنْ السّمَاءِ فَقَالَ إنّ هَذِهِ السّحَابَةَ لَتَسْتَهِلّ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ

[ ذَهَابُ ابْنِ وَرْقَاءَ إلَى الرّسُولِ بِالْمَدِينَةِ شَاكِيًا وَتَعَرّفُ أَبِي سُفْيَانَ أَمْرَهُ ]
ثُمّ [ ص 396 ] خَرَجَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي نَفَرٍ مِنْ خُزَاعَةَ حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَأَخْبَرُوهُ بِمَا أُصِيبَ مِنْهُمْ وَبِمُظَاهَرَةِ قُرَيْشٍ بَنِي بَكْرٍ عَلَيْهِمْ . ثُمّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ إلَى مَكّةَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلنّاسِ كَأَنّكُمْ بِأَبِي سُفْيَانَ قَدْ جَاءَكُمْ لِيَشُدّ الْعَقْدَ وَيَزِيدَ فِي الْمُدّةِ . وَمَضَى بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ وَأَصْحَابُهُ حَتّى لَقُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ بِعُسْفَانَ قَدْ بَعَثَتْهُ قُرَيْشٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَشُدّ الْعَقْدَ وَيَزِيدَ فِي الْمُدّةِ وَقَدْ رَهِبُوا الّذِي صَنَعُوا . فَلَمّا لَقِيَ أَبُو سُفْيَانَ بُدَيْلِ بْنَ وَرْقَاءَ قَالَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْت يَا بُدَيْلُ وَظَنّ أَنّهُ قَدْ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ تَسَيّرْت فِي خُزَاعَةَ فِي هَذَا السّاحِلِ ، وَفِي بَطْنِ هَذَا الْوَادِي ، قَالَ أَوَ مَا جِئْت مُحَمّدًا ؟ قَالَ لَا ، فَلَمّا رَاحَ بُدَيْلِ إلَى مَكّةَ ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لَئِنْ جَاءَ بُدَيْلِ الْمَدِينَةَ لَقَدْ عَلَفَ بِهَا النّوَى فَأَتَى مَبْرَكَ رَاحِلَتِهِ فَأَخَذَ مِنْ بَعْرِهَا فَفَتّهُ فَرَأَى فِيهِ النّوَى . فَقَالَ أَحْلِفُ بِاَللّهِ لَقَدْ جَاءَ بُدَيْلِ مُحَمّدًا .

[ خُرُوجُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى الْمَدِينَةِ لِلصّلْحِ وَإِخْفَاقُه ]
ثُمّ خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ فَلَمّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَوَتْهُ عَنْهُ فَقَالَ يَا بُنَيّةُ ؟ مَا أَدْرِي أَرَغِبْت بِي عَنْ هَذَا الْفِرَاشِ أَمْ رَغِبْت بِهِ عَنّي ؟ قَالَتْ بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنْتَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ نَجَسٌ وَلَمْ أُحِبّ أَنْ تَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ أَصَابَك يَا بُنَيّةُ بَعْدِي شَرّ . ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَلّمَهُ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ شَيْئًا ، ثُمّ ذَهَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَكَلّمَهُ أَنْ يُكَلّمَ لَهُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلِ ثُمّ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ فَكَلّمَهُ فَقَالَ أَأَنَا أَشْفَعُ لَكُمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ فَوَاَللّهِ لَوْ لَمْ أَجِدْ إلّا الذّرّ لَجَاهَدْتُكُمْ بِهِ . ثُمّ خَرَجَ فَدَخَلَ عَلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَضِيَ عَنْهَا ، وَعِنْدَهَا حَسَنُ بْنُ عَلِيّ غُلَامٌ يَدِبّ بَيْنَ يَدَيْهَا ، فَقَالَ يَا عَلِيّ إنّك أَمَسّ الْقَوْمِ بِي رَحِمًا ، وَإِنّي قَدْ جِئْت فِي حَاجَةٍ فَلَا أَرْجِعَنّ كَمَا جِئْت خَائِبًا ، فَاشْفَعْ لِي إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ وَيْحَك يَا أَبَا سُفْيَانَ وَاَللّهِ لَقَدْ عَزَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى أَمْرٍ مَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُكَلّمَهُ فِيهِ . فَالْتَفَتَ إلَى فَاطِمَةَ فَقَالَ يَا بْنَةَ مُحَمّدٍ ؟ هَلْ لَك أَنْ تَأْمُرِي بُنَيّك هَذَا فَيُجِيرَ بَيْنَ النّاسِ فَيَكُونَ سَيّدَ الْعَرَبِ إلَى آخِرِ الدّهْرِ ؟ قَالَتْ وَاَللّهِ مَا بَلَغَ بُنَيّ ذَاكَ أَنْ يُجِيرَ بَيْنَ النّاسِ وَمَا يُجِيرُ أَحَدٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَا أَبَا الْحَسَنِ إنّي أَرَى الْأُمُورَ قَدْ اشْتَدّتْ عَلَيّ فَانْصَحْنِي ، قَالَ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ لَك شَيْئًا يُغْنِي عَنْك شَيْئًا ، وَلَكِنّك سَيّدُ بَنِي كِنَانَةَ فَقُمْ فَأَجِرْ بَيْنَ النّاسِ ثُمّ الْحَقْ بِأَرْضِك ، قَالَ أَوَ تَرَى ذَلِكَ مُغْنِيًا عَنّي شَيْئًا ؟ قَالَ لَا وَاَللّهِ مَا أَظُنّهُ وَلَكِنّي لَا أَجِدُ لَك غَيْرَ ذَلِكَ . فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّي قَدْ أَجَرْتُ بَيْنَ النّاسِ . ثُمّ رَكِبَ بَعِيرَهُ فَانْطَلَقَ فَلَمّا قَدِمَ عَلَى قُرَيْشٍ ، قَالُوا : مَا وَرَاءَك ؟ قَالَ جِئْتُ مُحَمّدًا فَكَلّمْته ، فَوَاَللّهِ مَا رَدّ عَلَيّ شَيْئًا ، ثُمّ جِئْت ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ خَيْرًا ، ثُمّ جِئْت ابْنَ الْخَطّابِ فَوَجَدْته أَدْنَى الْعَدُوّ [ ص 397 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَعْدَى الْعَدُوّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ جِئْت عَلِيّا فَوَجَدْته أَلْيَنَ الْقَوْمِ وَقَدْ أَشَارَ عَلَيّ بِشَيْءِ صَنَعْتُهُ فَوَاَللّهِ مَا أَدْرِي هَلْ يُغْنِي ذَلِك شَيْئًا أَمْ لَا ؟ قَالُوا : وَبِمَ أَمَرَك ؟ قَالَ أَمَرَنِي أَنْ أُجِيرَ بَيْنَ النّاسِ فَفَعَلْت ، قَالُوا : فَهَلْ أَجَازَ ذَلِكَ مُحَمّدٌ ؟ قَالَ لَا ، قَالُوا : وَيْلَك وَاَللّهِ إنْ زَادَ الرّجُلُ عَلَى أَنْ لَعِبَ بِك ، فَمَا يُغْنِي عَنْك مَا قُلْت . قَالَ لَا وَاَللّهِ مَا وَجَدْت غَيْرَ ذَلِكَ .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

طبقات خليفة خليفة بن خياط أبو عمر شباب/الليثي العصفري/ت. الوفاة : 240 .

 طبقات خليفة  خليفة بن خياط أبو عمر شباب/الليثي العصفري/ت. الوفاة : 240 .  الطبقات قال حدثنا خليفة بن خياط شباب أبو عمرو الشيباني الذهلي...