الاثنين، 6 يونيو 2022

مجلد 12. و13. من كتاب:السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون المؤلف:علي بن برهان الدين الحلبي

مجلد 12. من كتاب:السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون


المؤلف:علي بن برهان الدين الحلبي


عبد المطلب وهذا السياق يدل على أن المائة انتهت اليه صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة وهو يؤيد القول بان الذين ثبتوا معه صلى الله عليه وسلم لم يبلغوا المائة
وفي رواية لما انكشف الناس عنه يوم حنين قال لحارثة بالحاء المهملة ابن النعمان يا حارثة كم ترى الناس الذي ثبتوا فحزرتهم مائة فقلت يا رسول الله مائة فلما كان يوم من الايام مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يناجي جبريل عليه السلام عند باب المسجد فقال جبريل عليه السلام يا محمد من هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حارثة بن النعمان فقال جبريل عليه السلام هو أحد المائة الصابرة يوم حنين لو سلم لرددت عليه السلام فلما أخبرني بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت له ما كنت لأظنه الا دحية الكلبي واقفا معك
وفي رواية لما فر الناس يوم حنين عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبق معه إلا اربعة ثلاثة من بنى هاشم ورجل من غيرهم علي بن ابي طالب والعباس وهما بين يديه وابو سفيان بن الحارث آخذ بالعنان وابن مسعود من جانبه الأيسر ولا يقبل أحد من المشركين جهته صلى الله عليه وسلم إلا قتل
وذكر بعضهم أنه رأى أبا سفيان بن الحارث حينئذ آخذا بزمام بغلته صلى الله عليه وسلم ولا ينافي ما تقدم أن الآخذ بذلك العباس رضي الله عنه وأن أبا سفيان بن الحارث كان آخذا بركابه صلى الله عليه وسلم لجواز أن يكون أخذا بزمامها بعد أخذه بركابه صلى الله عليه وسلم
وعن ابي سفيان بن الحارث قال لما لقينا العدو بحنين اقتحمت عن فرسي وبيدي السيف مصلتا والله يعلم أني اريد الموت دونه وهو ينظر الي فقال له العباس يا رسول الله اخوك وابن عمك ابو سفيان فارض عنه فقال غفر الله له كل عداوة عادانيها ثم التفت الي وقال يا أخي فقبلت رجله في الركاب وقال الله عليه وسلم في حقه أبو سفيان ابن الحارث من شبان أهل الجنة او من سيد فتيان أهل الجنة وليس قوله صلى الله عليه وسلم أنا النبي لا كذب إلى آخره من الشعر لأن شرطه كما تقدم في بناء المسجد أن يكون عن قصد وروية بناء على أن مشطور ومنهوكه شعر وهو الصحيح خلافا للأخفش حيث رد على الخليل في قوله إن الرجز شعر بأنه وقع منه صلى الله عليه وسلم في قوله المذكور وقد قال الله تعاالى { وما علمناه الشعر وما ينبغي له }


ورد بأن ما يقع موزونا لا عن قصد لا يقال له شعر ولا يقال لقائله انه شاعر كما تقدم مع زيادة وإنما قال صلى الله عليه وسلم انا ابن عبد المطلب ولم يقل أنا ابن عبد الله لأن العرب كانت تنسبه صلى الله عليه وسلم الى جده عبد المطلب لشهرته ولموت عبد الله في حياته كما تقدم فليس من الافتخار بالآباء الذي هو من عمل الجاهلية كما تقدم في قوله صلى الله عليه وسلم أنا ابن العواتك والفواطم وأخذ من هذا أنه لا باس بالانتساب في موطن الحرب
وذكر الخطابي انه صلى الله عليه وسلم إنما قال أنا ابن عبد المطلب على سبيل الافتخار ولكن ذكرهم صلى الله عليه وسلم بذلك رؤيا كان رآها عبد المطلب ايام حياته وكانت القصة مشهورة عندهم فعرفهم بها وذكرهم إياها وهي إحدى دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم
ثم نزل صلى الله عليه وسلم عن بغلته وقيل لم ينزل بل قال يا عباس ناولني من الحصباء فانخفضت به بغلته حتى كادت بطنها تمس الأرض ثم قبض قبضة من تراب قال بعضهم كأن الله أفقه أي أفهم البغلة كلامه صلى الله عليه وسلم أي علمت مراده
وفي رواية كما تقدم أنه قال لها يا دلدل البدي فلبدت أي انخفضت وفي رواية قال اربضي دلدل فربضت وقيل ناوله العباس ذلك وقيل ناوله علي وقيل ابن مسعود رضي الله عنهم فعنه حادت به بغلته فمال السرج فقلت ارتفع رفعك الله فقال ناولني كفا من تراب فناولته ثم استقبل بها وجوههم فقال شاهت الوجوه أي وفي رواية قال حم لا ينصرون وفي رواية جمع بينهما فما خلف الله منهم إنسانا الا ملأت عينيه وفمه ترابا تلك القبضة وقال انهزموا ورب محمد فولوا مدبرين أي وقال بعضهم ما خيل الينا الا أن كل حجر او شجر فارس يطلبنا
وحدث رجل كان من المشركين يوم حنين قال لما التقينا نحن واصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقوموا لنا حلبة شاة أن كشفناهم قال فبينما نحن نسوقهم ونحن في آثارهم إذ صاحب بغلة بييضاء وإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقانا عنده رجال بيض الوجوه حسان الوجوه وقالوا شاهت الوجوه ارجعوا فانهزمنا

من قولهم وركبوا أجسادنا فكانت أياها والى رميه صلى الله عليه وسلم بالحصى اشار صاحب الهمزية رحمه الله تعالى بقوله ** رومى الحصى فأقصد جيشا ** ما العصا وما الإلقاء **
أي ورمى صلى الله عليه وسلم بالحصى فأهلك ذلك الجيش العظيم أي شيء عصا موسى عند ذلك الحصى وأي شيء إلقاء موسى عليه السلام لتلك العصا عند إلقاء ذلك الحصى شتان ما بينهما فلا يقاس هذه بذلك لأن هذا أعظم لأن انقلاب العصا حية كان مشابها لانقلاب حبالهم وعصيهم حيات لأن ابتلاعها لحبالهم وعصيهم لم يقهر العدو ولم يشتت شملهم بل زاد بعدها طغيانهم وعتوهم على موسى عليه السلام بخلاف هذه الحصى فإنه أهلك العدو وشتت شمله
أي وذكر انه عند القتال أنزل الله تعالى قوله يوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا الى قوله غفور رحيم
فقد جاء ان بعض اصحابه أي وهو ابو بكر رضي الله عنه كما في سيرة الحافظ الدمياطي قال يا رسول الله لن نغلب اليوم من قلة وشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم وساءته تلك الكلمة وقيل بل قائل ذلك هو صلى الله عليه وسلم لما رأى كثرة المسلمين وقيل قال ذلك فتى من الأنصار أي وهو سلمة بن الأكوع أو سلامه بن وقش
أي وجاء أنه صلى الله عليه وسلم رفع يومئذ يديه وقال اللهم أنشدك ما وعدتي اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا
أي واخرج البيهقي في الاسماء والصفات عن الضحاك قال دعا موسى عليه الصلاة والسلام حين توجه الى فرعون لعنه الله ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين كنت وتكون وأنت حي لا تموت تنام العيون وتنكدر النجوم وأنت حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ياحي يا قيوم
وكان أمام المشركين رجل على جمل أحمر بيده راية سوداء في راس رمح طويل وهوزان خلفه إذا أدرك طعن برمحه وإذا فاته رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه فبينما هو كذلك إذ أهوى اليه علي بن ابي طالب كرم الله وجهه ورجل من الانصار يريدانه فأتى على من خلفه وضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه ووثب الأنصاري على الرجل فضرب ضرب أطن

قدمه بنصف ساقه واجتلد الناس فوالله ما رجعت راجعة المسلمين من هزيمتهم حتى وجدوا الاسارى مكتفين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولما انهزم المسلمون تكلم رجال من أهل مكة بما في نفوسهم من الضعف ومنهم ابو سفيان بن حرب رضي الله عنه قيل وكان إسلامه بعد مدخولا وكانت الأزلام في كنانته فقال لا تنتهي هزيمتهم يعني المسلمين دون البحر أي وقال والله غلبت هوزان فقال له صفوان بفيك الكثيب أي الحجارة والتراب وقد وصلت الهزيمة الى مكة وسر بذلك قوم من مكة واظهروا الشماتة وقال قائل منهم ترجع العرب الى دين آبائها أي وقال آخر أي وهو أخو صفوان لأمه ألا قد بطل السحر اليوم فقال له صفوان وهو يومئذ مشرك اسكت فض الله فاك أي أسقط أسنانك والله لأن يربني من الربوبية أي يملكني ويدبر أمري رجل من قريش أحب الي من أن يربني رجل من هوازن
وفي رواية مر رجل من قريش على صفوان بن امية فقال أبشر بهزيمة محمد وأصحابه فوالله لا يجبرونه أبدا فغضب صفوان رضي الله عنه وقال اتبشرني بظهور الاعراب فوالله لرب رجل من قريش احب الى من رجل من الأعراب وقال عكرمة بن ابي جهل رضي الله عنه وكونهم لا يجبرونها أبدا هذا ليس بيدك الامر بيد الله ليس إلى محمد منه شيء إن أديل عليه اليوم فإن له العاقبة غدا فقال له سهيل بن عمرو والله ان عهدك بخلافة لحديث فقال له يا ابا يزيد كنا على غير شيء وعقولنا ذاهبة نعبد حجر الأيضر ولا ينفع
وعن شيبة الحجى رضي الله عنه أي حاجب البيت ويقال لبنيه بنو شيبة وهم حجبة البيت كما تقدم أنه كان يحدث عن سبب اسلامه قال ما رايت أعجب مما كنا فيه من لزوم ما مضى عليه آباؤنا من الضلالات ولما كان عام الفتح ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وسار الى حرب هوزان قلت اسير من قريش الى هوازن بحنين فعسى ان اختلطوا ان أصيب من محمد غرة فأقتله فأكون انا الذي قمت بثار قريش كلها أي ولفظ اليوم أدرك ثأرى من محمد أي لأن اباه وعمه قتلا يوم احد قتلهما حمزة رضي الله عنه كما تقدم
وأقول لم لم يبق من العرب والعجم أحد الا اتبع محمدا ما اتبعته لا يزداد ذلك الامر

عندي الا شدة فلما اختلط الناس ونزل صلى الله عليه وسلم عن بغلته اصلت السيف ودنوت منه اريد منه ورفعت السيف حتى كدت اوقع به الفعل رفع الى شواظ من النار كالبرق كاد يهلكني فوضعت يدي على بصري خوفا عليه
وفي رواية لما هممت به حال بيني وبينه خندق من نار وسور من حديد فناداني صلى الله عليه وسلم يا شيبة ادن مني فدنوت منه فالتفت الى وتبسم وعرف الذي أريد منه فمسح صدري ثم قال اللهم أعذه من الشيطان قال شيبة فوالله لهو كان الساعة إذا أحب الى من سمعي وبصري ونفسي وأذهب الله ما كان في ثم قال صلى الله عليه وسلم ادن فقاتل فتقدمت أمامه أضرب بسيفي الله أعلم إني أحب أن أقيه بنفسي كل شيء ولو كان أبي حيا ولقيته تلك الساعة لأوقعت به السيف فجعلت الزمه فيمن لزنه حتى تراجع المسلمون وكرواكرة واحدة وقربت اليه صلى الله عليه وسلم بغلته فاستوى عليها قائما وخرج في أثرهم حتى تفرقوا في كل وجه أي لا يلوى أحد منهم على احد وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل من قدر عليه واتبعهم المسلمون يقتلونهم حتى قتلوا الذرية فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الذرية وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فله سلبه وفي رواية من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه
وفي الأصل في غزوة بدر ان المشهور أن قول النبي صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فله سلبه إنما كان يوم حنين واما ماروى أنه قال ذلك يوم بدر ويوم احد فأكثر ما يوجد في رواية من لا يحتج به ومن ثم قال الامام مالك رضي الله عنه لم يبلغني ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك الا يوم حنين
وتعقب ما في الاصل بأنه وقع ذلك في غزوة مؤتة كما في مسلم وهي قبل الفتح
وفي كلام بعضهم كون السلب للقاتل أمر مقرر من أول الأمر وأنما تجدد يوم حنين للإعلام العام والمناداة لا لمشروعيته
وحدث أنس رضي الله عنه أن أبا طلحة رضي الله عنه أستلب وحده عشرين رجلا أي قتلهم وأخذ أسلابهم
وقال ابو قتادة رضي الله عنه رأيت يوم حنين مسلما ومشركا يقتتلان وإذا رجل من المشركين يريد إعانة المشرك على المسلم فأتيته وضربت يده فقطعتها فاعتنقني بيده

الأخرى فوالله ما ارسلني وجدت ريح الموت ولولا ان الدم نزفه لقتلني فسقط وضربته فقتلته وأجهضني القتال من استلابه فلما وضعت الحرب اوزارها قلت يا رسول الله لقد قتلت قتيلا ذا سلب واجهضني عنه القتال فما أدري من استلبه فقال رجل من اهل مكة صدق يا رسول الله فأرضه عني من سلبه فقال ابو بكر رضي الله عنه والله لا يرضيه تعمد الى أسد من أسد الله يقاتل عن دين الله تقاسمه سلب قتيله وفي لفظ قال ابو بكر رضي الله عنه أي للنبي صلى الله عليه وسلم كلا تعطيه أضييع من قريش وتدع أسدا من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله والأضيع تصغير ضبع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق اردد عليه سلبه قال ابو قتادة رضي الله عنه فأخذته منه فاشتريت بثمنه أي السلب الذي جمعته الذي جمعته بستانا وادرك ربيعة بن رفيع دريد ابن الصمة فأخذ بخطام جملة وهو يظن أنه أمرأة فإذا هو شيخ كبير اعمى ولا يعرفه الغلام فقال له دريد ماذا تريد قال اقتلك قال ومن أنت قال انا ربيعة بن رفيع السلمي ثم ضرب بسيفه فلم يغن شيئا فقال له يسخر به بئس ما سلحتك أمك بن خذ سيفي هذا من مؤخرة الرحل ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة فرب يوم قد منعت فيه نساءك فقتله فلما أحبر ربيعة أمه بقتله فقالت له أما والله لقد اعتق اثنين بل ثلاثا وقالت له ألا تكرمت عن قتله لما اخبرك بمنه علينا فقال ما كنت لاتكرم عن رضا الله ورسوله
أي وقيل القاتل لدريد بن الصمة الزبير بن العوام رضي الله عنه وقيل عبد الله بن قبيع وكانت أم سليم رضي الله عنها مع زوجها أبي طلحة رضي الله عنه وهي حازمة وسطها ببرد لها وفي حزامها خنجر وكانت حاملا بابنها عبد الله فقال لها زوجها ابو طلحة ما هذا الخنجر معك يا أم سليم قالت إن دنا مني أحد من المشركين بعجته به فقال ابو طلحة الا تسمع يا رسول الله ما تقول ام سليم الرميصاء فأعادت عليه القول فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك أي وكان يقال لها العمصياء والرميصاء وهي التي يخرج القذى من عينها ومن ثم قال بعضهم قيل له لها الرميصاء لرمص كان في عينها
وعن ولدها أنس بن مالك رضي الله عنه الله عنه قال قد مات ابي مالك عنها مشركا ثم خطبها عمي ابو طلحة وهو مشرك فأبت ودعته الاسلام فأسلم فقالت له إني أتزوجك ولا

آخذ منك صداقا غيره فتزوجها قال انس رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم دخلت الجنة فسمعت خشفة فقلت من هذا فقالوا هذه العميصاء بنت ملحان ام انس بن مالك
وعنه رضي الله عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل على أحد من النساء إلا أزواجه وإلا أم سليم فانه كان يدخل عليها فقيل له في ذلك فقال إني ارحمها قتل أخوها معي ولعل المراد أنه كان يكثر الدخول عليها كأزواجه ولا ينافي انه صلى الله عليه وسلم كان يدخل على غيرها من النساء الانصار لأن من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز الاختلاء بالاجنبية فكان يدخل على أخت ام سليم وهي أم حرام بالراء رضي الله عنها وتفلى له رأسه الشريف وينام عندها ويدخل على الربيع ثم رأيته في الامتاع أشار الى ذلك
وفي مزيل الخفاء أن أم سليم واختها خالتا النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الرضاع وعليه فلا دلالة في دخوله صلى الله عليه وسلم عليهما والخلوة بهما على جواز الخلوة بالأجنبية
وعن أنس رضي الله عنه قال مات ابن لابي طلحة من ام سليم أي وهو ابو عمير الذي كان صلى الله عليه وسلم يداعبه ويقول أب عمير ما فعل النغير ذكره السيوطي في كتابه تبريد الأكباد
وفي كلام بعضهم ما يفيد أنه غيره فقالت لأهلها لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا احدثه فجاء فقال ما فعل ابني قالت هو أسكن ما كان فقربت اليه عشاء فأكل وشرب ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع بها فلما رأت أنه قد شبع واصاب منها قالت يا ابا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت وطلبوا عاريتهم ألهم ان يمنعوا قال لا قالت فاحتسب ابنك فغضب ثم انطلق حتى اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم بارك الله لكما في غابر ليلتكما قال فحملت بعبد الله المذكور قالت ولما ولدته حملته وجئت به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل معك تمر فقلت نعم فناولته تمرات فألقاهن في فيه الشريف فلا كهن ثم فغز فالصبى فمجه فيه فجعل الصبي يتلمظ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حب الانصار التمر

وسماه عبد الله أي وجاء لعبد الله هذا الذي جاء من جماع تلك الليلة تسعة أولاد كلهم قد قرءوا القرآن
ولما أخبر أبو طلحة النبي صلى الله عليه وسلم بما تقدم عن أم سليم قال الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل صابرة بني إسرائيل فقيل يا رسول الله ما كان من خبرها قال كان في بني اسرائيل امرأة وكان لها زوج وكان له منها غلامان وكان زوجها امرها بطعام تصنعه ليدعوا عليه الناس ففعل واجتمع الناس في داره فانطلق الغلامام يعلبان فوقعا في بئر كانت في الدار فكرهت ان تنغص على زوجها الضيافة فأدخلتهما اليبت وسجتهما بثوب فلما فرغوا دخل زوجها فقال أي ابناي قالت هما في البيت وإنها كانت تمسح بشيء من الطيب وتعرضت للرجل حتى وقع عليها ثم قال أين ابناي قالت هما في البيت فناداهما أبوهما فخرجا يسعيان فقالت المرأة سبحان الله والله لقد كانا ميتين ولكن الله أحياهما ثوابا لصبري
ولما أنهزم القوم عسكر بعضهم بأوطاس فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في أثارهم ابا عامر الاشعري رضي الله عنه وسيأتي في السرايا ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عامر الاشعري رضي الله عنه وسيأتي في السرايا ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى معسكره قال شيبة فدخل خباءه فدخلت عليه مادخل عليه غيري حبا لرؤية وجهه وسرورا به فقال يا شيبة الي أراد الله خيرا مما اردت بنفسك ثم حدثني بكل ما اضمرته في نفسي مما لم أذكره لأحد قط فقلت إني أشهد ان لا إله الا الله وأنك رسول الله ثم قلت استغفر لي فقال غفر الله لك أي وقالت له صلى الله عليه وسلم أم سليم رضي الله عنها بابي أنت وأمي يا رسول الله اقتل هؤلاء الذين انهزموا عنك فإنهم لذلك أهل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد كفى واحسن
وعن عائذ بن عمرو قال أصابتني رمية يوم حنين في جبتهي فسال الدم على وجهي وصدري فسد النبي صلى الله عليه وسلم الدم بيده عن وجهي وصدري الى ترقوتي ثم دعاني فصار اثر يده صلى الله عليه وسلم غرة سائلة كغرة الفرس
وجرح خالد بن الليد رضي الله تعالى عنه فتفل النبي صلى الله عليه وسلم في جرحه فلم يضره
أي فعن بعض الصحابة رضي الله عنهم قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما هزم الله الكفار ورجع المسلمون الى رحالهم يمشي في المسلمين ويقول من يدلني

على رحل خالد بن الوليد حتى دل عليه فوجده قد اسند الى مؤخرة رحله لأنه قد اثقل بالجراحة فتفل النبي صلى الله عليه وسلم في جرحه فبرئ
وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال لقد رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون شيئا اسود اقبل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم فنظرت فإذا نمل أسود مبثوت قد ملا الوادي لم أشك أنها الملائكة ولم تكن الا هزيمة القوم
وفي سيرة الحافظ الدمياطي رحمه الله أن سيما الملائكة يوم حنين عمائم حمر أرخوها بين اكتافهم أي فعن جمع من هوازن قالوا لقد راينا يوم حنين رجالا بيضا على خيل بلق عليها عمائم حمر قد أرخوها بين اكتافهم بين السماء والأرض وكتائب لا نستطيع ان نقاتلهم من الرعب منهم ولما وقعت الهزيمة أسلم ناس من كفار مكة وغيرهم لما رأوا نصر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم
وعن شيبة الحجي قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين والله ما خرجت إسلاما ولكن خرجت اتقاء أن تظهر هوازن على قريش فوالله إني لواقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إني لأرى خيلا بلقا قال يا شيبة إنه لا يراها إلا كافر فضرب بيده صدري ثم قال اللهم أحد شيبة فعل ذلك ثلاثا فما رفع صلى الله عليه وسلم يدع عن صدري الثالثة حتى ما أجد من خلق الله احب الي منه ويحتاج الى الجمع بينه وبين ما تقدم على تقدير صحتهما
وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبي والغنائم ان تجمع فجمع ذلك كله واحضره الى الجعرانة أي بسكون العين وتخفيف الراء وكثير من أهل الحديث يشددها وسمي المحل باسم امرأة كانت تلقب بذلك وقيل وهي التي نقضت غزلها من بعد قوة فكان بها الى أن انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أي من غزوة الطائف وفي هذه الغزوة سمي طلحة بن عبيد الله طلحة الجواد لكثرة انفاقه على العسكر
غزوة الطائف ولما علم صلى الله عليه وسلم أن مالك بن عوف وجمعا من اشراف قومه لحقوا بالطائف عند انهزامهم أي الطائف بلد كبير كثير الأعناب والنخيل والفاكهة قيل سمي بذلك لأن جبريل عليه السلام طاف بها حين نقلها من الشام الى الحجاز بدعوة ابراهيم عليه الصلاة والسلام أي أن الله يرزقهم أي أهل مكة من الثمرات
أي وقيل إنهم بنوا حواليها حائطا وطافوا به تحصينا لهم وقيل هي جنة أصحاب الصريم كانوا نواحي صنعاء نقلها جبريل عليه السلام فسار بها الى مكة وطاف بها حول البيت ثم أنزلها في ذلك المكان أي ويقال له وج سمي ذلك باسم شخص من العماليق اول من نزل به وأن اؤلئك القوم تحصنوا في حصن به وأدخلوا فيه ما يصلحهم سنة خرج صلى الله عليه وسلم من حنين وتوجه اليهم وترك السبي بالجعرانة
أي وفي الامتاع أنه صلى الله عليه وسلم بعث بالسبي والغنائم الى الجعرانة مع بديل ابن ورقاء الخزاعي وفي كلام السهيلي وكان سبي حنين ستة آلاف رأس قد ولى صلى الله عليه وسلم عليه وسلم ابا سفيان بن حرب امرهم وجعله امينا عليهم هذا كلامه أي ولعل هذا بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من الطائف لأن ابا سفيان كان معه صلى الله عليه وسلم بالطائف كما سيأتي فلا معارضة
أي ومر صلى الله عليه وسلم بحصن مالك بن عوف فأمر به فهدم ومر بحائظ أي بستان لرجل من ثقيف قد تمنع فه فارسل اليه صلى الله عليه وسلم إما أن تخرج وإما ان نخرب عليك حائطك فأبي أن يخرج فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحراقه ومر صلى الله عليه وسلم بقبر فقال هذا قبر أبي رغال وهو ابو ثفيف أي وكان من ثمود قوم صالح أي وقد أصابته النقمة التي أصبات قومه بهذا المكان ثم دفن فيه أي بعد أن كان بالحرم ولم تصبه تلك النقمة فلما خرج من الحرم الى المكان المذكور اصابته النقمة
فعن بعض الصحابة حين خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الطائف فمررنا بقبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا قبر أبي رغال وهو ابو ثقيف

وكان من ثمود وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج منه اصابته النقمة التي اصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه الحديث
وفي العرائس عن مجاهد قيل له هل بقي من قوم لوط أحد قال لا إلا رجل بقي أربعين يوما وكان بالحرم فجاءه حجر ليصيبه في الحرم فقام اليه ملائكة الحرم فقالوا للحجر ارجع من حيث جئت فإن الرجل في حرم الله تعالى فرجع فوقف خارجا من الحرم أربعين يوما بين السماء والارض حتى قضى الرجل حاجته وخرج من الحرم الى هذا المحل اصابه الحجر فقتله فدفن به
وابو رغال هذا هو الذي كان دليلا لأبرهة ليوصله الى مكة لما مر أبرهة بالطائف وتلقاه أهله واظهروا له الطاعة وقالوا له نرسل معك من يدلك على الطريق فأرسلوا أبا رغال معه دليلا كما تقدم وقال صلى الله عليه وسلم أية ذلك أنه دفن معه غصن من ذهب إن أنتم نبشتم عنه اصبتموه فابتدره الناس فنبشوه واستخرجوا منه الغصن وقدم صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه على مقدمته أي وهي خيل بني سليم مائة فرس قدمها من يوم خرج من مكة واستعمل عليهم خالد بن الوليد فلم يزل كذلك حتى وصل فلما وصل نزل قريبا من الحصن وعسكر هناك فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحات
أي وممن أصيب ابو سفيان بن حرب اصيبت عينه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وعينه في يده فقال يا رسول الله هذه عيني أصيبت في سبيل الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن شئت دعوت فردت عينك وإن شئت فالجنة وفي لفظ فعين في الجنة قال فالجنة ورمى بها من يده أي وقلعت عينه الثانية في القتال يوم اليرموك عند مقاتلة الرم فإن ابا سفيان رضي الله عنه كان في ذلك اليوم يحرض المسلمين على قتال الروم والثبات لهم ويقول لهم الله الله عباد الله انصروا الله ينصركم اللهم هذا يوم من أيامك اللهم أنزل نصرك على عبادك وذلك في آخر خلافة الصديق فإن الصديق رضي الله عنه توفي وهم في الاستعداد للقتال باليرموك وكان الامير على العسكر خالد بن الوليد رضي الله عنه
ولما ولي سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه أرسل البريد بعزل خالد وولاية ابي عبيدة ابن الجراح على العسكر فجاء البريد وقد التحم القتال بين المسلمين والروم واخذته

خيول المسلمين وسألوه عن الخبر فلم يخبرهم الا بخبر وسلامة واخبرهم عن امداد يجئ اليهم واخفى موت ابي بكر رضي الله تعالى عنه وتأمير ابي عبيدة فأتوا به الى خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه فأسر اليه موت ابي بكر وولاية عمر رضي الله تعالى عنهما وأخبره بما أخبر به الجند فاستحسن ذلك منه واخذ الكتاب فجعله في كنانته وخاف إن هو أظهر ذلك يتخاذل العسكر ثم لما هزم الله الروم وجمعوا الغنائم ودفنوا قتلى المسلمين وقد بلغوا ثلاثة آلاف دفع خالد رضي الله تعالى عنه الكتاب إلى أبي عبيدة رضي الله تعالى عنه فتولى ابو عبيدة ثم بعث ابو عبيدة أبا جندل رضي الله تعالى عنه بشير الى سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه بالتفح على المسلمين
ولما عزل سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه خالد بن الوليد وولى أبا عبيدة خطب الناس وقال إني اعتذر اليكم من خالد بن الوليد إني نزعته واثبت ابا عبيدة بن الجراح فقام اليه عمرو بن حفص وهو ابن عم خالد بن الوليد وابن عم ام سيدنا عمر فقال والله ما عدلت يا عمر لقد نزعت عاملا استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وغمدت سيفا سله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد قطعت الرحم وجفوت ابن العم فقال عمر رضي الله تعالى عنه إنك قريب القرابة حديث السن غضبت لابن عمك
ومات ممن خرج بالطائف اثنا عشر رجلا فارتفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى موضع مسجد الطائف الآن وكان معه صلى الله عليه وسلم من نسائه ام سلمة وزينب رض 4 ي الله تعالى عنهما فضرب لهما قبتين وكان يصلي بين القبتين الصلاة مقصورة مدة حصار الطائف وكانت ثمانية عشر يوما أي غير يومي الدخول والخروج وهذا هو المراد يقول فقهائنا لأنه صلى الله عليه وسلم أقامها بمكة عام الفتح لحرب هوازن يقصر الصلاة وقيل في مدة حصاره غير ذلكودخل صلى الله عليه وسلم خيمة أم سلمة وعندها اخوها عبد الله ومخنث وإذ المخنث يقول يا عبد الله إن فتح الله عليك الطائف غدا فعليك بابنه غيلان فان تقبل باربع وتدبر بثمان فلما سمعه صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل هذا عليكن واراد المخنث بالاربع التي تقبل بهن عكنها الاربع التي في بطنها ولكل عكنة طرفان فتكون ثمانية من خلفها فهي الثمانية التي تدبر بهن
اي وفي الامتاع كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مولى لخالته فاخته بنت عمرو

ابن عائذ يقال له ماتع وكان يدخل بيوته صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم كان يرى انه لا يفطن لشيء من أمر النساء ولا إربة له فسمعه صلى الله عليه وسلم وهو يقول لخالد بن الوليد ويقال لعبد الله اخي ام سلمة ان فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف غدا فعليك ببادية أي رضي الله تعالى عنها فإنه أسلمت وبادية بالياء تحت لا بالنون بنت غيلان فإنها تقبل بأربع وتدر بثمن إذا قامت تثنت وإذا جلست تبنت وإذا تكلمت تغنت وبين رجليها مثل الإناء المكفوء ثم نفر كأنه الاقحوان فقال صلى الله عليه وسلم لا أرى هذا الخبيث يفطن لما اسمع
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال له قاتلك الله لقد أمعنت النظر ما كنت أظن هذا الخبيث يعرف شيئا من أمر النساء
وفي الأغاني أن هيتا بكسر الهاء وقيل بفتحها وإسكان التحتية بعدها مثناة والهيت الأحمق المخنث قال لعبد الله بن أمية إن فتح الله عليكم الطائف فاسأل النبي صلى الله عليه وسلم بادية بنت غيلان فإنها رداح شموع نجلاء إن تكلمت تغنت يعني من الغنة وإذا قامت تثنث موردة الخدين منحطة المانتين لقحاء الفخذين مسرولة الساقين كأنها قضيب بان وفي لفظ كأنها خوط بانه قصفت تقبل بأربع وتدبر بثمان وبين فخذيها شيء مخبوء كأنه الإناء المكفوء فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه قال لقد غلغلت النظر يا عدو الله ثم نفاه من المدينة الى الحمى وقال لا يدخل على أحد من نسائكم فقيل له صلى الله عليه وسلم إنه يموت جوعا فأذن له ان يدخل المدينة كل جمعة يسأل الناس
وقيل نفى صلى الله عليه وسلم كلا من ماتع وهيت الى الحمى فشكيا الحاجة فأذن لهما أن ينزلا كل جمعة يسألان الناس ثم يرجعان الى مكانهما فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلا المدينة فأخرجهما ابو بكر رضي الله تعالى عنه فلما توفي دخلا المدينة فأخرجهما عمر رضي الله تعالى عنه فلما مات دخلا
وغيلان أبو بادية هو الذي أسلم وعنده عشر نسوة فأمره صلى الله عليه وسلم ان يمسك أربعا ويفارق سائرهن
واختلف الفقهاء في ذلك فقال فقهاء الحجاز يختار اربعا وقال فقهاء العراق يمسك التى تزوج أولا ثم التي تليها الى الرابعة واحتج فقهاء الحجاز بترك الاستفصال


وغيلان هذا لما وفد على كسرى قال له أي ولدك أحب إليك فقال الغائب حتى يقدم والمريض حتى يعافى والصغير حتى يكبر
وكان المخنثون في زمانه صلى الله عليه وسلم ثلاثة هيت وماتع وهذم وقيل لهم ذلك لأنه كان في كلامهم لين وكانو يختضبون بالحناء كخضاب النساء لا أنهم يأتون الفاحشة الكبرى ويحتمل أن يكون كل من ماتع وهيت كان معه صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة وقد سمع منهما ما تقدم عنهما ويدل لهذا الاحتمال أنه نفاهما وفي البخاري أن القائل لعبد الله ما تقدم هو هيت ويحتمل أن الذي كان معه صلى الله عليه وسلم أحدهما وتكرر منه ذكر ما تقدم وتسميته باسم الآخر خلط من بعض الرواة فليتأمل
وقال اقبل خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه ونادى من يبارز فلم يطلع اليه احد ثم كرر ذلك فلم يطلع اليه أحد وناداه عبد ياليل لا ينزل إليك منا أحد ولكن نقيم في حصننا فإن به من الطعام ما يكفينا سنين فإن أقمت حتى يذهب هذا الطعام خرجنا اليك بأسيافنا جميعا حتى نموت عن آخرنا أ هـونصب عليهم المنجنيق أي ورمى به كما في كلام غير واحد من أئمتنا وهو أول منجنيق رمى به في الإسلام أي ارشده إليه سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه قال إنا كنا بأرض فارس ننصب المنجنيقات على الحصون فنصيب من عدونا أي ويقال إن سلمان رضي الله تعالى عنه هو الذي عمله بيده وفيه أنه تقدم في خيبر أنه لما فتح حصن الصعب وجدوا فيه آلة حرب ودبابات ومنجنيقات إلا ان يقال سلمان صنع هذا المنجنيق الذي بالطائف لأنه يجوز أن يكون الذي وجدوه في خيبر لم يكن معهم في الطائف وتقدم في خيبر انه صلى الله عليه وسلم لما حاصر الوطيح وسلالم أربعة عشر يوما ولم يخرج أحد منهما هم صلى الله عليه وسلم أن يجعل عليهم المنجنيق وتقدم عن الامتاع أنه صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على حصن البراء وقد قدمنا أن ذلك لا يخالف قول بعضهم لم ينصب المنجنيق الا في غزوة الطائف لانه يجوز أن يكون مراد هذا البعض لم يرم به الا في غزوة الطائف أي كما أشرنا اليه
وأول من صنع المنجنيق إبليس فإن نمروذا لعنهما الله لما أراد ان يلقى إبراهيم عليهم الصلاة والسلام في النار بني الى جنب الجبل جدارا طوله ستون ذراعا ولما ألقوا الحطب وجعلوا فيه النار ووصلت النار الى رأس ذلك الجدار لم يدروا كيف يلقون إبراهيم فتمثل

لهم إبليس لعنه الله في صورة نجار فصنع لهم المنجنيق ونصبوه على راس الجبل ووضعوه فيه وألقوه في تلك النار
وأول من رمى به في الجاهلية جذيمة الأبرش وهو أول من أوقد الشمع ودخل نفر من الصحابة تحت دبابة وزحفوا بها الى جدار الحصن ليحرقوه وفي الإمتاع دخلوا تحت دبابتين وكانا من جلود البقر فأرسلت اليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار فخرجوا من تحتها فرموهم بالنبل فقتل منهم رجال أي والدبابة بفتح الدال المهملة ثم موحدة مشددة وبعد الألف موحدة ثم تاء التأنيث وهي آلة من آلات الحرب تجعل من الجلود يدخل فيها الرجال فيدبون بها الى الاسوار لينقبوها وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعنابهم أي ونخيلهم وتحريقها فقطع المسلمون قطعا ذريعا فسألوه أن يدعها لله وللرحم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أدعها لله والرحم ونادى رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما عبد نزل من الحصن وخرج الينا فهو حر فخرج منهم بضعة عشر أي وقيل ثلاثة وعشرون رجلا ونزل منهم شخص في بكرة فقيل له ابو بكرة أي وكان عبدا للحارث بن كلدة فاعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفع كل رجل منهم الى رجل من المسلمين يمونه فشق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة قال واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن في أن يأتي ثقيفا في حصنهم ليدعوهم الى الإسلام فأذن له في ذلك فأتاهم فدخل في حصنهم فقال لهم تمسكوا في حصنكم فوالله لنحن أذل من العبيد أي زاد بعضهم ولا تعطوا بأيديكم ولا تتأثروا أي لا يشق عليكم قطع هذا الشجر فرجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ما قلت لهم يا عيينة قال أمرتهم بالإسلام ودعوتهم اليه وحذرتهم النار ودلتهم على الجنة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبت إنما قلت لهم كذا وقص عليه القصة فقال صدقت يا رسول الله أتوب الى الله وإليك من ذلك أ هـ
ولم يؤذن لرسول الله صى في فتح الطائف أي فإن خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون قالت له يا رسول الله ما يمنعك أن تنهض إلى أهل الطائف قال لم يؤذن لنا الآن فيهم وما أظن أن نفتحها الآن وقال له عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في ذلك فقال لم يؤذن لنا في قتالهم فقال رضي الله تعالى عنه كيف نقبل في قوم لم يأذن الله فيهم وفي لفظ إن خولة قالت يا رسول الله أعطني ان فتح الله عليك

الطائف حلى بادية بنت غيلان أو حلى الفارعة بنت عقيل وكانتا من أحلى نساء ثقيف فقال لها صلى الله عليه وسلم وإن كان لم يؤذن لنا في ثقيف يا خولة فذكرت خولة ذلك لعمر بن الخطاب فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ما حديث حدثتنيه خولة زعمت أنك قلت لها قال قلته قال أو ما أذن الله فيهم يا رسول الله قال لا قال أو أذن بالرحيل قال بلى واستشار رسول الله بعض الناس أي وهو نوفل بن معاوية الديلي في الذهاب أو المقام فقال له يا رسول الله ثعلب في جحر إن أقمت اخذته وان تركته لم يضرك فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه فأذن في الناس بالرحيل فقبح الناس ذلك وقالوا نرحل ولم يفتح علينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاغدوا على القتال فغدوا فأصابت الناس جراحات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا قافلون إن شاء الله فسروا بذلك وأذعنوا وجعلوا يرحلون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك أي تعجبا من سرعة تغير رأيهم لأنهم رأوا أن رأيه صلى الله عليه وسلم أبرك وأنفع من رأيهم فرجعوا اليه وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده فلا ارتحلوا واستقبلوا قال قولوا آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون وقيل يا رسول الله ادع على ثقيف أهل الطائف فقال اللهم اهد ثقيفا وأئت بهم مسلمين ولعل صاحب الهمزية رحمه الله يشير إلى ذلك بقوله ** جهلت قومه عليه فأغضى ** وأخو الحلم دأبه الإغضاء ** ** وسع العالمين علما وحلما ** فهو بحر لم تعيه الأعباء **
أي آذاه صلى الله عليه وسلم قومه من قريش وغيرهم فأرخى جفنه حياء وصاحب عدم الانتقام شأنه إرخاء الجفن وسع علمه علوم العالمين من الإنس والجن والملك ووسع حلمه كل من صدر منه نقص فهو بسبب ذلك بحر واسع لم تتعبه الأحمال الثقيلة
ومن جملة من جرح سيدنا عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما رماه بسهم أبو محجن وطاوله ذلك الجرح إى أن مات به في خلافة أبيه ورثته زوجته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل وكان يحبها حبا شديدا مر عليه أبوه يوم جمعة وهو يلاعبها وقد صلى الناس فقال عبد الله او جمع الناس فسمعه أبوه فقال أشغلتك عن

الصلاة لا جرم لا تبرحن حتى تطلقها فطلقها ثم تعب عبد الله بسبب طلاقها فاطلع عليه ابوه يوما فسمعه يقول أبياتا من جملتها ** فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها ** ولا مثلها في غير جرم تطلق **
فقال له يا عبد الله راجع عاتكة فقال لأبيه قف بمكانك وكان معه غلام مملوك له فقال الغلام انت حر لوجه الله اشهدا أني قد راجعت عاتكه فلما مات رضي الله تعالى عنه رثته بقولها في ابيات ** آليت لا تنفك عيني حزينة ** عليك ولا ينفك جلدي أغبرا **
ثم تزوجها عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فلما أعرس بها قال له علي كرم الله وجهه أتأذن لي أن أكلم عاتكة فقال لا غيرة عليك كلمها فقال لها علي كرم الله وجهه أنت القائلة البيت ** آليت لا تنفك عيني قريرة ** عليك ولا ينفك جلدي أصفرا **
قالت لما اقل هكذا وبكت وعادت الى حزنها فقال له عمر رضي الله تعالى عنه يا أبا الحسن إلا إفسادها علي فلما قتل عمر رضي الله تعالى عنه رثته بأبيات منها ** من لنفس عادها احزانها ** ولعين شفها طول السهد ** ** جسد لفف في أكفانه ** رحمة الله على ذال الجسد ** ** ثم تزوجها الزبير رضي الله تعالى عنه فلما قتل رثته بأبيات منها تخاطب قاتله ** ثكلتك امك أن قتلت لمسلما ** حلت عليك عقوبة المتعمد **
ثم خطبا سيدنا علي كرم الله وجهه فقالت له لم يبق للإسلام غيرك وأنا أنفس لك عن القتل ومن ثم قيل في حقها من أراد الشهادة فعليه بعاتكة
وعند منصرفه صلى الله عليه وسلم من ذلك أي وبينا هو يسير ليلا بواد بقربب الطائف إذ غشى سدرة في سواد الليل وهو في وسن النوم فانفرجت السدرة له نصفين فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين نصفيها وبقيت منفرجة على حالها أي وعند انحداره صلى الله عليه وسلم الى الجعرانة لقيه سراقة وهو واضع الكتاب الذي كتبه له صلى الله عليه وسلم عند الهجرة بين أصبعيه وينادي أنا سراقة وهذا كتابي فقال صلى الله عليه وسلم هذا يوم وفاء ومودة أدنوه فأدنوه منه وساق اليه الصدقة

وسأله عن الضالة من الإبل ترد حوضه الذي ملأه لإبله هل له في ذلك من أجر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم في كل ذات كبد حراء أجر
وعند وصوله صلى الله عليه وسلم الى الجعرانة أحصى السبي فكان ستة آلاف رأس والإبل أربعة وعشرين ألفا والغنم أكثر من أربعين ألفا وأربعة آلاف أوقية فضة
فأعطى صلى الله عليه وسلم للمؤلفة أي من أسلم من أهل مكة فكان أولهم أبا سفيان بن حرب رضي الله تعالى عنه أعطاه اربعين أوقية ومائة من الإبل وقال ابني يزيد ويقال ويقال له يزيد الخير فأعطاه كذلك وقال ابني معاوية فأعطاه كذلك فأخذ ابو سفيان رضي الله تعالى عنه ثلثمائة من الإبل ومائة وعشرين أوقية من الفضة وقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله لأنت كريم في الحرب وفي السلم أي وفي لفظ لقد حاربتك فنعم المحارب كنت وقد سالمت فنعم المسالم أنت هذا غاية الكرم جزاك الله خيرا
وأعطى حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه مائة من الإبل ثم سأله مائة أخرى فأعطاه إياها أي وفي الامتاع وسأله حكيم بن حزام مائة من الإبل فأعطاه ثم سأله مائة فأعطاه ثم سأله مائة فأعطاه وقال له يا حكيم هذا المال خضر حلو من أخذه بسخاوة نفس بورك ما فيه ومن أخذه باشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع واليد العليا خير من اليد السفلى فأخذ حكيم المائة الأولى وترك ما عداها أي وقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبيا لا ارزا أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا فكان ابو بكر رضي الله تعالى عنه يدعو حكيما ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئا ثم إن عمر رضي الله تعالى عنه دعاه ليعطيه فأبى أن يقبله فقال عمر يا معشر المسلمين إني أعرض عليه حقه الذي قسم الله له من هذا الفيء فيأبي أن يأخذه
وأعطى صلى الله عليه وسلم الأقرع بن حابس مائة من الإبل واعطى عيينة مثله واعطى العباس بن مرداس أربعين من الإبل فقال في ذلك شعرا أي يعاتبه صلى الله عليه وسلم به حيث فضل الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن عليه وهو ** أتجعل نهبي ونهب العبي ** د يعني فرسه بين عيينة والأقرع ** ** وما كان حصن ولا حابس ** يفوقان مرداس في مجمع ** ** وما كنت دون امرئ منهم ** ومن تضع اليوم لا يرفع **
فأعطاه صلى الله عليه وسلم تمام المائة أي وفي رواية أنه قال اقطعوا عنى لسانه

وفي الكشاف أنه صلى الله عليه وسلم قال يا أبا بكر اقطع لسانه عنى واعطه مائة من الإبل هذا كلامه وحينئذ يتوقف في قولهم فظن ناس أنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يمثل به وفزع هو أيضا لذلك فأتى به الى الغنائم وقيل له خذ منها ما شئت فقال إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع لساني بالعطاء فكره أن يأخذ منها شيئا فبعث اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلة وفي رواية فأتم له رسول صلى الله عليه وسلم مائة وروى بدل فما كان حصن ولا حابس فما كان بدر ولا حابس وهو صحيح أيضا لأن بدرا جد حصن ابو ابيه فانتسب تارة الى ابيه حصن وتارة الى جد ابيه بدر فإن عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ويروى بدل مرادس شيخي بالإفراد يعني والده ويروي بالتثنية يعني والده وجده
وفي كلام بعضهم كانت المؤلفة ثلاثة أصناف صنف يتألفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلموا كصفوان بن أمية وصنف ليثبت إسلامهم كأبي سفيان بن حرب وصنف لدفع شرهم كعيينة بن حصن والعباس بن مرداس والأقرع بن حابس
لكن في رواية قيل يا رسول الله أعطيت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة وتركت جعيل بن سراقة فقال أما والذي نفس محمد بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض كلهم مثل عيينة والأقرع ولكني تألفتهما ووكلت جعيل بن سراقة الى إسلامه وتقدم أن جعيلا هذا كان من فقراء المسلمين وكان رجلا صالحا دميما قبيحا وهو الذي تصور الشيطان بصورته يوم أحد وقال إن محمدا قد مات وجاء إني لأعطى الرجل وغيره أحب الى منه خشية أن يكب في النار على وجهه وقال صلى الله عليه وسلم إن من الناس ناسا نكلهم الى إيمانهم منهم فرات بن حبان وأعطى صفوان بن امية ما تقدم ذكره وهو جميع ما في الشعب من غنم وإبل وبقر وكان مملوءا وكان ذلك سببأ لإسلامه كما تقدم
أقول في كلام ابن الجوزي رحمه الله اعلم أن من المؤلفة قلوبهم أقواما تؤلفوا في بدء الاسلام ثم تمكن الإسلام في قلوبهم فخرجوا بذلك عن حد المؤلفة وإنما ذكرهم العلماء في المؤلفة اعتبارا ببداية أحوالهم وفيهم من لم يعلم منه حسن الإسلام والظاهر بقاؤه على حالة التأليف
ولا يمكن أن يفرق بين من حسن اسلامه وبين من لم يحسن اسلامه لجواز ان يكون

من ظننا به شر أنه على خلاف ذلك إذا الإنسان قد يتغير عن حاله ولا ينقل إلينا أمره فالواجب أن نظن بكل من نقل عنه الإسلام خيرا
وقد جاء عن انس رضي الله عنه قال كان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم لشيء يعطاه من الدنيا فلا يمسى حتى يكون الإسلام أحب اليه من الدنيا وما فيها هذا كلام ابن الجوزي والعباس بن مرداس أسلم قبل الفتح بيسير وكان ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية والله أعلم ولا زال صلى الله عليه وسلم يعطى الرجل ما بين مائة وخمسين من الإبل أي وذلك من الخمس كما سيأتي
ثم أمر صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت باحصاء الناس والغنائم أي ما بقي منها وهي الاربعة الأخماس الباقية بعد إعطاء من تقدم ما تقدم من الخمس وقسمتها عليهم أي بعد أن اجتمعوا اليه وصاروا يقولون يا رسول الله أقسم علينا حتى ألجئوه صلى الله عليه وسلم إلى شجرة فاختطفت رداءه فقال ردوا ردائي أيها الناس فو الله إن كان لي فيه شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ثم ما ألفيتموني بخيلا ولا جبانا ولا كدودا ثم قام صلى الله عليه وسلم الى جنب بعيره فأخذ وبره من سنامه ثم رفعها ثم قال أيها الناس والله مالي من فيئكم أي غنيمتكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس والخمس مردود عليكم فأدوا الخيط والمخيط فإن الغلول يكون على أهله عارا وشنارا ونارا يوم القيامة فجاء شخص من الأنصار بكبة من خيوط شعر وقال يا رسول الله أخذت هذه الكعبة أعمل بها بردعة بعير لي دبر فقال أما نصيبي منها فلك قال أما إذا بلغت هذا فلا حاجة لي بها وألقاها
ويروى أن عقيلا كان دفع لامرأته ابرة أخذها من الغنيمة أي فإنها قالت له إني قد علمت أنك قد قاتلت فماذا أصبت من الغنيمة فقال دونك هذه الإبرة تخيطين بها ثيابك فسمع منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أخذ شيئا فليرده حتى الخيط والمخيط فرجع وأخذها منها وألقاها في الغنائم
وفي كلام السهيلي أن ابا جهم بن حذيفة العدوي كان على الأنفال يوم حنين فجاءه خالد بن البرصاء وأخذ من الأنفال زمام شعر فمانعه أبو جهم فلما تمانعا ضربه ابو جهم بالقوس فشجه منقلة فاستعدى عليه خالد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له خذ خمسين شاة ودعه فقال أقدني منه فقال خذ مائة ودعه فقال أقدني منه فقال

خذ خمسين ومائة ودعه ليس لك إلا ذلك ولا أقيدك من وال عليك فقومت المائة والخمسون بخمس عشرة فريضة من الإبل فمن هنا جعلت دية المنقلة خمس عشرة فريضة ولما قسم ما بقي خص كل رجل اربعا من الإبل واربعين شاة فإن كان فارسا أخذ ثنتي عشرة بعيرا وعشرين ومائة شاة وإن كان معه أكثر من فرس لم يسهم الا لفرس واحد ومن ثم لم يعط الزبير رضي الله عنه إلا فرس واحد وكان معه أفراس وبه أخذ إمامنا الشافعي رضي الله عنه فقال لا يعطي الا لفرس واحد وقال بعض المنافقين قيل وهو معتب هذه القسمة ما عدل فيها ولا أريد بها وجه الله فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فتغير وجهه الشريف أي حتى صار كالصرف بكسر الصاد المهملة وهو شيء أحمر يدبغ به الجلد وفي رواية فغضب صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا واحمر وجهه وقال من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله رحمة الله على أخي موسى عليه السلام لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر انتهى
ولعل من ذلك أن قارون ابن خالة موسى عليه السلام أو ابن عمه حمله البغي والشر على أن أحضر امرأة بغيا وجعل لها جعلا على أن ترمي موسى بنفسها واحضر بني اسرائيل واعلمهم بذلك ودعا موسى عليه السلام وقال له إن قومك اجتمعوا فاخرج اليهم لتأمرهم وتنهاهم فخرج عليه السلام إليهم وقال لهم يا بني اسرائيل من سرق قطعناه ومن افترى جلدناه ومن زنى محصنا رجمناه حتى يموت ومن زني وهو لم ينكح جلدناه مائة جلدة فقال له قارون وإن كنت أنت قال وإن كنت أنا قال فإن بني اسرائيل زعموا أنك فجرت بفلانة فقال ادعها فإن قالت فهو كما قالت فأنت فقال موسى يا فلانة أنشدك بالذي أنزل التوراة أصدق قارون فقالت أما إذا أنشدتني فقد أشهد أنك برئ وأنك رسول الله وإن قارون جعل لي جعلا على أن أرميك بنفسي وجاءت بخريطتين فيهما دراهم عليهما ختمه وقالت للملأ إن قارون أعطاني هاتين وهذا ختمه وأعوذ بالله أن أفترى على الله فنظر القوم الى ختمه فعلموا صدقها فخر موسى ساجدا فأوحى الله اليه أن ارفع راسك فإني أمرت الأرض أن تطيعك فخسف به فهو يتجلجل في الأرض يخسف به في كل يوم مقدار قامة الى يوم القيامة
ولعل من ذلك أيضا ان بني اسرائيل قالوا لموسى عليه السلام إن طائفة تزعم أن الله لا يكلمك فخذ منا من يذهب معك ليسمعوا كلامه تعالى فيؤمنوا فأوحى الله لموسى عليه

السلام أن اختر سبعين من خيارهم واصعد بهم الجبل انت وهارون واستخلف يوشع ففعل فلما سمعوا كلامه سبحانه سالوه أن يريهم الله جهرة
ومن ذلك نسبته الى أنه قتل أخاه هرون عليهما السلام كما تقدم أي وقيل إن قائل هذه القسمة ما عدل فيها ذو الخويصرة التميمي وهو غير ذي الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد فقد جاء أن ذا الخويصرة التميمي وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا محمد قد رايت ما صنعت في هذا اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل فكيف رأيت قال لم أرك عدلت فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون فقال عمر رضي الله عنه ألا نقتله قيل وقال خالد بن الوليد رضي الله عنه ألا أضرب عنقه
قال الإمام النووي رحمه الله ولا تعارض لان كل واحد منها استأذن فيه أي ففي مسلم فقام اليه عمر رضي الله عنه فقال يا رسول الله ألا أضرب عنقه قال لا ثم أدبر فقام إليه خالد رضي الله عنه فقال يا رسول الله ألا أضرب عنقه قال لا لعله أن يكون يصلي قال خالد رضي الله عنه وكم مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال رسول الله صلى ا 4 لله عليه وسلم إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا اشق بطونهم
وفي مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال بعث علي كرم الله وجهه وهو ياليمن بذهبه في تربتها أي لم تخلص من ترابها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين اربعة نفر الأقرع بن حابس وعيينة بن بدر وعلقمة ابن علاثة وزيد الخير فغضب قريش فقالوا يعطي صناديد نجد ويدعنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم فجاء رجل فقال اتق الله يا محمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن يطع الله إن عصيته يأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني وفي رواية ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء فجاء رجل فقال ما تقدم فقاله له ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله
ولعل هذه القسمة غير قسمة غنائم حنين وإن الرجل الذي قال له ما ذكر يحتمل أن يكون واحدا منهما أو من شيعة ذلك الرجل الذي قال له في أحدهما
وذكر بعضهم ان ذا الخويصرة اصل الخوراج وانه صلى الله عليه وسلم قال دعوه

فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية وفي رواية قال عمر رضي الله عنه يا رسول الله دعني فأقتل هذا المنافق فقال معاذ الله أن يتحدث الناس إني أقتل أصحابي إن هذا وأصحابه أي جماعة يخرجون من صلبه فهو اصل الخوراج يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم وفي لفظ تراقيهم لا تفقهه قلوبهم ليس لهم حظ منه إلا تلاوة الفم وإنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد وثمود أي قتلا متأصلا لعامتهم وفي رواية إذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم اجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة وبهذا استدل من يقول بجواز قتل الخوارج وقد قاتلهم علي كرم الله وجهه وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن الخوارج أهم كفار فقال من الكفر فروا فقيل أمنافقون فقال إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا وهؤلاء يذكرون الله كثيرا فقيل ما هم فقال اصابتهم فتنة فعموا وصموا فلم يجعلهم صلى الله عليه وسلم كفارا لأنهم تعلقوا بضرب من التأويل
وحنيئذ يكون المراد بالدين وفي وصفهم بالمروق من الدين الطاعة لا الملة ويبعده رواية بدل الإيمان الإسلام وكان مصداق ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذا الخويصرة خرج منه حرقوص المعروف بذي الثدية وهو أول من بويع من الخوراج بالأمانة
والخوارج قوم يكفرون مرتكب الكبيرة ويحكمون بحبوط عمل مرتكبها وتخليده في النار ويحكمون بأن دار الإسلام تصير بظهور الكبائر فيها دار الكفر ولا يصلون جماعة
وسبب مقاتلة سيدنا على كرم الله وجهه لهم أنهم نقموا عليه التحكيم الذي وقع بينه وبين معاوية في صفين وقالوا لا حكم الا الله وأنت كفرت حيث حكمت الحكمين فإن شهدت على نفسك أنك كفرت فيما كان من تحكميك الحكمين واستأنفت التوبة والإيمان نظرنا فيما سألتنا من الرجوع اليك وإن تكن الأخرى فإنا ننابذك على سواء إن الله لا يهدي كيد الخائنين فلما أيس من رجوعهم اليه قاتلهم وحرقوص هذا اول ما رق من الدين وكان رجلا اسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة فقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم إن فيهم رجلا له عضد وليس له ذراع على راس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض


ولما قاتلهم علي كرم الله وجهه وقتل غالبهم التمس ذلك الرجل فأتى به فإذا هو له ثدي كثدي المرأة وفي رواية التمسوه في القتلى فلم يجدوه فقام علي كرم الله وجهه بنفسه فطاف في القتلى فأخرجوه من بينهم فكبر علي كرم الله وجهه ثم قال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول إن فيهم رجلا له عضد وليس له ذراع على رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض فقام اليه عبيدة السلماني فقال يا أمير المؤمنين والله الذي لا إله إلا هو أسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إي والله الذي لا إله إلا هو حتى استحلفه ثلاثا وهو يحلف له
وعن ألي سعيد الخدري رضي الله عنه لما أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطي من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب ولم يكن في الأنصار منها شيء وجدوا في أنفسهم أي غضبوا حتى كثرت منهم القالة أي وهي القول الردئ أي حتى قال بعضهم إن هذا لهو العجب يعطي قريشا وفي لفظ الأفغء والمهاجرين ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم أي إن هذا لهو العجب إن سيوفنا تقطر من دماء قريش وإن غنائمنا ترد عليهم وفي راوية إذا كانت شديدة ندعى إليها ويعطى الغنيمة غيرنا وفي رواية سيوفنا تقطر من دمائهم وهم يذهبون بالمغنم فإن كان من أمر الله صبرنا وإن كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم استعتبناه فدخل عليه سعد بن عبادة رضي الله عنه فقال يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم أي غضبوا لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت قسمت في قومك وأعطيت عطايا عظاما ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء قال فاين أنت من ذلك يا سعد فقال يا رسول الله ما أنا إلا من قومي قال فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة أي وهي قبة من أدم أي وفي كلام بعضهم أن الحظيرة الزريبة التي تجعل للإبل والغنم من الشجر لتقيها من البرد والريح ولعل هذا باعتبار الأصل فلا مخالفة فلما اجتمعوا له أتى سعد اليه صلى الله عليه وسلم فقال اجتمع لك هذا الحي من الأنصار فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي فقال لهم أفيكم احد من غيركم قالوا لا إلا ابن أخت لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ابن أخت القوم منهم وفي رواية قال من كان ههنا من غير الأنصار فليرجع الى رحله وذكر بعضهم أن سبب إيراد ابن اخت القوم منهم أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه اجمع لي من هنا من قريش فجمعهم

له ثم قال تخرج اليهم ام يدخلون قال أخرج فخرج صلى الله عليه وسلم فقال يا معشر قريش هل فيكم من غيركم قالوا لا إلا ابن اختنا فذكره ثم قال يا معشر قريش إن أولى الناس المتقون فانظروا لا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة وتأتون بالدنيا تحملونها فأصد عنكم بوجهي انتهى
فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال يا معشر الأنصار ما مقاله بلغتني عنكم وجدة وجدتموها على في أنفسكم والمقالة كما علمت الكلام الردئ والجدة الغضب والمعروف أنه الموجودة ومن ثم قال بعضهم الجدة في المال والموجدة في الغضب ألم آتكم ضلالا فهداكم الله بي وعالة فأغنا كم الله بي واعداء فألف بين قلوبكم أي وفي لفظ وكنتم متفارقين فجمعكم الله وفي لفظ يا معشر الأنصار ألم يمن الله عليكم بالإيمان وخصكم بالكرامة وسماكم بأحسن الأسماء انصار الله وانصار رسوله قالوا بلى الله ورسوله أمن وأفضل ثم قال صلى الله عليه وسلم ألا تجييوني يا معشر الانصار قالوا بماذا نجيبك يا رسول الله لله ولرسوله المنة والفضل أي وفي لفظ قالوا يا رسول الله وجدتنا في ظلمة فأخرجنا الله بك الى النور ووجدتنا على شفا جرف من النار فأنقذنا الله بك ووجدتنا ضلالا فهدانا الله بك فرضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا فافعل ما شئت فأنت يا رسول الله في حل قال إذن والله لو شئتم لقلتم فصدقتم أتيتنا مكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وطريدا فأويناك وعائلا فأغنيناك أي وخائفا فأمناك أوي أي إن كان متعديا كما هنا فالأفصح المد وإن كان قاصرا فالأفصح القصر قال تعالى وأويناهما الى ربوة وقال تعالى إذ أوى الفتيه الى الكهف قال فقال الانصار المن لله ورسوله والفضل علينا وعلى غيرنا فقال ما حديث بلغني عنكم فسكتوا فقال ما حديث بلغني عنكم فقال فقهاء الأنصار أما رؤساؤنا فلم يقولوا شيئا وأما ناس منا حديثة أسنانهم قالوا يغفر الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطى قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم أي وفي رواية ما الذي بلغني عنكم قالوا هو الذي بلغك لأنهم لا يكذبون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأعطي رجالا حديثو عهد بكفر أتألفهم أه أي وفي رواية إن قريشا حديثو عهد بجاهلية ومصيبة وإني اردت أن اجبرهم وأتالفهم أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لغاغة بضم اللام وغينين معجمتين أي شيء قليل من الدنيا ألفت بها

قوما ليسلموا أي ليحسن إسلامهم ويسلم غيرهم تبعالهم ووكلتكم إلى إسلامكم الثابت الذي لا يزلزل ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله الى رحالكم فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت رجلا من الأنصار أي لانتسبت الى المدينة ولو سلك الناش شعبا أي بكسر الشين المعجمة وهو ما انفرج بن جبلين وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الانصار اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وفي لفظ فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا رضينا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسما وحظا ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا أي وقوله صلى الله عليه وسلم للأنصار ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي ليس من المن المذموم في قوله صلى الله عليه وسلم آفة السماحة المن بل هو من التذكير بنعمة الله لكن يشكل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للأنصار ألا تجيبوني الخ فليتأميل أي وقد جاء في مدح الأنصار اللهم اغفر للأنصار وأبناء ولأزواج الأنصار ولذرارى الأنصار الأنصار كرشي وعيبتي وإن الناس يكثرون ويقلون فاقبلوا من محسنهم وتجاوزا عن مسيئهم وفي لفظ آخر اللهم صل على الانصار وعلى ذرية الأنصار وعلى ذرية ذرية الأنصار وقال للأنصار أنتم شعار والناس دثار أي والشعار الثوب الذي يلي الجسد والدثار الثوب الذي يكون فوق ذلك الثوي فهم ألصق به وأقرب اليه صلى الله عليه وسلم من غيرهم وقال الأنصار حبهم إيمان وبغضهم نفاق اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار ولنساء الانصار ولنساء أبناء الانصار ولنساء أبناء أبناء الأنصار وفي لفظ اللهم اغفر للأنصار ولذراري الأنصار ولذراري ذراريهم ولمواليهم ولجيرانهم لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر وقال تؤذوا الأنصار فمن أذاهم فقد آذاني ومن نصرهم فقد نصرني ومن أحبهم فقد أحبني ومن أبغضهم فقد ابغضني ومن بغى غليهم فقد بغي على ومن قضى لهم حاجة كنت في حاجته يوم القيامة أسرع إن الله اختار دارهم لإعزاز دينه واختارهم لنبيه انصارا وقال صلى الله عليه وسلم حب الأنصار آية الإيمان وبغضهم آية النفاق وقال في الأنصار لا يحبهم الا مؤمن ولا يبغضهم الا منافق من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله وقال لهم اللهم أنتم أحب الناس إلى قالها ثلاثا وقال حسان رضي الله عنه في مدح الانصار ** سماهم الله أنصارا بنصرهم ** دين الهدى وعوان الحرب تستعر ** ** وسارعوا في سبيل الله واعترفوا ** للنائبات وما خافوا وما ضجروا **
انتهى


أي وقد وقع له صلى الله عليه وسلم نظير ذلك فعن عمرو بن ثعلبة أنه صلى الله عليه وسلم سبى فاعطى قوما ومنع قوما وقال إنا لنعطي قوما نخشى هلعهم وجزعهم ونكل قوما الى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير منهم عمرو بن ثعلبة فكان عمرو رضي الله عنه يقول ما يسرني أن لي بها حمر النعم
ولما أسرت اخته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة الشماء بشين معجمة مفتوحة ومثناة تحتية ساكنة وميم بمدة ويقال الشماء بغير ياء واختلف في اسمها صارت تقول والله إني أخت صاحبكم ولا يصدقوها فأخذها طائفة من الأنصار حتى أتوابها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا محمد إني أختك قال وما علامة ذلك الحديث ثم قال لها ارجعي الى الجعرانة تكونين مع قومك فإني أمضي الى الطائف فرجعت الى الجعرانة فلما قدم صلى الله عليه وسلم الجعرانة جاءته فقالت يا رسول الله إني أختك أي وأنشدته أبياتا قال وما علامة ذلك بكسر الكاف لأنه خطاب لمؤنث قالت عضة عضضتنيها في ظهري وفي رواية ي وجهي وفي رواية في إبهامي وأنا متوركتك فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة 2 وفيرواية قال لها إن تكوني صادقة فإن بك منى أثرا لن يبلى فكشفت عن عضدها ثم قالت نعم يا رسول الله حملتك وانت صغير فعضضتني هذه العضة فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة فليتأمل وعند ذلك قام صلى الله عليه وسلم لها قائما وبسط لها رداءه وأجلسها عليه أي ودمعت عيناه وسألها عن أمه وأبيه فأخبرته بموتهما أي وقال لها سلى تعطى واشفعي تشفعي فاستوهبته السبى لرجونا أن يحابينا فاتته فقالت أتعرفني قال ما أنكرك فمن أنت قالت أنا اختك بنت أبي ذؤيب وآية ذلك أني حملتك ذات يوم فعضضت كتفي عضة شديدة هذا أثرها فرحب بها ثم استوهبته السبي وهم ستة آلاف فوهبه لها فما عرفت مكة مثلها ولا امرأة هي أيمن على على قومها منها وخيرها صلى الله عليه وسلم وقال إن أحببت فعندي محببة مكرمة وإن أحبتت أمتعتك وترجعى الى قومك قالت بلى تمتعني وتردني الى قومي فأعطاها غلاما يقال له مكحول وجارية وقيل بل أعطاها ثلاثة أعبد وجارية ونعما وشاء وقيل إن القادمة عليه صلى الله عليه وسلم أمه من الرضاع التي هي حليمة وتقدم الكلام عن ذلك


قال بعضهم وهذا العطاء الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤلفة من قريش إنما كان من خمس الخمس الذي هو سهمه صلى الله عليه وسلم لا من أربعة أخماس الغنيمة وإلا لاستأذن الغانمين في ذلك لأنهم ملكوها بحوزهم لها
ثم قدم صلى الله عليه وسلم وفد هوازن وهم أربعة عشر رجلا مسلمين ورأسهم زهير ابن صرد وفي لفظ يكنى بأبي صرد وأبو برقان بالموحدة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أي فقالوا يا رسول الله إنا أصل وعشيرة وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك وفي رواية قالوا يا رسول الله إن فيمن أصبتهم الأمهات والأخوات والعمات والخالات وهن مخازى الأقوام ونرغب إلى الله وإليك يا رسول الله وقال زهير يا رسول الله إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك أي لأن مرضعته صلى الله عليه وسلم حليمة كانت من هوازن أي وقال له أيضا ولو ملحنا أي أرضعنا للحارث بن أبي شمر أي ملك الشام أو للنعمان بن المنذر أي ملك العراق ثم نزل منا بمثل ما نزلت به رجونا عطفه وعائدته علينا وأنت خير المكفولين وأنشده أبياتا يستعطفه صلى الله عليه وسلم بها منها ** أمنن علينا رسول الله في كرم ** فإنك المرء نرجوه ونتظر ** ** أمنن على نسوة قد كنت ترضعها ** إذ فوك مملوءة من مخضها الدرر **
أي الدفعات الكثيرة من اللبن إنا لنشكر للنعماء إن كفرت أي جحدت وفي لفظ ** إنا لنشكرآلاء وإن كفرت ** وعندنا بعد هذا يوم مدخر ** ** إنا نؤمل عفوا منك نلبسه ** هدى البرية أن تعفوا وتنتصر ** ** فألبس العفو من قد كنت ترضعه ** من أمهاتك إن العفو مشتهر **
فقال صلى الله عليه وسلم إن أحسن الحديث أصدقه أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم أي وفي لفظ البخاري أحب الحديث الى اصدقه فاختاروا إحدى الطائفين إما السبي وإما المال وفي رواية وقد كنت أستأنيت بكم حتى ظننت انكم لا تقدمون أي لأنه صلى الله عليه وسلم انتظرهم بعد أن قفل من الطائف بضع عشرة وفي لفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم قد وقعت المقاسم فأي الأمرين أحب اليكم أطلب لكم السبي أم الاموال وإنما قال صلى الله عليه وسلم قد وقعت المقاسم أي لأنه لا يجوز للإمام ان يمن على الأسرى بعد القسم وإنما يمن عليهم

قبله كما وقع له صلى الله عليه وسلم في يهود خيبر ولا يخفى ان هذا في الرجال دون الذراري فقالوا ما كنا نعدل بالأحساب شيئا أردد علينا نساءنا وأبناءنا فهو أحب الينا ولا نتكلم في شاة ولا بعير فقال صلى الله عليه وسلم أما مالي ولبني عبد المطلب فهو لكم أي وقال لهم فإذا أنا صليت الظهر بالناس فقوموا إنا نستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم الى المسلمين وبالمسلمين الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبنائنا ونسائنا أي بعد أن قال لهم صلى الله عليه وسلم أظهروا إسلامكم وقولوا نحن أخوانكم في الدين فاسأل كلم الناس فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر قاموا فتكلموا بالذي أمرهم به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بعد أن اثنى على الله بما هو أهله ثم قال اما بعد فإن اخوانكم هؤلاء جاءوا تائبين وإني قد رأيت أن ارد اليهم سبيهم فمن أحب أن يطيب بذلك فليفعل ومن أحب منك أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفئ الله علينا فيلفعل كذا في البخاري
وفي لفظ انه صلى الله عليه وسلم قاله وأما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي فله بكل إنسان ست فرائض من أول سبي اسبيه
وفي رواية فمن أحب منكم أن يعطي غيره مكره فيلفعل ومن كره ان يعطى ويأخذ الفداء فعلى فداؤهم ثم قال صلى الله عليه وسلم أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو كلم فقال المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الاقرع بن حابس أما أنا بنو تميم فلا وقال عيينة بن حصن أما أنا وبنو فزارة فلا وقال العباس بن مرداس أما أنا وبنو سليم فلا فقالت بن سليم بلى ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال العباس بن مرداس وهنتموني أي أضعفتموني حيث صيرتموني منفردا
وفي رواية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء القوم جاءوا مسلمين وقد خيرتهم فلم يعدلوا بالابناء والنساء شيئا فمن كان عنده من النساء سبى فطابت نفسه أن يرده فليرده ومن أبى فليرد عليهم ذلك قرضا علينا بكل إنسان ست فرائض من أول ما يفئ الله علينا قالوا رضينا وسلمنا فردوا عليهم نساؤهم وابنائهم ولما فرق صلى الله عليه وسلم النساء نادى مناديه ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ولا غير الحبالي حتى يستبرئن بحيضة


وعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال اصبنا سبايا يوم حنين فكنا نلتمس فداءهن فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال اصنعوا ما بدا لكم فما قضى الله فهو كائن وليس من كل الماء يكون الولد قال ابو سعيد الخدري رضي الله عنه وكانت اليهود تزعم أن العزل الموءودة الصغرى فقال رسول الله كذبت اليهود ولو أراد الله ان يخلقه لا يستطع أحد أن يصرفه وجاء لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله منها ولدا وقد جاء في الحديث ما قالت اليهود ففي مسلم وابن ماجه العزل الوأد الخفي أي لأن التحرز عن الولد بالعزل كدفته حيا فليتأمل وقد مر الكلام على ذلك مبسوطا
والفريضة البعير الذي يؤخذ في الزكاة لأنه فرض وواجب على رب المال والى عفوه صلى الله عليه وسلم عن هوازن أشار صحاب الهمزية رحمه الله تعالى بقوله ** من فضلا على هوازن إذ ** كان له قبل ذاك فيهم رباء ** ** وأتى السبي فيه أخت الرضاع ** وضع الكفر قدرها والسباء ** ** فحباها برا توهمت النا ** س به أنما السباء هداء ** ** بسط المصطفى لها من رداء ** أي فضل حواه ذاك الرداء ** ** فغدت فيه وهي سيدة النس ** وة والسيدات فيه إماء **
أي اعتق صلى الله عليه وسلم هوازن قبيلة أمه من الرضاعة التي هي حليمة السعدية وكانوا ستة آلاف أدمي وإنما اعتقهم لأجل انه كان له وهو طفل فيهم رباء بفتح الراء والمد أي تربيته فيهم ولأجل أن أخته من الرضاعة أتت في ذلك السبي وتلك الأخت صغر كفرها وسباؤها قدرها الرفيع بأخوته صلى الله عليه وسلم فأعطاها برا وفعل معها معروفا حتى وقع في وهم الحاضرين بسبب ذلك أن سباءها هداء لها بكسر الهاء كالعروس التي تهدى لزوجها ومن بره صلى الله عليه وسلم لها أنه بسط لها رداءه لتجلس عليه أي شرف لذلك الرداء شرف عظيم لا غاية له بسبب مماسته لجسده الشريف فصارت في ذلك السبي سيدة من فيه من النساء وصار السيدات التي فيه بالنسبة اليها إماء وبمثل الجمع بين كون اخته المذكورة هي الشافعة في السبي وقبلت شفاعتها وبين كون السائل فيهم هوازن والأصل اقتصر على سؤال الوفد ورد جميع السبي ولم يتخلف عنه احد الا عجوز من عجائزهم كانت عند عيينة بن حصن أبي ان يردها وقال حين

أخذها أرى عجوزا إني لأحسب أن لها في الحي نسبا وعسى أن يعظم فداؤها ثم ردها بعد ذلك بعشر من الإبل وقيل بست أخذ ذلك من ولدها بعد أن ساومه فيها مائة من الإبل وقال له ولدها والله ماثديها بناهد ولا بطنها بوالد ولا فوها ببارد ولا صاحبها بواجد أي بحزين لفراقها ولا درها بناكد بالنون أي غزير وهو من الأضداد وقيل قائل ذلك له زهير
وقد يقال لا مخالفة لجواز أن زهيرا هو ولدها فقال عيينة خذاها لا بارك الله لك فيها قال وذلك ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم دعا على من أبي أن يرد من السبى شيئا أن يبخس أي يكسد فإن ولدها دفع له فيها مائة من الإبل فابي ثم غاب عنه ثم مر عليه معرضا عنه فقال خذها بالمائة فقال لا أدفع الا خمسين فابى فغاب عنه ثم مر عليه معرضا عنه فقال خذها بخمسين فقال لا ادفع الاخمسة وعشرين فأبى فغاب عنه ثم مر عليه معرضا عنه فقال خذها بالخمس والعشرين فقال لا آخذها إلا بعشرة وفي رواية الا بسته فقال له ما تقدم ولما أخذها ولدها قال لعيينة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كسا السبي قبطية قبطية فقال لا والله ما ذاك لها عندي فما فارقها حتى أخذ لها منه ثوبا والقبطية بضم القاف وهو ثوب ابيض من ثياب مصر منسوب للقبط وهم أهل مصر وضم القاف من التغيير في النسب
أي وفي كلام بعضهم وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أن يقدم مكة فيشتري للسبي ثياب المتعة فلا يخرج الحر منهم الا كاسيا قال وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحبس أهل مالك بن عوف النضري بمكة عند عمتهم أم عبد الله بن أبي امية وكلمة الوفد في ذلك فقالوا يا رسول الله أولئك سادتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أريد بهم الخير ولم يجز أن تجري السهمان في مال مالك بن عوف وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن ما فعل مالك بن عوف قالوا يا رسول الله إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله وأعطيته مائة من الإبل فلما بلغ مالكا ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه وان ماله وأهله موفور وما وعده به نزل من الحصن مستخفيا خوفا أن تحبسه ثقيف إذا علموا الحال وركب فرسه وركضه حتى أتى الدهناء محلا معروفا ركب راحلته ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركه

بالجعرانة وأسلم ورد عليه أهله وماله واستعمله صلى الله عليه وسلم عى من اسلم من هوازن فكان لا يقدر على سرح ثقيف إلا أخذه ولا رحل الا ميله وكان رضي الله عنه يرسل بالخمس مما يغنم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أ هـ
أي وجاء اعرابي الى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المحل الذي هو الجعرانة وهو المراد بقول بعضهم وهو بحنين لأن المراد منصرفه من غزوة حنين وعلى ذلك الأعرابي جبه وهو متضمخ بخلوق أي مصفر لحيته ورأسه وقد أحرم بعمرة فقال أفتني يا رسول الله وفي رواية قال له كيف ترى في رجل في رجل أحرم في جبة ما تضمخ بطيب فسكت ساعة ثم نزل عليه الوحي فلما سرى عنه قال أين السائل عن العمرة أخلع عنك الجبة واغسل عنك أثر الخلوق وفي رواية قال له صلى الله عليه وسلم ما كنت تصنع في حجك قال كنت أنزع هذه الجبة وأغسل هذه الخلوق فقال صلى الله عليه وسلم اصنع في عمرتك ما كنت صانعا في حجك واستند لذلك من يقول بحرمة التطيب قبل الإحرام بما يبقى عند الإحرام والراجح عند إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه استحباب ذلك
وجاءه رجل فوقف على رأسه الشريف فقال يا رسول الله إن لى عندك موعدا فقال له صدقت فاحتكم فقال أحتكم ثمانين ضائنة وراعيها فقال هي لك ولقد احتكمت يسيرا ولصاحبة موسى عليه الصلاة والسلام التى دلته على عظام يوسف عليه الصلاة والسلام كانت احزم حكما منك حين حكمها أن تردنى شابة وأدل معك الجنة كذا ذكره الغزالي رحمه اللله قال السخاوى وهذا أخرجه ابن حبان والحاكم وصحح إسناده وفيه نظر كما قال العراقى وهذا أصل في عدم إخلاف الوعد بالخير
ونقل الإمام النووي رحمه الله ان جماعة ذهبوا الى وجوب الوفاء بذلك ووجهه السبكي رحمه الله بأن اخلاف الوعد كذب والكذب حرام وترك الحرام واجب
وذكر الغزالي رحمه الله أن خلاف الوعد لا يكون كذبا الا إذا عزم حين الوعد على عدم الوفاء
أي ويدل لذلك ما جاء عن عبد الله بن ربيعة قال جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الى

بيتنا وأنا صبي صغير فذهبت لألعب فقالت أمي يا عبدالله تعال أعطك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اردت أن تعطيه قالت أردت أن أعطيه تمرا قال لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة
وأحرم صلى الله عليه وسلم من الجعرانة ودخل مكة ليلا واستمر يلبي حتى استلم الحجر ثم رجع من ليلته واصبح بها كبائت وفي لفظ اصبح بمكة كبائت وفيه نظر ولم يسق هديا في هذه العمرة وحلق راسه وكان الحالق رأسه الشرف ابا هند الحجام وقيل أبو خراش بن أمية الذي حلق رأسه صلى الله عليه وسلم في الحديبية وأتى بأعمال العمرة بعد أن أقام بالجعرانة ثلاثة عشرة ليلة وقال اعتمر منها سبعون نبيا
غزوة تبوك بعدم الصرف للعلمية والتأنيث ووقع في البخاري صرفها نظرا للموضع أي ويقال لها غزوة العسيرة ويقال لها الفاضحة لأنها أظهرت حال كثير من المنافقين
ففي شهر رجب سنة تسع أي بلا خلاف ووقع في البخاري أنها كانت بعد حجة الوداع قيل وهو غلط من النساخ بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الروم قد جمعت جموعا كثيرة بالشام وانهم قدموا مقدماتهم الى البلقاء المحل المعروف
أي وذكر بعضهم ان سبب ذلك ان متنصرة العرب كتبت الى هرقل إن هذا الرجل الذي قدخرج يدعى النبوة هلك واصابت اصحابه سنون أهلكت أموالهم فبعث رجلا من عظمائهم وجهز معه أربعين ألفا أي ولم يكن لذلك حقيقة أي وإنما ذلك شيء قيل لمن يبلغ ذلك للمسلمين ليرجف به وكان ذلك في عسرة في الناس وجدب في البلاد أي وشدة من نحو الحر وحين طابت الثمار والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم أي وكونه عند طيب الثمار يؤيد قول عروة بن الزبير إن خروجه صلى الله عليه وسلم لتبوك كان في زمن الخريف ولا ينافي ذلك وجود الحر في ذلك الزمن لأن اوائل الخريف وهو الميزان يكون فيه الحر وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة إلا كنى عنها وورى بغيرها إلا ما كان من غزوة تبوك لبعد المشقة وشدة الزمن أي وكثرة العدو وليأخذ الناس أهبتهم وأمر الناس بالجهاز أي وبعث إلى مكة وقبائل العرب ليستنفرهم وحض أهل الغنى على النفقة والحمل في سبيل الله

أي أكد عليهم في طلب ذلك وهي آخر عزواته صلى الله عليه وسلم وأنفق عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها قال فإنه جهز عشرة الآلف أنفق عليها عشرة آلاف دينار غير الإبل والخيل وهي تسعمائة بعير ومائة فرس والزاد وما يتعلق بذلك حتى ما تربط به الأسقية
أي وفي كلام بعضهم أنه أعطى ثلثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها وخمسين فرسا وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم اللهم أرض عن عثمان فإني عنه راض
أي وعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل الى أن طلع الفجر رافعا يديه الكريمتين يدعو لعثمان بن عفان يقول اللهم عثمان رضيت عنه فارض عنه وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال سالت ربي ان لا يدخل النار من صاهرته أو صاهرني
وجاء رضي الله تعالى عنه بألف دينار فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها بيديه ويقول ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم يرددها مرارا أ هـ
وفي رواية جاء بعشرة آلاف دينار الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصبت بين يديه فجعل صلى الله عليه وسلم يقول بيديه ويقلبها ظهرا لبطن ويقول غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما كان منك وما هو كائن الى يوم القيامة ما يبالي ما عمل بعدها أي ولعل هذه العشرة آلالاف هي التي جهز بها العشرة آلاف إنسان وإنها أي العشرة غير الألف التي صبها في حجره صلى الله عليه وسلم
وأنفق غير عثمان أيضا من أهل الغنى قال وكان أول من جاء بالنفقة ابو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه جاء بجميع ماله أربعة الاف درهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أبقيت لأهلك شيئا قال أبقيت لهم الله ورسوله وجاء عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بنصف ماله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أبقيت لأهلك شيئا قال النصف الثاني وجاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه بمائة أوقية أي ومن ثم قيل عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما كانا خزنتين من خزائن الله في الأرض ينفقان في طاعة الله تعالى وجاء العباس رضي الله تعالى عنه بمال كثير وكذا طلحة رضي الله تعالى عنه وبعثت النساء رضي الله تعالى عنهن بكل

ما يقدرن عليه من خليهن وتصدق عاصم بن عدي رضي الله تعالى عنه بسبعين وسقا من تمر أ هـمعناه صلى الله عليه وسلم جمع أي سبعة أنفس من فقهاء الصحابة يتحملونه أي يسألونه أن يحملهم فقال صلى الله عليه وسلم لا أجد ما احملكم به وعند ذلك تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون أي ما يحملهم ومن ثم قيل لهم البكاءون ومنهم العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه ولم يذكره القاضي البيضاوي في السبعة وحمل العباس رضي الله تعالى عنه منهم اثنين وحمل منهم عثمان رضي الله تعالى عنه بعد الجيش الذي جهز ثلاثة أي وحمل يا ميز بن عمرو النضري اثنين دفع لهما ناضحا له وزود كل واحد منهما صاعين من تمر وعدهم مغلطاي ثمانية عشر
وفي البخاري عن أبي موسى الاشعري قال أرسلني اصحابي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله الحملان لهم فقلت يا نبي الله إن أصحابي أرسلوني اليك لتحملهم فقال والله لا أحملكم عى شي وفي رواية والله لا أحملكم ولا أجد ما أحملكم عليه فرجعت حزينا الى اصحابي من منع النبي ومن مخافة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم وجد في نفسه حيث حلف على أن لا يحملهم قال فرجعت الى اصحابي فأخبرتهم الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فلم ألبث الا سويعة إذ سمعت بلالا ينادي اين عبد الله ابن قيس فأجبته قال أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك فلما أتيته قال خذ هذه الستة أبعرة فانطلق بها الى اصحابك زاد بعضهم فعند ذلك قال بعضهم لبعض إغلقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي حملناه على يمين الغلق وقد حلف أن لا يحملنا ثم حملنا فو الله لا بارك لنا في ذلك فاتوه فذكروه فقال عليه الصلاة السلام أنا ما حملتكم الله حملكم ثم قال إني لا أحلف يمينا فارى غيرها خيرا منا إلا كفرت عن يمني وأتيت الذي هو خير أي فهو صلى الله عليه وسلم إنما حلف أن لا يتكلف لهؤلاء حملا بقرض ونحوه ما دام لا يجد لهم حملا فلا حنث وفيه أن هذا لا يناسب قوله إني لا أحلف الى آخره
وأجيب بأن هذه استثبات قاعدة لا تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حنث في يمينة بل خرج الكلام على تقدير كأنه قال لو حنثت في يمني حيث كان الحنث خيرا وكفرت عنها لكان ذلك شرعا واسعا بل ندبا راجحا ويؤيده أنه لم ينقل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر عن هذه اليمين وحينئذ يحتاج الى الجمع بين هذا وما قبله


وقد يقال إن حمل العباس رضي الله تعالى عنه اثنين منهم الى آخره كان قبل وجود هذه الأبعرة الستة أو يدعي أن هؤلاء غير من تقدم
فلما تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار بالناس وهم ثلاثون ألفا أي وقيل أربعون ألفا وقيل سبعون ألفا وكانت الخيل عشرة آلاف فرس وقيل بزيادة ألفين
وخلف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري رضي الله تعالى عنه على ما هو المشهور وقال الحافظ الدمياطي رحمه الله وهو أثبت عندنا وقيل سباع بن عرفطة أي وقيل ابن ام مكتوم وقيل علي بن ابي طالب قال ابن عبد البر وهو الأثبت هذا كلامه
وفي كلام ابن اسحاق وخلف عليا كرم الله وجهه على أهله وأمره بالإقامة فيهم وتخلف عنه عبد الله بن أبي ابن سلول ومن كان من المنافقين بعد أن خرج بهم وعسكر عبد الله بن أبي على ثنية الوداع أي أسفل منها لأن معسكره صلى الله عليه وسلم كان على ثنية الوداع وكان عسكر بعد الله بن ابي اسفل منه قال ابن اسحق رحمه اله وما كان فيما يزعمون بأقل العسكرين أي والتعبير عن ذلك بالزعم واضح لأنه يبعد أن يكون عسكر عبد الله مساويا لعسكره صلى الله عليه وسلم فضلا عن كونه أكثر منه فليتأمل وقال عند تخلفه يغزو محمد بني الأصفر مع جهد الحال والحر والبلد البعيد أي مالا طاقة له به يحسب محمد أن قتال بني الأصفر معه اللعب والله لكأني انظر الى اصحابه مقرنين في الحبال يقول ذلك إرحامأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وبأصحابه أي وقيل للروم بنو الاصفر لأنهم ولد روم بن العيص بن إسحاق نبي الله عليه السلام وكان يسمى الأصفر لصفرة به
فقد ذكر العلماء باخبار القدماء ان العيص تزوج بنت عمه اسماعيل فولدت له الروم وكان به صفرة فقيل له الأصفر وقيل الصفرة كانت بأبيه العيص
ولما ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثنية الوداع متوجها الى تبوك عقد الألوية والرايات فدفع لواءه الأعظم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ورايته صلى الله عليه وسلم العظمى للزبير رضي الله عنه ودفع راية الأوس لأسيد بن حضير رضي الله عنه وراية الخزرج الى الحباب بن المنذر رضي الله عنه ودفع لكل بطن من الأنصار ومن قبائل العرب لواء وراية أي لبعضهم راية ولبعضهم لواء وكان قد اجتمع جمع من المنافقين أي في بيت سويلم اليهودي فقال بعضهم لبعض أتحسبون جلاد بني الأصفر

أي وهم الروك كقتال العرب بعضهم بعضا والله لكانهم يعني الصحابة غدا مقرنون في الحبال يقولون ذلك ارجافا وترهيبا للمؤمنين والجلاد الضرب بالسيوف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك لعمار بن ياسر رضي الله عنه أدرك القوم فإنهم قد احترقوا فاسألهم عما قالوا فإن أنكروا فقل بل قلتم كذا وكذا فانطلق اليهم عمار فقال لهم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون اليه وقالوا إنما كان نخوض ونلعب فانزل الله تعالى { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب } وقال صلى الله عليه وسلم للجد بن قيس يا جد هل لك في جلاد بني الأصفر قال يا رسول الله أو تأذن لي أي في التخلف ولا تفتني فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل أشد عجبا بالنساء مني وإني أخشى إن رأيت نساء بني الاصفر أن لا أصبر فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال قد أذنت لك فانزل الله تعالى { ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني } الآية وفي لفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال اغزوا تبوك تغنموا بنات بني الأصفر نساء الروم فقال قوم من المنافقين ائذن لنا ولا تفتنا فأنزل الله تعالى الآية { ألا في الفتنة سقطوا } أي التي هي التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة عنه
وفي لفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال للجد بن قيس يا أبا قيس هل لك أن تخرج معنا لعلك تحقب أي تردف خلفك من بنات بني الأصفر فقال ما تقدم وعند ذلك لامه ولده عبد الله رضي الله عنه وقال له والله ما يمنعك الا النفاق وسينزل الله فيك قرآنا فأخذ نعله وضرب به وجه ولده فلما نزلت الآية قال له ألم أقل لك فقال له اسكت يالكع فوالله لأنت أشدعلي من محمد وفي رواية أن الجد بن قيس لما امتنع واعتذر بما تقدم قال للنبي صلى الله عليه وسلم ولكن أعينك بمالي فانزل الله تعالى { قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم } وتقدم أنه لم يبايع بيعة الرضوان وتقدم أنه تاب من النفاق وحسنت توبته وأنه صلى الله عليه وسلم قال لبني ساعدة من سيدكم فقالوا الجد بن قيس على بخل فيه فقال واي داء أدوأ من البخل قالوا يا رسول الله من سيدنا فقال بشر بن البراء بن معرور وفي رواية سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح وذكر ابن عبد البر ان النفس أميل الى الأول ومات الجد بن قيس في خلافة عثمان رضي الله عنه وقال بعض المنافقين لبعض لا تنفروا في الحر فأنزل الله تعالى { قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون } أي يعلمون { وجاء المعذرون } أي وهم الضعفاء والمقلون من

الاعراب ليؤذن لهم في التخلف فأذن لهم وكانوا اثنين وثمانين رجلا وقعد أخرون من المنافقين بغير عذر وإظهار علة جراءة على الله ورسوله وقد عناهم الله تعالى بقوله وقعد الذي كذبوا الله ورسوله
قال السهيلي وأهل التفسير يقولون إن آخر براة نزل قبل أولها وإن أول ما نزل منها { انفروا خفافا وثقالا } قيل معناه شبابا وشيوخا وقيل أغنياء وفقراء وقيل أصحاب شغل وغيرذي شغل وقيل ركبانا ورجالة ثم نزل أولها في نبذ كل ذي عهد الى صاحبه كما تقدم
وتخلف جمع من المسلمين منهم كعب بن مالك وهلال بن امية ومرارة بن الربيع من غير عذر وكانوا ممن لا ينهم في إسلامه
ولما خلف صلى الله عليه وسلم عليا كرم الله وجهه ارجف به المنافقون وقالوا ما خلفه الا استثقالا له وحين قيل فيه ذلك أخذ علي كرم الله وجهه سلاحه ثم خرج حتى لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف فقال يا نبي الله زعم المنافقون أنك ما خلفتني إلا استثقلتني وتخففت مني فقال كذبوا ولكنني خلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني في اهلي وأهلك أفلا ترضى يا علي ان تكون مني بمنزلة هرون من وموسى إلا أنه لا بنى بعدي أي فإن موسى عليه السلام حين توجه الى ميقات ربه استخلف هرون عليه السلام في قومه فرجع علي الى المدينة
وعن علي كرم الله وجهه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة وخلف جعفرا في أهله فقال جعفر والله لا أتخلف عنك فخلفني فقلت يا رسول الله اتخلفني الى شيء تقول قريش أليس يقولون ما اسرع ما خذل ابن عمه وجلس عنه وأخرى ابتغى الفضل من الله لأني سمعت الله يقول ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار الآية فقال اما قولك ان تقول قريش ما اسرع ما خذل ابن عمه وجلس عنه فقد قالوا إني سامر وإني كاهن وغي كذاب وأما قولك تبتغي الفضل من الله فلك أبي أسوة أي حيث تخلفت عن بعض مواطن القتال أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى عليهما السلام أي ولم يتخلف عنه علي كرم الله وجهه في مشهد من المشاهد الا في هذه الغزوة
وادعت الرافضة والشيعة ان هذه من النص التفصيلي على خلافة علي كرم الله وجهه

قالوا لأنه جميع المنازل الثابتة لهرون من موسى سوى النبوة ثابتة لعلي كرم الله وجهه من النبي صلى الله عليه وسلم وإلا لما صح الاستثناء أي استثناء النبوة بقوله إلا أنه لا نبي بعدي ومما ثبت لهرون من موسى عليه السلام استحقاقه للخلافة عنه لو عاش بعده أي دون النبوة
ورد بأن هذ الحديث غير صحيح كما قاله الآمدي وعلى تسليم صحته بل صحته هي الثابتة لأنه في الصحيحين فهو من قبيل الآحاد وكل من الرافضة والشيعة لا يراه حجة في الإمامة وعلى تسليم أنه حجة فلا عموم له بل المراد ما دل عليه ظاهر الحديث أن عليا كرم الله وجهه خليفة عن النبي صلى الله عليه وسلم في اهله خاصة مدة غيبته بتبوك كما أن هارون كان خليفة عن موسى في قومه مدة غيبته عنهم للمناجاة فعلى تسليم أنه عام لكنه مخصوص والعام المخصوص غير حجة في الباقي او حجة ضعيفة وقد استخلف صلى الله عليه وسلم في مرار أخرى غير علي فيلزم أن يكون مستحقا للخلافة وصار بعد مسيره صى يتخلى عنه الرجل فيقال تخلف فلان فيقول دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه
وكان ممن تخلف عن مسيره معه صلى الله عليه وسلم أبو خيثمة ولما أن سار صلى الله عليه وسلم اياما دخل ابو خيثمة على أهله في يوم حار فوجد امرأتين له في عريشيتين لهما في حائط قد رشت كل منهما عريشتها وبردتا فيها ماء وهيأتا طعاما وكان يوما شديد الحر فلما دخل نظر الى امرأيته وماصنعتا فقال رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحر وابو خيثمة في ظل بارد وماء مهيأ وامرأه حسناء ما هذا بالنصف ثم قال والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فهيئا لي زادا ففعلتا ثم قدم ناضحة فارتحل واخذ سيفه ورمحه كما في الكشاف أي ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل بتبوك وقد كان ابو خيثمة ادرك عمير بن وهب في طريق يطلب رسول الله فترافقا حتى دنوا من تبوك فقال خيثمة لعمير إن لي ذنبا فلا عليك ان تتخلف عن حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل فلما دنا أبو خيثمة قال الناس هذا ركب مقبل فقال رسول الله كن أبا خيثمة فقالوا يا رسول الله هو والله ابو خيثمة فلما أناخ اقبل يسلم على الرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه

وسلم أولى لك يا أبا خيثمة ثم اخبر رسول صلى الله عليه وسلم الخبر فقال له رسول الله خيرا ودعا له بخير أي واولى كلمة تهديد وتوعد
ولما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر ديار ثمود سجى ثوبه على رأسه واسحث راحلته وقال لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا الا وانتم باكون خوفا أن يصيبكم ما أصابهم أي لأن البكاء يتبعه التفكر والاعتبار فكأنه أمرهم بالتفكر في أحوال توجب البكاء من تقدير الله عز وجل على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في الأرض وإمهالهم مدة طويلة ثم إيقاع نقمته الى مثل ذلك ونهى صلى الله عليه وسلم الناس ان يشربوا من مائها شيئا وان لا يتوضئوا به للصلاة وأن لا يعجن به عجين وان لا يحاس به حيس ولا يطبخ به طعام وان العجين الذي عجن به أو الحيس الذي فعل به يعلفونه الإبل وان الطبيخ الذي طبخ به يلقى ولا يأكلوا منه شيئا
ثم ارتحل بالناس أي لا زال سائرا حتى نزل على البئر التي كانت تشرب منها الناقة واخبرهم صلى الله عليه وسلم أنها تهب عليهم الليلة ريح شديدة أي وقال من كان له بعير فليشد عقاله ونهى الناس في تلك الليلة على أن يخرج واحد منهم وحده بل معه صاحبه شخص وحده لحاجته فخنق وخرج اخر كذلك في طلب بعير له ند فاحتمله الريح حتى ألقته بجبل طيء فاخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألم أنهكم ان يخرج أحد منكم إلا ومعه صاحبه ثم دعا للذي خنق فشفي والذي القته الريح بجبل طيئ فأرسلته طيء له صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة
وفي سيرة الحافظ الدمياطي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلف على عسكره ابا بكر الصديق رضي الله عنه يصلي بالناس واستعمل على حرس العسكر عباد ابن بشر فكان يطوف في اصحابه بن على العسكر ثم اصبح الناس ولا ماء معهم أي وحصل لهم من العطش ما كاد يقع رقابهم حتى حملهم ذلك على نحر إبلهم ليشقوا اكراشها ويشربوا ماءها
فعن عمر رضي الله عنه خرجنا في حر شديد فنزلنا منزلا أصابنا فيه عطش حتى إن الرجل لينحر بعير فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده وفي لفظ على صدره فشكوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أي قال له ابو بكر يا رسول الله قد

عودك الله من الدعاء خيرا فادع الله لنا قال أتحب ذلك قال نعم فدعا أي ورفع يديه فلم يرجعهما حتى أرسل الله سحابة فمطرت حتى ارتوى الناس واحتملوا ما يحتاجون اليه قال وذكر بعضهم ان تلك السحابة لم تتجاوز العسكر وأن رجلا من الانصار قال لآخر متهم بالنفاق ويحك قد ترى فقال إنما مطرنا بنوء كذا وكذا فأنزل الله تعالى { وتجعلون رزقكم } أي بدل شكر رزقكم { أنكم تكذبون } أي حيث تنسوبه للأنواء وقيل إنه قال له ويحك هل بعد هذه شيء قال سحابة مارة انتهى
وفي لفظ أنهم لما شكوا اليه صلى الله عليه وسلم شدة العطش قال لعلي لو استسقيت لكم فسقيتم قلتم هذه بنوء كذا وكذا فقالوا يا نبي الله ما هذا بحين أنواء فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتوضا ثم قام فصلى فدعا الله تعالى فهاجت ريح وثار سحاب فمطروا حتى سال كل واد فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يغرف بقدحه ويقول هذه نوء فلان فنزلت الآية
وضلت ناقته صلى الله عليه وسلم فقال رجل من المنافقين الذين خرجوا معه صلى الله عليه وسلم ليس غرضهم الا الغنيمة إن محمدا يزعم أنه بني وأنه يخبركم بخبر السماء وهو لا يدري أين ناقته فقال صلى الله عليه وسلم إن رجلا يقول كذا وكذا وإني والله لا أعلم إلا ما علمني الله وقد دلني الله عليها أنها في شعب كذا وكذا وقد حبستها شجرة بزمامها فانطلقوا حتى تأتوني بها فذهبوا فوجدوها كذلك فجاءوا بها أي وتقدم له صلى الله عليه وسلم نظير هذا في غزوة بني المصطلق التي هي المريسيع ولا بعد في تعدد الواقعة ويحتمل أن يكون من خلط بعض الرواة
ولما سمع بذلك بعض الصحابة جاء الى رحله فقال لمن به والله لعجب في شيء حدثناه رسول صلى الله عليه وسلم عن مقاله قائل اخبره الله عنه وذكر المقالة فقال له بعض من في رحله هذه المقالة قالها فلان يعني شخصا في رحله أيضا قالها قبل ان تاتي بيسير فقال يا عباد الله في رحلي داهية وما اشعر أي عدو الله اخرج من رحلي ولا تصحبني فيقال إنه تاب ويقال إنه لم يزل منها بشر حتى هلك
وتباطأ جمل أبي ذر رضي الله عنه لما به من الإعياء والتعب فتخلف عن الجيش فأخذ متاعه وحمله على ظهره ثم خرج يتبع أثر رسول الله ماشيا فأدركه نازلا في بعض المنازل أي وقبل مجيئه قالوا له يا رسول الله تخلف ابو ذر وأبطأ به بعيره

فقال صلى الله عليه وسلم دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وإن يك غير ذلك فقد اراحكم الله منه
ولما اشرف على ذلك المنزل ونظره شخص يمشي فقال يا رسول الله إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا ذر فلما تامله القوم قالوا يا رسول الله هو والله ابو ذر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله ابا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده وكان كما قال صلى الله عليه وسلم إنه يموت وحده فقد مات رضي الله عنه وحده بالربذة لما أخرجه عثمان رضي الله عنه اليها
اي فإنه بعد موت ابي بكر رضي الله عنه خرج من المدينة الى الشام فلما ولي عثمان رضي الله عنه شكاه معاوية رضي الله عنه اليه فإنه كان يغلظ على معاوية في بعض امور تقع منه فاستدعاه عثمان رضي الله عنه من الشام ثم أسكنه بالربذة ولم يكن معه الا امرأته وغلامه فوصاهما عند موته ان غسلاني وكفنانني ثم اجعلاني على قارعة الطريق فأول من يمر بكم قولا له هذا ابو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعينوناعلى دفنه فلما مات رضي الله عنه الله عنه فعلا به ذلك وأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من اهل العراق فوجدوا الجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل تطؤها فقام اليهم الغلام وقال هذا ابو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعينونا على دفنه فاستهل عبد الله ابن مسعود يبكي ويقول صدق رسول الله تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك ثم نزل هو واصحابه فوارواه ثم حدثهم عبد الله بن مسعود خبره
أي وفي الحدائق عن أم ذر قالت لما حضرت ابا ذر الوفاة بكيت فقال ما يبكيك قلت ومالي لا أبكي وانت تموت بفلاة من الأرض ولا بد لنا من معين على دفنك وليس معنا ثوب يسعك كفنا فقال لا تبكي وابشري فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض يشهده عصابة من المؤمنين وليس من أولئك النفر أحد الا وقد مات في قرية وإني أنا الذي أموت بالفلاة والله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا كذبت وفي رواية ما كذبت ولا كذبت فانظري الطريق فقالت قد ذهب الحاج وتقعطت السبل فقال انظري فقالت كنت اشتد الى الكثيب فاقوم عليه ثم ارجع اليه فأمرضه فبينما أنا كذلك إذا أنا برجال على

روأحلهم كأنهم الرخم فألحث بثوبي فاسرعوا الى ووضعوا السياط في نحورها يستقبلوا الي فقالوا مالك يا أمة الله فقلت امرؤ من المسلمين يموت تكفنونه قالوا ومن هو قلت أبو ذر قالوا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت نعم فأسرعوا اليه حتى دخلوا عليه فسلموا عليه فرحب بهم وقال ابشروا فإنكم عصابة من المؤمنين وحدثهم الحديث وقال والله لو كان لي أو لها ما يسعني كفنا ما كفنت الا فيه وإني انشدكم الله والإسلام لا يكفنني منكم رجل كان أميرا ولا عريفا ولا بريدا او نقيبا ولم يكن منهم احد سلم من ذلك إلا فتى من الانصار فقال والله لم أصب مما ذكرت شيئاأن أكفنك في ردائي هذا وثوبين معي من غزل أمي فمات فكفنه الفتى الأنصاري ودفنه في النفر الذين معه
أقول يحتاج الى الجمع بين هذا وما تقدم وقد يقال لا ينافي ذلك ما تقدم عن ابن مسعود رضي الله عنه لجواز أن يكون قدومه بعد ان كفن بكفن الأنصاري ولا ينافي ذلك ما تقدم من قول الراوي فلما مات فعلا أي زوجته وغلامه ذلك أي غسله وتكفينه ولا ينافي ذلك قول الغلام لابن مسعود ومن معه أعينونا على دفنه ولا ينافي ذلك قول الراوي هنا ودفنه أي للفتى الأنصاري في النفر الذين معه لأن ذلك يقال إذا اشتركوا مع غيرهم في ذلك
وأبو ذر رضي الله عنه اسمه جندب وقيل اسمه سلمة بن جنادة وكان من أوعية العلم المبرزين في الزهد والورع بالحق وقد قال في حقه ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر وكان رضي الله عنه من الاقدمين في الإسلام قال ابن عبد البر كان خامس رجل أسلم فليتأمل وقال صلى الله عليه وسلم أبو ذر في أمتي شبيه عيسى ابن مريم في زهده وبعضهم يرويه من ينظر الى تواضع عيسى ابن مريم فلينظر إلى أبى ذر وغلى وجود ما أخبر عن أبي ذر من أنه يموت وحده أشار الإمام السبكي رحمه الله تعالى في تائيته بقوله ** وعاش ابو ذر كما قلت وحده ** ومات وحيدا في بلاده بعيدة **
قال وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال لما كنا فيما بني الحجر وتبوك ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته بعد الفجر وتبعته بماء فأسفر الناس بصلاتهم التي هي صلاة الفجر فقدموا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فصلى بهم فانتهى صلى الله عليه

وسلم بعد أن توضأ ومسح خفيه بن عوف وقد صلى ركعة فصلى رسول الله مع عبد الرحمن ركعة وقام ليأتي بالركعة الثانية وقال لهم صلى الله عليه وسلم بعد فراغه أحسنتم أو اصبتم ثم قال صلى الله عليه وسلم لم يتوف نبي حتى يؤمه رجل صالح من امته أ هـأي ولعل هذا لا ينافي ما تقدم
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخلف على عسكره اباابكر الصديق رضي الله عنه يصلي بالناس وقوله لم يتوف نبي حتى يؤمه رجل صالح من أمته يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل خلف الصديق في هذه الغزوة حيث يصلي بالعسكر فليتأمل
أي وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال عبد الرحمن سيد من سادات المسلمين ولا يخالف هذا ماروي عن ابن عباس رضي الله عنهما لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم خلف أحد من أمته الا خلف ابي بكر أي في فرض موته لأن المراد صلاة كاملة أو تكرر الصلاة هذا
وفي الخصائص الصغرى ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم فيما حكى القاضي عياض رحمه الله انه لا يجوز لأحد أن يؤمه صلى الله عليه وسلم لأنه لا يصح التقدم بين يديه في الصلاة ولا غيرها لا لعذر ولا لغيره
وقد نهى الله المؤمنين عن ذلك ولا يكون أحد شافعا له وقد قال ائمتكم شفعاؤكم ولذلك قال ابو بكر رضي الله عنه ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فليتأمل
ولما نزلوا تبوك وجدوا عينها قليلة الماء فاعترف رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده غرفة من مائها فمضمض بها فاه ثم بصقه فيها ففارت عينها حتى امتلأت
قال وعن حذيفة رضي الله عنه بلغ رسول الله ان في الماء قلة أي ماء عين تبوك أي وقد قال لهم صلى الله عليه وسلم إنكم لتأتون غدا إن شاءاله تعالى عين تبوك وإنكم لن تنالوها حتى يضحا النهار فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتى وأمر مناديا ينادى بذلك فجئناها فإذا العين مثل الشراك تبض من مائها وقد سبق اليها رجلان أي من المنافقين ومسا من مائها فسبهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك وفي رواية سبق اليها اربعة من المنافقين ثم إنهم غرفوا من تلك العين قليلا قليلا حتى اجتمع شيءفي شن فغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه ويديه ومضمض ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير وفي رواية فجعلوا فيها سهاما

دفعها صلى الله عليه وسلم لهم فجاشت بالماء والى ذلك أشار الإمام السبكي رحمه الله تعالى في تائيته بقوله ** فيوما بوقع النيل جئت بشربهم ** ويوما بوقع الوبل جدت بسقية **
وحينئذ أي وحين إذ ثبت أنه صلى الله عليه وسلم جعل السهام في عين تبوك يسقط الاعتراض بأن وقع النبل لم يكن بتبوك وإنما كان بالحديبية على أن الذي بالحديبية إنما هو غرز سهم واحد لا سهام فليتأمل
ثم قال صلى الله عليه وسلم لمعاذا يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ما هنا ملئ جنانا أي بستانين وذكر ابن عبد البر رحمه الله عن بعضهم قال أنا رايت ذلك الموضع كله حوالي تلك العين جنانا خضرة نضرة
وقبل قدومهم تبوك نام رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يستيقظ حتى كادت الشمس قيد رمح أي وقد كان صلى الله عليه وسلم قال لبلال أكلأ لنا الفجر فاسند بلال ظهره الى راحلته فغلبته عيناه قال ألم أقل لك يا بلال اكلأ لنا الفجر وفي رواية أن بلالا رضي الله عنه قال لهم ناموا وأنا أوقظكم فاضطجعوا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال أين ما قلت قال يا رسول الله ذهب بي مثل الذي ذهب بك أي وفي لفظ أخذ بنفسي الذي اخذ بنفسك وقال صلى الله عليه وسلم للصديق إن الشيطان صار يهدئ بلالا للنوم كما يهدئ الصبي حتى ينام ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا وسأله عن سبب نومه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما أخبر به النبي الصديق فقال الصديق للنبي صلى الله عليه وسلم أشهد أنك رسول الله فانتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من منزله غير بعيد ثم صلى وتقدم في خيبر أي في غزوة وادي القرى فإنها كانت عند منصرفه من خيبر الخلاف في أي غزوة كان وسار صلى الله عليه وسلم مسرعا بقية يومه وليلته فأصبح بتبوك
وفي منصرفه من تبوك قال ابو قتادة رضي الله عنه بينا نحن نسير مع رسول الله وهو قافل من تبوك وأنا معه إذ خفق خفقه هو على راحلته فمال على شقه فدنوت منه فدعمته فانتبه فقال من هذا فقلت ابو قتادة يا رسول الله خفت أن تسقط فدعمتك فقال حفظك الله كما حفظت رسوله ثم سار غير كثير ثم فعل مثلها

فدعمته فانتبه فقال يا أبا قتادة هل لك في التعريس فقلت ما شئت يا رسول الله فقال انظر من خلفك فنظرت فإذا رجلان او ثلاثة فقال ادعهم فقلت أجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءوا فعرسنا
وفي رواية قال ابو قتادة رضي الله عنه بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حتى ابهار الليل وأنا إلى جنبه فنعمس فمال عن راحلته فأتيته فدعمته من غيرأن أوقظه حتى أعتدل على راحلته ثم سار حتى تهور الليل مال عن راحلته فدعمته حتى اعتدل على راحلته ثم سار حتى إذا كان من آخر السحر مال ميلة هي أشد من الميلتين الاولتين حتى كاد يسقط فأتيته فدعمته فرفع رأسه فقال من هذا قلت أبو قتادة قال متى كان هذا مسيرك مني قلت ما زال هذا مسيري منذ الليلة قال حفظك الله نبيه وهذا تقدم في منصرفه من خيبر ولا مانع من التعدد ويحتمل أن هذا خلط وقع من بعض الرواة فليتأمل ثم قال صلى الله عليه وسلم هل ترى من أحد يعني من الجيش قلت هذا راكب ثم قلت هذا راكب آخر حتى اجتمعنا وكنا سبعة وفي رواية خمسة برسول الله صلى الله عليه وسلم فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطريق ثم قال احفظوا علينا صلاتنا وكان أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس في ظهره فقمنا فزعين ثم قال اركبوا فركبنا فسرنا حتى ارتفعت الشمس ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شيء من ماء فتوضأ منها وبقي فيها شيء وفي رواية جرعة من ماء ثم قال لي احفظ علينا ميضأتك وفي رواية ازدهر بها يا أبا قتادة فسيكون لها نبأ الحديث
وفي رواية ماايقظنا الاحر الشمس فقلنا إنا لله فاتنا الصبح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنغيظن الشيطان كما غاظنا فتوضأ من الإداوة التي هي الميضأة فضل فضل فقال يا أبا قتادة احتفظ بما في الإداو واحتفظ بالركوة فإن لهما شأنا فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر بعد طلوع الشمس وفي لفظ إن عمر رضي الله عنه هو الذي ايقظ النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير
أقول ظاهر هذه الرواية انهم صلوا بمحلهم ولم ينتقلوا وفي رواية قال لهم صلى الله عليه وسلم تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة وفي لفظ ارتحلوا فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان


وفي البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم وإنا أسرينا حتى كنا في آخر الليل وقعنا وقعة ولا وقعة أحلى عند المسافر منها فما أيقظنا الا حر الشمس وكان صلى الله عليه وسلم إذا نام لم نوقظه حتى يكون هو يستيقظ لأنا لا ندري ما يحدث له صلى الله عليه وسلم في نومه أي من الوحي فكانوا يخافون من إيقاظه قطع الوحي كما تقدم في غزوة بني المصطلق فلما استيقظ عمر رضي الله عنه ورأى ما أصاب الناس أي من فوات صلاة الصبح كبر ورفع صوته بالتكبير فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم
وفي رواية إن الصديق رضي الله عنه استيقظ أولا ثم لا زال يسبح ويكبر حتى استيقظ عمر ولا زال يكبر حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما استيقظ شكوا اليه الذي اصابهم أي من فوات صلاة الصبح قال لا ضير ارتحلوا فارتحلوا فسار غير بعيد ثم نزل فدعا بالوضوء فتوضأ ونودي بالصلاة فصلى بالناس وهذا كما نرى فيه التصريح بأن هاتين اليقظتين وقعتا في غزوة تبوك الاولى عند ذهابهم لها والثانية عند منصرفهم منها
وفي دلائل النبوة للبيهقي عن بعض الصحابة وبعد أن صلينا وركبنا جعل بعضنا يهمس الى بعض ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذا الذي تهمسون دوني فقلنا يا رسول الله بتفريطنا في صلاتنا قال أما لكم في أسوة حسنة ثم قال ليس في النوم تفريط إنما التفريط علم من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الاخرى
وفي فتح الباري اختلف في تعيين هذا السفر ففي مسلم أنه كان في رجوعهم من خيبر قريب من هذه القصة وفي ابي داود أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية ليلا فنزل فقال من يكلؤنا فقال بلال أنا الحديث وفي مصنف عبد الرزاق أن ذلك كان بطريق تبوك
وقد اختلف العلماء هل كان ذلك أي نومهم عن صلاة الصبح مرة أو أكثر فجزم الأصيلي رحمه الله بأن القصة واحدة
وتعقبه القاضي عياض رحمه الله بأن قصة أبي قتادة مغايرة لقصة عمران بن حصين ومما يدل على تعدد القصة اختلاف مواطنها


وفي الطبراني قصة شبيهة بقصة عمران وأن الذي كلأم لهم الفجر ذو مخبر قال ذو مخبر فما أيقظني الا حر الشمس فجئت أدنى القوم فايقظته وايقظ الناس بعضهم بعضا حتى اسيتقظ النبي صلى الله عليه وسلم فليتأمل وتقدم على الإمتاع قال عطاء بن يسار إن ذلك كان بتبوك وهذا لا يصح وإلا فالآثار الصحاح على خلاف مقولة مسندة ثابتة والله اعلم
واستشكل ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم نحن معاشر الانبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة وقد قالت له أتنام قبل أن توتر قال تنام عيني ولا ينام قلبي
وأجيب عنه باجوبه حسنها أن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والالم لا يدرك ما يتعلق بالعين كرؤية الشمس وطلوع الفجر
ومن الأجوبة أنه صلى الله عليه وسلم كان له نومان نوم تنام فيه عينه وقلبه ونوم تنام فيه عينه فقط وينبغي أن يكون هذا الثاني اغلب أحواله وإن كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثله في ذلك ويكون قوله صلى الله عليه وسلم نحن معاشر الأنبياء تنام اعيننا ولا تنام قلوبنا أي غالبا ويكون هذا حاله دائما وأبدا إذا كان متوضئا لقولهم إنه لا ينقض وضوؤه صلى الله عليه وسلم بالنوم وفي جعله العين محلا للنوم نظر لأن العين إنما هي محل السنة ومحل النعاس الراس ومحل النوم القلب
قال الحافظ السيوطي وكون القلب محلا للنوم دون العين لا يشكل عليه قوله صلى الله عليه وسلم تنام عيناي ولا ينام قلبي لأنه من باب المشاكلة وفيه بحث هذا كلامه
واستشكل قوله صلى الله عليه وسلم ارتحلوا فان هذا منزل حضرنا فيه الشيطان وفي لفظ ارتحلوا فإن هذا واد به الشيطان بأنه يقتضى تسلط الشيطان على النبي صلى الله عليه وسلم لأن الظاهر ان وجود الشيطان هو السبب في النوم عن الصلاة
وأجيب بأنه على تسليم ذلك فإن تسليطه انما كان على من كان يحفظ الفجر بلال أو غيره ففي بعض الروايات كما تقدم إن الشيطان أتى بلالا فلم يزل يهدئه كما يهدا الصبي حتى نام
ثم لحق صلى الله عليه وسلم بالجيش وقبل لحوقه صلى الله عليه وسلم بهم قال لاصحابه ما ترون الناس يعني الجيش فعلوا قالوا الله ورسوله أعلم فقال صلى الله عليه وسلم وأطاعوا ابا بكر وعمر ورشدوا وذلك أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما أرادا أن ينزلا

بالجيش على الماء فأبوا ذلك عليهما فنزلا على الماء فأبوا ذلك عليهما فنزلا على غير ماء بفلاة من الأرض لاماء بها عند زوال الشمس وقد كادت أعناق الخيل والركاب تقطع عطشا فدعا رسول صلى الله عليه وسلم وقال أين صاحب الميضأة قيل هو ذايار رسول الله قال جئني بميضأتك فجاءه بها وفيها شيء من ماء وفي رواية دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالركوة فافرغ ما في الإدواة فيها ووضع أصابعه الشريفة عليها فنبع الماء من بين أصابعه واقبل الناس فاستقوا وفاض الماء حتى رووا ورووا خيلهم وركابهم وكان في العسكر من الخيل أثنا عشر الف فرس أي على ما تقدم ومن الإبل خمسة عشر ألف بعير والناس ثلاثون ألفا وقيل سبعون ألفا وواضح أن هذه العطشة غير المتقدمة التي دعا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل المطر
وفي كلام بعضهم انه لما حصل للقوم العطس ارسل صلى الله عليه وسلم نفرا ويقال عليا والزبير يستعرضون الطريق وأعلمهم ان عجوزا تمر بهم في محل كذا على ناقة معها سقاء ماء فقال لهم صلى الله عليه وسلم اشتروا منها بما عز وهان وائتوا بها مع الماء فلما بلغوا المكان إذا بالمرأة ومعها السقاء وفي رواية إذا نحن بامرأة سادلة رجلها بين مزادتين فسالوها في الماء فقالت أنا وأهلي احوج اليه منكم فسألوها أن تاتي رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الماء فأبت وقالت من هو رسول الله لعله الساحر وفي رواية الذى يقال له الصابئ وخير الأشياء أنى لا آتيه فشدوها وثاقا وأتوا بها إلى رسول الله فقال لهم خلوا عنها وفي رواية قلنا لها أي الماء قالت أهاه أهاه لا حالكم بينكم وبين الماء مسيرة يوم وليلة ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أتأذنين لنا في الماء ولتصيبن ماءك كما جئت به فقالت شأنكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي قتادة هات الميضأة فقربت اليه فحل السقاء وتفل فيه وصب في الميضأة ماء قليلا ثم وضع يده الشريفة فيه ثم قال ادنوا فخذوا فجعل الماء يفور ويزيد والناس يأخذون حتى ما تركوا معهم إناء الا ملأوه ورووا إبلهم وخيلهم وبقي في الميضاة ثلثاها والميضأة هي الإداوة لأنها يتوضأ منها وفي الدلائل للبيهقي فجعل في إناء من زادتيها ثم قال فيه ما شاء الله ان يقول زاد في رواية ثم مضمض ثم رد الماء في المزادتين وأوكأ أفواههما وأطلق العزالي ثم أمر الناس أن يملئوا آنيتهم وأسقيتهم ثم قال لها تعلمي والله ما رزأنا من مائك شيئا ولكن الله عز وجل هو الذي سقانا

والعزالي جمع عزلاء والعزلاء هي التي تجعل في فم القربة لينزل فيها الماء من الراوية وهي المرادة بالمزادة وهذالسياق يدل على أن هذه عطشة ثالثة لأن الثانية وضع على صلى الله عليه وسلم يده في الركوة التي صب فيها من الميضأة وهذه وضع يده في الميضأة بعد ان لم يجدوا في الميضأة شيئا
وفي رواية أن تلك المرأة أخبرته أنها مؤتمة أي لها صبيان أيتام فقال هاتوا ما عندكم فجمعنا من كسر وتمروصرتها صرة ثم قال لها اذهبي فأطمعي هذا عيالك
وفي رواية أيتامك وصارت تعجب مما رأت ولما قدمت على أهلها قالوا لها لقد احتبست علينا قالت حبسني أني رأيت عجبا من العجب ارأيتم مزادتي هاتين فوالله لقد شرب منهما قريب من سبعين بعيرا وأخذوا من القرب والمزاد والمطاهر مالا احصى ثم هما الآن أوفر منهما يومئذ فلبثت شهرا عند أهلها ثم أقبلت في ثلاثين راكبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت وأسلموا
وفي مسلم لما كان يوم غزوة تبوك اصاب الناس مجاعة بحيث صارت تمص التمرة الواحدة جماعة يتناوبنها فقالوا يا رسول الله لو أذنت لنا فننحر نواضحنا فأكلنا وادهنا فقال عمر رضي الله عنه يا رسول الله فيها بالبركة لعل الله أن فعلت فتى الظهر ولكن أدعهم بفضل ازوادهم وادع الله لهم فيها بالبركة لعل الله ان يجعلها في ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فدعا بنطع فبسطه ثم دعاهم بفضل أزوادهم فجعل الرجل يأتي بكف ذره ويجئ الآخر بكف من تمر ويجئ الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير فدعا رسول الله بالبركة ثم قال لهم خذوا في أوعيتكم فأخذوا حتى ما تركوا في العسكر وعاء الا ملئوه وأكلوا حتى شعبوا وفضلت فضلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بها عبد غير شاك فيحجب عن الجنة وفي رواية الا وقاه الله النار وتقدم نظير ذلك في الرجوع من غزة الحديبية أي ولا مانع من التعدد أو هو من خلط بعض الرواة ولعل هذا كان بعد أن ذبح لهم طلحة بن عبيد الله جزورا فأطعمهم وأسقاهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت طلحة الفياض وسماه يوم أحد طلحة الخير ويوم حنين طلحة الجود لكثرة إنفاقة على العسكر رضي الله عنهم
وعن بعض الصحابة رضي الله عنهم قال كنت في غزوة تبوك على نحي السمن

فنظرت الى النحي وقد قل مافيه وهيأت النبي صلى الله عليه وسلم طعاما ووضعت النحي في الشمس ونمت فانتبهت بخرير النحي فقمت فأخذت رأسه بيدي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى لو تركته لسال الوادي سمنا
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك فقال ليلة لبلال هل من عشاء فقال والذي بعثك بالحق لقد نفضنا جربنا فقال انظر عسى أن تجد شيئا فأخذ الجرب ينفضها جرابا جرابا فتقع التمرة والتمرتان حتى رايت في يده صلى الله عليه وسلم سبع تمرات ثم دعا بصحفة فوضع التمر فيها ثم وضع يده الشريفة على التمرات وقال كلوا بسم الله فأكلنا ثلاثة أنفس وأحصيت أربعا وخمسين تمرة أعدها عدا ونواها في يدي الأخرى وصاحباي يصنعان كذلك فشبعنا ورفعنا أيدينا فإذا التمرات السبع كما هي فقال يا بلال ارفعها فإنه لا يأكل منها أحد الا نهل شبعا فلما كان من الغد دعا صلى الله عليه وسلم بلالا بالتمرات فوضع صلى الله عليه وسلم يده الشريفة عليهن ثم قال كلوا بسم الله فأكلنا حتى شبعنا وإنا لعشرة ثم رفعنا أيدينا وإذا التمرات كما هي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن استحي من ربي لأكلنا من هذه التمرات حتى نرد الى المدينة من آخرنا فأعطاهن غلاما فولى وهو يلوكهن
وأتاه صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك يحنة بضم المثناة تحت وفتح الحاء المهملة ثم نون مشددة مفتوحة ثم تاء التأنيث ابن رؤبة بالموحدة صاحب أيلة وصحبته اهل جرباء تأنيث أجرب يمد ويقصر قرية بالشام واهل أذرح بالذال المعجمة والراء المهملة المضمومة والحاء المهملة مدينة تلقاء السراة وأهل ميناء وأهدي يحنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء فكساه رسول الله صلى الله عليه وسلم بردا فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم على إعطاء الجزية أي بعد أن عرض عليه الإسلام فلم يسلم
وكتب له صلى الله عليه وسلم ولأهل أيلة كتابا صورته بسم الله الرحمن الرحيم هذا أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله لحينه بن رؤية وأهل آيلة سفنهم وسيارتهم في البر والبحر لهم ذمة الله ومحمد النبي ومن كان معهم من أهل الشام واهل اليمن واهل البحر فمن أحدث منهم حدثا فإنه لا يحوز ماله دون نفسه وإنه لطيبة لمن أخذه من الناس وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريقا يريدونه من بر او بحر

وكتب صلى الله عليه وسلم لأهل أذرح وجرباء ما صورته بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم لأهل أذرح وجرباء أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد وأن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة والله كفيل بالنصح والإحسان الى المسلمين وصالح صلى الله عليه وسلم أهل ميناء على ربع ثمارهم
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال رأيت ونحن بتبوك شعلة من نار في ناحية العسكر أي ضوء شمعة كما صرح به الجلال السيوطي رحمه الله حيث أجاب من سأله هل الشمع كان موجودا قبل البعثة وهل وقد عنده صلى الله عليه وسلم بأنه كان موجودا قبل البعثة فقد ذكر العسكري رحمه الله في الأوائل أن أول من أوقده جزيمة الأبرش أي وقد تقدم وهو قبل البعثة بدهر وورد في حديث أنه أوقد للنبي صلى الله عليه وسلم عند دفنه عبد الله ذا البجادين قال وقد ألفت في المسألة تأليفا سميته مسامرة السموع في ضوء الشموع قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فاتبعتها أنظر اليها فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وإذا عبد الله ذو البجادين المزني قد مات وإذا هم قد حفروا له ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته وأبو بكر وعمر يدليانه وهو يقول أدليا الى أخاكما فأدلياه اليه فلما هيأه لشقه قال اللهم قد أمسيت راضيا عنه فارض عنه يقول ابن مسعود يا ليتني كنت صاحب الحفرة أي والبجاد بموحدة ككتاب الكساء المخطط الغليظ لأنه لم يكن لعبد الله المذكور الا بجاد واحد فشقه نصفين فاتزر بواحد وارتدى بالآخر وقدم المدينة وأسلم وقرأ قرآنا كثيرا وكان اسمه عبد العزي فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله
ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى تبوك خرج معه وقال يا رسول الله ادع الله لي بالشهادة فقال صلى الله عليه وسلم أئتني بلحاء شجرة أي بقشرها فأتاه بذلك قربطه على عضده وقال اللهم حرم دمه على الكفار قال يا رسول الله ليس هذا ما أردت قال إنك إذا أخذتك الحمى فقتلتك فأنت شهيد فأخذته الحمى بعد الإقامة بتبوك أياما ومات بها أي وهذا هو المشهور
وروى عن الادرع الأسلمى وكان في حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال جئت ليلة احرس رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رجل ميت فقيل هذا عبد الله ذو البجادين توفي بالمدينة وفرغوا من جهازه وحملوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم

ارفقوا به رفق الله بكم فإنه كان يحب الله ورسوله قال ابن الأثير وهذا حدث غريب لايعرف الا من هذا الوجه وتقدم
وعن الحافظ السيوطي رحمه الله لما ذكر انه أوقد للنبي صلى الله عليه وسلم الشمع عند دفنه عبد الله ذا البجادين قال وقد دل ذلك على إباحة استعماله أي الشمع ولا يعد استعماله إسرافا مع قيام غيره من الأدهان مقامه
وأقام صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة وفي سيرة الحافظ الدمياطي عشرين ليلة يصلي ولم يجاوز تبوك ويحتاج أئمتنا الى الجواب عن ذلك على تقدير صحته
قال وقد استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في مجاوزتها فقال له عمر رضي الله تعالى عنه إن كنت أمرت بالسير فسر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أمرت بالسير لم أستشركم فيه فقال يا رسول الله إن للروم جموعا كثيرة وليس بها أحد من أهل الاسلام وقد دنونا وقد أفزعهم دنوك فلو رجعنا هذه السنة حتى نرى أو يحدث الله أمرا هذا تصريح بأن تبوك لم يقع بها مقاتلة ولا حصل فيها غنيمة وبه يرد ما ذكره الزمخشري في فضائل العشرة أنه صلى الله عليه وسلم جلس في المسجد يقسم غنائم تبوك فدفع لكل واحد سهما ودفع لعلي كرم الله وجهه سهمين فقام زائدة بن الأكوع وقال يا رسول الله أوحي نزل من السماء أم أمر من نفسك فقال صلى الله عليه وسلم أنشدكم الله هل رأيتم في مينمتكم صاحب الفرس الأغر المحجل والعمامة الخضراء بها ذؤابتان مرخاتين على كتفيه بيده حربة قد حمل بها على الميمنة فأزالها قالوا نعم قال هو جبريل عليه الصلاة والسلام وإنه امرني أن ادفع سهمه لعلي فقال زائدة حبذا سهم مسهم وخطب صلى الله عليه وسلم خطبة فيها أما بعد فإن أحسن الحديث كتاب الله وخير الغنى غنى النفس وخير الزاد التقوى ورأس الحكمة مخافة الله عز وجل والنساء حبالة الشيطان والشباب شعبة من الجنون والسعيد من وعظ بغيره ومن يغفر غفر له ومن يعف يعف الله عنه ومن يصبر على الرزية يعوضه الله أستغفر الله لي ولكم
وأهدي له صلى الله عليه وسلم بعض أهل الكتاب جبنة فدعا بالسكين فسمى الله وقطع وأكل ثم انصرف صلى الله عليه وسلم قافلا الى المدينة وكان في الطريق ماء يخرج من وشل قليل جدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبقنا الى ذلك الماء فلا يسقين منه شيئا حتى نأتيه فسبق اليه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه فلما أتاه رسول الله صلى الله

عليه وسلم وقف عليه فلم يجد فيه شيئا فقال من سقبنا الى هذا الماء فقيل له فلان وفلان وفلان فقال أو لم أنههم أن يستقوا منه شيئا حتى آتيه ثم لعنهم ودعا عليهم ثم نزل صلى الله عليه وسلم فوضع يده تحت الوشل فصار يصب في يده ما شاء الله أن يصب ثم نضحه ومسح بيده ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما شاء أن يدعو به فانخرق من الماء وكان له حس كحس الصواعق فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن بقيتم أو بقي منكم احد لتسمعن بهذا الوادي وقد اخصب ما بين يديه وما خلفه أي وهذا خلاف عين تبوك الذي تقدم له صلى الله عليه وسلم فيها ما يشبه هذا وقوله يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة ان ترى ههنا ملئ جنانا إلى آخره لأن تلك العين كانت بتبوك وهذا عند منصرفه من تبوك
قال واجتمع رأي من كان معه صلى الله عليه وسلم من المنافقين وهم اثنا عشر رجلا وقيل اربعة عشر وقيل خمسة عشر رجلا على أن ينكثوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة التي بين تبوك والمدينة فقالوا إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي فأخبر الله تعالى رسوله بذلك فلما وصل الجيش العقبة نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يسلك العقبة فلا يسلكها أحد واسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لك وأوسع فسلك الناس بطن الوادي وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة فلما سمعوا بذلك استعدوا وتلثموا وسلكوا العقبة وأمر صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه ان يأخذ بزمام الناقة يقودها وأمر صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهما أن يسوق من خلفه
وفي الدلائل عن حذيفة قال كنت ليلة العقبة آخذا بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقود به وعمار بن ياسر يسوقه أو أنا أسوقه وعمار يقوده أي يتناوبان ذلك فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في العقبة إذ سمع حس القوم قد غشوه فنفرت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سقط بعض متاعه فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر حذيفة أن يردهم فرجع حذيفة اليهم وقد رأى غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه محجن فجعل يضرب به وجوه رواحلهم وقال اليكم اليكم يا اعداء الله فإذه هو بقوم ملثمين وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم صرخ بهم فولوا مدبرين فعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلع على مكرهم به فانحطوا من العقبة مسرعين الى بطن

الوادي واختلطوا بالناس فرجع حذيفة يضرب الناقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل عرفت أحدا من الركب الذين رددتهم قال لا كان القوم ملثمين والليلة مظلمة
وعن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله تعالى عنه أنه كان يقول لما سقط متاع النبي صلى الله عليه وسلم وأردت جمعة نور لي في اصابعي الخمس فأضاءت حتى جمعت ما سقط حتى ما بقي من المناع شيء وفي لفظ أن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال لا قال إنهم مكروا ليسيروا معي في العقبة فيزحموني فيطرحوني منها ان الله اخبرني بهم وبمكرهم وسأخبركما بهم واكتماهم فلما اصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إليه اسيد بن حضير فقال يا رسول الله ما منعك البارحة من سلوك الوادي فقد كان أسهل من سلوك العقبة فقال اتدري ما أراد المنافقون وذكر له القصة فقال يا رسول الله قد نزل الناس واجتمعوا فمر كل بطن أن يقتل الرجل الذي هم بهذا فإن أحببت بين بأسمائهم والذي بعثك بالحق لا ابرح حتى آتيك برءوسهم فقال صلى الله عليه وسلم إني أكره أن يقول الناس إن محمدا قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله تعالى بهم اقبل عليهم يقتلهم فقال يا رسول الله هؤلاء ليسوا بأصحاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أليس يظهرون الشهادة ثم جمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرهم بما قالوه وما أجمعوا عليه فحلفوا بالله ما قالوا ولا أرادوا الذي ذكر فأنزل الله تعالى { يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر } الآية وأنزل الله تعالى { وهموا بما لم ينالوا } ودعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم ارمهم بالدبيلة هي سراج من نار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم انتهى أي وفي لفظ شهاب من نار يقع على نياط قلب احدهم فيهلكه
وفي الإمتاع أن النبي صلى الله عليه وسلم هو بتبوك الى نخلة فجاء شخص فمر بينه وبين تلك النخلة بنفسه وفي رواية وهو على حمار فدعا عليه صلى الله عليه وسلم فقال قطع صلاتنا قطع الله أثره فصار مقعدا وكان يقال لحذيفة رضي الله تعالى عنه صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حذيفة نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن راحلته فأوحى اليه وراحلته باركة فقامت تجر زمامها فلقيتها فأخذت بزمامها

وجئت الى قرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنختها ثم جلست عندها حتى قام النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته بها فقال من هذا قلت حذيفة فقال النبي صلى الله عليه وسلم إني مسر اليك سرا فلا تذكرنه إني نهيت أن أصلي على فلان وفلان وعد جماعة من المنافقين فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه من خلافته إذا مات الرجل ممن يظن به أنه من أولئك الرهط أخذ بيد حذيفة رضى الله تعالى عنه فقاده الى الصلاة عليه فإن مشى معه حذيفة صلى عليه عمر رضي الله تعالى عنه وإن انتزع يده من يده ترك الصلاة عليه
وقال صلى الله عليه وسلم للمسلمين عند انصرافه إن بالمدينة لاقواما ما سرتهم مسيرا ولا قطعتم واديا الا كانوا معكم قالوا يا رسول الله وهم بالمدينة قال نعم حبسهم العذر ثم اقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بذي أوان محل بينه وبين المدينة ساعة من نهار أي وقال البكري أظن أن الراء سقطت من بين الهمزة والواو أي اروان منسوب الى البئر المشهورة
وحين ننزل صلى الله عليه وسلم أتاه خبر مسجد الضرار فأنزل الله تعالى { والذين اتخذوا مسجدا ضرارا } الآية أي لإضرار اهل قباء أي فإن بني عمرو بن عوف لما بنوا مسجد قباء حسدتهم إخوتهم بنو غنم بن عوف وقالوا نصلي في مربط حمار لا لعمر الله أي لأنه كان لا مرأة كانت تربط فيه حمارها ولكننا نبني مسجدا ونرسل إلى رسول الله فيه ويصلى فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام فيثبت لنا الفضل والزيادة على إخواننا وكان المسلمون في تلك الناحية كلهم يصلى في مسجد قباء جماعة فلما بنى هذا المسجد فصرف عن مسجد قباء جماعة وصلوا بذلك المسجد فكان به تفريق للمؤمنين فكانوا يجتمعون فيه ويعيبون النبي صلى الله عليه وسلم ويستهزئون به أي وقال إن أبا عامر الراهب الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم فاسقا هو الآمر لهم ببنائه فقال لهم ابنوا لي مسجدا واستمدوا ما استطعتم من قوة سلاح فإني ذاهب الى قيصر ملك الروم فآتي بجند من الروم فأخرج محمدا وأصحابه من المدينة وانهم لما فرغوا من بنائهم ارسلوا الى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم ويصلي فيه كما صلى الله عليه وسلم في مسجد قباء فهم أن يأتيهم فأنزل الله تعالى الآية
وفي رواية أتوه صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز الى تبوك فقالوا يا رسول الله قد

بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية وإنا نحب أنا تأتينا فتصلي لنا فيه وتدعو لنا بالبركة قال إني على جناح سفر وحال شغل ولو قدمنا إن شاء الله تعالى لأتيناكم فصلينا لكم فيه فلما قفل من السفر وسألوه إتيان المسجد جاءه الخبر من السماء فأمر جماعة منهم وحشى قاتل حمزة رضي الله تعالى عنه وقال لهم انطلقوا الى هذا المسجد الظالم أهله فاحرقوه واهدموه على اصحابه ففعل به ذلك قال وكان ذلك بين المغرب والعشاء ووصل الهدم الى الأرض وأعطاه صلى الله عليه وسلم لثابت بن أرقم رضي الله تعالى عنه يجعله بيت فلم يولد في ذلك البيت مولود قط وحفر فيه بقعة فخرج منها الدخان ولعل هذا أي جعله بيتا كان بعد أن أمر صلى الله عليه وسلم أن يتخذه محلا لإلقاء الكناسة والجيفة
وفي الكشاف أن مجمع بن حارثة كان إمامهم في مسجد الضرارا فكلم بنو عمرو بن عوف اصحاب مسجد قباء عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في خلافته أن يأذن لمجمع بن حارثة أن يؤمهم في مسجدهم فقال لا ولانعمة أليس بامام مسجد الضرار فقال يا أمير المؤمنين لا تعجل على فو الله لقد صلت بهم والله يعلم إني لا أعلم ما أضمروا فيه ولو علمت ما صليت معهم فيه وكنت غلاما قارئا للقرآن وكانوا شيوخا لا يقرءون من القرآن شيئا فعذره وصدقه وأمره بالصلاة بهم
ولما أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة قال هذه طابة أسكننيها ربي تنفى خبث أهلها كما ينفي الكير خبث الحديد
ولما رأى صلى الله عليه وسلم جبل أحد قال هذا أحد جبل يحبنا ونحبه وتقدم ما في ذلك في غزوة أحد وعن عائشة رضي الله تعالى عنها ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقاه النساء والصبيان يقلن ** طلع البدر علينا ** من ثنيات الوداع ** ** وجب الشكر علينا ** ما دعا لله داع **
قال البيهقي رحمه الله وهذا يذكره علماؤنا عند مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة من مكة لا أنه عند مقدمة المدينة من تبوك هذا كلامه ولا مانع من تعدد ذلك
ولما دنا صلى الله عليه وسلم من المدينة تلقاه عامة الذين تخلفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه لا تكلموا رجلا منهم ولا تجالسوهم حتى آذن لكم فأعرض

عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن الرجل ليعرض عن ابيه وأخيه أنتهى
أي وعن فضالة بن عبيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غزا عزوة تبوك جهد الظهر جهدا شديد حتى صارا يسوقونه فشكوا اليه صلى الله عليه وسلم ذلك ورآهم يسوقونه فوقف صلى الله عليه وسلم في مضيق والناس فيه فنفخ في الظهر وقال اللهم احمل عليها في سبيلها فانك تحمل على القوى والضعيف والرطب واليابس في البر والبحر فزال ما بها من الإعياء وما دخلنا الا وهي تنازعنا ازمتها
وجاء أن حية عارضتهم في الطريق عظيمة الخلقة فانحاز الناس عنها فأقبلت حتى وقفت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته طويلا والناس ينظرون اليها ثم التوت حتى اعتزلت الطريق فقامت قائمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تدرون من هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا أحد الرهط الثمانية من الجن الذين وفدوا الى يستمعون القرآن أي بنخلة عند منصرفه صلى الله عليه وسلم من الطائف وتقدم الكلام عليه فرأى عليه من الحق حين ألم رسول الله صلى الله عليه وسلم ببلده أن يسلم عليه وها هو يقرؤكم السلام فقال الناس وعليه السلام ورحمة الله
وقد كان تخلف عنه صلى الله عليه وسلم رهط من المنافقين وكانوا بضعة وثمانين رجلا وتخلف عنه ايضا كعب بن مالك وكان من الخزرج مرارة بن الربيع وهلال بن أمية وكانا من الأوس فأما المنافقون فجعلوا يحلفون ويعتذرون فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم علانيتهم ووكل سرائرهم الى الله واستغفر لهم وأما الثلاثة فعن كعب بن مالك الخزرجي رضي الله تعالى عنه أنه قال لما جئته صلى الله عليه وسلم وسلمت عليه تبسم المغضب وقال لي تعال فجئت حتى جلست بين يديه فقال ما خلفك فصدقته وقلت والله ما كان لي من عذر والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك وفي رواية قلت يا رسول الله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرايت أن سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلا ولكني والله لقدعلمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله ان يسخط على فيه ولئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخط علي فيه ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عفو الله ما كان لي من عذر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك وقال الرجلان

الآخران وهما مرارة بن الربيع وهلال بن أمية وكانا ممن شهد بدرا وهما من الأوس مثل قول كعب فقال لهما صلى الله عليه وسلم مثل ما قال لكعب ونهى صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامهم فاجتنبهم الناس فاما الرجلان فمكثا في بيوتهما يبكيان وأما كعب فكان يشهد الصلاة مع المسلمين ويطوف بالأسواق فلا يكلمه احد منهم قال ولما طال ذلك على من جفوة الناس تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس الي فسلمت عليه والله مارد علي السلام فقلت يا أبا قتادة أنشدك الله هل تعلمني أحب الله ورسوله فسكت فعدت اليه فنشدته فسكت فعدت اليه فنشدته فقال الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار قال بينما أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدلني على كعب بن مالك فطفق أي جعل الناس يشيرون له حتى إذا جاءني دفع الى كتابا من ملك غسان أي وهو الحارث بن ابي شمر أو جبلة بن الأيهم وكان الكتاب ملفوفا في قطعة من الحرير فإذا فيه أما بعد فانه بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك فقلت لما قراته وهذا أيضا من البلاء فيممت أي قصدت به التنور فسجرته بها أي القيته فيها أي والأنباط قوم يسكنون البطائح بين العراقين قال حتى إذا مضت اربعون ليلة جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطقلها أم ماذا قال لا بل اعتزلها ولا تقربها وأرسل صلى الله عليه وسلم الى صاحبي أي وهما هلال بن أمية ومرارة بن الربيع بمثل ذلك فقلت لامرأتي الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذ الأمر فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه فقال صلى الله عليه وسلم لا ولكن لا يقربك قالت والله إنه ما به حركة الى شيء والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما ما كان الى يومه هذا قال كعب فقال بعض أهلي قال في النور الظاهر أن القائل له امرأة لأن النساء لم يدخلن في النهي لأن في الحديث ونهى المسلمين وهذه الخطاب لا يدخل فيه النساء فدل على ان المراد الرجال قالت لو أستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه فقلت لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريني ما يقول لي رسول الله صلى الله

عليه وسلم إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب ثم مضى بعد ذلك عشر ليال حتى كملت خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا فلما كان صلاة الفجر صبح تلك الليلة سمعت صوتا فوق جبل سلع يقول بأعلى صوته يا كعب بن مالك أبشر فخررت ساجدا وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آدن أي أعم بتوبة الله علينا فلما جاءني الرجل الذي سمعت صوته يبشرني أي وهو حمزة بن عمرو الأوسي نزعت له ثونبي فكسوته اياهما ببشراه والله لا أملك غيهما يومئذ واستعرت أي من أبي قتادة رضي الله عنه ثوبين فلبستهما وانطلقت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقاني الناس فوجا فوجا أي جماعة جماعة يهنئوني بالتوبة يقولون ليهنئك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام الي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني والله ما قام الي رجل من المهاجرين غيره ولا أنساها لطلحة أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان آخى بينهما حين قدم المدينة قال كعب فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور وكان صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر فلما جلست بين يديه صلى الله عليه وسلم قال أبشر بخير يوم يمر عليك منذ ولدتك أمك قلت أمن عندك يا رسول الله أم عند الله عز وجل قال لا بل من عند الله فقلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة الى الله وإلى رسوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك أي وكان المبشر لهلال بن أمية أسعد بن أسد وكان المبشر لمرارة بن الربيع سلطان بن سلامة أو سلامة بن وقش
أي وفي البخاري عن كعب رضي الله عنه فأنزل الله توبتنا على نبيه صلى الله عليه وسلم حين بقي الثلث الأخير من الليل ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة وكانت أم سلمة رضي الله عنها محسنة في شأني معينة في أمري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أم سلمة تيب على كعب قالت أفلا أرسل اليه فأبشره قال إذن يحطمكم الناس فيمنعونكم النوم سائر الليل حتى إذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر أعلم بتوبة الله علينا وانزل الله تعالى قد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة الى قوله وكونوا مع الصادقين وقال في حق من اعتذر له صلى الله عليه وسلم { سيحلفون بالله لكم } الى قوله { فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين }

واستشكل نزول الوحي بالقرآن في بيت ام سلمة بقوله صلى الله عليه وسلم في حق عائشة رضي الله عنها ما نزل على الوحي في فراش امرأة غيرها وأجاب بعضهم بأنه يجوز أن يكون ما تقدم في حق عائشة كان قبل هذه القصة أو أن الذي خصت به عائشة رضي الله عنها نزول الوحي في خصوص الفراش لا في البيت
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى { وآخرون اعترفوا بذنوبهم } الآية قال كانوا عشرة أبو لبابة وأصحابه تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فلما رجع صلى الله عليه وسلم أوثق سبعة منهما أنفسهم بسواري المسجد منهم أبو لبابة فلما مر بهم رسول الله قال من هؤلاء قالوا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك حتى تطلقهم وتغذرهم قال وأنا أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله هو الذي يطلقهم رغبوا عني وتخلفوا عن الغزو مع المسلمين فلما بلغهم ذلك قالوا ونحن لا نطلق انفسنا حتى يكون الله هو الذي يطلقنا فأنزل الله تعالى { وآخرون اعترفوا بذنوبهم } الآية فعند ذلك أطلقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذرهم فجاءوا بأموالهم وقالوا يا رسول الله هذه أموالنا فتصدق بها عنا واستغفر لنا فقال صلى الله عليه وسلم ما أمرت أن آخذ أموالكم فأنزل الله تعالى { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم } إلى قوله { وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم } وهم الذين لم يربطوا أنفسهم بالسواري وتقدم أن أبا لبابة رضي الله عنه الله عنه ربط نفسه ببعض سواري المسجد في قصة بني قريظة وعلى هذا فقد تكرر منه ربط نفسه وقد ذكره ابن اسحاق فليتأمل ذلك
ولما قدم صلى الله عليه وسلم من تبوك وجد عويمرا العجلاني رضي الله عنه امرأته حبلى أي وهي خولة بنت عمه قيس فلا عن بينهما صلى الله عليه وسلم أي في المسجد بعد العصر وكان قد قذفها بشريك بن سحماء ابن عمه وقال وجدته على بطنها وإني ما قربتها منذ اربعة اشهر فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عويرما وقال له اتق الله في زوجتك وابنة عمك فلا تقذفها بالبهتان فقال يا رسول الله أقسم بالله إني رايت شريكا على بطنها وإني ما قربتها منذ أربعة أشهر ودعا صلى الله عليه وسلم بالمرأة التي هي خولة وقال لها اتقي الله ولا تخبريني إلا بما صنعت قالت يا رسول الله إن عويمرا رجل غيور وإنه يأتي وشريكا يطيل السهر ويتحدث حملته الغيرة على أن قال ما قال فدعا شريكا

وقال له ما تقول فقال مثل قول المرأة فأنزل الله تعالى { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } الآية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينادي بالصلاة جماعة فلما صلى العصر أى وقد نودى بذلك واجتمع الناس قال لعويمر قم فقام وقال أشهد الله إن خولة لزاتنية وإني لمن الصادقين ثم قال في الثانية أشهد بالله إني رأيت شريكا على بطنها وإني لمن الصادقين ثم قال في الثالثة أشهد بالله إنها حبلى من غيرى وإني لمن الصادقين ثم قال في الرابعة أشهد بالله إني ما قربتها منذ أربعة اشهر وإني لمن الصادقين ثم قال في الخامسة لعنة الله على عويمر يعني نفسه إن كان من الكاذبين ثم أمره صلى الله عليه وسلم بالقعود وقال لخولة قومي فقامت فقالت أشهد الله ما أنا زانية وإن عويمرا لمن الكاذبين ثم قالت في الثانية أشهد بالله ما رأى شريكا على بطني وإنه لمن الكاذبين ثم قالت في الثالثة أشهد بالله إني لحبلى منه وإنه لمن الكاذبين ثم قالت في الرابعة أشهد بالله إنه ما رآني قط على فاحشة وإنه لمن الكاذبين ثم قالت في الخامسة إن غضب الله على خولة تعني نفسها إن كان من الصادقين ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما أي قال له لا سبيل لك عليها وهو دليل لإمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه القائل إن الفرقة بين الزوجين تحصل بنفس التلاعن
وما جاء في بعض الروايات أنه طلقها ثلاثا قبل أن يأمره صلى الله عليه وسلم أي بعدم الاجتماع بها فهو محمول على أنه ظن أن التلاعن لا يحرمها عليه فاراد تحريمها بالطلاق فقال هي طالق ثلاثا ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم عقب ذلك لا سبيل لك عليها أي لا ملك لك عليها فلا يقع طلاقك ثم قال له صلى الله عليه وسلم إن جاء الولد على صفة كذا فعويمر صادق وإن جاء على صفة كذا فعويمر كاذب فجاء على الصفة التي تصدق عويمرا فكان الولد ينسب الى أمه
وفي البخاري أن عويمرا أتى عاصم بن عدي وكان سيد بني عجلان فقال كيف تقولون في رجل وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه ام كيف يصنع سل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى عاصم النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فكره النبي صلى الله عليه وسلم تلك المسألة وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فساله عويمر فقال له عاصم لم تأتني بخير قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة وعابها أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان يكره المسألة التي لا يحتاج

إليها أي التي لم يكن وقعت لا سيما إن كان فيها هتك ستر مسلم او مسلمة قال عويمر رضي الله عنه لم يكن وقع له مثل ذلك حينئذ ثم اتفق له وقوع ذلك بعد فقال عويمر والله لا أنتهى حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فجاءه عويمر وهو وسط الناس فقال يا رسول الله أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا إن تكلم جلدتموه وإن قتله قتلتموه أو سكت سكت على غيظ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم افتح وجعل يدعو فنزلت آية اللعان وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم لعويمر قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك قرآنا فاذهب فائت بها أي وذلك بعد أن ذكر له عويمر قصته
وفي رواية وقد قضى فيك وفي امرأتك فتلاعنا وفيه أن هلال بن أمية أحد المتخلفين عن تبوك قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء أو كانت حاملا فقال النبي صلى الله عليه وسلم البينة زاد في رواية أوحد في ظهرك فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا يتكلف يلتمس البينة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول وإلا فحد في ظهرك فقال هلال والذي بعثك بالحق إني لصادق فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فنزل جبريل عليه السلام أي بعد أن قال صلى الله عليه وسلم اللهم افتح أي بين لنا الحكم فأنزل الله تعالى والذين يرمون أزواجهم فأرسل صلى الله عليه وسلم الى المرأة فجاءت وتلاعنا وعند الخامسة تلكأت ونكصت حتى ظن أنها ترجع أي لأنه صلى الله عليه وسلم قال لها إنها أي اللعنة موجبة أي للعذاب في الآخرة وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ثم قالت جاءت به كذا فهو لهلال وإن جاءت به كذا فهو لشريك فجاءت به على الوصف الذي ذكرأنه يكون لشريك فقال صلى الله عليه وسلم لولا ما سبق من كتاب الله تعالى لكان لي ولها شأن
وجمهور العلماء على أن سبب نزول آية اللعان قصة هلال بن امية وأنه أول لعان وقع في الإسلام
وذهب جمع الى أن سبب نزولها قصة عويمر العجلاني لقوله صلى الله عليه وسلم قد

أنزل الله فيك وفي صاحبتك قرآنا وأجيب بأن معناه لما نزل في قصة هلال لأن ذلك عام في جميع الناس
قال الإمام النووي رحمه الله ويحتمل أنها نزلت فيهما جميعا فلعلهما سألا في وقتين متقاربين أي وقال صلى الله عليه وسلم في كل اللهم افتح فنزلت هذه الآية فيهما وسبق هلال باللعان فكان أول من لاعن
وفي مسلم أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلا أيقتله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم لا قال سعد بلى والذي اكرمك بالحق وفي رواية كلاوالذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله باليف وفي لفظ لضربته بالسيف من غير صفح أي بل أضربه بحده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
اسمعوا الى ما يقول سيدكم وليس ذلك من سعد رضي الله عنه ردا عليه صلى الله عليه وسلم وانما هو إخبار عن حاله ومن ثم قال صلى الله عليه وسلم إنه لغيور وأنا اغير منه والله أغير مني فاخبر صلى الله عليه وسلم عن سعد بأنه غيور وأنه صلى الله عليه وسلم أغير منه وأن الله غير منه صلى الله عليه وسلم ومن ثم جاء في الحديث لا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحب اليه العذر من الله ومن أجل ذلك أرسل مبشرين ومنذرين ولا احب اليه المدح من الله ومن أجل ذلك وعد الجنة ليكثر سؤال العباد إياها والثناء منهم عليه
وفي تفسير الفخر الرازي رحمه الله لا شخص أغير من الله وبه استدل على جواز إطلاق الشخص على الله تعالى
وفي الحلية لأبي نعيم رحمه الله عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر أرايت لو وجدت مع أم رومان رجلا ما كنت صانعا قال كنت فاعلا به شرا ثم قال صلى الله عليه وسلم يا عمر أرايت لو وجدت رجلا أي مع زوجتك ما كنت صانعا قال كنت والله قاتله فقرأ صلى الله عليه وسلم { والذين يرمون أزواجهم } الآية
وفي الأم لإمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه عن سعيد بن المسيب رضي الله تعالى عنه أن رجلا من أهل الشام وجد مع امرأته رجلا فقتله فرفع الامر الى معاوية رضي الله تعالى عنه فأشكل على معاوية القضاء فها فكتب معاوية الى أبي موسى الأشعري رضي الله

تعالى عنه أن يسال عن ذلك علي بن ابي طالب كرم الله وجهه فاستخبر علي أبا موسى عن القصة فأخبره أبو موسى ت أن معاوية كتب إليه في ذلك فقال علي كرم الله وجهه أنا أبو الحسن إن لم يأت باربعة شهداء قتلناه فليتأمل
وفي الخصائص الكبرى أن في غزوة تبوك اجتمع صلى الله عليه وسلم بإلياس فعن أنس رضي الله تعالى عنه سمعتا صوتا يقول اللهم اجعلني من أمة محمد الله عليه وسلم المرحومة المغفور لها المستجاب لها فقال النبي صل يا أنس انظر ما هذا الصوت قال أنس رضي الله تعالى عنه فدخلت الجبل فإذا رجل عليه ثياب بيض أبيض الراس واللحية طوله أكثر من ثلثمائة ذراع فلما رآني قال أنت خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت نعم قال ارجع اليه واقرأه السلام وقل له أخوك الياس يريد أن يلقاك فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فجاء صلى الله عليه وسلم يمشي وأنا معه حتى إذا كنت منه قريبا تقدم النبي صلى الله عليه وسلم وتأخرت أنا فتحدثا طويلا فنزل عليما من السماء شيء شبه السفرة ودعاني فأكلت معهما قليلا فإذا فيها كمأة ورمان وحوت وتمر وكرفس فلما أكلت قمت فتنحيت ثم جاءت سحابة فاحتملته وأنا أنظر إلى بياض ثوبه فيها قال الحافظ ابن كثير هذا حدث موضوع مخالف للآحاديث الصحيحين وهذا مما يستدرك به على الحاكم الصحاح من وجوه وأطال في بيان ذلك والعجيب من الحاكم كيف يستدركه على الصحيحين وهذا مما يستدرك به على الحاكم
وفي النور لم يجئ في حديث صحيح اجتماعه صلى الله عليه وسلم بالياس وفي الجامع الصغير إلياس أخو الخضر وفي تفسير البغوي أربعة من الأنبياء احياء الى يوم البعث أثنان في الأرض وهما الخضر وإلياس أي وإلياس في البر والخضر في البحر يجتمعان كل ليلة على ردم ذي القرنين يحرسانه وأكلهما الكرفس والكمأة واثنان في السماء إدريس وعيسى عليهما الصلاة السلام
وعن ابن اسحق الخضر من ولد فارس وإلياس من بني اسرائيل أي وقد يقال لا ينافي ذلك ما تقدم أنهما أخوان لجواز أن يكونا أخوين لأم
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله لم ينقل بسند صحيح ولا حسن تسكن اليه النفس أن الخضر عليه الصلاة السلام اجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام ولو

كان حيا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان أشرف أحواله اجتماعه به صلى الله عليه وسلم
وفي الخصائص الكبرى عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه قال خرجت ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم أحمل الطهور فسمع قائلا يقول اللهم أعني على ما ينجيني مما خوفتني منها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس ضع الطهور وأت هذا فقل له ادع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعينه على ما بعثه به وادع لأمته أن يأخذوا ما أتاهم به من الحق فأتيته فقلت له فقال مرحبا برسول الله صلى الله عليه وسلم أنا كنت أحق أن آتيه اقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام وقل له أخوك الخضر يقرأ عليك السلام ويقول لك إن الله فضلك على النبيين كما فضل شهر رمضان على الشهور وفضل أمتك على الأمم كما فضل يوم الجمعة على سائر الأيام فلما وليت سمعته يقول اللهم اجلعني من هذه الأمة المرحومة المتاب عليها قال بعضهم وهذا حديث واه منكر الإسناد سقيم المتن ولم يراسل الخضر عليه الصلاة والسلام نبينا صلى الله عليه وسلم لم يلقه
قال السيوطي في اللآلئ قلت قد أخرج هذا الحديث الطبراني في الأوسط وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الإصابة قد جاء من وجهين وفي الخصائص الصغرى ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه جمعت له الشريعة والحقيقة ولم يكن للأنبياء عليهم الصلاة و السلام إلا أحدهما بدليل قصة موسى مع الخضر عليهما الصلاة و السلام والمراد بالشريعة الحكم بالظاهر وبالحقيقة الحكم بالباطن
وقد نص العلماء على أن غالب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما بعثوا ليحكموا بالظاهر دون ما اطلعوا عليه من بواطن الأمور وحقائقها ومن ثم أنكر موسى عليه الصلاة والسلام على الخضر صلى الله عليه وسلم في قتله الغلام بقوله { لقد جئت شيئا نكرا } فقال له الخضر عليه الصلاة والسلام { وما فعلته عن أمري } ومن ثم قال الخضر لموسى عليهما الصلاة والسلام إني على علم من عند الله لا ينبغي لك أن تعلمه أي تعمل به لأنك لست مأمورا بالعمل به وأنت على علم من عند الله لا ينبغي لي أن أعلمه أي لا ينبغي لي أن اعمل به لاني لست مأمورا بالعمل به
وفي تفسير أبي حيان والجمهور على أن الخضر نبي وكان علمه معرفة بواطن أمور

أوحيت إليه أي ليعمل بها وعلم موسى عليه الصلاة والسلام الحكم بالظاهر أي دون بالحكم بالباطن
ونبينا صلى الله عليه وسلم حكم بالظاهر في أغلب أحواله وحكم بالباطن أي في بعضها بدليل قتله صلى الله عليه وسلم للسارق وللمصلي لما اطلع على باطن أمرهما وعلم منها ما يوجب القتل
وقد ذكر بعض السلف رحمه الله أن الخضر إلى الآن ينفذ الحكم بالحقيقة وأن الذين يموتون فجأة هو الذي يقتلهم فإن صح ذلك فهو في هذه الأمة بطريق النيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه عليه الصلاة والسلام صار من أتباعه صلى الله عليه وسلم كما أن عيسى عليه الصلاة والسلام لما ينزل يحكم بشريعته عنه لأنه من أتباعه
وفيه أن عيسى عليه الصلاة والسلام اجتمع به صلى الله عليه وسلم اجتماعا متعارفا ببيت المقدس فهو صحابي وجاء في حديث مطعون فيه أي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الخضر وإلياس عليهما الصلاة والسلام يجتمعان في كل عام أي في الموسم ويحلق كل منهما رأس صاحبه ويفترقان عن هذه الكلمات بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ما شاء الله ما يكون من نعمة فمن الله ما شاء الله لاحول ولا قوة الا بالله قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من قالها حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات عوفي من السرق والحرق والغرق ومن السلطان ومن الشيطان ومن الحية والعقرب
وعن علي كرم الله وجهه مسكن الخضر بيت المقدس فيما بين باب الرحمة الى باب الأسباط والله اعلم
باب سراياه صلى الله عليه وسلم وبعوثه لا يخفى أن ما كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له غزوة وما خلا عنه صلى الله عليه وسلم يقال له سرية إن كان طائفة اثنين فأكثر فإن كان واحدا قيل له بعث وربما سمعوا بعض السرايا غزوة كما في مؤته حيث قالوا غزوة مؤته وكما في سرية الرجيع حيث عبر عنها السيوطي في الخصائص بغزوة الرجيع وعن سرية ذات السلاسل بغزوة ذات السلاسل وعن سرية سيف البحر بغزوة سيف البحر وربما سموا الواحد سرية وهو في الاصل كثير وبما سموا الاثنين فأكثر بعثا ومنه قول الأصل كالبخاري بعث الرجيع وظاهر كلامهم أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون إرسال ذلك لقتال أو لغير قتال كتجسس الأخبار أو لتعليمهم الشرائع كما في بئر معونة والرجيع أو للتجارة كما في سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما حيث ذهب مع جمع بالتجارة للشام فلقيه بنو فزراة فضربوه وضربوا أصحابه وأخذوا ما كان معهم كما سيأتي
والسرية في الأصل الطائفة من الجيش تخرج منه ثم تعود اليه خرجت ليلا أو نهارا وقيل السرية هي التي تخرج ليلا والسارية هي التي تخرج نهارا وهي من مائة الى خمسمائة وقيل الى اربعمائة أي وفي القاموس السرية من خمس أنفس الى ثلثمائة او اربعمائة وعليه فما دون ذلك لا يقال له سرية فما زاد على الثلثمائة أو أربعمائة الى ثمانمائة يقال له بنسر بالنون فإن زاد على لك الى اربعة آلاف قيل له جيش أي وقيل الجيش من ألف إلى اربعة آلاف فإن زاد على ذلك قي له جحفل وجيش جرار أي الى أثني عشر الفا
والبعث في الأصل الطائفة تخرج من السرية ثم تعود اليها وهو من عشرة الى أربعين يقال له حفيرة ومن أربعين الى ثلثمائة يقال له معتقب وما زاد على ذلك يسمى حمزة قال بعضهم والكتيبة ما اجتمع ولم ينتشر وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله خير الأصحاب أربعة وخير السريا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف وما هزم قوم بلغوا اثني عشر ألفا من قلة إذا صدقوا وصبروا أي فلا يرد أنهزام القدر المذكور يوم حنين قال في الأصل وكانت سراياه صلى الله

عليه وسلم التي بعث بها سبعا واربعين سرية وهو في ذلك موافق لما ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب قال الشمس الشامي والذي وقفت عليه من السرايا والبعوث لغير الزكاة يزيد على السبعين أ هـ
أي وكان صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرا ثم قال اغزوا بسم الله قاتلوا من كفر بالله ولا تغلوا ولا تغدوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا والوليد الصبي أي مالم يقتل كالنساء ولا قتلوا
وفي رواية لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة وهذا عند العمد فلا ينافي أنه يجوز الإغارة على المشركين ليلا وإن لزم على ذلك قتل الصبيان والنساء والشيوخ
فقد روى الشيخان سئل صلى الله عليه وسلم عن المشركين يبيتون أي يغار عليهم ليلا فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال هم منهم وكان صلى الله عليه وسلم يقول من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ولا سمع ولا طاعة في معصية الله وكان صلى الله عليه وسلم يعتذر عن تخلفه عن تلك السرايا ويقول والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب نفوسهم ان يتخلفوا عني ولا أجد ما أحملهم عليه ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل
من جملة وصيته صلى الله عليه وسلم لمن يوليه على سرية وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم الى ثلاث خصال فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ادعهم الى الإسلام فإن هم أبوا فاسألهم الجزية فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم
ومن جملة قوله صلى الله عليه وسلم لمن يوليه على سرية وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم الى ثلاث خصال فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ادعهم الى الإسلام فإن هم أبوا فسألهم الجزية فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم
ومن جملة قوله صلى الله عليه وسلم للسرايا بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا ولما بعث صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل وأبا موسى رضي الله تعالى عنهما إلى اليمن قال لهما يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا
سرية حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة في ثلاثين رجلا من المهاجرين قيل ومن الأنصار وفيه نظر لأنه صلى الله عليه وسلم لم يبعث من الأنصار الا بعد ان غزا بهم بدرا أي وذلك في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من الهجرة وعقد له صلى الله

عليه وسلم لواء أبيض وهو أول لواء عقد في الإسلام حمله ابو مرثد بتفح الميم وإسكان الراء ثم مثلثة مفتوحة حليف حمزة رضي الله تعالى عنه ليعترض عيرا لقريش جاءت من الشام تريد مكة وفيها ابو جهل لعنه الله في ثلثمائة رجل وقيل في مائة وثلاثين فصار رضي الله تعالى عنه الى ان وصل سيف البحر أي بكسر السين المهملة واسكان المثناة تحت ثم فاء ساحله من ناحية العيص أرض من جهينة فصأدق العير هناك فلما تصافوا للقتال حجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني وكان حليفا للفريقين فأطاعوه وانصرفوا ولم يقع بينهم قتال ولما عاد حمزة رضي الله تعالى عنه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر بأي بان مجديا حجز بينهم وانهم رأوا منه نصفة قال صلى الله عليه وسلم في مجدي إنه ميمون النقيبة أي مبارك النفس مبارك الأمر وقال سعيد أورشيد الأمر أي أموره ناجحة ولم يقع له إسلام أي وفي الإمتاع وقد رهط مجدي على النبي صلى الله عليه وسلم فكساهم
سرية عبيدة بن الحارث بن عبد الطلب رضي الله تعالى عنه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس ثمانية أشهر من الهجرة عبيدة بن الحارث رضي الله تعالى عنه في ستين أو ثمانين راكبا من المهاجرين منهم سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه وعقد له لواء أبيض وحمله مسطح بن أثاثة رضي الله تعالى عنه ليعترض عيرا لقريش وكان رئيسهم ابا سفيان وقيل عكرمة بن ابي جهل وقيل مكرز بن حفص في مائتى رجل فوافوا العير ببطن رابغ أى ويقل له ودان هل فلم يكن بينهم الا المناوشة برمي السهام أي فلم يسلوا السيف ولم يصطفوا للقتال وكان أول من رمى من المسلمين سعد بن ابي وقاص رضي الله تعالى عنه فكان سهمه أول سهم رمى به في الإسلام أي كما أن سيف الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه أول سيف سل في الإسلام ففي كلام ابن الجوزي أول من سل سيفا في سبيل الله الزبير بن العوام
وقد ذكر أن سعدا رضي الله تعالى عنه تقدم أصحابه ونثر كنانته وكان فيها عشرون سهما مامنها سهم إلا ويجرح إنسانا أو دابة أي لو رمى به لصدق رميه وشدة ساعدة رضي الله تعالى عنه ثم انصرف الفريقان فإن المشركين ظنوا أن للمسليمن مددا فخافوا وانهزموا ولم يتبعهم المسلمون وفر من المشركين الى المسلمين المقداد بن عمرو أي الذي

يقال له ابن الأسود وعيينة بن غزوان فإنهما كانا مسلمين ولكنهما خرجا مع المشركين ليتوصلا بهم الى المسلمين فعلم أن سرية عبيدة بن الحارث رضي الله تعالى عنه بعد سرية حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه وقي قيل بل هي قبلها وكلام الاصل يشعر به ويؤيده قول ابن اسحاق كانت راية عبيدة بن الحارث فيما بلغنا أول راية عقدت في الإسلام قال بعضهم ومنشأ هذا الاختلاف أن بعث حمزة وبعث عبيدة رضي الله تعالى عنهما كانا معا أي في يوم واحد في محل واحد أي وشيعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا كما في ذخائر العقبي فاشتبه الأمر فمن قائل يقول إن راية حمزة رضي الله تعالى عنه أول راية عقدت في الإسلام وأن بعثه اول البمعوث ومن لكن يشكل على ذلك أن خروج حمزة كل على رأس سبعة اشهر من الهجرة كما تقدم وخروج عبيدة كان على راس ثمانية أشهر كما تقدم وبما ذكر أن بعثهما معا الى آخره يرد ما أجاب به بعضهم عن هذا الإشكال بأنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم عقد رايتهما معا وتأخر خروج عبيدة الى راس الثمانية أشهر لأمر اقتضى ذلك هذا كلامه إلا أن يقال يجوز أن يكون المراد ببعثهما معا أمرهما بالخروج وأن المراد بتشيعهما جميعا أن كلا منهما وقع له التشييع منه صلى الله عليه وسلم وذلك لا يقتضي أن يكون ذلك في وقت واحد تأمل
وفي هذا إطلاق الراية على اللواء وهو الموافق لما صرح به جماعة من أهل اللغة أنهما متردافان وتقدم أنه لم يحدث له اسم الراية إلا في خبير او وكانوا لا يعرفون قبل ذلك إلا الألوية وما هنا يرده
وفي كلام بعضهم كانت رايته صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض كما في حديث ابن عباس وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما زاد ابو هريرة رضي الله تعالى عنه مكتوب فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله
سرية سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه إلى الخرار
بفتح الخاء المعجمة وراءين مهملتين وفي النور بفتح الخاء المعجمة وتشديد الراء الأولى
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على راس تسعة اشهر من الهجرة سعد بن أبي وقاص في عشرين من المهاجرين أي وقيل ثمانية وعقد له لواء أبيض حمله المقداد بن عمرو قال والخرار واد يتوصل منه إلى الجحفة وقد عهد إليه أن لا يجاوزه ليعترض عير لقريش تمر بهم فخرجوا يمشون على اقدامهم يكمنون النهار ويسيرون الليل حتى صبحوا المكان المذكور في صبح خمس فوجدوا العير قد مرت بالأمس فانصرفوا راجعين الى المدينة أ هـ
وقد ذكر ابن عبد البر وابن حزم هذه السرية بعد بدر الأولى وفي السيرة الشامية الباب السادس في سرية سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه الى الخرار وساق ما تقدم وقال بعده الباب التاسع في سرية سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه
روى الإمام احمد عنه قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جاءت جهينة فقالوا له إنك نزلت بين أظهرنا فأوثق لنا حتى نأتيك وقومنا فأوثق لهم فاسلموا وبعثنا صلى الله عليه وسلم ولا نكون مائة وكان ذلك في رجب أي من السنة الثانية وامرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نغير على حي من كنانة فأغرنا عليهم فكانوا كثيرا فلجأنا الى جهينة فمنعونا وقالوا لم تقاتلون في الشهر الحرام فقال بعضنا لبعض ماترون فقال بعضنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره وقال بعض آخر لا نقيم ههنا وقلت انا في أناس معي بل نأتي عير قريش فنقتطعها فانطلقنا الى العير وانطلق بعض أصحابنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه الخبر فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبان محمرا وجه فقال جئتم متفرقين وإنما أهلك من قبلكم الفرقة لأبعثن عليكم رجلا ليس بخيركم أصبركم على الجوع والعطش فبعث علينا عبد الله بن جحش أميرا فأمره علينا لنذهب الى جهة نخلة بين مكة والطائف
سرية عبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنه إلى بطن نخلة
قال لما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء الأخيرة قال لعبد الله بن جحش واف مع الصبح معك سلاحك ابعثك وجها فوافاه الصبح ومعه قوسه وجعبته ودرقته فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاة الصبح وجده واقفا عند بابه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب فدخل عليه فأمره فكتب كتابا ثم دعا عبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنه فدفع اليه الكتاب وقال له قد ا ستعملتك على هؤلاء النفر أ هـأي وكان قبل ذلك بعث عليهم عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب فلما ذهب لينطلق بكى صبيانه الى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث عليهم عبد الله وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمير المؤمنين أي فهو أول من تسمى في الإسلام بأمير المؤمنين ثم بعده عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ولا ينافي ذلك قول بعضهم أول من تسمى في الإسلام بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لان المراد أول من تسمى بذلك من الخلفاء أو أن هذا أمير جميع المؤمنين وذاك أمير من معه من المؤمنين خاصة
فقد جاء أن عمر رضي الله تعالى عنه كان يكتب أولا من خليفة أبي بكر فاتفق أن عمر رضي الله تعالى عنه أرسل الى عامل العراق أن يبعث اليه برجلين جلدين يسألهما عن أهل العراق فبعث اليه بعبد بن ربيعة وعدي بن حاتم الطائي فقدما المدينة ودخلا المسجد فوجدا عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه فقالا استأذن لنا على أمير المؤمنين فقال عمرو انتما والله أصبتما اسمه فدخل عليه عمرو وقال السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال ما بدالك في هذا الاسم فأخبره الخبر وقال أنت الأمير ونحن المؤمنون فأول من سماه بذلك عبد بن ربيعة وعدي بن حاتم وقيل أول من سماه بذلك المغيرة بن شعبة وحينئذ صار يكتب من عبد الله عمر أمير المؤمنين فقد كتب رضي الله تعالى عنه بذلك الى نيل مصر فإن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه لما فتح مصر ودخل شهر بؤنة من شهور العجم دخل اليه أهل مصر وقالوا له أيها الأمير إذا كان أحد عشر ليلة تخلوا من هذا الشهر عمدنا الى جارية بكر بين أبويها وجعلنا عليها من الثياب والحلي ما يكون ثم

ألقيناها في هذا النيل أي ليجري فقال لهم عمرو رضي الله تعالى عنه إن هذا لا يكون في الإسلام وإن الإسلام يهدم ما كان قبله فأقاموا مدة والنيل لا يجري لا قليلا ولا كثيرا حتى هم أهل مصر بالجلاء منها فكتب عمرو بذلك إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فكتب اليه كتابا وكتب بطاقة في داخل الكتاب وقال في الكتاب قد بعثت اليك بطاقة في داخل الكتاب فالقها في نيل مصر فلما قدم الكتاب أخذ عمرو البطاقة ففتحها فإذا فيها من عبد الله عمر أمير المؤمنين الى نيل مصر أما بعد فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر وإن كان الله هو الذي يجريك فأسأل الله الواحد القهار ان يجريك فالقى البطاقة في النيل قبل الصليب بيوم فاصبحوا وقد أجراه الله ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة فقطع الله تلك السنة عن أهل مصر الى اليوم
وكان أولئك النفر ثمانية أي وقيل اثني عشر من المهاجرين يعتقب كل اثنين منهم بعيرا منهم سعد بن أبي وقاص وعيينة بن غزوان وكانا يعتقبان بعيرا ومنهم واقد ابن عبد الله ومنهم عكاشة بن محصن وامر صلى الله عليه وسلم عبد الله أن لا ينظر في ذلك الكتاب حتى يسير يومين أي قبل مكة ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به ولا يستكره أحدا من اصحابه أي على السير معه أي وقد عقد له صلى الله عليه وسلم راية
قال ابن الجوزي أول راية عقدت في الإسلام راية عبد الله بن جحش أي بناء على أن الراية غير اللواء وحينئذ تعارض القول بترادفهما والقول بأن اسم الراية إنما وجد في خبير
قال ابن الجوزي رحمه الله وهو أول أمير أمر في الإسلام وفيه أنه مخالف لما سبق إلا أن يريد أن من سمي أمير المؤمنين فلما سار عبد الله يومين فتح الكتاب فإذا فيه إذا نظرت في كتابي هذا فأت حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف ولا تكره أحدا من أصحابك على السير معك أى ولفظ الكتاب سر بسم الله وبركاته ولا تكرهن أحدا من أصحابك على السير معك وامض لأمري حتى تأتي بطن نخلة فترصد عير قريش وتعلم لنا أخبارهم فلما قرا الكتاب على اصحابه قالوا نحن سامعون مطيعون لله ولرسوله ولك فسر على بركة الله تعالى أي وجعل البخاري دفعه صلى الله عليه وسلم الكتاب لعبد الله ليقراه ويعمل به فيه دليلا على صحة الراوية بالمناولة وهي ان الشيخ يدفع لتلميذه كتابا ويأذن له أن يحدث عنه بما فيه


وممن قال بصحة المناولة مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه روى إسماعيل بن صالح عنه أنه أخرج لهم كتابا مشدودة وقال لهم هذه كتبي صححتها ورويتها فارووها عني فقال له اسماعيل بن صالح نقول حدثنا مالك قال نعم
وفي لفظ أن عيد الله رضي الله تعالى عنه لما قرأ الكتاب قال سمعا وطاعة أي بعد أن استرجع ثم أعلم اصحابه وقال لهم من كان يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق ومن كره ذلك فليرجع فأما أنا فماض الى آخر رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضوا لم يتخلف منهم أحد حتى إذا كانوا ببحران بفتح الموحدة وبضمها وسكون الحاء المهملة موضع اضل سعد بن أبي وقاص وعيينة بن غزوان بعيرهما فتخلفا في طلبه ومضى عبد الله ومن عداهما معه حتى نزل بنلخة فمرت عير لقريش أي تحمل زبيبا وأدما أي جلودا من الطائف وأمتعة للتجارة في تلك العير عمرو بن الحضرمي وعثمان بن المغيرة وأخوه نوفل والحكم بن كيسان ونزلوا قريبا من عبد الله وأصحابه وتخوفوا منهما فاشرف عليهم عكاشة بن محصن وكان قد حلق رأسه أي وتراءى لهم ليظنوا أنهم عمارا فيطمئنوا أي وذلك بإرشاد عبد الله بن جحش رضي الله تعالى عنه فإنه قال لهم إن القوم قد ذعروا منكم فاحلقوا رأس رجل منكم فليتعرض لهم فحلقوا راس عكاشة ثم أشرف عليهم فلما رأوا راسه محلقوا قالوا عمار أي هؤلاء معتمرون لا باس عليكم منهم وكان ذلك آخر يوم من شهر رجب أي وقيل أول يوم منه
ويدل للأول ما جاء ان عبد اله تشاور مع اصحابه فيهم فقال بعضهم لبعض إن تركتموهم في هذه الليلة دخلوا الحرم فقد تمنعوا منكم به وان قتلتموهم في هذا اليوم تقتلوهم في الشهر الحرام أي وكان ذلك قبل أن يحل القتال في الشهر الحرام فإن تحريم القتال في الأشهر الحرم كان معمولا به من عهد ابراهيم وإسمعيل عليهم الصلاة والسلام جعل الله ذلك مصلحة لأهل مكة فإن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما دعا لذريته بمكة أن يجعل الله أفئدة من الناس تهوي اليهم لمصلحتهم ومعاشهم وجعل الأشهر الحرم أرعة ثلاثة سردا وواحدا فردا وهو رجب أما الثلاثة فليأمن فليأمن الحجاج فيها ورادين لمكة وصادرين عنها شهرا قبل شهر الحج وشهرا آخر بعده قدر ما يصل الراكب من أقصى بلاد العرب ثم يرجع وأما رجب فكان للعمار يأمنون فيه مقبلين ومدبرين وراجعين

نصف الشهر للإقبال ونصفه الآخر للإياب لان العمرة لا تكون من أقاصي بلاد العرب كالحج وأقصى منازل بلاد المعتمرين خمسة عشر يوما ذكره السهيلي
ولم يزل تحريم القتال في تلك الأشهر الحرم الى صدر الإسلام وذلك قبل نزول براءة فإن براءة كان فيها نبذ العهد العام وهو أن لا يصد أحد عن البيت جاءه ولا يخاف أحد في الأشهر الحرم وأن لا يحتج مشرك وإباحة القتال في الأشهر الحرم أي مع بقاء حرمتها فإنها لم تنسخ قال تعالى { منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم } فتعظيم حرمتها باقية لم تنسخ وإنما نسخ حرمة القتال فيها خلافا لما نقل عن عطاء من أن حرمة القتال فيها باقية لم تنسخ
ويدل للثاني ما في الكشاف وكان ذلك اليوم أول يوم من رجب وهم يظنون أنه من جمادي الآخرة فتردد القوم وهابوا الإقدام ثم شجعوا أنفسهم عليهم ثم أجمع رأيهم على قتل من لم يقدروا على أسره أي وأخذ ما معهم فقتلوا عمرو بن الحضرمي رماه واقد بن عبد الله بسهم فهو أول قتيل قتله المسلمون وأسروا عثمان والحكم فهما أول أسير اسره المسلمون وأفلت بتفح الهمزة باقي القوم أي وجاء الخبر لأهل مكة فلم يمكنهم الطلب لدخول شهر رجب أي بناء على ما تقدم واستاق عبد الله واصحابه رضي الله تعالى عنهم العير حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أول غنيمة غنمها المسلمون فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام وأبى أن يستلم العير والأسيرين فسقط بالبناء للمجهول في ايديهم أي ندموا وعنفهم إخوانهم من المسلمين وقالت قريش قد استحل محمد واصحابه الشهر الحرام سفكوا فيه الدم وأخذوا فيه الأموال وأسروا فيه الرجال أي وصارت قريش تعير بذلك من مكة من المسلمين يقولون لهم يا معشر الصباة قد استحللتم الشهر الحرام وقاتلتم فيه وزادوا في التشنيع والتعيير وصارت اليهود تتفاءل بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون القتيل عمرو الحضرمي والقاتل واقد فيه عمرت بفتح العين المهملة وكسر الميم الحرب أي حضرت الحرب ووقدت الحرب فكان ذلك الفأل عليه لعنهم الله وضاق الأمر على عبد الله وأصحابه رضي الله تعالى عنهم فأنزل الله تعالى { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير } أي عظيم الوزر { وصد عن سبيل الله } أي ومنع للناس عن دين الله { وكفر به } أي بالله { والمسجد الحرام } أي ومنع للناس عن مكة { وإخراج أهله منه } وهم

النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين منه من { أكبر عند الله } أعظم وزرا { والفتنة } الشرك أي الذي أنتم عليه أو حملكم من أسلم على الكفر بالتعذيب له { أكبر من القتل } لكم فيه أي صدهم لكم عن المسجد الحرام وكفرهم بالله و إخراجكم من مكة وأنتم أهلها وفتنة من أسلم بحيث يريد عن الإسلام ويرجع إلى الكفر أكبر من قتل من قتلتم منهم ففرج عن عبد الله واصحابه رضي الله تعالى عنهم أي وهذا كما ترى يدل على أنهم قتلوا مع علمهم بأن ذلك اليوم من رجب وضعف ما تقدم عن الكشاف الموافق لما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن اصحاب محمد كانوا يظنون أن ذلك اليوم آخر جمادي وكان أول رجب ولم يشعروا أي لأن جمادي يجوز أن يكون ناقصا وفيه أنه لو كان الأمر كذلك لا عتذر عبد الله وأصحابه رضي الله تعالى عنهم بذلك
وجاء أن المسلمين اختلفوا في ذلك اليوم فمن قائل منهم هذه غرة من عدوكم وغنم رزقمتوه ولا ندري أمن الشهر الحرام هذا اليوم ام لا وقال قائل منهم لا نعلم اليوم الا من الشهر الحرام ولا نرى ان تستحلوه لطمع اشتملتم عليه ويذكر أنه صلى الله عليه وسلم عقل أبن الحضرمي أي اعطي ديته ويضعفه ما تقدم في غزوة بدر من أن أخاه طلب ثأره وكان ذلك سببا لإثارة الحرب وأن عتبة بن ربيعة أراد أن يتحمل ديته ويتحمل جميع ما أخذ من العير وأن تكف قريش عن القتال وحينئذ تسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسيرين وطمع وطمع عبد الله واصحابه في حصول الأجر وسألوا رسول الله فأنزل الله تعالى { إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم } أي فقد اثبت لهم الجهاد في سبيل الله
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم ذلك العير وخمسه أي جعل خمسة لله واربعة أخماسه للجيش
وقيل تركه حتى رجع من بدر وخمسة مع غنائم بدر وقيل إن عبد الله هو الذي خمسها أي فإنه رضي الله تعالى عنه قال لأصحابه إن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيما غنمنا الخمس فأخرج خمس ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي عزلها له وقسم سائرها بين أصحابه رضي الله عنهم وحينئذ يكون ما تقدم من قوله وابي ان يتسلم العير الظاهر في أن العير لم تقسم المراد خمس تلك العير وهو أول غنيمة خمست في الإلام أي قبل فرضه ثم فرض على ما صنع عبد الله رضي الله عنه ويوافق ذلك قول ابن عبد الير

في الاسيتعاب وعبد الله بن جحش أول من سن الخمس من الغنيمة للنبي صلى الله عليه وسلم من قبل أن يفرض الله الخمس وأنزل الله تعالى بعد ذلك آية الخمس { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } الآية وإنما كان قبل ذلك المرباع هذا كلامه والمرباع ربع الغنيمة وتقدم أن الفئ والغنيمة يطلق أحدهما على الآخر
وفي كلام فقهائنا أن الغنيمة كانت في صدر الإسلام له صلى الله عليه وسلم خاصة ثم نسخ ذلك بالتخميس
وبعثت قريش الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء عثمان والحكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لانفديكموهما حتى يقدم صاحبانا يعني سعد بن ابي وقاص وعيينة ابن غزوان فإنا نخشاكم عليهما فإن قتلتموهما نقتل صاحبيكم فإن سعدا عينية رضي الله عنهما لم يحضرا الوقعة بسبب التماسهما بعيرهما وقد مكثا في طلبه اياما ثم قدما فأفدى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسيرين أي كل واحد بأربعين أوقية فأما الحكم فأسلم وحسن إسلامه وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا
أي وعن المقداد أراد أميرنا يعني عبد الله بن جحش أن يقتل الحكم فقلت دعه فقدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما عثمان فلحق بمكة فمات بها كافرا بعث وفي الاصل تبعا لشيخه الحافظ الدمياطي
سرية عمير بن عدي الخطمي الضرير إلى عصماء
أي بالمد بنت مروان اليهودية وكانت متزوجة في بني خطمة وكان زوجها مرئد ابن زيد بن حصين الأنصاري أسلم بعد ذلك رضي الله عنه
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمير بن عدي الخطمي وهو أ ول من أسلم من بني خطمة الى قتل عصماء بنت مروان لأنها كانت تسب الإسلام وتؤذي النبي صلى الله عليه وسلم في شعر لها وتحرض عليه فجاءها عمير في جوف اليل حتى دخل عليها بيتها وحولها نفر من ولدها نيام وعلى صدرها صبي ترضعه فمسها بيده ونحى الصبي عن صدرها ووضع سيفه على صدرها وتحامل عليه حتى أنفذه من ظهرها ثم صلى الصبح مع النبي

صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أقتلت ابنة مروان فقال نعم فهل على في ذلك من شيء فقال لا ينتطح فيها عنزان أي الأمر في قتلها هين لا يعارض فيه معارض وهذه الكلمة من جملة الكلمات التي لم تسمع إلا من النبي صلى الله عليه وسلم وقد جمع غالبها في النور في هذا المحل قال وسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم عميرا هذا بالبصير لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال انظروا الى هذا الأعمى الذي يسري في طاعة الله تعالى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقل الأعمى ولكن البصير
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم لما قال ألا رجل يكفينا هذه يعني عصماء بنت مروان فقال عمير بن عدي أنا لها فأتاها وكانت تمارة أي تبيع التمر فقال لها أعندك أجود من هذا التمر لتمر بين يديها قالت نعم فدخلت الى البيت وانكبث لتأخذ شيئا من التمر فالتفت يمينا وشمالا فلم يشسعر بأحد فضرب رأسها حتى قتلها فليتأمل هذا مع ما قبله
ثم إن عميرا أتى المسجد فصلى الصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرف صلى الله عليه وسلم من صلاته نظر اليه فقال له أقتلت ابنة مروان قال نعم قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا أجبتم أن تنظروا الى رجل نصر الله ورسوله فانظروا الى عمير فلما رجع عمير الى منزل بني خطمة وجد بنيها في جماعة يدفنونها فقالوا يا عمير أنت قتلتها قال نعم فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون والذي نفسي بيده لو قلتم بأجمعكم ما قالت لأضربنكم بسيفي هذا حتى أموت أو أقتلكم فيومئذ ظهر الإسلام في بني خطمة وكان يخفى إسلامه من أسلم منهم لكن جاء في رواية أنها كانت تلقى خرق الحيض في مسجد بني خطمة فليتأمل
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم لما أهدر دم عصماء نذر عمير إن رد الله رسوله صلى الله عليه وسلم من بدر الى المدينة سالما ليقتلنها فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر الى المدينة عدا عليها عمير رضي الله تعالى عنه فقتلها وفي كلام السهيلي رحمه الله أن الذي قتل عصماء بعلها
وقد يقال لا مخالفة لأن عميرا رضي الله عنه جاز أن يكون كان بعلالها قبل مرثد بن زياد

وذكر في الاستيعاب في ترجمة عمير رضي الله عنه أنه قتل أخته لسبها رسول الله ولم يسمها
أقول الظاهر أنها غير عصماء لأن نسب عصماء غير نسب عدي الا ان يقال انها أخته لأمه ويبعده ما تقدم من أنه كان زوجا لها والله أعلم وبعث وفي الاصل تبعا لشيخه الحافظ الدمياطي
سرية سالم بن عمير إلى أبي عفك أي والعفك بفتح العين المهملة وبالفاء وبالكاف أي الحمق أي ابي الحمق اليهودي قال صلى الله عليه وسلم يوما من لي بهذا الخبيث يعني أبا عفك أي من ينتدب الى قتله وكان شيخا كبيرا قد بلغ مائة وعشرين سنة وكان يحرض الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعيبه في شعر له فقال سالم بن عمير رضي الله عنه أي وهو أحد البكائين وقد شهد بدرا على نذر ان أقتل ابا عفك أو أموت دونه فطلب له غرة أي غفلة فلما كانت ليلة صائفة أي شديدة الحر نام أبو عفك بفناء بيته أي خارجه فعلم بذلك سالم رضي الله عنه فاقبل نحوه فوضع السيف على كبده ثم تحامل حتى خش السيف في فراشه وصاح عدو الله فتركه سالم رضي الله عنه وذهب فقام إلى أبي عفك ناس من أصحابه فاحتملوه وأدخلوه داخل بيته فمات عدو الله وابن إسحاق قدم هذه البعث على بعث عمير
سرية عبد الله بن مسلمة رضي الله عنه الى كعب بن الاشرف الأوسي
أي فإن الله أصاب دما في الجاهلية فأني المدينة فحالف بني النضير فشرف منهم وتزوج عقيلة بنت ابي الحقيق فولدت له كعبا وكان طويلا جسيما ذا بطن وهامة وكان شاعرا مجيدا وقد كان ساد يهود الحجاز بكثرة ماله وكان يعطى أحبار اليهود ويصلهم فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فجاءه أحبار يهود من بني قينقاع وبني قريظة لأخد صلته على عادتهم فقال لهم ما عندكم من أمر هذا الرجل يعني النبي صلى الله عليه وسلم قالوا هو الذي كنا ننتظر ما أنكرنا من نعوته شيئا فقال لهم قد حرمتم كثيرا من

الخير فارجعوا الى أهليكم فإن الحقوق في مالي كثيرة فرجعوا عنه خائبين ثم رجعوا اليه قالوا له أنا اعجلناك فيما أخبرناك به ولما استثبتنا علمنا أنا غلطنا وليس هو المنتظر فرضي عنهم ووصلهم وجعل لكل من تابعهم من الاحبار شيئا من ماله وهذا نزل فيه قوله تعالى { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما } استودعه شخص دينارا فجحده كذا في تكملة الجلال السيوطي وفي الكشاف وفروعه أنها نزلت في فنحاص بن عازوراء وقد يقال لا مانع من تعدد الواقعة
ولما انتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وقدم زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهما مبشرين لأهل المدينة بذلك وصارا يقولان قتل فلان وفلان وأسر فلان وفلان من أشراف قريش صار كعب يكذب في ذلك ويقول هؤلاء أشراف العرب وملوك الناس والله إن كان محمد قتل هؤلاء القوم فبطن الأرض خير من ظهرها أن كما تقدم فلما يتقن عدو الله الخبر خرج حتى قدم مكة وكان شاعرا فجعل يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ويمدح عدوهم ويحرضهم عليه وينشد الأشعار ويبكي من قتل ببدر من أشراف قريش فقال صلى الله عليه وسلم اللهم اكفنى ابن الأشرف بما شئت ثم رجع الى المدينة أي بعد أن لم يجد من يأوى رحله بمكة أي لانه لما قدم مكة وضع رحله عند المطلب بن وادعة وأكرمته زوجة المطالب وهي عاتكة بنت أسيد فدعا رسول اله صلى الله عليه وسلم حسان وأخبره بذلك فهجا المطلب وزوجته فلما بلغهما هجاء حسان ألقت رحله وقالت مالنا ولهذا اليهودي وأسلم المطلب وزوجته بعد ذلك رضي الله عنهما وصار كلما تحول عند قوم من أهل مكة صار حسان يهجوهم فيلقون رحله أي يقال إنه خرج في سبعين راكبا من اليهود إلى مكة ليحالفوا قريشا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلوا على أبي سفيان فقال لهم أبو سفيان إنكم أهل الكتاب ومحمد صاحب الكتاب ولا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم فإن أردتم أن نخرج معكم فاسجدوا لهذين الصنمين وآمنوا بهما ففعلوا فأنزل الله تعالى { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت } أي وحالفهم عند استار الكعبة على قتال المسلمين فخرج من مكة للمدينة فلما وصل الى المدينة وصار يشبب بنساء المسلمين أي يتغزل فيهن ويذكرهن بالسوء حتى آذاهن

أي وقيل إن كعب بن الاشرف صنع طعاما وواطأ جماعة من اليهود أن يدعوا النبي صلى الله عليه وسلم الى الطعام فإذا حضر يفتكون به ثم دعاه فجاء ومعه بعض أصحابه فأعلمه جبريل عليه السلام بما أضمرره بعد أن جالسه فقام صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام يستره بجناحه حتى خرج فلما فقدوا تفرقوا ولا مانع من تعدد الاسباب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينتدب لقتل كعب بن الأشرف وفي لفظ من لنا بابن الأشرف فقد استعلن بعدواتنا وهجائنا أي وفي رواية إنه يؤذي الله ورسوله وفي أخرى فإنه قد آذانا بشعره وقوي المشركين علينا أي فإن ابا سفيان قال لكعب فانك تقرا الكتاب وتعلم ونحن أميون لا نعلم فأينا أهدى طريقا وأقرب الى الحق أنحن أم محمد فقال كعب اعرضوا على دينكم فقال ابو سفيان نحن ننحر للحجيج الكوماء ونقسيهم الماء ونقرى الضيف ونفك العاني ونصل الرحم ونعمر بيت ربنا ونطوف به ونحن أهل الحرم ومحمد فارق دين آبائه وقطع الرحم وفارق الحرم وديننا قديم ودين محمد الحديث فقال كعب لعنة الله أنتم والله أهدى سبيلا مما هو عليه فقال صلى الله عليه وسلم من لي بقتل ابن الأشرف فقال محمد بن مسلمة الأوسي انا لك به يا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خالي لأن محمد بن مسلمة ابن اخته أنا أقتله واجمع أي عزم على ذلك هو واربعة أي من الأوس عباد بن بشر وأبو نائلة وكان رضي الله عنه أخا لكعب بن الأشرف من الرضاعة والحارث بن عيسى والحارث بن أوس ومكث محمد بن مسلمة رضي الله عنه بعد قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة ايام لا يأكل ولا يشرب إلا ما تقوم به نفسه خوفا من عدم وفائه بما ذكر ثم قال يا رسول الله لا بد لنا أن نقول أي نذكر ما نتوصل به اليه من الحيلة وحينئذ كان المناسب أن يقول لا بد لنا أن نقول أي نخترع ما نحتال به عليه فقال قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك فأباح صلى الله عليه وسلم لهم الكذب لأنه من خدع الحرب كما تقدم
وقيل إنه صلى الله عليه وسلم أمر سعد بن معاذ أن يبعث رهطا ليقتلوه والجمع ممكن فتقدمهم الى كعب أبو نائلة رضي الله عنه وكان يقول الشعر فتحدث معه ساعة وتناشد شعرا ثم قال ويحك يا ابن الاشرف إني قد جئتك لحاجة أريد أن أذكرها لك فاكتم عني قال أفعل قال كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء عادتنا العرب ورمتنا عن قوس واحدة فقطعت عنا السبل حتى جاع العيال وجهدت الأنفس أي

وسألنا الصدقة ونحن لا نجد ما نأكل وسائر ما عندنا أنفقناه على هذا الرجل وعلى أصحابه فقال كعب لقد كنت أخبرتك يا ابن مسلمة أن الأمر سيصبر إلى ما تقول أي ثم قال له كعب أصدقني ما الذي تريدون في أمره قال خذلانه والتنحى عنه قال شر تبين بان لكم أن تعرفوا ما أنتم عليه من الباطل فقال ابو نائلة وقيل محمد بن مسلمة كما في رواية صحيحة
قال الحافظ ابن حجر ويحتمل ان كلا منهما قال له إني اريد ان تبيعني وأصحابي طعاما ونرهنك ونوثق لك فقال اترهنوني أبناءكم وفي رواية نساءكم قال اردت أن تفضحنا نرهنك من الحلقة أي السلاح كما تقدم وقيل الدرع خاصة ما فيه وفاء وقد أردت أن آتيك بأصحابي أراد أبو نائلة رضي الله عنه أن لا ينكر كعب السلاح إذا جاء به هو وأصحابه فقال إن في الحلقة لوفاء أي وفي البخاري قال أرهنوني نساءكم قالوا كيف نرهنك نساناء وأنت اجمل العرب زاد في رواية ولا نأمنك عليهن وأي امرأة تمتنع منك لجمالك فانك تعجب النساء قال فارهنوني ابناءكم قالوا كيف نرهنك ابناءنا فيسب أحدهم فيقال رهن يوسف قالوا هذا عار علينا ولكنما نرهنك اللامة أي السلاح فرجع أبو نائلة رضي الله عنه الى أصحابه فاخبرهم الخبر وأمرهم أن يأخذوا السلاح ثم جاءوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجوا من عنده متوجهين الى كعب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي معهم الى بقيع الغرقد ثم وجههم وقال انطلقوا على اسم الله اللهم أعنهم ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى بيته أي وأمر عليهم محمد بن مسلمة وكانت تلك الليلة مقمرة فأقبلوا رضي الله عنهم حتى انتهوا الى حصن كعب فهتف به ابو نائلة رضي الله عنه وكان كعب قريب عهد بعرس فوثب في ملحفته فأخذت امراته بناحيتها أي طرفها وقالت إنك امرؤ محارب وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في مثل هذه الساعة قال أبو نائلة لووجدني قائما لا يوقظني فقالت والله إني لأعرف في صوته الشر أي وفي البخاري فقالت له امرأته أين تخرج هذه الساعة فإني أسمع صوتا كأنه يقطر منه الدم وفي مسلم كأنه صوت دم أي صوت طالب دم قال إنما هو ابن اختي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة إن الكريم لو دعي الى طعنة بليل لأجاب كذا في البخاري وفي مسلم إنما هو محمد ورضيعته قيل وصوابه إنما هو محمد ورضيعه ابو نائلة


فقد ذكر أهل العلم أن أبا نائلة رضي الله عنه كان رضيعا لمحمد فنزل أي وهو ينفح منه ريح طيب فتحدث معه هو وأصحابه ساعة ثم تماشوا ثم إن ابا نائلة رضي الله عنه وضع يده على رأس كعب ثم شم يده وقال ما رأيت طيبا أعطر من هذا الطيب أي فقال وكيف عندي أعطر نساء العرب وأكل العرب وفي لفظ وأجمل بدل أكمل وهي أشبه فقال له يا ابا سعيد أدن مني راسك أشمه وأمسح به عيني ووجهي ثم مشوا ساعة ثم عاد في ذلك أى في أن يتكلموا بما يتوصلون به إليه من الحيلة فأذن الله فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغن شيئا أي وقع بعضها على بعض ولصق عدو الله بأبي نائلة وصاح صيحة لم يبق حصن وإلا وعليه نار قال محمد بن مسلمة رضي الله عنه فوضعت سيفي في ثنيته ثم تحاملت عليه حتى بلغ عانته فوقع أي ولما صاح اللعين صاحت امرأته يا آل قريظة والنضير مرتين فخرجت اليهود فأخذوا عل غير طريق الصحابة ففاتوهم
قال محمد بن مسلمة رضي الله عنه وأصيب الحارث بن أوس من بعض اسيافنا في رجله ورأسه ونزف به الدم فتخلف عنا أي وناداهم اقرءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام فعطفوا عليه واحتملوه وفي رواية تخلف عن اصحابه فافتفدوه ورجعوا اليه فاحتلموه قال محمد بن مسلمة رضي الله عنه فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الليل وهو قائم يصلي فسلمنا عليه فخرج إلينا وأخبرناه بقتل عدونا وتفل على جرح صاحبنا فلم يؤلمه
قال وفي رواية أنهم حزوا رأس كعب وحملوا ذلك الراس ثم خرجوا يشتدون فلما بلغوا بقيع الغرقد كبروا وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى تلك الليلة فلما سمع تكبيرهم بالبقيع كبر وعرف أنهم قد قتلوا عدو الله وخرج الى باب المسجد فجاءوا فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا على باب المسجد فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلحت الوجوه قالوا أفلح وجهك يا رسول الله ورموا برأسه بين يديه فحمد الله على قتله أي وعند ذلك أصبحت يهود مذعورين فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا قتل سيدنا غيلة فذكر لهم النبي صلى الله عليه وسلم صنيعه من التحريض عليه وأذنيه المسلمين فازدادوا خوفا
سرية عبد الله بن عتيك رضي الله عنه لقتل أبي رافع
سلام بالتخفيف ابن ابي الحقيق على وزن نصير بالتصغير وبالحاء المهملة الخزرجي أي وفي البخاري ابي رافع عبد الله بن ابي الحقيق ويقال له سلام بن أبي الحقيق كان بخيبر وكان تاجر أهل الحجاز
لما قتلت الأوس أي عبد الله بن مسلمة وأبو نائلة ومن تقدم معهما كعب بن الأشرف تذاكر الخزرج من يشابه كعب بن الأشرف في العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الخزرج فذكروا أبا رافع سلام بن أبي الحقيق أي لانه كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم
أي وعن عروة أنه كان ممن أعان غطفان وغيرهم من مشركي العرب بالمال الكثير على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي حزب الأحزاب يوم الخندق لأن الأوس والخزرج كانا يتنافسان فيم يقرب الى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم لا تفعل الأوس شيئا من ذلك إلا فعلت الخزرج نظيره وبالعكس ويقولون والله لا يذهبون بهذا فتيلا علينا في الإسلام فانتدب لقتله خمسة من الخزرج منهم عبد الله بن عتيك وعبد الله ابن أنيس وابو قتادة واستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بن عتيك وأمرهم أن لا يقتوا وليدا ولا امرأة فخرجوا حتى أتوا خيبر فتسوردا دار ابي رافع ليلا فلم يدعوا بيتا في الدار إلا أغلقوه على أهله وكان ابو رافع في علية لها درجة أي سلم من الخشب من محل يصعد عليه الى تلك العلية فطلعوا في تلك الدرجة حتى قاموا على باب تلك العلية فاستأذنوا فخرجت اليهم امرأته فقالت من أنتم قالوا ناس من العرب نلتمس الميرة
وفي لفظ لما صعدوا قدموا عبد الله بن عتيك لأنه كان يتكلم بلسان يهود فاستفتح وقال جئت أبا رافع بهدية ففتحت له امرأته وقالت ذاكم صاحبكم فادخلوا عليه فلما دخلوا عليه أغلقوا عليهم وعليها باب الحجرة ووجدوه وهو على فراشه ما دلهم عليه في الظلمة إلا بياضة كأنه قبطية فابتدروه بأسيافهم ووضع عبد الله بن أنيس رضي الله

عنه سيفه في بطنه وتحامل عليه حتى انفذه وهو يقول قطني قطني أي يكفيني يكفيني وعند ذلك صاحت المرأة قال بعضهم ولما صاحت المرأة جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ثم يتذكر نهى رسول صلى الله عليه وسلم فيكف يده قال وفي رواية أن المرأة لما رأت السلاح أرادت أن تصيح فاشار اليها بعضنا بالسيف فسكتت فابتدرناه باسيافنا وخرجنا من عنده وكان عبد الله بن عتيك رجلا سيء البصر فوقع من الدرجة فوثبت رجله وثبا شديدا أي جرحت جرحا شديدا وفي لفظ قد انكسرت ساقه وفي آخر فانخلعت رجله فعصبها بعمامته والجمع بين كسر ساقه وخلع رجله واضح لأن الانخلاع يكون من المفصل فقد انكسرت ساقه وانخلعت من مفصلها ومع الكسر والانخلاع حصلت فيها جراحة أيضا
وأما قول ابن اسحاق رحمه الله فوثبت يده فقيل وهم والصواب رجله كما تقدم وفي السيرة الهشامية فوثبت يده وقيل رجله
وقد يقال لا مانع من حصولهما قال فحملناه حتى أتينا محلا استخفينا فيه أى وذلك المحل من أفنيتهم التي يلقون فيها كناستهم وفي لفظ أنهم كمنوا في نهر من عيونهم حتى سكن الطلب
وقد يقال لا مخالفة لأنهم أوقدوا النيران وتفرقوا من كل وجه يلطبونهم أي وفي لفظ فخرج الحارث في ثلاثة آلاف في آثارهم يطلبونهم بالنيران حتى إذا أيسوا رجعوا إلى عدو الله فكتفوه وهو بينهم يجود بنفسه فقال بعضنا لبعض كيف نعلم أن عدو الله مات فقال رجل منهم أنا أذهب فانظر لكم فانطلق حتى دخل في الناس قال فوجدت امرأته تنظر في وجهه وفي يدها المصباح ورجال يهود حوله وهي تحدثهم وتقول أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك ثم أكذبت نفسي
أي وعلى الرواية الآتية انه أكذبها ثم اقبلت تنظر في وجهه ثم قالت فاضت وإله يهود أي خرجت روحه فما سمعت من كلمة كان ألذ الى نفسي منها ثم جئت وأخبرت أصحابي واحتملنا عبد الله بن عتيك وقدمنا الى رسول صلى الله عليه وسلم
وفي رواية أن ابن عتيك لما عصب رجله انطلق حتى جلس على الباب وقال لا اخرج الليلة حتى اعلم أني قتلته أولا فلما صاح الديك قام الناعي على السور فقال

أنعى أبا رافع تاجر اهل الحجاز فانطلق يحجل الى اصحابه وقال قد قتل الله ابا رافع فاسرعوا وليتأمل هذا مع ما قبله وقوله أنعى هو بتفح العين وقيل الصواب انعوا والنعي خبر الموت والأسم الناعي ويقال له الناعية وكانت العرب إذا مات فيهم الكبير ركب راكب فرسا وصار يذكر أوصافه ومآثره وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولا منافاة بين كونه انطلق يحجل إلى اصحابه وكونهم حملوه لأنه يجوز أن يكون عند وقوعه وحصول ما تقدم له لم يحس بالألم لما هو فيه من الاهتمام وقدر على المشي يحجل ومن ثم جاء في بعض الروايات فقمت أمشي ما بي قلبة أي علة مهلكة فلما وصل الى اصحابه وعاد عليه المشي أحس بالألم فحمله أصحابه وهذا السياق يدل على أن الذي قتله عبد الله ابن عتيك وحده وهو ما في البخاري وفي رواية أن الذي كسرت رجله ابو قتادة لأنهم لما قتلوه وخرجوا نسى ابو قتادة قوسه فرجع اليها وأخذها فاصيبت رجله فشدها بعمامته ولحق بأصحابه وكانوا يتناوبون حمله حتى قدموا المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم فمسحها فبرئت أي وقال لما رآنا أفلحت الوجوه قلنا أفلح أفلح وجهك يا رسول الله وأخبرناه بقتل عدو الله واختلفنا عنده صلى الله عليه وسلم في قتله كل منا ادعاه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتوا أسيافكم فجئناه بها فنظر اليها فقال لسيف عبد الله بن أنيس هذا قتله أرى فيه أثر الطعام قال والثابت في الصحيح كما علمت أن عبد الله بن عتيك هو الذي انفرد بقتله وان عدو الله كان يحصن بأرض الحجاز ولا منافاة لان خبير من الحجاز أي من قراه وريفه
فلما دنوا من خيبر وقد غربت الشمس وراح الناس بسرحهم قال عبد الله لاصحابه اجلسوا مكانكم فإني منطلق ومتلطف للبواب لعلي ان أدخل فاقبل حتى دنا من الباب ثم تقنع بثوبه كأنه يقضي حاجته وقد دخل الناس فهتف به البواب يا عبد الله ناداه بذلك كما ينادي الشخص شخصا لا يعرفه وهو يظن أنه من أهل الحصن إن كنت تريد أن تدخل فادخل فإني اريد أن أغلق الباب فدخل وكمن فلما اغلق الباب علق المفاتيح قال ثم أخذتها وفتحت الباب وكان ابو رافع يسمر عنده فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت اليه فجعلت كلما فتحت بابا أغلقته على من داخله حتى انتهيت إليه فإذا هو في بيت ظلم وسط عياله لا أدري أين هو من البيت قلت أبا رافع قال من هذا فأهويت نحو الصوت فضربته بالسيف فما أغنت شيئا وصاح فخرجت من البيت أي وعند ذلك قالت له

امرأته يا أبا رافع هذا صوت عبد الله بن عتيك قال ثكلتك أمك واين عبد الله بن عيتك قال ابن عيتك ثم عدت وقلت ما هذا الصوت يا أبا رافع قال لأمك الويل إن رجلان في البيت ضربني بالسيف فعمدت إليه فضربته أخرى فلم تغن شيئا فتواريت ثم جئته كهيئة المغيث وغيرت صوتي وإذا هو مستلق على ظهره فوضعت السيف في بطنه وتحاملت عليه حتى سمت صوت العظم ثم جئت الى الدرجة فوقعت فانكسرت رجلي فعصبتها بعمامتي فانطلقت الى اصحابي وقلت النجاة قد قتل الله ابا رافع فانتهت الى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته فقال ابسط رجلك فمسحها فكأني لم أشتهكا قط وعادت كأحسن ما كانت انتهى أبي وهذا ما في البخاري وفيه في رواية اخرى أن ابن عتيك قال لما وضعت السيف في بطنه وتحاملت عليه حتى سمعت صوت العظم خرجت دهشا حتى اتيت السلم أي الذي صعدت فيه اريد أن أنزل فأسقطت منه فانخلعت رجلي فعصبتها فأتيت أصحابي أحجل فقلت انطلقوا فبشروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغني لا ابرح حتى اسمع الناعية فلما كان في وجه الصبح صعد الناعية فقال أنعى ابا رافع فقمت أمشي ما بي قلبة فادركت أصحابي قبل ان يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبشرته
وفي سيرة الحافظ الدمياطي أنهم مكثوا في ذلك المحل استخفوا فيه يومين حتى سكن عنهم الطلب وينبغي النظر الى وجه الجمع بينا ما ذكر
سرية زيد بن حارثه رضي الله عنهما الى القردة بفتح القاف والراء وقيل بالفاء مفتوحة وقيل بكسرها وسكون الراء وقدمه في الأصل على الأول اسم ماء
وسبها أن قريشا لما كانت وقعة بدر خافوا الطريق التي كانوا يسلكونها الى الشام من على بدر فسلكوا طريقا أخرى من جهة العراق فخرج عيرلهم فيه أموال كثيرة جدا من تلك الطريق يريدون الشام واستأجروا رجلا يدلهم على الطريق وكان ذلك الرجل ممن هرب من أسارى بدر وفي ذلك العير من اشراف قريش ابو سفيان وصفوان بن أمية وعبد الله بن أبي ربيعة وحويطب بن عب العزي فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم

زيد بن حارثة في مائة راكب وهي أول سرية لزيد بن حارثة خرج فيها أميرا فصادف تلك العير على ذلك الماء فأصاب العير وأفلت القوم وأسروا دليلهم
وقدم زيد رضي الله عنه بتك العير على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخسمها فبلغ الخمس ما قيمته عشرون الف درهم وأتى بذلك الأسير الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له إن تسلم تترك أي من القتل فأسلم فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن إسلامه بعد ذلك
سرية ابي سلمة عبد الله بن عبد الأسد وهو ابن عمته صلى الله عليه وسلم برة بنت عبد المطلب وأخوه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة كما تقدم الى قطن أي وهو جبل وقيل ماء من مياه بني أسد
وسببها انه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ان طليحة وسلمة ابنى خويلد قد صار في قومهما ومن أطاعهما الى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي اخبره بذلك رجل من طيء قد المدينة لزيارة بنت اخيه بها فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سلمة المذكور وعقد له لواء وبعث معه مائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار وخرج الرجل المخبر له صلى الله عليه وسلم دليلا لهم وقال له صلى الله عليه وسلم سر حتى تنزل أرض بني أسد فإغر عليهم قبل أن يتلاقى عليك جموعهم فأغذ السير أي بفتح الهمزة والغين المشددة والذال المعجمتين أي أسرع ونكب أي بفتح الكاف المخففة عدل عن سيف الطريق وسار بهم ليلا ونهارا ليستبق الاخبار فانتهى الى ماء من مياههم فأغار على سرح لهم وأسروا ثلاثة من الرعاة وأفلت سائرهم ففرق ابو سلمة أصحابه ثلاث فرق فرقة بقيت معه وفرقتان أغارتا في طلب النعم والشاء والرجال فأصابوا إبلا وشاء ولم يلقوا أحدا فانحدر ابو سلمة بذلك كله الى المدينة
قال وقيل إنه أخرج صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك عبدا أي لأنه صلى الله عليه وسلم كان يباح له أخذ الصفي وهو ما يختاره أو يختاره له أمير السرية قبل القسمة من الفئ أو الغنيمة من جارية أو غيرها كما تقدم واخرج الخمس ثم قسم ما بقي بين اصحابه فأصاب كل إنسان سبعة أبعرة أي وطليحة هذا كان يعد بألف فارس قدم عليه صلى الله عليه وسلم في بعض الوفود وأسلم ثم ارتد وادعى النبوة وتوفي رسول

الله صلى الله عليه وسلم فقويت شوكته ثم أسلم بعد وفاة ابي بكر رضي الله عنه وحسن إسلامه وحج في زمن عمر رضي الله عنه ولم يعرف لأخيه سلمة إسلام بعث عبد الله ابن أنيس الى سفيان بن خالد الهذلي ثم اللحياني بكسر اللام وفتحها
وسبب ذلك أنه عليه الصلاة والسلام بلغه أن سفيان المذكورة قد جمع الجموع لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه ليقتله فقال صفه لي يا رسول الله فقال إذا رايته هبته وفرقت أي خفت منه وذكرت الشيطان فقال عبد الله يا رسول الله ما فرقت من شيء قط فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بلى إنك تجدله قشعريرة إذا رأيته فقال عبد الله فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اقول أي ما أتوصل به اليه من الحيلة فأذن لي أي قال لي قل ما بدا لك أي وقال انتسب الى خزاعة قال عبد الله بن أنيس فسرت حتى إذا كنت ببطن عرنة وهو واد بقرب عرفة لقيته يمشي أي متوكئا على عصا يهد الأرض ووراءه الأحابيش أي اخلاط الناس ممن انضم إليه فعرفته بنحت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأني هبته وكنت لا أهاب الرجال فقلت صدق الله ورسوله أي وكان وقت العصر فخشيت أن يكون بينى وبيه محاولة يشغلنى عن الصلاة فصليت وأنا أمشى نحوه أومىء برأسي فلما أنتهيت اليه قال لي من الرجل فقلت رجل من خزاعة سمعت بجمعك لمحمد فجئت لأكون معك قال أجل إني لأجمع له فمشيت معه ساعة وحدثته فاستحلى حديثي أي وكان فيما حدثته به أن قلت له عجبت لما احدث محمد من هذا الدين المحدث فارق الآباء وسفه أحلامهم فقال لي إنه لم يلق أحد يشبهني ولا يحسن قتاله
فلما انتهى الى خبائة وتفرق عنه صحابه قال لي يا أخا خزاعة هلم فدنوت منه فقال اجلس فجلست معه حتى إذا هدأ الناس وناموا اغتررته فقتلته وأخذت راسه ثم دخلت غارا في الجبل وصيرت العنكبوت أى نسجت على وجاء الطلب فلم يجدوا شيئا فانصرفوا راجعين ثم خرجت فكنت أسير الليل أتوارى النهار حتى قدمت المدينة فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فلما رآني قال قد أفلح الوجه قلت أفلح وجهك يا رسول الله فوضعت راسه بين يديه وأخبرته خبري فدفع لي عصا وقال تحضر بهذه في الجنة أي توكأ عليها فإن المتخصرين في الجنة قليل فكانت تلك العصا عنده فلما حضرته الوفاة أوصى اهله ان يدخلوها في كفنه يجعلوها بين جلده

وكفنه ففعلوا أي وفي القاموس ذو المخصرة أي كمكنسة بكسر الميم عبد الله بن أنيس
وهذه القصة وقصة كعب بن الأشرف ترد على الزهري قوله لم يحمل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس الى المدينة قط وحمل الى ابي بكر رضي الله تعالى عنه رأس فكره ذلك وأول من حملت اليه الرءوس عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما
وفيه أنه لما قتل الحسين وجماعة من أهل بيته بعث أبن زياد قبحه الله برءوسهم الى يزيد بن معاوية وابن الزبير رضي الله عنهما لم يبايع بالخلافة إلا بعد موت يزيد ومضى مدة خلافة ابنه معاوية رضي الله عنه الذي خلع نفسه وهي اربعون يوما ولعل إرسال راس الحسين ومن معه كان قبل راس عبد الله بن ابي الحمق فلا ينفأفي قول ابن الجوزي أول رأس حمل في الإسلام أي من المسلمين رأس عبد الله بن ابي الحمق وذلك أنه لدغ فمات فخشيت الرسل أن تتهم فقطعوا راسه فحملوه
ثم رأيت ابن الجوزي قال قال ابن حبيب نصب معاوية رضي الله عنه راس عمرو بن ابي الحمق ونصب يزيد بن معاوية رأس الحسين رضي الله عنه وقول الزهري الى المدينة لا يخالف ما في النور ما تقدم في غزوة بدر كم من رأس حمل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن تلك الرءوس لم تحمل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة على أن فيه أنه لم يحمل إليه ذلك اليوم إلا رأس أبي جهل على ما تقدم
سرية الرجيع وفي الاصل بعث الرجيع بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة وقيل ستة عيونا الى مكة يتجسسون أخبار قريش ليأتوه بها وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله تعالى عنه ويقال له ابن ابي الأفلح بالفاء وقيل أمر عليم مرثد الغنوي رضي الله عنه حليف عمه صلى الله عليه وسلم حمزة رضي الله عنه ومرثد بفتح الميم وإسكان الراء وبالمثلثة والغنوي بغين معجمة أي وكان مرثد هذا يحمل الأسرى ليلا من مكة حتى يأتي بهم المدينة فوعد رجلا من الأسرى بمكة أن يحمله قال فجئت به حتى انتهيت به الى حائط من حيطان مكة في ليلة مقمرة فجاءت عناق وكانت من جملة البغايا بمكة فرأت ظلي في جانب الحائط فلما أنتهت الي عرفتني قالت مرثد قلت مرثد قالت مرحبا وأهلا هلم تبت عندنا الليلة فقلت يا عناق إن الله حرم الزنا فدلت

علي فخرج في اثري ثمانية رجال فتواريت في كهف الخندمة فجاءوا حتى وقفوا على رأسي فأعماهم الله عني فلما رجعوا رجعت لصاحبي فحملته وكان رجلا ثقيلا حتى انتهيت الى محل فككت عنه قيده ثم جعلت أحمله حتى قدمت المدينة ثم استشرته صلى الله عليه وسلم أن أنكح عناق فأمسك عني حتى نزلت الآية { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين } فدعاني صلى الله عليه وسلم فتلاها علي ثم قال لي لا تتزوجها
وفي قطعة التفسير للجلال المحلي أن الآية نزلت في بغايا المشركين لما هم فقراء المهاجرين أن يتزوجوهن وهن موسرات لينفقن عليهم فقيل التحريم خاص بهم وقيل عام ونسخ بقوله { وأنكحوا الأيامى منكم } الآية
وفيه أن عند فقهائنا يحرم على المسلم نكاح من تعبد الأوثان وإن لم تكن بغيا
ومن جملة العشرة عبد الله بن طارق وخبيب بن عدي وخبيب تصغير خب وهو الماكر من الرجال الخداع وزيد بن الدثنة بفتح الدال المهملة وكسر الثاء المثلثة وقد تسكن ثم نون مفتوحه ثم تاء تأنيث مقلوب من الندثة والندث استرخاء اللحم فخرجوا رضي الله عنهم أي يسيرون الليل ويكمنون النهار حتى إذا كانوا بالرجيع وهو ماء لهذيل لقيهم سفيان بن خالد الهذلي الذي قتله عبد الله بن أنيس وجاء براسه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم وقومه وهم بنو لحيان فإنهم ذكروا لهم فنفروا اليهم فيما يقرب من مائة رام أي ولا يخالف ما في الصحيح قريبا من مائة رجل فاقتفوا آثارهم حتى وجدوا نوى تمر أكلوه في منزل نزلوه أي فإن منهم امرأة كانت ترعى غنما فرأت النوى فقالت هذه تمر يثرب فصاحت في قومها أتيتم فتبعوهم الى ان وجدوهم في المحل المذكور فلما أحسوا بهم لجئوا الى موضع من جبل هناك أي صعدوا اليه فأحاطوا بهم وقالوا لهم أنزلوا ولكم العهد أن لا نقتل منكم أحدا فقال عاصم رضي الله تعالى عنه أما أنا فلا أنزل على ذمة أي أمان وعند كافر فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما أي وستة منهم وصار عاصم يرميهم بالنبل وينشد أبياتا منها ** الموت حق والحياة باطل ** وكل ما قضى الإله نازل ** ** بالمرء والمرء إليه آيل **
ولا زال يرميهم حتى فنيت نبله ثم طاعنهم حتى انكسرت رمحه ثم سل سيفه

وقال اللهم إني حميت دينك صدر النهار فاحم لحمي آخره ونزل اليهم ثلاثة على العهد وهم خبيب وزيد وعبد الله بن طارق رضي الله تعالى عنهم فلما أمسكوهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوا خبيبا وزيدا وامتنع عبد الله وقال هذا أول الغدر أي ترك الوفاء بعهد الله والله لا أصحبكم إن لي بهؤلاء يعني القتلى اسوة فعالجوه فابى أن يصحبهم أي فقتلوه كما في الصحيح وقيل صحبهم الى أن كانوا بمر ظهران يريدون مكة انتزع عبد الله يده منم ثم أخذ سيفه واستأخر عن القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه وانلطقوا بخبيب وزيد أي ودخلوا بهما مكة في شهر القعدة فباعوهما بأسيرين من هذيل كانا بمكة أي وقيل بيع كل بخمسين من الإبل أي وقيل بيع خبيب بأمة سوداء فابتاع بنو الحارث بن عامر خبيبا قيل لأنه قتل الحارث يوم بدر كما في البخاري
وتعقب بأن المعروف عندهم قيل لأنه قاتل الحارث يوم بدر إنما هو خبيب بن إساف الخزرجي أي وقيل القاتل له علي كرم الله وجهه وخبيب بن عدي هذا اوسي لم يشهد بدرا عند أحد من أرباب المغازي أي وقيل في هذا يوم بدر كما في البخاري
وتعقب بأن المعروف عندهم أن قاتل الحارث يوم بدر إنما هو خبيب بن إساف الخزرجي أي وقيل القاتل له علي كرم الله وجهه وخبيب بن عدي هذا أوسي لم يشهد بدرا عند احد من ارباب المغازي أي وقيل في هذا تضعيف الحديث الصحيح
ثم رأيت الحافظ ابن حجر رحمه الله ذكر أنه لزم من هذا رد الحديث الصحيح ولو لم يقتل خبيب بن عدى الحارث بن عامر ما كان لاعتناء آل الحارث بشرائه وقتله به معنى إلا أن يقال لكونه من قبيلة قاتله وهم الأنصار وابتاع زيدا صفوان بن أمية رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك ليقتله بأبيه فحبسوهما إلى أن تنقضي الأشهر الحرم واستعار خبيب رضي الله تعالى عنه فإنه وهو محبوس موسى من بنت الحارث وفي الصحيح من بعض بنات الحارث ليستحد بها أي يحلق بها عانته فدرج لها ابن صغير وهي غافلة عنه حتى أتى الي خبيب رضي الله تعالى عنه فأجلسه خبيب رضي الله تعالى عنه على فخذه والموسى بيده فلما رأت ابنها على تلك الحالة فزعت فزعة عرفها خبيب رضي الله تعالى عنه فقال أتخشين أن اقتله ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله تعالى وذلك بكسر الكاف لأنه خطاب للمؤنث
وروى أنه رضي الله عنه أخذ بيد الغلام وقال هل أمكن الله منكم فقالت المرأة ما كان هذا ظني بك فرمى لها بالموسى وقال إنما كنت مازحا ما كنت لأغدر
وفي السيرة الشامية أن تلك المرأة قالت قال لي تعني خبيبا رضي الله تعالى عنه حين حضره القتل ابعثي الي بحديدة أتطهر بها للقتل أي وقد كان رضي الله تعالى عنه قال

لها إذا أرادوا قتل فآذنيني فلما أرداوا قتله آذنته فطلب منها تلك الحديدة قالت فأعطيت غلاما من الحي الموسى فقلت له ادخل بها على هذا الرجل البيت قالت فوالله لما دخل عليه الغلام قلت والله أصاب الرجل ثأره بقتل هذا الغلام ويكون رجل برجل فلما ناوله الحديدة أخذها من يده ثم قال لعمرك ما خافت امك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة إلي ثم خلي سبيله ويقال إن الغلام ابنها أي ويرشد اليه قول خبيب رضي الله تعالى عنه ما خافت امك
وكانت بنت الحارث تقول والله ما رأيت اسيرا خيرا من خبيب قالت والله لقد وجدته يوما أي وقد طلعت عليه من شق الباب يأكل قطفا من عنب في يده أي مثل رأس الرجل وإنه لموثق بالحديد وما بمكة ثمرة وفي رواية ولا أعلم في أرض الله عنبا يؤكل
أي واستدل أئمتنا بقصة خبيب هذه على أنه يستحب لمن اشرف على الموت أن يتعهد نفسه بتقليم أظفاره وأخذ شعر شاربه وإبطه وعانته ولعل ذلك كان بلغ النبي صلى الله عليه وسلم وأقره فلما انقضت الأشهر الحرم بانقضاء المحرم خرجوا بخبيب من الحرم ليقتلوه في الحل فلما قدم للقتل قال لهم دعوني أصل ركعتين فتركوه فركع ركعتين وقال لم والله لولا أن تحبسوا أن ما بي من جزع لزدت ثم قال اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا أي متفرقين واحدا بعد واحد ولا تبق منهم احدا أي الكفار وقد قتلوا في الخندق متفرقين
قال ذكر انهم لما خرجوا به ليقتلوه خرج النساء والصبيان والعبيد فلما انتهوا به إلى التنعيم أمروا بخشبة طويله فحفروا لها فلما انتهوا بخبيب إليها وبعد صلاته للركعتين صلبوه على تلك الخشبة أي ليراه الوارد والصادر فيذهب بخبره الى الأطراف ثم قالوا له ارجع عن الإسلام نخل سبيلك وإن لم ترجع لنقتلنك قال إن قتلي في سبيل الله لقليل اللهم إنه ليس هنا أحد يبلغ رسولك عني السلام فبلغه أنت عني السلام وبلغه ما يصنع بنا
وعن أسامه بن زيد رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا مع اصحابه فأخذه ماكان يأخذه عند نزول الوحي فسمعناه يقول وعليه السلام

ورحمة الله وبركاته فلما سرى عنه صلى الله عليه وسلم قال هذا جبريل عليه السلام يقرئني من خبيب السلام خبيب قتلته قريش
وقد جاء أن المشركين دعوا أربعين ولدا ممن قتل آباؤهم يوم بدر فأعطوا كل واحد رمحا وقالوا هذا الذي قتل آباءكم فطعنوه بتلك الرماح حتى قتلوه ووكلوا بتلك الخشبة أربعين رجلا فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم المقداد والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما في إنزال خبيب عن خشبته وفي لفظ قال صلى الله عليه وسلم أيكم ينزل خبيبا عن خشبته وله الجنة فقال له الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه أنا يا رسول الله وصاحبي المقداد بن الأسود فجاءا فوجدا عندها اربعين رجلا لكنهم سكارى نيام فأنزلاه وذلك بعد أربعين يوما من صلبه وموته
وحمله الزبير رضي الله تعالى عنه على فرسه وهو رطب لم يتغير منه شيء فشعر بهما المشركون أي وكانوا سبعين رجلا فبتعوهما فلما لحقوا بهما قذفه الزبير رضي الله تعالى عنه فابتلعته الأرض أ هـومن ثم قيل له بليع الأرض أي وكشف الزبير رضي الله تعالى عنه العمامة عن رأسه وقال لهم انا الزبير بن العوام وصاحبي المقداد بن الأسود أسدان رابضان يذبان عن شبلهما فإن شئتم ناضلتكم وإن شئتم نازلتكم وإن شئتم انصرفتم فانصرفوا عنهما
وقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان عنده صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام فقال له جبريل يامحمد إن الملائكة تباهي بهذين الرجلين من أصحابك فنزل فيهما { ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله } الآية وتقدم أنه قيل إنها نزلت في علي كرم الله وجهه لما نام على فراشة صلى الله عليه وسلم ليلة ذهابة الى الغار
وقيل إنها نزلت في حق صهيب لما أراد الهجرة ومنعه منها قريش فجعل لهم ثلث ماله أو كله كما تقدم
ورأيت بعضهم هنا قال إنها نزلت في صهيب رضي الله تعالى عنه لما أخذ المشركون ليعذبوه فقال لهم إني شيخ كبير لا يضركم أمنكم كنت أو من غيركم فهل لكم أن تأخذوا مالي وتدعوني وديني ففعلوا
وفي كلام ابن الجوزي رحمه الله أن عمرو بن أمية هو الذي أنزل خبيبا فعنه رضي الله تعالى عنه قال جئت الى خشبة خبيب فرقيت فيها فحللته فوقع الى الأرض ثم التفت فلم

أر خبيبا ابتعلته الأرض وهذا وهو الموافق لما في السيرة الهشامية وأن ذلك كان حين أرسله صلى الله عليه وسلم والأنصار لقتل أبي سفيان بن حرب كما سيأتي إن شاء الله تعالى أي كان خبيب رضي الله تعالى عنه تحرك على الخشبة فانقلب وجهه عن القبلة أي الكعبة فقال اللهم إن كان لي عندك خير فحول وجهي نحو قبلتك فحول الله وجهه نحوها فقال الحمد لله الذي جعل وجهي نحو قبلته التي رضي لنفسه ولنبيه عليه الصلاة والسلام وللمؤمنين ودعا عليهم خبيب رضي الله تعالى عنه فقال اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما فألقى ابو سفيان بنفسه الى الأرض على جنبه خوفا من دعوة خبيب رضي الله تعالى عنه لأنهم كانوا يقولون ان الرجل إذا دعي عليه فاضطجع لجنبه زال عنه أي لم تصبه تلك الدعوة
وقد ولي عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه سعد بن عامر رضي الله تعالى عنه على بعض أجناد الشام فقيل له إنه مصاب يلحقه غشى فاستدعاه فلما قدم عليه وجد معه مزودا وعكازا وقدحا فقال له عمر رضي الله تعالى عنه ليس معك الا ما أرى فقال له وما أكثر من هذا يا أمير المؤمنين مزودي أضع فيه زادي وعكازي أحمل به ذلك وقدحي آكل فيه فقال له عمر رضي الله تعالى عنه أبك لمم فقال لا فقال فما غشية بلغني أنها تصيبك فقال والله يا أمير المؤمنين ما بي من بأس ولكني كنت فيمن حضر خبيب بن عدي حين قتل وسمعت دعوته فوالله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس قط الا غشى علي فزاده ذلك عند عمر رضي الله تعالى عنهما خيرا ووعظ عمر فقال له من يقدر على ذلك فقال أنت يا أمير المؤمنين إنما هو أن يقال فتطاع فقال له عمر رضي الله تعالى عنه إرجع الى عملك فأبى وناشده الإعفاء فأعفاه
وكان خبيب رضي الله تعالى عنه هو الذي سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة أي لأنه صلى الله عليه وسلم بلغه ذلك عنه فاستحسنه فكان سنة وهذا يدل على أن واقعة زيد ابن حارثة رضي الله تعالى عنهما متأخرة عن قصة خبيب رضي الله تعالى عنه لكن في النور والمعروف أن زيد بن حارثة صلاهما قبل خبيب بزمن طويل
وفي الينبوع أن قصة زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما كانت قبل الهجرة أي وكان ابن سيرين رحمه الله إذا سئل عن الركعتين قبل القتل قال صلاهما خبيب رضي الله تعالى عنه وحجروهما فاضلان ويعني حجر بن عدي رضي الله تعالى عنه فإن

زيادا والي العراق من قبل معاوية رضي الله تعالى عنه وشى به الى معاوية فأمر معاوية بإحضاره فلما قدم على معاوية قال له السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال معاوية رضي الله تعالى عنه أو أمير المؤمنين أنا أضربوا عنقه فلما قدم للقتل قال ادعوني اصلي ركعتين فصلاهما خفيفتين ثم قال رضي الله تعالى عنه لولا أن تظنوا بي غير الذي بي لأطلتهما ثم قتل هو وخمسة من أصحابه
ولما حج معاوية رضي الله تعالى عنه وجاء المدينة زائرا استأذن على عائشة رضي الله تعالى عنها فأذنت له فلما قعد قالت له أما خشيت الله في قتل حجر وأصحابه قال إنما قتلهم من شهد عليهم
وقصة زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما رواها الليث بن سعد قال بلغني أن زيد ابن حارثة اكترى بغلا من رجل بالطائف فمال به ذلك الرجل إلى خبربة وقال له إنزل فنزل زيد رضي الله تعالى عنه فإذا في الخربة المذكورة قتلى كثيرة فلما اراد أن يقتله قال له دعني أصلي ركعتين أي لأنه رأى أن الصلاة خير ما ختم به عمل العبد قال صل فقد صلى قبلك هؤلاء فلم تنفعهم صلاتهم شيئا وهذا يدل على أن القتلى كلهم كانوا مسلمين قال فلما صليت أتاني ليقتلني فقلت يا أرحم الراحمين قال فسمع صوتا يقول لا تقتله فهاب ذلك فخرج يطلبه فلم ير شيئا فرجع الي فناديت يا أرحم الراحمين فعل ذلك ثلاثا فإذا بفارس على فرس في يده حربة حديد في راسها شعلة نار فطعنه بها فأنفذها من ظهره فوقع ميتا ثم قال لى لما دعوت الأولى يا أرحم الراحمين كنت في السماء السابعة فلما دعوت الثانية يا أرحم الراحمين كنت في السماء الدنيا فلما دعوت الثالثة أتيتك
أقول وقد وقع مثل ذلك لرجل من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الانصار يكنى ابا معلق وكان يتجر بمال له ولغيره يسافر به في الآفاق وكان ناسكا ورعا فخرج مرة في بعض أسفاره فلقيه لص مقنع في السلاح فقال له ضع ما معك فإني قاتلك فقال ما تريد من دمي فشأنك والمال فقال أما المال فلي ولست أريد إلا دمك فقال ذرني أصلي أربع ركعات فقال ما شئت فتوضأ ثم صلى اربع ركعات ثم دعا في آخر سجدة فقال يا ودود ياذا العرش المجيد يا فعال لما تريد اسألك بعزك الذي لا يرام وملكك الذي لا يضام وبنورك الذي ملأ أركان عرشك

أن تكفيني شر هذا اللص يا ميغث أغثني وكرر ذلك ثلاث مرات فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة وضعها من أدنى فرسه فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه الفارس فقتله ثم اقبل إلي أبي معلق فقال قم من أنت بأبى أنت وأمى فلقد أغلثتى الله بك اليوم أنا ملك من اهل السماء الرابعة دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقة ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي دعاء مكرون فسألت الله تعالى أن يوليني قتله قال أنس رضي الله تعالى عنه من فعل ذلك استجيب له مكروبا كان أو غير مكروب
أي وقد وقع نظير هذه المسألة أي من حيث إقراره صلى الله عليه وسلم على فعل غيره وهو أنهم كانوا يأتون الصلاة قد سبقهم النبي صلى الله عليه وسلم ببعضها فكان الرجل يشر الى الرجل كم صلى فيقول واحدة أو اثنتين فيصلهما وحده ثم يدخل مع القوم في صلاتهم فجاء معاذ رضي الله تعالى عنه فقال لا أجده صلى الله عليه وسلم على حال ابدا الا كنت عليها ثم قضيت ما سبقني فجاء وقد سبقه النبي صلى الله عليه وسلم ببعضها فثبت معه فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قام ففضى ما عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قد سن لكم معاذ فكذا فاصنعوا أي وكان هذا قبل قوله صلى الله عليه وسلم ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا
وأخرج صفوان بن أمية رضي الله تعالى عنه زيدا رضي الله تعالى عنه إلى الحل مع مولى له ليقتله به واجتمع عند قتله رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب فلما قدم للقتل قال له ابو سفيان رضي الله تعالى عنه أنشدك بالله يا زيد أتحب محمدا الآن عندنا مكانك تضرب عنقه وأنت في أهلك والله ما أحب أ محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني لخالص في أهلى فقال ابو سفيان رضي الله تعالى عنه ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمد محمدا ونقل مثل ذلك عن خبيب رضي الله تعالى عنه أي فإنهم لما وضعوا السلاح في خبيب رضي الله تعالى عنه وهو مصلوب نادوه وناشدوه أتحب أن محمدا مكانك قال لا والله ما أحب أن يؤذى بشوكة في قدمه ثم قتله ذلك المولى أي طعنه برمح في صدره حتى أنفذه من ظهره وقيل رمي بالنبل وأردوا فتنته عن دينه فلم يزدد إلا إيمانا
ولما قتل عاصم رضي الله تعالى عنه الذي أمير هذه السرية على ما تقدم أرادت

هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة وهي أم مسافع وجلاس ابني طلحة بن ابي طلحة بن عبد الدار وكلاهم بعضهم يقتضي أنها أسلمت بعد فإن عاصما هذا كما تقدم قتل يوم أحد ولديها كلاهما أشعره سهما وكل يأتي اليها بعد إصابته بالسهم ويضع رأسه في حجرها فتقول يا بني من أصابك فيقول سمعت رجلا يقول حين رماني خذها وأنا ابن أبي الأفلح فنذرت إن قدرت على رأسه لتشربن في قحفه الخمر وجعلت لم يجيء براسه مائة ناقة كما تقدم فحالت الدبر بفتح الدال المهملة وسكون الباء الموحدة وهي الزنابير بينهم وبين عاصم رضي الله تعالى عنه كلما قدموا على قحفه طارت وفي وجوهم ولدغتهم فقالوا دعوه حتى يمسى فنأخذه فبعث الله الوادي أي سال فاحتمل السيل عاصما فذهب به حيث اراد الله فسمي حمى الدبر وبعث ناس من قريش لما بلغهم قتل عاصم في طلب جسده او شيء منه يعرفونه أي ليمثلوا به لأنه قتل عظيما من عظمائهم قال الحافظ ابن حجر لعله عقبه بن ابي معيط فإن عاصما قتله صبرا باذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن انصرفوا من بدر أي كما تقدم قال وكأن قريشا لم تشعر بما جرى لهذيل من منع الزنابير لهم عن عاصم او شعروا بذلك ورجوا أن الزنابير تركته أي ولم يشعروا بأن السيل أخذه أ هـأي وقد كان عاصم رضي الله تعالى عنه دعا الله أن لا يمس مشركا ولا يمسه مشرك في حياته وتقدم هنا أنه دعا الله أن يحمي لحمه فاستجاب الله له فلم يحصل له ذلك لا في حياته ولا بعد موته
أي وفي كلام بعضهم لما نذر عاصم أن لا يمس مشركا ووفي بنذره عصمه الله عن مساس سائر المشركين إياه فصار عاصم معصوما هذا
وقيل إن هؤلاء العشرة لم يخرجوا ليأتوا بخبر قريش وإنما خرجوا مع رهط من عضل والقارة وهما بطنان من بني الهون قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا يا رسول الله إن فينا إسلاما فابعث معنا نفرا من اصحابك يفقهونا في الدين ويقرئونا القرآن ويعلمونا شرائع الاسلام فبعث صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم معهم أولئك النفر فساروا حتى إذا كانوا على الرجيع استصرخصوا عليهم هذيلا فلم يشعروا الا والرجال بأيديهم السيوف فدعوهم فأخذوا أسيافهم ليقتلوا القوم فقالوا لهم والله لا نريد قتلكم ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة ولكم عهد الله وميثاقه ان لا نقتلكم فأبوا الحديث والحافظ الدمياطي رحمه الله اقتصر على هذا الثاني وأن اميرهم كان مرثدا الغنوي رضي الله

تعالى عنه فقال سرية مرثد الغنوي إلى الرجيع قال قدم رهط من عضل والقارة فقالوا يا رسول الله إن فينا إسلاما الحديث لكنه في سياق القصة قال وأمر عليهم عاصما وقيل مرثدا رضي الله تعالى عنهما وأخر هذه السرية عن السرية بعدها التي هي سرية القراء الى بئر معونة
سرية القراء رضي الله تعالى عنهم إلى بئر معونة
لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو عامر بن مالك ملاعب الأسنة أي ويقال له ملاعب الرماح وهو رأس بني عامر أي ويقال له أيضا أبو براء بالمدلاغير وهو عم عامر بن الطفيل عدو الله أي وأهدي إليه صلى الله عليه وسلم ترسين وراحلتين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أقبل هدية من مشرك وفي رواية نهيت عن عطايا المشركين
أقول وفي كلام السهيلي أنه أهدى إليه فرسا وأرسل إليه إني قد أصانبي وجع فابعث الى بشيء أتداوى به فأرسل إليه صلى الله عليه وسلم بعكة عسل وأمره أن يستشفى به وقال نهيت عن زبد المشركين قال السهيلي والزبد مشتق من الزبد لأنه نهى عن مداهنتهم واللين لهم كما أن المداهنة مشتقة من الدهن فرجع المعنى الى اللين كذا قال ولعل هذا كان بعد ما تقدم ويحتمل أن يكون قبله وهو الأقرب والله أعلم
فلما قدم عليه أبو عامر عرضي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ودعاه إليه فلم يسلم ولم يبعد عن الإسلام أي وقال إني أرى أمرك هذا أمرا حسنا شريفا أي ولم يسلم بعد ذلك على الصحيح خلافا لمن عده في الصحابة ثم قال يا محمد لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد أي وهم بنو عامر وبنو سليم فدعوتهم الى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أخشى أهل نجد عليهم قال ابو براء أنالهم جاروهم في جواري وعهدي فابعثهم فليدعوا الناس الى أمرك وخرج أبو البراء إلى ناحية نجد وأخبرهم أنه قد أجار أصحاب محمد فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو رضي الله تعالى عنه في اربعين وقيل في سبعين وعليه اقتصر

الحافظ الدمياطي أي لأنه الذي في صحيح البخاري وقيل في ثلاثين رجلا من أصحابه من خيار المسلمين
أي وذكر الحافظ ابن حجر أن هذا القيل وهم وأنه يمكن الجمع بين كونهم سبعين وكونهم اربعين بأن الأربعين كانوا رؤساء وبقية العدة كانوا أتباعا ويقال لهؤلاء القراء أي لملازمتهم قراءة القرآن فكانوا إذا أمسوا اجتمعوا في ناحية المدينة يصلون ويتدارسون القرآن فيظن أهلوهم أنهم في المسجد ويظن أهل المسجد أنهم في أهاليهم حتى إذا كان وجه الصبح استعذبوا من الماء واحتطبوا وجاءوا بذلك إلى حجر النبي صلى الله عليه وسلم
وفي كلام بعضهم أنهم كانوا يحتطبون بالنهار ويتدارسون القرآن بالليل وكانوا يبعيون الحطب ويشترون به طعاما لأصحاب الصفة
وقد يقال لا منافاة لجواز أنهم كانوا يفعلون هذا مرة وهذا أخرى أو بعضهم يفعل أحد الأمرين وبعضهم يفعل الآخر وكان منهم عامر بن فهيرة رضي الله تعالى عنه
وكتب صلى الله عليه وسلم لهم كتابا فساروا حتى نزلوا بئر معونة وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم والحرة أرضى فيها حجارة سود فلما نزلوها بعثوا حرام بالحاء المهملة والراء ابن ملحان وهو خال أنس بن مالك بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل لعنه الله أي وهو راس بني سليم وفي لفظ سيد بني عامر وابن أخي أبي براء عامر بن مالك كما تقدم فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا عليه فقتله أي بعد أن قال يا أهل بئر معونة إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم فآمنوا بالله ورسوله فجاء إليه رجل من خلفه فطعنه بالرمح في جنبه حتى نفذ من جنبه الآخر فقال الله أكبر فزت ورب الكعبة وقال بالدم هكذا فنضحه على وجهه ورأسه ثم استصرخ عليهم أي استغاث بني عامر فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه وقالوا إنا لا نخفر بأبي براء أي لا نزيل خفارته وتنقض عهده وقد عقد لهم عقدا وجوارا فاستصرخ عليهم قبائل من سليم قال الحافظ الدمياطي عصية ورعلا وذكون زاد بعضهم وبني لحيان قال بعضهم وليس في محله
أقول كان قائله سري إلى هـذلك من كونه صلى الله عليه وسلم جمع بني لحيان في الدعاء عليهم مع من ذكر قلبه وسياتي أنه إنما جمعهم معهم لأن خبر أصحاب الرجيع وأصحاب

بئر معنة جاءه صلى الله عليه وسلم في يوم واحد وبنو ولحيان أصحاب الرجيع فدعا عليهم دعاء واحدا والله أعلم فلما دعا تلك القبائل الثلاثة التي هي عصية ورعل وذكوان أجابوه الى ذلك ثم خرجوا حتى أحاطوا بهم في رحالهم فلما رأوهم أخذوا سيوفهم فقاتلوهم حتى قتلوا إلى آخرهم إلا كعب بن زيد رضي الله تعالى عنه فإنه بقي به رمق وحمل من المعركة فعاش بعد ذلك حتى قتل يوم الخندق شهيدا وإلا عمرو بن أمية الضمري رضي الله تعالى عنه ورجلا آخر كانا في سرح القوم ولما أحاطوا بهم قالوا اللهم إنا لانجد من يبلغ رسولك عنا السلام غيرك فاقرأه منا السلام فأخبره جبريل عليه الصلاة والسلام بذلك فقال وعليهم السلام
أي وفي لفظ أنهم قالوا اللهم بلغ عنا نبينا صلى الله عليه وسلم أناقد لقيناك فرضينا عنك ورضيت عنا فلماجاءه الخبرمن السماء قام صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن إخوانكم قد لقوا المشركين وقتلوهم وإنهم قالوا ربنا بلغ قومنا أنا قد لقينا ربنا ورضينا عنه ورضي عنا ربنا وفي لفظ فرضي عنا وأرضانا فأنا رسولهم اليكم إنهم قد رضوا عنه ورضي عنهم
وذكر انس رضي الله عنه أن ذلك أي قولهم المذكور كان قرآنا يتلى ثم نسخت تلاوته أي فصار ليس له حكم القرآن من التعبد بتلاوته وأنه لا يمسه إلا الطاهر ولا يتلى في صلاة إلى غير ذلك من أحكام القرآن
ولما رأى عمرو بن أمية والرجل الذي معه الطير تحوم على محل أصحابهما أي وكانا في رعاية إبل القوم كما تقدم قالا والله إن لهذا الطير لشأنا فأقبلا ينظران فإذا القوم في دمائهم وإذا الخيل التي اصابتهم واقفة فقال الرجل الذي مع عمرو ماذا ترى فقال أرى أن نلحق برسول الله فنخبره الخبر فقال له لكنى ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو فأقبلا فلقيا القوم فقتل ذلك الرجل وأسر عمرو فأخبرهم أنه من مضر فأخذه عامر بن الطفيل وجز ناصايته وأعتقه عن رقبة كانت على أمه فخرج عمرو حتى جاء إلى ظل فجلس فيه فأقبل رجلان حتى نزلا به معه فسألهما فأخبراه انهما من بني عامر وفي لفظ من بني سليم وكان معهما عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم به عمرو فأمهلهما حتى ناما فعدا عليهما فقتلهما وهو يرى أي يظن أنه قد أصاب بهما ثأرا من بني عامر فلما قدم عمرو

على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر وأخبره بقتل الرجلين فقال له لقد قتلت قتيلين لأدينهما أى لأدفعن ديتهما ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا عمل أبي براء قد كنت لهذا كارها متخوفا ولما بلغ أبا براء أن عامر بن الطفيل ولد أخيه أزال خفارته شق عليه ذلك وشق عليه ما أصاب اصحاب الرسول الله صلى الله عليه وسلم بسببه فعند ذلك حمل ربيعة بن أبي براء على عامر بن الطفيل أي الذي هو ابن عمه فطعنه بالرمح فوقع في فخذه ووقع عن فرسه وقال إن أنا مت فدمي لعمي يعني ابا براء وإن أعش فسأرى رأي أي وفي لفظ نظرت في أمري
وفي الإصابة أن ربيعة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أيغسل عن أبي هذه العذرة أن أضرب عامر بن الطفيل ضربة أو طعنة قال نعم فرجع ربيعة فضرب عامرا ضربة أشواه منها فوثب عليه قومه فقالوا لعامر بن الطفيل اقتص فقال قد عفوت أي وعقب ذلك مات أبو براء أسفا على ما صنع به أبن أخيه عامر بن الطفيل من إزالته خفارته وعاش عامر بن الطفيل ولم يمت من هذه الطعنة بل مات بالطاعون بدعائه صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في الوفود في وفد بني عامر
أي وقال بعضهم قد أخطأ المستغفري في عده صحابيا ولما قتل عامر بن فهيرة رضي الله تعالى عنه رفع الى السماء فلما رأى قاتله ذلك أسلم أي وهو جبار بن سلمى أي لا عامر بن الطفيل كما وقع في بعض الروايات كما علمت
وقال صلى الله عليه وسلم أي لما بلغه قتل عامر بن فهيرة إن الملائكة وارت جثة عامر بن فهيرة أي في الارض أي بناء على أنه لما رفع الى السماء وضع كما في البخاري فقد جاء أن عامر بن الطفيل قال لعمرو بن أمية رضي الله تعالى عنه واشار الى قتيل من هذا فقال له عمرو هذا عامر بن فهيرة فقال لقد رأيته بعد ما قتل رفع الى السماء حتى إني لأنظر الى السماء وبين الأرض ثم وضع
وفي بعض الروايات أن عامر بن فهيرة التمس في القتلى يومئذ أي فلم يوجد فيرون أن الملائكة رفعته وظاهرها أن الملائكة لم تضعه في الأرض بل رفعته أي ويؤيده أن عامر بن الطفيل لعنه الله دخل بعمرو بن أمية رضي الله تعالى عنه في القتلى وصار يقول له ما اسم هذا ما اسم هذا ما اسم هذا ثم قال له هل من أصحابك من ليس فيهم قال نعم ما رايت فيهم عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما قال له عامر

أي رجل هو فيكم قال من أفضلنا وأولى أي ومن أولى المسلمين من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عامر لما قتل رأيته رفع الى السماء
وعن انس بن مالك رضي الله عنه أنه قال ما رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على أحد ما وجد على أصحاب بئر معونة ومكث يدعو عليهم ثلاثين صباحا
أقول وفي رواية الشيخين قنت شهرا أي متتابعا يدعو على قاتلي أصحاب بئر معونة أي بعد الاعتدال في الصلوات الخمس من الركعة الأخيرة وحينئذ يكون المراد بالصباح اليوم وليلته
وذكر بعض أصحابنا أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الدعاء المذكور وقاس عليه رفعهما في قنوت الصبح وروى الحاكم أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في قنوت الصبح
واستدل أصحابنا على استحباب القنوت للنازلة في سائر المكتوبات بقنوته ودعائه على قاتلي أصحاب بئر معونة
وفي بعض السير فدعا النبي صلى الله عليه وسلم شهرا عليهم في صلاة الغداة وفي لفظ يدعو في الصبيح وذلك بدء القنوت وما كان يقنت رواه الشيخان
وقد سئل الجلال السيوطي هل دعاؤه صلى الله عليه وسلم على من قتل أصحابه كان عقب فراغه من القنوت المشهور أوكان الدعاء هو قنوته فأجاب رحمه الله بأنه لم يقف على شيء من الأحاديث يدل على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين القنوت والدعاء قال بل ظاهر الأحاديث أنه اقتصر على الدعاء أي فيكون قنوته هو الدعاء وهو الموافق لقول أصحابنا ويستحب القنوت في اعتدال آخره صببح مطلقا وآخر سائر المكتوبات أي باقها للنازلة وهو اللهم اهدنا الخ في أن أل في القنوت للعهد والله أعلم
وفي رواية أنه يدعو على الذين أصابوا أصحابه في الموضعين أي بئر معونة والرجيع دعاء واحدا لانه صلى الله عليه وسلم جاءه خبرهما في وقت واحد كما تقدم وأدمج البخاري رحمه بئر معونة مع بعث الرجيع لقربهما في الزمن أي ففيه مكث رسول صلى الله عليه وسلم يدعو على أحياء من العرب على رعل وذكوان وعصية وبنى لحيان أي وهو يقتضي أنهما شئ واحد ليس كذلك وقد علمت أن بني لحيان قتلوا أصحاب الرجيع ومن قبلهم قتلوا أصحاب بئر معونة والله سبحانه وتعالى أعلم
سرية محمد بن مسلمة إلى القرطاء بالقاف مفتوحة وبالطاء المهملة وهم بنو بكر من كلاب
بعث صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة إلى القرطاء في ثلاثين راكبا أي وأمره أن يسير الى الليل ويكمن النهار وأمره أن يشن عليهم الغارة فسار الليل وكمن النهار قال وصادف في طريقه ركبانا نازلين فأرسل اليهم رجلا من أصحابه يسأل من هم فذهب الرجل ثم رجع إليه فقال قوم من محارب فنزل قريبا ثم أمهلهم حتى عطنوا أي بركوا الإبل حول الماء أغار عليهم فقتل نفرا منهم أي عشرة وهرب سائرهم واستاق نعما وشاء ولم يتعرض للظعن أي للنساء أنتهى ثم انطلق حتى إذا كان بموضع يطعله على بني كبر بعث عابد بن بشير إليهم وخرج محمد بن مسلة رضي الله تعالى عنه في أصحابه فشن عليهم الغارة فقتل منهم عشرة واستاقوا النعم والشاه ثم انحدر رضي الله تعالى عنه الى المدينة فخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به وعدل الجزور بعشرة من الغنم وكان النعم مائة وخمسين بعيرا والغنم ثلاثة آلاف شاة وأخذت تلك السرية ثمامة بن أثال الحنفي من بني حنيفة أي سيد أهل اليمامة وهم لا يعرفونه وجي به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم أتدرون من أخذتم هذا ثمامة بن أثال الحنفي فأحسنوا إساره أي قيده فربط بسارية من سواري المسجد
قال وقيل إن هذه السرية لم تأخذه بل دخل المدينة وهو يريد مكة للعمرة فتحير في المدينة وقد كان جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند رسولا مسيلمة وأراد اغتياله صلى الله عليه وسلم فدعا ربه أن يمكنه منه فأخذ وجيء به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فربط بسارية من سواري المسجد فدخل صلى الله عليه وسلم على أهله فقال اجمعوا ما كان عندكم من طعام فابعثوا به اليه وأمر له صلى الله عليه وسلم بناقة يأتيه لبنها مساء وصباحا وكان ذلك لا يقع عند ثمامة موقعا من كفايته أي وجاء اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مالك ياثمام هل أمكن الله منك فقال قد كان ذلك يا محمد وصار رسول الله يأتيه فيقول ما عندك يا ثمامة فيقول يا محمد عندي خير إن تقتل تقتل ذا كرم وفي لفظ ذا دم وإن تعف تعف عن شاكر

وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت ففعل ذلك معه ثلاثة أيام قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه فجعلنا أيها المساكين أي أصحاب الصفة نقول نبينا صلى الله عليه وسلم ما يصنع بدم ثمامة والله لأكله جزور سمينة من فدائه أحب الينا من دم ثمامة
وفي الاستيعاب أنه صلى الله عليه وسلم انصرف عن ثمامة وهو يقول اللهم أكلة لحم من جزور أحب الي من دم ثمامة ثم أمر به فأطلق ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الثالث قال أطلقوا ثمامة فقد عفوت عنك يا ثمامة فأطلق فانطق الى ماء جار قريب من المسجد فاغتسل وطهر ثيابه ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
أي وهذا يخالف ما ذكره فقهاؤنا من الاستدلال بقصة ثمامة على أنه يستحب لمن أسلم أن يغتسل لإسلامه ثم رأيت بعض متأخري أصحابنا أجاب بأنه أسلم أولا ثم لما اغتسل أظهر إسلامه
وفي الاستيعاب فأسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل كما في رواية أخرى أنه قال يا محمد والله ما كان على الارض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي والله ما كان على الأرض من دين أبغض إلي من دينك فقد أصبح دينك أحب الدين كله إلي والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فقد أصبح بلدك أحب البلاد إلي ثم شهد شهادة الحق فلما أمسى جيء له بما كان يأتيه من الطعام فلم ينل منه الا قليلا ولم يصب من حلاب اللقحة الا يسيرا فعجب المسلمون قال وقال يا رسول الله إني خرجت معتمرا وفي لفظ في الصحيح فإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فأمره أن يعتمر فلما قدم بطن مكة لبى فكان أول من دخل مكة ملبيا فأخذته قريش فقالوا لقد اجترأت علينا أنت صبوت يا ثمامة قال أسلمت وتبعت خير دين محمد والله لا يصل اليكم حبة من حنطة أي من اليمامة من أرض اليمن وكانت ريفا لأهل مكة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدموه ليضربوا عنقه فقال قائل منهم دعوه فإنكم تحتاجون الى اليمامة فخلوا سبيله فخرج ثمامة الى اليمامة فمنعهم أن يحملوا الى مكة شيئا حتى أضربهم الجوع وأكلت قريش العلهز وهو الدم يخلط بأوبار الإبل فيشوى على النار كما تقدم فكتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين فقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع إنك تأمر بصلة الرحم وإنك قطعت أرحامنا فكتب

رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثمامة رضي الله تعالى عنه أن يخلي بينهم وبين الجمل وفي لفظ خل بين قومي وبين ميرتهم ففعل فأنزل الله تعالى { ولقد أخذناهم بالعذاب } الآية هذا
والذي في الاستيعاب أن ثمامة لما دخل مكة وقد سمع المشركون خبره فقالوا يا ثمامة صبوت وتركت دين أبائك قال لا أدري ما تقولون إلا أني أقسمت برب هذه البنية يعني الكعبة لا يصل إليكم من اليمامة شيء مما تنتفعون به حتى تتبعوا محمدا من آخركم وكانت ميرة قريش ومنافعهم من اليمامة ثم خرج رضي الله تعالى عنه فمنع عنهم ما كان يأتي منها فلما أضرب بهم ذلك كتبوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عهدنا بك وأنت تأمر بصلة الرحم وتحث عليها وإن ثمامة قد قطع عنا ميرتنا وأضر بنا فإن رأيت أن تكتب اليه أن يخلي بيننا وبين ميترنا فافعل فكتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خل بين قومي وبين ميرتهم
ولما عجب المسلمون من أكله بعد إسلامه رضي الله تعالى عنه لكونه دون أكله قبل إسلامه قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مم تعجبون أمن رجل أكل أول النهار في معي كافر وأكل آخر النهار في معي مسلم إن الكافر ليأكل في سبعة أمعاء وإن المسلم يأكل في معي واحد انتهى
أي وقد وقع له صلى الله عليه وسلم ذلك مع جهجاه الغفاري رضي الله تعالى عنه فإنه أكل مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو كافر فأكثر ثم أكل معه وقد أسلم فأقل فقال النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء ولعل المراد بالأكل ما يشمل الشرب ثم رأيت في الجامع الصغير إن الكافر ليشرب في سبعة أمعاء والمسلم يشرب في معي واحد والمراد أنه يأكل ويشرب مثل الذي يأكل ويشرب في سبعة أمعاء
وكان رضي الله تعالى عنه مقيما باليمامة ولما ارتد أهل اليمامة ثبت ثمامة في قومه على الإسلام وكان ينهاهم عن اتباع مسيلمة لعنه الله ويقول لهم إياكم وأمرا مظلما لا نور فيه وإنه لشقاء كتبه الله على من اتبعه منكم
سرية عكاشة بن محصن رضي الله تعالى عنه الى الغمر بفتح الغين المعجمة وسكون الميم والراء ماء لبني أسد أي جمع من بني أسد
وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن الأسدي رضي الله تعالى عنه في أربعين رجلا منهم ثابت بن أرقم رضي الله تعالى عنه وقيل إن ثابتا رضي الله تعالى عنه هو الذي كان الأمير على هذه السرية فخرج يسرع في السير إلى أن وصل إلى الماء المذكور فوجد القوم علموا بهم فهربوا ولم يجدوا في دارهم أحدا فبعث شجاع بن وهب طليعة يطلب خبرا ويرى أثرا فأخبر أنه رأى أثر نعم قريبا فخرجوا فوجدوا رجلا نائما فسألوه عن خبر الناس فقال وأين الناس لقد لحقوا بعليات بلادهم قالوا فالنعم قال معهم فضربه أحدهم بسوط في يده فقال تؤمنوني على دمي وأطلعكم على نعم لبني عم له لم يعلموا بمسيركم إليهم قالوا نعم فأمنوه فانطلقوا معه فأمعن أي بالغ في الطلب حتى خافوا أن يكون ذلك غدرا منه لهم فقالوا الله لتصدقنا أو لنضربن عنقك فقال تطلعون عليهم من هذا المحل فلما طلعوا منه وجدوا نعما رواتع فأغاروا عليها فاستاقوها فإذا هي مائة بعير وشردت الأعراب في كل وجه ولم يطلبوهم وانحدروا الى المدينة بتلك الإبل وأطلقوا الرجل الذي أمنوه والله أعلم
سرية محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه لذى القصة بفتح القاف والصاد المهملة المشددة وهو موضع قريب من المدينة
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة في عشرة نفر لبني ثعلبة وبني عوال من ثعلبة بذي القصة فورد عليهم ليلا فكمن القوم وهم مائة رجل لمحمد بن مسلمة وأصحابه وأمهلوهم حتى ناموا وأحدقوا بهم أي فما شعروا الا وقد خالطهم القوم فوثب محمد بن مسلمة فصاح في أصحابه السلاح فوثبا وتراموا ساعة ثم حمل القوم عليهم بالرماح فقتلوهم ووقع محمد بن مسلمة جريحا فضربوا كعبه فلم يتحرك فظنوا موته فجردوه من الثياب وانطلقوا ومر بمحمد وأصحابه زجل من المسلمين فاسترجع فلما سمعه محمد رضي الله تعالى عنه يسترجع تحرك له فأخذه وحمله

إلى المدينة فعند ذلك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في أربعين رجلا إلى مصارعهم فلم يجدوا أحدا ووجدوا نعما وشاء فانحدروا بها الى المدينة
سرية أبي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه إلى ذي القصة ايضا
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه في اربعين رجلا الى من بذي القصة فانه بلغه صلى الله عليه وسلم أنهم يريدون أن يغيروا على سرح المدينة وهو يرعى يومئذ بمحل بينه وبين المدينة سبعة اميال فصلوا المغرب ومشوا ليلتهم حتى وافوا ذا القصة مع عماية الصبح فأغاروا عليهم فأعجزوهم هربا في الجبال وأسروا رجلا واحدا وأخذوا نعما من نعمهم ورثة أي ثياباخلقة من متاعهم وقدموا بذلك الى المدينة فخمسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم رجل فتركه صلى الله عليه وسلم
سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه إلى بني سليم بالجموح
بفتح الجيم وهو اسم لناحية من بطن نخل
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة الى بني سليم بالجموح فسار حتى ورد ذلك المحل فاصابوا امرأة من مزينة فدلتهم على محلة من محال القوم فاصابوا في تلك المحلة إبلا وشاء واسروا منها جماعة من جملتهم زوج تلك المرأة وانحدروا بذلك الى المدينة فوهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لتلك المرأة نفسها وزوجها
سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى العيص وهو محل بينه وبين المدينة اربع أميال
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عيرا لقريش قد أقبلت من الشام فبعث زيد بن حارثة في سبعين ومائة راكب ليعترضها وكان فيها أبو العاص بن الربيع وقدم به

وبتلك العير المدينة فاستجار أبو العاص بزوجته زينب رضي الله تعالى عنها فأجارته ونادت في الناس حين صلى الله عليه وسلم الفجر أي دخل في الصلاة هو وأصحابه فقالت أيها الناس إني قد أجرت ابا العاص بن الربيع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لما سلم واقبل على الناس وقال هل سمعتم ما سمعت قالوا نعم قال أما والذي نفسي بيده ما علمت بشء من هذا أي ثم انصرف صلى الله عليه وسلم فدخل على ابنته وقال قد أجرنا من أجرت قال وقال صلى الله عليه وسلم المؤمنون يد على من سواهم يجير عليهم أدناهم أي وفي الصحيحين ذمة المسلمين واحدة يسعى بها والملائكة والناس أجمعين ثم دخلت عليه صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله تعالى عنها فسالته أن يرد على أبي العاص ما اخذ منه فأجابها الى ذلك وقال لها صلى الله عليه وسلم أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلص إليك فإنك لا تحلين له أي لتحريم نكاح المؤمنات على المشركين أي كما تقدم في الحديبية
وبعث صلى الله عليه وسلم للسرية فقال لهم إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم وقد أصبتم له مالا فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك وغن أبيتهم فهو فيء الله الذي فاء عليكم فأنتم أحق به فقالوا يا رسولالله بل نرد عليه فرد عليه ما أخذ منه
وهذا السياق يدل على أن ذلك كان قبل صلح الحديبية ووقوع الهدنة لأن بعد ذلك لم تتعرض سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش وهو يخالف قوله صلى الله عليه وسلم لها لا يخلص اليك لأن تحريم نكاح المؤمنات على المشركين إنما كان في الحديبية
وقد ذكر بعضهم أن ذلك كان قبيل الفتح سنة ثمان ومن ثم ذكر الزهري وتبعه ابن عقبة رحمهما الله تعالى أن الذين اخذوا هذا العير وأسروا من فيها أبو بصير وأبو جندل وأصحابهما رضي الله تعالى عنهم لأنهم كانوا في مدة صلح الحديبية من شأنهم أن كل أخذوا هذه العير خلوا سبيل ابي العاص لكونه صهر رسول الله صلى الله عليه وقيل أعجزهم هربا وجاء تحت الليل فدخل على زوجته زينب رضى الله تعالى عنها وسلم فاستجار بها فأجارته ثم كلمها في أصحابه الذين اسروا فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم

في ذلك فخطب الناس وقال إنا صاهرنا أبا العاص فنعم الصهر وجدناه وإنه قد اقبل من الشام في أصحاب له من قريش فأخذهم أبو جندل وأبو نصير واسروهم وأخذوا ما كان معهم وأن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتني أن أجيرهم فهل أنتم مجيرون أبا العاص وأصحابه فقال الناس نعم فلما بلغ أبا جندل وأبا بصير وأصحابهما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ردوا الأسرى وردوا عليهم كل شيء حتى العقال
وصوب في الهدى هذا الذي ذكره الزهري أي لما علمت أن مما يؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لبنته زينب ولا يخلص إليك فإنك لا تحلين له لأن تحريم نكاح المؤمنات على المشركين إنما كان بعد الحديبية
وذكر أن المسلمين قالوا لابي العاص يا أبا العاص إنك في شرف من قريش وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لأنه يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في جده عبد مناف فهل لك أن تسلم فتغنم ما معك من أموال أهل مكة فقال بئسما أمرتموني أفتتح ديني بغدرة أي بالغدر وعدم الوفاء ثم ذهب أبو العاص الى أهل مكة فأدى كل ذي حق حقه ثم قام فقال يا أهل مكة هل بقي لأحد منكم مال لم يأخذه هل وفيت ذمتي فقالوا اللهم نعم فجزاك الله خيرا فقد وجدناك وفيا كريما فقال إني أشهد أن لا إله الا الله وأن محمدا عبد ورسوله والله ما منعني عن الإسلام عنده إلا خشية أن تظنوا أني إنما أردت ان آكل أموالكم
ثم خرج حتى قدم المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم فرد له رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله تعالى عنها على النكاح الأول ولم يحدث نكاحا وذلك بعد ست سنين وقيل بعد سنة واحدة انتهى
اقول وفي رواية بعد سنتين والمتبادر ان السنة أو السنتين من إسلامها دونه وهو مخالف لما عليه اهل العلم من أنه لا بد أن يجتمع الزوجان في الإسلام والعدة ومن ثم قالت طائفة منهم الترمذي هذا حديث ليس بإسناده بأس ولكن لا يعرف وجهه
وفي كلام بعض الحفاظ يمكن أن يقال قوله بعد ست سنين ولم يقل من إسلامها دونه صيره مجهول تاريخ الابتداء فلا يصح الاستدلال به
وعن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد بنته

زينب على أبي العاص بن ا لربيع بمهر جديد ونكاح جديد قال بعضهم وهذا في إسناده مقال وقال غيره هذا حديث ضعيف وقال آخر لا يثبت والحديث الصحيح إنما هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهما على النكاح 2 الأول
وقال ابن عبد البر حديث أنه صلى الله عليه وسلم أقرهما على النكاح الأول متروك لا يعمل به عند الجميع وحديث ردها بنكاح جديد عندنا صحيح يعضده الأصول وإن صح الأول أريد به على الصداق الأول وهو حمل حسن هذا كلامه
قال بعضهم تصحيح ابن عبد البر الحديث إنه ردها بنكاح جديد مخالف لكلام ائمة الحديث كالبخاري وأحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد القطان والدارقطني والبيهقي وغيرهم هذا كلامه
وفي كون زينب رضي الله تعالى عنها كانت مشتركة واسلمت قبل زوجها المشعر به قول بعضهم ولم يقل من إسلامها نظر لأنها اتبعت ما بعث به أبوها صلى الله عليه وسلم من غير تقدم شرك منها
لا يقال فحيث كانت مسلمة فكيف زوجها من أبي العاص وهو كافر لأنا نقول على فرض أنه صلى الله عليه وسلم زوجها له بعد البعث فقد زوجها له قبل نزول قوله تعالى { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } لأن تلك الآية نزلت بعد صلح الحديبية كما علمت على أن ابن سعد ذكر انه صلى الله عليه وسلم زوجها له في الجاهلية أي قبل البعثة والله أعلم
سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى بني ثعلبة
أي بالطرف ككتف اسم ماء
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة الى بني ثعلبة في خمسة عشرة رجلا أي بالطرف فاصاب عشرين بعيرا وشاء واقتصر الحافظ الدمياطي على النعم ولم يذكر الشاء ولم يجد احدا لأنهم ظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار اليهم فصبح زيد رضي الله تعالى عنه بالنعم والشاء المدينة أي وقد خرجوا في طلبه فأعجزهم وكان شعارهم الذي يتعارفون به في ظلمة الليل أمت أمت
سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما إلى جذام محل يقال له حسمى بكسر الحاء المهملة وسكون السين على وزن فعلى وهو موضع وراء وادي القرى يقال إن الطوفان أقام بذلك المحل بعد نضوبه أي ذهابه ثمانين سنة
وسببها أن دحية الكلبي رضي الله تعالى عنه أقبل من عند قيصر ملك الروم أي وكان صلى الله عليه وسلم وجهه إليه كذا قيل ولعله من تصرف بعض الرواة أو أنه أرسله إليه بغير كتاب وإلا فإرساله إليه بالكتاب كان بعد هذه السرية لأنه كان بعد الحديبية
ولم وصل رضي الله تعالى عنه إليه أجازه بمال وكساء فأقبل بذلك إلى أن وصل ذلك المحل فلقيه الهنيد وابنه في ناس من جذام فقطعوا عليه الطريق وسلبوه ما معه ولم يتركوه عليه إلا ثوبا خلقا فسمع بذلك نفر من جذام من بني الضبيب أي ممن اسلم منهم فنفروا اليهم واستنقذوا لدحية رضي الله تعالى عنه ما أخذ منه وقدم دحية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فبعث زيد بن حارثة في خمسمائة رجل ورد معه دحية وكان زيد رضي الله تعالى عنه يسير بالليل ويكمن بالنهار ومعه دليل من بني عذرة فأقبل حتى هجم على القوم أي على الهنيد وابنه من كان معهم من الصبح فقتلوا الهنيد وابنه ومن كان معهم وأخذوا من النعم ألف بعير ومن الشاء خمسة آلاف ومن السبي مائة من النساء والصبيان قال ولما سمع بنو الضبيب بما صنع زيد رضي الله تعالى عنه ركبوا وجاءوا الى زيد وقال له رجل منهم إنا قوم مسلمون فقال له زيدا اقرا أم الكتاب فقرأها ثم قدم منهم جماعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه الخبر وقال بعضهم يا رسول الله لنا تحرم علينا حلالا ولا تحل لنا حراما فقال كيف أصنع بالقتلى فقال أطلق لنا من كان حيا ومن قتل فهو تحت قدمي هاتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق فقالوا ابعث معنا رجلا لزيد رضي الله تعالى عنه فبعث صلى الله عليه وسلم معهم عليا كرم الله وجهه يأمر زيدا أن يخلي بينهم وبين حرمهم وأموالهم أي فقال علي يا رسول الله إن زيدا لا يطيعني فقال خذ سيفي هذا فأخذه وتوجه فلقي علي كرم الله وجهه رجلا أرسله زيد رضي الله تعالى عنه مبشرا على ناقة من إبل القوم فردها علي كرم الله وجهه على القوم وأردفه خلفه ولقي

زيدا فأبلغه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وعند ذلك قال له زيد ما علامة ذلك فقال هذا سيفه صلى الله عليه وسلم فعرف زيد السيف وصاح بالناس فاجتمعوا فقال من كان معه شيء فليرده فهذا سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد الناس كافة كل ما أخذوه انتهى
أقول وهذا السياق يدل على أن جميع ما أخذه من النعم والشاء والسبي كان لمن أسلم من جذام من بني الضبيب وإن بعض من قتل مع الهنيد وابنه كان مسلما وفي ذلك من البعد مالا يخفى والله أعلم
سرية أمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي الله عنه لبني فزارة كما في صحيح بوادي القرى
عن سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله تعالى عنه إلى فزارة وخرجت معه حتى إذا صلينا الصبح أمرنا فشنينا الغارة فوردنا الماء فقتل ابو بكر أي جيشه من قتل ورأيت طائفة منهم الذرارى فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل فأدركتهم ورميت بسهم بينهم وبين الجبل فلما رأوا السهم وقفوا وفيهم امرأة أي وهي أم قرفة عليها قشع من أدم أي فروة خلقة معها ابنتها من أحسن العرب فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكر فنفلني أبو بكر رضي الله عنه ابنتها فلم أكشف لها ثوبا فقدمنا المدينة فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا سلمة هب لي المراة لله أبوك أي أبوك لله خالصا حيث أنجب بك وأتى بمثلك يقال ذلك في مقام المدح والتعجب أي وقد كان وصف له صلى الله عليه وسلم جمالها فقلت هي لك يا رسول الله فبعث الله رسول الله صلى الله عليه وسلم الى مكة ففدى بها أسرى من المسلمين كانوا في أيدي المشركين
وفي لفظ فدى بها اسيرا كان في قريش من المسلمين كذا ذكر الأصل أن أمير هذه السرية أي التي أصابت أم قرفة ابو بكر رضي الله تعالى عنه وأنه الذي في مسلم
وذكر في الاصل قبل ذلك عن ابن أسحاق وابن سعد أن أمير هذه السرية أي التي أصابت أم قرفة زيد بن حارثة رضي الله عنهما وأنه لقي بني فزارة وأصيب بها ناس من

أصحابه وانفلت زيد من بين القتلى أي احتمل جريحا وبه رمق فلما قدم زيد رضي الله تعالى عنه نذر أن لا يمس رأسه غسل من الجنابة حتى يغزو بني فزارة فلما عوفي أرسله صلى الله عليه وسلم إليهم فكمنوا النهار وساروا الليل حتى أحاطوا بهم وكبروا وأخذوا أم قرفة وكانت أم قرفة في شرف من قومها وكان يعلق في بيتها خمسون سيفا كلهم لها محرم وكان لها اثنا عشر ولدا ومن ثم كانت العرب تضرب بها المثل في العزة فتقول لو كنت أعز من أم قرفة فأمر زيد بن حارثة أن تقتل أم قرفة أي لأنها كانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم
وجاء أنها جهزت ثلاثين راكبا من ولدها وولد ولدها وقالت لهم اغزوا المدينة واقتلوا محمدا لكن قال بعضهم إنه خبر منكر فربط برجليها حبلين ثم ربطا الى بعيرين وزجرهما أي وقيل إلى فرسين فركضا فشقاها نصفين وقرفة ولدها هذا الذي تكنى به قتله النبي صلى الله عليه وسلم وبقية أولادها قتلوا مع أهل الردة في خلافة الصديق فلا خير فيها ولا في بنيها ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنة أم قرفة وذكر له صلى الله عليه وسلم جمالها فقال صلى الله عليه وسلم لابن الأكوع يا سلمة ما جارية اصبتها قال يا رسول الله جارية رجوت أن أفدي بها امرأة منا في بني فزارة فأعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلام مرتين أو ثلاثا فعرف سلمة انه صلى الله عليه وسلم يريدها فوهبها له فوهبها النبي صلى الله عليه وسلم لخاله حزن بن أبي وهب ابن عمرو بن عائذ بمكة وكان أحد الأشراف فولدت له عبد الرحمن بن حزن وإنما قيل لحزن خاله لأن فاطمة أم أبي النبي صلى الله عليه وسلم هي بنت عائذ كما تقدم وعائذ جد حزن لأبيه وفي لفظ بنت عمرو بن عائذ
وفي كلام السهيلي أن رواية الفداء لمن كان أسيرا بمكة أصح من رواية أنه صلى الله عليه وسلم وهبها لخاله حزن
وجمع الشمس الشامي بين الروايتين حيث قال يحتمل أنهما سريتان اتفق لسلمة بن الأكوع فيهما ذلك أي إحداهما لأبي بكر والأخرى لزيد بن حارثة ويؤيد ذلك أن في سرية أبي بكر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث ببنت أم قرفة الى مكة ففدى بها أسرى كانوا في أيدي المشركين أي وفي سرية زيد وهبها لخاله حزن بمكة قال ولم أر من تعرض لتحرير ذلك انتهى

أقول في هذا الجمع نظر لانه يقتضى أن أم قرفة تعددت وأن كل واحدة كانت لها بنت جميلة وأن سلمة بن الأكوع أسرهما وأنه صلى الله عليه وسلم أخذهما منه وفي ذلك بعد إلا أن يقال لا تعدد لأم قرفة وتسمية المراة في سرية أبي بكر أم قرفة وهم من بعض الرواة ويدل عليه أن بعضهم أوردها ولم يسم المراة أم قرفة بل قال فيهم امرأة من بني فزارة معها ابنة لها من أحسن العرب فنفلني أبو بكر بنتها فقدمنا المدينة وما كشفت لها ثوبا فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوف مرتين في يومين فقال يا سلمة هبني المراة فقلت هي لك فبعث بها الى مكة ففدي بها ناسا كانا أسرى بمكة
ثم لا يخفى أن ما ذكره الأصل عن ابن اسحاق وابن سعد من أنه صلى الله عليه وسلم أرسل زيد بن حارثة الى وادي القرى أي غازيا لبني فزارة وأنه لقيهم وأصيب بها ناس من أصحابه وأفلت زيد من بين القتلى جريحا الخ يخالفه ما ذكره عن ابن سعد مما يقتضي ان زيد بن حارثة في هذه لم يكن غازيا بل كان تاجرا وانه لم يرسل لبني فزارة وانما اجتاز بهم فقاتلوه
والمذكور عن ابن سعد ما نصه قالوا خرج زيد بن حارثة في تجارة الى الشام ومعه بضائع لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان دون وادي القرى لقيه ناس من فزارة فضربوه وضربوا أصحابه أي فظنوا أنهم قد قتلوا وأخذوا ما كان معهم فقدموا المدينة ونذر زيد أن لا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزوة بني فزارة فلما خلص من جراحته بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية لهم وقال لهم اكمنوا النهار وسيروا الليل فخرج بهم دليل من بني فزارة وقد نزر بهم القوم فكانوا يجعلون له ناظورا حين يصبحون فينظر على جبل يشرف على وجه الطريق الذي يرون أن المسلمين يأتون منه فينظر قدر مسيرة يوم فيقول اسرحوا فلا بأس عليكم فإذا امسوا أشرف ذلك الناظر على ذلك الجبل فينظر مسيرة ليلة فيقول ناموا فلا بأس عليكم في هذه الليلة فلما كان زيد ابن حارثة وأصحابه على نحو مسيرة ليلة أخطأ بهم الدليل الفزاري طريقهم فأخذ بهم طريقا أخرى حتى أمسوا وهم على خطا فعاينوا الحاضر من بني فزارة فحمدوا خطأهم فكمن لهم في الليل حتى اصبحوا فأحاطوا بهم ثم كبر زيد وكبر أصحابه إلى آخر ما تقدم
ولما قدم زيد بن حارثة المدينة جاء إليه صلى الله عليه وسلم وقرع عليه الباب فخرج

إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا يجر ثوبه واعتنقه وقبله وسأله فأخبره بما ظفره الله تعالى به
وحينئذ يشكل قوله في الاصل ثبت عن ابن سعد أن لزيد بن حارثة سريتين بوادي القرى إحداهما في رجب والأخرى في رمضان فإنه بظاهره يقتضي أنه أرسل غازيا المرتين لبني فزراة بوادي القرى
وقد علمت أن كلام ابن سعد يدل على أن زيد بن حارثة في السرية الأولى إنما كان تاجرا اجتاز ببني فزارة بوادي القرى فقاتلوه هو وأصحابه وأخذوا معهم
ثم رأيت الأصل تبع في ذلك شيخه الحافظ الدمياطي حيث قال سرية زيد بن حارثة إلى وادي القرى في رجب قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا رضي الله تعالى عنه أميرا ثم قال سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة بناحية وادي القى في رمضان وفيه ما علمت
ثم لايخفى أن في هذا إطلاق السرية على الطائفة التي خرجت للتجارة ولا يختص ذلك بمن خرج للقتال أو لتجسس الأخبار وقد تقدم
سرية عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إلى دومة الجندل
بضم الدال المهملة وبفتحها وأنكره ابن دريد لبني كلب
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه فأقعده بين يديه وعممه بيده قال أي بعد أن قال له تجهز فإني باعثك في سرية من يومك هذا أو من الغد إن شاء الله تعالى ثم امره أن يسري من الليل إلى دومة الجندل في سبعمائة وعسكروا خارج المدينة
فلما كانت وقت السحر جاء عبد الرحمن بن عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أحببت يارسول الله أن يكون آخر عهدي بك وكان عليه عمامة من كرابيس أي غليظة قد لفها على رأسه فنقضها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ثم عممه بعمامة سوداء وأرخى بين كتفيه منها اربع أصابع أو نحوا من لك ثم قال هكذا يا ابن عوف فاعتم فإنه أحسن وأعرف

ثم أمر صلى الله عليه وسلم بلالا أن يدفع اليه اللواء فدفعه اليه وقام صلى الله عليه وسلم فحمد الله ثم صلى على نفسه ثم قال خذه يا ابن عوف انتهى وقال اغز بسم الله وفي سبيل الله فقاتل من كفر بالله ولا تغل أي لا تخن في المغنم ولا تغدر أي لا تترك الوفاء ولا تقتل وليدا وفي رواية لا تغلوا ولا تغدروا ولا تنكثوا ولا تملوا ولا تقتلوا وليدا أي صبيا فهذاعهد الله وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم فيكم ثم قال صلى الله عليه وسلم له إذا استجابوا لك فتزوج ابنة ملكهم فسار عبد الرحمن ابن عوف حتى قدم دومة الجندل فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام وهم يأبون ويقولون لا نعطى إلا السيف وفي اليوم الثالث أسلم رأسهم وملكهم الاصبغ بن عمرو الكلبي وكان نصرانيا قال في النور لم أجد أحدا ترجمه والظاهر أنه ما وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فهو تابعي واسلم معه ناس كثير من قومه واقر من أقام على كفره بإعطاء الجزية أي وأرسل رضي الله تعالى عنه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه بذلك وأنه يريد أن يتزوج فيهم فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه بذلك وأنه يريد أن يتزوج فيهم فكتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تزوج ببنت الأصبغ أي فتزوجها رضي الله تعالى عنه وبنى بها عندهم وقدم بها المدينة وهي ام ولده سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهي أول كلبية نكحها قرشي ولم تلد غير سلمة وطلقها عبد الرحمن في مرض موته ثلاثا ومتعها جارية سوداء ومات وهي في العدة وقيل بعد انقضاء العدة فورثها عثمان رضي الله تعالى عنه
قال وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما أنه قال سرت لأسمع وصية رسول الله لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فإذا فتى من الأنصار اقبل يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس فقال يا رسول الله أي المؤمنين أفضل قال أحسنهم خلقا ثم قال وأي المؤمنين أكيس قال أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا قبل أن ينزل بهم أولئك الأكياس ثم سكت الفتى واقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا نزلت بكم وأعوذ بالله أن تدركوهن إنه لن تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في اسلافهم الذين مضوا وما نقص المكيال والميزان في قوم إلا أخذهم الله بالسنين ونقص من الثمرات وشدة المؤنة وجور السلطان لعلهم يذكرون وما منع قوم الزكاة إلا أمسك الله عنهم قطر السماء ولولا البهائم لم يسقوا

وما نقض قوم عهد الله ورسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذ ما كان في ايديهم وما حكم قوم بغير كتاب الله إلا جعل الله تعالى باسهم بينهم وفي رواية إلا البسهم الله شيعا وأذاق بعضهم بأس بعض
وفي الاصل ذكر إبن اسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ابا عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه لدومة الجندل في سرية زاد في السيرة الشامية على ذلك قوله كما سيأتي
سرية زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما الى مدين قرية سيدنا شعيب صلوات الله وسلامه عليه وهي تجاه تبوك فاصاب سبيا وفرقوا في بيعهم بين الأمهات والأولاد فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون فقال مالهم فقيل يا رسول الله فرق بينهم أي بين الامهات والأولاد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تبيعوهم الا جميعا
قال في الأصل وكان مع زيد رضي الله تعالى عنه في هذه السرية ضميرة مولى علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه وكذا اخوه رضي الله تعالى عنه وأخ له وهو تابع في ذلك لابن هشام ورد بان مولى علي هذا الذي هو ضميرة لم يذكر في كتب الصحابة وكذا اخوه
سرية أمير المؤمنين على بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى بني سعد بن بكر بفدك
وهي قرية بينها وبين المدينة ست ليال أي وفي لفظ ثلاث مراحل وهي خراب الآن وفي الصحاح فدك قرية بخيبر
وسببها أنه صلى الله عليه وسلم بلغه أن لمبنى سعد جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر وأن يجعلوا لهم تمر خيبر أي ما يوجد من غلتها فبعث إليهم عليا كرم الله وجهه في مائة رجل فسار الليل وكمن النهار إلى أن نزلوا محلا بين خيبر وفدك فوجدوا به رجلا فسألوه عن القوم أي فقال لا علم لي فشدوا عليه فأقر أنه عين أي جاسوس لهم وقال

أخبركم على أن تؤمنوني فأمنوه فدلهم فأغاروا عليهم وأخذوا خمسمائة بعير وألفي شاة وهربت بنو سعد بالظعن فعزل علي كرم الله وجهه صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوحا أي حلوبا قريبة عهد بنتاج تدعى الحفدة بفتح الحاء وكسر الفاء وفتح الدال المهملة لسرعة سيرها ومنه في الدعاء إليك نسعى ونحفد ثم عزل الخمس وقسم الباقي على أصحابه
اقول قوله يريدون أن يمدوا يهود خيبر يقتضى بظاهره أن ذلك كان عند محاصرة خيبر أو عند إرادة ذلك وفيه مالا يخفى لما تقدم والله أعلم
سرية عبد الله بن رواحة رضى الله عنه إلى أسير بضم الهمزة وفتح السين يقال أسير بن رزام اليهودي بخيبر
لما قتل الله أبا رافع بن سلام بن أبي الحقيق عظيم يهود خيبر كما تقدم أمروا عليهم أسير بن رزام قال ولما أمروه عليهم قال لهم إني صانع بمحمد مالم يصنعه أصحابي فقالوا له وما عسيت أن تصنع قال اسير في غطفان فأجمعهم لحربه قالوا نعم ما رأيت وكان ذلك قبل فتح خيبر انتهى
فسار في غطفان وغيرهم يجمعهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجه إليه عبد الله بن رواحة في ثلاثة نفر سرا يسأل عن خبر أسير وغرته فأخبر بذلك فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك فانتدب له ثلاثون رجلا وأمر عليهم عبد الله ابن رواحة رضي الله تعالى عنه وقيل عبد الله بن عتيك فقدموا على اسير فقالوا نحن آمنون حتى نعرض عليك ما جئنا له قال نعم ولي منكم مثل ذلك فقالوا نعم فقلنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا إليك لتخرج إليه فيستعملك على خيبر ويحسن إليك فطمع في ذلك أي واستشار يهود في ذلك فأشاروا عليه بعدم الخروج وقالوا ما كان محمد ليستعمل رجلا من بني إسرائيل قال بلى قد مل الحرب
قال في النور هذا الكلام لانياسب أن يقال قبل فتح خيبر فالذي يظهر أنها بعد فتح خيبر


وأقول يجوز أن يكون المراد باستعماله على خيبر المصالحة وترك القتال ومن ثم أجاب بقوله إنه صلى الله عليه وسلم قد مل الحرب والله أعلم
فخرج وخرج معه ثلاثون رجلا من يهود مع كل رجل منهم رديف من المسلمين قال عبد الله بن أنيس كنت رديفا لأسير فكأن أسيرا ندم على خروجه معنا فأهوى بيده إلى سيفي ففطنت بفتح الطاء له وقلت أغدر عدو الله أغدر عدو الله ثلاثا فضربته بالسيف فأطحت عامة فخذه فسقط وكان بيده مخدش من شوحط فضربني به على رأسي فشجني مأمومة وملنا على أصحابه فقتلناهم إلا رجلا واحدا أعجزنا جريا ثم اقبلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثناه إلا رجلا واحدا أعجزنا جربا ثم أقبلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثناه الحديث فقال صلى الله عليه وسلم قد نجاكم الله من القوم الظالمين وبصق في شجتي فلم تقح علي ولم تؤذني
قال وفي رواية زيادة على ذلك وهي قطع لي قطعة من عصاه فقال أمسك هذه معك علامة بيني وبينك يوم القيامة أعرفك بها فإنك تأتي يوم القيامة متخصرا فلما دفن عبد الله بن أنيس جعلت معه على جلده دون ثيابه انتهى
أقول تقدم نظير ذلك لعبد الله بن أنيس هذا لما أرسله صلى الله عليه وسلم لقتل سفيان ابن خالد الهذلي وجاء برأسه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحتمل أن هذا وهم من بعض الرواة ويحتمل تعدد الواقعة أي أعطاه صلى الله عليه وسلم عصاه أولا في تلك وأعطاه أخرى ثانيا في هذه وجعل العصا بين جلده وكفنه ولا مانع منه لكن ربما تتشوف النفس للسؤال عن حكمة تكرير ذلك لعبد الله بن أنيس وتخصيصه بهذه المنقبة دون بقية الصحابة والله أعلم
سرية عمرو بن أمية الضمري وسلمة بن أسلم بن حريس رضي الله عنهما بالحاء المهملة وكسر الراء وسين مهملة وكل ما في الأنصار حريس بالسين المهملة إلا لحريش فإنه بالشين المعجمة وقيل بدله جبار بن صخر إلى أبي سفيان بن حرب بمكة ليغتالاه
وسببها أن ابا سفيان رضي الله عنه قال لنفر من قريش ألا أحد يغتال لنا محمدا فإنه يمشي في الأسواق وحده فأتاه رجل من الأعراب وقال يعني نفسه قد وجدت أجمع الرجال قلبا وأشدهم بطشا وأسرعهم عدوا فإذا أنت فديتني خرجت إليه حتى أغتاله

فإن معي خنجرا بفتح الخاء المعجمة كجناح النسر وإني عارف بالطريق فقال له أنت صاحبنا فأعطاه بعيرا ونفقة وقال له اطو أمرك وخرج ليلا إلى أن قدم المدينة ثم اقبل يسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل عليه وكان صلى الله عليه وسلم في مسجد بني عبد الأشهل فعقل راحلته وأقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه صلى الله عليه وسلم قال إن هذا يريد غدرا والله حائل بينه وبين ما يريد فجاء ليجني على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجذبه اسيد بن حضير رضي الله تعالى عنه بداخلة إزاره أي بحاشيته من داخل فإذا بالخنجر فأخذ أسيد يخنقه خنقا شديدا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدقنى قال وأنا آمن قال نعم فأخبره بأمره فخلى عنه رسول الله فأسلم أي وقال يا رسول الله ما كنت أخاف الرجال فلما رأيتك ذهب عقلي وضعفت نفسي ثم أطلعت على ما هممت به فعلمت أنك على الحق فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم
فعند ذلك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري ومن تقدم معه إلى أبي سفيان بمكة أي وذلك بعد قتل خبيب عن عدي رضي الله عنه وصلبه على الخشبة
ومضى عمرو بن أمية رضي الله تعالى عنه يطوف بالبيت ليلا فرآه معاوية بن ابي سفيان رضي الله تعالى عنهما فعرفه فأخبر قريشا بمكانه فخافوه لأنه كان فاتكا في الجاهلية وقالوا لم يأت عمرو بخير واشتدوا في طلبه
قال وفي رواية لما قدما مكة حبسا جمليهما ببعض الشعاب ثم دخلا ليلا فقال له صاحبه يا عمرو ولو طفنا بالبيت وصلينا ركعتين ثم طلبنا أبا سفيان فقال عمرو إني أعرف بمكة من الفرس الأبلق أي وإن القوم إذا تعشوا جلسوا على أفنيتهم فقال كلا إن شاء الله قال عمرو فطفنا بالبيت وصلينا ثم خرجنا لطلب أبي سفيان فلقيني رجل من قريش فعرفني وقال عمرو بن أمية فأخبر قريشا بي فهربت أنا وصاحبي انتهى أي وصعدنا الجبل وخرجوا في طلبنا فدخلنا كهفا في الجبل ولقي عمرو رجلا من قريش فقتله أي قتل ذلك الرجل عمرو فلما أصبحنا غدا رجل من قريش يقود فرسا ونحن في الغار فقلت لصاحبي إن رآنا صاح بنا فخرجت إليه ومعي خنجرا عددته لأبي سفيان فضربته على يده فصاح صيحة اسمع أهل مكة فجاء الناس يشتدون فوجدوه بآخر رمق

فقالوا له من ضربك قال عمرو بن أمية وغلبه الموت فاحتملوه فقلت لصاحبي لما أمسينا النجاة فخرجنا ليلا من مكة نريد المدينة فمررنا بالحرس الذين يحرسون خشية حبيب بن عدي رضي الله تعالى فقال أحدهم لولا أن عمرو بن أمية بالمدينة لقلت إنه هذا الماشي فلما حاذيت الخشبة شددت عليها فحملتها واشتديت أنا وصاحبي فخرجوا وراءنا فألقيت الخشبة فغيبة الله عنهم كذا في السيرة الهشامية
وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم أرسل الزبير والمقداد لإنزاله وأن الزبير أنزله فابتلعته الأرض وتقدم عن ابن الجوزي مثل ما هنا من أن الذي أنزله عمرو بن أمية رضي الله تعالى عنه فيحتاج الى الجمع على تقدير صحة الروايتين ويقال عمرا قتل رجلا آخر سمعه يقول ** ولست بمسلم ما دمت حيا ** ولست أيدن دين المسلمينا **
ولقي رجلين بعثتهما قريش إلى المدينة يتجسسان لهم الخبر فقتل أحدهما وأسر الآخر ثم قدم رضي الله تعالى عنه المدينة وجعل بخير رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك
سرية سعيد بن زيد رضي الله تعالى عنه وقيل كرز بن جابر رضي الله تعالى عنه وعليه الأكثرون ومن ثم اقتصر عليه الحافظ الدمياطي أي وقيل جرير بن عبد الله البجلي ورد بأن إسلام جرير بن عبد الله المذكور كان بعد هذه السرية بنحو أربع سنين الى العرنيين
وسببها أنها قدم على رسول صلى الله عليه وسلم نفر أي ثمانية من عرينة وقيل أربعة من عرينة وثلاثة من عكل والثامن من غيرهما مسلمين نطقوا بالشهادتين كانوا مجهودين قد كادوا يهلكون أي لشدة هزالهم وصفرة ألوانهم وعظم بطونهم وقالوا يا رسول الله آونا وأطعمنا فأنزلهم صلى الله عليه وسلم عنده أي بالصفة ثم قال لهم أي بعد أن ذكروا له صلى الله عليه وسلم أن المدينة وبئة وخمة وأنهم أهل ضرع ولم يكونوا أهل ريف لو خرجتم إلى ذود لنا أي لقاح وكانت خمسة عشر فشربتم من ألبانها وأبوالها أي لأن في لبن اللقاح جلاء وتليينا وإدرارا وتفتيحا للسدد فإن الأستسقاء وعظم البطن إنما ينشأ عن السدد وآفة في الكبد ومن أعظم منافع الكبد لبن اللقاح لاسيما إن استعمل بحرارته التي يخرج بها من الضرع مع بول الفصيل مع حرارته التي يخرج بها ففعلوا ثم لما صحت أجسامهم كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعيها وهو يسار مولى النبي صلى الله عليه وسلم ومثلوا به أي قطعوا يديه ورجليه وغرزوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات واستاقوا اللقاح
وفي لفظ أنهم ركبوا بعضها واستاقوها فأدركهم يسار ومعه نفر فقاتلهم فقطعوا يده ورجله الحديث
وبلغه صلى الله عليه وسلم الخبر فبعث صلى الله عليه وسلم في آثارهم عشرين فارسا واستعمل عليهم من تقدم وأرسل معهم من يقص آثارهم فأدركوهم فأحاطوا بهم فأسروهم ودخلوا بهم المدينة فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم أي غورت بمسامير محماة بالنار وألقوا بالحرة أي وهي أرض ذات حجارة سود كأنها أحرقت بالنار يستسقون فلا يسقون قال أنس رضي الله تعالى عنه ولقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه من العطش ليجد بردها لما يجده من شدة العطش حتى ماتوا على حالهم وأنزل الله فيهم { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } الآية ولم يقع بعد ذلك أنه صلى الله عليه وسلم سمل عينا وفي لفظ أنهما لما أسروا ربطوهم وأردفوهم على الخيل حتى قدموا بهم المدينة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة فخرجوا بهم نحوه فلقوه بمجمع السيول فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسملت أعينهم وصلبوا هنالك وأنه صلى الله عليه وسلم فقد من اللقاح لقحة تدعى الحفياء فسأل عنها فقيل نحروها كذا في سيرة الحافظ الدمياطي وقدم فيها هذه السرية على سرية عمرو بن أمية الضمري رضي الله تعالى رضي الله تعالى عنه
مجلد 13.
===================

مجلد 13. من كتاب:السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون
المؤلف:علي بن برهان الدين الحلبي

سرية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى طائفة من هوازن
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في ثلاثين رجلا إلى عجز بفتح العين المهملة وبضم الجيم وبالزاي محل بينه وبين مكة أربع ليال بطريق صنعاء يقال له تربة بضم المثناة فوق وفتح الراء ثم موحدة مفتوحة ثم تاء وأرسل صلى الله عليه وسلم دليلا من بني هلال فكان يسير الليل ويكمن النهار فأتى الخبر لهوازن فهربوا فجاء عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه محالهم فلم يجد منهم أحدا فانصرف راجعا إلى المدينة فلما كان بمحل بينه وبين المدينة ستة أميال قال له الدليل هل لك جمع أخر من خثعم فقال له عمر رضي الله تعالى عنه لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم إنما أمرني بقتال هوازن
سرية أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه إلى بني كلاب
عن سلمة بن الأكوع رضي الله تعالى عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وأمره علينا فسبي ناسا من المشركين فقتلناهم فقتلت بيدي سبعة أهل أبيات من المشركين وما زاده الأصل على هذا من قوله إن سلمة بن الأكوع قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ابا بكر رضي الله تعالى عنه إلى فزارة الخ نسب فيه للوهم لأن ذلك كان في سريته لبني فزارة بوادي القرى وقد تقدمت فهما قضيتان مختلفتان جمع بينهما أي وهذا الذي في الأصل تبع فيه شيخه الحافظ الدمياطي وفيه ما علمت
سرية بشير بن سعد الأنصاري رضي الله تعالى عنه إلى بني مرة بفدك
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشير بن سعد في ثلاثين رجلا إلى بني مرة بفدك وتقدم أنها قرية بينها وبين المدينة ستة اميال فخرج فلقى رعاء الشاء فسأل عن الناس فقيل في بواديهم فاستاق النعم والشاء وانحدر الى المدينة فخرج الصريخ إليهم فأدركه منهم العدد الكثير عند الليل فباتوا يترامون بالنبل حتى فني نبل أصحاب بشير أي فلما أصبحوا حملوا على بشير وأصحابه فقتلوا منهم من قتلوا وولى من ولى منهم وقاتل بشير قتالا شديدا حتى ارتث أي جرح وصار ما به رمق وضربت كعبه اختبارا لحياته فلم يتحرك فقيل مات فرجعوا بنعمهم وشياههم وجاء إليه صلى الله عليه وسلم خبرهم ثم جاء بشير رضي الله تعالى عنه إلى المدينة بعد ذلك أي فإنه استمر بين القتلى إلى الليل فلما أمسى تحامل حتى انتهى الى فدك فأقام بفدك عند يهودي أياما حتى قوي على المشي وجاء الى المدينة
أقول وهذا يدل على أن بني مرة الذين توجه اليهم بشير لم يكونوا بفدك بل بالقرب منها فيكون قوله أولا لبني مرة بفدك فيه تسمح وأن بشيرا حصلت له هذه الحالة مرتين فليتأمل
سرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه إلى بني عوال وبني عبد بن ثعلبة بالميقعة اسم محل وراء بطن نخل
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه في مائة وثلاثين رجلا لبني عوال وبني عبد بن ثعلبة بالميفعة ودليلهم يسار مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجموا عليهم جميعا ووقعوا في وسط محالهم فقتلوا جمعا من أشرافهم واستاقوا نعما وشاء ولم يأسروا أحدا وفي هذه السرية قتل اسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما الرجل الذي قال لا إله إلا الله وهو مرداس بن نهيك وفي سيرة الحافظ الدمياطي نهيك ابن مرداس والأول هو الذي في الكشاف وقال له النبي صلى الله عليه وسلم هلا شققت

عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب فعن اسامة رضي الله تعالى عنه بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصحبنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم فلما أعييناه قال لا إله إلا الله فكف الأنصاري وطعنته برمحي حتى قتلته فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله قلت إنما قالها متعوذا فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم أي تمنيت أن أكون اسلمت اليم فيكفر عني ما صنعت قال كذا وقع في الأصل أن قتل أسامة للرجل الذي قال لا إله إلا الله كان في هذه السرية وقد تبع في ذلك ابن سعد
وإنما كان ذلك في سرية أسامة بن زيد للحرقة بضم الحاء المهملة وفتح الراء وبالقاف ثم تاء تأنيث بطن من جهينة وسيأتي عن أسامة بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة فصبحناها فكان رجل يدعى مرداس بن نهيك إذا أقبل القوم كان من أشدهم علينا وإذا أدبروا كان من حاميتهم فهزمناهم فتبعته أنا ورجل من الأنصار فرفعت عليه السيف قال لا إله إلا الله وزاد في رواية محمد رسول الله فكف الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته ثم وجدت في نفسي من ذلك موجدة شديدة حتى ما أقدر على أكل الطعام حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلني واعتنقني قال بعضهم وكان صلى الله عليه وسلم إذا بعث أسامة بن زيد يسأل عنه أصحابه ويجب ان يثنى عليه خيرا فلما رجعوا لم يسألهم عنه فجعل القوم يحدثون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون يا رسول الله لو رأيت ما فعل أسامة ولقيه رجل فقال الرجل لا إله إلا الله فشد عليه أسامة فقتله وهو يعرض عنهم فلما أكثروا عليه صلى الله عليه وسلم رفع رأسه الشريف لاسامة فقال يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله فكيف تصنع بلا إلا إلا الله إذا جاءت يوم القيامة فقال أسامة رضي الله تعالى عنه إنما قالها خوفا من السلاح وفي رواية إنما كان متعوذا من القتل قال اسامة رضي الله تعالى عنه ولا زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرر علي حتى تمنيت أني لم أسلم إلا يؤمئذ انتهى
والذي في الكشاف في تفسير قوله تعالى { ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا } أصله أن مرداس بن نهيك رجل من أهل فدك أسلم ولم يسلم من قومه غيره فغزتهم سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عليها غالب بن فضالة الليثي رضي الله تعالى عنه فهربوا وبقي

مرداس لثقته بإسلامه فلما رأى الخيل ألجأ غنمه الى عاقول من الجبل وصعد فلما تلاحقوا وكبروا كبر ونزل وقال لا إله إلا الله محمد رسول الله السلام عليك فقتله أسامة ابن زيد واستاق غنمه فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فوجد وجدا شديدا وقال قتلتموه إرادة ما معه ثم قرأ الآية على أسامة فقال يا رسول الله استغفر لي قال فكيف بلا إله إلا الله فما زال يكررها حتى وددت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ ثم استغفر لي وقال أعتق رقبة وسياتي نحو ذلك في سرية غالب بن عبد الله الليثي إلى مصاب بشير بن سعد
ويبعد تعدد هذه الواقعة سيما في مواطن ثلاثة أو اربعة وكون يسار مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان دليلا في هذه السرية يقتضي أنها متقدمة على سرية العرنيين فقد تقدم أنهم قتلوه ثم رايته في النور قال ولعل هذا غير ذاك لكن لم أر ذكرا في الموالي إلا أن يكون أحد موالي أقاربه عليه الصلاة والسلام فنسب اليه ومن ثم لم يشهد اسامة رضي الله تعالى عنه مع علي كرم الله وجهه قتالا وقال له لو أدخلت يدك في فم تنين لأدخلت يدي معها ولكنك قد سمعت ما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قتلت ذلك الرجل الذي شهد ان لا إله إلا الله وقلت له أعطى الله عهدا أن لا أقتل رجلا يقول لا إله إلا الله والله أعلم
سرية بشسير بن سعد الأنصاري رضي الله تعالى عنه إلى يمن بفتح الياء آخر الحروف وقيل بضمها أو يقال أمن همزة مفتوحة وسكون الميم وجبار بفتح الجيم واد قريب من خيبر
لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من غطفان قد واعدهم عيينة بن حصن أي قبل أن يسلم رضي الله تعالى عنه ليكون معهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشير بن سعد فعقد له لواء وبعث معه ثلثمائة رجل فساروا الليل وكمنوا النهار حتى أتوا المحل المذكور فأصابوا نعما كثيرا وتفرق الرعاء بكسر الراء والمد وذهبوا الى القوم وأخبروهم فتفرقوا ولحقوا بعليا بلادهم وعليا

بضم العين وسكون اللام مقصورا نقيض السفلى فلم يظفر بأحد منهم إلا برجلين أسروهما فرجع بالنعم والرجلين الى المدينة فاسلم الرجلان فأرسلهما صلى الله عليه وسلم قال والرجلان من جمع عيينة فإن المسلمين لما لقوا جمع عيينة انهزموا أمامهم وتبعوهم أخذوا منهم ذينك الرجلين انتهى أي وعيينة بن حصن كان يقال له الأحمق المطاع لأنه كان يتبعه عشرة آلاف قناة وقيل له عيينة قال في الاصل لأن عينة حجفلت أي عظمت وكبرت فلقب بذلك رضي الله تعالى عنه
سرية أبن أبي العوجاء السلمي رضي الله تعالى عنه إلى بني سليم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أبي العوجاء رضي الله تعالى عنه السلمي في خمسين رجلا الى بني سليم فكان لهم جاسوس مع القوم فخرج اليهم وسبق القوم وحذرهم فجمعوا لهم جمعا كثيرا فجاءوا لهم وهم معدون لهم فدعوهم الى الاسلام فقالوا أي حاجة لنا بما تدعونا اليه فتراموا بالنبل ساعة وجعلت الأمداد تأتيهم وأحدقوا بالمسلمين من كل ناحية فقاتل المسلمون قتالا شديدا حتى قتل عامتهم واصيب ابن ابي العوجاء جريحا مع القتلى ثم تحامل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
سرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه الى بني الملوح بضم الميم وفتح اللام وتشديد الواو مكسورة ثم حاء مهملة بالكديد بتفح الكاف وكسر الدال المهملة
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله الليثي في بضعة عشر رجلا قال وما نقل عن الواقدي أنهم كانوا مائة وثلاثين رجلا فذلك في سرية لغالب غير هذه انتهى
أقول وهي المتقدمة التي توجهت لبني عوال وبني عبد بن ثعلبة بالميفعة والله أعلم وأمر صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله وأصحابه أن يشنوا الغارة على القم فخرجوا

حتى إذا كانوا بقديد لحقوا الحارث الليثي فاسروه فقال إنما خرجت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم اريد الإسلام فقالوا له إن كنت مسلما لم يضرك ربطنا لك يوما وليلة وإن كنت غير ذلك استوثقنا منك فشدوه وثاقا وخلفوا عنده سويد بن صخر أي وفي لفظ خلفوا عليه رجلا أسود منهم وقالوا له إن نازعك فاحتز رأسه وساروا حتى اتوا محل القوم عند غروب الشمس فكمنوا في ناحية الوادي قال جندب الجهني وأرسلني القوم جاسوسا لهم فخرجت حتى أتيت تلا مشرفا على الحاضر أي القوم المقيمين بمحلهم فلما استويت على رأسه انبطحت عليه لأنظر إذ خرج رجل منهم فقال لامرأته إني لأنظر على هذا الجببل سوادا ما رايته قبل انظري إلي أو عيتك لا تكون الكلاب جرت منها شيئا فنظرت فقالت والله ما فقدت من أوعيتي شيئا فقال ناوليني قوسي ونبلي فناولته قوسه وسهمين فارسل سهما فوالله ما أخطأ بين عيني فانتزعته وثبت مكاني فارسل آخر فوضعه في منكبي فانتزعته وثبت مكاني فقال لامرأته والله لو كان جاسوسا لتحرك لقد خالطه سهمان لا ابالك أي بكسر الكاف أي لا كافل لك غير نفسك وهو بهذا المعنى يذكر في معرض المدح وربما يذكر في معرض الذم وفي معرض التعجب لا بهذا المعنى فإذا اصبحت فانظريهما لا تمضغهما الكلاب ثم دخل فلما اطمأنوا ناموا شيئا عليهم الغارة واستقنا النعم والشاء بعد أن قتلنا المقاتلة وسبينا الذرية أي ومروا على الحارث الليثي فاحتماوه واحتملوا صاحبهم الذي تركوه عنده فخرج صريخ القوم في قومهم فجاء مالا قبل لنا به فصار بيننا وبينهم الوادي فأرسل الله سحابا فأمطر الوادي ما رأينا مثله فسال الوادي بحيث لا يستطيع أحد أن يجوز به فصاروا وقوفا ينظرون إلينا ونحن متوجهون الى أن قدمنا المدينة
أي وفي لفظ آخر فقلنا القوم ينظرون إلينا إذا جاء الله بالوادي من حيث شاء يملأ جنبيه ماء والله ما رأينا يومئذ سحابا ولا مطرا فجاء بمالا يستطيع أحد أن يجوزه فوقفوا ينظرون الينا وقد وقع نظير ذلك أي سيل الوادي لقطنه بن عامر حين توجه الى بن خثعم بناحية تبال كما سيأتي
سرية غالب بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه إلى مصاب أصحاب بشير بن سعد رضي الله تعالى عنه أي في بني مرة بفدك لما قدم غالب من الكديد مؤيدا منصورا بعثه صلى الله عليه وسلم في مائتي رجل الى حيث أصيب أصحاب بشير بن سعد وذلك في بني مرة بفدك وكان قبل قدوم غالب هيأ صلى الله عليه وسلم للزبير لذلك وعقد له لواء فلما قدم غالب رضى الله تعالى عنه قال للزبير اجلس فصار غالب رضي الله تعالى عنه إلى أن أصبح القوم فأغاروا عليهم وكان غالب رضي الله تعالى عنه قد أوصاهم بعدم مخالفتهم له وآخى بين القوم فساقوا نعما وقتلوا منهم
قال لما دنا غالب منهم ليلا قام فحمد الله واثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله تعالى وحده لا شريك له وأن تطيعوني ولا تخالفوا لي أمرا فإنه لا رأى لمن لا يطاع وفي رواية لا تعصوني فغن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من يطع أميري فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني وإنكم متى ما تعصوني فإنكم تعصون نبيكم صلى الله عليه وسلم ثم ألف رضي الله تعالى عنه بين القوم فقال يا فلان أنت وفلان ويا فلان أنت وفلان لا يفارق رجل منكم زميله فإياكم أن يرجع الرجل منكم فاقول له أين صاحبك فيقول لا أدري فإذا كبرت فكبروا فلما أحاطوا بالقوم كبر غالب رضي الله تعالى عنه وكبروا معه وجردوا السيوف فخرج الرجال فقاتلوا ساعة ووضع المسلمون فيهم السيف وكان شعار المسلمين أمت أمت وكان في القوم أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما وتفقده غالب رضي الله تعالى عنه فلم يره وبعد ساعة أي من الليل أقبل فلامه غالب وقال الم تر إلى ما عهدت اليك فقال خرجت في أثر رجل منهم جعل يتهكم بي حتى إذا دنوت منه وضربته بالسيف قال لا إله إلا الله فقال له الأمير بئسما فعلت وما جئت به تقتل امرأ يقول لا إله إلا الله فندم أسامة وساق المسلمون النعم والشاء والذرية فكان سهم كل رجل عشرة ابعرة وعدل بعير بعشرة من الغنم انتهى وتقدمت الحوالة على هذه وتقدم ما فيها

وقوله هنا حتى إذا دنوت منه وضربته بالسيف قال لا إله إلا الله يقتضي أنه إنما قال لا إله إلا الله بعد ضربه بالسيف إلا أن يحمل على الإرادة وتقدم أنه طعنه برمحه فليتأمل
سرية شجاع بن وهب الأسدي رضي الله تعالى عنه إلى بني عامر بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب رضي الله تعالى عنه في اربعة وعشرين رجلا إلى جمع من هوازن أي يقال لهم بنو عامر وأمره صلى الله عليه وسلم أن يغير عليهم فكان يسير بالليل ويكمن بالنهار حتى صبحهم وهم غافلون أي وقد نهى أصحابه أن يمعنوا في الطلب فاصابوا نعما وشاء واستاقوا ذلك حتى قدموا المدينة فكان سهم كل رجل خمسة عشر بعيرا وعدل البعير بعشرة من الغنم
سرية كعب بن عمير الغفاري رضي الله تعالى عنه بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عمير الغفاري إلى ذات أطلاح من أرض الشام وراء وادي القرى في خمسة عشر رجلا فوجدوا جمعا كثيرا أي لأنه لما دنا كعب ابن عمير رضي الله تعالى عنه من القوم ذهب عين لهم فأخبروهم بقلة المسلمين فدعوهم الى الإسلام فلم يستجيبوا ورشقوهم بالنبل فقاتلهم المسلمون أشد القتال حتى قتلوا عن آخرهم إلا كعب بن عمير فإنه ظن قتله فلما أمسى تحامل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشق ذلك عليه فهم بالبعث إليهم فبلغه أنهم ساروا إلى محل آخر فتركهم
أقول لم أقف على السبب الذي اقتضى البعث إلى ذلك المحل والله أعلم
سرية عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه إلى ذات السلاسل أرض بها ماء يقال له السلاسل بضم السين الأولى وكسر الثانية أي وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى المشهور أنها بفتح الأولى قيل سمي المكان بذلك لأنه كان به رمل بعضه على بعض كالسلسلة يقال ماء سلسل وسلسال إذا كان سهل الدخول

في الحلق لعذوبته وصفائه وتلك الأرض وراء وادي القرى وقيل لان المشركين ارتبط بعضهم إلى بعض مخافة أن يغزوا
أقول ولخالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه في زمن الصديق غزاة مع أهل فارس يقال لها ذات السلاسل لكثرة من تسلسل فيها من الشجعان خوف الفرارا فقتلوا عن آخرهم لأن السلاسل منعتهم الهزيمة وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاسل إلى الصديق رضي الله تعالى عنه والله اعلم
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من قضاعة قد تجمعوا يريدون المدينة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه أي وذلك بعد إسلامه بسنة وعقد له لواء ابيض وجعل معه راية سوداء وبعثه في ثلثمائة من سراة المهاجرين والأنصار ومعهم ثلاثون فرسا وأمره صلى الله عليه وسلم أن يستعين بمن يمر عليهم فسار الليل وكمن النهار حتى قرب من القوم فبلغه أن لهم جمعا كثيرا فبعث رافع بن كعب الجهني رضي الله تعالى عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إليه ابا عبيدة بن الجراح في مائتين من سراة المهاجرين والأنصار منهم ابو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وعقد له لواء وأمره أن يلحق بعمرو وأن يكونا جميعا ولا يختلفنا فلحق بعمرو أبو عبيدة وأراد أبو عبيدة أن يؤم الناس فقال عمرو إنما قدمت علي مددا وأنا الأمير قال وعند ذلك قال جمع من المهاجرين الذي مع أبي عبيدة لعمرو أنت أمير أصحابك وهو أمير أصحابه فقال عمرو أنتم مدد لنا فلما رأى ابو عبيدة الاختلاف قال لتعلم يا عمرو أن آخر شيء عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال إن قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا وإنك والله إن عصيتني لأطيعنك قال فإني الأمير عليك قال فدونك أ هـأي لأن ابا عبيدة رضي الله تعالى عنه كان حسن الخلق لين العريكة فكان عمرو يصلي بالناس
أي وعن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال بعث الي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمري أن آخذ ثيابي وسلاحي فقال يا عمرو إني أريد أن أبعثك على جيش فيغنمك الله ويسلمك فقلت إني لم اسلم رغبة في قال نعم المال الصالح للرجل الصالح ورأوا جمعا كثيرا فحمل عليهم المسلمون فتفرقوا قال وأراد المسلمون أن يتبعوهم فمنعهم عمرو رضي الله تعالى عنه وأرداوا أن يوقدوا نارا ليصطلوا عليها من

البرد فمنعهم عمرو أي وقال كل من أوقد نارا لأفذفنه فيها فشق عليهم ذلك لما فيه من شدة البرد فكلمه بعض سراة الماجرين في ذلك فغالظه عمرو في القول وقال له قد أمرت أن تسمع لي وتطيع قال نعم قال فافعل ولما بلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه غضب وهم أن يأتيه فمنعه أبو بكر رضي الله تعالى عنه وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستعمله إلا لعلمه بالحرب فسكت واحتلم عمرو رضي الله تعالى عنه وكانت تلك الليلة شديدة البرد جدا فقال لأصحابه ما ترون قد والله احتلمت فإن اغتسلت مت فدعا بماء فغسل فرجه وتوضأ وتيمم ثم قام وصلى بالناس أ هـثم بعث عمرو عوف بن مالك مبشرا للنبي صلى الله عليه وسلم بقدومهم وسلامتهم قال قال عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه جئته صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في بيته فقلت السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فقال عوف بن مالك فقلت نعم بابي أنت وأمي يا رسول الله قال أخبرني فأخبرته بما كان من مسيرنا وما كان بين أبي عبيدة بن الجراح وبين عمرو ومطاوعة أبي عبيدة لعمرو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله ابا عبيدة بن الجراح وأخبرته بمنع عمرو رضي الله تعالى عنه للمسلمين من اتباع العدو ومن إيقاد النار ومن صلاته باصحابه وهو جنب فلما قدم عليه عمرو كلمه صلى الله عليه وسلم في ذلك قال كرهت أن يوقدوا نارا فيرى عدوهم قلتهم وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفون عليهم فحمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره قال عمرو وسالني عن صلاتي فقال يا عمرو صليت باصحابك وأنت جنب فقلت والذي بعثك بالحق إني لو اغتسلت لمت لم أجد بردا قط مثله وقد قال الله تعالى { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } فضحك صلى الله عليه وسلم ا هـ
أي ويحتاج أئمتنا إلى الجواب عن صلاة الصحابة خلفه فإني لم أقف على أنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقضاء
سرية الخبط وهو ورق السمر بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في ثلثمائة رجل من المهاجرين والأنصار فيهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى حي من جهينة في ساحل البحر وقيل ليرصدوا عيرا لقريش أي وعليه فتكون هذه السرية قبل الهدنة الواقعة في الحديبية لما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم بعد الهدنة لم يكن يرصد عيرا لقريش الى الفتح وتعدد سرية الخبط بعيد فلا يقال يجوز أن تكون سرية الخبط مرتين مرة قبل الهدنة ومرة بعدها ومن ثم حكم على هذا القول بأنه وهم فأقاموا بالساحل نصف شهر فاصابهم جوع شديد حتى اكلوا الخبط أي كانوا يبلونه بالماء ويأكلونه حتى تقرحت أشداقهم فإن ابا عبيدة رضي الله تعالى عنه كان يعطي الواحد منهم في اليوم والليلة تمرة واحدة يمصها ثم يصرها في ثوبه
أي وعن الزبير رضي الله تعالى عنه أنه قيل له كيف كنتم تصنعون بالتمرة قال نمصها كما يمص الصبي ثدي أمه ثم نشرب عليها من الماء فتكفينا يومنا الى الليل لأنه صلى الله عليه وسلم زودهم جرابا من تمر فجعل ابو عبيدة رضي الله تعالى عنه يقوتهم إياه حتى صار يعده لهم عدا حتى كان يعطي الواحد تمرة كل يوم ثم بعد التمر أكلوا الخبط
ولما رأى قيس بن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنهما ما بالمسلمين من جهد الجوع أي مشقته أي وقال قائلهم والله لو لقينا عدو ما كان منا حركة اليه لما بالناس من الجهد قال من يشتري مني تمرا أوفيه له في المدينة بجزر يوفيها إلى ههنا فقال له رجل من أهل الساحل أنا افعل لكن والله ما أعرفك فمن أنت قال أنا قيس ابن سعد بن عبادة فقال الرجل ما أعرفني بسعد إن بيني وبين سعد خلة سيد اهل يثرب فاشترى خمس جزائر كل جزور بوسق من تمر والوسق بفتح الواو وكسرها ستون صاعا وجمع الأول أوسق والثاني أوساق فقال له الرجل أشهد لي فقال

أشهد من تحب فأشهد نفرا من المهاجرين والأنصار من جملتهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه
وقيل إن عمر رضي الله تعالى عنه امتنع من أن يشهد وقال هذه يدان ولا مال له إنما المال لأبيه فقال الرجل والله ما كان سعد ليخنى بابنه أي لا يوفى عن ابنه ما التزمه فكان بين قيس وعمر كلام حتى أغلظ له قيس الكلام وأخذ قيس رضي الله تعالى عنه الجزر فنحر لهم منها ثلاثة في ثلاثة ايام وأراد أن ينحر لهم في اليوم الرابع فنهاه أبو عبيدة وقال له عزمت عليك أن لا تنحر أتريد أن تخفر ذمتك أي لا يوفى لك بما التزمت ولا مال لك فقال له قيس رضي الله تعالى عنه أترى أبا ثابت يعني والده سعدا يقضي ديون الناس ويطعم في المجاعة ولا يقضي دينا استدنته لقوم مجاهدين في سبيل الله
وفي البخارى أن قيسا رضي الله تعالى عنه نحر لهم تسع جزائر كل يوم ثلاثا ثم نهاه ابو عبيدة
أي ومما يؤيد ما ذكر من أن الجزر كانت خمسة وأنه نحر لهم ثلاثة أيام كل يوم جزورا ما جاء في بعض الروايات انه معه جزوران قدم بهما يتعاقبون عليهما فلينظر الجمع
ثم إن البحر ألقى لهم دابة هائلة يقال لها العنبر بحيث إن أبا عبيدة رضي الله تعالى عنه نصب لهم ضلعا من أضلاعها وفي لفظ من أضلاعه ومر تحته أطول رجل في القوم أي وهو قيس بن سعد بن عبادة راكبا على أطول بعير لم يطأطئ رأسه
وعن جابر رضي الله تعالى عنه أنه قال دخلت أنا وفلان وفلان وعد خمسة نفر عينها ما رآنا أحد أي وفي لفظ ولقد أخذ منا ابو عيبدة ثلاثة عشر رجلا فأقعدهم في وقب عينها فأكلوا منها أياما أي نحو شهر وكانوا ثلثمائة
فعن بعضهم لما تقرحت اشداقنا من الخبط انطلقنا على ساحل البحر فرفع لنا كهيئة الكثيب الضخم فأتيناه فإذا هي دابة تدعى العنبر فقال ابو عبيدة رضي الله تعالى عنه ميتة ثم قال اضطررتهم فكلوا فأقمنا عليه شهرا ونحن ثلثمائة حتى سمنا ولقد رأيتنا نغترف من وقب عينه الدهن بالقلال


وفي رواية فأخرجنا من عينه كذا وكذا قلة ودك وصحبوا من لحمها الى المدينة أي وقيل لها العنبر لأنها تبتلع العنبر
فعن إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه قال سمعت من يقول رايت العنبر نابتا في البحر ملتويا مثل عنق الشاة وفي البحر دابة تأكله وهو سم لها فيقتلها فيقذفها البحر فيخرج العنبر من جوفها
وقيل العنبر اسم لسمكة مخصوصة في البحر هائلة الخلقة طولا وعرضا وقد أخبرني بعض السفار أن جملا مات على شاطئ البحر فالقي في البحر فابتلعته سمكة فوقفت اخفاف يديه في حلقها فجاءت سمكة فابتلعت تلك السمكة
وفي زمن الحاكم أمر الله وجدت سمكة بدمياط طولها مائتا ذراع وعرضها مائه وستون ذراعا وكان يقف في حلقها خمس رجال بالمجاريف يجرفون الشحم وأقام أهل دمياط يأكلون من لحمها خمسة اشهر
ولما بلغ سعد بن عبادة ما حصل للمسلين من المجاعة قبل قدومهم قال إن يكن قيس يعني ولده كما أعهد فلينحر للقوم فلما قدم قيس قال له سعد ما صنعت في مجاعة القوم فال نحرت قال اصبت قال ثم ماذا قال ثم نحرت قال أصبت قال ثم مذا قال نحرت قال اصبت ثم قال ماذا قال ثم نهيت قال ومن نهاك قال أميري أبو عبيدة قال ولم قال زعم انه لا مال لي إنما المال لأبيك فقلت له أبى يقضى عن الاباعد ويحمل الكل ويطعم في المجاعة ولا يصنع هذا لي فلان لموافقتي فابى عليه عمر بن الخطاب إلا التصميم على المنع فقال سعد لولده قيس ذاك اربع حوائط أي بساتين أدناها ما يتحصل منه خمسون وسقا ثم إن قيسا رضي الله تعالى عنه وفى الرجل صاحب الجزر وحمله أي أعطاه ما يركبه وكساه فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل قيس قال إنه في بيت جود إن الجود لمن شيمة أهل ذلك البيت
أي ومن ثم قال بعضهم لم يكن في الأوس والخزرج مطعمون يتوالدون في بيت واحد إلا قيس وأبوه سعد وأبوه عبادة وأبوه دليم كان في كل يوم يقف شخص على أطم ينادي من يريد الشحم واللحم فعليه بدار ابي دليم


أي وكان أصحاب الصفة إذا أمسوا انطلق الرجل بالواحد والرجل بالاثنين والرجل بالجماعة وأما سعد فينطلق بالثمانين وعن سعد بن عبادة زارنا النبي صلى الله عليه وسلم في منزلنا فقال السلام عليكم روحمة الله ثم قال اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة
قال ويذكر أن سعدا جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال من عذيري من ابن الخطاب يبخل علي ابني ا هـ
ويذكر عن سعد بن عبادة أنه كان شديد الغيرة لم يتزوج الا بكرا وما طلق امرأة وقدر أحد أن يتزوجها
وعن جابر رضي الله تعالى عنه فلما قدمنا المدينة ذكرنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر العنبر فقال رزق أخرجه الله تعالى لكم لعل معكم من لحمه شيء فتطعمونا فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فأكله أي ولم يكن أروح بدليل أنه صلى الله عليه وسلم قال لو نعلم أنا ندركه لم يروح لأحببنا لو كان عندنا منه قال ذلك أزديادا منه
سرية ابي قتادة رضي الله تعالى عنه إلى غطفان أرض محارب
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة في خمسة عشر رجلا إلى غطفان وأمره أن يشن الغارة عليهم فصار يسير الليل ويكن بالنهار حتى هجم عليهم وأحاط بهم وقتلوا من أشراف لهم واستاقوا الإبل والغنم فكانت الإبل مائة بعير والغنم ألفي شاة وسبوا سبايا كثيرة فاصاب كل رجل بعد إخراج الخمس اثني عشرة بعيرا وعدل البعير بعشرين من الغنم ووقع في سهم أبي قتادة رضي الله تعالى عنه جارية حسناء وضيئة فاستوهبها منه صلى الله عليه وسلم فوهبها له ثم وهبها صلى الله عليه وسلم لشخص أي كان وعده بجارية من أول فئ يفئ الله به فجاء ذلك الشخص الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله صلى الله عليه إن أبا قتادة قد أصاب جارية وضيئة وقد كنت وعدتني جارية من أول فئ يفئ الله به عليك فارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي قتادة قال وهب لي الجارية فوهبها له الحديث
سرية عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي رضي تعالى عنه إلى الغابة وهي الشجر الملتف
قال عبد الله المذكور تزوجت امرأة من قومي فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم استعينه على ذلك فقال كما اصدقت قلت مائتي درهم فقال سبحان الله لو كنتم تأخذون الدراهم من بطن واديكم هذا وفي لفظ لو كنتم تغرفونها من ناحية بطحان ما زدتم والله ما عندي ما أعينك فلبثت أياما فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ان رجلا يقال له رفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة في جمع عظيم نزل بالغابة يريد حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلين من المسلمين فقال اخرجوا الى هذا الرجل حتى تأتوني منه بخبر ودفع لنا شارفا عجفاء أي ناقة مسنة وقال تبلغوا عليها واعتقبوها فركبها أحدنا فوالله ما قامت به ضعفا حتى ضربت فخرجنا ومعنا سلاحنا النبل والسيوف حتى إذا جئنا قريبا من القوم عند غروب الشمس فكنت في ناحية وصاحبي في ناحية أخرى فقلت لهما إذا سمعتماني قد كبرت فكبرا فوالله إنا كذلك ننتظر غرة القوم إلا ورفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة المجمع للقوم خرج في طلب راع لهم أبطأ عليهم وتخوفوا عليه فقال له نفر من قومه نحن نكفيك ولا تذهب أنت فقال والله لا يذهب إلا أنا فقالوا فنحن معك فقال والله لا يتبعنى احد منكم وخرج حتى مر بي فلما أمكنني نفحته أي رميته بسهم فوضعته في فؤاده فوالله ما تكلم ووثبت عليه فاحتززت راسه وشددت في ناحية العسكر وكبرت وشد صاحباي وكبرا فهرب القوم واستقنا إبلا وغنما كثيرة فجئنا بها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الإبل بثلاثة عشر بعيرا في صداقي
قال وبعضهم جعل هذه السرية وسرية أبي قتادة إلى غطفان بارض محارب التي قبل هذه واحدة أي واحدة أي ومن ثم ذكرتها عقبها خلاف ما صنع في الاصل


قال ويدل لكونهما واحدة ما نقل عن عبد الله بن أبي حدود قال لما طلبت منه الإعانة في مهر زوجتي قال لي ما وافقت عندنا شيئا أعينك به ولكن قد أجمعت أن أبعث ابا قتادة في اربعة عشر رجلا في سرية فهل لك أن تخرج فيها فإني أرجو أن يغنمك الله مهر امرأتك فقلت نعم فخرجنا حتى جئنا الحاضر أي وهم القوم النزول على ماء يقيمون به ولا يرتحلون عنه أي كما تقدم فلما ذهبت فحمه العشاء أي اقباله واول سواده خطبنا ابو قتادة واوصانا بتقوى الله تعالى والف بين كل رجلين وقال لا يفارق كل رجل زميله حتى يقفل اى يرجع ولايجىء الى الرجل فاسأله عن صاحبه فيقول لا علم لي به واذا كبرت فكبروا واذا حملت فاحملوا ولاتمعنوا في الطلب فاحطنا بالحاضر فجرد ابو قتادة سيفه وكبر وجردنا سيوفنا وكبرنا معه وقاتل رجال من القوم واذا فيهم رجل طويل فأقبل علي قال يا مسلم هلم إلي الجنة يتهكم بهي فملت إليه فذهب أمامي أي وصار يقبل علي بوجهه مرة ويدبر عني بوجهه مرة أخرى فتبعته فقال لي صاحبي لا تتبعه فقد نهانا أميرنا أن نمعن في الطلب ولا زال كذلك وقال إن صاحبكم لذو مكيدة وإن أمره هو الأمر فأدركته فرميته بسهم فقتلته وأخذت سيفه وجئت صاحبي فأخبرني أنهم جمعوا الغنائم وأن أبا قتادة تغيظ علي وعليك فجئت أبا قتادة فلامني فأخبرته الخبر ثم سقنا النعم وحملنا النساء جفون السيوف معلقة بالأقتاب ثم لما أصبحنا رأيت في السبي امرأة كأنها ظبي تكثر الالتفات خلفها وتبكي فقلت لها أي شيء تنظرين قالت والله أنظر إلى رجل لئن كان حيا ليستنقذنا منكم فوقع في نفسي أنه الذي قتلته فقلت لها والله قد قتلته وهذا والله سيفه معلق بالقتب فقالت فألق إلي غمده فقلت هذا غمد سيفه فلما رأته بكت ولبثت انتهى ولا يخفى أن السياق في كل يبعد كونهما واحدة
سرية أبي قتادة رضي الله تعالى عنه إلى بطن أضم
اسم موضع أو جبل
لما هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزو أهل مكة بعث أبا قتادة رضي الله تعالى عنه في ثمانية نفر من جملتهم محكم بن جثامة الليثي إلى بطن أضم ليظن ظان أن رسول الله

صلى الله عليه وسلم توجه إلى تلك الناحية وتنشر بذلك الأخبار فمر عليهم عامر بن الأضبط الأشجعي فسلم عليهم بتحية الإسلام فأمسك عنه القوم وحمل عليه محكم فقتله أي لشيء كان بينه وبينه وسلبه متاعه وبعيره وعند وصولهم إلى المحل رجعوا فبلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه إلى مكة فمالوا إليه حتى لقوه قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحكم أقتلته بعد ماقال آمنت بالله وفي رواية بعد ما قال إني مسلم أي أتى بما لم يأت به إلا مؤمن آمن الله وكان مسلما قال يارسول الله إنما قالها أي تحية الإسلام متعوذا قال أفلا شققت عن قلبه قال لم يا رسول الله قال لتعلم أصادق هو أم كاذب أي وفي رواية فقال يا رسول الله لو شققت عن قلبه أكنت أعلم ما في قلبه فقال له فلا أنت قبلت ما تكلم به ولا أنت تعلم ما في قلبه فقال استغفر لي يا رسول الله فقال لا غفر الله لك فقام يتلقى دمعه ببرده ا هـوأنزل الله تعالى فيه { يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة } إلى آخر الآية
وذكر ابن اسحاق في خبر محكم أن النبي صلى الله عليه وسلم بحنين ثم عمد إلى ظل شجرة فجلس تحتها فقام إليه الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن يختصمان في عامر ابن الأضبط عيينة بن حصن يطلب دمه أي ويقول والله يا رسول الله إني لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحر مثل ما أذاق نسائي والأقرع يدافع عن محكم وارتفعت الأصوات وكثرت الخصومة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعيينة ومن معه بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا وخمسين إذا رجعنا وهو يابى عليه فلم يزل به حتى اتفقا على الدية ثم قالوا إن محكما يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام محكم وهو رجل آدم طويل أي عليه حلة قد كان تهيأ للقتل فيها حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه تدمعان فقال له ما اسمك قال أنا محكم قد فعلت الذي بلغك وإني أتوب إلى الله تعالى واستغفر لي يا رسول الله فرفع رسول الله يديه ثم قال اللهم لا تغفر لمحكم قالها ثلاثا بصوت عال فقام يتلقى دمعه بفضل ردائه فما مكث إلا سبعا حتى مات فلفظته الأرض ومات حتى ضموا عليه الحجارة وواروه
اي ولما أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال لهم إن الأرض تقبل من هو

شر من صاحبكم ولكن الله يعظكم أي وفي رواية إن الله أحب أن يريكم تعظيم حرمة لا إله إلا الله أي حرمة من يأتي بها
ولفظ الأرض له يردا ما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر له بعد دعائه عليه إلا أن يكون المراد استغفر له بعد موته ويوافقه ما في بعض الروايات أراد الله أن يجعله موعظة لكم لكيلا يقدم رجل منكم على قتل من يشهد أن لا إله إلا الله أو يقول إني مسلم اذهبوا به الى شعب بني فلان فادفنوه فإن الارض ستقبله فدفنوه في ذلك الشعب فيجوز أن يكون استغفر له حينئذ وقيل إن الذي لفظته الأرض غير محكم لأن محكما مات بحمص ايام ابن الزبير رضي الله تعالى عنه الذي لفظته الأرض إسمه فليت
سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى العزى
أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بين فتح مكة الوليد في ثلاثين فارسا من أصحابه إلى العزى وهو صنم كان لقريش وكان معظما جدا وفي لفظ العزى نخلات أي سمرات مجتمعة لأنه كان يهدي اليها كما يهدي إلى الكعبة لأن عمرو بن لحى أخبرهم أن الرب يشتى بالطائف عند اللات ويصيف عند العزى فلما وصل إلى محلها أي وكان بناء على ثلاث سمرات فقطع السمرات وهدم ذلك البناء ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال له هل رايت شيئا قال لا قال فارجع اليها فرجع خالد وهو متغيظ فجرد سيفه فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس أي شعر رأسها منتشر تحثو التراب على راسها فجعل السادن يصيح بها أي يقول يا عزي عوريه يا عزيه خبليه فضربها خالد فقطعها نصفين أي وهو يقول ** يا عز كفرانك لا سبحانك ** إني رأيت الله قد أهانك **
ورجع الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم تلك العزى
سرية عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه إلى سواع بالعين المهملة أي سمي باسم سواع بن نوح عليه السلام وكان على صورة امراة وكان لقوم نوح ثم صار لهذيل كانوا يحجون اليه أي قبل فتح مكة وبعد ذلك ارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في جماعة من أصحابه إلى سواع ليكسره ويهدم محله قال عمرو رضي الله عنه فانتهيت الى ذلك الصنم وعنده سادنه أي خادمة فقال لي ما تريد فقلت أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهدمه قال لا تقدر قلت لم قال تمنع قلت حتى الآن أنت على باطل ويحك وهل يسمع او يبصر فدنوت منه فكسرته وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته فلم نجد فيها شيئا ثم قلت للسادن كيف رأيت قال اسلمت لله
سرية سعد بن زيد الأشهلي رضي الله تعالى عنه إلى مناة صنم كان للأوس والخزرج
ارسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأشهلي في عشرين فارسا إلى مناة ليهدم محله فلما وصلوا الى ذلك الصنم قال السادن لسعد ما تريد قال هدم مناة قال أنت وذاك فاقبل سعد إلى ذلك الصنم فخرجت إليه أمراة عريانة سوداء ثائرة الراس تدعو بالويل وتضرب صدرها فقال لها السادن مناة دونك بعض عصيانك فضربها سعد رضي الله تعالى عنه فقتلها وهدم محلها
سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى بني جذيمة بناحية يلملم يدعوهم الى الإسلام أي ولم يكن صلى الله عليه وسلم علم بإسلامهم ولم يأمره بمقاتلتهم أي إذا لم يسلموا
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه في ثلثمائة وخمسين رجلا من المهاجرين والأنصار ومن بني سليم أي وهو عليه الصلاة والسلام مقيم بمكة إلى بني جذيمة وكانوا في الجاهلية قد قتلوا الفاكه عم خالد وقتلوا أخا الفاكه أيضا

في الجاهلية وكانوا من أشرحي في الجاهلية وكانوا يسمون لعقة الدم وقتلوا والد عبد الرحمن بن عوف فلما علموا به وعلموا أن معه بني سليم وكانوا قتلوا منهم مالك بن الشريد وأخويه في موطن واحد خافوه فلبسوا السلاح فلما انتهى خالد رضي الله عنه إليهم تلقوه فقال لهم خالد أسلموا فقالوا نحن قوم مسلمون قال فألقوا سلاحكم وانزلوا قالوا لا والله ما بعد وضع السلاح إلا القتل ما نحن بأمنين لك ولا لمن معك قال خالد فلا أمان لكم إلا أن تنزلوا فنزلت فرقة منهم فأسرهم وتفرقت بقية القوم
وفي رواية لما انتهى خالد الى القوم فتلقوه فقال لهم ما أنتم أي أمسلمون أم كفار قالوا مسلمون قد صلينا وصدقنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبنينا المساجد في ساحتنا وأذنا فيها وفي لفظ لم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فقالوا صبانا صبانا قال فما بال السلاح في السحر نادى منادى خالد رضى الله عنه من كان معه أسير فليقتله فقتل بنو سليم من كان معهم قال فضعوا السلاح فوضعوا فقال استاسروا فأمر بعضهم فكتف السلاح قال فضعوا السلاح فوضعوا فقال استأسروا فأمر بعضهم فكتف بالتخفيف بعضا وفرقهم في أصحابه فلما كان في السحر نادى منادى خالد رضى الله عنه من كان معه أسير فليقتله فقتل بنو سليم من كان معهم معهم وامتنع المهاجرون والأنصار رضي الله تعالى عنهم وأرسلوا أسراهم فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل خالد أي فإن رجلا من القوم جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما فعل خالد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل أنكر عليه أحمد ما صنع قال نعم رجل أصفر ربعة ورجل طويل أحمر فقال عمرو رضي الله تعالى عنه والله يا رسول الله أعرفهما أما الأول فهو ابني فهذه صفته وأما الثاني فهو سالم مولى ابي حذيفة فعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد أي قال ذلك مرتين وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن ابي طالب كرم الله وجهه فودي لهم قتلاهم قال له صلى الله عليه وسلم يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم ودفع إليه صلى الله عليه وسلم مالا أي إبلا وورقا يدى به قتلاهم ويعطيهم منه بدل ما تلف عليه من أموالهم فودي قتلاهم وأعطاهم عوض ما تلف عليهم حتى ميغلة الكلب أي الإناء التي يشرب فيها حتى إذا لم يبق لهم دم ولا مال قال هل بقي لكم دم أو مال قالوا لا قال أعطيكم ما بقي معي من المال احتياطا بدل ما لا تعلمون أي مما تلف من

أموالكم ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره الخبر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبت وأحسنت أي وزاد
وفي رواية والذي أنا عبده لهي أحب إلي من حمر النعم ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة شاهرا يديه بقول اللهم إني أبرا إليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات أنتهى
ووقع بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما شر بسبب ذلك فقال له عبد الرحمن عملت بأمر الجاهلية في الإسلام فقال له إنما أخذت بثأر أبيك فقال له عبد الرحمن كذبت أنا قتلت قاتل ابي أي وفي رواية كيف تأخذ مسلمين بقتل رجل في الجاهلية فقال خالد ومن أخبركم انهم أسلموا فقال أهل السرية كلهم أخبروا بأنك قد وجدتهم بنوا المساجد وأقروا بالإسلام فقال جاءني أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أغير فقال له عبد الرحمن بن عوف كذبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أخذت بثار عمك الفاكه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلا يا خالد دع عنك أصحابي فوالله لو كان لك أحد ذهبا فأنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل منهم ولا روحته أي والغدوة السير في أول النهار إلى الزوال والروحة السير من الزوال إلى آخر النهار
والمراد باصحابه هنا السابقون إلى الإسلام ومنهم عبد الرحمن بن عوف بل هو المراد كما تصرح به الرواية الآتية فقد نزل صلى الله عليه وسلم الصحابة غير السابقين الذي يقع منهم الرد على الصحابة غير السابقين لكون ذلك لا يليق بهم منزلة غير الصحابة
قال ولما عاب عبد الرحمن على خالد الفعل المذكور أعان عبد الرحمن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرض عن خالد وقال يا خالد ذر أصحابي وفي رواية لا تسب أصحابي لو كان لك أحد ذهبا فانفقته قيراطا قيراطا في سبيل الله لم تدرك غدوة أو روحة من غدوات أو روحات عبد الرحمن انتهى
اي ولا يخفى أنه يبعد أن خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إنما قتلهم لقولهم صبأنا ولم يقولوا أسلمنا إلا أن يقال يجوز أن يكون خالد فهم أنهم قالوا ذلك على سبيل الأنفة وعدم الانقياد إلى الإسلام وأنه صلى الله عليه وسلم إنما أنكر عليه العجلة وترك التثبت في أمرهم قبل أن يعلم المراد من قولهم صبأنا ثم لا يخفى أنه جاء لا تسبوا أصحابي فلو أنفق

أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه ونقل الإمام السبكي عن الشيخ تاج الدين بن عطاء الله فإنه كان يحضر مجلس وعظه أن قوله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا أصحابي كان خطابا لم يأتي بعده من أمته لأنه صلى الله عليه وسلم كان له تجليات فرأى في بعضها سائر أمته الآتين من بعده فقال خطابا لهم لا تسبوا أصحابي وارتضى منه هذا التأويل ا هـفالنهى والخطاب لا تسبوا أصحابي لغير الصحابة تنزيلا للغائب الذي لم يوجد منزلة الموجود الحاضر وفيه أن هذا لا يساعد عليه المقام
وفي الحديث من التنويه برفعة الصحابة وعلو منزلتهم ما يقطع الأطماع عن مداناتهم فإن كون ثواب إنفاق جبل أحد ذهبا في وجه الخير لا يبلغ ثواب التصدق بنصف المد الذي إذا طحن وعجن لا يبلغ الرغيف المعتاد أمرعظيم
أقول ووقع لخالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه نظير ذلك في زمن خلافة الصديق فإن العرب لما ارتدت بعد موته صلى الله عليه وسلم عين خالد لقتال أهل الردة وكان من جملتهم مالك بن نويرة فأسره خالد هو واصحابه وكان الزمن شديد البرد فنادى منادي خالد أن ادفنوا أسراكم فظن القوم أنه أراد ادفنوا أسراكم أي اقتلوهم فقتلوهم وقتل مالك بن نويرة فلما سمع خالد بن ذلك قال إذا اراد الله أمرأ أمضاه وتزوج خالد رضي الله تعالى عنه زوجه مالك بن نويرة وكانت من أجمل النساء ويقال إن خالدا استدعى مالك بن نويرة وقال له كيف ترتد عن الإسلام وتمنع الزكاة ألم تعلم أن الزكاة قرينة الصلاة فقال كان صاحبكم يزعم ذلك فقال له هو صاحبنا وليس هو بصاحبك يا ضرارا اضرب عنقه وأمر برأسه فجعل ثالث حجرين جعل عليها قدر يطبخ فيه لحم فعل ذلك إرجافا لأهل الردة فلما بلغ سيدنا عمر ذلك قال للصديق رضي الله تعالى عنهما اعزله فإن في سيفه رهقا كيف يقتل مالكا ويأخذ زوجته فقال الصديق رضي الله تعالى عنه لا أغمد سيفا سله على الكافرين والمنافقين سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سله الله على الكافرين والمنافقين وقال الصديق رضي الله تعالى عنه في حق خالد عجزت النساء أن يلدن مثل خالد بن الوليد
وفي كلام السهيلي انه روى عن عمر بن الخطاب أنه قال لابي بكر الصديق إن في سيف خالد رهقا فاقتله وذلك حين قتل مالك بن نويرة وجعل رأسه تحت قدر حتى

طبخ به وكان مالك ارتد ثم رجع إلى الإسلام ولم يظهر ذلك لخالد وشهد عنده رجلان من الصحابة برجوعه إلى الإسلام فلم يقبلهما وتزوج امرأته فلذلك قال عمر لأبي بكر اقتله فقال لا أفعل لأنه متأول فقال اعزله فقال لا أغمد سيفا سله الله تعالى على المشركين ولا أعزل واليا ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم
قيل واصل العداوة بين خالد وسيدنا عمر رضي الله تعالى عنهما على ما حكاه الشعبي أنهما وهما غلامان تصارعا وكان خالد ابن خال عمر فكسر خالد ساق عمر فعولجت وجبرت
ولما ولي سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه الخلافة أول شيء بدأ به عزل خالدا لما تقدم وقال لا يلي لي عملا أبدا وقيل لكلام بلغه عنه ومن ثم ارسل إلى أبي عبيدة إن أكذب خالد نفسه فهو أمير على ما كان عليه وإن لم يكذب نفسه فهو معزول فانتزع عمامته وقاسمه ماله نصفين فلم يكذب نفسه فقاسمه ابو عبيدة ماله حتى إحدى نعليه وترك له الأخرى وخالد يقول سمعا وطاعة لأمير المؤمنين
وبلغه أن خالدا أعطى الاشعث بن قيس عشرة آلاف وقد قصده ابتغاء إحسانه فارسل لابي عبيدة أن يصعد المنبر ويوقف خالدا بين يديه وينزع عمامته وقلنسوته ويقيده بعمامته لأن العشرة آلاف إن كان دفعها من ماله فهو سرف وإن كان من مال المسلمين فهي خيانة فلما قدم خالد رضي الله تعالى عنه على عمر رضي الله تعالى عنه قال له من أين هذا اليسار الذي تجيز منه بعشرة آلاف فقال من الأنفال والسهمان قال ما زاد على التسعين الفا فهو لك ثم قوم أمواله وعروضه وأخذ منه عشرين ألفا ثم قال له والله إنك علي لكريم وإنك لحبيب ولم تعمل لي بعد اليوم على شيء وكتب رضي الله عنه إلى الأمصار إني لم أعزل خالدا عن مبخلة ولا خيانة ولكن الناس فتنوا به فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصانع أي وأن نصر خالد على من قاتله من المشركين ليس بقوته ولا بشجاعته بل بفضل الله
فالصديق لم يعزل خالد بن الوليد مع فعله ما يكرهه بتأويل له في ذلك كما أنه صلى الله عليه وسلم لم يعزله مع فعله كما كرهه صلى الله عليه وسلم حيث رفع يديه الى السماء وقال الهم إني أبرا إليك مما فعل خالد لكونه كان شديدا على الكفار لرجحان

المصلحة على المفسدة وسيدنا عمر رضي الله تعالى عنه عزله لخوف افتتان الناس به فعزله وولي ابا عبيدة بن الجراح
قال بعضهم كان الصديق رضي الله تعالى عنه لينا وخالد بن الوليد شديدا وعمر رضي الله تعالى عنه كان شديدا وأبو عبيدة لينا فكان الأصلح لكل منهما أن يولى من ولاه ليحصل التعادل والله أعلم
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان في القوم رجل قال لهم أنا لست من هؤلاء ولكني عشقت امراة فلحقتها فدعوني أنظر اليها ثم افعلوا بي ما بدا لكم ثم أشار إلى نسوة مجتمعات غير بعيد قال بعضهم فقلت والله ليسير ما طلب فأخذته حتى أوقفته عليهن فأنشد أبياتا ثم جئت به فقدموه فضربت عنقه فقامت إمراة من بينهن فجاءت حتى وقفت عليه فشهقت بفتح الهاء شهقة أو شهقتين ثم ماتت أي وفي رواية فأكبت عليه تقبله حتى ماتت انتهى أي وفي رواية فانحدرت إليه من هو دجها فحنت عليه حتى ماتت فعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما كان فيكم رجل رحيم القلب
سرية أبي عامر الأشعري رضي الله تعالى عنه إلى أوطاس لما انصرف صلى الله عليه وسلم من حنين وانهزم المشركون عسكر منهم طائفة بأوطاس فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ابا عامر الأشعري عم أبي موسى الأشعري في جماعة فيهم أبو موسى الأشعري ووقع في الاصل ان أبا عامر ابن عم ابي موسى الاشعري قال في النور وهو غلط وإنما أبو موسى ابن أخي أبن عامر فلحقوا بالقوم وتناوشوا القتال أي تكافئوا فيه وبارز أبو عامر تسعة ويقال إنهم إخوة وهو يقتلهم واحدا بعد واحد أي وصار كل من برز له منهم يدعوه إلى الإسلام فيأبى فيقول اللهم اشهد ويحمل عليه قيقتله ثم برز له أخوهم العاشر فقتل أبا عامر أي فإنه قال له اسلم فأبى فقال اللهم اشهد فقال اللهم لا تشهد وفرش يديه فظن أبو عامر أنه أسلم فكف عنه فعاد إلى ابي عامر فتقله ثم أسلم وحسن إسلامه رضي الله تعالى عنه وكان إذا رآه صلى الله عليه وسلم يقول هذا شريد أبي عامر
قال وعن أبي موسى الأشعري قال جئت لابي عامر وفيه رمق فقلت يا عم من

رماك فقال ذاك واشار إلى شخص من القوم فقصدته فلحقته فلما رآني ولي فاتبعته وجعلت أقول له الا تستحي ألا تثبت فثبت فاختلفنا ضربتين فقتلته ثم قلت لأبي عامر قد قتل الله صاحبك قال فانزع هذا السهم فنزعته فقال يا ابن اخي بلغ النبي صلى الله عليه وسلم مني السلام وقل له يستغفر لي وقال ادفع فرسي وسلاحي له انتهى فليتأمل الجمع بين هذا وما قبله
وقبل ان يموت أبو عامر رضي الله تعالى عنه استخلف ابن عمه أبا موسى ودفع الراية له وفي لفظ أنا أبا عامر رماه واحد فأصاب قلبه ورماه آخر فأصاب ركبته فقتلاه وولى الناس ابا موسى فحمل عليهما فقتلهما أي وفتح الله عليهم وانهزم المشركون وظفر المسلمون بالغنائم والسبايا
ولما رجع أبو موسى رضي الله عنه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بموت أبي عامر استغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اللهم اجعله من أعلى أمتي في الجنة أي وفي رواية اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من الناس ودعا لأبي موسى أي فقال اللهم اغفر له ذنبه وادخله يوم القيامة مدخلا كريما
سرية الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حميمة الدوسي ليهدمه
لما اراد رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى الطائف بعث الطفيل رضي الله تعالى عنه لهدم ذي الكفين وأمره أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف فخرج سريعا الى قومه فهدم ذا الكفين وجعل يجئ النار في وجهه وانحدر معه من قومه أربعمائة سراعا فوافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف بعد مقدمه باربعة أيام فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الأزد من يحمل رايتكم فقال الطفيل من كان يحملها في الجاهلية النعمان بن الراوية قال اصبتم
سرية عيينة بن حصن الفزاري رضي الله تعالى عنه إلى بني تميم
أي وسببها أنه صلى الله عليه وسلم بعث بشر بن سفيان إلى بني كعب لأخذ صدقاتهم وكانوا مع بني تميم على ماء فأخذ بشر صدقات بني كعب فقال لهم بنو تميم وقد استكثروا ذلك لم تعطونهم أموالكم فاجتمعوا واشهروا السلاح ومنعوا بشرا من أخذ الصدقة فقال لهم بنو كعب نحن أسلمنا ولا بد في ديننا من دفع الزكاة فقال لهم بنو تميم والله لا ندع يخرج بعير واحد ولما رأى بشر رضي الله تعالى عنه ذلك قدم المدينة وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك
فعند ذلك بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن الفزاري الى بني تميم في خمسين فارسا من العرب ليس فيهم مهاجري ولا أنصاري فكان يسير الليل ويكمن النهار فهجم عليهم وأخذ منهم أحد عشر رجلا وإحدى وعشرين امرأة وفي لفظ إحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيا فجاء بهم إلى المدينة فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحبسوا في دار رملة بنت الحارث فجاء في أثرهم جماعة من رؤسائهم منهم عطارد ابن حاجب والزبرقان بن بدر والاقرع بن حابس وقيس بن الحارث ونعيم بن سعد وعمرو بن الأهتم ورباح بكسر الراء المثناة تحت ابن الحارث فلما رأوهم بكى إليهم النساء والذراري فجاءوا إلى باب النبي صلى الله عليه وسلم أي بعد أن دخلوا المسجد ووجدوا بلالا يؤذن بالظهر والناس ينتظرون خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن دخلوا المسجد ووجدوا بلالا يؤذن بالظهر والناس ينتظرون خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستبطئوه فجاءوا من وراء الحجرات فنادوا أي بصوت جاف اخرج إلينا نفاخرك ونشاعرك فإن مدحنا زين وذمنا شين يا محمد اخرج إلينا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وقد تأذى من صياحهم وأقام بلال رضي الله تعالى عنه الصلاة وتعلقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمونه فوقف معهم أي قالوا له نحن ناس من تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا نشاعرك ونفاخرك فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ما بالشعر بعثنا ولا بالفخار أمرنا ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر ثم جلس في صحن المسجد أي بعد أن قالوا ما تقدم ومنه إن مدحنا لزين وإن شتمنا لشين نحن

أكرم العرب فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبتم بل مدح الله عز وجل الزين وشتمه الشين وأكرم منكم يوسف بن يعقوب عليهما الصلاة والسلام ثم قالوا له فائذن لخطيبنا وشاعرنا قال أذنت فليقم وفي لفظ إني لم أبعث بالشعر ولم أومر بالفخر ولكن هاتوا فقدموا عطارد بن حاجب
وفي لفظ قال الاقرع بن حابس لشاب منهم قم يا فلان فاذكر فضلك وفضل قومك فتكلم وخطب أي فقال الحمد لله الذي له علينا الفضل وهو أهله الذي جعلنا ملوكا ووهب لنا أموالا عظاما نفعل فيها المعروف وجعلنا أعز أهل المشرق وأكثرهم عددا فمن مثلنا في الناس ألسنا رءوس الناس وأولى فضلم فمن فاخر فليعدد مثل عددنا وإنا لو شئنا لأكثرنا وإنما أقول قولي هذا لأن يأتوا بمثل قولنا أو أمر أفضل من أمرنا ثم جلس أي وفي رواية أنه قال الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه وأعطانا اموالا نفعل فيها ما نشاء فنحن خير أهل الأرض وأكثرهم عددا وأكثرهم سلاحا فمن أنكر علينا قولنا فليأت بقول هو أحسن من قولنا أو بفعال هي افضل من فعالنا
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس أن يجيبه أي قال له قم فأجب الرجل في خطبته فقام ثابت رضي الله تعالى عنه فقال الحمد لله الذي السموات والأرض خلقه قضى فيهن أمره ووسع كرسيه علمه لم يكن شيء قط إلا من فضله ثم إنه كان من فضله أن جعلنا ملوكا واصطفى من خير خلقه رسولا أكرمه نسبا وأصدقه قلبا وأفضله حسبا فأنزل عليه كتابه وائتمنه على خلقه فكان خيرة الله من العالمين ثم دعا الناس إلى الإيمان فآمن رسول الله لى المهاجرون من قومه وذوو رحمه أكرم الناس أحسابا وأحسن الناس وجوها وخير الناس مقالا ثم كان أول الناس إجابة واستجابة لله حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن فنحن أنصار الله ورسوله نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله ورسوله فمن آمن بالله ورسوله منع دمه وماله ومن كفر جاهدناه في الله وكان قتله علينا يسيرا اقول قولي هذا واستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات والسلام عليكم
أي وفي رواية أنه قال الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله دعا المهاجرين من بني عمه أحسن الناس وجوها وأعظم الناس أحلاما فأجابوه والحمد لله الذي جعلنا أنصاره

ووزراء رسوله وعزا لدينه فنحن نقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فمن قالها منع منا نفسه وماله ومن اباها قاتلناه وكان رغمه في الله علينا هينا أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات
ثم قال الزبرقان لرجل منهم فقم يا فلان فقل أبياتا تذكر فيها فضلك وفضل قومك فقال ابياتا منها ** نحن الكرام فلا حي يعادلنا ** نحن الرءوس وفينا يقسم الربع ** ** إذا أبينا فلا يأتي لنا أحد ** إنا لذلك عند الفخر نرتفع **
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بحسبان بن ثابت فحضر فقال له قم فأجبه فقال يسمعني ما قاله فأسمعه فقال حسان رضي الله تعالى عنه أبياتا منها ** نصرنا رسول الله والدين عنوة ** على من رغم عات بعيد وحاضر ** ** وأحياؤنا من خير من وطئ الحصا ** وأمواتنا من خير أهل المقابر **
وثابت بن قيس هذا كان يعرف بخطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم افتقده رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال من يعلم لي علمه فقال رجل أنا يا رسول الله فذهب فوجده في منزله جالسا منكسا رأسه فقال له ما شأنك قال أخشى أن أكون من أهل النار لأني رفعت صوتي فوق صوت النبي فرجع الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعلمه فقال اذهب إليه فقل له لست من أهل النار ولكنك من أهل الجنة وقال صلى الله عليه وسلم نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس قتل يوم اليمامة وكان عليه درع نفيسة فمر به رجل من المسلمين فأخذها فبينما رجل من المسلمين نائم أتاه ثابت في منامنه فقال له إني أوصيك بوصية فإياك أن تقول هذا حلم فتضيعه إني لما قتلت مر بي رجل من المسلمين فأخذ درعي ومنزله في أقصى الناس عند خبائه فرس وقد كفأ على الدرع برمة وفوق البرمة رحل فأت خالدا فمره فليأخذها فإذا قامت المدينة على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني ابا بكر رضي الله تعالى عنه فقل له إن علي من الدين كذا وكذا وفلان من رقيقي عتيق فاستيقظ الرجل فأتى خالدا فأخبره فبعث إلى الدرع فاتى بها بعد أن وجدها على ما وصف وحدث ابا بكر رضي الله تعالى عنه برؤياه فأجاز وصيته قال بعضهم ولا يعلم أحد حدثت وصيته بعد موته سواه

ووقعت مفاخرة بين الزبرقان بن بدر وبين حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه كل منهما يذكر قصيدة يذكر فيها فخرا فمن قصيدة الزبرقان بن بدر وهو مطلعها ** نحن الكرام فلا حي يعادلنا ** منا الملوك وفينا تنصب البيع
ومن قصيدة حسان رضي الله تعالى عنه وهو مطلعها ** إنا أبينا ولم يأبى لنا أحد ** إنا كذلك عند الفخر نرتفع **
وفيه أن هذا اليبت من قول بعض بني تميم وقد أسمعه لحسان كما تقدم فليتأمل
ووقعت مفاخرة بين الاقرع بن حابس وبين حسان رضي الله تعالى عنه فقال الأقرع ابن حابس إني والله يا محمد قد قلت شعرا فاسمعه فقال له صلى الله عليه وسلم هات أنشد ** أتيناك كيما يعرف الناس فضلنا ** إذا خالفونا عند ذكر المكارم ** ** وإنا رءوس الناس من كل معشر ** وأن ليس في أرض الحجاز كدارم **
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا حسان فأجبه فقال ** بني درام لا تفخروا إن فخركم ** يعدو وبالا عند ذكر المكارم ** ** هبلتم علينا تفخرون وأنتم ** لنا خول من بين ظئر وخادم **
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأقرع لقد كنت غنيا يا أخا بني دارم أن تذكر ما كنت ترى أن الناس قد نسوه فكان هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد عليهم من قول حسان رضي الله تعالى عنه وحينئذ قال الأقرع بن حابس لخطيبه يعني النبي صلى الله عليه وسلم أخطب من خطيبنا ولشاعره أشعر من شاعرنا ولأصواتهم أعلى من اصواتنا أي ثم دنا من النبي صلى الله عليه وسلم فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرك ما كان قبل هذا ورأى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله لي من الولد عشرة ما قبلت واحدا منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لا يرحم لا يرحم
قال ابن دريد رحمه الله اسم الأقرع نواس وإنما لقب الأقرع لقرع كان في رأسه والقرع انحصاص الشعر وكان رضي الله تعالى عنه شريفا في الجاهيلة والاسلام ونزل

فيهم أن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم
ووقع أن عمرو بن الأهتم مدح الزبرقان للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إنه لمطاع في أنديته سيد في عشيرته فقال الزبرقان لقد حسدني يا رسول الله لشرفي وقد علم أفضل مما قال فقال عمرو إنه لزمر المروءة ضيق العطن لئيم الخال وفي لفظ أن الزبرقان قال يا رسول الله أنا سيد تميم والمطاع فيهم والمجاب منهم آخذ لهم بحقوقهم وأمنعهم من الظلم وهذا يعلم ذلك يعني عمرو بن الأهتم فقال عمرو إنه لشديد العارضة مانع لجنبه مطاع في ناديه مانع لما وراء ظهره فقال الزبرقان والله لقد كذب يا رسول الله وما منعه أن يتكلم إلا الحسد فقال عمرو أنا احسدك والله إنك للئيم الخال حديث المال أحمق الوالد مبغض في العشيرة فعرف عمرو الإنكار في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله والله لقد صدقت في الأولى وما كذبت في الثانية رضيت فقلت أحسن ما علمت وسخطت فقلت اقبح ما علمت وفي رواية والله يا رسول الله لقد صدقت فيهما أرضاني فقلت أحسن ما علمت وأسخطني فقلت اسوا ما علمت فعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم إن من البيان لسحرا وجاء إن من لبيان سحرا وإن من العلم جهلا وإن من الشعر حكما وإن من القول عيا
قال بعضهم أما قوله صلى الله عليه وسلم إن من البيان سحرا فإن الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجج من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق وأما قوله إن من العلم جهلا فإن العالم يكلف مالا يعلم فيجهله ذلك وأما قوله إن من الشعر حكما فهو هذه المواعظ والأمثال وأما قوله وإن من القول عيا فعرضك كلامك وحديثك على من ليس من شأنه هذا كلامه
وفيه إن هذا بيان للسحر المذموم وليس المراد هنا وإنما هو من السحر الحلال ومن ثم أقر صلى الله عليه وسلم عمرو بن الأهتم عليه ولم يسخطه منه فالسحر المذموم أن يصور الباطل في صورة الحق ببيانه ويخدع السامع بتمويهه وهو المراد عند الإطلاق والسحر غير المذموم فما كان من البيان على حق لأن البيان بعبارة مقبولة عذبة لا استكراه فيها تستميل القول القلوب كما يستميل الساحر قلوب الحاضرين إلى ماموه به


ثم إنه صلى الله عليه وسلم رد عليهم الأسارى والسبي وأحسن جوائزهم قال أي بعد أن أسلموا وأعطى كل واحد اثني عشر أوقية قيل إلا عمرو بن الأهتم فإن القوم خلفوه في ظهورهم لأنه كان أصغرهم سنا فاعطاه خمس أواق
وقد اختلف في عدد هذا الوفد فقيل كانوا سبعين رجلا وقيل كانوا ثمانين وقيل كانوا تسعين انتهى
أي والذي في الاستيعاب ثم أسلم القوم وبقوا في المدينة مدة يتعلمون الدين والقرأن ثم أرادوا الخروج إلى قومهم فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم أسراهم ونساءهم وقال أما بقي منكم أحد وكان عمر بن الاهتم في ركباهم فقال قيس بن عاصم وكان مشاحنا له لم يبق منا إلا غلام في ركابنا وأزرى به فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطاهم وبلغ عمرا ما قال قيس في حقه فأنشد أبياتا تتضمن لومه على ذلك وكان عمرو خطيبا بليغا شاعرا محسنا يقال إن شعره كان حللا منثورة وكان رضي الله تعالى عنه جميلا يدعى الكحيل لجماله وهو القائل ** لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ** ولكن أخلاق الرجال تضيق **
هذا كلامه وأنزل الله تعالى { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا } قيل معناه لا تجعلوا دعاءه إياكم كدعاء بعضكم بعضا فتؤخروا إجابته بالأعذار التي يؤخر بها بعضكم إجابة بعض ولكن عظموه صلى الله عليه وسلم بسرعة الإجابة
سرية قطبة بن عامر رضي الله تعالى عنه إلى حي من خثعم
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قطبه بن عامر في عشرين رجلا الى حي من خثعم وأمره أن يشن الغارة عليهم فخرجوا على عشرة أبعرة يعتقبونها فأخذوا رجلا فسألوه فاستعجم عليهم أي سكت ولم يعلمهم بالأمر فجعل يصيح بالحاضر أي وهم القوم النزول على ماء يقيمون به ولا يرتحلون عنه كما تقدم ويحذرهم فضربوا عنقه ثم أمهلوا حتى نام الحاضر فشنوا الغارة عليهم فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثرت الجرحى في الفريقين وساقوا النعم والشاء إلى المدينة وجاء سهيل فحال بينهم وبين القوم فلم يجد القوم إليهم سبيلا وتقدمت الحوالة على هذا
سرية الضحاك الكلابي رضي الله تعالى عنه في جمع إلى بني كلاب فلقوهم ودعوهم إلى الإسلام فأبوا فقاتلوهم فهزمهوهم وكان من جملة المسلمين شخص لقي أباه في جملة القوم فدعاه إلى الإسلام فسبه وسب الإسلام فضرب عرقوب فرس أبيه فوقع فأمسك أباه إلى أن أتي بعض المسلمين فقتله أي وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم بعث لبني كلاب وكتب اليهم في رق فلم ينقادوا للإسلام وغسلوا الخط من الرق وخاطوه تحت دلوهم فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال ما لهم أذهب الله عقولهم فصار لا يوجد أحد منهم إلا مختل العقل مختلط الكلام بحيث لا يفهم كلامه
سرية علقمة بن مجزز رضي الله تعالى عنهما بضم الميم وفتح الجيم وزايين الأولى مكسورة مشددة المدلجى أي وهو ولد القائف الذي قاف في حق زيد بن حارثة وأسامة رضي الله تعالى عنهما وقال إن بعض هذه الأقدام من بعض فهو صحابي ابن صحابي إلى جمع من الحبشة بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسا من الحبشة تراءاهم أهل جدة أي في مراكب وجدة بضم الجيم وتشديد الدال المهملة قرية سميت بذلك لبنائها على ساحل البحر لأن الجدة شاطئ البحر فبعث إليه علقمة بن مجزز رضي الله تعالى عنهما في ثلثمائة فخاض بهم البحر حتى أتوا الى جزيرة في البحر فهربوا أي ورجعوا ولم يلق كيدا ثم لما كانوا في أثناء الطريق أذن علقمة رضي الله تعالى عنه لجماعة ان يعجلوا وأمر عليهم احدهم فنزلوا ببعض الطريق وأوقدوا نارا يصطلون عليها فقال لهم أميرهم عزمت عليكم إلا تواثبتم أي وقعتم في هذه النار فقام بعض القوم فحجزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها فقال اجلسوا إنما كنت أضحك معكم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه
قال وعن علي كرم الله وجهه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا فأغضبوه في شيء

فقال اجمعوا لي حطبا فجمعوا له ثم قال أوقدوا نارا فأوقدوها ثم قال ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا قالوا بلى قال فادخلوها فنظر بعضهم إلى بعض وقال إنا فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار فكان كذلك حتى سكن غضبه وطفئت النار فلما رجعو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا له ذلك فقال لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا وقال صلى الله عليه وسلم لا طاعة في معصية الله وإنما الطاعة في المعروف انتهى أي والضمير في دخلوها للنار التي أوقدت والضمير في منها لنار الآخرة لأن الدخول فيها معصية والعاصي يستحق النار فالمقصود من ذلك الزجر
وفي رواية من أمركم منهم أي من الأمراء بمعصية الله فلا تطيعوه وفي لفظ لا طاعة في معصية الله ولا مانع من تكرر هذه الواقعة
سرية علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى هدم الفلس بضم الفاء وسكون اللام صنم طيء والغارة عليهم
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في خمسين ومائة رجل من الانصار على مائة بعير وخمسين فرسا معه راية سوداء ولواء أبيض إلى هدم الفلس والغارة عليهم فشنوا الغارة عليهم مع الفجر فهدموا الفلس وأحرقوه واستاقو النعم والشاء والسبي وكان في السبي أخت عدي بن حاتم الطائي أي واسمها سفانة بفتح السين المهملة وتشديد الفاء وبعد الألف نون مفتوحة ثم تاء تأنيث والسفانة في الأصل هي الدرة وهذه أسلمت رضي الله تعالى عنها قال بعضهم ولا يعرف لحاتم بنت إلا هذه ووجدوا في خزانة الصنم ثلاثة أسياف معروفة عند العرب وهي رسوب والمخذم واليماني وثلاثة أدراع وجعل الرسوب والمخذم صفيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صار اليه الثالث الذي هو اليماني
قال ومر النبي صلى الله عليه وسلم بأخت عدي فقامت اليه وكانت امرأة جذلة أي ذات وقار وعقل وكلمته صلى الله عليه وسلم أن يمن عليها فمن عليها فأسلمت رضي الله تعالى عنها وخرجت إلى أخيها عدي فاشارت إليه بالقدوم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم عليه كما سيأتي في الوفود

ويذكر أنها قالت له صلى الله عليه وسلم يا محمد أرايت أن تخلي عنا ولا تشمت بنا أحياء من العرب فإني أبنة سيد قومي وإن أبي كان يحمى الذمار ويفك العاني ويشبع الجائع ويكسو العاري ويقري الضيف ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم يرد طالب حاجة قط أنا ابنة حاتم الطائى فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ياجارية هذه صفة المؤمنين حقا لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق
أي وفي لفظ قالت له صلى الله عليه وسلم يا محمد أرأيت أن تمن علي ولا تفضحني في قومي فإني بنت سيدهم إن أبي كان يطعم الطعام ويحفظ الجوار ويرعى الذمار ويفك العاني ويشبع الجائع ويكسو العريان ولم يرد طالب حاجة قط أنا بنت حاتم الطائي فقال لها صلى الله عليه وسلم هذه مكارم الاخلاق حقا ولو كان أبوك مسلما لترحمت عليه خلوا عنها فإن أباها يحب مكارم الأخلاق وإن الله يحب مكارم الأخلاق
وفي رواية أنها قالت يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك قال ومن وفدك قالت عدي بن حاتم قال الفار من الله ورسوله أي لأنه هرب لما رأى الجيش كما سيأتي في الوفود قالت ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركني حتى إذا كان من الغد قلت له كذلك وقال لي مثل ذلك ففي اليوم الثالث أشار إلي رجل خلفه بأن كلميه فكلمته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعلت فلا تعجلي حتى يجئ من قومك من يكون لك ثقة يبلغك إلى بلادك فآذنيني أي أعلميني وسألت عن الرجل الذي أشار علي بكلامه فقيل لي إنه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال فصبرت حتى قدم علي من أثق به فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملني وأعطاني نفقة فخرجت حتى قدمت الشام علي أخي انتهى
سرية علي بن أبي طالب كرم الله وجهه الى بلاد مذحج بفتح الميم وإسكان الذال المعجمة ثم حاء مهملة مكسورة ثم جيم كمسجد أبو قبيلة من اليمن
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا كرم الله وجهه الى بلاد مذحج من أرض

اليمن في ثلثمائة فارس وعقد له لواء وعممه بيده وقال امض ولا تلتفت فإذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك فكانت أول خيل دخلت إلى تلك البلاد فففرق أصحابه رضي الله تعالى عنهم فأتوا بنهب بفتح النون وغنائم وأطفال ونساء ونعم وشاء وغير ذلك وجعل على الغنائم بريدة بن الحصيب بضم الحاء وفتح الصاء المهملتين ثم لقي جمعهم فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا بالنبل والحجارة فصف أصحابه ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان ثم حمل عليهم فقتل منهم عشرين رجلا فانهزموا وتفرقوا فكف عن طلبهم ثم دعاهم الى الاسلام فأسرع إلى اجابته ومتابعته نفر من رؤسائهم وقالوا نحن على من وراءنا من قومنا هذه صدقاتنا فخذ منها حق الله تعالى وجمع علي كرم الله وجهه الغنائم فجزأها على خمسة اجزاء فكتب في سهم منها لله وأقرع عليها فخرج أول السهام سهم الخمس وقسم الباقي على أصحابه ثم رجع علي كرم الله وجهه فوافي النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قدمها للحج أي حجة الوداع
وذكر بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم بعث عليا كرم الله وجهه في سرية إلى اليمن فأسلمت همدان كلها في يوم واحد فكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ كتابه خر ساجدا ثم جلس فقال السلام على همدان وتتابع أهل اليمن إلى الإسلام قال في الأصل إن هذه السرية هي الأولى وما قبلها السرية الثانية
سرية خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى أكيدر بن عبد الملك بدومة الجندل وكان نصرانيا
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في اربعمائة وعشرين فارسا في رجب سنة تسع إلى أكيدر بدومة الجندل وقال له إنك ستجده يصيد البقر فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين وكانت ليلة مقمرة صافية وهو على سطح له ومعه امرأته فجاءت البقر تحك بقرونها باب الحصن فقالت له امرأته هل رأيت مثل هذا قط قال لا والله قال فمن يترك هذه قال لا أحد فنزل فأمر بفرسه فأسرج وركب معه نفر من اهله فيهم أخ له يقال له حسان فتلقتهم خيل خالد فاستأسر أكيدر وقاتل أخوه حتى قتل وأجار خالد أكيدرا من القتل حتى يأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يفتح له دومة الجندل وكان على أكيدر قباء من

ديباج مخوصة أي فيها خوص منسوجه بالذهب مثل خوص النخل فاستلبه خالد إياها وأرسلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتعجبت الصحابة منها فقال صلى الله عليه وسلم لمنادبل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا أي وقد تقدم وصالح على أهل دومة الجندل بألفي بعير وثمانمائة راس وأربعمائة رمح
ثم خرج خالد بأكيدر أخيه مصاد قافلا الى المدينة فقدم بالأكيدز على رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالحه على الجزية وحقن دمه ودم أخيه وخلى سبيلهما وكتب له كتابا فيه أمانهم وختمه يؤمئذ بظفره أي ومن جملة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله لأكيدر حين أجاب إلى الإسلام وخلع الأنداد والأصنام مع خالد ابن الوليد سيف الله في دومة الجندل وأكنافها إلى آخره وهذا كما لا يخفى يدل على أن أكيدر أسلم أي وهو الموافق لقول أبي نعيم وابن منده إسلامه وأنه معدود من الصحابة وأهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حلة فوهبها صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب
وذكر ابن الأثير أي في أسد الغابة أن القول باسلامه غلط فاحش فإنه لم يسلم بلا خلاف بين أهل السير أي وحينئذ يكون قوله في الكتاب حين أجاب إلى الإسلام أي انقاد اليه ويبعده قوله وخلع الأنداد والأصنام فليتأمل وأنه صلى الله عليه وسلم لما صالحه عاد إلى حصنه وبقي فيه على نصرانيته
ثم إن خالدا رضي الله تعالى عنه حاصره في زمن ابي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه فقتله لنقضه العهد
قال ابن الأثير وذكر البلاذري أن أكيدر لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم أسلم ثم بعد موته صلى الله عليه وسلم ارتد ثم قتله خالد أي بعد أن عاد من العراق إلى الشام
قال وعلي هذا القول لا ينبغي أن يذكر في الصحابة وإلا كان كل من أسلم في حياته صلى الله عليه وسلم ثم ارتد أي ومات مرتدا يذكر في الصحابة أي ولا قائل بذلك
ثم رأيت الذهبي قال في عمارة بن قيس بن الحارث الشيباني إنه ارتد وقتل مرتدا في خلافة أبي بكر وبهذا خرج عن أن يكون صحابيا بكل حال
سرية أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه إلى أبنى بضم الهمزة ثم موحدة ثم نون مفتوحة مقصورة اسم موضع بين عسقلان والرملة
وفي كلام السهيلي رحمه الله وهي قرية عند مؤته التي قتل عندها زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما
لماكان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة أحدى عشرة من الهجرة أمر صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لغزو الروم فلما كان من الغد دعا صلى الله عليه وسلم أسامة ابن زيد فقال سر إلى موضع قتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فاغز صباحاعلى أهل أبنى وحرق عليهم واسرع السير لتسبق الأخبار فإن ظفرك الله عليهم فأقل اللبث فيهم وخذ معك الأدلاء وقدم العيون والطلائع معك
فلما كان يوم الأربعاء بدأ به صلى الله عليه وسلم وجعه فحم وصدع فلما اصبح يوم الخميس عقد صلى الله عليه وسلم لأسامة لواء بيده ثم قال اغز باسم الله وفي سبيل الله وقاتل من كفر بالله فخرج رضي الله تعالى عنه بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة وعسكر بالجرف فلفم يبق أحد من وجوه المهاجرين والأنصار إلا اشتد لذلك منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهم فتكلم قوم وقالوا يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين والأنصار أي لأن سن أسامة رضي الله تعالى عنه كان ثمان عشرة وقيل تسع عشرة سنة وقيل سبع عشرة سنة
ويؤيد ذلك أن الخليفة المهدي لما دخل البصرة رأى إياس بن معاوية الذي يضرب به المثل ي الذكاء وهو صبي خلفه أربعمائة من العلماء وأصحاب الطيالسة فقال المهدي أف لهذه العثانين اما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث ثم التفت إليه المهدي وقال كما سنك يا فتى فقال سنى أطال الله بقاء أمير المؤمنين سن أسامة بن زيد ابن حارثة رضي الله تعالى عنهم لما ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا فيه ابو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما فقال تقدم بارك الله فيك وكان سنه سبع عشرة سنة
ومما يؤثر عنه من لم يعرف عيبه فهو أحمق فقيل له ما عيبك يا أبا واثلة قال كثرة الكلام وقيل كان عمر أسامة رضي الله تعالى عنه عشرين سنة


ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالتهم وطعنهم في ولايته مع حداثه سنه غضب صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا وخرج وقد عصب على راسه عصابة وعليه قطيفة وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ولئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله وأيم الله إن كان لخليقا بالإمارة وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة وإن كان لمن أحب الناس إلى وإنهما منظنة لكل خير فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم وتقدم أنه رضي الله تعالى عنه كان يقال له الحب ابن الحب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح خشمه وهو صغير بثوبه
ثم نزل صلى الله عليه وسلم فدخل بيته وذلك في يوم السبت لعشر خلون من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله ويخرجون إلى العسكر بالجرف وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول أرسلوا بعث أسامة أي واستثنى صلى الله عليه وسلم ابا بكر وأمره بالصلاة بالناس
أي فلا منافاة بين القول بأن ابا بكر رضي الله تعالى عنه كان من جملة الجيش وبين القول بأنه تخلف عنه لأنه كان من جملة الجيش أولا وتخلف لما أمره صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس
أي
وبهذا يرد قول الرافضة طعنا في أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه تخلف عن جيش أسامة رضي الله تعالى عنه لما علمت أن تخلفه عنه كان بأمر منه صلى الله عليه وسلم لأجل صلاته بالناس وقول هذا الرافضي مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن المتخلف عن جيش أسامة مردود لأنه لم يرد اللعن في حديث اصلا
فلما كان يوم الأحد اشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فدخل اسامة من عسكره والنبي صلى الله عليه وسلم مغمور فطأطأ رأسه فقبله وهو صلى الله عليه وسلم لا يتكلم فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعهما على أسامة رضي الله تعالى عنه قال أسامة فعرفت أنه صلى الله عليه وسلم يدعو لي ورجع أسامة رضي الله تعالى عنه إلى عسكره ثم دخل عليه صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين فقال له صلى الله عليه وسلم اغد على بركة الله تعالى فودعه أسامة وخر إلى معسكره وامر الناس بالرحيل فبينما هو

يريد الركوب إذا رسول امه أم أيمن رضي الله تعالى عنها قد جاءه يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يموت
وفي لفظ فسار حتى بلغ الجرف فارسلت اليه امرأته فاطمة بنت قيس تقول له لا تعجل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيل فاقبل وأقبل معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنهم فانتهوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين زاغت الشمس
أي وفي لفظ أنه رضي الله تعالى عنه لما نزل بذي خشب قبض النبي صلى الله عليه وسلم فدخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة ودخل بريدة بلواء أسامة حتى اتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرزه عنده
فلما بويع لأبي بكر رضي الله تعالى عنه بالخلافة أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت اسامة وأن يمضي أسامة لما أمر به
فلما مات صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب أي فإنه لما اشتهرت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ظهر النفاق وقويت نفوس أهل النصرانية واليهودية وصارت المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية وارتدت طوائف من العرب وقالوا نصلي ولا ندفع الزكاة وعند ذلك كلم أبو بكر رضي الله تعالى عنه في منع أسامة من السفر أي قالوا له كيف يتوجه هذا الجيش إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة فأبى أي وقال والله الذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل ازواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرد جيشا وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حللت لواء عقده وفي لفظ والله لأن تخطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشئ قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
أقول ذكر بعضهم أن أسامة رضي الله تعالى عنه وقف بالناس عند الخندق وقال لسيدنا عمر ارجع الى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه أن يأذن له أن أرجع بالناس فإن معي وجوه الناس ولا آمن على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقله واثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون وقالت له الانصار رضي الله تعالى عنهم فإن ابى أبو بكر إلا ان يمضي أي الجيش فابلغه منا السلام واطلب اليه أن يولى أمرنا رجلا أقدم منا من اسامة فقدم عمر على أبي بكر رضي الله تعالى عنهما وأخبره بما قال أسامة فقال أبو بكر والله لو تخطفني الذئاب والكلاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله صلى

الله عليه وسلم قال عمر رضي الله تعالى عنه الله تعالى عنه فإن الأنصار أمروني أن أبلغك أنم يطلبون أن تولى أمرهم رجلا أقدم سنا من أسامة فوثب أبو بكر وكان جالسا وأخذ بلحية عمر وقال ثكلتك أمك وعدمتك يا أبن الخطاب استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزعه فخرج عمر الى الناس فقال امضوا ثكلتكم أمهاتكم مالقيت اليوم بسببكم من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا هذا كلامه
وفيه أن هذا مخالف لما تقدم من صعوده صلى الله عليه وسلم المنبر وإنكاره على من طعن في ولاية أسامة إذ يبعد عدم بلوغ ذلك للأنصار رضي الله تعالى عنهم إلا ان يقال لعل من قال لسيدنا عمر هذه المقالة جمع من الأنصار لم يكونوا سمعوا بذلك ولا بلغهم أو جوزوا أن الصديق رضي الله تعالى عنه يوافق على ذلك حيث رأى فيه المصلحة وسيدنا عمر رضي الله تعالى عنه جوز ذلك حيث لم يتكفل بالرد عليهم بأنه صلى الله عليه وسلم أنكر على من طعن في ولاية أسامة رضي الله تعالى عنه فليتأمل والله أعلم
وكلم أبو بكر رضي الله تعالى عنه اسامة في عمر رضي الله تعالى عنه أن يأذن له في التخلف ففعل ولعل ذلك كان تطيبا لخاطر أسامة ومن ثم كان عمر رضي الله تعالى عنه لا يلقى اسامة إلا قال السلام عليك أيها الأمير كما يأتي فلما كان هلال شهر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة خرج أسامة رضي الله تعالى عنه أي في ثلاثة آلاف فيهم ألف فرس وودعه سيدنا أبو بكر رضي الله تعالى عنه بعد أن سار الى جانبه ساعة ماشيا واسامة راكب وعبد الرحمن بن عوف يقود براحلة الصديق فقال أسامة يا خليفة رسول الله إما أن تركب وإما أن أنزل فقال والله لست بنازل ولست براكب ثم قال له الصديق رضي الله تعالى عنه أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك
وقد وقع نظير ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا رضي الله تعالى عنه الى اليمن شيعه صلى الله عليه وسلم وهو يمشي تحت راحلة معاذ وهو يوصيه
ثم أن أسامة رضي الله تعالى عنه سار إلى أهل أبني فشن عليهم الغارة أي فرق الناس عليهم وكان شعارهم يا منصور أمت فقتل من قتل وأسر من أسر وحرق منازلهم وحرق أرضها فأزال نخلها وأجال الخيل في عرصاتها ولم يقتل من المسلمين أحد وكان أسامة رضي الله تعالى عنه على فرس أبيه وقتل قاتل أبيه رضي الله تعالى عنهما

واسهم للفرس سهمين وللفارس سهما وأخذ لنفسه مثل ذلك فلما أمسى أمر الناس بالرحيل واسرع السير وبعث مبشرا إلى المدينة بسلامتهم
وخرج أبو بكر في المهاجرين والأنصار ممن لم يكن في تلك السرية يتلقون اسامة ومن معه وسروا بسلامتهم ودخل أسامة رضي الله تعالى عنه واللواء بين يديه حتى انتهى إلى باب المسجد ثم أنصرف إلى بيته
أي وكان في خروج هذا الجيش نعمة عظية فإنه كان سببا لعدم ارتداد كثير من طوائف العرب أرادوا ذلك وقالوا لولا قوة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ماخرج مثل هؤلاء من عندهم فثبتوا على الإسلام
أي وكان عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حتى بعد أن ولي الخلافة إذا رأى أسامة رضي الله تعالى عنه قال السلام عليك ايها الأمير فيقول اسامة غفر الله لك يا أمير المؤمنين تقول لي هذا فيقول لا أزال أدعك ما عشت الأمير مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت علي أمير وفي السيرة الشامية سرايا أخر تركنا ذكرها تبعا للأصل
وفي السنة الثامنة أمر صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد رضي الله تعالى عنه أن يحج بالناس وهو بمكة
وقد كان صلى الله عليه وسلم استعمله عليها لما اراد الخروج إلى حنين وقيل لما رجع من حنين واستمر أميرا على مكة حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقره الصديق رضي الله تعالى عنه إلى أن توفي وكانت وفاته يوم وفاة الصديق رضي الله تعالى عنهما أي لأنه أطعم سم سنة في اليوم الذي أطعم فيه الصديق ذلك وكان ذلك الحج على ما كانت عليه العرب في الجاهلية من حج الكفار مع المسلمين لكن كان المسلمون بمعزل عنهم في الموقف
ولما دخلت سنة تسع استعمل صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه على الج فخرج في ثلاثمائة رجل من المدينة وبعث معه صلى الله عليه وسلم بعشرين بدنة قلدها صلى الله عليه وسلم واشعرها بيده الشريفة وساق ابو بكر رضي الله تعالى عنه خمس بدنات ثم تبعه علي كرم الله وجهه على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء أي بفتح القاف والمد وقيل بالضم والقصر ونسب للخطأ فقال له ابو بكر رضي الله تعالى عنه استعملك رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحج قال

لا ولكن بعثني اقرا براءة على الناس وأنبذ إلى كل ذي عهد عهده وكان العهد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين عاما وخاصا فالعام أن لا يصد أحد عن البيت جاءه ولا يخاف أحد في الأشهر الحرم كما تقدم والخاص بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قبائل العرب إلى آجال مسماة
وفي كلام السهيلي رحمه الله تعالى لما أردف ابو بكر بعلي رضي الله تعالى عنهما رجع أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله هل أنزل في قرآن قال لا ولكن أردت أن يبلغ عني من هو من أهل بيتي فمضى أبو بكر رضي الله تعالى عنه فحج بالناس أي في ذي الحجة لا في ذي القعدة كما قيل من أجل النسئ الذي كان في الجاهلية يؤخرون له الأشهر الحرم أي فإن براءة نزلت أي صدرها وإلا فقد نزل منها قبل ذلك في غزوة تبوك { انفروا خفافا وثقالا } الآيات وكان نزول صدرها بعد سفر أبي بكر رضي الله تعالى عنه فقيل له صلى الله عليه وسلم لو بعثت بها إلى أبي بكر فقال لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي
ثم دعا صلى الله عليه وسلم عليا كرم الله وجهه فقال اخرج بصدر براءة وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى فقرأ علي بن أبي طالب كرم الله وجهه براءة يوم النحر أي الذي هو يوم الحج الأكبر عند الجمرة الأولى وقال لا يحج بعد العام مشرك ولايطوف بالبيت عريان
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال أمرني علي كرم الله وجهه أن أطوف في المنازل من ببراءة فكنت أصيح حتى صحل حلقي فقيل له بماذا كنت تنادي فقال باربع أن لا يدخل الجنة إلا مؤمن وأن لا يحج بعد العام مشرك وأن لا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عهد فله عهد اربعة اشهر ثم لا عهد له وأول تلك الأربعة يوم النحر من ذلك العام ولا عهد له فعهده إلى أنقضاء المحرم
وكان المشركون إذا سمعوا النداء ببراءة يقولون لعلي كرم الله وجهه سترون بعد الاربعة اشهر فإنه لا عهد بيننا وبين ابن عمك إلا الطعن والضرب
وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بما ذكر لأنهم كانوا يحجون مع المسلمين ويرفعون أصواتهم بقولهم لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك أي وتقدم سبب الإتيان بذلك ويطوف الرجال منهم عراة ليس على رجل منهم ثوب بالليل فيقول الواحد

منهم أطوف بالبيت كما ولدتني أمي ليس علي شيء من الدنيا خالطه الظلم أي وفي لفظ التي قارفنا فيها الذنوب
وكان لا يطوف الواحد منهم بثوب إلا بثوب من ثياب الحمس وهم قريش يستعيره أيو يكتريه وإذا طاف بثوب من ثيابه ألقاه بعد طوافه فلا يمسه هو ولا أحد غيره أبدا فكانوا يسمون تلك الثياب اللعنى
وفي الكشاف كان أحدهم يطوف عريانا ويدع ثيابه وراء المسجد وإن طاف وهي عليه ضرب وانتزعت منه لأنهم قالوا لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها وقيل تفاؤلا بأن يعروا من الذنوب كما يعرون من الثياب
وكانت النساء يطفن كذلك وقيل كانت الواحدة تلبس درعا مفرجا وقد طافت امرأة عريانة ويدها على قبلها وهي تقول ** اليوم يبدو بعضه أو كله ** فما بدا منه فلا أحله **
فأنزل الله تعالى { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } فأبطلت ذلك سورة براءة في تلك السنة أي وقيل الزينة المشط وقيل الطيب
وكان بنو عامر في ايام الحج لا يأكلون الطعام إلا قوتا ولا يأكلون دسما يعظمون بذلك حجتهم فقال المسلمون فإنا أحق أن نفعل ذلك فقيل لهم { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا }
ويحكى أن بعض الأطباء الحذاق من النصارى قال لبعض الحكماء ليس في كتابكم من علم الطب شيء والعلم علمان علم الأبدان وعلم الأديان فقال له قد جمع الله الطب كله في بعض آية من كتابه قال له وما هي قال قوله { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا } فقال النصراني ولا يؤثر عن رسولكم صلى الله عليه وسلم شي من الطب قال قد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الطب في الفاظ يسيرة قال وما هي قال قوله المعدة بيت الداء والحمية راس كل دواء وأعط كل بدن ما عودته فقال ذلك الطبيب ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس شيئا
وبينت براءة أن من كان له عهد فعهد إلى مدته ومن لم يكن له عهد فأجله إلى اربعة

أشهر وفي لفظ لما لحق علي كرم الله وجهه أبا بكر رضي الله تعالى عنه قال له أبو بكر أمير أو مأمور قال بل مأمور
وزعمت الرافضة أنه صلى الله عليه وسلم عزل أبا بكر عن إمارة الحج بعلي وعبارة بعض الرافضة ولما تقدم ابو بكر بسورة براءة رده صلى الله عليه وسلم بعد ثلاثة ايام بوحي من الله وكيف يرضى العاقل إمامة من لا يرتضيه النبي صلى الله عليه وسلم بوحي من الله لأداء عشر آيات من براءة هذا كلامه
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله وهذا أبين من الكذب فان من المعلوم المتواتر أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه لم يعزل وأنه حج بالناس وكان علي كرم الله وجهه من جملة رعيته في تلك السفرة يصلي خلفه كسائر المسلمين ولم يرجع إلى المدينة حتى قضى الحج في ذلك العام
وإنما أردف صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه بعلي كرم الله وجهه لنبذ العهود وكان من عادة العرب لا ينبذ العهد إلا المطاع أو رجل من أهل بيته أي فلوا تلا أبو بكر رضي الله تعالى عنه ما فيه نقض عهد عاهد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما تعللوا وقال قائلهم هذا خلاف ما نعرف فأزاح الله عللهم بكون ذلك على يد رجل من بني ابي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأدنى إليه ممن له ذرية وهو عبد المطلب قال وهذا غير بعيد من افتراء الرافضة وبهتانهم أي وعلى عادة العرب بما ذكر جاء قوله صلى الله عليه وسلم لا يبلغ عني إلا رجل من أهل بيتي كما تقدم وفي لفظ إلا رجل مني أي لا يبلغ عني عقد العقود ولا حلها إلا رجل مني أي من بني ابي الأدنى ولا أب له ذرية أدنى إليه صلى الله عليه وسلم من عبد المطلب
ولا يجوز حمل ذلك على تبليغ الأحكام والقرآن إذ كل أحد من المسلمين مأذون له في تبليغ ذلك عنه صلى الله عليه وسلم
وفي هذه السنة التي هي سنة تسع تتابعت الوفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قيل لها سنة الوفود

& باب يذكر فيه ما يتعلق بالوفود التي وفدت عليه صلى الله عليه وسلم
أي غير من تقدم فقد تقدم أنه قدم عليه صلى الله عليه وسلم وفد هوازن بالجعرانة وكذا وفد عليه بها مالك بن عوف النصري وذلك في آخر سنة ثمان أي ووفد نصارى نجران أي قبل الهجرة ووفد بني تميم في سرية عيينة بن حصن وذكر ابن سعد أن ذلك كان في المحرم سنة تسع
ووفد عليه وفد نصارى نجران ايضا بعد الهجرة وكانوا ستين راكبا ودخلوا المسجد النبوي أي وعليهم ثياب الحبرة وأردية الحرير مختمين بخواتم الذهب أي ومعهم هدية وهي بسط فيها تماثيل ومسوح فصار الناس ينظرون للتماثيل فقال صلى الله عليه وسلم أما هذه البسط فلا حاجة لي فيها وأما هذه المسوح فإن تعطونيها آخذها فقالوا نعم نعطيكها ولما رأى فقراء المسلمين ما عليه هؤلاء من الزينة والزي الحسن تشوقت نفوسهم إلى الدنيا فأنزل الله تعالى { قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار } الآيات وأرادوا أن يصلوا بالمسجد بعد أن حان وقت صلاتهم وذلك بعد العصر فأراد الناس منعهم فقال صلى الله عليه وسلم دعوهم فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم فعرض عليهم صلى الله عليه وسلم الإسلام وتلا عليهم القرآن فامتنعوا وقالوا قد كنا مسلمين قبلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبتم يمنعكم من الإسلام ثلاث عبادتكم الصليب وأكلكم لحم الخنزير وزعمكم أن لله ولدا أي لأن احدهم قال له صلى الله عليه وسلم المسيح عليه الصلاة والسلام ابن الله لانه لا أب له وقال له آخر المسيح هو الله لأنها أحيا الموتى وأخبر عن الغيوب وابرأ من الأدواء كلها وخلق من الطين طيرا وقال له أفضلهم فعلام تشتمه وتزعم أنه عبد فقال صلى الله عليه وسلم هو عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم فغضبوا وقالوا إنما يرضينا أن تقول إنه إله وقالوا له صلى الله عليه وسلم إن كنت صادقا فأرنا عبد الله يحيى الموتى ويشفي الأكمه والأبرض ويخلق من الطين طيرا فينفخ فيا فتطير فسكت صلى الله عليه وسلم عنهم فنزل الوحي بقوله تعالى { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم }

وقوله تعالى { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب } ثم قال لهم صلى الله عليه وسلم إن الله أمرني إن لم تنقادوا للإسلام أن ابا هلكم أي ندعوا ونجتهد في الدعاء باللعنة على الكاذب فقالوا له يا ابا القاسم نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك فخلا بعضهم ببعض فقال بعضهم والله علمتم أن الرجل نبي مرسل ومالا عن قوم قط نبيا الا استؤصلوا أي أخذوا عن آخرهم وإن أنتم أبيتم إلا دينكم فوادعوه وصالحوه وارجعوا إلى بلادكم وفي لفظ أنهم ذهبوا إلى بني قريظة أي من بقي منهم وبني النضير وبني قينقاع واستشاروهم فاشاروا عليهم أن يصالحوه ولا يلاعنوه
وفي لفظ أنهم وادعوه على الغد فلما أصبح صلى الله عليه وسلم أقبل ومعه حسن وحسين وفاطمة وعلي رضي الله عنهم وقال اللهم هؤلاء أهلي أي وعند ذلك قال لهم الاسقف إني لارى وجوها لو سالوا الله أن يزيل لهم جبلا لأزاله فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الارض نصراني فقالوا لا نباهلك
وعن عمر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم لو لاعنتهم يا رسول الله بيد من كنت تأخذ قال صلى الله عليه وسلم آخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين وعائشة وحفصة وهذا أي زيادة عائشة وحفصة في هذه الرواية دل عليه قوله تعالى { ونساءنا ونساءكم } وصالحوه صلى الله عليه وسلم على الجزية صالحوه على ألف حلة في صفر وألف في رجب ومع كل حلة أو قية من الفضة وكتب لهم كتابا وقالوا له أرسل معنا أمينا فارسل معهم أبا عبيدة عامر بن الجراح رضي الله تعالى عنه وقال لهم هذا أمين هذه الأمة أي وفي رواية هذا هو القوي الأمين وكان لذلك يدعى في الصحابة بذلك
ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أما والذي نفسي بيده لقد تدلى العذاب على أهل نجران ولو لاعنوني لمسخوا قردة وخنازير ولأضرم الوادي عليهم نارا ولاستأصل الله تعالى نجران وأهله حتى الطير على الشجر ولا حال الحول على النصارى حتى يهلكوا
ووفد عليه صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة الداريون أبو الهند الداري وتميم الداري وأخوه ونعيم واربعة آخرون وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم أرضا من أرض الشام فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سلوا حيث شئتم قال ابو هند

فنهضنا من عنده نتشاور في أي أرض نأخذ فقال تميم الداري رضي الله تعالى عنه نسأله بيت المقدس وكورتهما فقال أبو هند هذا محل ملك العجم وسيصبر محل ملك العرب فأخاف ان لا يتم لنا قال تميم نسأله بيت جبرون وكورتها فنهضنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا له فدعا بقطعة من أدم وكتب لهم كتابا نسخته بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب ذكر فيه ما وهب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم للداريين إذا أعطاه الله الأرض وهب لهم بيت عينون وجيرون والمرطوم وبيت إبراهيم عليه الصلاة والسلام أبد الأبد شهد بذلك عباس بن عبد المطلب وخذيمة بن قيس وشرحبيل بن حسنة وكتب ثم أعطانا كتابنا وقال انصرفوا حتى تسمعوا أني قد هاجرت قال أبو هند فانصرفنا فلما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قدمنا عليه وسألناه أن يجدد لنا كتابا آخر فكتب لنا كتابا نسخته بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أنطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لتميم الداري وأصحابه إني أنطيتكم بيت عينون وجيرون والمرطوم وبيت ابراهيم عليه الصلاة والسلام برمتهم وجميع مافيهم نطية بيت ونفذت وسلمت ذلك لهم ولأعقابهم من بعده أبد الأبد فمن آذاهم آذاه الله شهد بذلك أبو بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وكتب نقل ذلك في المواهب وأقره
وخطب صلى الله عليه وسلم خطبة قال فيها حدثني تميم الداري وذكر خبر الجساسة أي لأن تميما رضي الله تعالى عنه أخبره صلى الله عليه وسلم أنه ركب البحر فتاهت به سفينته فسقطوا إلى جزيرة فخرجوا إليها يلتمسون الماء فلقي إنسانا يجر شعره فقال له من أنت قال أنا الجساسة قالوا فأخبرنا قال لا أخبركم ولكن عليكم بهذه الجزيرة فدخلناها فإذا رجل مقيد فقال من أنتم قلنا ناس من العرب قال ما فعل هذا النبي الذي خرج فيكم قلناقد آمن به الناس واتبعوه وصدقوه قال فإن ذلك خير لهم قال أفلا تخبروني عن عين ذعر ما فعلت فأخبرناه عنها فوثب وثبة ثم قال ما فعل نخل بيسان العرب هل أطعم بتمر فأخبرناه أنه قد أطعم فوثب مثلها فقال أما لوقد أذن لي في الخروج لو طئت البلاد كلها غير طيبة فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدث الناس فقال هذه طيبة وذاك الدجال قال ابن عبد البر وهذا أولى ما يخرجه المحدثون في راية الكبار عن الصغار أي كما تقدم


ووفد عليه صلى الله عليه وسلم وهو في خيبر الاشعريون صحبة ابي موسى الأشعري صحبوا جعفر بن أبي طالب من الحبشة وقال صلى الله عليه وسلم فيهم كما تقدم أتاكم أهل اليم أرق افئدة وألين قلوبا الإيمان يمان والحكمة يمانية وقال في حق أهل اليمن يريد أقوام أن يضعوهم ويابى الله إلا أن يرفعهم والأشعري نسبة إلى أشعر واسمه نبت بن أدد ابن يشجب وإنما قيل له أشعر لأن أمه ولدته والشعر على بدنه
قال لما فتحت مكة ودانت له صلى الله عليه وسلم قريش عرفت العر ب انه لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بعداوته لأن قريشا كانت قادة العرب ودخلوا في دين الله أفواجا
قال في النهاية الوفد القوم يجتمعون ويردون البلاد واحدهم وافداهم والوفد رسول القوم يقدمهم وقد يراد به ما هو أعم من ذلك فيشمل من قدم رسول الله وحينذ يكون من ذلك كعب بن زهير رضى الله تعالى عنه فإنه قدم على رسول الله
وسبب ذلك أن أخاه بجير بن زهير خرج يوما هو وكعب في غنم لهما فقال لأخيه كعب بن اثبت في الغنم حتى آتى هذا الرجل يعني النبي صلى الله عليه وسلم فاسمع كلامه وأعرف ما عنده فأقام كعب ومضى بجير فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع كلامه وآمن به وذلك أن أباهما زهيرا كان يجالس أهل الكتاب ويسمع منهم أنه قد آن مبعثه صلى الله عليه وسلم ورأى زهير والدهما رضي الله تعالى عنهما أنه قد مد بسبب من السماء وأنه مد يده ليتناوله ففاته فأوله بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي يبعث في آخر الزمان وأنه لا يدركه وأخبر بنيه بذلك وأوصاهم إن أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلموا ولما اتصل ولما اتصل خبر إسلام بجير بأخيه كعب أغضبه ذلك فلما كان منصرفه صلى الله عليه وسلم من الطائف كتب بجير رضي الله تعالى عنه إلى أخيه كعب بن زهير وكان ممن يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بفتح مكة وأنه صلى الله عليه وسلم قتل بها رجالا ممن كان يهجوه من شعراء قريش وهرب بعضهم في كل وجه كابن الزبعري وهبيرة بن ابي وهب وأنه صلى الله عليه وسلم قال من لقي منكم كعب بن زهيرة فليقتله فإن كان لك في نفسك حجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقتل أحدا جاء تائبا ولا يطالبه بما تقدم الإسلام وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجاتك


وفي تصحيح الأنساب لابن أبي الفوارس أن زهير بن أبي سلمى قال لأولاده إني رأيت في المنام سببا ألقى إلي من السماء فمددت يدي لأتناوله ففاتني فأولته أنه النبي الذي يبعث في هذا الزمان وأنا لا أدركه فمن أدركه منكم فليصدقه وليتبعه ليهتدى به فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم آمن به ابنه بجير وأقام كعب ابنه على الشرك والتشبيب بأم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فقال لئن وقع كعب في يدي لأقطعن لسانه الحديث
أي ولا مانع ان يكون ضم إلى هذا هجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض وأرجف به أعداؤه وصاروا يقولون هو مقتول لا محالة فلم يجد بدا من مجيئه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعمل القصيدة التي مدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر فيها إرجاف أعدائه به رضي الله تعالى عنه التي مطلعها ** بانت سعاد فقلبي اليوم متبول **
ثم خرج رضي الله تعالى عنه حتى قدم المدينة فنزل على رجل كان بينه وبينه معرفة فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الصبح فاشار له ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال هذا رسول الله فقم إليه واستأمنه فقام إلى أن جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضع يده وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ومن حضره لا يعرفه فقال يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبا مسلما فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فقال يا رسول أنا كعب بن زهير فوثب رجل من الأنصار فقال يا رسول الله دعني وعدو الله أضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعه عنك فإنه قد جاء تائبا نازعا فلما أنشد القصيدة المذكورة ومدح فيها المهاجرين ولم يتعرض للأنصار قيل حمله على ذلك ما سمعه من ذلك الأنصاري مما غاظه ولم يسمع من المهاجرين شيئا يغيظه
وفيه أن هذا واضح إذا كان أنشا ذلك في ذلك الوقت وأما إذا كان عمله قبل مجيئه كما هو ظاهر ما تقدم أنه عمل تلك القصيدة التي من جملتها ما ذكر فلا فعند ذلك غضب الانصار فمدحهم بالقصيدة التي مطلعها ** من سره كرم الحياة فلا يزل ** في مقنب من صالحي الأنصار **


أي ويقال إنه صلى الله عليه وسلم هو الذي حضه على مدحهم وقال له لما أنشد بانت سعاد ورآها صلى الله عليه وسلم مشتملة على مدح المهاجرين دون الأنصار لوا أي هلا ذكرت الأنصار بخير فان الانصار أهل لذلك أي ولما أنشده صلى الله عليه وسلم بانت سعاد وقال ** إن الرسول لسيف يستضاء به ** مهند من سيوف الله مسلول **
ألقى صلى الله عليه وسلم بردة كانت عليه صلى الله عليه وسلم وقد اشتراها معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما من آل كعب بمال كثير أي بعد ان دفع لكعب فيها عشرة آلاف فقال ما كنت لأوثر بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا فلما مات كعب رضي الله تعالى عنه أخذها من ورثته بعشرين ألفا وتوارثها خلفاء بني أمية ثم خلفاء بني العباس اشتراها السفاح أول خلفاء بني العباس بثلاثمائة دينار أي بعد انقراض دولة بني أمية وكانوا يطرحونها على أكتافهم جلوسا وركبوا وكانت على المقتدر حين قتل وتلوثت بالدم
ويقال إن التي كانت عند بني العباس بردته صلى الله عليه وسلم التي أعطاها لأهل أيلة مع كتابه الذي كتبه لهم أمانا وذلك في غزوة تبوك وحينئذ تكون بردة كعب رضي الله تعالى عنه فقدت عند زوال دولة بني أمية وأما هذه البردة فلعل فقدها كان في فتنة التتار
ثم رأيت ابن كثير رحمه الله تعالى إن معاوية رضي الله تعالى عنه اشترى البردة التي كانت عند الخلفاء من أهل كعب باربعين ألف درهم ثم توارثها الخلفاء الامويون والعباسيون حتى أخذها التتر منهم سنة أخذ بغداد وقال هذا من الأمور المشهورة جدا ولكني لم أر ذلك في شيء من الكتب باسناد أرتضيه وصار كعب رضي الله تعالى عنه من شعرائه صلى الله عليه وسلم الذي يذبون عن الإسلام كعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت رضي الله تعالى عنهما الأنصاريين
ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك في رمضان قدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف وكان من خبرهم أنه لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن محاصرتهم تبع أثره عروة بن مسعود رضي الله تعالى عنه حتى أدركه صلى الله عليه وسلم قبل ان يصل إلى المدينة فأسلم وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام فقال له رسول الله

صلى الله عليه وسلم إنهم قاتلوك فقال له عروة يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبكارم أي أول أولادهم وفي رواية من أبصارهم فخرج رضي الله تعالى عنه يدعو قومه إلى الإسلام رجاء أن لا يخالفوه لمرتبته فيهم أي لأنه رضي الله تعالى عنه كان فيهم محببا مطاعا فلما أشرف لهم على علية ودعاهم إلى الإسلام وأظهر لهم دينه رموه بالنبل من كل جانب فأصابه سهم فقتله
وفي لفظ انه رضي الله تعالى عنه قدم الطائف عشاء فجاءته ثقيف يسلمون عليه فدعاهم إلى الإسلام نصح لهم فعصوه وأسمعوه من الأذى مالم يكن يغشاه منهم فخرجوا من عنده حتى إذا كان السحر وطلع الفجر قام على غرفة في داره وتشهد فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله فقيل له قبل أن يموت ما ترى في دمك فقال كرامة أكرمني الله بها وشهادة ساقها الله إلي فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ان يرتحل عنكم فادفنوني معهم فدفنوه معهم وقال في حقه صلى الله عليه وسلم إن مثله في قومه كمثل صاحب يس إنه قال لقومه { اتبعوا المرسلين } الآيات فقتله قومه أي المذكورة في سورة يس وهو حبيب بن برى
وقال السهيلي يحتمل أن المراد به صاحب إلياس فإن إلياس يقال في اسمه يس أيضا وقد قال صلى الله عليه وسلم مثل هذه المقالة في حق شخص آخر يقال له قرة بن حصين او ابن الحارث بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني هلال بن عامر يدعوهم إلى الإسلام فقتلوه فقال صلى الله عليه وسلم مثله مثل صاحب يس
ثم إن ثقيفا أقامت بعد قتل عروة شهرا ثم إنهم ائتمروا بينهم ورأوا أنهم لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرف قد أسلموا فأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فكلموا عبد ياليل بن عمرو وكان في سن عروة بن مسعود رضي الله تعالى عنه في ذلك فأبي أن يفعل لأنه خشي أن يفعل به كما فعل بعروة وقيل كلموا مسعود بن عبد ياليل ونسب قائله إلى الغلط فقال لست فاعلا حتى ترسلوا معي رجالا فبعثوا معه خمسة أنفار منهم شرحبيل بن غيلان أحد أشراف ثقيف اسلم غيلان بالعين المعجمة على عشرة نسوة وممن أسلم على عشرة نسوة ايضا عروة بن مسعود وكذلك مسعود بن معتب ومسعود بن عمير وسفيان بن عبد الله وابو عقيل مسعود بن عامر وكلهم من ثقيف

ويقال وفد عليه صلى الله عليه وسلم تسعة عشر رجلاهم اشراف ثقيف فيهم كنانة بن عبد ياليل وهو رأسهم يؤمئذ وفيه عثمان بن ابي العاص وهو أصغرهم فلما قربوا من المدينة لقوا المغيرة بن شعبة الثففي فذهبب مسرعا ليبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم عليه فلقيه أبو بكر رضي الله تعالى عنه فأخبره فقال له ابو بكر رضي الله تعالى عنه أقسمت عليك لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكون أنا أحدثه ففعل فدخل ابو بكر رضي الله تعالى عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بقدومهم عليه ثم خرج المغيرة أي وعلمهم رضي الله تعالى عنه كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم فابوا إلا تحية الجاهلية وهي عم صباحا ثم قدم بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب لهم قبة في ناحية المسجد أي ليسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلوا وكانوا يغدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم ويخلفون عثمان بن أبي العاص عند أسبابهم فكان عثمان إذا رجعوا ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يساله عن الدين ويسقرئه القرآن إذا وجد النبي صلى الله عليه وسلم نائما ذهب إلى أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وكان يكتم ذلك عن أصحابه فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحبه وكان فيهم رجل مجذوم فارسل صلى الله عليه وسلم يقول له إنا بايعناك فارجع وفي المرفوع لا تديموا النظر إلى المجذومين وجاء كلم المجذوم وبينك وبينه قيد رمح أو رمحين هذا معارض بقوله صلى الله عليه وسلم لا عدوى ولا طيرة وبما جاء في أحاديث اخر أنه صلى الله عليه وسلم أكل مع المجذوم طعاما وأخذ يده وجعلها معه في القصعة وقال كل بسم الله ثقة بالله وتوكلا عليه
وأجيب بأن الأمر باجتناب المجذوم إرشادي ومؤاكلته لبيان الجواز أو جواز المخالطة محمولة على من قوي إيمانه وعدم جوازها على من ضعف إيمانه ومن ثم باشر صلى الله عليه وسلم الصورتين ليقتدي به فيأخذ القوي الإيمان بطريق التوكل والضعيف الإيمان بطريق الحفظ والاحتياط
وعند انصرافهم قالوا يا رسول الله أمر علينا رجلا يؤمنا فامر عليهم عثمان بن أبي العاص لما راى من حرصه على الإسلام وقرأ القرآن وتعلم الدين ولقول الصديق رضي الله تعالى عنه له صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إني رأيت هذا الغلام من أحصرصهم على النفقة في الإسلام وتعلم القرآن


وفي رواية ان عثمان بن ابي العاص قال قلت يا رسول الله اجعلني إمام قومي قال أنت إمامهم وقال لي إذا أممت فأخف بهم الصلاة واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا فكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كتب لهم كتابا وكان الكاتب له خالد المذكور ومن جملته بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المؤمنين إن عضاه وج وصيده حرام لا يعضد شجره ومن وحد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه ووج واد بالطائف وقيل هو الطائف والعضاه كل شجر له شوك واحده عضة كشفة وشفاه
وروى أبو داود والترمذي ألا إن صيد وج وعضاهه حرام محرم وكانوا يطعمون طعاما يأيتهم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأكل منه خالد حتى أسلموا وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يترك لهم الصلاة فقال لا خير في دين لا صلاة فيه وفي لفظ لا ركوع فيه وأن يترك لهم الزنا والربا وشرب الخمر فابى ذلك وسألوه أن يترك لهم الطاغية التي هي صنمهم وهي اللات أي وكانوا يقولون لها الربة لا يهدمها إلا بعد ثلاث سنين من مقدمهم له فابى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فلا زالوا يسألونه سنة وهو يأبى عليهم حتى سألوه شهرا واحدا بعد قدومهم وارادوا بذلك ليدخل الإسلام في قومهم ولا يرتاع سفهاؤهم ونساؤهم بهدمها فابى عليهم ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
أي وعند خروجهم قال لهم سيدهم كنانة أنا أعلمكم بثقيف اكتموا إسلامكم وخوفوهم الحرب والقتال وأخبروهم أن محمدا صلى الله عليه وسلم سألنا أمورا عظيمة ما ابيناها عليه سالنا أن نهدم الطاغية وأن نترك الزنا والربا وشرب الخمر فلما جاءتهم ثقيف وسألوهم قالوا جئنا رجلا فظا غليظا قد ظهر بالسيف ودان له الناس فعرض علينا أمور شدادا وذكروا ما تقدم قالوا والله لا نطيعه ولا نقبل هذا ابدا فقالوا لهم أصلحوا وتهيئوا للقتال ورموا حصنكم فمكثت ثقيف كلذلك يومين أو ثلاثة ثم القى الله الرغب في قلوبهم وقالوا والله ما لنا من طاقة فارجعوا إليه وأعطوه ما سأل فعند ذلك قالوا لهم قد قاضيناه واسلمنا فقالوا لهم لم كتمتمونا قالوا أردنا أن ينزع الله من قلوبكم نخوة الشيطان فأسلموا ومكثوا أياما فقدم عليهم رسل رسول

الله صلى الله عليه وسلم بعث ابا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنهما لهدم الطاغية
وفي رواية لما فرغوا من أمرهم وتوجهوا إلى بلادهم راجعين بعث صلى الله عليه وسلم معهم أبا سفيان والمغيرة بن شعبة لهدم الطاغية فخرجا مع القوم حتى إذا قدموا الطائف اراد المغيرة رضي الله تعالى عنه ان يقدم أبا سفيان فأبى ذلك أبو سفيان عليه وقال ادخل أنت على قومك فلما دخل المغيرة علاها ليضربها بالمعول أي الفأس العظيمة التي يقطع بها الصخر وقام قومه دونه خشية أن يرمي كما رمى عروة وخرج نساء ثقيف حسرا أي مكشوفات الرءوس حتى العواتق من الحجال يبكين على الطاغية
قال وفي رواية يظنون أنه لا يمكن هدمها لأنها تمنع من ذلك واراد المغيرة رضي الله تعالى عنه أن يخسر بثقيف فقال لأصحابه لأضحكنكم من ثقيف فألقى نفسه لما علا على الطاغية ليهدمها وفي لفظ أخذ يرتكض فصاحوا صيحة واحدة فقالوا أبعد الله المغيرة قتلته الربة وقالوا والله لا يستطيع هدمها
وفي رواية لما أخذ المعول وضرب به اللات ضربة صالح وخر لوجهه فارتج الطائف بالصياح سرورا وإن اللات قد صرعت المغيرة وأقبلوا يقولون كيف رايت يا مغيرة دونكها إن استطعت ألم تعلم أنها تهلك من عاداها فقام المغيرة يضحك منهم ويقول لهم يا خبثاء والله ما قصدت إلا الهزؤ بكم
وفي رواية فوثب وقال لهم قبحكم الله إنما هي لكاع حجارة ومدر فاقبلوا عافية الله واعبدوه ثم أخذ في هدمها ا هـفهدمها بعد أن بدأ بكسر بابها حتى هدم أساسها وأخرج ترابها لما سمع سادنها يقول ليغضبن الأساس فليخسفن بهم وأخذ مالها وحليها فلما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان أن يقضي دين عروة والأسود أخاه من مال الطاغية فقضاه فإن أبا مليح بن عروة ابن مسعود قارب ابن عمه بن الأسود أخو عروة بن مسعود سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك كان قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلمين لما قتلت ثقيف عروة ابن مسعود قبل أن تسلم ثقيف كما تقدم وكان صلى الله عليه وسلم قد أجاب أبا مليح فقال له نعم فقال له ابن عمه قارب بن الاسود وعن الأسود يا رسول الله فإن عروة

والأسود أخوان الأب وأم فقال صلى الله عليه وسلم إن الأسود مات مشركا فقال قارب يا رسول الله إنما الدين علي وأنا الذي أطلب به
ومن الوفود وفد بني تميم وقد تقدم ذكره أي في الكلام على سرية عيينة بن حصن الفزاري إلى بني تميم وفي ذلك الوفد عطارد بن حاجب وعمرو بن الأهتم والأقرع بن حابس والزبرقان بن بدر
وذكر في الاستيعاب أنه كان مع وفد تميم وقيس بن عاصم فأسلم وذلك في سنة تسع فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا سيد أهل الوبر وكان عاقلا حليما مشهورا بالحلم قيل للأحنف بن قيس وكان من أحلم الناس ممن تعلمت الحلم قال من قيس بن عاصم رايته يوما قاعدا بنفاء داره محتبيا بحمائل سيفه يحدث قومه فأتى برجل مكتوف وآخر مقتول فقيل له هذا ابن أخيك قد قتل ابنك قال فوالله ما حل حبوته ولا قطع كلامه فلسا أتمه التفت إلى أبن اخيه فقال يا ابن اخي بئس ما فعلت أثمت بربك وقطعت رحمك وقتلت أبن عمك ورميت نفسك بسهمك ثم قال لابن له آخر قم يا بني فوار أخاك وحل كتاف ابن عمك وسق إلى أمك مائة ناقة دية ابنها فإنها غريبة
وكان قيس بن عاصم رضي الله تعالى عنه ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية وسبب ذلك أنه سكر يوما فغمز عكنة ابنته وسب ابويها ورأى القمر فصار يخاطبه وأعطى الخمار مالا كثيرا فلما افاق أخبر بذلك فحرمها على نفسه وقال في ذمها أبياتا كثيرة
ولما حضرته الوفاة دعا بنيه فقال لهم يا بني احفظوا عني فلا أحد أنصح لكم مني إذا مت فسودوا كباركم ولا تسودوا صغاركم فيسفه الناس كباركم وتهونوا عليهم وعليكم بإصلاح المال فإنه منبة للكريم ويستغنى به عن اللئيم وإياكم ومسألة الناس فإنها آخر كسب الرجل فإذا مت فلا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه وقد قيل فيه من جملة أبيات عند موته ** فما كان قيس هلكه هلك واحد ** ولكنه بنيان قوم تهدما **
وتقدم انهم نادوه صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات يا محمد اخرج الينا ثلاثا مرات فخرج إليهم آخر ما تقدم


ومنها وفد بني عامر فيهم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس وجبار بن سلمى بضم السين وفتحها وكانوا أي هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم وكان عامر بن الطفيل عدو الله سيدهم وكان مناديه بسوق عكاظ هل من راجل فنحمله أو جائع فنطعمه أو خائف فنؤمنه وكان من أجمل الناس وكان مضمرا الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأريد وهو أخو لبيد الشاعر إذا قدمنا على هذا الرجل فإني شاغل عنك وجهه فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف وقد قال قومه يا عامر إن الناس قد اسلموا فاسلم فقال والله لقد كنت آليت أي حلفت أن لا أنتهى حتى تتبع العرف عقبي فأنا أتبع عقب هذا الفى من قريش فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر بن الطفيل يا محمد خالني أي اجعلني خليلا وصديقا لك قال لا والله حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له قال يا محمد خالني وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم وينتظر من أربد ما كان أمره به فجعل أربد لا يأتي بشيء
وفي رواية لما أتاه صلى الله عليه وسلم عامر وسده أي القى له وسادة ليجلس عليها ثم قال له صلى الله عليه وسلم أسلم يا عامر فقال له عامر إن لي إليك حاجة قال اقرب مني فقرب منه حتى حنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على أن قوله خالني أي اجعل لي منك خلوة وهو المناسب لقول عامر لاربد إني اشاغل عنك وجهه
قال وذكر أن عامر بن الطفيل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال له أسلم يا عامر فقال أتجعل لي الأمر بعدك أن أسلمت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس ذلك لك ولا لقومك أي إنما ذلك إلى الله يجعله حيث يشاء أي وقال له يا محمد أسلم على أن لي الوبر ولك المدر فقال لا فقال ما لي إن أسلمت فقال لك ماللمسلمين وعليك ما عليهم فقال أما والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا وفي رواية خيلا جردا ورجالا مردا ولأربطن بكل نخلة فرسا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يمنعك الله عز وجل
قال السهيلي وجعل أسيد بن حضير رضي الله تعالى عنه يضرب في رءوسهما ويقول اخرجا أيها الهجرسان أي القردان فقال له عامر ومن أنت فقال أسيد بن حضير فقال أحضير بن سماك قال نعم قال أبوك كان خيرا منك قال بلى أنا خير منك ومن أبي لأن أبي كان مشركا وأنت مشرك


ومكث صلى الله عليه وسلم أياما يدعو الله عليهم ويقول اللهم اكفني عامر بن الطفيل بما شئت وابعث له داء يقتله ا هـأي ثم قال صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو اسلم وأسلمت بنو عامر لزاحمت قريشا على منابرها ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا قوم آمنوا ثم قال اللهم اهد بني عامر واشغل عني عامر بن الطفيل بما شئت وأني شئت
وفي البخاري أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم أخيرك بين ثلاث خصال يكون لك أهل السهل ولى أهل الوبر وأكون خليفتك من بعدك أو أغزوك من غطفان بألف أشتقر وألف وشقراء فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر لأربد ويلك يا أربد أين ما كنت أمرتك به والله ما على وجه الأرض من رجل أخافه على نفسى منك أبدا وايم الله لا أخافك بعد اليوم أبدا فقال لا أبالك لا تعجل علي والله ما هممت بالذي أمرتني به إلا دخلت بيني وبين الرجل حتى ما أرى غيرك أفاضربك بالسيف أي وفي رواية إلا رأيت بيني وبينه سورا من حديد وفي رواية لما وضعت يدي على قائم السيف يبست فلم أستطع أن أحركها وفي رواية لما أردت سل سيفي نظرت فإذا فحل من الإبل فاغر فاه بين يدي يهوى إلى فو الله لو سللته لخفت أن يبتلع رأسي
ويمكن الجمع بأن ما في الرواية الأولى كان بعد أن تكرر منه الهم وما في الرواية الثانية كان بعد أن حصل منه هم آخر وكذا يقال في الثالثة وخرجوا راجعين إلى بلادهم حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه أي وفي لفظ حلقه أي وأوى لبيت امرأة سلولية من بني سلول وكانوا موصوفين باللؤم
وفي كلام السهيلي إنما اختصها بالذكر لقرب نسبها منه لأنها منسوبة إلى سلول بن صعصعة والطفيل من بني عامر بن صعصعة أي فهي تأسف عليه وصار ياسف الذي كان موته ببيتها وصار يمس الطاعون ويقول يا بني عامر غدة أي أغد عدة كغدة البعير وموتا في بيت امرأة من بني السلول ائتوني بفرسي ثم ركب فرسه وأخذر رمحه وصار يجول حتى وقع عن فرسه ميتا
أي ويذكر أنه صار يقول ابرز يا ملك الموت وفي لفظ يا موت ابرز لي أي أي لأقاتلك وهذا يدل على أن موت عامر لم يتأخر سيما وقد جاء في رواية فخرج حتى

إذا كان بظهر المدينة صادف مرأة من قومه يقال لها سلولية فنزل عن فرسه ونام في بيتها فأخذته غدة في حلقه فوثب على فرسه وأخذ رمحه وأقبل يجول وهو يقول غدة كغدة البكر وموت في بيت سلولية فلم يزل على تلك الحالة حتى سقط عن فرسه ميتا
ويحتاج للجمع بينه وبين قول الاوزاعي قال يحيى فمكث رسول الله صل يدعو على عامر بن الطفيل ثلاثين صباحا وقدم صاحباه على قومهما فقالوا لأربد ما وراءك يا أربد فقال لا شيء والله لقد دعانا إلى عبادة شيئ لوددت أني عنده ألآن فأرميه بالنبل حتى أقتله فخرج بعد مقالته هذه بيوم أو يومين معه جملة يتبعه فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة أحرقتهما أي وذلك في يوم صحو قائظ وأنزل الله تعالى قوله { ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء } وأما جبار بن سلمى الذي هو ثالثهم فقد أسلم مع من أسلم من بني عامر
ومنها وفود ضمام بن ثعلبة أي وقيل وفد في سنة خمس بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين اصحابه متكئا جاءه رجل من أهل البادية قال فيه طلحة بن عبيد الله جاءنا أعرابي من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول الحديث أي جاء عل جمل وأناخه في المسجد ثم عقله وقال أيكم ابن عبد المطلب أي وفي رواية أيكم محمد قالوا هذا الأمغر المرتفق أي الأبيض المشرب بحمره المتكئ على مرفقه فدنا منه صلى الله عليه وسلم فقال إني سائلك فمشدد عليك في المسألة قال سل عما بدا لك أي وفي رواية لمغلظ عليك في المسئلة فلا تجد علي في نفسك مالا أجد في نفسي فقال سل ما بدالك فقال يا محمد جاءنا رسولك فذكر لنا أنك تزعم أن الله أرسلك قال صدق فقال أنشدك بفتح الهمزة برب من قبلك ورب من بعدك وفي رواية بالذي خلق السموات والأرض ونصب هذه الجبال قال اللهم نعم قال وفي رواية أنه قال له قبل ذلك آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده لا نشرك به شيئا أن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون قال اللهم نعم انتهى قال أنشدك بالله آلله أمرك أن نصلي خمس صلوات في كل يوم وليلة قال اللهم نعم قال وأنشد بالله آلله أمرك أن تأخذ من أموال أغنيائنا فترده على فقرائنا قال اللهم نعم قال وأنشد ك بالله آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من اثني عشر شهرا قال اللهم نعم قال وأنشدك بالله آلله أمرك أن يحج

هذا البيت من استطاع اليه سبيلا قال اللهم نعم قال فأنا قد آمنت وصدقت وأنا ضمام ابن ثعلبة
أقول وهذا السياق يدل على أن وفوده كان بعد فرض الحج وهو يخالف ما سبق أنه كان في سنة خمس ومن ثم استبعده ابن القيم قال والظاهر أن هذه اللفظة مدرجة من كلام بعض الرواة
وفيه أن الذي جزم به اسحاق وابو عبيدة أنه وفد في سنة تسع وصوبه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى ومن ثم جاء ذكر الحج في مسلم ويؤيد ذلك قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم علينا الحديث لأن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إنما قدم المدينة بعد الفتح فلما أن ولي ضمام رضي الله تعالى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقه الرجل أي بضم القاف صار فقيها وبكسرها فهم في لفظ لئن صدق ليدخلن الجنة وكان عمر رضي الله تعالى عنه يقول ما رأيت أحدا أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام بن ثعلبة أي وفي لفظ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فما سمعنا بوافد وقد كان أفضل من ضمام
ولما رجع ضمام رضي الله تعالى عنه إلى قومه قال لهم إن الله تعالى قد بعث رسولا وأنزل عليه كتابا أستنقذكم به مما كنتم فيه
قال وفي رواية أن أول شيء تكلم به أن سب اللات والعزى فقال له قومه مه يا ضمام اتق البرض تق الجذام اتق الجنون فقال لهم ويلكم والله إنهما لا يضران ولا ينفعان إن الله قد بعث رسولا إلى آخر ما تقدم وإني اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه فلم يبق من القوم رجل ولا امرأة إلا وأسلم
ومنها وفد عبد القيس وفيهم الجارود وكان نصرانيا أي قد قرأ الكتب فقال أبياتا مخاطبا بها النبي صلى الله عليه وسلم منها ** يا نبي الهدى أتاك رجالا ** قطعت فدفدا وآلافآلا ** ** تتقي وقع شر يوم عبوس ** أوجل القلب ذكره ثم هالا **
الفدفد المفازة والآل ما يرفع الشخوص في أول النهار وفي آخره وقيل السراب قيل وكانوا ستة عشرة فعرض عليهم صلى الله عليه وسلم الإسلام فقال يامحمد إني

كنت على دين وإني تارك ديني لدينك فتضمن لي ذنبي فقال النبي صلى الله عليه وسلم نعم أنا ضامن لك أن قد هداك إلى ما هو خير لك منه فأسلم وأسلم أصحابه ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحملهم فقال والله ما عندي ما أحملكم عليه فقال يا رسول الله يحال بيننا وبين بلادنا ضوال من ضوال المسلمين أي من الإبل والبقر مما يحمى نفسه أفنتبلغ عليها أي نركبها إلى بلادنا قال لا إياك وإياها فإنما تلك حرق النار أي لهبها كذا في الاصل
وفي السيرة الهشامية أن الجارود إنما وفد مع حلف له يقال له سلمة بن عياض الأزدي وأن الجارود قال لسلمة إن خارجا خرج بتهامة يزعم أنه نبي فهل لك أن تخرج إليه فإن رأينا خيرا دخلنا فيه وأنا أرجو أن يكون هو النبي الذي بشر به عيسى ابن مريم لكن يضمر كل واحد مناله ثلاث مسائل يسأله عنها لا يخبر بها صاحبه فلعمري إنه إن أخبرنا بها إنه لنبي يوحى اليه فلما قدما عليه صلى الله عليه وسلم قال له الجارود بم بعثك به ربك يا محمد قال بشهادة أن لا إله إلا الله وأني عبد الله ورسوله والبراءة من كل ند أو دين يعبد من دون الله وبإقام الصلاة لوقتها وإيتاء الزكاة لحقها وصوم رمضان وحج البيت من استطاع اليه سبيلا بغير إلحاد { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد } قال الجارود يا محمد إن كنت نبيا فأخبرنا عما أضمرنا عليه فخفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة كأنها سنة ثم رفع رأسه الشريف العرق يتحدر عنه فقال أما أنت يا جارود فإنك أضمرت أن تسألني عن دماء الجاهلية وعن حلف الجاهلية وعن المنيحة ألا وإن دم الجاهلية موضوع وحلفها مردود ولا حلف في الإسلام ألا وأن أفضل الصدقة أن تمنح أخاط ظهر دابة أو لبن شاة فإنها تغدو برفده وتروح بمثله وأما أنت يا سلمة فإنكا اضمرت على أن تسألني عن عبادة الاوثان وعن يوم السباسب وعن عقل الهجين فأما عبدة الأوثان فإن الله تعالى يقول { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } وأما يوم السباسب فقد أعقبه الله ليلة خيرا من ألف شهر فاطلبوها في العشر الأواخر من رمضان فإنها ليلة بلجة سمحة لا ريح فيها تطلع الشمس في صبيحتها لا شعاع لها وأما عقل الهجين فإن المؤمنين إخوة تتكافأ دماؤهم يجبر أقصاهم على أدناهم اكرمهم عند الله أتقاهم فقالا نشد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبده ورسوله انتهى


وذكر في السيرة الهشامية في وفد عبد القيس أنه كان قبل فتح مكة وذكر ما حاصله أنه صلى الله عليه وسلم بينما هو يحدث أصحابه إذ قال لهم سيطلع عليكم من ههنا ركب هم خير أهل المشرق وفي رواية ليستبين ركب من المشرق لم يكرهوا على الإسلام قد أنضوا أي أهزلوا الركائب وأفنوا الزاد اللهم اغفر لعبد القيس فقام عمر رضي الله تعالى عنه فتوجه نحو مقدمهم فلقي ثلاثة عشرة راكبا وقيل كانوا عشرين راكبا وقيل كانوا اربعين رجلا فقال من القوم قالوا من بني عبد القيس فقال أما إن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكركم آنفا فقال خيرا ثم مشى معهم حتى أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر للقوم هذا صاحبكم الذي تريدون فرمى القوم بأنفسهم عن ركائبهم بباب المسجد بثياب سفرهم وتبادوا يقبلون يده صلى الله عليه وسلم ورجله وكان فيهم عبد الله بن عوف الأشج وهو راسهم وكان أصغرهم سنا فتخلف عند الركائب حتى أناخها وجمع المتاع وذلك بمرأى من النبي صلى الله عليه وسلم وأخرج ثوبين أبيضين لبسهما ثم جاء يمشي حتى أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلها وكان رجلا دميما ففطن لنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دمامته فقال يا رسول الله إنه لا يستقى أي يشرب في مسوك أي جلود الرجال وإنما يحتاج الرجل من أصغر به لسانه وقلبه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن فيك خلتين يخبهما الله ورسوله الحلم والأناة فقال له رسول الله أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما قال لا بل الله تعالى جبلك عليهما فقال الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله صلى الله عليه وسلم الأناة على وزن قناة التؤدة وقد جاء التؤدة والاقتصاد والسمت الحسن جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة
وفي رواية أنهم لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم من القوم قالوا من ربيعة أي وهو المراد بما في بعض الروايات ربيعة فإنه من التعبير عن البعض بالكل
وفي البخاري في الصلاة إن هذا الحي من ربيعة أي إن هذا الحي حي من ربيعة وهو في الاصل اسم لمنزل القبيلة سميت به القبيلة لأن بعضهم يحيا ببعض قال خير ربيعة عبد القيس مرحبا بالقوم أي صادفتم رحبا بضم الراء أي سعة وأول من قال مرحبا سيف بن ذي يزن وقد تكررت هذه الكلمة منه صلى الله عليه وسلم قالها

لابنة عمه أم هانئ رضي الله تعالى عنها وقال لعكرمة بن أبي جهل رضي الله تعالى عنه مرحبا بالراكب المهاجر وقال لابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها مرحبا بابنتي وقال لشخص دخل عليه مرحبا وعليك السلام
ثم قال لهم صلى الله عليه سلم غير خزايا ولا ندامى أي حالة كونكم سالمين من الخزي ومن الندم وفي لفظ مرحبا بالوفد الذين جاءوا غير خزايا ولا ندامى أنا حجيج من ظلم عبد القيس فقالوا يا رسول الله إنا نأتيك من شقعة بيعدة أي من سفر بعيد لأن مساكنهم بالبحرين وما والاها من أطراف العراق وإنه يحول بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر وإنا لا نصل اليك إلا في شهر حرام أي وفي لفظ إلا في الشهر الحرام وهو كمسجد الجامع ونساء مؤمنات وهو شهر رجب للتصريح به في بعض الروايات
وقال بعضهم وفي هذا دليل على أن الأعمال الصالحة تدخل الجنة إذا قبلت وقبولها يقع برحمة الله لأن مضر كانت تبالغ في تعظيم شهر رجب زيادة على بقية الأشهر الحرم ومن ثم قيل رجب مضر فأمرنا بأمر فصل أي فاصل بين الحق والباطل فقال آمركم بأربع أي خصال أربع أو جمل أربع
ففي بعض الروايات قالوا حدثنا بجمل من الأمر وأنهاكم عن اربع آمركم بالإيمان بالله أتدرون ما الإيمان بالله شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أي وفيه أن القوم كانوا مؤمنين مقرين بكلمة الشهادة
ووقع في البخاري في الزكاة زيادة واو قبل شهادة وهي زيادة شاذة لم يتابع عليها روايها وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس أي لأنهم كانوا بصدد محاربة كفار مضر وهذا زائد على الأربع وم ثم قال بعضهم هو معطوف على قوله باربع أي آمركم بأربع وبأن تعطوا ومن ثم غاير في الأسلوب
وفي مسلم أمركم بأربع اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان واعطوا الخمس من الغنائم ولم يذكر الحج لأنه لم يكن فرض على الصحيح كما قال الحافظ الدمياطي رحمه الله وهو بناء على الأصح أنه فرض سنة ست وقول الواقدي إن قدوم وفدعبد القيس كان في سنة ثمان ليس بصحيح لكن ذكر بعضهم أن لعبد القيس وفدتين واحدة كانت قبل فرض الحج وواحدة

بعده ومن ثم جاء ذكر الحج في مسند الإمام أحمد وهو وأن تحجوا اليبت وإله لم يتعرض في هذه الرواية لعدد أي لقوله أربع ثم قال صلى الله عليه وسلم لهم وأنهاكم عن اربع عن الدبا أي القرع أي عما ينبذ فيها والحنتم وهو جرار مدهونة بدهان أخضر أي عما ينبذ فيها أي وقيل والحنتم جرار كانت تعمل من طين وشعر وأدم والنقير أصل النخلة ينقر وينبذ فيه التمر أي ما ينبذ في ذلك والمزفت ما طلى بالزفت أي عما ينبذ فيه وفي رواية زيادة على ذلك والقير ما طلي بالقار وهو نبت يحرق إذا يبس وتطلى به السفن كما تطلى بالزفت زاد في رواية وأخبروا بهن من وارءكم أي من جئتم من عندهم ومن يحدث من الأولاد قالوا فيم نشرب يا رسول الله قال في أسقية الأدم أي الجلود التي يلاث أي يربط على أفواهما قالوا يا رسول الله إن أرضنا كثير الجرذان أي الفيران أي لا تبقى فيها أسقية الأدم قال وإن أكلها الجرذان قال ذلك مرتين أو ثلاثا فقال له الأشج يا رسول الله إن أرضنا ثقيلة وخمة وإنا إذا لم نشرب هذه الأشربة عظمت بطوننا فرخص لنا في مثل هذه فأومأ صلى الله عليه وسلم بكفيه وقال له يا أشج إن رخصت لك في مثل هذه شربته في مثل هذه وفرج بين يديه وبسطها يعني أعظم منها حتى إذا ثمل أي سكر أحدكم من شرابه قام إلى ابن عمه فضرب ساقه بالسيف وكان القوم رجل وقع له ذلك أي وهو جهم بن قثم قال لما سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع له ذلك أي وهو جهم بن قثم قال لما سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلت أسدل ثوبي لأغطي الضربة وقد أبداها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أي وفي كلام السهيلي فعجبوا من علم النبي صلى الله عليه وسلم واشارته إلى ذلك الرجل هذا كلامه
أي وفي رواية أنهم سألوه عن النبيذ فقالوا يا رسول الله إن أرضنا وخمة لا يصلحها إلا النبيذ قال فلا تشربوا في النقير فكأني بكم إذا شربتم في النقير قال بعضكم إلى بعض بالسيوف فضرب رجلا منكم ضربة لا يزال يعرج منها إلى يوم القيامة فضحكوا فقال صلى الله عليه وسلم ما يضحككم قالوا ولقد شربنا في النقير فقام بعضنا على بعض بالسيوف فضرب هذا ضربه بالسيف فهو أعرج كما ترى ثم ذكر لهم صلى الله عليه وسلم أنواع تمر بلدهم فقال لكم تمرة تدعونها كذا وتمرة تدعونها كذا فقال له رجل من القوم بأبي وأنت وأمي يا رسول الله لو كنت ولدت في جوف هجر ما كنت بأعلم منك الساعة اشهد أنك رسول الله فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

إن أرضكم رفعت إلى منذ قعدتم أي فنظرت من أدناها إلى أقصاها وقال لهم خير تمركم البرني يذهب بالداء ولاداء ومعه أي وإنما اقتصر صلى الله عليه وسلم في المناهي على شرب الأنبذة في الأوعية المذكورة مع أن في المناهي ما هو أشد في التحريم لكثرة تعاطيهم لها
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ومعنى النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية بخصوصها أنه يسرع فيها الإسكار فربما يشرب منها من لا يشعر بذلك
كان في عبد القيس ابو الوازع بن عامر وابن اخته مطر بن هلال ولما ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم أنه ابن أختهم قال ابن اخت القوم منهم وكان فيهم ابن أخي الوازع وكان شيخا كبيرا مجنونا جاء به الوازع معه ليدعو له صلى الله عليه وسلم فمسح ظهره ودعا له فبرأ لحينه وكسى شبابا وجمالا حتى كأن وجهه وجه العذراء
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم زودهم الأراك يستاكون به وذكر أنه كان فيهم غلام ظاهر الوضاءة فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم خلف ظهره وقال إنما كان خطيئة دواد عليه الصلاة والسلام النظر
ومنها وفد بني حنيفة مسيلمة الكذاب قيل جاء بنو حنيفة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم مسيلمة الكذاب يسترونه بالثياب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في اصحابه رضي الله تعالى عنهم معه عسيب من عسب النخل في رأسه خويصات فلما انتهى مسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب كلمة وسأله أن يشركه معه في النبوة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه
وقيل إن بني حنيفة جعلوه في رحالهم فلما أسلموا ذكروا مكانه فقالوا يا رسول الله إنا قد خلفنا صاحبنا في رحالنا يحفظها لنا فأمر صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به لواحد من القوم وهو خمس أواق من فضة وقال اما إنه ليس بشركم مكان فلما رجعوا إليه اخبروه بما قال عنه فقال إنما قال ذلك لأنه عرف أن لي الأمر من بعده فلما رجعوا وانتهوا إلى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وكذب وادعى أنه أشرك معه صلى الله عليه وسلم في النبوة وقال لمن وفد مهم ألم يقل لكم حين ذكرتموني له أما انه ليس بشركم مكانا

ما ذاك إلا لما كان يعلم أني أشركت معه في الأمر أي وهو صلى الله عليه وسلم إنما أراد بذلك انه حفظ ضيعة أصحابه هذا
وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم أقبل ومعه ثابت بن قيس بن شماس رضي الله تعالى عنه وفي يد النبي صلى الله عليه وسلم قطعة من جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال إن سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها أي فإنه صلى الله عليه وسلم بلغه عنه أنه قال إن جعل لي محمد الأمر من بعده اتبعته وإني لأراك الذي منه رايت وهذا قيس يجيبك عني ثم أنصرف
والذي رآه منه صلى الله عليه وسلم أنه رأى في المنام أن في يده سوارين من ذهب قال فأهمني شأنهما فأوحى الله إلي في المنام أن أنفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي أي وهما طليحة العبس صاحب صنعاء ومسيلمة الكذاب صاحب اليمامة فإنا كلا منهما ادعى النبوة في حياته صلى الله عليه وسلم وكان طليحة العبسي يقول إن ملكا كان يقال ذو النون يأتيني كما يأتي جبريل محمدا فلما بلغه صلى الله عليه وسلم قال لقد ذكر مالكا عظيما في السماء يقال له ذو النون وجمع بعضهم بين هذا الذي في الصحيحين وما هنا بأنه يجوز أن يكون مسيلمة قدم مرتين الأولى كان تابعا ومن ثم كان في حفظ الرحال والثانية كان متبوعا ولم يحضر أنفة منه واستكبارا وعامله صلى الله عليه وسلم معاملة الإكرام على عادته صلى الله عليه وسلم في الاستئلاف فأتى إلى قومه وهو فيهم كذا قيل
ولا يخفى أن قوله ولم يحضر يقتضى أنه لم يجئ إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المرتين وتقدم أنه جاء إليه صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب وهذا أي ستره بالثياب هو المناسب لكونه متبوعا ثم صار مسيلمة لعنه الله يتكلم بالهذيان يضاهي به القرآن فمن ذلك قوله قبحه الله لقد أنعم الله علي الحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين شغاف وحشا وقال والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا والخابزات خبزا والثاردات ثردا واللاقمات لقما وضع عنهم الصلاة وأحل لهم الخمر والزنا وقيل إنه لعنه الله طلب منه أن يتفل في بئر تبركا ففعل فملح ماؤها ومسح رأس صبي فصار أقرع قرعا فاحشا ودعا لرجل في بنين له بالبركة فيهما فرجع الرجل إلى منزله فوجد أحدهما قد سقط في بئر والآخر أكله الذئب مسح على عيني رجل للاستشفاء بمسحه فابيضت عيناه فعل ذلك مضاهاة للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا السياق يرشد إلى أنه كان برأس ذلك الصبي قرع يسير

فمسح عليه للاستشفاء ثم أظهر معجزة بزعمه وهو أنه ادخل بيضة في قارورة افتضح بأن البيضة بنت يومها إذا ألقيت في الخل والنوشادر يوما وليلة فإنا تمتد كالخيط فتجعل في القارورة ويصب عليها ماء فتجمد وبهذا يرد على من ورثاه من بني حنيفة بقوله ** لهفي عليمك أبا ثمامة ** كم أية لك فيهمو ** كالشمس تطلع من غمامه **
فيقال له كذبت بل كانت آياته معكوسة
قال وكتب مسيلمة قبحه الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم كتابا فقال من مسيلمة رسول اله إلى محمد رسول الله أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك وإن لنا نصف الأمر وليس قريش قوما يعدلون وبعث رجلين فكتب اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى مسليمة الكذاب سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ثم قال للرجلين وإنما تقولان مثل ما يقول قالا نعم قال أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما انتهى
ومنها وفد طيئ وفيهم زيد الخيل رضي الله تعالى عنه وفد عليه صلى الله عليه وسلم وفيهم قبيصة بن الأسود وسيدهم زيد الخيل قيل له ذلك لخمسة أفراس كانت له أي ولو كان وجه التسمية يلزم اطراده لقيل للزبرقان بن بدر زبرقان الخيل
فقد قيل إنه وفد على عبد الملك بن مروان وقاد إليه خمسة وعشرين فرسا ونسب كل واحدة من تلك الأفراس إلى آبائها وأمهاتها وحلف على كل فرس يمينا غير اليمن التي حلف بها على غيرها فقال عبد الملك عجبي من اختلاف أيمانه أشد من عجبي من معرفته بأنساب الخيل
وكان زيد الخيل شاعرا خطيبا بليغا جوادا فعرض عليهم صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلموا وحسن إسلامهم وقال صلى الله عليه وسلم في حق زيد الخيل ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني إلا رأيته دون ما قيل فيه إلا زيد الخيل فإنه لم يبلغ أي ما قيل فيه كل ما فيه وسماه صلى الله عليه وسلم زيد الخير أي فإنه صلى الله عليه وسلم قال له وهو لا يعرفه الحمد لله الذي أتى بك من سهلك وحزنك وسهل قلبك للإيمان ثم قبض صلى الله عليه وسلم على يده فقال من أنت قال أنا زيد الخيل بن مهلهل اشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله فقال له صلى الله عليه وسلم بل أنت زيد

الخير ثم قال يا زيد ما أخبرت عن رجل قط شيئا إلا رأيته ما أخبرت عنه غيرك أي واجاز صلى الله عليه وسلم كل واحد منهم خمس أواق واعطى زيد الخيل اثنتي عشرة أوقية ونشا أي واقطعه محلين من أرضه وكتب له بذلك كتابا ولما خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم متوجها إلى قومه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ينجو زيد من الحمى أي ما ينجو منها ففي اثناء الطريق اصابته الحمى أي وفيه لفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال له يا زيد تقتلك أم ملدم يعني الحمى
وفي رواية أن زيد الخيل لما قام من عنده صلى الله عليه وسلم وتوجه الى بلاده قال صلى الله عليه وسلم أي فتى إن لم تدركه أم كلبة يعني الحمى والكلبة الرعدة
وفي رواية ما قدم علي رجل من العرب يفضله قومه إلا رأيته دون ما يقال فيه إلا ما كان من زيد فإن ينج زيد من حمى المدينة فلأمر ما هو
قال لما مات اقام قبيصة بن الاسود الناحة عليه سنة ثم توجه براحلته ورحله وفيه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أقطعه فيه محلين بأرضه فلما رأت امرأته الراحلة ضرمتها بالنار فاحترقت واحترق الكتاب انتهى
وفي كلام السهيلي وكتب له كتابا على ما أراد وأطعمه قرى كثيرة منها فدك هذا كلامه وقيل بقي إلى خلافة عمر رضي الله عنهما
ومنها وفود عدي بن حاتم الطائي حدث عدي رضي الله عنه قا لكنت امرأ شريفا في قومي آخذ المرباع من الغنائم كما هو عادة سادات العرب في الجاهلية أي وهو ربع الغنيمة كما تقدم فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته ما من رجل من العرب كان أشد كارهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به مني فقلت لغلام كما راعيا لإبلي لا أبا لك اعزل من إبلي أجمالا ذللا سمانا فاحتبسها قريبا مني فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذني ففعل ثم إنه أتاني ذات يوم فقال يا عدي ما كنت صانعا إذا غشيك محمد فاصنعه الآن فإني قد رأيت رايات فسالت عنها فقالوا هذه جيوش محمد فقلت له قرب لي أجمالي فقربها فاحتملت أهلي وولدي التحقت بأهل ديني من النصارى بالشام وخلفت بنتا لحاتم في الحاضر فأصيبت فيمن أصيب أي سبيت فيمن أصيب من الحاضر فلما قدمت في السبايا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام من عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم

وكساها وحملها وأعطاها نفقة وحرجت إلى أن قدمت على الشام فوالله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى طغينة تؤمنا فقلت ابنة حاتم فإذا هي هي فلما وقعت علي قالت القاطع الظالم احتملت بأهلك وولدك وقطعت بقية والديك وعورتك فقلت أي أخية لا تقولي إلا خيرا فوالله مالي من عذر ولقد صنعت ما ذكرت ثم نزلت وأقامت عندي فقلت لها وكانت إمراة حازمة ماذا ترين في أمر هذا الرجل قالت أرى والله أن تلحق به سريعا فإن يكن نبيا فللسابق إليه فضله وإن يكن ملكا فأنت أنت فقلت والله إن هذا للرأي أي ولعلها لم تظهر له إسلامها لئلا ينفر طبعه من قولها له إن يكن نبيا أي على الفرض والتنزل تحريضا له على اللحوق به صلى الله عليه وسلم فخرجت حتى جئته صلى الله عليه وسلم بالمدينة فدخلت عليه فقال من الرجل فقلت عدي بن حاتم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وانطلق بي إلى بيته فوالله إنه لقائدني إليه إذ لقيته امرأة كبيرة ضعيفة فاستوقفته صلى الله عليه وسلم فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها فقلت ما هو بملك ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دخل بيته تناول وسادة بيده من أدم محشوة ليفافقدمها إلي وقال اجلس على هذه فقلت بل أنت فاجلس عليها قال بل أنت فجلست عليها وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض فقلت والله ما هذا بأمر ملك ثم قال لي ما معناه يا عدي بن حاتم أسلم تسلم قالها ثلاثا قلت إني على دين قال أنا أعلم بدينك منك فقلت أنت أعلم بديني قال نعم ألست من الركوسية ألست من القوم الذين لهم دين لأنه تقدم أنه كان نصرانيا فقلت بلى فقال أم تكن تسير في قومك بالمرباع أي تأخذ ربع الغنيمة كما هو شأن الأشراف من اخذهم في الجاهلية ربع الغنيمة قلت بلى قال فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك فقلت أجل والله وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل ثم قال صلى الله عليه وسلم لعلك يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى تقول إنما اتبعه ضعفه الناس ومن لا قوة له وقد رمتهم العرب مع حاجتهم فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ولعلك لم أرها وقد سمعت بها قال فوالله وفي لفظ فوالذي نفسي بيده ليتمن هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة تطوف بالبيت من غير جوار أحد
وفي رواية ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية أي وهي قرية بينها وبين

الكوفة نحو مرحلتين على بعيرها حتى تزور البيت أي الكعبة لا تخاف ولعلك إنما يمنعك من الدخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم قال عدي وقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تحج بالبيت وأيم الله لتكونن الثانية ليفيض المال حتى لا يوجد من ياخذه
ومنها وفود فروة بن مسيك المرادي وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فروة مفارقا لملوك كندة وكان بين قومه مراد وبين همدان قبيل الإسلام وقعة أصابت فيها همدان من مراد ما أرادوا في يوم يقال الردم وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل ساءك ما أصاب قومك يوم الروم فقال يا رسول الله من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم الردم ولا يسوءه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إن لك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيرا واستعمله صلى الله عليه وسلم على مراد وزبيد وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة فكان معه في بلاده حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فروة عند توجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ** لما رأيت ملوك كندة أعرضت ** كالرجل خان الرجل عرق نسائها ** ** فركبت راحلتي أؤم محمدا ** أرجو فواضلها وحسن ثوابها **
ومنها وفد بني زبيد بضم الزاي وفتح الموحدة وفد بنو زبيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم عمرو بن معد يكرب الزبيدي وكان فارس العرب مشهورا بالشجاعة شاعرا مجيدا قال لأبن أخيه قيس المرادي إنك سيد قومك وقد ذكر لنا أن رجلا من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز يقول إنه نبي فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه فإن كان نبيا كما يقول فإنه لن يخفى عليك وإذا لقيناه اتبعناه وإن كان غير ذلك علمنا علمه فأبى عليه قيس ذلك وسفه رأيه فركب عمرو رضي الله عنه حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه فأسلم فلما بلغ ذلك قيسا قال خالفني وترك أمري ورأيي وتوعد عمرا فقال عمرو في قيس أبياتا منها ** فمن ذا عاذرى من ذى سفاه ** يريد بنفسه شد المزاد ** ** أريد حياته ويريد قتلي ** عذيرك من خليلك من مرادي **


أي وبعد موته صلى الله عليه وسلم ارتد عمرو هذا مع الأسود العبسي ثم أسلم وحسن إسلامه وشهد فتوحات كثيرة أيام الصديق وأيام عمر رضي الله تعالى عنهما
وعن ابن اسحاق قيل إن عمرو بن معد يكرب لم يأت النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم قيس بعد ذلك قيل له صحبة وقيل لا
ومنها وفد كندة أي وله صلى الله عليه وسلم جدة منهم وهي أم جده كلاب وفد عليه صلى الله عليه وسلم ثمانون أي وقيل ستون من كندة فيهم الأشعث بن قيس وكان وجيها مطاعا في قومه وفي الإمتاع وهو اصغرهم فلما أرداوا الدخول عليه صلى الله عليه وسلم رجلوا أي سرحوا جممهم أي شعور رءوسهم أي الساقطة على مناكبهم وتكحلوا ولبسوا عليهم جبب الحبرة أي بوزن عنبة برود اليمن المخططة قد كففوها أي سجفوها بالحرير فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وعند ذلك قالوا أبيت اللعن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لست ملكا أنا محمد بن عبد الله قالوا لا نسميك باسم قال أنا أبو القاسم فقالوا يا أبا القاسم إنا خبأنا لك خبئا فما هو وكانوا خبئوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عين جرادة في ظرف سمن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله إنما يفعل ذلك بالكاهن وإن الكاهن والكهانة والمتكهن في النار فقالوا كيف نعلم أنك رسول الله فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم كفا من حصباء فقال هذا يشهد أني رسول الله فسبح الحصى في يده فقالوا نشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله بعثني بالحق وأنزل علي كتابا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فقالوا أسمعنا منه فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { والصافات صفا } حتى بلغ { برب المشارق والمغارب } ثم سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكن بحيث لا يتحرك منه شيء ودموعه تجري على لحيته فقالوا إنا نراك تبكي أفمن مخافة من أرسلك تبكي فقال صلى الله عليه وسلم إن خشيتي منه أبكتني بعثني على صراط مستقيم في مثل حد السيف إن زغت عنه هلكت ثم تلا صلى الله عليه وسلم { ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك } الآية ثم قال لهم صلى الله عليه وسلم ألم تسلموا قالوا بلي قال فما بال هذا الحرير في اعناقكم فعند ذلك شقوه منها وألقوه
وفيه أنه هذا يخالف ما قاله فقهاؤنا معاشر الشافعية من جواز التسجيف بالحرير إلا

أن يقال الجواز مخصوص بأن لا يجاوز الحد اللائق بالشخص ولعل سجفهم جاوزت الحد اللائق بهم وقد قال الأشعث له صلى الله عليه وسلم نحن بنو أكل المرار وأنت ابن آكل المرار يعني جدته أم كلاب فقد تقدم أنها من كندة وقيل إنما قال ذلك الأشعث لأن عمه العباس بن عبد المطلب كان إذا دخل حيا من أحياء العرب لأنه كما تقدم كان تاجرا فإذا سئل من أين قال أنا ابن آكل المرار ليعظم يعني انتسب الى كندة لأن كندة كانوا ملوكا فاعتقدت كندة أن قريشا منهم لقول العباس المذكور فقال له صلى الله عليه وسلم لا نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفو أمنا ولا ننتفى من آبائنا أي لا ننتسب إلى الأمهات ونترك النسب إلى الأباء
والأشعث هذا ممن ارتد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ثم دعا إلى الإسلام في خلافة ابي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أي فإنه حوصر ثم جئ به أسيرا فقال الصديق حين أراد قتله ستبقني لحروبك وزوجني أختك فزوجه أخته أم فروة فدخل سوق الإبل بالمدينة واخترط سيفه فجعل لا يرى جملا إلا عرقبه فصاح الناس كفر الأشعث فلما فرغ طرح سيفه وقال والله ما كفرت إلا أن الرجل يعني أبا بكر رضي الله تعالى عنه زوجني أخته ولو كنا ببلادنا لكانت لنا وليمة غير هذه وقال يا أهل المدينة انحروا وكلوا وأعطى أصحاب الإبل أثمانها قال وقال صلى الله عليه وسلم للاسعث هل لك من ولد فقال لي غلام ولد لي عند مخرجي إليك وددت ان لي به لسبعة فقال إنهم مبخلة مبلهة محزنة وإنهم لقرة العين وثمرة الفؤاد انتهى
ومنها وفد أزد شنوءه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع من الأزد وفيهم صرد بن عبد الله ألازدي وكان أفضلهم فأمره صلى الله عليه وسلم على من اسلم من قومه وأمره أن يجاهد بمن اسلم من كان يليه من أهل الشرك من قبائل اليمن فخرج حتى نزل بجرش بضم الجيم وفتح الراء وبالشين المعجمة وهي مدينة بها قبائل من قبائل اليمن وحاصرها المسلمون قريبا من شهر ثم رجعوا عنها حتى إذا كانوا بجبل يقال له شكر بالشين المعجمة والكاف المفتوحتين وقيل باسكان الكاف فلما وصلوا ذلك المحل ظن أهل جرش أن المسلمين رضي الله تعالى عنهم إنما رجعوا عنهم منهزمين فخرجوا في طلبهم حتى إذا أدركوهم عطفوا عليهم فقتلوهم قتلا شديدا
وقد كان أهل جرش بعثوا رجلين منهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة

يرتادن أي ينظران الأخبار فبينما هما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي بلاد الله شكر فقام إليه رجلان فقالا يا رسول الله ببلادنا جبل يقال له كشر فقال إنه ليس بكشر ولكن شكر قالا فما شأنه يا رسول الله قال إن بدن الله لتنحر عنده الآن وأخبرهما الخبر فخرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى قومهما فوجد قومهما قد أصيبوا في اليوم الساعة قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال وعند إخبارهما لقومهما بذلك وفد وفد جرش على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مرحبا بكم أحسن الناس وجوها وأصدقه لقاء وأطيبه كلاما وأعظمه أمانة أنتم مني وأنا منكم وحمى لهم حمى حول بلدهم
ومنها وفد رسول ملوك حمير وحامل كتابهم إليه صلى الله عليه وسلم وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول ملوك حمير وحامل كتابهم اليه صلى الله عليه وسلم بإسلام الحارث بن عبد كلال بضم الكاف
وقد اختلف في كون الحارث له وفادة فهو صحابي أولا والنعمان ومعافر بالفاء مكسورة وهمدان أي باسكان الميم وفتح الدال المهملة وهي قبيلة
وأما همذان بفتح الميم والذال المعجمة فقبيلة بالعجم فكتب اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى الحارث بن عبد كلال وإلى النعمان ومعافر وهمذان أما بعد فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنه قد وقع بنا رسولكم مقفلنا من أرض الروم أي رجوعنا من غزوة تبوك فلقيناه بالمدينة فبلغ ما أرسلتم به وخبر ماقبلكم وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم المشركين وإن الله قد هداكم بهداه إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأعطيتم من الغنائم خمس الله وسهم النبي صلى الله عليه وسلم وصفيه وما كتب على المؤمنين من الصدقة أما بعد فإن محمدا النبي أرسل إلى زرعة ذي يزن وفي الاستيعاب زرعة بن سيف ذي يزن وفي كلام الذهبي زرعة بن سيف ذي يزن أن إذا أتاكم رسلي فأوصيكم بهم خيرا معاذ بن جبل وعبد الله بن زيد ومالك بن عبادة وعقبة بن نمر ومالك ابن مرارة وأصحابهم وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية من مخاليفكم بالخاء المعجمة

جمع محلاف وأبلغوها رسلي وأن أميرهم معاذ بن جبل فلا ينقلبن إلا راضيا اما بعد فإن محمدا يشهد أن لا إله إلا الله وأنه عبده ورسوله
ثم ان مالك بن كعب بن مرارة قد حدثنى انك قد اسلمت من أول حمير و قتلت المشركين فابشر بخير و آمرك بحمير خيرا ولا تخونوا ولا تخاذلوا بضم التاء المثناه الفوقية وكسر الذال ويجوز ان يكون بفتح المثناه وفتح الذال محذوف إحدى التاءين فان رسول الله هو مولى غنيكم وفقيركم وان الصدقه لا تحل لمحمد ولا لاهل بيته انما هى زكاه يزكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل وان مالكا قد بلغ الخبر وحفظ الغيب وامركم به خيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ومنها وفد رسول فروه بن عمرو الجذامى وفد رسول فروه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم يخبره باسلامه واهدى له صلى الله عليه وسلم بغله بيضاء اى يقال لها فضة وحمارا يقال له يغفور و فرسا يقال لها الظرب و ثيابا وقباء مرصعا بالذهب
وكان فروه رضى الله عنه تعالى عاملا للروم على ما يليهم من العرب فلما بلغ الروم اسلامه اخذوه وحبسوه ثم ضربوا عنقه وصلبوه اى بعد ان قال له الملك ارجع عن دين محمد ونحن نعيدك الى ملكك قال لا افارق دين محمد صلى الله عليه وسلم فانك تعلم ان عيسى عليه السلام بشر به ولكنك تظن بملكك
ومنها وفد بنى الحارث بن كعب بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه الى بني الحارث بن كعب بنجران و امره ان يدعوهم الى الاسلام قبل ان يقاتلهم وقال له ان استجابوا فاقبل منهم وان لم يفعلوا فقاتلهم فخرج خالد رضى الله تعالى عنه حتى قدم عليهم فبعث الركبان يضربون فى كل وجه ويدعون الى الاسلام ويقولون ايها الناس أسلموا تسلموا فاسلموا فقام فيهم خالد بن الوليد رضى الله عنه تعالى عنهم يعلمهم الاسلام اى شرائعه وكتب الى رسول صلى الله عليه وسلم بذلك فكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقبل ويقبل معه وفدهم فاقبل رضى الله تعالى عنه ومعه وفدهم وفيهم قيس بن الحصين ذو الغصه بالغين المعجمه اى لانه كان فى حلقه غصه لايكاديبين الكلام منها وهى صفه لابيه الحصين وربما وصف بها قيس قال فى النور ويحتمل ان يقال له ذو الغصه وابن ذى الغصه لانه واباه كانت بهما الغصه وفيه بعد


وحين اجتمعوا به صلى الله عليه وسلم قال لهم بما كنتم تغلبون من قاتلكم فى الجاهليه قالوا كنا نجتمع ولا نفترق ولا نبدا احدا بظلم قال صدقتم وامر عليهم صلى الله عليه وسلم زيد بن الحصين ولم يمكثوا بعد رجوعهم الى قومهم إلا أربعه اشهر حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومنها أنه وفد عليه صلى الله عليه وسلم رفاعة بن زيد الخزاعي وفد رفاعة بن زيد الخزاعي بالخاء المعجمة والزاي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما فأسلم وحسن إسلامه وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا إلى قومه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لرفاعة بن زيد إني بعثته إلى قومه عامة ومن دخل فيهم يدعوهم إلى الله وإلى رسوله فمن أقبل منهم ففي حزب الله وحزب رسوله ومن أدبر فله أمان شهرين فلما قدم رفاعة رضي الله تعالى عنه على قومه أجابوا وأسلموا
ومنها وفد همدان وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع من همدان فيهم مالك ابن نمط كان شاعرا مجيدا فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك عليهم مقطعات من الحبرات بكسر الحاء المهملة ثياب قصار وقيل مخططة من برود اليمن والعمائم العدنية نسبة إلى عدن مدينة باليمن سميت بذلك لأن تبعا كان يحبس فيها أرباب الجرائم وفدوا اليه صلى الله عليه وسلم على الرواحل المهرية والأرحبية والمهرية نسبة إلى قبيلة يقال لها مهرة باليمن والأرحبية نسبة إلى أرحب وصار مالك بن نمط يرتجز إي يقول الرجز بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول ** إليك جاوزنا سواد الريف ** في هبوات الصيف والخريف ** ** مخطمات بحبال الليف
ومن شعره ** حلفت برب الراقصات إلى منى ** صوادر بالركبان من هضب قردد ** ** بأن رسول الله فينا مصدق ** رسول أتى من عند ذي العرش مهتد ** ** فما حملت من ناقة فوق رحلها ** أشد على أعدائه من محمد **
وقد أمره صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه وأمره بقتال ثقيف فكان لا يخرج لهم سرج إلا أغار عليه كذا في الأصل
وفي الهدى روى البيهقي بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد

ابن الوليد رضي الله تعالى عنه إلى من ذكر يدعوهم إلى الاسلام فأقام ستة أشهر يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه ثم إنه صلى الله عليه وسلم بعث عليا كرم الله وجهه وأمر خالدا بالرجوع إليه وأن من كان مع خالد إن شاء بقي معي علي وإن شاء رجع مع خالد فلما دنا من القوم خرجوا إليه فصف علي كرم الله وجهه أصحابه صفا واحدا ثم تقدم بين أيديهم وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا جميعا وكتب بذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه ثم قال السلام على همدان السلام على همدان وهذا أصح لأن همدان لم تكن تقاتل ثقيفا فإن همدان باليمن وثقيفا بالطائف
أي وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال نعم الحي همدان ما أسرعها إلى النصر وأصبرها على الجهد وفيهم أبدال وفيهم أوتاد
ومنها وفد تجيب أي بضم المثناة فوق وتحيته ويجوز الفتح وهي قبيلة من كندة وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد تجيب وقد كانوا ثلاثة عشر رجلا وقد ساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرض الله عليهم فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وأكرم مثواهم وقالوا يا رسول الله إنا سقنا اليك حق الله في اموالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ردوها فاقسموها على فقرائكم قالوا يا رسول الله ما قدمنا عليك إلا بما فضل عن فقرائنا أي وفضل بفتح الضاد وكسرها قال ابو بكر يا رسول الله ما قدم علينا وفد من العرب مثل هذا الوفد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الهدى بيد الله عز وجل فمن أراد به خيرا شرح صدره للإيمان وجعلوا يسألونه عن القرآن والسنن فازداد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم رغبة وأرادوا الرجوع إلى أهليهم فقيل لهم ما يعجلكم قالوا نرجع إلى من وراءنا فنخبرهم برؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلاقينا إياه وما ورد علينا ثم جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فودعوه فأرسل إليهم بلالا فأجازهم بأرفع ما كان يجيز به الوفود ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هل بقي منكم أحد قالوا غلام خلفناه على رحالنا وهو أحدثنا سنا قال فأرسلوه إلينا فأرسلوه فأقبل الغلام حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله أنا من الرهط الذين أتوك آنفا فقضيت حوائجهم فاقض حاجتي قال وما حاجتك قال تسأل الله عز وجل أن يغفر لي ويرحمني ويجعل غناي في قلبي فقال رسول الله

صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر له وارحمه واجعل غناه في قلبه ثم أمر له صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه
ثم إنهم بعد ذلك وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى في الموسم إلا ذلك الغلام فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل الغلام الذي أتاني معكم قالوا يا رسول الله ما رأينا مثله قط ولا حدثنا بأقنع منه بما رزقه الله لولا أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر نحوها ولا التفت اليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله إني لأرجو أن يموت جميعا فقال رجل منهم او ليس يموت الرجل جميعا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تشعب أهواؤه وهمومه في أودية الدنيا فعل الأجل يدركه في بعض تلك الأودية فلا يبال الله عز وجل في أيها هلك
ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع من رجع من أهل اليمن عن الإسلام قام ذلك الغلام في قومه فذكرهم الله والإسلام فلم يرجع منهم أحد وجعل أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه يذكر ذلك الغلام ويسأل عنه ولما بلغه ما قام به كتب إلى زياد بن الوليد أي وكان واليا على حضرموت يوصيه به خيرا
ومنها وفد بن ثعلبة وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من الجعرانة أربعة نفر من بني ثعلبة أي مقرين بالإسلام فإذا رسول اله صلى الله عليه وسلم قد خرج من بيته ورأسه يقطر ماء قال بعضهم فرمى ببصره إلينا فاسرعنا إليه وبلال يقيم الصلاة فسلمنا عليه وقلنا يا رسول الله إنا رسل من خلفنا من قومنا ونحن مقرون بالإسلام وقد قيل لنا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا إسلام لمن لا هجرة له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حيثما كنتم واتقيتم الله فلا يضركم أي ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا الظهر ثم انصرف إلى بيته فلم يلبث أن خرج الينا فدعا بنا فقال كيف بلادكم فقلنا مخصبون فقال الحمد لله فأقمنا أياما وضايفته صلى الله عليه وسلم تجري علينا ثم لما جاءوا يودعونه صلى الله عليه وسلم قال لبلال أجزهم فأعط كل واحد منهم خمس أواق فضة أي والأوقية اربعون درهما
ومنها وفد بني سعد هذيم من قضاعة عن النعمان رضي الله تعالى عنه قال قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وافدا في نفر من قومي وقد اوطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم البلاد أي جعلها موطأة فهرا وغلبة وأزاح العرب أي استولى عليها

والناس صنفان إما داخل في الإسلام راغب فيه وإما خائف السيف فنزلنا ناحية من المدينة ثم خرجنا نؤم المسجد حتى أنتهينا إلى بابه فنجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على جنازة في المسجد أي وهو سهيل بن البيضاء لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل في مسجده على جنازة إلا عليه رضي الله تعالى عنه وما وقع له في مسلم أنه صلى الله عليه وسلم صلى فيه على سهيل وأخيه نظر فيه مع أن فقهاءنا ذكروه وأقروه فقمنا خلفه ناحية ولم ندخل مع الناس في صلاتهم وقلنا حتى يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبايعه
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلينا فدعا بنا فقال ممن أنتم فقلنا من بني سعد هذيم فقال أمسلمون أنتم قلنا نعم فقال هلا صليتم على أخيكم قلنا يا رسول الله ظننا أن ذلك لا يجوز لنا حتى نبايعك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما أسلمتم فأنتم مسلمون قال فأسلمنا وبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيدينا على الإسلام ثم انصرفنا إلى رحالنا وقد كنا خلفنا عليها أصغرنا فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبنا فأتى بنا إليه فتقدم صاحبنا فبايعه صلى الله عليه وسلم على الإسلام فقلنا يا رسول الله إنه أصغرنا وإنه خادمنا فقال صلى الله عليه وسلم سيد القوم خادمهم بارك الله عليه قال النعمان رضي الله تعالى عنه فكان والله خيرنا وأقرأنا للقرآن لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له ثم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا فكان يؤمنا فلما أردنا الانصراف أمر صلى الله عليه وسلم بلالا فأجازنا بأواق من فضة لكل رجل منا فرجعنا إلى قومنا
ومنها وفد بني فزارة وفد عليه صلى الله عليه وسلم بضعة عشر رجلا من بني فزارة فيهم خارجة بن حصن أخو عيينة بن حصن وابن أخيه الجد بن قيس بن حصن وهو أصغرهم مقرين بالإسلام وهم مسنتون أي توالى عليهم الجدب على ركائب عجاف أي هزال فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بلادهم فقال رجل منهم أي وهو خارجة أسنتت بلادنا وهلكت مواشينا وأجدب جنابنا أي ما حولنا وغرثت أي جاعت عيالنا فادع لنا ربك يغيثنا واشفع لنا إلى ربك وليشفع لنا ربك إليك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله ويلك هذا أنا أشفع إلى ربي عز وجل فمن ذا الذي يشفع ربنا اليه لا إله إلا هو العلي العظيم وسع كرسيه أي علمه كذا قيل وقيل موضع قدميه السموات والأرض أي احاط بالسموات والأرض وهو دون العرش

كما جاء به الآثار فهي تئط أي تصوت من عظمته وجلاله كما يئط الرحل بالحاء المهملة الحديث أي من ثقل الحمل
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليضحك من شغفكم وأزلكم أي شدة ضيقكم وجدبكم وقرب غيائكم فقال الأعرابي لن نعدم من رب يضحك خيرا فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وصعد صلى الله عليه وسلم المنبر فتكلم بكلمات وكان لا يرفع يديه أي الرفع البالغ في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء فرفع صلى الله عليه وسلم يديه حتى رؤى بياض إبطيه أي وفي النور وقد جوزت وجها وهو أنه عليه الصلاة والسلام كان يرفع يديه في الاستسقاء يعني ظهور كفيه إلى السماء كما في مسلم أي فيكون التقدير لا يرفع ظهور كفيه إلى السماء إلا في الاستسقاء
وأقول فيه أن هذا يقتضي أنه يفعل ذلك وإن كان استسقاؤه لطلب حصول شيء كما في دعائه صلى الله عليه وسلم في هذا الاستسقاء فإنه متضمن للحصول
وقد ذكر في النور أن ما كان الدعاء فيه لطلب شيء كان ببطون الكفين إلى السماء
والظاهر أن مستند ذلك استقراء حاله صلى الله عليه وسلم في الدعاء في الاستسقاء وغيره فليتأمل والله أعلم
ومما حفظ من دعائه صلى الله عليه وسلم اللهم أسق بقطع الهمزة ووصلها بلادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت اللهم اسقنا غيثا أي مطرا مغيثا مربعا بضم الميم وإسكان الراء وبالموحدة مكسورة وبالعين المهلمة مسرعا لإخراج الربيع مرتعا بالتاء المثناة فوق من رتعت الدابة إذا أكملت ما شاءت طبقا أي مستوعبا للأرض منطبقا عليها واسعا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار اللهم اسقنا رحمة ولا تسقنا عذابا ولا هدما ولا غرقا ولا محقا اللهم أسقنا الغيث وانصرنا على الاعداء فقام ابو لبابة رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله التمر في المرابد أي وتكرر ذلك منه صلى الله عليه وسلم ومن أبي لبابة ثلاثا مرات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اسقنا الغيث حتى يقوم ابو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده أي المحل الذي يخرج منه ماء المطر بازاره فطلعت من وراء سلع سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم امطرت فوالله ما رأينا الشمس سبتا أي من السبت إلى السبت الآخر وقام أبو لبابة رضي الله تعالى عنه عريانا يسد ثعلب مربده بازاراه لئلا يخرج التمر منه


وفي بعض الروايات فأمطرت السماء وصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طاف الأنصار بأبي لبابة رضي الله تعالى عنهم يقولون له يا أبا لبابة إن السماء والله لم تقلع حتى تقوم عريانا تسد ثعلب مربدك بازارك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام ابو لبابة رضي الله تعالى عنه عريانا يسد ثعلب مربده بازاره فأقلعت السماء وحينئذ يكون قول الراوي لئلا يخرج منه التمر بحسب ما فهم ويكون قول الصحابة فوالله ما رأينا الشمس سبتا كان في قصة غيرها فخلط بعض الرواة فجاء ذلك الرجل أو غيره والذي في الصحيح أنه الرجل الأول
وذكر بعض الحفاظ أنه خارجة بن حصن فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فدعا ورفع يديه حتى رؤى بياض إبطيه وهو أي بياض الإبط معدود من خصائصه صلى الله عليه وسلم ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم علي الإكام بكسر الهمزة جمع أكمة وهي التل المرتفع والظراب بكسر الظاء المشالة جمع ظرب بفتحها الروابي الصغار وبطون الأودية ومنابت الشجر فانجابت السحابة أي أقلعت عن المدينة انجياب الثوب
أقول لعل هذا المطر كان عاما للمدينة وما حولها حتى وصل إلى محل هؤلاء الوفد وإلا فهم إنما طلبوا حصول المطر لمحلهم ولا يلزم من وجوده بالمدينة وجوده بمحلهم إلا إذا كان قريبا بالمدينة بحيث إذا وجد المطر بها يوجد بمحلهم غالبا وقد أشار صاحب الهمزية رحمه الله تعالى إلى هذه القصة بقوله ** ودعا للأنام إذا دهمتهم ** سنة من مخولها شهباء ** ** فاستلهت بالغيث سبعة أيا ** م عليهم سحابة وطفاء ** ** تتحرى مواضع الرعى والسق ى وحيث العطاش توهى السقاء ** ** وأتى الناس يشتكون أذاها ** ورخاء يؤذي الأنام غلاء ** د ** فدعا فانجلى الغمام فقل في ** وصف غيث إقلاعه استسقاء ** ** ثم أثرى الثرى وقرت عيون ** بقراها وأحييت أحياء ** ** فترى الارض عنده كسماء ** أشرقت من نجومها الظلماء ** ** يخجل الدر واليواقيت من نو ** ر رباها البيضاء والحمراء **
ثم رأيت في الحدائق لابن الجوزي رحمه الله عن أنس رضي الله تعالى عنه قال أصابت

الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة فقام أعرابي فقال يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله ان يسقينا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وما في السماء قزعة سحاب فدار السحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل صلى الله عليه وسلم عن المنبر حتى رأينا المطر يتحادر على لحيته الشريفة قال فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه إلى الجمعة الأخرى فقام ذلك الأعرابي أوغيره فقال يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال ادع الله لنا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال اللهم حوالينا ولا علينا قال فما جعل يشير بيديه إلى ناحية من السماء إلا انفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجونة حتى سال الوادي شهرا فلم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود
ثم رأيت بعضهم قال أحاديث الاستسقاء ثابتة في الصحيحين وطاهرها أنه تعدد ففي بعضها أنه وقع وهو في خطبة الجمعة وفي بعضها أنه صعد المبنر حين شكى اليه فخطب ودعا
وفي بعضها أنه خرج إلى المصلى بعد أن وعد الناس يوما يخرج فيه ونصب له منبرا واستسقى وأجيبت دعوته ونزل المطر وجاء اليه صلى الله عليه وسلم أعرابي وقال له يا رسول الله أتيناك ومالنا بعير يئط ولا صغسير يغط ثم أنشد شعرا يقول فيه ** وليس لنا إلا إليك فرارنا ** وأين فرار الناس إلا إلى الرسل **
فقام صلى الله عليه وسلم وسلم يجر رداءه حتى صعد المنبر فدعا فسقى ثم قال صلى الله عليه وسلم لو كان أبو طالب حيا لقرت عيناه من ينشدنا قوله فقام علي كرم الله وجهه فقال يا رسول الله كأنك تريد قوله ** وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ** ثمال اليتامى عصمة للأرامل **
الأبيات فقال صلى الله عليه وسلم أجل
وفي رواية لما جاءه صلى الله عليه وسلم المسلمون وقالوا يا رسول الله قحط المطر ويبس الشجر وهلكت المواشي وأسنت الناس فاستسق لنا ربك فخرج صلى الله عليه وسلم والناس معه يمشون بالسكينة والوقارحتى أتوا المصلى فتقدم صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ركعتين يجهر فيهما بالقراءة وكان يقرأ في العيدين والاستسقاء في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسبح اسم ربك الأعلى وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وهل

أتاك حديث الغاشية فلما قضى صلاته استقبل الناس بوجهه وقلب رداءه لكي يتقلبه القحط إلى الخصب ثم جثى صلى الله عليه وسلم على ركبتيه ورفع يديه وكبر تكبيرة ثم قال اللهم اسقنا وأغثنا مغيثا رحيما واسعا وجدا طبقا مغدقا عاما هنيئا مريئا مربعا مرتعا وابلا سائلا مسيلا مجللا دائما دارا نافعا غير ضار عاجلا غير واب غيثا اللهم تحي به البلاد وتغيث به العباد وتجعله بلاغا للحاضر منا والباد اللهم أنزل في أرضنا زينتها وأنزل علينا سكنها اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهورا تحي به بلدة ميتا واسعة مما خلقت أنعاما وأناسى كثيرا فما برحوا حتى أقبل قزع من السحاب فالتأم بعضه إلى بعض ثم أمطرت سبعة ايام لا تقلع عن المدينة فأتاه صلى الله عليه وسلم المسلمون فقالوا قد غرقت الأرض وتهدمت البيوت وانقطعت السبل فادع الله يصرفها عنها فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر حتى بدت نواجذه تعجبا لسرعة ملالة ابن آدم ثم رفع يديه ثم قال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على رءوس الظراب ومنبت الشجر وبطون الأودية وظهور الآكام فتقشعت عن المدينة ثم قال صلى الله عليه وسلم لله در أبي طالب لو كان حيا قرت عيناه من الذي ينشدنا قوله فقام علي كرم الله وجهه فقال يا رسول الله كأنك أردت قوله فقال الابيات
ومنها وفد بني أسد وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم رهط من بني أسد منهم ضرار بن الازور ووابصة بن معبد وطليحة بن عبد الله الذي ادعى النبوة بعد ذلك ثم أسلم وحسن إسلامه ومنهم بن عبد الله بن خلف
وقد استهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ناقة تكون جيدة للركوب والحلب من غير أن يكون له ولد معها فطلبها فلم يجدها إلا عند ابن عم له فجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلبها فشرب منها ثم سقاه ثم قال اللهم بارك فيها وفيمن منحها قال يا رسول الله وفيمن جاء بها قال وفيمن جاء بها ومنهم حضرمي بن عامر ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد مع اصحابه فسلموا عليه وقال شخص منهم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك عبده ورسوله وجئناك يا رسول الله ولم تبعث إلينا بعثا ونحن لمن وراءنا
أي وفي لفظ إن حضرمي بن عامر قال أتيناك نتدرع الليل البهيم في سنة شهباء أي ذات قحط ولم تبعث إلينا وفي رواية يا رسول الله أسلمنا ولم نقاتلك كما قاتلك العرب فأنزل

الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم { يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين }
وسألوه صلى الله عليه وسلم عما كانوا يفعلونه في الجاهلية من العيافة وهي زجر الطير والتخرص على الغيب والكهانة وهي الإخبار عن الكائنات في المسقبل وضرب الحصباء فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالوا يا رسول الله خصلة بقيت فقال وما هي قالوا الخط أي خط الرمل ومعرفة ما يدل عليه قال صلى الله عليه وسلم علمه نبي فمن صادف مثل علمه علم أي وفي رواية لمسلم فمن وافق خطه أي عم موافق خطه فذاك أي يباح له وإلا فلا يباح له إلا بتبيين الموافقة
أي وفي شرح مسلم أن محصل مجموع كلام العلماء فيه الاتفاق على النهي عنه أي لأنه لا طريق لنا إلا إلى العلم اليقيني بالموافقة وكأنه صلى الله عليه وسلم قال لو عملتم موافقته لكن لا علم لكم بها وأقاموا أياما يتعلمون الفرائض ثم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فودعوه وأمر لهم بجوائز ثم انصرفوا إلى أهليهم
ومنا وفد بني عذرة قبيلة باليمن وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلا من بني عذرة أي وسلموا بسلام الجاهلية فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من القوم فقال قائلهم من بني عذرة أي اخو قص لامه نحن الذين عضدوا قصيا وازاحوا من بطن مكة خزاعة وبني بكر فلنا قرابات وأرحام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مرحبا بكم وأهلا أي لقيتم رحبا وأتيتم أهلا فستأنسوا ولا تستوحشوا ما أعرفني بكم قال ثم قال صلى الله عليه وسلم لهم فما يمنعكم من تحية الإسلام قالوا يا محمد كنا على ما كان عليه آباؤنا فقدمنا مرتادين لأنفسنا ولقومنا وقالوا إلام تدعو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعو 2 إلى عبادة الله وحده لا شريك له وأن تشهدوا أني رسول الله إلى الناس كافة فقال متكلمهم فما وراء ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس تحسن طهورهن وتصليهن لمراقبتهن فإنه أفضل العمل ثم ذكر لهم صلى الله عليه وسلم باقي الفرائض من الصيام والزكاة والحج انتهى فأسلموا وبشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح الشام عليهم وهرب هرقل إلى ممتنع بلاده ونهاهم صلى الله عليه وسلم عن سؤال الكاهنة أي فقد قالوا يا رسول الله إن فينا امرأة كاهنة قريش والعرب يتحاكمون اليها أفنسألها عن أمور فقال صلى الله عليه وسلم

لا تسألوها عن شيء ونهاهم صلى الله عليه وسلم عن الذبائح التي كانوا يذبحونها الى اصنامهم وقالوا نحن أعوانك وأنصارك ثم انصرنوا وقد اجيزوا أي وكسا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدهم دابر
ومنها وفد بني بلى على وزن على مكبرا وهو حي من قضاعة وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد من بلى منهم وهو شيخهم أبو الضبيب تصغير الضب الدابة المعروفة نزلوا على رويفع بن ثابت البلوي وقدم بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له هؤلاء قومي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مرحبا بك وبقومك فاسلموا وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي هداكم للإسلام فمن مات منكم على غير الإسلام فهو في النار
قال وفي رواية عن رويفع رضي الله عنه قال قدم وفد قومي فأنزلتهم علي ثم خرجت بهم حتى انتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه فسلمنا عليه فقال صلى الله عليه وسلم رويفع فقلت لبيك قال من هؤلاء القوم قلت قومي يا رسول الله قال مرحبا بك وبقومك قلت يارسول الله قدموا وافدين عليك مقرين بالإسلام وهم على من وراءهم من قومهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يهديه للإسلام فتقدم شيخ الوفد أبو الضبيب فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا وفدنا إليك لنصدقك ونشهد أنك نبي حق ونخلع ما كنا نعبد وكان يعبد آباءؤنا فقال صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي هداكم للإسلام فكل من مات على غير الإسلام فهو في النار انتهى وقال له ابو الضبيب يا رسول الله إن لي رغبة في الضيافة فهل لي في ذلك أجر قال نعم وكل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقه فقال يارسول الله ما وقت الضيافة قال ثلاثة أيام فما بعد ذلك صدقه ولا يحل للضيف أن يقيم عندك فيحوجك أي يضيق عليك أي وفي لفظ فيؤثمك أي يعرضك للإثم أي تتكلم بسيء القول قال يا رسول الله أرأيت الضالة من الغنم أجدها في الفلاة من الأرض قال هي لك أو لأخيك أو للذئب قال فالبعير قال مالك وله دعه حتى يجده صاحبه قال رويفع ثم قاموا فرجعوا إلى منزلي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي منزلي يحمل تمرا فقال استعن بهذا التمر فكانوا يأكلون منه ومن

غيره فأقاموا ثلاثة أيام ثم ودعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجازهم ورجعوا إلى بلادهم
ومنها وفد بني مرة وفد عليه صلى الله عليه وسلم وسلم ثلاثة عشر رجلا من بني مرة رأسهم الحارث بن عوف فقال يا رسول الله إنا قومك وعشيرتك نحن قوم من بني لؤي ابن غالب فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للحارث أين تركت أهلك فقال بسلاح وما والاها فقال كيف البلاد فقال والله إنا لمسنتون وما في المال مح أي صوت يردده فادع الله لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اسقهم الغيث فأقاموا أياما ثم أرادوا الانصراف إلى بلادهم فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مودعين له فأمر بلالا أن يجيزهم فأجازهم بعشرة أواق من فضة وفضل الحارث ابن عوف فأعطاه اثني عشر اوقية أي وهذا يفيد أن كل واحد أعطى عشر أواق ورجعوا إلى بلادهم فوجدوا البلاد مطيرة فسألوا قومهم متى مطرتم فإذا هو ذلك اليوم الذي دعا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم واخصبت لهم بعد ذلك بلادهم
ومنها وفد خولان وهي قبيلة من اليمن وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة من خولان فقالوا يا رسول الله نحن على من وراءنا من قومنا ونحن مؤمنون بالله عز وجل مصدقون برسوله وقد ضربنا إليك آباط الإبل وركبنا حزون الأرض وسهولها وحزون كفلوس وهو ما غلظ منها والمنة لله ولرسوله علينا وقدمنا زائرين لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ما ذكرتم من مسيركم إلي فإن لكم بكل خطوة خطاها بعير أحدكم حسنة وأما قولكم زائرين لك فإنه من زارني بالمدينة كان في جواري يوم القيامة فقالوا يا رسول الله هذا السفر الذي لا توى عليه أي والتوى بفتح المثناة فوق وفتح الواو مقصورا هو هلاك المال ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل عم أنس وهو صنم خولان الذي كانوا يعبدونه قالوا بشر بدلنا الله تعالى ما جئت به وقد بقيت منا بقايا شيخ كبير وعجوز كبيرة متمسكون به ولو قدمنا عليه هدمناه إن شاء الله تعالى فقد كنا منه في غرور وفتنة فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وما اعظم ما رأيتم من فتنة قالوا لقد رأيتنا بضم المثناة فوق واسنتنا حتى أكلنا الرمة فجمعنا ما قدرنا عليه وابتعنا مائة ثور ونحرناها لعم أنس قربانا في غداة واحدة وتركناها يردها السباع ونحن أحوج اليها من السباع فجاءنا الغيث من

ساعتنا لقد رأينا الغيث يواري الرحال ويقول قائلنا أنعم علينا عم أنس وذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يقسمون لهذا الصنم من أموالهم من إنعامهم وحرثهم فقالوا كنا نزرع الزرع فنجعل له وسطه فنسميه له ونسمى زرعا آخر حجرة أي ناحية الله فإذا مالت الريح بالذي سميناه له أي لله جعلناه لعم أنس وإذا مالت الريح بالذي سميناه لعم أنس لم نجعله الله فذكر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أنزل علي في ذلك { وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا } الآية قالوا وكنا نتحاكم إليه فيتكلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الشياطين تكلمكم وسألوه صلى الله عليه وسلم عن فرائض الله فأخبرهم بها صلى الله عليه وسلم وأمرهم بالوفاء بالعهد وأداء الأمانة وحسن الجوار لمن جاوروا وأن لا يظملوا أحدا فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ثم ودعوه صلى الله عليه وسلم بعد أيام وأجازهم أي أعطى كل واحد اثنتي عشرة أوقية ونشا ورجعوا إلى قومهم فلم يحلوا عقدة حتى هدموا عم أنس
ومنها وفد بني محارب وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة من بني محارب وفيهم خزيمة بن سواد وكانوا أغلظ العرب وأشدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام عرضه نفسه على القبائل في المواسم يدعوم إلى الله تعالى فجلسوا عنده يوما من الظهر إلى العصر وأدام صلى الله عليه وسلم النظر إلى رجل منهم وقال له قد رأيتك فقال له ذلك الرجل إي والله رأيتني وكلمتك بأقبح الكلام ورددتك بأقبح الرد بعكاظ وأنت تطوف على الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم ثم قال يا رسول الله ما كان في أصحابي اشد عليك يومئذ ولا أبعد عن الإسلام مني فأحمد الله الذي جاء بي حتى صدقت بك ولقد مات أولئك النفر الذين كانوا معي على دينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذه القلوب بيد الله عز وجل فقال يا رسول الله استغر لي من مراجعتي إياك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا الإسلام يجب ما قبله يعني الكفر أي ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه خزيمة بن سواد فصارت له غرة بيضاء وأجازهم كما يجيز الوفود ثم انصرفوا إلى أهليهم
ومنا وفد صداء حي من عرب اليمن وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر رجلا من صداء
وسبب ذلك أنه صلى الله عليه وسلم هيأ بعثا أربعمائة من المسلمين استعمل عليهم قيس

ابن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنهم ودفع له لواء أبيض ودفع إليه راية سوداء وأمره ان يطأ ناحية من اليمن كان فيها صداء فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل منهم وعلم بالجيش فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله جئتك وافدا على من ورائي فاردد الجيش وأنا لك بقومي فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم قيس بن سعد رضي الله تعالى عنهما وخرج الصدائي إلى قومه فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم بأولئك القوم فقال سعد بن عبادة يا رسول الله دعهم ينزلون علي فنزلوا عليه فحباهم بالموحدة أعطاهم وأكرمهم وكساهم ثم ذهب بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام وقالوا له نحن لك على من وراءنا من قومنا فرجعوا إلى قومهم ففشا فيهم الإسلام فوافى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائة رجل في حجة الوداع وسمى ذلك الرجل الذي كان سببا في رد الجيش ومجيء الوفد بزياد بن الحارث الصدائي أي وذكر زياد أنه صلى الله عليه وسلم قال له يا أخا صداء إنك لمطاع في قومك قال فقلت بلى من من الله عز وجل ومن رسوله قال وفي رواية بل الله هداهم للإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا أؤمرك عليهم فقلت بلى يا رسول الله فكتب لي كتابا بذلك فقلت يا رسول الله مر لي شيء من صدقاتهم قال نعم فكبت لي كتابا آخر انتهى
قال زياد رضي الله تعالى عنه وكنت معه صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وكنت رجلا قويا فلزمت غرزة أي ركابه وجعل أصحابه يتفرقون عنه فلما كان السحر قال صلى الله عليه وسلم أذن يا أخا صداء فأذنت على راحلتي ثم سرنا حتى نزلنا فذهب صلى الله عليه وسلم لحاجته ثم رجع فقال يا أخا صداء هل معك ماء قلت معي شيء في إداوتي أي وهي إناء من جلد صغير وفي رواية لا إلا شيء قليل لا يكفيك قال هاته فجئت به قال صب نصببت ما في الإداوة في القعب أي وهو القدح الكبير وجعل أصحابه صلى الله عليه وسلم يتلاحقون ثم وضع صلى الله عليه وسلم كفه في الإناء فرأيت بين كل اصبعين من أصابعه عينا تفور ثم قال يا أخا صداء لولا اني أستحي من ربي عز وجل لسقينا وأسقينا أي من غير اصل ثم توضأ وقال أذن في أصحابي من كانت له حاجة في الوضوء بفتح الواو فليرد قال فورد الناس من آخرهم ثم جاء بلال يقيم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أخا صداء

أذن ومن أذن فهو يقيم فأقمت ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا فلما سلم يعني من صلاته قام رجل يشكو من عامله فقال يا رسول الله إنه آخذنا بذحول كانت بيننا وبين قومه في الجاهلية أي وفي رواية آخذنا بكل شيء كان بيننا وبين قومه في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا خير في الإمارة لرجل مسلم ثم قام رجل آخر فقال يا رسول الله أعطني من الصدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل لم يكل قسمتها إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل حتى جزأها ثمانية أجزاء فإن كنت جزءا منها أعطيتك إن كنت غنيا عنها فإنما هي صداع في الرأس وداء في البطن فقلت يا رسول الله هذان كتاباك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم قلت إني سمعتك تقول لا خير في الإمارة لرجل مسلم وأنا رجل مسلم وسمعتك تقول من سأل الصدقة وهو عنها غني فإنما هي صداع في الرأس وداء في البطن وأنا غني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إن الذي قلت كما قلت ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دلني على رجل من قومك أستعمله فدللته صلى الله عليه وسلم على رجل منهم فاستعمله قلت يا رسول الله إن لنا بئرا إذا كان الشتاء كفانا ماؤها وإن كان الصيف قل علينا فتفرقنا على المياه والإسلام فينا قليل ونحن نخاف فادع الله عز وجل لنا في بئرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ناولني سبع حصيات فناولته ففكرهن في يده الشريفة ثم دفعهن إلي وقال إذا انتهيت إليها فألق فيها حصاة حصاة وسم الله قال ففعلت فما أدركنا لها قعرا حتى الساعة
ومنا وفد غسان اسم ماء نزل عليه قوم من الأزد فنسبوا اليه ومنهم بنو حنيفة وقيل غسان قبيلة
وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر من غسان فأسلموا وقالوا لا ندري هل يتبعنا قومنا أم لا وهم يحبون بقاء ملكهم وقربهم من قيصر فأجازهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجوائز وانصرفوا راجعين إلى قومهم فلما قدموا عليهم ولم يستجيبوا لهم كتموا إسلامهم
ومنها وفد سلامان بفتح السين وتخفيف اللام وفي العرب بطون ثلاثة منسوبون إليه بطن من الأزد وبطن من طيء وبطن من قضاعة وهم هؤلاء

وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة نفر من سلامان فيهم خبيب بن عمرو السلاماني فأسلموا
قال وعن خبيب رضي الله تعالى عنه صادفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا من المسجد إلى جنازة دعى إليها فقلنا السلام عليك يا رسول الله فقال وعليكم السلام من أنتم قلنا نحن من سلامان قدمنا إليك لنبايعك على الإسلام ونحن على من وراءنا من قومنا فالتفت صلى الله عليه وسلم إلى ثوبان غلامه فقال أنزل هؤلاء وسألنا عن اشياء انتهى
قال خبيب رضي الله تعالى عنه قلت يا رسول الله ما أفضل الأعمال قال الصلاة في وقتها وصلوا معه صلى الله عليه وسلم يؤمئذ الظهر والعصر ثم شكوا له صلى الله عليه وسلم جدب بلادهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اسقهم الغيث في دارهم فقلت يا رسول الله ارفع يديك فإنه أكثر وأطيب فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه ثم قام صلى الله عليه وسلم وقمنا معه وأقمنا ثلاثة أيام وضيافته صلى الله عليه وسلم تجري علينا ثم ودعناه وأمر لنا بجوائز فأعطينا خمس أواق فضة لكل واحد واعتذر إلينا بلال رضي الله تعالى عنه وقال ليس عندنا اليوم مال فقلنا ما أكثر هذا وأطيبه ثم رجعنا إلى بلادنا فوجدناها قد مطرت في اليوم الذي دعا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومنا وفد بني عبس وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة من نبي عبس فقالوا يا رسول الله قدم علينا قراؤنا فأخبرونا أنه لا إسلام لمن لا هجرة له ولنا أموال ومواش هي معاشنا فإن كان لا إسلام لمن لا هجرة له بعناها وهاجرنا من آخرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتقوا الله حيث كنتم فلن يلتكم أي ينقصكم من أعمالكم شيئا وسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خالد بن سنان هل له عقب فأخبروه أنه لا عقب له كانت له ابنة فانقرضت وأنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه عن خالد بن سنان وقال إنه نبي ضيعه قومه وجاء ليس بيني وبين عيسى عليه الصلاة والسلام نبي
أي وإذا صح شيء من الأحاديث التي ذكر فيها خالد بن سنان أو غيره يكون

معناه لم يكن بينه صلى الله عليه وسلم وبين عيسى عليه السلام نبي مرسل أي وتقدم ما في ذلك
ومنها وفد النخع أي بفتح النون والخاء المعجمة قبيلة من اليمن وهم آخر الوفود وكان وفودهم سنة إحدى عشرة في النصف من المحرم
وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مائتا رجل من النخع مقرين بالإسلام وقد كانوا بايعوا معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه فقال رجل منهم يقال له زرارة بن عمرو يا رسول الله إني رأيت في سفري هذا عجبا أي وفي رواية رأيت رؤيا هالتني قالو ما رأيت قال رأيت أتانا نركبها في الحي ولدت جديا أي وهو ولد المعز اسقع أحوى أي والأسقع الذي سواده مشرب بحمرة والأحوى الذي ليس شديد السواد ومن ثم فسر بالأخضر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تركت أمة لك مصرة لك على حمل قال نعم قال فإنها تلد غلاما وهو ابنك قال يا رسول الله فماله أسقع أحوى قال ادن مني فدنا منه فقال هل بك برص تكتمه قال فوالذي بعثك بالحق ما علم به احد ولا أطلع عليه غيرك قال هو ذاك قال يا رسول الله ورايت النعمان بن المنذر أي وهو ملك العرب وعليه قرطان والقرط ما يكون في شحمة الأذن ودملجان بضم الدال المهملة وضم اللام وفتحها ومسكتان بضم الميم وسكون المهملة قال ذاك ملك العرب رجع إلى أحسن زيه وبهجته قال يا رسول الله ورايت عجوزا شمطاء أي يخالط شعر رأسها الأبيض شعر أسود خرجت من الأرض قال تلك بقية الدنيا وقال ورأيت نارا خرجت من الأرض فحالت بني وبين ابن لي يقال له عمرو وهي تقول لظى لظى بصير وأعمى أطعموني أكلكم أهلكم ومالكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك فتنة تكون في آخر الزمان قال يا رسول الله وما الفتنة قال يقتل الناس إمامهم ويشتجرون اشتجار أطباق ا لرأس ويشتجرون بالشين المعجمة وبالجيم أي يشتبكون في الفتنة اشتباك أطباق الراس وخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصبعيه يحسب المسيء فيها أنها محسن ويكون دم المؤمن عند المؤمن أسهل أي وفي لفظ أحلى من شرب الماء البارد وإن مات ابنك أدركت الفتنة وإن مت أنت أدركها ابنك فقال يا رسول الله أني لا أدركها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم لا يدركها فمات وبقي ابنه عمرو ولم يجتمع به صلى الله عليه وسلم فهو تابعي وكان ممن خعل عثمان رضي الله تعالى عنه


قال وفي رواية أن النخع بعث رجلين منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم أرطاه بن شرحبيل من بني حارثة والأرقم من بني بكر فلما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرض عليهما الاسلام فقبلاه فبايعاه على قومهما وأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم شانهما وحسن هيئتهما وقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم هل خلفتما وراءكما من قوكما مثلكما قالا لا يا رسول الله قد خلفنا وراءنا من قومنا سبعين رجلا كلهم أفضل منا وكلهم يقطع الأمر وينفذ الأشياء ما يشاء فدعا لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقومهما بخير وقال اللهم بارك في النخع
وعقد صلى الله عليه وسلم وسلم لأرطاة لواء على قومه فكان في يده يوم الفتح وشهد به القادسية وقتل يومئذ رضي الله تعالى عنه ا هـ
وقوله وكان في يده يوم الفتح لا يناسب ما تقدم أن وفد النخع كان قدومه في سنة إحدى عشرة إلا أن يقال إن هذين وفدا قبل وفود ذلك الجمع
وقد ترك الأصل التعرض لجملة الوفود وذكرت في السيرة العراقية والسيرة الهشامية تركناها تبعا للأصل
منها أن عمرو بن مالك وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم ثم رجع إلى قومه فدعاهم إلى الإسلام فقالوا حتى نصيب من بني عقيل مثل ما أصابوا منا فكان بينهم وبين بني عقيل مقتلة وكان عمرو بن مالك هذا من جملة من قاتل معهم فقتل رجلا من بني عقيل قال عمرو فشددت يدي في غل وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغه ما صنعت فقال صلى الله عليه وسلم إن أتاني لأضرب ما فوق الغل من يده فلما جئت سلمت فلم يرد علي السلام وأعرض عني فأتيته عن يمينه فاعرض عني فأتيته عن يساره فأعرض عني فأتيه من قبل وجهه فقلت يا رسول الله إن الرب عز وجل ليترضى فيرضى فارض عني رضي الله تعالى عنك قال رضيت
وتقدم أنه قد جاء في الصحيح لا أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين ولا أحد أحب اليه المدح من الله من أجل ذلك مدح نفسه ولا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن والله اعلم

& باب بيان كتبه صلى الله عليه وسلم التي أرسلها الى الملوك يدعوهم إلى الإسلام
أي في الغالب وإلا فمنها ما ليس كذلك وهذه غير كتبه صلى الله عليه وسلم التي كتبها بالامان التي تقدم ذكرها
أي ولما أراد صلى الله عليه وسلم أن يكتب للملوك قيل له يا رسول الله إنهم لا يقرءون كتابا إلا إذا كان مختوما أي ليكون في ذلك إشعار بأن الاحوال المعروضة عليهم ينبغي أن تكون مما لا يطلع عليها غيرهم وفيه أن هذا واضح إذا كان الختم عليها بعد طيها ويجعل عليها نحو شمع ويختم فوق ذلك والظاهر أن ذلك لم يكن وحينئذ يكون الغرض من ذلك أمن التزوير لبعده مع الختم فاتخذ صلى الله عليه وسلم خاتما من فضة أي بعد أن اتخذ خاتما من ذهب فاقتدى به صلى الله عليه وسلم ذوو اليسار من أصحابه فصنعوا خوايتم من ذب ولما لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لبس أصحابه رضي الله تعالى عنهم خواتيمهم فجاءه جبريل عليه السلام بعد من الغد بأن لبس الذهب حرام على ذكور أمتك فطرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الخاتم فطرح أصحابه خواتيمهم كان نقش خاتمه الفضة ثلاثة أسطر محمد سطر ورسول سطر والله سطر
وفي حديث موضوع كان نقش خاتمه صدق الله وفي رواية شاذة أنه بسم الله محمد رسول الله والأسطر الثلاثة تقرا من أسفل إلى فوق فمحمد آخر الأسطر ورسول في الوسط الله فوق كذا قال بعض أئمتنا
قال في النور والذي يظهر لي أن هذه الكتابة كانت مقلوبة حتى إذا ختم بها يختم على الاستواء كما في خواتم الكبراء اليوم وختم صلى الله عليه وسلم بذلك الخاتم الكتب وكان في يده الشريفة ثم في يد ابي بكر ثم في يد عمر ثم في يد عثمان رضي الله تعالى عنهم حتى وقع في بئر أريس في السنة التي توفي فيها عثمان رضي الله تعالى عنه فالتمسوه ثلاثة ايام فلم يجدوه
وذكر أن هذا الخاتم الذي كان في يده صلى الله عليه وسلم ثم في يد أبي بكر ثم في يد عمر ثم في يد عثمان رضي الله تعالى عنهم كان الخاتم الحديد الذي كان ملويا عليه الفضة

وأنه الذي كان في يد خالد بن سعيد فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما نقش هذا الخاتم قال محمد رسول الله قال اطرحه إلي فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان في يده ثم في يد أبي بكر الحديث
وعن أنس رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم لبس خاتم فضة فصه حبشي أي من جذع لأنه يؤتى به من بلاد الحبشة وقيل صنف من الزبرجد وأنه الذي نقش فيه محمد رسول الله وفي لفظ فصه منه وفي لفظ فصه من عتيق
أي ولا ينافي ذلك وصفه بانه حبشي لأن العقيق يؤتى به من بلاد الحبشة ولم يرد أنه صلى الله عليه وسلم لبس خاتما كله عقيق وفي الحديث تختموا بالعقيق فإنه مبارك تختموا بالعقيق فإنه ينفى الفقر
قيل وكان خاتمه صلى الله عليه وسلم في خنصر يده اليسرى وهو المروي عن عامة الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين
وقيل كان في خنصر يمينه صلى الله عليه وسلم وهو قول أبن عباس رضي الله تعالى عنهما وطائفة ومنهم عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه وقبض والخاتم في يمينه قال بعضهم وهذا وراه عبيدة بن القاسم وهو كذاب أي وهو يخالف ما جمع به البغوي بأنه تختم أولا في يمينه ثم تختم به في يساره وكان ذلك آخر الأمرين وروى أشعب الطامع عن عبد الله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتختم في اليمنى
قال الإمام النووي رحمه الله التختم في اليمين أو اليسار كلاهما صح فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنه في اليمين أفضل لأنه زينة واليمين بها أولى هذا كلامه أي ولأن ابن أبي حاتم نقل عن أبي زرعة أنه كان في يمينه صلى الله عليه وسلم أكثر منه في يساره وكان يجعل فصه مما يلي كفه وتقدم أن الخاتم الذي لبسه صلى الله عليه وسلم يوما ألقاه كان من الذهب وقيل كان ذلك الخاتم من حديد
وقال قال صلى الله عليه وسلم للابس خاتم الحديد مالي ارى عليك حلية أهل النار فطرحه ولعله لكون سلاسل أهل النار وأغلالهم وقيودهم من حديد أي ثم جاء وعليه خاتم من صفر أي من نحاس فقال مالي أجد فيك ريح الأصنام ولعل الاصنام كانت تتخذ من نحاس غالبا ثم أتاه وعليه خاتم من ذهب فقال مالي أرى عليك حلية أهل الجنة

أي المختص إباحتها بأهل الجنة في الجنة قال يا رسول الله من أي شيء أتخذه قال من ورق ولا تتمه مثقالا أي وزن مثقال لكن في رواية أبي داود ولا تتمه مثقالا ولا قيمة مثقال وهي تفيد أن الخاتم كان دون مثقال وزنا لكن بلغ بالصنعة قيمة مثقال كان منهيا عنه
وفي الحديث ما طهر الله كفا فيه خاتم من حديد وهو يفيد كراهة لبس الخاتم الحديد
وفي كلام الشمس العلقمى ولا يكره كونه من نحود حديد ونحاس لحديث الشيخين التمس ولو خاتما من حديد فليتأمل
وعند عزمه صلى الله عليه وسلم على إرسال الكتب وتكلم مع اصحابه في ذلك خرج على أصحابه يوما فقال ايها الناس إن الله بعثني رحمة وكافة فأدوا عني رحمكم الله ولا تختلفوا علي كما اختلف الحواريون على عيسى بن مريم عليه السلام يا رسول الله قال دعاهم لمثل ما دعوتكم له فأما من بعثه مبعثا قريبا فرضى وسلم وأما من بعثه مبعثا بعيدا فكره وأبى فشكا ذلك عيسى عليه السلام إلى ربه عز وجل فاصبحوا وكل رجل منهم يتكلم بلغة القوم الذي وجه إليهم
ذكر كتباه صلى الله عليه وسلم إلى قيصر المدعو هرقل ملك الروم على يد دحية الكلبي رضي الله تعالى عنه والدحية بلسان اليمن الرئيس
وقيصر معناه في اللغة البقير لانه شق عنه لأن أم قيصر ماتت في المخاص فشق عنه وأخرج فسمي قيصر وكان يفتخر بذلك ويقول لم أخرج من فرج أي لأن كل من ملك الروم يقال له قيصر
كتب صلى الله عليه وسلم كتابا لقيصر يدعوه إلى الاسلام وبعث به دحية الكلبي رضي الله تعالى عنه وأمره أن يدفعه إلى قيصر ففعل كذلك أي بعد أن قال صلى الله عليه وسلم من ينطلق بكتابي هذا فيسير إلى هرقل وله الجنة

وقيل أمر صلى الله عليه وسلم دحية أن يدفعه إلى عظيم بصرى وهو الحارث ملك غسان ليدفعه إلى قيصر
ولما انتهى دحية رضي الله تعالى عنه إلى الحارث أرسل معه عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه ليوصله إلى قيصر فذهب به إليه فقال قومه لدحية رضي الله تعالى عنه إذا رأيت الملك فاسجد له ثم لا ترفع رأسك أبدا حتى يأذن لك
قال دحية رضي الله تعالى عنه لا أفعل هذا أبدا ولا أسجد لغير الله قالوا إذن لا يؤخذ كتابك فقال له رجل منهم أنا أدلك على أمر يؤخذ فيه كتابك ولا تسجد له فقال دحية رضي الله تعالى عنه وما هو فقال إن له على كل عتبة منبرا يجلس عليه فضع صحيفتك تجاه المنبر فإن أحدا لا يحركها حتى يأخذها هو ثم يدعو صاحبها ففعل فلما أخذ قيصر الكتاب وجد عليه عنوان كتاب العرب فدعا الترجمان الذي يقرا بالعربية ثم قال انظروا لنا من قومه أحدا نسأله عنه وكان أبو سفيان بن حرب رضي الله تعالى عنه بالشام أي بغزة مع رجال من قريشس في تجارة زمن هدنة الحديبية أي وكان أولها في ذي القعدة سنة ست
وقيل كتب إليه صلى الله عليه وسلم من تبوك وذلك في السنة التاسعة وجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم لقيصر مرتين والأول ما هو في الصحيحين والثاني قاله السهيلي واستدل له بخبر في مسند الإمام أحمد أي وأغرب من قال إن الكتابة له كانت سنة خمس
قال ابو سفيان فأتانا رسول قيصر أي وهو والي شرطته فانطلق بنا حتى قدمنا عليه أي في بيت المقدس فإذا هو جالس وعليه التاج وعظماء الروم حوله فقال لترجمانه أي وهو المعبر عن لغة بلغة وهو معرب وقيل اسم عربي سلهم ايهم أقرب نسبا لهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي أي وفي لفظ لهذا الرجل الذي خرج بارض العرب يزعم أنه نبي فقال ابو سفيان أنا أقربهم نسبا اليه لأنه لم يكن في الركب يومئذ من بني عبد مناف غيري أي لأن عبد مناف هو الأب الرابع له صلى الله عليه وسلم وكذا لأبي سفيان أي وزاد في لفظ ما قرابتك منه قلت هو ابن عمي فقال له ادن مني ثم أمر بأصحابي فجعلوا خلف ظهري ثم قال لترجمانه قل لاصحابه إنما قدمت هذا أمامكم سأله عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي وإنما جعلتكم خلف ظهره لتردوا عليه كذبا

إن قاله أي حتى لا تستحيوا أن تشافهوه بالتكذيب إذا كذب قال ابو سفيان فوالله لولا الحياء يؤمئذ أن يردوا علي كذبا لكذبت ولكني استحيت فصدقت وانا كاره أي وفي رواية لولا مخافة أن يؤثر عني الكذب لكذبت أي لولا خفت أن ينقل عني الكذب إلى قومي ويتحدثوا به في بلادي لكذبت عليه لبغضي إياه ومحبتي نقصه وبه يعلم أن الكذب من القبائح جاهلية واسلاما ثم قال لترجمانه قل له كيف نسب هذا الرجل فيكم قلت هو مناذ ونسب قال قل له هل قال هذا القول أحد منكم قبله قلت لا قال قل له هل كنتم تتهمونه بالكذب على الناس قبل أين يقول ما قال قلت لا أي وفي رواية هل كان حلافا كذابا مخادعا في أمره لعله يطلب ملكا وشرفا كان لأحد من أهل بيته قبله قال هل كان من آبائه ملك قلت لا أي وزاد في رواية كيف عقله ورأيه قال لم نعب عليه عقلا ولا رأيا قط قال فاشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم قلت بل ضعفاؤهم أي والمراد باشراف الناس أهل النخوة واهل التكبر فلا يرد مثل أبي بكر وعمر وحمزة رضي الله عنهم ممن أسلم قبل هذا السؤال
وعند ابن اسحاق رحمه الله تعالى تبعه منا الضعفاء والمساكين والاحداث وأما ذوو الأحساب والشرف فما تبعه منهم أحد وهو محمول على الأكثر الأغلب أي الأكثر والأغلب أن أتباعه صلى الله عليه وسلم ضعفاء قال فهل يزيدون أو ينقصون قلت بل يزيدون قال فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه أي كراهة له وعدم رضا به بعد أن يدخل فيه قلت لا ولا يقال هذا منقوض بما لعبد الله بن جحش حيث ارتد ببلاد الحبشة لأنه يرتد كراهية للإسلام بل لغرض نفساني كما تقدم قال فهل يغدر إذا عاهد قلت لا ونحن الآن منه في ذمة لا ندري ما هو فاعل فيها قال فهل قاتلتموه قلت نعم قال فكيف حربكم وحربه قلت دول وسجال ندل عليه مرة أي كما في أحد ويدال علينا أخرى أي كما في بدر قد تقدم في أحد أن أبا سفيان رضي الله عنه قال يوم أحد بيوم بدر والحرب سجال أي نوب
وفي لفظ قال ابو سفيان انتصر علينا مرة يوم بدر وأنا غائب ثم غزوتهم في بيوتهم ببقر البطون وبجدع الآذان والأنوف والفروج واشار بذلك إلى يوم أحد
قال فما يأمركم به قلت يأمرنا أن نعبد الله وحده لا شريك به شيئا أي والذي

في البخاري يقول اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا وينهانا عما كان يعبد آباؤنا ويأمرنا بالصلاة والصدقة وفي لفظ والزكاة وفي لفظ جمع بين الصدق الصدقة والعفاف أي ترك المحارم وخوارم المرؤءة ويأمرنا بالوفاء بالعهد وأداء الأمانة
فقال لترجمانه قل له إني سألتك عن نسبه فزعمت أنه فيكم ذو نسب وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها وسألتك هل هذا القول قاله أحد منكم قبله فزعمت أن لا تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ماقال فزعمت أن لا فقد عرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ويكذب على الله تعالى وسألتك هل كان من آبائه ملك فقلت لا فلو كان من آبائه ملك لقلت رجل يطلب ملك أبيه وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم فقلت ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل أي لأن الغالب أن أتباع الرسل أهل الاستكانة لا أهل الاستكبار وسالتك هل يزيدون أو ينقصون فزعمت أنهم يزيدون وكذلك الإيمان حتى يتم وسألتك هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه فزعمت أن لا وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب إذا حصل به انشراح الصدور والفرح به لا يسخطه أحد وسألتك هل قاتلتموه قلت نعم وإن حربكم وحربه دول وسجال يدال عليكم مرة وتدالون عليه أخرى وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون له العاقبة وسألتك ماذا يأمركم به فزغمت أنه يأمركم بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة أي وفي البخاري وسألتك هل يغدر فذكرت أن لا وكذلك الرسل لا تغدر أي لأنها لا تطلب حظ الدنيا الذي لا يناله طالبه إلا بالغدر فعلمت أنه نبي وقد كنت أعلم أنه خارج ولكن لم أظن أنه فيكم وإن كان ما حدثني به حقا فيوشك أي يقرب أن يملك موضع قدمي هاتين
أي وذكر بعضهم أن هذا يدل على أن هذه الأشياء التي سأل عنها هرقل كانت عنده في الكتب القديمة من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم
وفيه أن هذا لا يأتي مع قوله ما تقدم إذ هو يقضي أن ذلك علامة على رسالة كل رسول ثم قال قيصر ولو أعلم أني أخلص أي أصل إليه لتجشمت أي تكلفت مع المشقة لقيه أي وفي لفظ آخر لا استطيع أن أفعل إن فعلت ذهب ملكي وقتلني الروم
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى ولا عذر له في هذا لأنه قد عرف صدق النبي

صلى الله عليه وسلم وإنما شح بالملك فطلب الرياسة وآثرها على الإسلام ولو أراد الله هدايته لوفقه كما وفق النجاشي وما زالت عنه الرياسة
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى أو تفطن هرقل لقوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب إليه أسلم تسلم وحمل الجزاء على عمومه في الدنيا والآخرة لسلم أو أسلم من كل ما يخافه ولكن التوفيق بيد الله
ثم قال ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه أي مبالغة في خدمته والتعبد له ولا أطلب منه ولاية ولا منصبا
قال ابو سفيان ثم دعا بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم فقرىء عليه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أي ولم يتبع الهدى فلا سلام عليه فليس في هذا بداءة الكافر بالسلام اما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أي بالكلمة الداعية للإسلام وهي كلمة التوحد أي اليها فلاباء موضع إلى أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين أي لإيمانك بعيسى ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم أو لإيمان أتباعك بسبب إيمانك فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين أي فلاحين القرى أي ومن ثم جاء في رواية إثم الفلاحين وفي رواية إثم الأكارين والأكار الفلاح لأن أهل السواد وما والاهم أهل فلاحة والمراد ثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون لأمرك وخص هؤلاء بالذكر لأنهم أسرع انقيادا من غيرهم لأن الغالب عليهم الجهل والجفاء وقلة الدين والمراد عليك مع إثمك إثم رعاياك لأنه إذا أسلم أسلموا وإذا امتنع امتنعوا فهو متسبب في عدم إسلامهم والفاعل لمعصية المتسبب لارتكاب غيره لها عليه الإثم من جهتين جهة فعله وجهة تسببه ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلى الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون والواو في قوله صلى الله عليه وسلم ويا أهل الكتاب عاطفة على مقدر معطوف على قوله أدعوك والتقدير أدعوك بدعاية الاسلام وأقول لك ولأتباعك يا أهل الكتاب
قيل وهذه الآية كتبها صلى الله عليه وسلم قبل نزولها لأنها إنما نزلت في وفد نجران وذلك في سنة تسع وهذه القصة كانت في سنة ست وقيل بعد نزولها لأن نزولها كان في اول الهجرة في شان اليهود قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى وجوز بعضهم نزولها مرتين وهو بعيد كذا قال فليتأمل


قال ابو سفيان رضي الله تعالى عنه فلما قضى مقالته وفرغ من الكتاب علت أصوات الذين حوله وكثر لغطهم أي اصواتهم التي لا نفهم
وفي البخاري كثر عنده الصخب وارتفاع الأصوات والصخب اختلاط الأصوات عند المخاصمة زاد البخاري فلا أدري ما قالوا وأمر بنا فأخرجنا فلما خرجت أنا وأصحابي وخلصنا قلت لهم لقد أمر أمر ابن أبي كبشة أي عظم أمره هذا ملك بني الاصفر يخافه فما زلت موقنا أن سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام أي فأظهرت ذلك اليقين لا أنه ارتفع وفي لفظ فما زلت مرعوبا من محمد حتى أسلمت
وقد تقدم الكلام على كبشة وهو أن جد وهب لأمه أبو آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم كان يكنى أبا كبشة قال في شرح مسلم وهو الذي كان يعبد الشعرى وأبو سلمة أم جده عبد المطلب كان يكنى أبا كبشة وزوج مرضعته صلى الله عليه وسلم كان يكنى ابا كبشة وتقدم الكلام أيضا عن بني الأصفر
ويروى أن أبا سفيان رضي الله تعالى عنه قال لقيصر لما سأله هل كنتم تتهمونه بالكذب فقال لا لكن أخبرك عنها أيها الملك خبرا تعرف به أنه قد كذب قال وما هو قلت إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضنا أرض الحرم في ليلة فجاء مسجدكم هذا ورجع إلينا في تلك الليلة قبل الصباح فقال بطريق أي قائد من قواد الملك كان واقفا عند رأس قيصر صدق أيها الملك فنظر إليه قيصر فقال ما أعلمك بهذا قال إني كنت لا أنام ليلة أبدا حتى أغلق أبواب المسجد فلما كانت تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني فاستعنت عليه بعمالي ومن يحضرني فلم نستطع أن نحركه كانما نزاول جبلا فدعوت النجارين فنظروا إليه فقالوا لا نستطيع أن نحركه حتى نصبح فلما أصبحت جئت إليه فإذا الحجر الذي في زواية المسجد مثقوب قال في النور الذي يظهر لي أنه الصخرة أي المراد بالصخرة في بعض الروايات كما قدمناه وإذا فيه أثر مربط الدابة فقلت لأصحابي ما حبس هذا الباب الليلة إلا لهذا الأمر فقال قيصر لقومه يا قوم ألستم تعلمون أن بين يدي الساعة نبيا بشركم به عيسى ابن مريم ترجون أن يجعله الله فيكم قالوا بلى قال فإن الله جعله في غيركم وهي رحمة الله عز وجل يضعها حيث شياء أي وأمر بإنزال دحية وإكرمه
وذكر أن ابن أخي قيصر أظهر الغيظ الشديد وقال لعمه قد ابتدأ بنفسه وسماك

صاحب الروم ألق به يعني الكتاب فقال له والله إنك لضعيف الراي أترى أرمي بكتاب رجل يأتيه الناموس الأكبر هو حق ان يبدأ بنفسه ولقد صدق أنا صاحب الروم والله مالكي ومالكه أي وفي لفظ أن أخا قيصر لما سمع الترجمان يقرأ من محمد رسول الله إلى قيصر صاحب الروم ضرب في صدر الترجمان ضربة شديدة ونزع الكتاب من يده وأراد أن يقطعه فقال له قيصر ما شأنك فقال تنظر في كتاب رجل قد بدأ بنفسه قبلك وسماك قيصر صاحب الروم وما ذكر لك ملكا فقال له قيصر إنك أحمق صغير أو مجنون كبير أتريد أن تمزق كتب رجل قبل أن أنظر فيه ولعمري إن كان رسول الله كما يقول لنفسه أحق أن يبدأ بها مني ولئن سماني صاحب الروم لقد صدق ما أنا إلا صاحبهم وما أملكهم ولكن الله سخرهم لي ولو شاء لسلطهم علي كما سلط فارس على كسرى فقتلوه
ولما جاءه صلى الله عليه وسلم الخبر عن قيصر قال ثبت ملكه وفي لفظ سيكون لهم بقية ولقد صدق الله ورسوله
فقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى أن الملك المنصور قلاوون أرسل بعض امرائه إلى ملك المغرب بهدية فارسله ملك المغرب إلى ملك الفرنج في شفاعة فقبله وأكرمه وقال له لأتحفنك بتحفة سنية فأخرج له صندوقا مصفحا بالذهب وأخرج منه مقلمة وفي لفظ قصبة من الذهب
فعن السهيلي رحمه الله تعالى قال بلغني ان هرقل وضع الكتاب في قصبة من ذهب تعظيما له فأخرج منها كتابا قد زالت أكثر حروفه وقد الصق عليه خرقه حرير فقال هذا كتاب نبيكم لجدي قيصر ما زلنا نتوراثه إلى الآن وذكر لنا آباؤنا عن آبائم أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزول الملك عنا فنحن غاية الحفظ ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا أي ولا ينافيه ما جاء إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده لأن المراد إذا زال ملكه عن الشام لا يخلفه فيه أحد وكان كذلك لم يبق إلا ببلاد الروم
أي ويروى أن قيصر لما رجع من بيت المقدس إلى محل دار ملكه وهي حمص أي فإنه لما ظهر على الفرس وأخرجهم من بلاده نذر أن يأتي بيت المقدس ماشيا شكرا لله فلما اراد الذهاب إلى بيت المقدس ماشيا بسط له البسط وطرح له عليها الرياحين ولا زال يمشي على ذلك إلى أن وصل بيت المقدس كما سيأتي فلما رجع إلى حمص كان له فيها

قصر عظيم فأغلق أبوابه وأمر مناديا ينادي ألا أن هرقل قد آمن بمحمد واتبعه فدخلت الأجناد في سلاحها وطافت بصره تريد قتله فأرسل إليهم إني اردت اختبار صلابتكم في دينكم فقد رضيت فرضوا عنه
والذي في البخاري أن قيصر لما سار إلى حمص أذن لعظماء الروم في دسكرة له ثم أمر بأبوابها فغلقت ثم اطلع فقال يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتايعوا هذا النبي فحاصوا حيصة حمر الوحس إلى الأبواب فوجدوها قد أغلقت فلما رأى قيصر نفرتهم وأيس من الإيمان منهم أي وقالوا له أتدعونا أن نترك النصرانية ونصير عبيدا لأعرابي فقال ردوهم علي وقال إني قلت مقالتي أختبر بها شدتكم على شدتكم على دينكم فقد رايت فسجدوا له ورضوا عنه وعند ذلك كتب كتابا وأرسله مع دحية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه إني مسلم ولكنني مغلوب وأرسل بهدية لما قرىء عليه صلى الله عليه وسلم الكتاب قال كذب عدو الله ليس بمسلم وقبل صلى الله عليه وسلم هديته وقسمها بين المسلمين ومصداق قوله صلى الله عليه وسلم أن قيصر بعد هذه القصة بدون سنتين قاتل المسلمين بغزوة مؤتة
وفي صحيح ابن حبان عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه أيضا من تبوك يدعوه وأنه قارب للإجابة ولم يجب وفي مسند الإمام أحمد أنه كتب من تبوك إلى النبي صلى الله عليه وسلم إني مسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم كذب إنه على نصرانيته وفي لفظ كذب عدو الله والله إنه ليس بمسلم
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله فعلى هذا إطلاق صاحب الاستيعاب أنه آمن أي أظهر التصديق لكنه لم يستمر عليه ولم يعلم بمقتضاه بل شح بملكه وآثر العافية على العاقبة لعنه الله عليه أي لأنه تحقق كفره أي وقد ذكر حامل كتابه إليه صلى الله عليه وسلم قال جئت تبوك فإذا هو جالس بين ظهراني أصحابه محتبيا فقلت أين صاحبكم قيل هو هذا فأقبلت أمشي حتى جلست بين يديه فناولته كتابي فوضعه في حجره ثم قال من أنت قلت أنا أحد تنوخ قال هل لك في الإسلام دين الحنيفية ملة إبراهيم قلت إني رسول قوم وعلى دين قوم لا أرجع عنه حتى أرجع إليهم فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين } فلما فرغ من قراءة كتابي قال إن لك حقا وإنك رسول فلو وجدت عندنا جائزة جوزناك بها إنا قوم سفر

فقال رجل أنا أجوزه فأتى بحلة فوضعها في حجري فسألت عنه فقيل لي إنه عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه
ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس على يد عبد الله بن حذافة أي لأنه كان يتردد عليه كثيرا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السهمي وقيل أخاه خنيسا وقيل أخاه خارجة وقيل شجاع بن وهب وقيل عمر بن الخطاب رضي الله عنهم إلى كسرى وبعث معه كتابا مختوما فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله أدعوك بدعاية الله فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم فإن أبيت فعليك إثم المجوس أي الذين هم أتباعك قال عبدالله بن حذافة رضي الله عنه فأتيت إلى بابه وطلبت الإذن عليه حتى وصلت إليه فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرئ عليه فأخذه ومزقه
أي وفي رواية أن كسرى لما أعلم بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن بحامل الكتاب أن يدخل عليه فلما وصل أمر كسرى أن يقبض منه الكتاب فقال لا حتى أدفعه إليك كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كسرى ادنه فدنا فناولته الكتاب فدعا من يقرؤه فقرأ فإذا فيه من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى عظيم فارس فأغضبه حين بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وصاح ومزق الكتاب قبل أن يعلم ما فيه وأمر باخراج حامل ذلك الكتاب فأخرج فلما رأى لك قعد على راحلته وسار فلما ذهب عن كسرى سورة غضبه بعث فطلب حامل الكتاب فلم يجده فلما وصل إليه صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر قال صلى الله عليه وسلم مزق كسرى ملكه
وكتب كسرى إلى بعض أمرائه باليمن يقال له باذان بلغني ان رجلا من قريش خرج بمكة يزعم أنه نبي فسر إليه فاستتبه فإن تاب وإلا فابعث إني برأسه يكتب إلي هذا الكتاب أي الذي بدأ فيه نفسه وهو أي وفي رواية إن تكفيني رجلا

خرج بارضك يدعوني إلى دينه وإلا فعلت فيك كذا يتوعده فابعث إليه برجلين جلدين فيأ تيأني به فبعث باذان بكتاب كسرى إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع قهر مانه وبعث معه رجلا آخر من الفرس وبعث معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره أن ينصرف معهما إلى كسرى فخرجا وقدما الطائف فوجدا رجلا من قريش في ارض الطائف فسألاه عنه فقال هو بالمدينة فلما قدما عليه صلى الله عليه وسلم المدينة قالا له شاهنشاه ملك الملوك كسرى بعث إلى الملك باذن يأمره أن يبعث إليك من يأتي بك وقد بعثنا إليك فان أبيت هلكت وأهلكت قومك وخربت بلادك وكانا على زي الفرس من حلق لحاهم وإعفاء شواربهم فكره صلى الله عليه وسلم النظر إليهما ثم قال لهما ويلكما من أمركما بهذا قالا أمرنا ربنا يعنيان كسرى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أمرني بي باعفاء لحيتي وقص شاربي ثم قال لهما ارجعا حتى تأتياني غدا وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بأن الله قد سلط على كسرى ابنه يقتله في شهر كذا في ليلة كذا فلما كان الغد دعاهما وأخبرهما الخبر وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى باذان إن الله قد وعدني أن يقتل كسرى يوم كذا من شهر كذا فلما أتى الكتاب باذان توقف وقال إن كان نبيا فسيكون ما قال فقتل الله كسرى في اليوم الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على يد ولده شيرويه قيل قتله ليلا بعد ما مضى من الليل سبع ساعات فيكون المراد باليوم في تلك الرواية مجرد الوقت أي وفي راية قال صلى الله عليه وسلم لرسول باذان اذهب إلى صاحبك وقل له إن ربي قد قتل ربك الليلة ثم جاء الخبر بأن كسرى قتل تلك الليلة فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم فلما جاءه صلى الله عليه وسلم هلاك كسرى قال لعن الله كسرى أول الناس هلاكا فارس ثم العرب
وعن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال لتفتحن عصابة من المسلمين أو المؤمنين أو رهط من أمتي كنوز كسرى التي في القصر الأبيص فكنت أنا وأبي فيهم واصبنا نم ذلك ألف درهم وقدم على باذان كتاب ولد كشرى شيرويه فيه اما بعد فقد قتلت كسرى ولم اقتله إلا غضبا لفارس فانه قتل اشرافهم فتفرق الناس فإذا جاءك كتابي هذا فخذلي الطاعة ممن قبلك وانظر الرجل الذي كان كسرى يكتب إليك فيه فلا تزعجه حتى يأتيك أمري فيه فبعث باذان بإسلامه وإسلام من معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا

وفي رواية أنه قيل صلى الله عليه وسلم إن كسرى قد استخلف ابنته فقال لا يفلح قوم تملكهم امرأة
ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم للنجاشي ملك الحبشة على يد عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه إلى النجاشي وبعث معه كتابا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة سلم أنت أي أنت سالم لأن المسلم يأتي بمعنى السلامة فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة أي العفيفة أي المنقطعة عن الرجال التي لا شهوة لها فيهم أو المنقطعة عن الدنيا وزينتها ومن ثم قيل لفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم البتول فحملت بعيسى حملته من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وأن تتبعني وتوقن بالذي جاءني فإني رسول الله وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى فلما وصل إليه الكتاب وضعه على عينيه ونزل من سريره فجلس على الأرض ثم أسلم ودعا بحق من عاج أي وهو عظم الفيل وجعل فيه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لن تزال الحبشة بخير ما كان هذا الكتاب بين أظهرهم
أي وفي كلام بعضهم وبعث صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي فكان أو رسول وكتب إليه كتابين يدعوه في أحدهما إلى الإسلام وفي الآخر يأمره أن يزوجه صلى الله عليه وسلم أم حبيبة فأخذ الكتابين وقبلهما ووضعهما على رأسه وعينيه نزل عن سريه تواضعا ثم أسلم وشهد شهادة الحق
وكتب إليه صلى الله عليه وسلم النجاشي أي جواب الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من النجاشي أصحمة السلام عليك يا نبي الله من الله ورحمة الله وبركاته الذي لا إله إلا هو زاد في لفظ الذي هداني للإسلام أما بعد فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى عليه الصلاة والسلام فورب

السماء والأرض إن عيسى عليه الصلاة والسلام لا يزيد على ما ذكرت وقد عرفنا ما بعث به إلينا وقد قر بنا ابن عمك وأصحابه يعني جفعر بن أبي طالب ومن معه من المسلمين رضي الله عنهم فاشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك أي جعفر بن أبي طالب واسلمت على يده لله رب العالمين أي وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم اتركوا الحبشة ما تركوكم
وذكر أن عمرو بن أمية رضي الله تعالى عنه قال للنجاشي أي عند إعطائه الكتاب يا اصحمة إن علي القول وعليك الاستماع إنكا كأنك في الرقة علينا منا وكأنا في الثقة بك منك لأنا لم نظن بك خيرا قط إلا نلناه ولم نحفظك على شر قط إلا أمناه وقد أخذنا الحجة عليك من قبل آدم والإنجيل بيننا وبينك شاهد لا يرد وقاض لا يجوز في ذلك موقع الخير وإصابة الفضل وإلا فأنت في هذا النبي الأمي صلى الله عليه وسلم كاليهود في عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم رسله إلى الناس فرجاك لما لم يرجهم له وأمنك على ما خافهم عليه لخير سالف وأجر ينتظر فقال النجاشي أشهد بالله إنه للنبي الذي ينتظره أهل الكتاب وأن بشارة موسى عليه الصلاة والسلام براكب الحمار كبشارة عيسى عليه الصلاة والسلام براكب الجمل وأن العيان ليس بأشفى من الخبر زاد بعضهم ولكن أعواني من الحبشة قليل فأنظرني حتى أكثر الأعوان والين القلوب
أقول كذا في الأصل وهو صريح في أن هذا المكتوب اليه هو الذي هاجر إليه المسلمون سنة خمس من النبوة ونعاه النبي صلى الله عليه وسلم يوم توفى وصلى عليه بالمدينة منصرفه صلى الله عليه وسلم من تبوك وذلك في السنة التاسعة
والذي قاله غيره كابن حزم أن هذا النجاشي الذي كتب إليه صلى الله عليه وسلم وسلم الكتاب وبعث به عمرو بن أمية الضمري لم يسلم وأنه غير النجاشي الذي صلى الله عليه وسلم الذي آمن به وأكرم أصحابه وفي صحيح مسلم ما يوافق ذلك
ففيه عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النجاشي الذي كتب إليه ليس بالنجاشي الذي صلى عليه ويرد بأنه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم كتب للنجاشي الذي عليه وللنجاشي الذي تولى بعده على يد عمرو بن أمية فلا مخالفة


ومن ثم قال في النور والظاهر أن هذه الكتابة متأخرة عن الكتابة لأصحمة الرجل الصالح الذي آمن به صلى الله عليه وسلم وأكرم أصحابه هذا كلامه
وفيه أن رد الجواب على النبي صلى الله عليه وسلم بالكتاب المذكور ورده على عمرو ابن أمية بقوله أشهد بالله إنه النبي الذي ينتظره أهل الكتاب إلى آخره إنما يناسب الأول الذي هو الرجل الصالح ويكون جواب الثاني لم يعلم وقد تقدم عن ابن حزم أنه لم يسلم
وقال بعضهم إنه الظاهر وحينئذ يكون الراوي خلط فوهم أن المكتوب إليه ثانيا هو المكتوب إليه أولا كما اشار إليه في الهدى والله أعلم
ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم للمقوقس ملك القبط
وهم أهل مصر الإسكندرية وليسوا من بني إسرائيل على يد حاطب بن أبي بلتعة رضي الله تعالى عنه
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بن أبي بلتعة رضي الله عنه إلى المقوقس أي فإنه صلى الله عليه وسلم عند منصرفه من الحديبية قال ايها الناس أيكم ينطلق بكتابي هذا إلى صاحب مصر وأجره على الله فوثب إليه حاطب رضي الله عنه وقال انا يا رسول الله قال بارك الله فيك يا حاطب قال حاطب رضي الله عنه فأخذت الكتاب وودعته صلى الله عليه وسلم وسرت إلى منزلي وشددت على راحلتي وودعت أهلي وسرت زاد السهيلي وانه صلى الله عليه وسلم أرسل مع حاطب جبير مولى أبي رهم الغفاري فإن جبيرا هو الذي جاء بمارية من عند المقوقس
واعترض بأن هذا لا يلزمه أن يكون صلى الله عليه وسلم أرسل جبيرا مع حاطب للمقوقس لجواز ان يكون المقوقس ارسل جبيرا مع حاطب والمقوقس لقب وهو لغة المطول للبناء واسمه جريج بن مينا بعث معه صلى الله عليه وسلم كتابا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط سلام على من اتبع الهدى أما بعد فانى أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين

فإن توليت فإنما عليك إثم القبط أي الذين هم رعاياك ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدو بأنا مسلمون وختم الكتاب وجاء به حاطب رضي الله تعالى عنه حتى دخل على المقوقس بالإسكندرية أي بعد أن ذهب إلى مصر فلم يجده فذهب إلى الإسكندرية فأخبر أنه في مجلس مشرف على البحر فركب حاطب رضي الله عنه سفينة وحاذى مجلسه وأشار بالكتاب إليه فلما رآه أمر باحضاره بين يديه فلما جيىء به نظر إلى الكتاب وفضه وقرأه وقال لحاطب ما منعه إن كان نبيا أن يدعو على من خالفه أي من قومه وأخرجوه من بلده إلى غيرها أن يسلط عليهم فاستعاد منه الكلام مرتين ثم سكت فقال له حاطب ألست تشهد أن عيسى ابن مريم رسول الله فماله حيث أخذه قومه فأرادوا أن يقتلوه أن لا يكون دعا عليهم أن يهلكهم الله تعالى حتى رفعه الله إليه قال احسنت أنت حكيم جاء من عند حكيم ثم قال له حاطب رضي الله تعالى عنه إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى يعني فرعون { فأخذه الله نكال الآخرة والأولى } فانتقم به ثم انتقم منه فاعتبر بغيرك ولا يعتبر غيرك بك إن هذا النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش وأعداهم له يهود وأقربهم منه النصارى ولعمري ما بشارة موسى بعيسى عليهما الصلاة والسلام إلا كبشارة عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوارة إلى الإنجيل كل نبي أدرك قوما فهم أمته فالحق عليهم أن يطيعوه فأنت ممن أدرك هذا النبي ولسنا ننهاك عن دين المسيح عليه السلام ولكنا نأمرك به فقال إني قد نظرت في امر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ولا ينهى عن مرغوب عنه ولم أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكذاب ووجدت معه آلة النبوة باخراج الخبء بفتح الخاء المعجمة وهمز في آخره أي الشيء الغائب المستور والإخبار بالنجوى أي يخبر بالمغيبات وسأنظر وأخذ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وجعله في حق عاج وختم عليه ودفعه إلى جارية له
ثم دعا كاتبا له يكتب بالعربية فكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام عليك أما بعد فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعوا إليه وقد علمت أن نبيا قد بقي وقد كنت

أظن أنه يخرج بالشام وقد أكرمت رسولك أي فإنه قد دفع له مائة دينار وخمسة أثواب وبعثت لك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم أي وهما مارية وسيرين بالسين المهملة مكسورة وبثياب أي وهوي عشرون ثوبا من قباطي مصر قال بعضهم وبقيت تلك الثياب حتى كفن صلى الله عليه وسلم في بعضها
وفي كلام هذا البعض وأرسل له صلى الله عليه وسلم عمائم وقباطي وطيبا وعودا وندا ومسكا مع ألف مثقال من الذهب ومع قدح من قوراير فكان صلى الله عليه وسلم يشرب فيه أي لأنه سأل حاطبا رضي الله عنه فقال أي طعام أحب إلى صاحبكم قال الدباء يعني القرع ثم قال له في أي شيء يشرب قال في قعب من خشب ثم قال وأهديت إليك بغلة لتركبها والسلام عليك ولم يزد على ذلك ولم يسلم
ولا يخفى أنه سيأتي أنه أهدى إليه صلى الله عليه وسلم زيادة على الجاريتين جارية أخرى اسمها قيسر وهي أخت ماوية ولعله إنما اقتصر على ذكر الجاريتين دون هذه الثالثة مع أنها اخت مارية لأنها دونهما في الحسن
وذكر بعضم أن سيرين أيضا أخت مارية فالثلاث أخوات
وفي ينبوع الحياة لابن ظفر فأهدى إليه صلى الله عليه وسلم المقوقس جواري اربعا أي ويواقفه قول بضعهم وارسل إليه صلى الله عليه وسلم جارية سوداء أسمها بريرة
وفي كلام بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم أهدى إحدى الجاريتين لأبي جهم بن قيس العبدي فهى أم زكريا بن جهم الذي كان خليفة عمرو بن العاص على مصر وأخرى اهداها لحسان بن ثابت وهي ام عبد الرحمن بن حسان كما تقدم في قصة الإفك وأهدى اليه المقوقس زيادة على ذلك خصيا أي مجبوبا أي غلام أسود يقال له مأبور باثبات الراء وقيل بحذفها وقيل هابو أي بالهاء بدل الميم واسقاط الراء ابن عم مارية وكونه كان مجبوبا عند إرساله وكان المهدي له المقوقس هو المشهور
وفي كلام بعضهم أن الهدى له جريج بن مينا القبطي الذي كان على مصر من قبل هرقل وأنه لم يكن حال الإرسال مجبوبا وأنه قدم مع مارية فأسلم وحسن إسلامه وكان يدخل عليها وأنه رضى من مكانه من دخوله على سرية النبي صلى الله عليه وسلم

ان يجب نفسه فقطع ما بين رجليه حتى لم يبق منه شىء فليتأمل وسيأتي ما وقع له واهدى له المقوقس زيادة على البغلة وهي الدلدل في اللغة اسم للقنفذ العظيم وكانت انثى ولا يستدل بلحوق التاء لها لأنها للوحدة
وفي كلام بعضهم أجمع أهل الحديث على أن بغلة النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم كانت ذكرا لا انثى واول من استنتج البغال قارون قالوا والبغل أشبه بأمه منه بأبيه
قيل ولم يكن يومئذ في العرب بغلة غيرها وقد قال له سيدنا علي رضي الله عنه لو حملنا الحمر على الخيل لكان لنا مثل هذه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انما يفعل ذلك الذين لا يعلمون قال ابن حيان أي الذين لا يعلمون النهى عنه
وفيه أن الله امتن بها كالخيل والحمير ولا يقع الامتنان بالمكروه وحمارا أشهب يقال له يعفورا وعفير بالعين المهملة مضمومة وضبطه القاضي عياض بالمعجمة وغلط في ذلك مأخوذ من العفرة وهي لون التراب وفرسا وهو اللزاز أي فإن المقوقس سأل حاطبا رضي الله عنه ما الذي يحب صاحبك من الخيل فقال له حاطب الاشقر وقد يركب عنده فرسا يقال له المرتجز فانتخب له صلى الله عليه وسلم فرسا من خيل مصر الموصوفة فأسرج وألجم وهو فرسه صلى الله عليه وسلم الميمون
وأهدى له صلى الله عليه وسلم عسلا من بنها بكسر الباء الموحدة قرية من قرى مصر وأعجب به صلى الله عليه وسلم ودعا في عسل بنها بالبركة لأنه حين أكل منه قال إن كان عسلكم أشرف فهذا أحلى ثم دعا فيه بالبركة
وأهدى إليه مربعة يضع فيها المكحلة وقارورة الدهن والمشط والمقص والمسواك ومكحلة من عيدان شامية ومرآة ومشطا أي فان المقوقس سأل حاطبا عن النبي صلى الله عليه وسلم هل يكتحل فقال له نعم وينظر في المرآة ويرجل شعره ولا يفارق خمسا في سفر كان أو في حضر وهي المرآة والمكحلة والمشط والمدرى والمسواك والمدرى شيء كالمسلة يفرق به بين شعر الرأس ويحك به لأن حكه بالاصبع يشوش الشعر ويلوى بها قرون شعر الرأس
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها سبع لما تفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ولا حضر القارورة التي يكون فيها الدهن والمكحلة والمقراض أي المقص

والمسواك والمرآة زاد بعضهم والإبرة والخيط ولعل عدم ذكر ذلك في الكتاب أنه لم يره شيئا ينبغي ذكره
أي وقد قال بعضهم إن المقوقس أرسل مع الهدية طبيبا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ارجع إلى أهلك نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا اكلنا لا نشبع
واعترض كون الحمار الذي أرسله المقوقس يسمى يعفورا بأن الحمار الذي يسمى يعفور أهداه له فروة بن عمرو الجذامي عامل قيصر
وأهدى إليه أيضا بغلة شهباء يقال لها فضة وفرسا يقال له الظرب كما تقدم
ثم رايت بعضههم سمى الحمار الذي أهداه عامل قيصر عفيرا أيضا وعليه فتسميه حمار المقوقس عفيرا أيضا كما في الأصل أن الحمار الذي أهداه المقوقس يقال له يعفورا وعفير من خلط بعض الرواة فلا منافاة وفي هذا قبول هدية المشركين وقد تقدم رده صلى الله عليه وسلم لهداياهم وقال لا أقبل زبد المشركين
ومما يشكل عليه أيضا أنه صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية أهدى صلى الله عليه وسلم لأبي سفيان عجوة استهداه أدما فأهداه إليه ابو سفيان وهو على شركه
وذكر أن المقوقس قال لحاطب رضي الله عنه القبط لا يطاوعوني في اتباعه ولا أحب أن تعلم بمحاورتي إياك وأنا أضن أي أبخل بملكي أن أفارقه وسيظهر على البلاد وينزل بساحتنا هذه أصحابه فارجع إلى صاحبك وارحل من عندي ولا تسمع منك القبط حرفا واحدا قال حاطب رضي الله عنه فرحلت من عنده أي وبعث معه جيشا إلى أن دخل جزيرة العرب ووجد قافلة من الشام تريد المدينة فرد الجيش وارتفق بالقافلة
قال حاطب وذكرت قوله للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ضن الخبيث بملكه ولا بقاء لملكه
ومن ثم ذكر بعضهم أن هرقل لما علم ميل المقوقس إلى الإسلام عزله ويخالفه قول بعضهم وبعث أبو بكر رضي الله عنه حاطبا هذا إلى المقوقس بمصر فصالح القبط إلا أن يقال يجوز أن يكون المقوقس عاد لولايته بعد عزله
وذكر بعضهم أن باني الإسكندرية لما أراد بناءها قال أبني مدينة فقيرة إلى الله غنية

عن الناس فدامت وبنى أخوه مدينة قال عند إراده بنائها ابني مدينة فقيرة إلى الناس غنية عن الله فسلط عليها الله الخرب في أسرع وقت
ولما فتح عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه مصر وقف على بعض ما بقي من آثار تلك المدنية فسال عن ذلك فأخبر بهذا الخبر
ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم للمنذر بن ساوي العبدي بالبحرين على يد العلاء بن الحضرمي
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى وبعث معه كتابا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى سلام عليك فإني أحمد الله إليك لا إله إلا هو وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أما بعد فإني اذكرك الله عز وجل فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه وإنه من يطع رسلي وتبع أمرهم فقد أطاعني ومن نصح لهم فقد نصح لي وإن رسلي قد أثنوا عليك خيرا وإني قد شفعتك في قومك فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل منهم وإنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية أني وهذا جواب كتاب أرسله المنذر جوابا لكتاب أرسله له صلى الله عليه وسلم قبل ذلك يدعوه إلى الإسلام فأسلم وحسن إسلامه
أقول ولم أقف على ذلك الكتاب ولا على حامله والظاهر أنه العلاء المذكور فقد ذكر السهيلي رحمه الله أن العلاء قدم على المنذر بن ساوى فقال له يا منذر إنك عظيم العقل في الدنيا فلا تصغرن عن الآخرة إن هذه المجوسية شر دين ينكح فيها ما يستحيا من نكاحه ويأكلون ما يتكره من أكله وتعبدون في الدنيا نارا تأكلكم يوم القيامة ولست بعديم عقل ولا رأى فانظر هل ينبغي لمن لا يكذب في الدنيا أن لا نصدقه ولمن لا يخون أن لا نأتمنه ولمن لا يخلف أن لا نثق به فإن كان هذا هكذا فهذا هو النبي الأمي الذي والله لا يستطيع ذو عقل أن يقول ليت ما أمر به نهى عنه أو ما نهى عنه أمر به فقال المنذر قد نظرت في هذا الذي في يدي فوجدته للدنيا دون الآخرة ونظرت في دينكم فرايته للآخرة والدنيا فما يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة

وراحة الموت ولقد عجبت أمس ممن يقبله وعجبت اليوم ممن يرده وإن من إعظام من جاء به أن يعظم رسوله وسأنظر والله أعلم
ومن جملة كتاب المنذر أي الذي هذا الكتاب جوابه أما بعد يا رسول الله فإني قرأت كتابك على أهل البحرين فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه ودخل فيه ومنهم من كرهه وبأرضي مجوس ويهود فأحدث لي في ذلك أمرك
وذكر ابن قانع أن المنذر المذكور وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فهو من الصحابة قال ابو الربيع ولا يصح ذلك
ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى جعفر وعبد ابني الجلندي ملكي عمان
أي بضم العين المهملة وتخفيف الميم بلدة من بلاد على يد عمرو بن العاص رضي الله عنه
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه إلى جيفر وعبد أبني الجلندي وبعث معه كتابا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى جيفر وعبد ابني الجلندي سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوكما بدعاية الإسلام أسلما تسلما فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما وإن أبيتما أن تقرا الإسلام فإن ملككما زائل عنكما وخيلي تحل أي تنزل بساحتكما وتظهر نبوتي على ملككما وختم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب
قال عمرو ثم خرجت حتى انتهيت إلى عمان فعمدت إلى عبد وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقا فقلت إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك وإلى أخيك فقال أخي المقدم علي بالسن والملك وأنا أوصلك به حتى يقرأ كتابك ثم قال وما تدعوا اليه قلت أدعو إلى الله وحده وتخلع ما عبد من دونه وتشهد أن محمدا عبده ورسوله قال يا عمر إنك ابن سيد قومك فكيف صنع أبوك يعني العاص بن وائل فإن لنا فيه قدوة قلت مات ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ووددت له لو كان آمن وصدق به وقد كنت قبل على مثل رأيه حتى هداني الله للإسلام

فقال متى تبعته قلت قريبا فسألني أين كان إسلامي فقلت عند النجاشي وأخبرته أن النجاشي قد أسلم قال فكيف صنع قومه بملكه قلت أقروه واتبعوه قال والأساقفة أي رؤساء النصرانية والرهبان قلت نعم قال انظر يا عمر وما تقول إنه ليس من خصلة في رجل أفضح له أي أكثر فضيحة من كذب قلت وما كذبت وما نستحله في ديننا ثم قال ما رأى هرقل علم باسلام النجاشي قلت له بلى قال بأي شيء علمت ذلك يا عمرو قلت كان النجاشي رضي الله عنه يخرج له خراجا فلما أسلم النجاشي وصدق بمحمد صلى الله عليه وسلم قال لا والله ولو سألني درهما واحدا ما أعطيته فبلغ هرقل قوله فقال له أخوه أتدع عبدك لا يخرج لك خراجا ويدين دينا محدثا فقال هرقل رجل رغب في دين واختاره لنفسه ما اصنع به والله لولا الضن بملكي لصنعت كما صنع قال انظر ما تقول يا عمرو قلت والله صدقتك قال عبد فأخبرني ما الذي يأمر به وينهى عنه قلت يأمر بطاعة الله عز وجل وينهى عن معصيته ويأمر البر وصلة الرحم وينهى عن الظلم والعدوان وعن الزنا وشرب الخمر وعن عبادة الحجر والوثن والصليب فقال ما أحسن هذا الذي يدعو اليه ل كان أخى يتابعني لركبنا حتى نؤمن بمحمد ونصدق به ولكن أخى أضن مملكه من أن يدعه ويصير ذنبا أي تابعا
قلت إنه إن أسلم ملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه فأخذ الصدقة من غنيهم فردها على فقيرهم قال إن هذا الخلق حسن وما الصدقة فأخبرته بما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصدقات في الأموال أي ولما ذكرت الماشي قال يا عمرو يؤخذ من سوائهم مواشينا التي ترعى في الشجر وترد المياه فقلب نعم فقال والله ما أرى قومي في بعد دارهم وكثرة عددهم يطيعون بهذا
قال عمرو فمكثت أياما بباب جيفر وقد أوصل إليه أخوه خبري ثم إنه دعاني فدخلت عليه فأخذ أعوانه بضبعى أي عضدي يقال دعوه فأرسلت فذهبت لأجلس فأبوا أن يدعوني أجلس فنظرت إليه فقال تكلم بحاجتك فدفعت إليه كتابا مختوما ففض خاتمه فقرأه حتى أنتهى إلى آخره ثم دفع إلى أخيه فقرأه ثم قال ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت فقلت اتبعوه إما راغب في الدين وإما راهب مقهور ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت فقلت ابتعوه إما راغب في الدين وإما راهب مقهور بالسيف قال ومن معه قلت الناس قد رغبوا في الاسلام واختاروه على غيره

وعرفوا بعقولهم مع هدى الله إياهم أنهم كانوا في ضلال مبين فما أعلم احدا يبقى غيرك في هذه الخرجة وأنت لم تسلم اليوم وتتبعه تطؤك الخيل وتبد خضراءك أي جماعتك فأسلم تسلم ويستعملك على قومك ولا تدخل عليك الخيل والرجال قال دعني يوني هذا وارجع إلي غدا فلما كان الغد أتيت إليه فأبى أن يأذن لي فرجعت إلى أخيه فأخبرته أني لم أصل إليه فأوصلني إليه فقال إني فكرت فيما دعوتني اليه فإذا أنا أضعف العرب إن ملكت رجلا ما في يدي وهو لا تبلغ خيله ههنا وإن بلغت خيله ألفت أي وجدت قتالا ليس كقتال من لاقى قلت وأنا خارج غدا فلما أيقن بمخرجي خلا به أخنه فأصبح فأرسل إلى فأجاب إلى الاسلام هو وأخوه جميعا وصدقا وخليا بيني وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم وكانا لى عونا على من خالفني
ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بالذال المعجمة وقيل بالدال المهملة قال في النور ولا أظنه إلا سبق قلم صاحب اليمامة أي وزاد بعضهم وإلى ثمامة بن أثال الحنفيين ملكي اليمامة وفيه نظر لأن ثمامة رضي الله تعالى عنه كان مسلما حينئذ على يد سليط بفتح السين المهملة بن عمرو والعامري أي لأنه كان يختلف إلى اليمامة وبعث معه كتابا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي سلام على من اتبع الهدى واعلم أن ديني سيظهر على منتهى الخف والحافر أي حيث تقطع الإبل والخيل فأسلم تسلم وأجعل لك ما تحت يديك فلما قدم عليه سليط بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مختوما أنزله وحياه وقرأ عليه الكتاب فرد ردا دون ردا فكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله وأنا شاعر قومي وخطيبهم والعرب تهاب مكاني فاجعل إلي بعض الأمر اتبعك واجاز سليطا رضي الله تعالى عنه عنه بجائزة وكساه أثوابا من نسج هجر فقدم بذلك كله على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم كتابه وقال لو سألني سيابة أي بفتح السين المهملة وتخفيف المثناة من تحت وموحدة مفتوحة أي قطعة من الأرض ما فعلت باد وباد ما في يديه
فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفتح جاءه جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبره بأن هوذة قد مات فقال صلى الله عليه وسلم أما ان اليمامة سيخرج

بها كذاب يتنبأ يقتل بعدي أي فقال قائل يا رسول الله من يقتله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت وأصحابك فكان كذلك
أقول هذا يدل على أن القائل له صلى الله عليه وسلم ذلك هو خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه فإن أبا بكر رضي الله تعالى عنه وجهه أميرا على الجيش الذي أرسله لمقاتلة مسيلمة لعنه الله وتقدم الخلاف في قاتله والمشهور أنه وحشي قاتل حمزة رضي الله تعالى عنهما وكان سن هوذه مائة وخمسين سنة
ويذكر ان هوذة هذا كان عنده عظيم من عظماء النصارى حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما قال فقال له لم لا تجيبه قال أنا ملك قومي ولئن اتبعته لم أملك فقال بلى والله لئن اتبعته ليملكنك وإن الخيرة لك في اتباعه وإنه النبي العربي الذي بشر به عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام وإنه لمكتوب عندنا في الإنجيل محمد رسول الله الحديث
أي وذكر السهيلي رحمه الله تعالى أن سليطا قال له يا هوذة إنه سودتك أعظم حائلة أي بالية وأرواح في النار يعني كسرى لأنه الذي كان توجه وإنما السيد من متع بالإيمان ثم تزود بالتقوى وإن قوما سعدوا برأيك فلا تشقين به وأنا آمرك بخير مأمور به وأنهاك عن شر منهي عنه آمرك بعبادة الله وأنهاك عن عبادة الشيطان فإن في عبادة الله الجنة وفي عبادة الشيطان النار فان قبلت نلت ما رجوت وأمنت ما خفت وإن أبيت فبيننا وبينك كشف الغطاء وهو الملطع فقال هوذة يا سليط سودني من لو سودك تشرفت به وقد كان لي رأى أختبر به الأمور ففقدته فاجعل لي فسحة ليرجع إلي رأي فأجيبك به إن شاء الله تعالى
ذكر كتابه صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبي شمر الغساني أي وكان بدمشق أي بغوطتها أي وهو محل معروف كثير المياه والشجر
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر الغساني وبعث معه كتابا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى حارث بن ابي شمر سلام على من اتبع الهدى وآمن به وصدق وإني ادعوك أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبقى لك ملكك وختم الكتاب

قال شجاع رضي الله تعالى عنه فخرجت حتى انتهيت إلى بابه فأقمت يومين أو ثلاثة فقلت لحاجبه إني رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فقال لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا وجعل حاجبه يسألني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدعو إليه فكنت أحدثه فيرق حتى يغلبه البكاء ويقول إني قرأت في الإنجيل وأجد صفة هذا النبي بعينه فكنت أراه أي أظنه يخرج بالشام فأراه قد خرج بأرض القرظ أي وهو ورق أو ثمر السلم فأنا أومن به وأصدقه وأنا اخاف من الحارث بن أبي شمر أن يقتلني فكان هذا الحاجب يكرمني ويحسن ضيافتي ويخبرني عن الحارث باليأس منه ويقول هو يخاف قيصر فخرج الحارث يوما وجلس على رأسه التاج وأذن لي عليه فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه ثم رمى به ثم قال من ينزع مني ملكي أنا سائر إليه ولو كان في باليمن جئته علي بالناس فلم يزل جالسا يعرض عليه حتى الليل وأمر بالخيل أن تنعل ثم قال لي أخبر صاحبك بما ترى وكتب إلى قيصر يخبره الخبر وصادف أن كان عند قيصر دحية الكلبي رضي الله عنه بعثه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرأ قيصر كتاب الحارث كتب إليه أن لا تسر إليه واله عنه أي لا تذكره واشتغل بايلياء أبي بيت المقدس ومعنى إيلياء بالعبرانية بيت الله والمراد باشتغاله بذلك أن يهيء لقيصر الإنزال ببيت المقدس فإنه نذر المشى من حمص وقيل من قسطنطينية إلى بيت المقدس ماشيا شكرا لله تعالى حيث كشف عنه جنود فارس وأظهر الله تعالى الروم على فارس ففرشوا له بسطا ونثروا عليها الرياحين وهوم يمشي عليها حتى بلغ بيت المقدس فجاء إليه كتاب قيصر أي الذي فيه أنه يلهو عنه ولا يذكره وأنا مقيم فدعاني وقال متى تريد أن تخرج إلى صاحبك قلت غدا فأمر لي بمائة مثقال ذهبا ووصلني حاجبه بنفقة وكسوة وقال لي ذلك الحاجب اقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام وأخبره أني متبع دينه
قال شجاع فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما كان من الحارث قال با أي هلك ملكه وأقرأته السلام من الحاجب وأخبرته بما قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق
وفي كلام بعضهم وبعض أهل السير على أن الحارث أسلم ولكن قال أخاف أن أظهر إسلامي فيقتلني قيصر وذكر أبن هشام وغيره ان شجاع بن وهب إنما توجه إلى جبلة ابن الأيهم


ويقال إن شجاع بن وهب أرسل إلى الحارث وإلى جبلة بن الأيهم وان شجاعا قاله له يا جبلة إن قومك نقلوا هذا النبي من داره إلى دارهم يعني الأنصار فآووه ومنعوه ونصروه وإن هذا الدين الذي أنت عليه ليس بدين آبائك ولكنك ملكت الشام وجاورت الروم ولو جاورت كسرى دنت بدين الفرس فإن اسلمت أطاعتك الشام وهابتك الروم وإن لم يفعلوا كانت لهم الدنيا وكانت لك الآخرة وقد كنت استبدلت المساجد بالبيع والأذان بالناقوس والجمع بالشعانين وكان ما عند الله خير وأبقى قال جبلة إني والله لوددت أن الناس اجتمعوا على هذا النبي اجتماعهم على من خلق السموات والأرض وقد سرني اجتماع قومي له وقد دعاني قيصر إلى قتال أصحابه يوم مؤته فأبيت عليه ولكني لست ارى حقا ولا باطلا وسأنظر
وفي كلام بعضهم أنه أسلم ورد جواب كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمه بإسلامه وأرسل الهدية وكان ثابتا على إسلامه لزمن عمر رضي الله عنه فإنه حج في خلافته
أي وفي كلام بعضهم لما أسلم جبلة بن الأيهم في أيام عمر رضي الله عنه وكتب اليه يخبره بإسلامه ويستأذنه في القدوم عليه فسر عمر بذلك وأذن له فخرج في خمسين ومائتين من أهل بيته حتى إذا قارب المدينة عمد إلى أصحابة هـفحملهم على الخيل وقلدها بقلائد الذهب والفضة وألبسها الديباج وسرف الحرير ووضع تاجه على رأسه فلم تبق بكر ولا عانس إلا خرجت تنظر إليه وإلى وزيه وزينته فلما دخل على عمر رضي الله تعالى عنه رحب به وأدنى مجلسه وأقام بالمدينة مكرما فخرج عمر رضي الله تعالى عنه حاجا فخرج معه وحين تطوف بالبيت وطىء رجل من فزارة إزاره فانحل فلطم الفزاري لطمة هشم بها أنفه وكسر ثناياه أي ويقال فقأ عينه فشكا الفزاري ذلك إلى عمر رضي الله عنه فاستدعاه وقال له لم هشمت أنفه أو قال لم فقأت عينه فقال يا أمير المؤمنين تعمد حل إزراي ولولا حرمة البيت لضربت عنقه بالسيف فقال له عمر أما أنت فقد أقررت إما أن ترضيه وإلا أقدته منك وفي رواية وحكم إما بالعفو أو بالقصاص فقال جبلة فتصنع بي ماذا قال مثل ما صنعت به وفي رواية أتقتص له مني سواء وأنا ملك وهذا سوقي فقال له عمر رضي الله تعالى عنه الإسلام سوى بينكما ولا فضل لك عليه إلا بالتقوى إن كنت أنا وهذا الرجل سواء في الدين فأنا اتنصر فإني كنت

أظن يا أمير المؤمنين أني أكون في الإسلام أعزمني في الجاهلية فقال له عمر رضي الله تعالى عنه إذا أضرب عنقك فقال فأملهني الليلة حتى انظر في أمري قال ذلك إلى خصمك فقال الرجل أمهلته يا أمير المؤمنين فأذن له رضي الله تعالى عنه في الانصراف ثم ركب في بني عمه وهرب إلى القسطنطينية أي فدخل على هرقل وتنصر هنا ومات على ذلك وقيل عاد إلى الإسلام ومات مسلما
وكان جبلة رجلا طوالا طوله أثنا عشر شبرا وكان يمسح الأرض برجليه وهو راكب فسر هرقل به وزوجه ابنته وقاسمه ملكه وجعله من سماره وبنى له مدينة بين طرابلس واللاذقية سماها جبلة باسمه يقال إن فيها قبر إبراهيم بن أدهم
وقيل المحاكمة كانت عند ابي عبيدة بن الجراح رضي الله تعالى عنه أي فقد ذكر بعضهم أن جبلة لم يزل مسلما حتى كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فبينما هو في سوق دمشق إذ وطىء رجلا من مزينة فوثب المزنى فلطم خد جبلة فأرسله مع جماعة من قومه إلى أبي عبيدة بن الجراح فقالوا هذا لطم جبلة قال فليلطمه قالوا ما يقبل قال لا يقبل قالوا إنما تقطع يده قال لا إنما أمر الله بالقود فلما بلغ جبلة ذلك قال أتروني أني جاعل وجهي ندا لوجه بئس الدين هذا ثم ارتد نصرانيا وترحل بقومه حتى دخل أرض الروم على هرقل
حجة الوداع ويقال لها حجة البلاغ وحجة الإسلام لأنه صلى الله عليه وسلم ودع الناس فيها ولم يحج بعدها ولأنه ذكر لهم ما يحل وما يحرم وقال لهم هل بلغت ولأنه صلى الله عليه وسلم يحج من المدينة غيرها وقيل لإخراج الكفار الحج عن وقته لأن أهل الجاهلية كانوا يؤخرون الحج في كل عام أحد عشر يوما حتى يدور الدور إلى ثلاث وثلاثين سنة فيعود إلى وقته ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في هذه الحجة إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض فإن هذه الحجة كانت في السنة التي عاد فيها الحج إلى وقته وكانت سنة عشر
قال الجمهور فرض الحج كان سنة ست من الهجرة أي وصححه الرافعي في باب السير وتبعه النووي

وقيل فرض سنة تسع وقيل سنة عشر انتهى وبه قال ابو حنيفة ومن ثم قال إنه على الفور وقيل فرض قبل الهجرة واستغرب
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الحج وأعلم الناس بذلك ولم يحج منذ هاجر إلى المدينة غير هذه الحجة قال وأما بعد النبوة قبل الهجرة فحج ثلاثة حجات أي وقيل حجتين أي وهما اللتان بايع فيهما الانصار عند العقبة
وفي كلام ابن الأثير كان صلى الله عليه وسلم يحج كل سنة قبل أن يهاجر وفي كلام ابن الجوزي حج صلى الله عليه وسلم قبل النبوة وبعدها حججا لا يعلم عددها أي وكان صلى الله عليه وسلم قبل النبوة يقف بعرفات ويفيض منها إلى مزدلفة مخالفا لقريش توفيقا له من الله فإنهم كانوا لا يخرجون من الحرم فإنهم قالوا نحن بنو ابراهيم عليه الصلاة والسلام وأهل الحرم وولاة البيت وعاكفو مكة فليس لأحد من العرب منزلتنا فلا تعظموا شيئا من الحل أي كما تعظمون الحرم فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب بحرمكم وقالوا قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم فليس لنا أن نخرج من الحرم نحن الحمس فتركوا الوقوف بعرفة والإفاضة منه إلى المزدلفة ويرون ذلك لسائر العرب قال بعض الصحابة لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل عليه الوحي وإنه واقف على بعير له بعرفات مع الناس من بين قومه حتى يدفع معهم منها توفيقا له من الله عز وجل
وعند خروجه صلى الله عليه وسلم للحج أصاب الناس بالمدينة جدري بضم الجيم وفتح الدال وبفتحهما أو حصبة منعت كثيرا من الناس من الحج معه صلى الله عليه وسلم ومع ذلك كان معه جموع لا يعلمها إلا الله تعالى قيل كانوا أربيعن ألفا وقيل كانوا سبعين ألفا وقيل كانوا تسعين ألفا وقيل كانوا مائة ألف وأربعة عشرة ألفا وقيل وعشرين ألفا وقيل كانوا أكثر من ذلك وقد قال صلى الله عليه وسلم أي عند ذهابه عمرة في رمضان تعدل حجة أو قال حجة معي أي قال ذلك تطييبا لخواطر من تخلف وصوب بعضهم أن هذا إنما قاله صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه أي الى المدينة قاله لأم سنان الأنصارية لما قال لها ما منعك أن تكوني حججت معنا وقالت لنا ناضحان حج ابو فلان تعني زوجها وولدها على أحدهما وكان الآخر نسقي عليه ارضا لنا وقال ذلك أيضا لغيرها من النسوة قاله لأم سليم ولأم طلق ولأم الهيثم ولا مانع أن يكون قال ذلك مرتين مرة عند ذهابه لما ذكر ومرة عند رجوعه لمن ذكر


وكان خروجه صلى الله عليه وسلم يوم الخميس لست بقين من ذي القعدة أي وقيل يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة ورجحه بعضهم وأطال في الاستدلال له وذلك سنة عشرة نهارا بعد أن ترجل وادهن وبعد أن صلى الظهر بالمدينة وصلى عصر ذلك اليوم بذي الحليفة ركعتين وطاف تلك الليلة على نسائه أي فانهن كن معه صلى الله عليه وسلم في الهوداج وكن تسعة ثم اغتسل ثم صلى الصبح أي والظهر ثم طيبته عائشة رضي الله تعالى عنه بذريرة هي نوع من الطيب مجموع من أخلاط الطيب وبطيب فيه مسك ثم أحرم صلى الله عليه وسلم أي وذلك بعد أن اغتسل لإحرامه غير غسلة الأول وتجرد في إزراه وردائه أي فقد روى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم أحرم في رداء وإزار ولم يغسل الطيب بل كان يرى وبيص المسك في مفارقة ولحيته الشريفة أي فإنه صلى الله عليه وسلم لبد شعر رأسه بما يلزق بعضه ببعض فلا يشعث
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها طيبته صلى الله عليه وسلم لحرمه وحله وعنها رضي الله تعالى عنها قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت رواه الشيخان وعنها قالت كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينضح طيبا وبه رد على ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قوله لأن أصبح مطيبا بقطران أحب إلي من أن أصبح محرما أنضح طيبا ويؤيد ما قاله ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ما تقدم في الحديبية من أمره صلى الله عليه وسلم من تطيب قبل إحرامه بغسل الطيب وتقدم ما فيه أي وصلى كما في الصحيحين عن ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما ركعتين أي قبل أن يحرم وبه يرد قول ابن القيم رحمه الله تعالى لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى للإحرام ركعتين غير فرض الظهر وأهل حيث ابنعثت به راحلته أي وهي القصواء أي وهو يرد ما روى عن ابن سعد رحمه الله تعالى حج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مشاة من المدينة إلى مكة قد ربطوا أوساطهم ومن ثم قال ابن كثير رحمه الله تعالى إنه حديث منكر ضعيف الإسناد وإنما كان صلى الله عليه وسلم راكبا وبعض أصحابه مشاة ولم يعتمر صلى الله عليه وسلم في عمره ماشيا وأحواله صلى الله عليه وسلم أشهر من أن تخفى على الناس بل هذا الحديث منكر شاذلا يثبت مثله وكان على راحلته صلى الله عليه وسلم رحل رث يساوي اربعة دراهم وفي رواية حج صلى الله عليه وسلم على رحل وقطيفة تساوي أو لا تساوي أربعة دراهم وقال اللهم اجعله حجا مبرورا لا رياء فيه ولا سمعة وذلك عند مسجد ذي الحليفة وأحرم بالحج والعمرة معا فكان قارنا


قال وقيل أحرم بالجج فقط فكان مفردا وقيل بالعمر فقط أي ثم أحرم بالحج بعد فراغه من أعمال العمرة فكان متمتعا أخذا من قول بعض الصحابة إنه صلى الله عليه وسلم أحرم متمتعا وقيل أطلق إحرامه
وفي كلام السهيلي رحمه الله واختلفت الروايات في إحرامه صلى الله عليه وسلم هل كان مفردا أو قارنا أو متمتعا وكلها صحاح إلا من قال كان متمتعا وأرد أنه أهل بعمرة
قال الإمام النووي وطريق الجمع أي بين من يقول إنه أحرم قارنا ومن يقول إنه أحرم مفردا ومن يقول إنه أحرم متمتعا أنه أحرم أولا مفردا أي بالحج ثم أدخل العمرة أي وذلك أي دخول الأضعف وهي العمرة على الأقوى الذي هو الحج من خصائصه صلى الله عليه وسلم فصار قارنا ويدل لذلك حديث البخاري أنه صلى الله عليه وسلم أهل بالحج فلما كان بالعقيق أتاه آت من ربه فقال له صل بهذا الوادي المبارك وقل لبيك بحجة وعمرة معا فصار قارنا بعد أن كان مفردا
فمن روى القرآن اعتمد آخر الأمر أي ومنه قول سيدنا أنس رضي الله تعالى عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبيك عمرة وحجا
ومن روى التمتع أراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع والارتفاق بالقران انتهى أي بالقران المذكور الذي هو ادخال العمرة على الحج لانه يكفى فيه الاقتصار على عمل واحد في النسكين أي لا ياتي بطوافين ولا بسعيين أي وليس مراده التمتع الحقيقي بأن أحرم بعمرة فقط ثم بعد فراغه من أعمالها أحرم بالحج كما هو حقيقة التمتع ومن ثم قال بعضهم أكثر السلف يطلقون المتعة على القرآن
ومن روى الإفراد اعتمد أول الأمر ومنه قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وقد سئل عن ذلك لبى الحج وحده أو أن ابن عمر سمعه يقول لبيك بحج ولم يسمع قوله وعمرة فلم يحك إلا ما سمع وأنس رضي الله عنه سمع ذلك أي سمع الحج والعمرة أي فإن ابن عمر رضي الله عنه قيل له عن أنس بن مالك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة فقال ابن عمر لبى بالحج وحده فقيل لأنس عن ابن عمر ذلك فقال أنس رضي الله عنه ما يعدونا إلى صبيانا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبيك لبيك عمرة وحجا أي يصرح يهما جميعا وقال إني لرديف لابي طلحة وإن ركبتي لتمس ركبة رسول الله صلى الله عليه وسلم

وهو يلبى بالحج والعمرة وذلك مثبت لما قاله ابن عمر وزائد عليه فليس منا قضاله أي ودليل من قال إنه أحرم مطلقا ما رواه إمامنا الشافعي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم خرج هو وأصحابه رضي الله عنهم مهلين أي محرمين إحراما مطلقا ينتظرون القضاء أي نزول الوحي لتعيين ما يصرفون إحرامهم المطلق إليه أي بإفراد أو تمتع أو قران أي فجاءه صلى الله عليه وسلم الوحي أن يأمر من لا هدى معه ان يجعل إحرامه عمرة فيكون متمتعاومن معه هدى أن يجعله حجا فيكون مفردا لأن من معه هدى أفضل ممن لا هدى معه والحج أفضل من العمرة
ويدل لكون الصحابة أطلقوا إحرامهم ما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها خرجنا نلبي لا نذكر حجا ولا عمرة لكن أجيب عن ذلك بأنهم لا يذكرون ذلك مع التلبية وإن كانوا سموه حال الإحرام هذا
وفي مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ومن أراد أن يهل بعمة فليفعل فلينظر الجمع بين هذا وما قبله
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم من لم يكن معه هدى وأحب أن يجعلها عمرة فليفعل ومن كان معه هدى فلا أي فلا يجعلها عمرة بل يجعل إحرامه حجا ولم يذكر القران وجاء في بعض الطرق أنه أمر من كان معه هدى أن يحرم بالحج والعمرة معا
وفي بعض الروايات خرج صلى الله عليه وسلم من المدينة لا يسمى حجا ولا عمرة ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء وهو بين الصفا والمروة فأمر أصحابه من كان منهم أهل بالحج ولم يكن معه هدى أن يجعله عمرة
وفي الهدى الصواب أنه صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج والعمرة معا من حين أنشأ الإحرام فهو قارن ولم يحل حتى حل منهما جميعا وطاف لهما طوافا واحدا وسعيا واحدا كما دلت عليه النصوص المستفيضة التي تواترات تواترا يعلمه اهل الحديث وما ورد انه صلى الله عليه وسلم طاف طوافين وسعى سعيين لم يصح
قال وغلط من قال لبى بالحج وحده ثم أدخل عليه العمرة أتى الذي تقدم في الجمع بين الروايات عن النووي رحمه الله تعالى ومن قال لبى بالعمرة ثم ادخل عليها الحج أي وهذا لم يتقدم ومن قال أحرما إحراما مطلقا لم يعين فيه نسكا ثم عينه بعد احرامه أي وهو

ما تقدم عن إمامنا الشافعي رضي الله عنه ومن قال أفرد الحج أراد به أنه أتى بأعمل الحج ولم يفرد للعمرة أعمالا وهذا محمل ما في بعض الروايات وأفرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج ولم يعتمر على أن بعض الحفاظ قال إنه حديث غريب جدا وفيه نكارة شديدة
ثم لبى صلى الله عليه وسلم أي بعد ان استقبل القبلة فقال لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك
وروى أنه زاد على ذلك لبيك إله الخلق لبيك أي وروي أنه زاد لبيك حقا تعبدا ورقا على تلبيته المذكورة والناس معه يزيدون فيها وينقصون لم ينكر عليها وبه استدل أئمتنا على عدم كراهة الزيادة على تلبيته المشهورة المتقدمة فكان ابن عمر رضي الله عنهما يزيد فيها لبيك لبيك وسعديك والخير في يديك لبيك والرغباء اليك والعمل
وأتاه صلى الله عليه وسلم جبريل عليه الصلاة والسلام وأمره أن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية من شعائر الحج فعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام فقال مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فانها من شعائر الحج
واستعمل صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا دجانه رضي الله عنه وقيل سباع بن عرفطة رضي الله عنه وولدت أسماء بنت عميس زوج ابي بكر الصديق رضي الله عنهما ولدها محمد بن ابي بكر رضي الله عنهم في ذي الحليفة وارسلت إليه صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تغتسل وتستثفر أي بخرقة عريضة بعد أن تحشو بنحو قطن وتربط طرفي تلك الخرقة في شيء تشده في وسطها لتمنع بذلك سيلان الدم كما تفعل الحائض وتحرم
ثم حاضت سيدتنا عائشة رضي الله عنها في اثناء الطريق بمحل يقال له سرف بكسر الراء وكانت قد أحرمت بعمرة ففي البخاري أنها قالت وكنت فيمن أهل بعمرة فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتدخل الحج على العمرة
أقول وقد جاء أنها قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال ما يبكيك ياعائشة وفي لفظ ما يبكيك يا هنتاه لعلك نفست أي حضت قلت نعم والله لوددت أني لم أخرج معكم عامي هذا في هذا السفر قال لا تقولين ذلك فهذا شيء كتبه الله على بنات آدم


أي واستدل البخاري رحمه الله بهذا على أن الحيض كان في جميع بنات آدم وانكر به على من قال إن الحيض أول ما وقع في بني اسرائيل وفي لفظ قال ما شأنك قلت لا أصلي قال لاصبر عليك إنما أنت امرأة من بنات آدم كتب الله عليك ما كتب عليهن أهلي بالحج وفي رواية ارفضي عمرتك أي لا تشرعي في شيء من أعمالها وأحرمي بالحج فإنك تقضين كل ما يقضى الحاج أي تفعلين كل ما يفعل الحاج وأنت حائض إلا أنك لا تطوفين بالبيت ففعلت ذلك أي ادخلت الحج على العمرة ووقفت المواقف فوقفت بعرفه وهي حائض حتى إذا طهرت أي وذلك يوم النحر وقيل عشية عرفة طافت بالبيت وبالصفاة والمروة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حللت من حجك وعمرتك جميعا
وذكر بعضهم أن في هذه الحجة كان جمل عائشة رضي الله عنها سريع المشي مع خفة حمل عائشة وكان جمل صفية بطيء المشي مع ثقل حملها فصار يتأخر الركب بسبب ذلك فأمر صلى الله عليه وسلم أن يجعل حمل صفية على جمل عائشة وأن يجعل حمل عائشة جمل صفية فجاء صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها يستعطف خاطرها فقال لها يا أم عبد الله حملك خفيف وجملك سريع المشي وحمل صفية ثقيل وجملها بطىء فأبطأ ذلك بالركب فنقلنا حملك على جملها وحملها على جملك ليسير الركب فقالت له إنك تزعم أنك رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم أفي شك أني رسول الله أنت يا أم عبد الله قالت فمالك لا تعدل قال فكان ابو بكر رضي الله عنه فيه حدة فلطمني على وجهي فلامه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اما سمعت ما قالت فقال دعها فإن المرأة الغيراء لا تعرف أعلى الوادي من أسفله
قالوا ولما نزلوا بمحل يقال له العرج فقد البعير الذي عليه زاملته صلى الله عليه وسلم وزاملة ابي بكر أي زاداهما وكان ذلك البعير مع غلام لأبي بكر فقال ابو بكر رضي الله تعالى عنه للغلام اين بعيرك قال ضللته البارحة فقال ابو بكر وقد اعترته حدة بعير واحد تضله وأخذ يضربه بالسوط ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع ويتبسم ولا يزيد على ذلك فلما بلغ بعض الصحابة أن زاملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضلت جاء بحيس ووضعه بين يديه صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم لابي بكر الله تعالى عنه وهو يغتاظ على الغلام هون عليك

يا أبا بكر فإن الأمر ليس لك ولا إلينا وقد كان الغلام حريصا على أن لا يضل بعيره وهذا غداء طيب قد جاء الله به وهو خلف عما كان معه فأكل صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ومن كان يأكل معهما حتى شبعوا فأقبل صفوان بن المعطل رضي الله تعالى عنه وكان على ساقة القوم أي لأن هذا كان شأنه كما تقم في قصة الإفك والبعير معه وعليه الزاملة حتى أناخه على باب منزله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر انظر هل تفقد شيئا من متاعك فقال ما فقدت شيئا إلا قعبا كنا نشرب فيه فقال الغلام هذا القعب معي ولما بلغ سعد بن عبادة وابنه قيسا رضي الله تعالى عنهما أن زاملته صلى الله عليه وسلم قد ضلت جاآ بزاملة مكانها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء الله بزاملتنا فارجعا بزاملتكما بارك الله لكما ا هـثم نزل صلى الله عليه وسلم بذي طوى فبات بها تلك الليلة وصلى بها الصبح أي بعد أن اغتسل بها أي ثم سار صلى الله عليه وسلم ونزل بالمسلمين ظاهر مكة ودخل مكة نهارا أي وقت الضحى من الثنية العليا التي هي ثنية كداء بفتح الكاف والمد قال ابو عبيدة لا ينصرف وهي التي ينزل منها إلى المعلاة مقبرة مكة وهي التي يقال لها الآن الحجون التي دخل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة كما تقدم ودخل المسجد الحرام صبحا من باب عبد مناف وهو باب بني شيبة المعروف الآن بباب السلام وكان صلى الله عليه وسلم إذا أبصر البيت قال اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما ومهابة وبرا وزد من شرفه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفا وتكريما وتعظيما وبرا
وفي مسند إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه أخبرنا سعيد بن سالم عن جريح عن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال اللهم زد هذا البيت الخ وفي رواية كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة فرأى البيت رفع يديه وكبر وقال اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا السلام اللهم زد هذا البيت الخ
وعند دخوله صلى الله عليه وسلم المسجد طاف بالبيت أي سبعا ماشيا فعن جابر ابن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال دخلنا مكة عند ارتفاع الشمس فأتى النبي صلى الله عليه وسلم باب المسجد فأناخ راحلته ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر الأسود فاستلمه وفاضت عيناه بالبكاء ثم رمل ثلاثا ومشى اربعا فلما فرغ صلى الله

عليه وسلم قبل الحجر ووضع يديه عليه ومسح بهما وجهه رواه البيهقي في السنن الكبرى بإسناد جيد
وقيل طاف صلى الله عليه وسلم على راحلته الجدعاء أي لانه صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكى فعن أبن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكى فطاف على راحلته فلما أتى الركن استلمه بمحجن فلما فرغ من طوافه أنا خ فصلى ركعتين رواه أبو داود ورد بأن هذا الحديث تفرد به يزيد بن ابي زياد وهو ضعيف
على أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لم يذكر أن ذلك كان في حجة الوداع ولا في الطواف الأول من طوافاتها الثلاثة التي هي طواف القدوم وطواف الإفاضة وطواف الوداع فينبغي أن يكون ذلك في غير الطواف الأول بان يكون في طواف الإفاضة أو طواف الوداع فلا ينافي ما تقدم عن جابر ولا ما في مسلم عنه انه قال طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت ليراه الناس فيسألوه وقوله ورمل في ثلاثا منها أي يسرع المشي مع تقارب الخطأ ومشى أى على هينته في أربع يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في كل طوفة وابتداء الرمل كان في عمرة القضاء لما قال المشركون غدا يقدم عليكم قوم قد وهنتم حمى يثرب فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ليرى المشركون جلدهم ومن ثم قال بعضهم لبعض هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتم هؤلاء أجلد من كذا وكذا كما تقدم فلما كانت هذه الحجة فعلوا كذلك فصارت سنة
قال وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قبل الحجر الأسود وثبت أنه استلمه بيده ثم قبلها وثبت أنه استلمه بمحجنه فقبل المحجن ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم قبل الركن اليماني ولا قبل يده حين استلمه ا هـ
وعند إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه يتسحب أن يقبل ما استلمه به روى إمامنا الشافعي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر فاستلمه ثم وضع شفتيه عليا طويلا وكان صلى الله عليه وسلم إذا استلم الحجر قال بسم الله والله اكبر وقال بينهما أي بين الركن اليماني والحجر { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم شيء من الأذكار في غير هذا المحل حول الكعبة ولم يستلم الركنين الماقبلين للحجر أي لانهما ليسا على قواعد سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام وقال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله تعالى عنه إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر أي الأسود تؤذى الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر وأخذ منه بعض فقهائنا أن من شق عليه استلام الحجر الأسود يسن له أن يهلل ويكبر
ثم بعد الطواف صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين عند مقام سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام جعل المقام بينه وبين الكعبة أي استقبل جهة باب المحل الذي به المقام الآن وهو المراد بخلف المقام قرأ فيهما مع أم القرآن { قل يا أيها الكافرون } و { قل هو الله أحد } ودخل صلى الله عليه وسلم زمزم فنزع له دلو فشرب منه ثم مج فيه ثم أفرغها في زمزم ثم قال لولا أن الناس يتخذونه نسكا لنزعت أي وتقدم في فتح مكة أنه صلى الله عليه وسلم قال لولا أن تغلب بنو عبد المطلب لانتزعت منها دلوا وانتزع له العابس ثم رجع صلى الله عليه وسلم الى الحجر الأسود فاستلمه ثم خرج على الصفا وقرأ { إن الصفا والمروة من شعائر الله } ابدءوا بما بدأ الله به فسعى بين الصفا والمروة سبعا راكبا على بعيره
وعن إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه أن سعيه الذي طاف لقدومه كان على قدميه لا على بعير أي فذكر البعير في هذا السعي غلط من بعض الرواة
ثم رأيت بعضهم قال بعض الروايات عن جابر وغيره يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان ماشيا بين الصفا والمروة ولعل بين الصفا والمروة مدرجة أو أنه صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة بعض المرات على قدميه فلما ازدحم الناس عليه ركب في الباقي ويدل لذلك أنه قيل لابن عباس رضي الله تعالى عنهما إن قومك يزعمون أن السعي بين الصفا والمروة راكبا سنة فقال صدقوا وكذبوا فقيل كيف صدقوا وكذبوا فقال صدقوا في أن السعي سنة وكذبوا في أن الركوب سنة فإن السنة المشي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشى في السعي فلما كثر عليه الناس يقولون هذا محمد هذا محمد حتى خرج العواتق من البيوت وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضرب الناس بين يديه فلما كثر عليه الناس ركب وبهذا يحصل الجمع بين الأحاديث الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم مشى بين الصفا والمروة والأحاديث  ==

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

طبقات خليفة خليفة بن خياط أبو عمر شباب/الليثي العصفري/ت. الوفاة : 240 .

 طبقات خليفة  خليفة بن خياط أبو عمر شباب/الليثي العصفري/ت. الوفاة : 240 .  الطبقات قال حدثنا خليفة بن خياط شباب أبو عمرو الشيباني الذهلي...