الاثنين، 6 يونيو 2022

مجلد 8. و9.من كتاب:السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون المؤلف:علي بن برهان الدين الحلبي

{8 و9 }
 مجلد 8. من كتاب:السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون
المؤلف:علي بن برهان الدين الحلبي


وللمسافر أي الذي يباح له قصر الصلاة وان لم يحصل له مشقة بالكلية مع وجوب القضاء اذا زال المرض والسفر بقوله تعالى { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } أي فافطر فعليه صيام عدة ما افطر من ايام اخر وكانوا ياكلون ويشربون وياتون النساء مالم يناموا بعد الغروب او يدخل وقت العشاء الاخرة فاذا ناموا او دخل وقت العشاء الاخرة امتنع عليهم ذلك الى اللية القابلة ثم نسخ الله ذلك واحل الاكل والشرب واتيان النساء الى طلوع الفجر ولو بعد النوم ودخول وقت العشاء بقوله تعالى { أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم } ثم قال تعالى { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود } ولما فهم بعض الصحابة ان المراد الخيط حقيقة حتى صار يجعل عند وسادته حبلا ابيض وحبلا اسود انزل الله تعالى من الفجر اشارة الى ان المراد بياض النهار وسواد الليل
وذكر في التفسير في سبب نزول هذه الاية ان عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه واقع اهله بعد ما صلى العشاء فلما اغتسل اخذ يبكي ويلوم نفسه فاتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اعتذر الى الله واليك من نفسي هذه الخاطئة اني رجعت الى اهلي فوجدت رائحة طيبة فسولت لي نفسي فجامعت اهلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما كنت جديرا بذلك يا عمر فقام رجال فاعترفوا بمثله فنزلت وذكر له صلى الله عليه وسلم ان بعض اصحابه سقط مغشيا عليه بسبب الصوم فساله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فاخبر انه اهل حرث وانه جاء لينظر ما تعمله له زوجته ليتعشى به فغلبته عينه فنام فلم يستيقظ الا بعد الغروب فلم يتناول شيئا فانزل الله تعالى { وكلوا واشربوا } الاية وقوله تعالى { كما كتب على الذين من قبلكم } جاء في بعض الروايات ان المراد بهم اهل الكتاب أي اليهود والنصارى وجاء في بعضها ان المراد بهم النصارى خاصة وجاء في بعض الروايات ان المراد بهم جميع الامم السابقة فقد جاء ما من امة الا وجب عليها صوم رمضان الا انهم اخطئوه ولم يهتدوا له وهذه الرواية تدل على انه لم يصمه احد من الامم السابقة فصومه من خصوصيات هذه الامة
وفي الانساب لابن قتيبة اول من صام رمضان نوح عليه الصلاة والسلام هذا كلامه وفي بعض الروايات ما يفيد ان النصارى صامته واتفق انه وقع في بعض السنين في شدة الحر فاقتضى رايهم تاخيره بين الصيف والشتاء وان يزيدوا في مقابلة تاخيره

عشرين يوما وعلى هذا فصومه ليس من خصائص هذه الامة وقيل التشبيه انما هو في مطلق الصوم لافي خصوص صوم رمضان لانه كان الواجب على جميع ما تقدم من الامم صوم ثلاثة ايام من كل شهر صام ذلك نوح فمن دونه حتى صامه النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم وتقدم ان تلك الايام التي صامها صلى الله عليه وسلم كانت البيض التي هي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر وتقدم انه قيل ان صوم ذلك كان واجبا عليه صلى الله عليه وسلم وعلى امته
وقيل كان الواجب عليه وعلى اصحابه قبل صوم رمضان عاشوراء وتقدم رده وكان فرض زكاة الفطر قبل العيد بيومين وكان صلى الله عليه وسلم يخطب قبل العيد بيومين يعلم الناس زكاة الفطر فيامر باخراج تلك الزكاة قبل الخروج إلى صلاة العيد أي بعد ان شرعت لان مشروعيتها تاخرت عن مشروعية صلاة عيد الاضحى وكان فرض زكاة الفطر قبل فرض زكاة الاموال وكان فرض زكاة الاموال في تلك السنة التي هي الثانية ولم اقف على خصوص الشهر الذي وجبت فيه قال بعضهم ولعل هذا محمل قول بعض المتاخرين المطلعين على الفقه والحديث لم يتحرر لي وقت فرض الزكاة أي زكاة المال ولعله عنى ببعض المتاخرين الامام سراج الدين البلقيني رحمه الله لان الامام سراج الدين البلقيني سئل هل علمت السنة التي فرضت فيها زكاة المال فاجاب بقوله لم يتعرض الحفاظ ولا اصحاب السير للسنة التي فرض فيها زكاة المال ووقع لي حديثان ظهر منهما تقريب ذلك ولم اسبق اليه ثم قال فقد ظهر ان زكاة المال بعد زكاة الفطر وقيل قدوم ضمام بن ثعلبة وقدومه كان في السنة الخامسة هذا كلامه
وقيل فرضت زكاة الفطر قبل الهجرة وعليه يحمل ظاهر مافي سفر السعادة كان صلى الله عليه وسلم يرسل مناديا ينادي في الاسواق والمحلات والازقة من مكة ألا ان صدقة الفطر واجبه على كل مسلم ومسلمة الحديث
ورد بانه لم يفرض قبل الهجرة بعد الايمان الا الصلوات الخمس وكل الفروض فرضت بعد الهجرة وفيه انه فرض قيام الليل كما تقدم وصلاة الركعتين بالغداة والركعتين بالعشى على ما تقدم الا ان يقال المراد الفروض الموجودة الان المستمر فرضها وما تقدم عن سفر السعادة يجوز ان يكون صلى الله عليه وسلم يرسل المنادي الذي ينادي في مكة بوجود زكاة الفطر وهو بالمدينة بعد وجوبها بالمدينة وامر صلى الله عليه وسلم ان

تخرج زكاة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد والذكر والانثى صاع من تمر او صاع من شعير او صاع من زبيب او صاع من بر فكان يصلى العيدين قبل الخطبة بلا اذان ولا اقامه أي بل يقال الصلاة جامعة لكن في سفر السعادة وكان صلى الله عليه وسلم اذا بلغ المصلى شرع في الصلاة من وقته بلا اذان ولا اقامه ولا الصلاة جامعة والسنة ان لا يكون شىء من هذا كله هذا كلامه وكانت تحمل العنزة بين يديه فاذا وصل المصلى نصبت تجاهه وهي عصا قدر نصف الرمح في اسفلها زج من حديد وكانت تلك العنزة للزبير بن العوام قدم بها من ارض الحبشة فاخذها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يصلى اليها أي اخذها منه بعد وقعة بدر وقد قتل بها الزبير عبيدة بفتح العين المهملة وبضمها ابن سعيد بن العاص الذي كان يقال له ابو ذات الكرش قال الزبير لقيته لا يرى منه الا عيناه فقال لي انا ابو ذات الكرش فحملت عليه بالعنزة فطعنته في عينه فمات واردت اخراجها فوضعت رجلي عليه ثم تمطيت فكان الجهد ان نزعتها وقد انثنى طرفها ولما قبض صلى الله عليه وسلم اخذها الزبير ثم طلبها أبو بكر رضي الله تعالى عنه فأعطاه إياها فلما قبض أبو بكر رضي الله تعالى عنه أخذها الزبير ثم سألها عمر رضى الله تعالى عنه فاعطاه اياها فلما قبض عمر اخذها ثم طلبها عثمان فاعطاه اياها فلما قتل دفعت الى على ثم اخذها عبدالله بن الزبير فكانت عنده حتى قتل
وكان صلى الله عليه وسلم اذا رجع من صلاة عيد الفطر وخطبته يقسم زكاة الفطر بين المساكين ولعل المراد الزكاة المتعلقة به لانه تقدم انه صلى الله عليه وسلم كان يامر الناس باخراجها قبل الصلاة الا ان يقال المراد باخراجها جمعها له صلى الله عليه وسلم ليفرقها
واذا فرغ صلى الله عليه وسلم من صلاة الاضحى وخطبته يؤتى له بكبشين وهو قائم في مصلاه فيذبح احدهما بيده ويقول هذا عن امتي جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ
وعند الحاكم عن ابي سعيد الخدري رضى الله تعالى عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح كبشا اقرن بالمصلى أي بعد ان قال بسم الله والله اكبر وقال اللهم هذا عني وعمن لم يضح من امتي
استدل بذلك على ان من خصائصه صلى الله عليه وسلم ان يضحى عن غيره بغير

اذنه ويذبح الاخر ويقول هذا عن محمد وال محمد فياكل هو واهله منهما ويطعم المساكين ولم يترك الاضحيه قط وهل كانت الانبياء من بعد ابراهيم تضحي هم وأممهم او هم خاصة وكان في مسجده صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة قبل ان يوضع له المنبر يخطب ويسند ظهره الى اسطوانة من جذوع النخل او من الدوم وهو شجر المقل
وعبارة بعضهم كان يخطب الناس وهو مستند الى جذع عند مصلاه في الحائط القبلي فلما كثر الناس أي وقالوا له صلى الله عليه وسلم لو اتخذت شيئا تقوم عليه اذا خطبت يراك الناس وتسمعهم خطبتك فقال ابنوا لي منبرا فلما بنى له المنبر عتبتين اى ومحل الجلوس فكان ثلاث درجات وقام عليه في يوم جمعة أي وخطب وفي لفظ لما عدل إلى المنبر ليخطب عليه وجاوز ذلك الجذع سمع لتلك الاسطوانة حنين كحنين الوالة بصوت هائل سمعه اهل المسجد حتى ارتج اى اضطرب المسجد وكثر بكاء الناس لذلك ولا زالت تحن حتى تصدعت وانشقت اى وفي رواية سمع له صوت كصوت العشار اى النوق التي اتى لحملها عشرة اشهر وقيل التي اخذ ولدها وفي بعض الروايات كحنين الناقة الحاوج وهي التي انتزع ولدها منها وفي رواية جأر بفتح الجيم وبعدها همزة مفتوحة اى صوت او بالحاء المعجمة بلا همزة وهو بمعناه كخوار الثور فنزل صلى الله عليه وسلم فالتزمها وحضنها أي فجعلت تئن انين الصبي الذي يسكت فيسكت
أي وفي كلام بعضهم وذكر الاسفراينى ان النبي صلى الله عليه وسلم دعاه الى نفسه فجاءه يخرق الارض فالتزمه فعاد الى مكانه وفى رواية ووضع يده عليها وقال لها اسكني واسكتي فسكتت وفي رواية ان هذا اى الجذع يبكي لما فقد من الذكر والذي نفسي بيده لو لم التزمه لم يزل هكذا أي يحن الى يوم القيامة زاد في رواية حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله لما فقد من الذكر هو واضح على الرواية الاولى واما على الثانية فالمراد لما يفقده من الذكر والى حنين الجذع اشار الامام السبكى رحمه الله تعالى في تائيته بقوله ** وحن اليك الجذع حين تركته ** حنين الثكالى عند فقد الاحبة **
وعن بعضهم قال قال لي الامام الشافعي رضى الله تعالى عنه ما اعطى الله نبيا ما اعطى محمدا صلى الله عليه وسلم فقلت اعطى عيسى احياء الموتى فقال اعطى

محمدا صلى الله عليه وسلم حنين الجذع فهذا اكبر من ذاك وفي رواية لا تلوموه أي الجذع على حنينه فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارق شيئا الا وجد عليه أي حزن وفي رواية انه قال له ان شئت اردك الى الحائط أي البستان الذي كنت فيه تنبت لك عروقك ويكمل خلقك ويجدد لك خوص وثمرة وان شئت اغرسك في الجنة فيأكل اولياء الله من ثمرك ثم اصغى له صلى الله عليه وسلم يسمع ما يقول فقال بصوت سمعه من يليه بل تغرسني في الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعلت قد فعلت وفي رواية لما اصغى اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الله سئل فقال اختار ان اغرسه في الجنة أي وفي رواية اختار دار البقاء على دار الفناء ولا يخالف ما قبله لانه يجوز ان يكون السائل من غير من سمع جوابه وامر به فدفن تحت المنبر وقيل جعل في السقف واخذ عنده ابى رضى الله عنه بعد ان هدم المسجد وازيل سقفه فكان عنده الى ان اكلته الارضة وعاد رفاتا أي متكسرا من شدة اليبس
اقول في سيرة الحافظ الدمياطى قالوا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يخطب الى جذع في المسجد قائما فقال ان القيام شق علي فقال له تميم الدارى الا اعمل لك منبرا كما رأيت يصنع بالشام أي تصنعه النصارى في كنائسهم لاساقفتهم تسمى المرقاة يصعدون اليها عند تذكيرهم فتشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المسلمين في ذلك فراوا ان يتخذوه فقال العباس بن عبد المطلب رضى الله عنهما ان لي غلاما يقال له كلاب اعلم الناس أي بالنجارة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره ن يعمله فارسله الى اثلة بالغابة فقطعها ثم عمل منها درجتين ومقعدا ثم جاء به فوضعه في موضعه اليوم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام عليه أي وقال ان اتخذ منبرا فقد اتخده ابى ابراهيم أي ولعله صلى الله عليه وسلم عنى به المقام الذي كان يقوم عليه عند بناء البيت وهو الحجر الا ان ثبت ان ابراهيم كان له منبر يحدث عليه الناس
وعن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند المنبر يقول ياخذ الجبار بسمواته وارضه بيده ثم يقول انا الجبار انا الجبار اين الجبارون اين المتكبرون ويميل يعني النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه وشماله حتى نظرت الى المنبر يتحرك حتى اني اقول اساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم وفي

رواية عنه فقال المنبر هكذا وهكذا فجاء وذهب ثلاث مرات وفي رواية عن عائشة رضى الله تعالى عنها فرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم منبره حتى قلن ليحزن وقال منبري هذا على ترعه بضم المثناة فوق واسكان الراء وبالعين المهملة من ترع الجنة أي افواه جداول الجنة وقوائم منبري رواتب أي ثوابت في الجنة وقال صلى الله عليه وسلم منبري على حوضي وقال ان حوضي كما بين عدن الى عمان اشد بياضا من اللبن واحلى من العسل واطيب رائحة من المسك اباريقه عدد نجوم السما من شرب منه شربة لم يظما بعدها ابدا واكثر الناس ورودا عليه يوم القيامة فقراء المهاجرين قلنا من هم يا رسول الله قال الشعثة رؤسهم الدنسة ثيابهم الذين لا ينكحون المنعمات ولا تفتح لهم السدد أي الابواب الذين يعطون الذي عليهم ولا ياخذون الذي لهم وقال صلى الله عليه وسلم مابين قبري ومنبري وفي رواية يدل قبري بيتي وفي لفظ حجرتي والمراد قبره الشريف فانه في حجرته وحجرته هي بيته صلى الله عليه وسلم روضة من رياض الجنة أي يكون بعينه في الجنة بقعة من بقاعها أي ينقلها الله تعالى فتكون في الجنة بعينها
وقيل ان الصلاة والدعاء فيها يستحق بذلك من الثواب ما يكون موجبا لدخول الجنة كما قيل بذلك في قوله صلى الله عليه وسلم الجنة تحت ظلال السيوف مع ان تلك السيوف كانت بارض الكفر وقيل انها لبركتها اضيفت الى الجنة كما قيل في الضان انها من دواب الجنة
وقال ابن حزم ليس على ما يظنه اهل الجهل من ان تلك الروضة قطعة مقتطعة من الجنة وقال صلى الله عليه وسلم من حلف على منبري كاذبا ولو على سواك اراك فيتبوأ مقعده من النار وفي رواية الا وجبت له النار
اقول وجاء انه صلى الله عليه وسلم كان على المنبر يعتمد على عصا من شوحط وفي الهدى لم يعتمد صلى الله عليه وسلم في خطبته على سيف ابدا وقبل ان يتخذ له المنبر كان يعتمد على قوس او عصا أي وقيل كان يعتمد على قوس ان خطب في الحرب على عصا ان خطب في غيره
واختلف فيها يعني تلك العصا هل هي العنزة لتي كان يصلي اليها او غيرها وما يظنه بعض الناس من انه كان يعتمد على سيف وان ذلك اشارة الى ان الدين قام

بالسيف فمن فرط جهله هذا كلامه وفيه ان بعض فقهائنا ذكر ان اعتماده في خطبته كان على سيف روى ولم يثبت
وذكر فقهاؤنا تلك الحكمة حيث قالوا وحكمة اعتماده على العصا او القوس او السيف الاشارة إلى ان هذا الدين قام بالسلاح وقول صاحب الهدى وكان قبل ان يتخذ المنبر يعتمد على قوس او عصا يقتضى ان بعد اتخاذ المنبر لم يعتمد على شىء من ذلك أي وصرح به صاحب القاموس في سفر السعادة حيث قال لم يكن ياخذ السيف والحربة بيده بل كان يعتمد على القوس او العصا وذا قبل اتخاذ المنبر واما بعد اتخاذ المنبر فلم يحفظ انه اعتمد على العصا ولا على القوس ولا على غير ذلك هذا كلامه فيكون الاعتماد على ذلك فوق المنبر بدعة وهو خلاف ما عليه ائمتنا من انه يسن ان يشغل يمناه بحرف المنبر ويسراه بما يعتمد عليه من نحو العصا لكن قالوا كعادة من يريد الضرب بالسيف والرمي بالقوس وهو لا ياتي في العصا ولا ياتي في السيف اذا كان في غمده
ووجود المرقى الذى يقرأ الاية والخبر المشهور بدعة لانه حدث بعد الصدر الاول ولم اقف على اول زمان فعل فيه ذلك لكن ذكر بعضهم انه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع امر من يستنصت له الناس عند ارادة خطبته وعليه ان كان استنصتهم بالحديث فذكر المرقى للخبر ليس من البدعة الا ان يقال هو بالنسبة لخطبة الجمعة بدعة لانه صلى الله عليه وسلم كان يذكر الحديث على المنبر فالسنة ان يذكره الخطيب كذلك
ففي سفر السعادة وكان صلى الله عليه وسلم في اثناء الخطبة يامر الناس بالانصات ويقول ان الرجل اذا قال لصاحبه انصت فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له وكان صلى الله عليه وسلم يقول من تكلم يوم الجمعة والامام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل اسفارا والذي يقول انصت ليس له جمعة
وقول الحافظ الدمياطي كان صلى الله عليه وسلم يخطب على جذع قائما وانه قال ان القيام شق على يقتضى ان حنين الجذع كان عند قيامه على ذلك المنبر من الخشب وانه لم يتخذ قبل ذلك المنبر من الطين الذي قدمناه وفيه نظر وكذا في قوله وقال له تميم الدارى الى اخره لان تميما الدارى انما اسلم في السنة التاسعة وهذا المنبر الذي من الخشب انما فعل في السابعة او الثامنة وعلى هذا اقتصر الاصل حيث قال في الحوادث

وفيها أي السنة الثامنة اتخاذ المنبر والخطبة عليه وحنين الجذع وهو اول منبر عمل في الاسلام وهو في ذلك موافق لما قدمه هو أي الاصل من اتخاذ المنبر له من الطين قبل ذلك وانه كان عنده حنين الجذع
وعلى كون المنبر عمل في الثامنة لا يشكل كون العباس رضى الله تعالى عنه امر غلامه بعمله لان العباس رضى الله عنه قدم المدينة في السنة الثامنة لكن في بعض الروايات انه صلى الله عليه وسلم دعا رجلا فقال اتصنع لي المنبر قال نعم قال ما اسمك قال فلان قال لست بصاحبه ثم دعا اخر فقال له مثل ذلك ثم دعا الثالث فقال له ما اسمك قال ابراهيم قال خذ في صنعته فصنعه وفي رواية عمله رجل رومى اسمه باقوم غلام سعيد بن العاص أي ولعله هو الذي تقدم ذكره عند بناء قريش للكعبة
وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم ارسل الى امراه فقال لها مرى غلامك يعمل لي اعوادا اكلم الناس عليها فعمل له صلى الله عليه وسلم درجات من طرفاء الغابة ويجوز ان يكون غلام العباس رضى الله تعالى عنه انتقل الى ملك تلك المرأه وانه كان غلاما لسعيد بن العاص وانه اشترك في عمله مع ابراهيم المتقدم ذكره فنسب لكل منهما
فعلم من كلام الاصل في غير الحوادث انه كان صلى الله عليه وسلم يخطب اولا على الجذع ثم على المنبر من الطين وان حنين الجذع كان عند قيامه صلى الله عليه وسلم على ذلك المنبر من الطين وهو مخالف لكلامه في الحوادث ان حنين الجذع كان عند اتخاذه صلى الله عليه وسلم المنبر من الخشب ويكون ذكر حنين الجذع عند القيام عليه من تصرف بعض الرواة لان حنين الجذع لم يتكرر حتى يقال جاز ان يكون كان عند قيامه صلى الله عليه وسلم على المنبر من الطين ثم عند قيامه على المنبر من الخشب
ثم رأيته في النور رجع كلام الاصل في غير الحوادث الى كلام الاصل في الحوادث من انه صلى الله عليه وسلم لم يكن له منبر من طين حيث قال قوله أي الاصل فبنوا له منبرا وهذا الكلام فيه تجوز يعنى اتخذوا له منبرا وذلك لان المنبر كان من طرفاء الغابة وهو شجر معروف هذا كلامه وليته عكس لان هذا منه يقتضى حينئذ ان يكون صلى الله عليه وسلم استمر من حين خطب في المسجد الى السنة الثامنة يخطب الى الجذع لان المنبر من الخشب اتخذ في السنة الثامنة كما تقدم عن الاصل

ويشكل عليه قول عائشة رضى الله تعالى عنها في قصة الافك فثار الحيان الاوس والخزرج حتى كادوا ان يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر لان قصة الافك كانت في سنة خمس
ثم رايت في كتاب الشريعة للاجرى عن انس بن مالك رضى الله تعالى عنه كان صلى الله عليه وسلم يخطب مسندا ظهره الى خشبة فلما كثر الناس قال ابنوا لي منبرا فبنوا له عتبتين أي غير المستراح فلما قام على المنبر يخطب حنت الخشبة الحديث
وعن سهل بن سعد رضى الله تعالى عنه لما كثر الناس وصار يجىء القوم ولا يكادون يسمعون رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخطبة قال الناس يا رسول الله قد كثر الناس وكثير منهم لا يكاد يسمع كلامك فلو انك اتخذت شيئا تخطب عليه مرتفعا من الارض ويسمع الناس كلامك فارسل صلى الله عليه وسلم الى غلام نجار لامرأة من الانصار فاتخذ له مرقاتين من طرفاء الغابة فلما قام حنت الخشبة التي كان يخطب اليها هذا كلامه وهو موافق لما تقدم عن الاصل في الحوادث
والذي ينبغي الجمع بين الروايتين لان ما علم من ان اتخاذ المنبر من طرفاء الغابة كان بعد اتخاذه من الطين لانه اقوى في الارتفاع من منبر الطين وكون حنين الجذع عند اتخاذ المنبر من الطرفاء من تصرف بعض الرواة لان حنينه انما كان عند اتخاذ المنبر من الطين ولم يتكرر حنينه كما تقدم
ولما ولى معاوية الخلافة كسا ذلك المنبر قبطية ثم كتب الى عاملة بالمدينة وهو مروان ابن الحكم ان يرفع ذلك المنبر عن الارض فدعا بالنجارين وفعل ست درج ورفع ذلك المنبر عليها فصارت تسع درجات وهذا يدل على ان قوله فاتخذ له مرقاتين أي غير المستراح ومن ثم تقدم فعمل له درجات
وقيل امره بحمله الى الشام فلما ارادوا قلعة اظلمت المدينة وكسفت الشمس حتى بدت النجوم وثارت ريح شديدة فخرج مروان الى الناس فخطبهم وقال يا اهل المدينة انكم تزعمون ان امير المؤمينن بعث الى ان ابعث اليه بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وامير المؤمنين اعلم بالله من ان يغير منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم انما امرني ان اكرمه وارفعه ففعل ما تقدم
وقيل ان معاوية لما حج اراد ان ينقل المنبر الى الشام فحصل ما تقدم من كسوف

الشمس الخ فاعتذر معاوية للناس وقال اردت ان انظر الى ما تحته وخشيت عليه من الارضة وكساه يومئذ قبطية
ولا مانع من تعدد الواقعة وان واقعة معاوية سابقة على واقعة مروان لقوله لانظر ما تحته والا فمروان رفعه عن الارض
ثم ان هذا المنبر احرق بسبب الحريق الواقع في المسجد اول مرة فارسل صاحب اليمن منبرا فوضع موضعه مكث عشر سنين
وفي الامتاع ثم تهافت المنبر النبوى على طول الزمان فعمل بعض خلفاء بني العباس منبرا واتخذ من اعواد المنبر النبوى امشاطا يتبرك بها فاحترق هذا المنبر المجدد في حريق المسجد فبعث المظفر ملك اليمن منبر هذا كلامه ثم ارسل الملك الظاهر بيبرس من مصر منبرا فرفع منبر صاحب اليمن ووضع منبر الملك الظاهر فمكث مائة سنة واثنتين وثلاثين سنة فبدأفيه اكل الارضة فارسل الظاهر برقوق منبرا فرفع منبر الملك الظاهر بيبرس ووضع منبر الملك الظاهر برقوق ومكث ثلاثا أو اربعا وعشرين سنة
ثم ان السلطان المؤيد شيخ لما بنى مدرسته بالقاهرة التي يقال لها المؤيدية عمل اهل الشام له منبرا وارسلوا به اليه ليجعله في مدرسته فوجد اهل مصر قد صنعوا لها منبرا فسير المؤيد منبر اهل الشام إلى المدينة فمكث سبعا وستين سنة ثم احرق في الحريق الواقع في المسجد ثاني مرة ثم جعل موضعه منبر مبنى بالاجر مطلى بالنورة فمكث احدى وعشرين سنة ثم جعل موضعة المنبر الرخام الموجود الان
قيل واعجب منبر في الدنيا منبر جامع قرطبة قاعدة بلاد الاندلس بالمغرب ذكر ان خشبه من ساج وابنوس وعود قاقلى احكم عمله ونقشه في سبع سنين وكان يعمل فيه سبع صناع لكل صانع في كل يوم نصف مثقال ذهب فكان جملة ما صرف على اجرته عشرة الاف مثقال وخمسين مثقالا وبالجامع المذكور مصحف فيه اربع ورقات من مصحف عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه بخط يده وفيه نقط من دمه وفي هذا المسجد ثلاثة اعمدة حمر مكتوب على احدها اسم محمد صلى الله عليه وسلم وعلى الثاني صفة عيسى وموسى عليهما الصلاة والسلام واهل الكهف وعلى الثالث صورة غراب نوح الجميع خلقة ربانية ولا بدع

فقد ذكر بعضهم رايت بحمام القاهرة رخامة عليها مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم مفسرا يقرؤه كل احد خلقه
وعن سهل قال رايت رسول الله صلى الله عليه وسلم اول يوم جلس على المنبر أي من الخشب كبر فكبر الناس خلفه ثم ركع وهو على المنبر ثم رجع فنزل القهقرى ثم سجد في اصل المنبر ثم عاد حتى اذا فرغ من الصلاة يصنع فيها كما يصنع في الركعة الاولى فلما فرغ اقبل على الناس وقال ايها الناس انما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي وقوله لتأتموا بي أي تقتدوا بي في مثل هذا الفعل من الاحرام والركوع على المحل المرتفع ثم النزول عنه والسجود تحته ثم الصعود اليه وهكذا الى ان تتم الصلا وهذا عند أئمتنا مخصوص جوازه بما اذا لم يلزم عليه استدبار القبلة او توالى حركات ثلاث وقوله ولتعلموا صلاتي هو واضح لو كان ذلك اول صلاة الا ان يقال المراد ولتعلموا جواز صلاتي هذه
وفي كلام فقهائنا انه صلى الله عليه وسلم كان ينزل من المنبر ويسجد للتلاوة اسفل المنبر واخر الأمرين ترك ذلك فعلم ان منبره صلى الله عليه وسلم كان ثلاث درجات بالمستراح وحينئذ يشكل ان صح ما روى ان ابا بكرنزل درجة عن موقفه صلى الله عليه وسلم وعمر نزل درجة اخرى وعثمان درجة اخرى ومن ثم قال في النور وهذا يدل على انه كان اكثر من ثلاث درجات أي اربعة غير المستراح والا يلزم ان يكون عمر وعثمان كانا يخطبان على الارض
قال ويمكن تأويله هذا كلامه ولينظر ما تأويله فانه يلزم على كونه درجتين غير المستراح ان يكون الصديق كان يخطب على الدرجة الثانية وعمر يخطب على الارض وان عثمان فعل كفعل عمر وحينئذ لا يحسن قولهم وعثمان نزل درجة اخرى اذ لا درجة بعد الدرجة الثانية ينزل عنها وحينئذ يشكل مافي الامتاع وهو كان منبره صلى الله عليه وسلم درجتين ومجلسا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس على المجلس ويضع رجليه اذا قعد على الدرجة الثانية فلما ولى ابو بكر رضى الله تعالى عنه قام على الدرجة الثانية ووضع رجليه على الدرجة السفلى فلما ولى عمر رضى الله تعالى عنه قام على الدرجة السفلى ووضع رجليه على الارض اذا قعد فلما ولى عثمان رضى الله تعالى عنه فعل كذلك أي كفعل عمر ست سنين من خلافته ثم علا الى موضع وقوفه صلى الله عليه وسلم هذا كلامه

وكان ينبغي ان يقول بدل قوله فلما ولى ابو بكر قام على الدرجة الثانية جلس على الدرجة الثانية وكذا قوله فلما ولى عمر قام على الدرجة السفلى جلس على الدرجة السفلى أي فقد خطب على الارض وكذا عثمان
وذكر فقهاؤنا أن منبره صلى الله عليه وسلم كان ثلاث درج غير الدرجة التي تسمى المستراح وتسمى بالمقعد والمجلس فكان صلى الله عليه وسلم يقف على الثالثة أي بالنسبة للسفلى وإذا جلس يجلس على المستراح ويجعل رجليه محل وقوفه إذا قام للخطبة وكذا الخلفاء الثلاثة كل يجعل رجليه محل وقوفه
ويذكر أن المتوكل قال يوما لجلسائه وفيهم عبادة أتدرون ما الذي نقم على عثمان نقم عليه أشياء منها أنه قام أبو بكر رضي الله تعالى عنه دون مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرقاة ثم قام عمر رضي الله تعالى عنه عنه دونه بمرقاة فصعد عثمان رضي الله تعالى عنه ذروة المنبر فقال له عبادة ما أحد أعظم منه عليك يا أمير المؤمنين من عثمان قال وكيف ذاك قال لأنه صعد ذروة المنبر وإنه لو كان كلما قام خليفة نزل عمن تقدمه كنت أنت تخطبنا في بئر عميق فضحك المتوكل ومن حوله وكون عثمان صعد ذروة المنبر إنما هو في آخر الأمر كما علمت
وفي كلام بعضهم أول من اتخذ المنبر خمس عشرة درجة معاوية رضي الله تعالى عنه وأنه أول من اتخذ الخصيان في الإسلام وأول من قيدت بين يديه الجنائب وعثمان أول من كسا المنبر قبطية
وعن الواقدي أن امرأة سرقت كسوة عثمان للمنبر فأتى بها إليه فقال لها عثمان هل سرقت قولي لا فاعترفت فقطعها ثم كساه معاوية كما تقدم ثم كساه عبد الله ابن الزبير فسرقتها امرأة فقطعها كما قطع عثمان ثم كساه الخلفاء من بعده & باب غزوة بدر الكبرى
ويقال لها بدر العظمى ويقال لها بدر القتال ويقال بدر الفرقان أي لأن الله تعالى فرق فيها بين الحق والباطل
ثم إن العير التي خرج صلى الله عليه وسلم في طلبها حتى بلغ العشيرة ووجدها سبقته بأيام لم يزل مترقبا قفولها أي رجوعها من الشأم فلما سمع بقفولها من الشأم ندب المسلمين

أي دعاهم وقال هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا اليها لعل الله أن ينفلكموها فانتدب ناس أي أجابوا وثقل آخرون أي لم يجيبوا لظنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يلق حربا ولم يحتفل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لم يهتم بها بل قال من كان ظهره أي ما يركبه حاضرا فليركب معنا ولم ينتظر من كان ظهره غائبا عنه
ولما خرج صلى الله عليه وسلم إلى بدر قالت له أم ورقة بنت نوفل يا رسول الله ائذن لي في الغزو معك أمرض مرضاكم لعل الله يرزقني الشهادة فقال لها قرى في بيتك فإن الله يرزقك الشهادة وكانت قد قرأت القرآن فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة فكان الناس يقولون لها الشهيدة فلما كان زمن خلافة سيدنا عمر عدا عليها غلام وجارية كان دبرتهما فغمياها بقطيفة إلى أن ماتت فجيء بهما إلى سيدنا عمر فأمر بصلبهما فكانا أول مصلوب بالمدينة وقال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول انطلقوا بنا نزور الشهيدة
فكان أبو سفيان حين دنا بالعير من أرض الحجاز يتجسس الأخبار أي يبحث عنها ويسأل من لقي من الركبان تخوفا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استنفر أصحابه للعير أي ويقال إنه لقي رجلا فأخبره أنه صلى الله عليه وسلم قد كان عرض لغيره في بدايته وأنه تركه مقيما ينتظر رجوع العير فخاف خوفا شديدا فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري أي استأجره بعشرين مثقالا ولا يعرف له إسلام والذي من الصحابة ضمضم بن عمر الخزاعي ليأتي مكة أي وأن يجدع بعيره وأن يحول رحله ويشق قميصه من قبله ومن دبره إذا دخل مكة ويستنقر قريشا ويخبرهم أن محمدا قد عرض لعيرهم هو وأصحابه فخرج ضمضم سريعا إلى مكة وقبل أن يقدم بثلاث ليال رأت عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم اختلف في إسلامه رؤيا أفزعتها فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفظعتني أي اشتدت على وتخوفت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة فاكتم عني ما أحدثك
قال وفي رواية أنها قالت له لن أحدثك حنى تعاهدني أن لا تذكرها فإنهم إن

سمعوها تعني كفار قريش آذونا واسمعونا ما لا نحب فعاهدها العباس اه فقال لها ما رأيت قالت رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح أي وهو ما بين المحصب ومكة ثم صرخ بأعلى صوته ألا فانفروا يا آل غدر أي يا أصحاب الغدر وعدم الوفاء إلى مصارعكم في ثلاث أي بعد ثلاثة أيام
وفي كلام السهيلي يا آل غدر بضم الغين والدال جمع غدور أي إن تخلفتم فأنتم غدر لقومكم قالت فأرى الناس اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل به بعيره أي انتصب به على ظهر الكعبة ثم صرخ بمثلها ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوى حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت أي تكسرت فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار إلا دخلها منه فلقة فقال لها العباس والله إن هذه لرؤيا وأنت فاكتميها ولا تذكريها لأحد ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة أي وكان صديقا له فذكرها له أي واستكتمه فذكرها الوليد لأبيه عتبة فتحدث بها ففشا الحديث قال العباس فغدوت لأطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة فلما رآني أبو جهل قال يا أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم فقال أبو جهل لعنه الله يا بني عبد المطلب متى حدثت فيكم هذه النبية قال قلت وما ذاك قال ذاك الرؤيا التي رأت عاتكة فقلت وما رأت قال يا بني عبد المطلب أما رضيتم أن تستنبأ رجالكم حتى تستنبأ نساؤكم
وفي رواية ما رضيتم يا بني هاشم بكذب الرجال حتى جئتمونا بكذب النساء اه قال أبو جهل قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث فإن يك حقا ما تقول فسيكون وإن تمض الثلاث ولم يكن من ذلك شيء نكتب عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب قال العباس فوالله ما كان مني إليه كبير إلا أني جحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئا وفي رواية أن العباس قال لأبي جهل هل أنت منته يا مصفر استه أي يا مابون أو يا جبان أو الذي يغير لون البرص الذي بمقعدته الزعفران فإن الكذب فيك وفي أهل بيتك فقال من حضرهما ما كنت يا أبا الفضل جهولا ولا خرقا ولقي العباس رضي الله تعالى عنه من أخته عاتكة أذى شديدا حين أفشى من حديثها قال العباس فلم أمسيت لم تبق امرأة من بني عبد المطلب

إلا أتتني أقررتم أي قائلة أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثم قد تناول النساء وأنت تسمع ثم لم يكن عندك غيرة لشيء مما سمعت
ثم قلت لهن وايم الله لأتعرضن له وإن عاد قاتلته وغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا مغضب أرى أني قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه فدخلت المسجد فرأيته فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود إلى بعض ما قال فأوقع به إذ هو قد خرج نحو باب المسجد يشتد أي يعدو فقلت في نفسي ماله لعنه الله أكل هذا فرق أي خوف مني فإذا هو يسمع ما لم أسمع سمع صوت ضمضم بن عمرو الغفاري وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره قد جدع بعيره أي قطع أنفسه وأذناه وحول رحله وشق قميصه وهو يقول يا معشر قريش اللطمة اللطيمة أي أدركوا اللطيمة وهي العير التي تحمل الطيب والبز أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه لا أرى أن تدركوها وفي لفظ إن أصابها محمد لم تفلحوا أبدا الغوث الغوث قال العباس فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر فتجهز الناس سراعا أي وفزعوا أشد الفزع وأشفقوا أي خافوا من رؤيا عاتكة
ويروى أنه قالوا أيظن محمد واصحابه ان تكون كعير ابن الحضرمي والله ليعلمن غير ذلك فكانوا بين رجلين إما خارج وإما باعث مكانه رجلا أي وأعان قويهم ضعيفهم وقام أشراف قريش يحضون الناس على الخروج وقال سهيل بن عمرو يا آل غالب أتاركون أنتم محمدا والصباة من أهل يثرب يأخذون أموالكم من أراد مالا فهذا مالي ومن أراد قوتا فهذا قوتي ولم يتخلف من أشراف قريش إلا أبو لهب أي خوفا من رؤيا عاتكة فإنه كان يقول رؤيا عاتكة كأخذ بيد أي صادقة لا تتخلف وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة أي استأجره بأربعة آلاف درهم كانت له عليه دينا أفلس بها أي قال له أخرج وديني لك أي ويقال إن ذلك الدين كان ربا ومن ثم جاء في لفظ وكان لاطه بأربعة آلاف درهم قال أبو عبيد وسمى الربا لياطا لأنه ملصق بالبيع وليس ببيع
وفي كلام البلاذري أنه قامر أبا لهب على أن يطيعه فيما أراد فقمره أبو لهب فأسلمه إلى ضيق أي ضيق عليه بالطلب ثم قامره فقمره أبو لهب أيضا فأرسله مكانه إلى بدر

وهشام هذا قتله عمر بن الخطاب في هذه الغزوة حتى إن أمية بن خلف أراد القعود وكان شيخا جسيما ثقيلا فجاء إليه وهو جالس مع قومه عقبة بن أبي معيط بمجمرة فيها مجمر أي بخور يحملها حتى وضعها بين يديه ثم قال يا أبا علي استجمر فإنما أنت من النساء فقال له قبحك الله وقبح ما جئت به أي وكان عقبة كما في فتح الباري سفيها وكان أبو جهل سلط عقبة على ذلك وفي لفظ أتاه أبو جهل فقال له يا ابا صفوان إنك متى يراك الناس قد تخلفت وأنت سيد أهل الوادي وفي لفظ وأنت من أشراف الوادي تخلفوا معك فسر يوما أو يومين أي ولا مانع من وجود ذلك كله فتجهز مع الناس
أي وسبب تخلفه أن سعد بن معاذ قدم مكة معتمرا فنزل عليه لأن أمية كان ينزل على سعد بالمدينة إذا ذهب إلى الشام في تجارته فقال سعد لأمية أنظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت فقال أمية لسعد انتظر حتى إذا انتصف النهار وغفلت الناس انطلقت فطفت وفي لفظ فخرج أمية به قريبا من نصف النهار فبينما سعد يطوف إذ أتاه أبو جهل فقال من هذا الذي يطوف فقال له سعد أنا سعد بن معاذ فقال له أبو جهل أتطوف بالكعبة آمنا وقد آويتم محمدا واصحابه وفي لفظ آويتم الصباة وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالما فتلاحيا أي تخاصم وسعد يرفع صوته بقوله أما والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه طريقك على المدينة فصار أمية يقول لسعد لا ترفع صوتك على أبي الحكم فإنه سيد أهل الوادي وجعل يسكت سعدا فقال سعد لأمية إليك عني فإني سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يزعم أنه قاتلك قال إياي قال نعم قال بمكة قال لا أدري قال والله ما كذب محمد فكاد يحدث أي يبول في ثيابه فزعا فرجع إلى امرأته فقال ما تعلمين ما قال أخي اليثربي يعني سعد بن معاذ قالت وما ذاك قال زعم أنه سمع محمدا يزعم أنه قاتلي قالت فوالله ما يكذب محمد قال فلما جاء الصريخ واراد الخروج قالت له امرأته أما علمت ما قال لك أخوك اليثربي قال فإني إذن لا أخرج فلما صمم على عدم الخروج بل أقسم بالله لا يخرج من مكة قيل له ما تقدم فخرج ناويا أن يرجع عنهم
أي ومعنى كونه صلى الله عليه وسلم قاتله أنه كان سببا في قتله وإلا فهو صلى الله عليه

وسلم لم يباشر إلا قتل أخيه وهو أبي بن خلف في أحد كما سيأتي ومن ثم جاء في رواية قال لأمية إن أصحابه يعني النبي صلى الله عليه وسلم يقتلونك
ويحتمل أن سعد بن معاذ رضي الله عنه سمعه صلى الله عليه وسلم يقول أنا اقتل أبي ابن خلف ففهم رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم يريد أمية لا أبيا
أي وفي الإمتاع أن أمية بن خلف وعتبة وشيبة ابني ربيعة وزمعة بن الأسود وحكيم ابن حزام استقسموا بالأزلام فخرج لهم القدح الناهي أي المكتوب عليه لا تفعل فأجمعوا على المقام فجاءهم أبو جهل لعنه الله وأزعجهم وأعانه على ذلك عقبة ابن أبي معيط والنضر بن الحارث
ويقال إن عداسا قال لسيده عتبة وشيبة ابني ربيعة بأبي وأمي أنتما والله ما تساقان إلا لمصارعكما فأراد عدم الخروج فلم يزل بهما أبو جهل حتى خرجا عازمين على العود عن الجيش
ولما فرغوا من جهازهم أي وكان ذلك في ثلاثة أيام وقيل في يومين وأجمعوا السير أي عزموا عليه وكانوا خمسين وتسعمائة وقيل كانوا ألفا وقادوا مائة فرس أي عليها مائة درع سوى دروع المشاة قال ابن إسحاق وخرجوا على الصعب والذلول أي لشدة إسراعهم والصعب الذي لا ينقاد والذلول الذي ينقاد معهم القيان أي بفتح القاف وتخفيف المثناة تحت وفي آخره نون جمع قينة وهي الأمة مطلقا وقيل المغنية والمراد هنا الثاني لقوله في الإمتاع ومعهم القينات يضربن بالدفوف يغنين أي بهجاء المسلمين
وسيأتي في أحد خروج جماعة من نساء قريش معهن الدفوف وعند خروجهم ذكروا ما بينهم وبين كنانة من الحرب أي والدماء وقالوا نخشى أن يأتونا من خلفنا أي لأن قريشا كان قتلت شخصا من كنانة وأن شخصا من قريش كان شابا وضيئا له ذؤابة وعليه حلة خرج في طلب ضالة له فمر ببني كنانة وفيهم سيدهم وهو عامر بن الخلوج فرآه فأعجبه فقال له من أنت يا غلام فذكر أنه من قريش فلما ولى الغلام قال عامر لقومه أمالكم في قريش من آدم قالوا بلى فأغراهم به فقتلوه ثم قال بنو كنانة لقريش رجل برجل فقالت قريش نعم رجل برجل ثم إن أخا المقتول ظفر بعامر بمر الظهران فعلاه بالسيف حتى قتله ثم خاط بطنه بسيفه ثم جاء وعلقه بأستار الكعبة من الليل

فلما أصبحت قريش رأوا سيف عامر عرفوه وعرفوا قاتله أي وكاد ذلك يثنيهم أي يصرفهم عن الخروج فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك المدلجي وكان من أشراف بني كنانة وقال لهم أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه فخرجوا سراعا وخرج معهم إبليس بعدهم أن بني كنانة وراءهم قد اقبلوا لنصرهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم
ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عسكره ببئر أبي عتبة أي وأمر أصحابه أن يستقوا منها وشرب من مائها
وفي الإمتاع عسكر ببيوت السقيا وهي عين بينها وبين المدينة يومان كان يستقى له صلى الله عليه وسلم الماء منها وقد جاء أن عبده صلى الله عليه وسلم رباحا كان يستقي له من بئر غرس مرة ومن بيوت السقيا مرة وقال صلى الله عليه وسلم بئر غرس من عيون الجنة ومن ثم غسل منها صلى الله عليه وسلم كما سيأتي وغرس اسم عبد كان يقوم عليها وقيل غير ذلك
وأمر صلى الله عليه وسلم حين فصل من بيوت السقيا أن تعد المسلمون فوقف لهم عند بئر ابي عتبة فعدوا وهي على ميل من المدينة فعرض اصحابه ورد من استصغر أي وكان ممن رده أسامة بن زيد ورافع بن خديج والبراء بن عازب وأسيد بن ظهير وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت رضي الله عنهم ورد عمير بن أبي وقاص فبكى فأجازه وقتل وعمره ستة عشر عاما وحينئذ يتوقف في رده لأن الخمسة عشر بلوغ بالسن على ما عليه أئمتنا
وخرج صلى الله عليه وسلم في خمسة وثلثمائة رجل من المهاجرين أربعة وستون وباقيهم من الأنصار وقيل كان المهاجرون نيفا وثمانين وكانت الأنصار نيفا وأربعين ومائتين
وذكر الإمام الدواني أنه سمع من مشايخ الحديث أن الدعاء عند ذكرهم يعني أصحاب بدر مستجاب وقد جرب ذلك وخلف عثمان على ابنته صلى الله عليه وسلم رقية وكانت مريضة أ ي وقيل لأنه كان مريضا بالجدري أي ولا مانع من وجود الأمرين وقد قال صلى الله عليه وسلم إن لك لأجر رجل وسهمه أي وكان أبو أمامة بن ثعلبة الأنصاري

أجمع الخروج إلى بدر وكانت أمه مريضة فأمره صلى الله عليه وسلم بالمقام على أمه فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر وقد توفيت فصلى على قبرها
واستعمل صلى الله عليه وسلم أبا لبابة رضي الله عنه واليا على المدينة ة ورده من المحل المذكور أي من بئر أبي عتبة كذا في الأصل وقيل رده من الروحاء وهو المشهور وهي قرية على ليلتين من المدينة كما تقدم
واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة بالناس في المدينة وخلف عاصم بن عدي على أهل قباء وأهل العالية أي لشيء بلغه عن أهل مسجد الضرار لينظر في ذلك وكسر بالروحاء خوات بن جبير أي وفي كلام ابن عبد البر وقال موسى بن عقبة خرج خوات بن جبير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ الصفراء أصاب ساقه حجر ودميت رجله واعتلت فرجع وضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأهل الأخبار يقولون إنه شهد بدرا
وله في الجاهلية قصة مشهورة مع ذات النحيين التي تضرب العرب بها المثل فتقول أشغل من ذات النحيين وهي خولة يروي أنه صلى الله عليه وسلم سأله عنها وتبسم فقال يا رسول الله قد رزقني الله خيرا منها وأعوذ بالله من الحور بعد الكور وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال له ما فعل بعيرك الشارد يعرض بهذه القصة فقال قيده الإسلام يا رسول الله وقيل لم يعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا القول لتلك القضية وإنما هو لقضية أخرى هي أن خواتا مر بنسوة في الجاهلية أعجبه حسنهن فسألهن أن يفتلن له قيدا لبعيره وزعم أنه شارد وجلس إليهن بهذه العلة فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث إليهن فأعرض عنه وعنهن فلما أسلم سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك البعير وهو يتبسم وكسر أيضا الحارث بن الصمة
وبعث له صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد رضي الله عنهم يتحسسان خبر العير والتحسس للأخبار بالحاء المهملة أن يفحص الشخص عن الأخبار بنفسه وبالجيم أي يفحص عنها بغيره وجاء تحسسوا ولا تجسسوا ولم يحضرا لهذا القتال بل رجعا بخبر العير إلى المدينة على ظن أنه صلى الله عليه وسلم بالمدينة فلما علما أنه ببدر خرجا إليه فلقياه منصرفا من بدر واسهم لكل وصار كل من أسهم له يقول وأجري

يا رسول الله فيقول وأجرك ودفع صلى الله عليه وسلم اللواء وكان أبيض إلى مصعب ابن عمير وكان أمامه صلى الله عليه وسلم رايتان سوداوتان إحداهما مع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أي ويقال لها العقاب وكانت من مرط لعائشة
وفي كلام بعضهم كان أبو سفيان بن حرب من أشراف قريش وكانت إليه راية الرؤساء المعروفة بالعقاب وكان لا يحملها في الحرب إلا هو أو رئيس مثله وسيأتي أنه حملها في هذه الغزوة الأب الخامس لإمامنا الشافعي وهو السائب بن يزيد والأخرى مع بعض الأنصار وابن قتيبة اقتصر على الأولى وذكر بعضهم أن بعض الأنصار هذا قيل هو سعد بن معاذ وقيل الحباب بن المنذر وهذا يرد ما تقدم في غزوة بواط عن ابن إسحاق وما سيأتي في غزوة بني قينقاع عن ابن سعد أن الرايات لم تكن وجدت وإنما حدثت يوم خبير
ومما يؤيد الرد ما جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اعطى عليا كرم الله وجهه الراية يوم بدر وهو ابن عشرين سنة وفي الهدى أن لواء المهاجرين كان مع مصعب بن عمير ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر ولواء الأوس مع سعد بن معاذ ولم يذكر الرايتين
وفي الإمتاع أنه صلى الله عليه وسلم عقد الألوية وهي ثلاثة لواء يحمله مصعب ابن عمير ورايتان سوداوتان إحداهما مع علي والأخرى مع رجل من الأنصار وفيه إطلاق اللواء على الراية وقد تقدم أن جماعة من أهل اللغة صرحوا بترادف اللواء والراية
وكان صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة على غير لواء معقود وقال في الأصل والمعروف أن سعد بن معاذ كان على حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش أي كما سيأتي قال أي جوابا عما تقدم عن الأصل العريش كان ببدر أي وهذا كان عند خروجهم وفي الطريق فلا منافاة أي لأنه يجوز أن يكون في بدر دفع الراية لغيره بإذنه صلى الله عليه وسلم ليكون معه في العريش ولبس صلى الله عليه وسلم درعه ذات الفضول وتقلد صلى الله عليه وسلم سيفه العضب
وحين فصل صلى الله عليه وسلم من بيوت السقيا قال اللهم إنهم حفاة فاحملهم وعراة فاكسهم وجياع فأشبعهم وعالة فأغنهم من فضلك فما رجع أحد منهم يريد

أن يركب إلا وجد ظهرا للرجل البعير والبعيران واكتسى من كان عاريا وأصابوا طعاما من أزوادهم وأصابوا فداء الأسارى فاغتنى به كل عائل
وكان حبيب بن يساف ذا بأس ونجدة ولم يكن اسلم ولكنه خرج نجدة لقومه من الخزرج طالبا للغنيمة ففرح المسلمون بخروجه معهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصحبنا إلا من كان على ديننا أي وفي رواية ارجع فإنا لا نستعين بمشرك أي وسيأتي في أحداثه صلى الله عليه وسلم قال لا ننتصر بأهل الشرك على أهل الشرك لما رد حلفاء عبد الله بن أبي ابن سلول من يهود وتكررت من حبيب المراجعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الثالثة قال له تؤمن بالله ورسوله قال نعم فأسلم وقاتل قتالا شديد
وفي الإمتاع وقدم حبيب بن يساف بالروحاء مسلما ولا مخالفة لجواز أن يكون أسلم قبل الروحاء
ولما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما أو يومين ثم نادى مناديه يا معشر العصاة إني مفطر فأفطروا
وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان قال لهم قبل ذلك أفطروا فلم يفطروا انتهى وسيأتي في فتح مكة أنه صلى الله عليه وسلم بالفطر فلم يفعل جماعة منهم ذلك فقال أولئك العصاة وكانت إبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي التي معهم يومئذ سبعين بعيرا فاعتقبوها كل ثلاثة يعتقبون بعيرا أي إلا ما كان من حمزة وزيد بن حارثة وأبي كبشة وأنيسة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن هؤلاء الأربعة كانوا يعتقبون بعيرا
أي وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالأجراس أن تقطع من أعناق الإبل يوم بدر
وفي الإمتاع فكانوا يتعاقبون الإبل الاثنين والثلاثة والأربعة هذا كلامه فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه ومرثد يعتقبون بعيرا وفي لفظ كان أبو لبابة وعلي والنبي صلى الله عليه وسلم يعتقبون بعيرا أي وذلك قبل أن يرد أبا لبابة للمدينة من الروحاء وبعد أن رده قام مقامه مرثد وقيل زيد بن حارثة وقيل زيد كان مع حمزة أي كما تقدم

ويجوز انه كان مع حمزة تارة ومع النبي صلى الله عليه وسلم اخرى فكان اذا كانت عقبة النبي صلى الله عليه وسلم قالا له أي رفيقاه اركب حتى نمشى معك فيقول ما انتما باقوى مني على المشي وما انا باغنى عن الاجر منكما
وكان ابو بكر وعمر وعبدالرحمن بن عوف رضى الله عنهم يعتقبون بعيرا أي ورفاعة وخلاد ابنا رافع وعبيد بن يزيد الانصارى يعتقبون بعيرا حتى اذا كانوا بالروحاء برك بعيرهم عيا فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله برك علينا بكرنا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فتمضمض والقاه في اناء أي وفي الامتاع فتمضمض وتوضا في اناء ثم قال افتح فاه فصب منه في فيه ثم صب باقي ذلك عليه ثم قال اركبا ومضى فلحقاه وانه لينفر بهم أي وامر صلى الله عليه وسلم باحصاء من معه وهو محتمل لان يكون امر بذلك ثانيا بعد الروحاء بعد ان رد ابا لبابة وبعد عدهم في بئر ابي عتبة فاذا هم ثلثمائة وثلاثة عشر ففرح بذلك وقال عدة اصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر وهذا قول عامة السلف كما قاله ابن جرير رحمه الله ومن زاد على ذلك عد منهم من رده صلى الله عليه وسلم من الروحاء ومن اسهم له ولم يحضر ومن نقص عن ذلك وعدهم ثلثمائة وخمس رجال أو ست رجال أو سبعة رجال فالجواب عنه لا يخفى
وكان في الجيش خمسة افراس فرسان له صلى الله عليه وسلم وفرس لمرثد ويقال له السيل وفرس للمقداد بن الاسود نسب اليه لانه تبناه في الجاهلية كما تقدم ويقال لها سبحة وفرس للزبير ويقال له اليعسوب وقيل لم يكن في الجيش الا فرسان فرس المقداد وفرس الزبير
وعن علي رضى الله تعالى عنه ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد اقول يجوز ان يكون المراد لم يقاتل يوم بدر فارسا الا المقداد وغيره ممن له فرس قاتل راجلا ويؤيده ما يأتي انه صلى الله عليه وسلم لما قسم الغنيمة لم يميز احدا عن احد الراجل مع الراجل والفارس مع الفارس لكن قد يخالفه قول الزمخشري في خصائص العشرة كان الزبير رضى الله عنه صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وليس على الميمنة يومئذ فارس غيره هذا كلامه الا ان يقال كون الزبير فارسا على الميمنة

لا يخالف كون المقداد فارسا في محل اخر مع الجماعة الذين فيهم سيدنا علي كرم الله وجهه فقول سيدنا علي لم يكن فينا أي في الجماعة الملازمين لنا تأمل والله اعلم
وفي اثناء الطريق بعرق الظبية لقوا رجلا من الاعراب فسالوه عن الناس فلم يجدوا عنده خبرا فقال له الناس سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال افيكم رسول الله قالوا نعم فسلم عليه ثم قال ان كنت رسول الله فاخبرني بما في بطن ناقتي هذه فقال له سلامه بن سلامة بن وقش لا تسل رسول الله صلى الله عليه وسلم اقبل علي انا اخبرك عن ذلك نزوت عليها ففي بطنها منك سخلة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم افحست على الرجل ثم اعرض عن سلامة فلما نزلوا بواد يقال له ذفران بكسر الفاء أي وهو واد قريب من الصفراء اتاه الخبر عن قريش بمسيرهم ليمنعوا عيرهم فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه واخبرهم الخبر أي قال لهم ان القوم قد خرجوا من مكة على كل صعب وذلول أي مسرعين فما تقولون العير احب اليكم من النفير فقالوا بلى أي قالت ذلك طائفة منهم العير احب الينا من لقاء العدو وفي رواية هلا ذكرت لنا القتال حتى نتأهب له انا خرجنا للعير وفي رواية يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو فعند ذلك تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد روى ذلك عن ابي ايوب رضى الله عنه في سبب نزول قوله تعالى { كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون } وعند ذلك قام ابو بكر فقال واحسن ثم قام عمر فقال واحسن ثم قام المقداد فقال يا رسول الله امض لما امرك الله فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل أي لموسى { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون } اذهب انت وربك فقاتلا انا معكم مقاتلون ما دامت منا عين تطرف فوالله الذي بعثك بالحق نبيا لو سرت بنا الى برك الغماد وهي مدينة بالحبشة لجالدنا أي ضربنا بالسيوف معك من دونه حتى نبلغه وفي لفظ نقاتل عن يمينك وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك قال ابن مسعود فرايت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرق لذلك وسر بذلك
وفي الكشاف فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ثم دعا له بخير
هذا وفي العرائس روى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه يوم الحديبية

حين صد عن البيت اني ذاهب بالهدى فتأخر عند البيت واستشار اصحابه في ذلك فقال المقداد بن الاسود اما والله لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى فاذهب انت وربك فقاتلا انا ههنا قاعدون ولكنا نقول انا معكم مقاتلون والله لنقاتلن عن يمينك وشمالك ومن بين يديك ولو خضت بحرا لخضناه معك ولو علوت جبلا لعلوناه معك ولو ذهبت بنا برك الغماد لتابعناك فلما سمع اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك تابعوه فاشرق عند ذلك وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم والتعدد ممكن لكنه بعيد ثم قال اشيروا علي فقال عمر يا رسول الله انها قريش وعزها والله ما ذلت منذ عزت ولا امنت منذ كفرت والله لتقاتلنك فتاهب لذلك اهبته واعدد لذلك عدته أي ثم استشارهم ثالثا فقال اشيروا على ايها الناس ففهمت الانصار انه يعنيهم وذلك لانهم عدد الناس أي اكثرهم عددا ومن ثم قيل وانما كرر رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستشارة أي في ذلك المجلس ليعرف حال الانصار فانه تخوف ان لا تكون الانصار ترى عليها نصرته الا ممن دهمه أي جاءه على حين غفلة بالمدينة من عدوه وان ليس عليهم ان يسير بهم الى عدو من بلادهم عملا بظاهر قولهم له صلى الله عليه وسلم حين بايعوه عند العقبة يا رسول الله اناء براء من ذمامك حتى تصل الى دارنا فاذا وصلت اليها فانت في ذمتنا نمنعك بما نمنع به ابناءنا ونساءنا ومن ثم قال له سعد بن معاذ سيد الاوس وقيل سعد ابن عبادة سيد الخزرج وانما حكى بصيفة التمريض لانه قد اختلف في عده في البدريين والصحيح انه لم يشهد بدرا فانه كان تهيأ للخروج فنهش بالمهملة أي لدغته الحيه قبل ان يخرج فاقام أي وضرب له بسهم فقال لعلك تريدنا معاشر الانصار يا رسول الله فقا أجل قال قد امنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئت به هو الحق واعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة زاد في رواية ولعلك يا رسول الله تخشى ان تكون الانصار ترى عليها ان لا ينصروك الا في ديارهم واني اقول عن الانصار واجيب عنهم فاظعن حيث شئت وصل حبل من شئت واقطع حبل من شئت وفي لفظ وصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت وسالم من شئت وعاد من شئت وخذ من اموالنا ما شئت وما اخذت منا اكان احب الينا مما تركت وما امرت فيه من امر فامرنا تبع لامرك فامض يا رسول الله لما اردت فنحن معك والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره ان تلقى بنا عدونا

وانا لصبر في الحرب صدق اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك وفي لفظ بعض ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله تعالى فنحن عن يمينك وشمالك وبين يديك ومن خلفك فسر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك أي واشرق وجهه بقول سعد ونشطه ذلك ثم قال صلى الله عليه وسلم سيروا وابشروا فان الله تعالى قد وعدني احدى الطائفتين أي وهما عير قريش ومن خرج من مكة من قريش يريد حماية ذلك العير فوالله لكأني الان انظر الى مصارع القوم أي فقد اعلمه الله تعالى بعد وعده بذلك بالظفر بالطائفة الثانية واراه مصارعهم فعلم القوم انهم ملاقون القتال وان العير لا تحصل لهم
ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذفران حتى نزل قريبا من بدر فركب صلى الله عليه وسلم هو وابو بكر رضى الله عنه أي وقيل بدل ابي بكر قتادة بن النعمان وقيل معاذ بن جبل حتى وقفا على شيخ من العرب أي يقال له سفيان قال في النور لا اعلم له اسلاما فساله صلى الله عليه وسلم عن قريش وعن محمد واصحابه وما بلغه عنهم فقا الشيخ لا اخبركما حتى تخبراني من انتما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اخبرتنا اخبرناك فقال الشيخ ذاك بذاك قال نعم قال فانه قد بلغني ان محمدا واصحابه خرجوا يوم كذا وكذا فان كان صدق الذي اخبرني به فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه وبلغني ان قريشا خرجوا يوم كذا وكذا فان كان الذي اخبرني به صدق فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي نزلت به قريش فلما فرغ من خبره قال من انتما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن من ماء أي من ماء دافق وهو المنى ثم انصرفا عنه فقال الشيخ من ماء من ماء العراق فهم ان المراد بالماء حقيقته
أي لكن في الامتاع فقال النبي صلى الله عليه وسلم نحن من ماء واشار بيده الى العراق فقال من ماء العراق أي واضيف الماء إلى العراق لكثرته به وفيه ان هذا من التورية وقد تقدم في اوائل الهجرة انه لا ينبغي لنبي ان يكذب ولو صورة ومنه التورية
لكن في كلام القاضي البيضاوى وما روى انه عليه الصلاة والسلام قال لابراهيم عليه الصلاة والسلام ثلاث كذبات تسمية للمعاريض كذبا لما شابهت صورتها صورته ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اصحابه ودعا لهم فقال اللهم انهم حفاة فاحملهم

اللهم انهم عراة فاكسهم اللهم انهم جياع فاشبعهم ففتح الله لهم يوم بدر فانقلبوا حين انقلبوا وما منهم رجل الا وقد رجع بجمل او جملين واكتسوا وشبعوا اخرجه ابو داود عن عمرو ابن العاص رضى الله تعالى عنه أي شبعوا واكتسوا بما اصابوه من كسوة وأزواد قريش
وفي الامتاع ان دعاءه صلى الله عليه وسلم المذكور كان عند مفارقته محل معسكره بالمدينة وهو بيوت السقيا كما تقدم وتقدم فيه زيادة وعالة فأغنهم فأصابوا الاسرى فاغتنى بهم كل عائل ولا مانع ان يكون دعاؤه صلى الله عليه وسلم بذلك تكرر
فلما امسى صلى الله عليه وسلم بعث علي بن ابي طالب والزبير بن العوام وسعد بن ابي وقاص في نفر من اصحابه رضى الله تعالى عنهم إلى بدر يلتمسون الخبر فاصابوا راوية لقريش معها غلام لبني الحجاج وغلام لبني العاص فأتوا بهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي فقالوا لمن أنتما وظنوا انهما لابي سفيان فقالا نحن سقاة لقريش بعثونا نسقيهم من الماء فضربوهما فلما أوجعوهما ضربا قالا نحن لابي سفيان فتركوهما فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته قال إذا صدقاكم ضربتوهما واذا كذبا كم تركتموهما صدقا والله انهما لقريش اخبراني عن قريش قالا هم وراء هذا الكثيب أي التل من الرمل الذي يرى بالعدوة القصوى أي جانب الوادي المرتفع فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كم القوم قالا كثير أي وفي لفظ هم والله كثير عددهم شديد بأسهم قال ما عدتهم قالا لا ندري أي وجهد النبي صلى الله عليه وسلم ان يخبراه كم هم فأبيا قال صلى الله عليه وسلم كم تنحرون أي من الجزر كل يوم قالا يوما تسعا ويوما عشرا فقال صلى الله عليه وسلم القوم ما بين التسعمائة والالف أي لكل جزور مائة ثم قال لهما فمن فيهم من اشراف قريش قالا عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وابو البحتري بن هشام وحكيم بن حزام ونوفل بن خويلد والحارث بن عامر بن نوفل وطعيمة بن عدي بن نوفل والنضر بن الحارث وزمعة بن الاسود وابو جهل بن هشام وامية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وسهيل بن عمرو العامري أي رضى الله تعالى عنه فانه اسلم بعد ذلك يوم الفتح وهو من اشراف قريش وخطبائهم وسيأتي انه ممن اسر في هذه الغزاة وعمرو بن عبدود فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال هذه مكة قد ألقت اليكم افلاذ أي قطع كبدها أي اشرافها وعظماءها وذكر ان مسيرهم واقامتهم كانت عشر

ليال حتى بلغوا الجحفة أي وهي قرية بقرب رابغ كما تقدم نزلوا بها عشاء أي وفي الامتاع انهم ردوا القيان من الجحفة
اقول هذا والذي في مسلم وابي داود عن انس رضي الله تعالى عنه فاذا هم بروايا قريش فيها رجل اسود لبني الحجاج فجاءوا به فكانوا يسالونه عن ابي سفيان فيقول مالي بأبي سفيان علم فاذا قال ذلك ضربوه واذا قال هذا ابو سفيان تركوه الحديث
أي وفي الامتاع واخذ تلك الليلة يسار غلام عبيدة بن سعيد بن العاص واسلم علام منبه بن الحجاج وابو رافع غلام اميه بن خلف فاتى بهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي الحديث
وقد يقال لا منافاة لان بعض الرواة ذكر الثلاثة وبعضهم اقتصر على اثنين وبعضهم اقتصر على واحد والله اعلم
وكان مع قريش رجل من بني المطلب بن عبد مناف يقال له جهم بن الصلت رضي الله تعالى عنه فانه اسلم في عام خيبر واعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر ثلاثين وسقا وقيل اسلم بعد الفتح فوضع راسه فأغفى ثم قام فزعا فقال لاصحابه هل رأيتم الفارس الذي وقف على فقالوا لا قال قد وقف على فارس فقال قتل ابو جهل وعتبة وشيبة وزمعة وابو البحتري وامية بن خلف وفلان وفلان وعد رجالا من اشراف قريش ممن قتل يوم بدر أي وقال اسر سهيل بن عمرو وفلان وفلان وعد رجالا ممن اسر قال ثم رايت ذلك الفارس ضرب في لبه بعيره ثم ارسله في العسكر فما من خباء من أخيه العسكر إلا أصابه من دمه فقال له أصحابه إنه لعب بك الشيطان ولما شاعت هذه الرؤيا في العسكر وبلغت ابا جهل قال قد جئتم بكذب بني عبد المطلب مع كذب بني هاشم سيرون غدا من يقتل وفي لفظ قال ابو جهل هذا نبي آخر من بني المطلب سيعلم غدا من المقتول نحن أو محمد وأصحابه وأول من نحر لهم حين خرجوا من مكة ابو جهل بن هشام عشر جزائر أي بم الظهران وكانت جزور منها بعد ان نحرت بها حياة فجالت في العسكر فما بقي خباء من اخبية العسكر الا اصابه من دمها كذا في الامتاع
ومن هذا المحل رجع بنو عدي أي تفاؤلا بذلك ثم نحر لهم سفيان بن امية بعسفان تسع جزائر ونحر لهم سهيل بن عمرو بقديد عشر جزائر وساروا من قديد فضلوا بهائم

ثم اصبحوا بالجحفة فنحر لهم عتبة بن ربيعة عشر جزائر فلما اصبحوا بالابواء نحر لهم مقيس بن عمرو الجمحى تسع جزائر أي ويقال ان الذي نحر لهم بالابواء نبيه ومنبه ابنا الحجاج عشرا ونحر لهم العباس بن عبد المطلب عشر جزائر ونحر لهم الحارث بن عامر ابن نوفل تسعا ونحر لهم ابو البحترى على ماء بدر عشر جزائر ونحر لهم مقيس الجمحى على ماء بدر تسعا أي ثم شغلهم الحرب فأكلوا من ازوادهم ثم مضى رجلان من الصحابة أي قبل وصوله صلى الله عليه وسلم الى بدر وكذا قبل وصول قريش الى بدر كما يدل عليه الكلام الاتي خلاف ما يدل عليه هذا السياق الى ما ء بدر فنزلا قريبا منه عند تل هناك ثم اخذا شنا لهما يستقيان فيه وشخص على الماء واذا جاريتان يتلازمان أي يتخاصمان تمسك احداهما الاخرى على الماء والملزومة تقول لصاحبتها انما يأتي العير غدا او بعد غد فاعمل لهم واقضيك الذي لك فقال ذلك الرجل الذي على الماء صدقت ثم خلص بينهما وسمع ذلك الرجلان فجلسا على بعيرهما ثم انطلقا حتى اتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبراه بما سمعا ثم ان ابا سفيان تقدم العير حذرا حتى ورد الماء فلقى ذلك الرجل فقال له هل احسست احدا قال ما رايت احدا انكره الا اني قد رايت راكبين قد اناخا الى هذا التل ثم استقيا في شن لهما ثم انطلقا
فأتى ابو سفيان مناخهما فاخذ من ابعار بعيرهما ففتته فاذا فيه النوى فقال والله علائف يثرب فرجع الى اصحابه سريعا فصوب عيره عن الطريق وترك بدرا بيسار وانطلق حتى اسرع فلما علم انه قد احرز عيره ارسل الى قريش أي وقد كان بلغه مجيئهم ليحرزوا العير وكانوا حينئذ بالجحفة انكم انما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم واموالكم وقد نجاها الله تعالى فارجعوا فقال ابو جهل والله لا نرجع حتى نحضر بدرا فنقيم عليه ثلاثة ايام فلا بد ان ننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان أي تضرب بالمعازف أي الملاهي وقيل الدفوف وقيل ل الطنابير وقيل نوع منها يتخذه اهل اليمن وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا ابدا بعدها وسيأتى في غزاة بدر الموعد ان موسم بدر يكون عند هلال ذى القعدة في كل عام يمكث ثمانية ايام ويبعد ارادة ذلك لابي جهل أي اقامتهم ببدر بقية رمضان وتمام شوال
قال ولما ارسل ابو سفيان يقول لقريش ما تقدم أي ورد عليه ابو جهل بما ذكر

قال هذا بغي والبغي منقصة وشؤم وعند ذلك رجع منهم بنو زهرة وكانوا نحو المائة انتهى أي وقيل ثلثمائة وقائدهم كان الأخنس بن شريق
وفي كلام ابن الاثير فلم يقتل منهم أي من بني زهرة أحدا ببدر وفي كلام غيره ولم يشهد بدرا احد من بني زهرة الا رجلان قتلا كافرين فان الاخنس قال لبني زهرة يا بني زهرة قد نجى الله اموالكم وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل انما نفرتم لتمنعوه وماله واجعلوا بي حميتها وارجعوا فانه لا حاجة لكم بان تخرجوا في غير منفعة لاما يقول هذا يعني ابا جهل وقال لابي جهل أي وقد خلا به اترى محمدا يكذب فقال ما كذب قط كنا نسميه الامين لكن اذا كانت في بني عبد المطلب السقاية والرفادة والمشورة ثم تكون فيهم النبوة فاي شيء يكون لنا فانخنس الاخنس ورجع ببني زهرة أي واسمه ابي وانما لقب بالاخنس من حين رجع ببني زهرة فقيل خنس بهم فسمى الاخنس كان حليفا لبني زهرة مقدما فيهم رضى الله تعالى عنه فانه اسلم يوم الفتح واعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المؤلفة قلوبهم
ورأيت عن السهيلي انه قتل يوم بدر كافرا وتبعه على ذلك التلمساني في حاشية الشفاء واستدل له بقول القاضي البيضاوي ان قوله تعالى { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } الاية نزلت في الاخنس بن شريق وفي الاصابة انه كان من المؤلفة ومات في خلافة عمر
وعن السدى ان الاخنس جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فاظهر اسلامه وقال الله يعلم اني لصادق ثم هرب بعد ذلك فمر بقوم مسلمين فحرق زرعهم فنزلت { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا } الى قوله { وبئس المهاد }
قال ابن عطيه ما ثبت قط ان الاخنس اسلم قلت قد اثبته في الصحابة جماعة ولا مانع ان يكون اسلم ثم ارتد ثم رجع إلى الاسلام هذا كلام الاصابة
وفي كلام ابن قتيبة ولم يسلم الاخنس وفي كلام بعضهم ثلاثة ابن وابوه وجده شهدوا بدرا الاخنس وابنه يزيد وابنه معن فليتأمل ذلك
قال واراد بنو هاشم الرجوع فاشتد عليهم ابو جهل وقال لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع انتهى
ثم لم يزالوا سائرين حتى نزلوا بالعدوة القصوى قريبا من الماء ونزل رسول الله

صلى الله عليه وسلم والمسلمون بعيدا من الماء بينهم وبين الماء رحلة فظمىء المسلمون وأصابهم ضيق شديد واجنب غالبهم والقى الشيطان في قلوبهم الغيظ فوسوس إليهم تزعمون انكم اولياء الله تعالى وانكم على الحق وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء وانتم عطاش وتصلون مجنبين أي وما ينتظر اعداؤكم الا ان يقطع العطش رقابكم ويذهب قواكم فيحكموا فيكم كيف شاؤوا
وفي الكشاف فاذا قطع العطش اعناقكم مشوا اليكم فقتلوا من احبوا وساقوا بقيتكم الى مكة فحزنوا حزنا شديدا وأشفقوا وكان الوادي دهسا بالسين المهملة أي لينا كثير التراب تسيخ فيه الاقدام فبعث الله السماء أي المطر فأطفأت الغبار ولبدت الارض أي شدتها للنبي صلى الله عليه وسلم ولاصحابه أي وطهرهم به واذهب عنه رجز الشيطان أي وسوسته وشربوا منه وملئوا الاسقية وسقوا الركائب واغتسلوا من الجنابة أي وطابت نفوسهم فذلك قوله تعالى { وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به } أي من الاحداث { ويذهب عنكم رجز الشيطان } أي وسوسته { وليربط على قلوبكم } أي يشدها ويقويها { ويثبت به الأقدام } أي بتلبيد الارض حتى لا تسوخ في الرمل واصاب قريشا منها مالم يقدروا على ان يرتحلوا منه أي ويصلوا الى الماء أي فكان المطر نعمة وقوة للمؤمنين وبلاء ونقمة للمشركين
وعن علي رضى الله تعالى عنه اصابنا من الليل طس من مطر فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل تحتها من المطر وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه
وعن علي رضى الله تعالى عنه ما كان فينا أي تلك الليلة قائم الا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تحت شجرة ويكثر في سجوده أي يقول يا حي ياقيوم يكرر ذلك حتى اصبح أي لا ن المسلمين اصابهم تلك الليلة نعاس شديد يلقى الشخص على جنبه
أي وعن قتادة كان النعاس امنة من الله وكان النعاس نعاسين نعاس يوم بدر ونعاس يوم احد لان النعاس هنا كان ليلا قبل القتال وفي احد كان وقت القتال وكون النعاس امنة وقت القتال أو وقت التأهب له وهو وقت المصافة واضح لاقبله
هذا وذكر الشمس الشامى انه لما نزلت الملائكة والناس بعد على مصافهم لم يحملوا على عدوهم وبشرهم صلى الله عليه وسلم بنزول الملائكة حصل لهم الطمأنينة والسكينة وقد حصل لهم النعاس الذي هو دليل على الطمأنينة وربما يقتضي انه حصل لهم النعاس

عند المصافة والا فقد يقال ان قوله وقد حصل لهم النعاس جملة حالية أي والحال انه حصل لهم قبل ذلك في تلك الليلة لا في وقت المصافة
ولا يبعد ذلك قوله بعد ذلك ولهذا قال ابن مسعود رضى الله تعالى عنه النعاس في المصاف من الايمان والنعاس في الصلاة من النفاق أي لانه في الاول يدل على ثبات الجنان وفي الثاني يدل على عدم الاهتمام بامر الصلاة
فلما ان طلع الفجر نادى صلى الله عليه وسلم الصلاة عباد الله فجاء الناس من تحت الشجر الحجف فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرض على القتال أي في خطبة خطبها افقال بعد ان حمد الله واثنى عليه اما بعد فاني احثكم على ما حثكم الله عليه الى ان قال وان الصبر في مواطن الباس مما يفرج الله تعالى به الهم وينجى به من الغم الحديث
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادرهم أي يسابق قريشا الى الماء فسبقهم عليه حتى جاء ادنى ماء من بدر أي اقرب ماء الى بدر من بقية مياهها فنزل به صلى الله عليه وسلم فقال له الحباب بن المنذر يا رسول الله ارأيت هذا المنزل امنزل انزلكه الله تعالى ليس لنا ان نتقدمه ولا نتأخر عنه ام هو الراي والحرب والمكيدة قال بل هو الرأي والحرب والمكيدة قال يا رسول الله ان هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى تاتي ادنى ماء من القوم أي اذا نزل القوم يعني قريشا كان ذلك الماء اقرب المياه أي محله اقرب المياه إليهم قال الحباب فاني اعرف غزارة مائه وكثرته بحيث لا ينزح فننزله ثم نغور ما عداه من القلب أي وهي الابار غير المبنية ثم نبني عليه حوضا فتملآه ماء فنشرب ولا يشربون لان القلب كلها حينئذ تصير خلف ذلك القليب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد اشرت بالرأي ونزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرأي ما اشار اليه الحباب فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس فسار حتى اتى ادنى ماء من القوم أي من المحل الذي ينزل به القوم فنزل عليه ثم امر بالقلب فغورت بسكون الواو
وقال السهيلي لما كانت القلب عينا جعلها كعين الانسان ويقال في عين الانسان غرتها فغارت ولا يقال غورتها أي بالتشديد وبنى صلى الله عليه وسلم حوضا على القليب

الذى نزل به فملاه ماء ثم قذفوا فيه الانية ومن يومئذ قيل للحباب ذو الرأي وظاهر كلام بعضهم انه كان معروفا بذلك قبل هذه الغزاة
وفيه ان ذلك القليب اذا كان خلف ظهورهم وسائر القلب خلفه ما المعنى في تغويرها لانها اذا لم تغورهم يشربون ولا يشرب القوم الا ان يقال المعنى لئلا ياتوا اليها من خلفهم فالغرض قطع اطماعهم من الماء فليتأمل واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم بل هو الرأي على جواز الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم في الحرب نظرا لصورة السبب أو مطلقا لان صورة السبب لا تخصص وجواز الاجتهاد له مطلقا هو الراجح
ومما استدل به على وقوع الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم في الاحكام قوله الا الاذخر عقب ما قيل له الا الاذخر قال السبكى وليس قاطعا لاحتمال ان يكون اوحى إليه في تلك اللحظة
هذا وفي كلام بعضهم انهم نزلوا على ذلك القليب نصف الليل فصنعوا الحوض وملئوه وقذفوا فيه الانية بعد ان استقوا منه وسيأتى ما يؤيده
وقال سعد بن معاذ يا نبي الله الا نبني عريشا أي وهو شيء كالخيمة من جريد يستظل به تكون فيه ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فان اعزنا الله تعالى واظهرنا على عدونا كان ذلك ما احببنا وان كانت الاخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا فقد تخلف عنك اقوام يا نبي الله ما نحن باشد لك حبا منهم ولا اطوع لك منهم لهم رغبة في الجهاد ونية ولو ظنو انك تلقى حربا ما تخلفوا عنك انما ظنوا انها العير يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك فاثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير أي وقال او يقضى الله خيرا من ذلك يا سعد أي وهو نصرهم وظهورهم على عدوهم ثم بنى أي ذلك العريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي فوق تل مشرف على المعركة كان فيه
أي وعن علي رضي الله تعالى عنه انه قال لجمع من الصحابه اخبروني عن اشجع الناس قالوا انت قال اشجع الناس ابو بكر لما كان يوم بدر جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشا فقلنا من مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي من يكون معه لئلا يهوى اليه احد من المشركين فوالله مادنا منا احد الا ابو بكر شاهرا بالسيف على راس رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهوى اليه احد الا اهوى اليه أي

ولذلك حكم علي انه اشجع الناس وبه يرد قول الشيعة والرافضة ان الخلافة لا يستحقها الا علي لانه اشجع الناس أي وهذا كان قبل ان يلتحم القتال والا فبعد التحامه كان علي على باب العريش الذي به صلى الله عليه وسلم وابو بكر وسعد بن معاذ قائمان على باب العريش في نفر من الانصار كما سيأتي
ومما استدل على ان ابا بكر اشجع من علي ان عليا اخبره النبي صلى الله عليه وسلم انه لا يقتله الا ابن ملجم فكان اذا دخل الحرب ولاقى الخصم علم انه لا قدرة له على قتله فهو معه كالنائم على فراشه واما ابو بكر فلم يخبر بقاتله فكان اذا دخل الحرب لا يدري هل يقتل اولا ومن هذه حاله يقاسي من التعب مالا يقاسيه غيره
ومم يدل على ذلك ما وقع له في قتال اهل الردة وتصميمه العزم على مقاتلة مانعي الزكاة مع تثبيط سيدنا عمر له عن ذلك
فلما كان الصباح اقبلت قريش من الكثيب هذا يؤيد القول بانه صلى الله عليه وسلم سار باصحابه ليلا يبادرهم الى الماء لان ذلك بعد طلوع الفجر وصلاة الصبح كما تقدم لان الظاهر من قول الراوي اقبلت أي عليهم هم ماكثون
ويؤيده ايضا ما في مسلم عن انس رضى الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال ليلة بدر أي بعد ان وصل الى محل الوقعة هذا مصرع فلان ان شاء الله غدا ووضع يده على الارض وهذا مصرع فلان ههنا وهذا مصرع فلان ههنا قال انس ما ماط احدهم عن موضع يده صلى الله عليه وسلم أي ما تنحى فليتأمل الجمع
ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا وقد اقبلت بالدروع الساترة والجموع الوافرة والاسلحة الشاكية أي التامة قال اللهم هذه قريش قد اقبلت بخيلائها أي كبرها وعجبها وفخرها تجادلك أي تعايك وتخالف امرك وتكذب رسولك فنصرك أي انجز نصرك الذي وعدتني أي وفي لفظ اللهم انك انزلت على الكتاب وامرتني بالثبات ووعدتني احدى الطائفتين أي وقد فاتت احداهما وهي العير وانك لا تخلف الميعاد اللهم احبهم أي اهلكهم الغداة وفي رواية اللهم لا تفلتن ابا جهل فرعون هذه الامة اللهم لا تفلتن زمعة بن الاسود اللهم واسحق عين ابي زمعة واعم بصر ابي زمعة اللهم لا تفلتن سهيلا الحديث
ولما اطمأنت قريش ارسلوا عمير بن وهب الجمحى أي رضى الله تعالى عنه

فانه اسلم بعد ذلك وحسن اسلامه وشهد احدا معه صلى الله عليه وسلم فقالوا احزر لنا اصحاب محمد أي انظر لنا عدتهم فاستجال بفرسه حول عسكر النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع اليهم فقال ثلثمائة رجل يزيدون قليلا او ينقصون قليلا ولكن امهلوني حتى انظر للقوم كمينا او مددا فذهب في الوادى حتى ابعد فلم ير شيئا ثم رجع إليهم وقال ما رأيت شيئا ولكني قد رايت يا معشر قريش البلايا أي وهي في الاصل النوق تبرك على قبر صاحبها فلا تعلف لا تسقى حتى تموت تحمل المنايا أي الموت أي نواضح يثرب تحمل الموت الناقع أي البالغ
زاد بعضهم الا ترونهم خرسا لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الافاعى لا يريدون ان ينقلبوا الى اهلهم زرق العيون كأنهم الحصا تحت الحجف يعنى الانصار قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ الا سيوفهم والله ما نرى ان نقتل منهم رجلا حتى يقتل رجل منكم فاذا اصابوا منكم اعدادهم فما خير العيش بعد ذلك فروا رأيكم فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في الناس فاتى عتبة بن ربيعة فقال يا ابا الوليد انك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها هل لك الى ان لا تزال تذكر فيها بخير الى اخر الدهر قال وما ذاك يا حكيم قال ترجع بالناس فقام عتبة خطيبا فقال يا معشر قريش انكم والله ما تصنعون بان تلقوا محمدا وأصحابه شيئا والله لئن اصبتموه لا يزال رجل ينظر في وجه رجل يكره النظر اليه قتل ابن عمه وابن خاله ورجلا من عشيرته فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب فان اصابوه فذاك الذي اردتم وان كان غير ذلك اكفاكم ولم تعرضوا منه ما تريدون أي يا قوم اعصبوها اليوم براسي أي اجعلوا عارها متعلقا بي وقولوا جبن عتبة وانتم تعلمون اني لست بأجبنكم
أي وفي لفظ اخر ان حكيم بن حزام قال لعتبة بن ربيعة تجير بين الناس وتحمل دم حليفك عمرو بن الحضرمى أي الذي قتله واقد بن عبدالله في سرية عبدالله ابن جحش الى نخلة وهو اول قتيل قتله المسلمون وتحمل ما اصاب محمد من تلك العير أي الذي غنمه عبدالله بن جحش كما سيأتى في السرايا فانهم لا يطلبون من محمد الا ذلك فقال عتبة نعم قد فعلت أي هو حليفى فعلى عقله وما اصيب من المال ونعم ما قلت ونعم مادعوت اليه وركب عتبة جملا له وصار يجيله في صفوف قريش

يقول يا قوم اطيعوني فانكم لا تطلبون غير دم ابن الحضرمي وما اخذ من العير وقد تحملت ذلك
زاد بعضهم انه قال يا معشر قريش انشدكم الله في هذه الوجوه التي تضىء ضياء المصابيح يعنى قريشا ان تجعلوها اندادا لهذه الوجوه التي كأنها عيون الحيات يعنى الانصار وهذا كما ترى وما يأتى ايضا يضعف قول من قال انه صلى الله عليه وسلم عقل ابن الحضرمى أي اعطى ديته
وقد كان صلى الله عليه وسلم لما رأى قريشا اقبلت من الكثيب وعتبة على جمل احمر قال ان يكن في احد من القوم خير فعند صاحب الجمل الاحمر
أي وفي رواية ان يكن احد يامر بخير فعسى ان يكون صاحب الجمل الاحمر ان يطيعوه يرشدوا ولما راى رسول الله صلى الله عليه وسلم راكب الجمل الاحمر يجيله في صفوف قريش قال يا علي ناد حمزه وكان اقربهم إلى المشركين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من صاحب الجمل الاحمر وماذا يقول لهم فقال هو عتبة بن ربيعة ينهى عن القتال وحينئذ يكون قوله صلى الله عليه وسلم ان يكن في احد من القوم خير الخ من اعلام نبوته صلى الله عليه وسلم
ثم قال عتبة لحكيم بن حزام انطلق لابن الحنظلية يعنى ابا جهل قال حكيم فانطلقت حتى جئت ابا جهل فوجدته قد سل درعا له من جرابها أي اخرجها منه فقلت له يا ابا الحكم ان عتبة ارسلني اليك بكذا وكذا للذي قال فقال انتفخ والله سحره أي رئته كلمه تقال للجبان
وفي لفظ انه قال لعتبة وقد جاء الله اليه انت تقول هذا والله لو غيرك يقول هذا لاعضضته أي قلت له اغضض على بظر امك ان قد ملأت رئتك جوفك رعبا كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد وقال لحكيم ما بعتبة ما قال ولكنه قد راى ان محمدا واصحابه اكلة جزور أي في قلة بحيث يكفيهم الجزور وفيهم ابنه أي وهو ابو حذيفة رضى الله تعالى عنه فانه كان ممن اسلم قديما فقد تخوفكم عليه
أي وفي رواية انه قال يا معشر قريش انما يشير عليكم عتبة بهذا لان ابنه مع محمد ومحمد ابن عمه فهو كره ان تقتلوا ابنه وابن عمه فغضب عتبة وسب ابا جهل وقال سيعلم اينا افسد لقومه

أي ومن غريب الاتفاق ان ام ابان بنت عتبة بن ربيعة المذكور كان لها اربعة اخوة وعمان كل منهم حضر بدرا اثنان من اخوتها مسلمان واثنان مشركان وواحد من عميها مسلم ولاخر كافر فالاخوان المسلمان ابو حذيفة ومصعب بن عمير ولعله كان اخاها لامها والكافران الوليد بن عتبة وابو عزيز العم المسلم معمر بن الحارث ولعله كان اخا لعتبة لأمه والعم الكافر شيبة بن ربيعة وكان من حكمة الله تعالى ان الله جعل المسلمين قبل ان يلتحم القتال في اعين المشركين قليلا استدراجا لهم ليقدموا ولما التحم القتال جعلهم الله في اعين المشركين كثيرا ليحصل لهم الرعب والوهن وجعل الله المشركين عند التحام القتال في اعين المسلمين قليلا ليقوى جأشهم على مقاتلتهم
ومن ثم جاء عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه انه قال لقد قللوا في اعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل اتراهم سبعين قال اراهم مائة وانزل الله تعالى { وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم } ومن ثم قال الله تعالى { قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم } أي يرى اولئك الكفار المؤمنين مثليهم راى العين
أي وقد ذكر ان قباث بن اشيم رضى الله تعالى عنه فانه اسلم بعد ذلك قال في نفسه يوم بدر لو خرجت نساء قريش باكمتها لردت محمدا واصحابه وعنه انه قال لما كان بعد الخندق قدمت المدينة سالت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا هو ذاك في محل المسجد مع ملأ من اصحابه فاتيته وانا لا اعرفه من بينهم فسلمت عليه فقال صلى الله عليه وسلم يا قباث انت القائل يوم بدر لو خرجت نساء قريش بأكمتها ردت محمدا واصحابه فقال قباث والذى بعثك بالحق ما تحدث به لساني ولا ترفرفت به شفتاى ولا سمعه مني احد وما هو الا شىء هجس في قلبي وحينئذ يكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم له انت القائل أي في نفسك اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله وان ما جئت به الحق
ولما بلغ عتبة ما قاله ابو جهل قال سيعلم مصفر استه من انتفخ سحره انا ام هو وقد تقدم معنى مصفر استه
وذكر السهيلى هنا ان هذه الكمة لم يخترعها عتبة ولا هو ابو عذرتها فقد قيلت لبعض الملوك وكان مترفها لا يغزو في الحروب يريدون صفرة الخلوق والطيب وسادة

العرب لا تستعمل الخلوق والطيب الا في الدعة وتعيبه في الحرب اشد العيب واظن ان ابا جهل لما علم بسلامة العير استعمل الطيب والخلوق فلذلك قال له عتبة هذه الكلمة وانما اراد مصفر بدنه ولكنه قصد المبالغة في الذم فخص منه بالذكر ما يسوؤه ان يذكر هذا كلامه
وذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه اليهم يقول ارجعوا فانه ان يل هذا الامر منى غيركم احب الي من ان تلوه مني فقال حكيم ابن حزام قد عرض نصفا فاقبلوه فوالله لا تنصرون عليه بعد ما عرض من النصف فقال ابو جهل والله لا نرجع بعد ان مكننا الله منهم ثم ان ابا جهل بعث الى عامر ابن الحضرمي أي اخو المقتول الذي هو عمرو وقال هذا حليفك يعني عتبة يريد ان يرجع بالناس وفي لفظ يخذل الناس عن القتال وقد تحمل دية اخيك من ماله يزعم انك قابلها الا تستحي ان تقبل الدية من مال عتبة وقد رايت ثأرك بعينك فقم فاذكر مقتل اخيك وكان عامر كأخيه المقتول من حلفاء عتبة وسياتي ذلك فقام عامر بن الحضرمى فاكتشف أي كشف استه أي وحثا عليه التراب ثم صرخ واعمراه واعمراه فثارت النفوس أي وعامر هذا لا يعرف له اسلام
أي وفي الاستيعاب عامر بن الحضرمى قبل يوم بدر كافرا واما اخوهما العلاء فمن فضلاء الصحابة رضى الله تعالى عنهم أي وقد كان يقال انه مجاب الدعوة وانه خاض البحر هو وسريته التي كان اميرا عليها وذلك في زمن خلافة عمر رضى الله تعالى عنه ويقال يبس حتى رىء الغبار من حوافر الخيل بكلمات قالها ودعا بها وهى يا علي يا حكيم يا علي يا عظيم انا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك اللهم فاجعل لنا اليهم سبيلا
وقد وقع نظير ذلك أي دخول البحر لأبي مسلم الخولاني التابعي فانه لما غزا الروم مع جيشه مروا بنهر عظيم بينهم وبين العدو فقال ابو مسلم اللهم اجزت بني اسرائيل البحر وانا عبادك وفي سبيلك فأجزنا هذا النهر اليوم ثم قال اعبروا بسم الله فعبروا فلم يبلغ الماء بطون الخيل
وكذا وقع نظير ذلك لابي عبيد الثقفي التابعى امير الجيوش في ايام سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه فان دجلة حالت بينه وبين العدو فتلا قوله تعالى { وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا }

ثم سمى الله تعالى واقتحم بفرسه الماء واقتحم الجيش وراءه ولما نظر اليهم الاعاجم صاروا يقولون ديوانا ديوانا أي مجانين ثم ولوا مدبرين فقتلهم المسلمون وغنموا اموالهم وله اخ يقال له ميمون وهو الذي حفر البئر التي بأعلى مكة التي يقال لها بئر ميمون ولم اقف على اسلامه
واما اختهم التي هي الصعبة وهي ام طلحة بن عبيد الله فصحابية رضى الله تعالى عنها كانت اولا تحت ابي سفيان بن حرب فطلقها فخلف عليها عبيدالله فولدت له طلحة الذي قال في حقه صلى الله عليه وسلم من اراد ان ينظر الى شهيد يمشى على وجه الارض فلينظر الى طلحة بن عبيدالله
ثم ان الاسود بن عبد الاسد المخزومي وهو اخو ابي سلمة عبدالله بن عبد الاسد وكان رجلا شرسا سيء الخلق شديد العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء انه اول من يعطى كتابه بشماله كما ان اخاه ابا سلمة اول من يعطى كتابه بيمينه كما تقدم قال اعاهد الله لاشربن من حوضهم او لاهدمنه او لاموتن دونه فلما خرج خرج اليه حمزة بن عبد المطلب فلما التقيا ضربه حمزة فأطل قدمه بنصف ساقه أي اسرع قطعها فطارت وهو دون الحوض فوقع على ظهره تشخب رجله دما ثم حبا الى الحوض حتى اقتحم فيه أي وشرب منه وهدمه برجله الصحيحه يريد ان تبر يمينه فاتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض واقبل نفر من قريش حتى وردوا ذلك الحوض منهم حكيم بن حزام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوهم فما شرب منه رجل يومئذ الا قتل كافرا الا ما كان من حكيم بن حزام فانه لم يقتل ثم اسلم بعد ذلك وحسن اسلامه فكان اذا اجتهد في يمينه قال لا والذي نجاني يوم بدر
وعلى ان هذا الحوض كان وراء ظهره صلى الله عليه وسلم يكون مجىء هؤلاء للحوض من خلفه صلى الله عليه وسلم فليتأمل
ثم ان عتبة بن ربيعة التمس بيضة أي خودة ليدخلها في رأسه فما وجد في الجيش بيضة تسع راسه لعظمها فاعتجر على راسه ببردله أي تعمم به ولم يجعل تحت لحيته من العمامة شيئا وخرج بين اخيه شيبة وابنه الوليد حتى فصل من الصف ودعا للمبارزة فخرج اليه فتية من الانصار ثلاثة اخوة اشقاء هم معوذ ومعاذ وعوف بنو عفراء وقيل بدل عوف عبدالله بن رواحة فقالوا من انتم قالوا رهط من الانصار

قالوا ما لنا بكم من حاجة وفي رواية اكفاء كرام انما نريد قومنا أي وفي لفظ ولكن اخرجوا الينا من بني عمنا أي وفي لفظ انه صلى الله عليه وسلم امرهم بالرجوع فرجعوا الى مصافهم وقال لهم خيرا لانه كره ان تكون الشوكة لغير بني عمه وقومه في اول قتال وعند ذلك نادى مناديهم يا محمد اخرج الينا اكفاءنا من قومنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم قم يا عبيدة بن الحارث وقم يا حمزة وقم يا علي وفي لفظ قوموا يا بني هاشم فقاتلوا بحقكم الذي بعث به نبيكم اذ جاءوا ببطلانهم ليطفئوا نور الله قم يا عبيدة بن الحرث قم يا حمزة قم يا علي فلما قاموا ودنوا قالوا لهم من انتم أي لانهم كانوا ملبسين لا يعرفون من السلاح قال عبيدة عبيدة وقال حمزة حمزة وقال علي علي قالوا نعم اكفاء كرام فبارز عبيدة بن الحارث وكان اسن القوم كان اسن من النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنين عتبة بن ربيعة وبارز حمزة شيبة وبارز على الوليد فأما حمزة فلم يمهل ان قتل شيبة واما علي فلم يمهل ان قتل الوليد واختلف عبيدة وعتبة بينهما بضربتين كلاهما اثبت صاحبه وكر حمزة وعلي باسيافهما على عتبة فذفناه بالمهملة والمعجمة واحتملا صاحبهما فجراه الى اصحابه أي واضجعوه الى جانب موقفه صلى الله عليه وسلم فافرشه رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمه الشريفه فوضع خده عليها وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهد انك شهيد أي بعد ان قال له عبيدة الست شهيدا يا رسول الله فتوفى في الصفراء ودفن بها عند مرجع المسلمين الى المدينة
وقيل برز حمزة لعتبة وعبيدة لشيبة وعلي للوليد واختلف عبيدة وشيبة بينهما بضربتين كلاهما اثبت صاحبه وقعت الضربة في ركبة عبيدة فاطاحت رجله وصار مخ ساقه يسيل ثم مال حمزة وعلي على شيبة فذففا عليه
أي ويقال ان شيبة لما صرع من ضربة عبيدة قام فقام إليه حمزة فاختلفا ضربتين فلم يصنع سيفهما شيئا فاعتنق كل واحد منهما صاحبه فاهوى عبيدة وهو صريع فضرب شيبة فقطع ساقه فذفف عليه حمزة
وقيل بارز علي شيبة وبارز عبيدة الوليد فقد روى الطبراني باسناد حسن عن علي انه قال اعنت انا وحمزة عبيدة بن الحارث على الوليد فلم يعب النبي صلى الله عليه وسلم علينا ذلك

وقال الحافظ ابن حجر وهذا اصح الروايات ولكن المشهور ان عليا كرم الله وجهه انما بارز الوليد وهذا هو اللائق بالمقام لان عتبة وشيبة كانا شيخين كعبيدة وحمزة بخلاف علي والوليد فكانا شابين وقتل حمزة طعيمة بن عدي اخا المطعم بن عدي وتقدم ان المطعم مات قبل هذه الغزاة بستة اشهر كافرا
قيل وهذه المبارزة اول مبارزة وقعت في الاسلام
وفي الصحيحين عن ابي ذر انه كان يقسم قسما ان هذه الاية { هذان خصمان اختصموا في ربهم } نزلت في حمزة وصاحبه وعتبة وصاحبه يوم بدر
وفي البخارى عن علي رضى الله تعالى عنه انه اول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة
وقيل اول من يقف بين يدي الله تعالى للخصومة علي ومعاوية ثم تزاحم الناس ودنا بعضهم من بعض وقد كان عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوف اصحابه بقدح في يده أي بسهم لا نصل له ولا ريش فمر بسواد بتخفيف الواو لا بتشديدها كما زعمه ابن هشام بن غزية بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي وتشديد الياء أي حليف بني النجار وهو خارج من الصف فطعنه صلى الله عليه وسلم في بطنه بالقدح وقال استو يا سواد فقال يا رسول الله اوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني أي مكني من القود أي القصاص من نفسك فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال استقد أي خذ القود أي القصاص فاعتنقه فقبل بطنه الشريف فقال ما حملك على هذا يا سواد فقال يا رسول الله حضر ما ترى فاردت ان يكون اخر العهدبك ان يمس جلدي جلدك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير
وفيه ان هذا لا قود فيه ولا قصاص عندنا فليتأمل وسواد هذا جعله صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر عاملا على خيبر كما سيأتي
أي وفي حديث حسن عن عبدالرحمن بن عوف قال صفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فبدرت منا بادرة امام الصف فنظر اليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال معي معي
اقول وقع له صلى الله عليه وسلم بعض الانصار أي وهو سواد بن عمرو مثل هذا الذي وقع له مع سواد بن غزية

ففي ابي داود ان رجلا من الانصار كان فيه مزاح فبينما هو يحدث القوم يضحكهم اذ طعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خاصرته بعود كان في يده وفي لفظ بعرجون وفي اخر بعصا فقال اصبرني يا رسول الله أي اقدني ومكني من نفسك لاقتص منك فقال اصبر أي اقتص قال ان عليك قميصا وليس على قميص فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه فاحتضنه وجعل يقبل كشحه
أي ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم انه ما التصق ببدنه مسلم وتمسه النار كذا في الخصائص الصغرى وفيها في محل اخر ولا تاكل النار شيئا مس جسده وكذلك الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم
ثم لما عدل الصفوف قال لهم ان دنا القوم منكم فانصحوهم أي ادفعوهم عنكم بالنبل واستبقوا نبلكم أي لا ترموهم على بعد فان الرمى مع البعد غالبا يخطىء فيضيع النبل بلا فائدة أي وقال لهم لا تسلوا السيوف حتى يغشوكم وخطبهم خطبة حثهم فيها على الجهاد وعلى المصابرة فيه منها وان الصبر في مواطن البأس مما يفرج الله عز وجل به الهم وينجى به من الغم وهذا السياق يدل على تكرر هذه الخطبة أي وقوعها قبل مجيئهم الى محل القتال وبعد مجيئهم اليه ولا مانع منه
ثم رجع صلى الله عليه وسلم الى العريش فدخله ومعه ابو بكر ليس معه فيه غيره وسعد بن معاذ قائم على باب العريش متوشح بسيفه مع نفر من الانصار يخافون على رسول الله صلى الله عليه وسلم كرة العدو أي والجنائب مهيأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان احتاج اليها ركبها ولما اصطف الناس للقتال رمى قطبه بن عامر حجرا بين الصفين وقال لا افر الا ان فر هذا الحجر وكان اول من خرج من المسلمين مهجع بكسر الميم واسكان الهاء فجيم مفتوحة فعين مهملة مولى عمر بن الخطاب فقتله عامر ابن الحضرمى بسهم ارسله اليه ونقل بعض المشايخ انه اول من يدعى من شهداء هذه الامة وانه صلى الله عليه وسلم قال يومئذ مهجع سيد الشهداء أي من هذه الامة فلا ينافى ما جاء ان سيد الشهداء يوم القيامة يحيى بن زكريا وقائدهم الى الجنة وذابح الموت يوم القيامة يضجعه ويذبحه بشفرة في يده والناس ينظرون إليه لكن جاء سيد الشهداء هابيل الا ان تجعل الاولية اضافية فيراد اول اولاد آدم لصلبه
قيل وكون مهجع اول قتيل من المسلمين لا ينافى كون اول قتيل من المسلمين عمير بن

الحمام لان ذاك اول قتيل من المهاجرين وعمير اول قتيل من الانصار ولا ينافى ذلك ان اول قتيل من الانصار حارثة بن قيس أي قتل بسهم لم يدر راميه
ففى البخارى عن حميد قال سمعت انسا يقول اصيب حارثة يوم بدر وهو غلام قتل بارسال سهم اليه أي فانه اصابه سهم غرب أي لا يعرف راميه وهو يشرب من الحوض
وفي كلام ابن اسحاق اول من قتل من المسلمين مهجع مولى عمر بن الخطاب ومن بعده حارثة بن سراقة وقد جاءت ام حارثة وهي عمة انس بن مالك الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله حدثني عن حارثة فان يكن في الجنة لم ابك عليه ولكن احزن وان يكن في النار بكيت ما عشت في دار الدنيا وفي رواية ان يكن في الجنة صبرت وان يكن غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء فقال يا ام حارثة انها ليست بجنة ولكنها جنات وحارثة في الفردوس الاعلى فرجعت وهي تضحك وتقول بخ بخ لك يا حارثة وهذا قد يخالف قول ابن القيم كالزمخشري ان الجنة التي هي دار الثواب واحدة بالذات كثيرة بالاسماء والصفات وهذا الاسم الذي هو الجنة يجمعها من اسمائها جنة عدن والفردوس والمأوى ودار السلام ودار الخلد ودار المقامة ودار النعيم ومقعد صدق وغير ذلك مما يزيد على عشرين اسما
أي وعن الواقدى انه بلغ امه واخته وهما بالمدينة مقتله فقالت امه والله لا ابكى عليه حتى يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأساله فان كان في الجنة لم ابك عليه وفي رواية اصبر واحتسب وان كان ابني في النار بكيته
وفي رواية ترى ما اصنع فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر جاءت امه فقالت يا رسول الله قد عرفت موقع حارثة من قلبي فأردت ان ابكي عليه ثم قلت لا افعل حتى اسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فان كان في الجنة لم ابك عليه وان كان في النار بكيته فقال النبي صلى الله عليه وسلم هبلت وفي رواية ويحك أو هبلت اجنة واحدة انها جنان كثيرة والذي نفسي بيده انه لفي الفردوس لاعلى ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء من ماء فغمس يده فيه ومضمض فاه ثم ناوله ام حارثة فشربت ثم ناولت ابنتها فشربت ثم امرهما ينضحان في جيوبهما ففعلتا فرجعتا من عند النبي صلى الله عليه وسلم وما بالمدينة امرأتان اقر عينا منهما ولا اسر

وقد كان حارثة سال رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يدعو له بالشهادة فقد جاء انه صلى الله عليه وسلم قال لحارثة يوما وقد استقبله كيف اصبحت يا حارثة قال اصبحت مؤمنا بالله حقا قال انظر ما تقول فان لكل قول حقيقة قال يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلى وأظمأت نهاري فكأني بعرش ربى بارزا وكاني انظر الى اهل الجنة يتزاورون فيها وكاني انظر الى اهل النار يتعاوون فيها قال ابصرت فالزم عبد أي انت عبد بذر الله الايمان في قلبه قال فقلت ادع الله لي بالشهادة فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وقال ابو جهل واصحابه حين قتل عتبة وشيبة والوليد تصبرا لنا لعزى ولا عزى لكم ونادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم الله مولانا ولا مولى لكم قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار
اقول سياتي وقوع مثل ما قال ابو جهل واصحابه من ابي سفيان وانه اجيب بمثل هذا الجواب في يوم وأحد والله اعلم
وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده من النصر أي وهذا العريش هو المراد بالقبة في قول البخاري عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبة يوم بدر اللهم انشدك عهدك الحديث ويقول اللهم ان تهلك هذه العصابة اليوم فلا تعبد أي وفي مسلم انه صلى الله عليه وسلم قال اللهم انك ان تشأ لا تعبد في الارض قال ذلك في هذا اليوم وفي يوم احد
قال العلماء فيه التسليم لقدر الله تعالى والرد على غلاة القدرية الذين يزعمون ان الشر غير مراد لله ولا مقدور له
وذكر الامام النوي ان كونه قال ما ذكر يوم بدر هو المشهور وفي كتب التفسير والمغازي انه يوم احد ولا معارضة بينهما فقاله في اليومين هذا كلامه
أي يجوز ان يكون قال ذلك في يوم بدر وفي يوم احد وفي رواية اللهم ان ظهروا على هذه العصابة ظهر الشرك ولا يقوم لك دين أي لانه صلى الله عليه وسلم علم انه اخر النبيين فاذا هلك هو ومن معه لا يبقى من يتعبد بهذه الشريعة وفي لفظ اخر اللهم لا تودع مني ولا تخذلني انشدك ما وعدتني لانه كان وعده النصر وفي رواية ما زال يدعو ربه مادا يديه مستقبل القبلة حتى سقط رداؤه عن منكبه فاخذ ابو بكر رداءه وألقاه على منكبه ثم التزمه من ورائه وقال يا نبي الله كفاك تناشدك ربك فانه سينجز

لك ما وعدك أي وفي رواية والله لينصرنك الله وليبيضن وجهك أي وفي لفظ قد الححت على ربك وكون وعد الله لا يتخلف لا ينافى الالحاح في الدعاء لان الله يحب الملحين في الدعاء وانما قال ابو بكر ما ذكر لانه شق عليه تعب النبي صلى الله عليه وسلم في الحاحه بالدعاء لانه رضى الله تعالى عنه رقيق القلب شديد الاشفاق على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقيل لان الصديق كان في تلك الساعة في مقام الرجاء والنبي صلى الله عليه وسلم كان في مقام الخوف لان الله يفعل ما يشاء وكلا المقامين سواء في الفضل ذكره السهيلي
وحين راى المسلمون القتال قد نشب عجوا بالدعاء الى الله تعالى فانزل الله تعالى عند ذلك { إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين } أي متتابعين وقيل ردفا لكم ومددا لكم وقيل وراء كل ملك ملك اخر
ويوافق ذلك ما جاء عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما امد الله نبيه يوم بدر بالف من الملائكة فكان جبريل في خمسمائة وميكائيل في خمسمائة فأمده الله تعالى بالملائكة الف مع جبريل والف مع ميكائيل وجاء امده الله بثلاثة الاف الف مع جبريل والف مع ميكائيل والف مع اسرافيل وهذا رواه البيهقي في الدلائل عن على باسناد فيه ضعف
وقيل وعدهم الله تعالى ان يمدهم بالف ثم زيدوا في الوعد بالفين ثم زيدوا في الوعد بالفين ايضا
وقيل امدهم الله تعالى بثلاثة الاف من الملائكة ثم اكملهم بخمسة الاف قال الله تعالى { إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين } أي الف مع جبريل والف مع ميكائيل والف مع اسرافيل { بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين } فان ذلك كان يوم بدر على ما عليه الاكثر وقيل يوم احد كان الامداد فيه بذلك أي بثلاثة الاف ثم وقع الوعد بإكمالهم خمسة الاف معلقا على شرط وهو التقوى والصبر عن حوز الغنائم فلم يصبروا ففات الامداد بما زاد على الثلاثة الاف
وهذا الثاني هو الذي في النهر لابي حيان كان المدد يوم بدر بالف من الملائكة ويوم احد بثلاثة الاف ثم بخمسة لو صبروا عن اخذ العنائم فلم يصبروا فلم تنزل هذا

كلامه وهو واضح لان عدم صبرهم عن اخذ الغنائم وعدم امتثال امره انما كان في احد لا في بدر
وروى البيهقى عن حكيم بن حزام رضى الله عنه ان يوم بدر وقع نمل من السماء قد سد الافق فاذا الوادي يسيل نملا أي نازلا من السماء فوقع في نفسي ان هذا شىء ايد به صلى الله عليه وسلم وهي الملائكة
أي وروى بسند حسن عن جبير بن مطعم قال رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد الاسود مبثوث حتى امتلآ الوادى فلم اشك انها الملائكة فلم يكن الا هزيمة القوم والبجاد كساء مخطط من اكسية الاعراب وسيأتي وقوع مثل ذلك في حنين
قال وانما كانت الملائكة شركاء لهم في بعض الفعل ليكون الفعل منسوبا للنبي صلى الله عليه وسلم ولاصحابه والا فجبريل قادر على ان يدفع الكفار بريشة من جناحه كما فعل بمدائن قوم لوط واهلك قوم صالح وثمود بصيحة واحدة وليهابهم العدو بعد ذلك حيث يعلمون ان الملائكة تقاتل معهم
وبهذا يرد ما قيل لم تقاتل الملائكة يوم بدر وانما كانوا يكثرون السواد والا فملك واحد كاف في اهلاك اهل الدنيا كلهم
وجاء لولا ان الله تعالى حال بيننا وبين الملائكة التي نزلت يوم بدر لمات اهل الارض خوفا من شدة صعقاتهم وارتفاع اصواتهم
وجاء في حديث مرسل ما رؤ ى الشيطان ا حقر ولا ادحر ولا اصغر من يوم عرفة الا ما رىء يوم بدر أي وكذا سائر مواسم المغفرة والعتق من النار كأيام رمضان سيما ليلة القدر
وجاء ان ابليس جاء في صورة سراقة بن مالك المدلجي الكناني في جند من الشياطين أي مشركي الجن في صور رجال من بني مدلج من بني كنانة معه رايته وقال للمشركين لا غالب لكم اليوم من الناس واني جار لكم اه أي كما قال لهم ذ لك عند ابتداء خروجهم وقد خافوا من بني كنانة قوم سراقة وقد تقدم انه كان وحده ولا منافاة لجواز ان يكون جنده لحقوا به بعد قال فلما رأى جبريل والملائكة وفي رواية اقبل جبريل الى ابليس فلما راه وكانت يده في يد رجل من المشركين أي وهو الحارث بن هشام اخو ابي جهل

انتزع يده من يد الرجل ثم نكص على عقبه وتبعه جنده فقال له الرجل يا سراقة اتزعم انك لنا جار فقال اني برىء منكم اني ارى ما لا ترون اني اخاف الله والله شديد العقاب وتشبث به الحارث بن هشام رضى الله تعالى عنه فانه اسلم بعد ذلك وقال له والله لا ارى الا خفافيش يثرب فضربه ابليس في صدره فسقط وعند ذلك قال ابو جهل يا معشر الناس لا يهمنكم خذلان سراقة فانه كان على ميعاد من محمد ولا يهمنكم قتل عتبة وشيبة أي والوليد فانهم قد عجلوا واللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمدا واصحابه بالجبال وصار يقول لا تقتلوهم خذوهم باليد
وذكر السهيلي انه يروى ان من بقى من قريش وهرب الى مكة وجد سراقة بمكة فقالوا له يا سراقة خرقت الصف واوقعت فينا الهزيمة فقال والله ما علمت بشىء من امركم وما شهدت وما علمت فما صدقوه حتى اسلموا وسمعوا ما انزل الله فعلموا انه ابليس هذا كلامه
قال قتادة صدق ابليس في قوله اني ارى مالا ترون وكذب في قوله اني اخاف الله والله ما به مخافة من الله
قال في ينبوع الحياة ولا يعجبني هذا فان ابليس عارف بالله ومن عرف الله خافه أي وان لم يكن ابليس خافه حق الخوف
قيل وانما خاف ان يكون هذا اليوم هو اليوم الموعود الذي قال فيه سبحانه وتعالى { يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين }
ورايت عن سيدي على الخواص انه لا يلزم من قول ابليس ذلك ان يكون معتقدا له بالباطن كما هو شان المنافقين
ورايت عن وهب ان اليوم المعلوم الذي انظر فيه ابليس هو يوم بدر قتلته الملائكة في ذلك اليوم والمشهور انه منظر الى يوم القيامة ويدل لذلك ما روى ان ابليس لما ضرب الحارث في صدره لم يزل ذاهبا حتى سقط في البحر ورفع يديه وقال يا رب موعدك الذي وعدتني اللهم اني اسألك نظرتك إياي وخاف ان يخلص اليه القتل
هذا وفي زوائد الجامع الصغير عن مسلم ان سيدنا عيسى عليه السلام يقتل ابليس بيده بعد نزوله وفراغه من صلاته ويرى المسلمين دمه في حربته
وفي كلام بعضهم ولعل المراد بيوم القيامة الذي انظر اليه ابليس ليس نفخة البعث

بل نفخة الصعق التي بها يكون موت من لم يمت من اهل السموات واهل الارض قيل الا حملة العرش وجبريل وميكائيل واسرافيل وملك الموت وهؤلاء ممن استثنى الله تعالى في قوله { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله } ثم يموت جبريل وميكائيل ثم حملة العرش ثم اسرافيل ثم ملك الموت فهو اخر من يموت

وفي كلام بعضهم الصعق اعم من الموت أي فالمراد ما يشمل الغشى وذهاب الشعور أي فمن مات قبل ذلك وصار حيا في البرزخ كالأنبياء والشهداء لا يموت وانما يحصل له غشى وذهاب شعور ويكون المستثنى من القسم الاول من تقدم ذكره من الملائكة ومن القسم الثاني موسى صلوات الله وسلامه عليه فانه جوزى بذلك أي بعدم الغشى وذهاب الشعور بما حصل له من ذلك بسبب صعقة الطور
وفيه انه صلى الله عليه وسلم لم يجزم بذلك بل تردد في ذلك حيث قال فاكون اول من رفع راسه أي افاق من الغشى فاذ انا بموسى اخذ بقائمة من قوائم العرش فلا ادرى ارفع راسه أي افاق من الغشى قبلي او كان ممن استثنى الله فلم يصعق وفي رواية فاذا موسى متعلق بقائمة العرش فلا ادرى اكان فيمن صعق فأفاق قبلي ام كان ممن استثنى الله ولعل بعض الرواه ضم هذا الخبر لخبر الشيخين انا اول من تنشق عنه الارض يوم القيامة فاذا موسى الخ وفيه نظر لان المراد بيوم القيامة عند نفخة البعث ونفخة الصعق سابقة عليها كما علمت
ويلزم على هذا التردد مع كون الخبرين خبرا واحدا اشكال جزمه صلى الله عليه وسلم بانه اول من تنشق عنه الارض
واجاب شيخ الاسلام بما يفيد انهما خبران لاخبر واحد حيث قال التردد كان قبل ان يعلم انه اول من تنشق عنه الارض أي فهما حديثان لا حديث واحد
فان قيل قوله صلى الله عليه وسلم لا تخيروني على موسى فان الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم فأكون اول من يفيق فاذا موسى الحديث يقتضى انه صلى الله عليه وسلم ليس افضل من موسى
قلنا هو كقوله صلى الله عليه وسلم من قال انا خير من يونس بن متى فقد كذب وذلك منه صلى الله عليه وسلم تواضع او كان قبل ان يعلم انه افضل الخلق اجمعين وقيل الوقت المعلوم خروج الدابة واذا خرجت قتلته بوطئها

0 وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان ابليس اذا مرت عليه الدهور وحصل له الهرم عاد ابن ثلاثين سنة وهذه النفخة التي هي نفخة الصعق مسبوقة بنفخة الفزع التي تفزع بها اهل السموات والأرض فتكون الارض كالسفينة في البحر تضر بها الامواج وتسير الجبال كسير السحاب وتنشق السماء وتكسف الشمس ويخسف القمر وهي المعنية بقوله تعالى { يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة } وبقوله تعالى { إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها } الاية وقال تعالى { ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله } قيل وهم الشهداء
فقد جاء ان الاموات يومئذ لا يعلمون بشىء من ذلك قلنا يا رسول الله فمن استثنى الله تعالى في قوله { إلا من شاء الله } قال اولئك الشهداء وانما يصل الفزع الى الاحياء وهم احياء عند ربهم يرزقون وقاهم الله فزع ذلك اليوم وامنهم منه
واقتصاره صلى الله عليه وسلم على ذكر الشهداء وسكوته عن الانبياء لما هو معلوم من الاصل ان مقام الانبياء ارقى من مقام الشهداء وان كان قد يوجد في المفضول مالا يوجد في الفاضل ومن ثم قيل الرزق خاص بالشهداء ومن ثم اختصوا بحرمة الصلاة عليهم
ويقال انه كان مع المسلمين يوم بدر من مؤمني الجن سبعون أي لكن لم يثبت انهم قاتلوا فكانوا مجرد مدد
ثم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خفق خفقة أي مالت راسه من النعاس ثم انتبه فقال ابشر يا ابا بكر اتاك نصر الله هذا جبريل اخذ بعنا فرسه وفي لفظ اخذ براس فرسه يقوده على ثناياه النقع أي الغبار وهو يقول اتاك نصر الله اذ دعوته أي وفي رواية ان جبريل عليه الصلاة والسلام اتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما فرغ من بدر على فرس حمراء معقودة الناصية قد خضب الغبار ثنيته عليه درعه وقال يا محمد ان الله بعثنى إليك وامرني ان لا افارقك حتى ترضى ارضيت
أي ولا مانع من تعدد رؤيته صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه الصلاة والسلام وان هذه بعد تلك وان المرة الاولى مساقها يقتضى انها كانت مناما وان الغبار في المرة الثانية كان اكثر منه في المرة الاولى بحيث علا على ثناياه
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العريش الى الناس فحرضهم وقال والذي

نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر الا ادخله الله الجنة فقال عمير بن الحمام بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم وبيده تمرات يأكلهن بخ بخ كلمة تقال لتعظيم الامر والتعجب منه ما بيني وبين ان ادخل الجنة الا ان يقتلني هؤلاء ثم قذف التمرات من يده واخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل أي وفى رواية انه صلى الله عليه وسلم قال قوموا الى جنة عرضها السموات والارض اعدت للمتقين فقال عمير ابن الحمام بخ بخ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تبخبخ أي م تتعجب فقال رجاء ان اكون من اهلها أي وفي رواية ما يحملك على قولك بخ بخ قال لا والله يا رسول الله الا رجاء ان اكون من اهلها فاخذ تمرات فجعل بلوكهن ثم قال والله ان بقيت حتى الوكهن وفي لفظ ان حييت حتى اكل تمراتي هذه انها لحياة طويلة فنبذهن وقاتل أي وهو يقول ** ركضنا الى الله بغير زاد ** الا التقى وعمل المعاد ** **
والصبر في الله على الجهاد وكل زاد عرضه النفاد ** ** غير التقى والبر والرشاد **
ولا زال يقاتل حتى قتل رضى الله تعالى عنه وسيأتى في غزاة احد مثل هذا لبعض الصحابة ابهمه جابر رضى الله تعالى عنه في القاء التمرات من يده ومقاتلته حتى قتل فعن جابر رضي الله تعالى عنه قال قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم احد أرأيت إن قتلت فأين أنا قال في الجنة قال فألقى تمرات في يده ثم قاتل حتى قتل اخرجه البخارى ومسلم والنسائي وسيأتي ما في ذلك
وقال عوف بن الحارث بن عفراء يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده أي ما يرضيه غاية الرضا قال غمسه يده في العدو حاسرا أي لا درع له ولا مغفر فنزع درعا كانت عليه فقذفها ثم اخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل رضى الله تعالى عنه فالضحك في حق الله كناية عن غاية رضاه
وقد جاء انه صلى الله عليه وسلم قال في طلحة بن الغمر اللهم الق طلحة يضحك اليك وتضحك اليه أي القه لقاء كلقاء المتحابين المظهرين لما في انفسهما من غاية الرضا والمحبة فهي كلمة وجيزة تتضمن الرضا مع المحبة واظهار البشر فهى من جوامع كلمه التي اوتيها صلى الله عليه وسلم

وقاتل في ذلك اليوم معبد بن وهب زوج هريرة بنت زمعة اخت سودة بنت زمعة ام المؤمنين رضى الله تعالى عنها بسيفين ثم اخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة من الحصباء بالمد امره بذلك جبريل عليه الصلاة والسلام كما جاء في بعض الروايات أي قال خذ قبضة من تراب وارمهم بها فتناولها صلى الله عليه وسلم
وفي رواية انه قال لعلي كرم الله وجهه ناولني فاستقبل بها قريشا ثم قال شاهت الوجوه أي قبحت الوجوه أي وزاد بعضهم اللهم ارعب قلوبهم وزلزل اقدامهم ثم نفخهم أي ضربهم بها فلم يبق من المشركين رجل الا ملأت عينه وفي رواية وانفه وفمه لا يدري اين يتوجه يعالج التراب لينزعه من عينيه أي فانهزموا وردفهم المسلمون يقتلون ويأسرون
هذا والمحفوظ المشهور أن تلك إنما كان في حنين لكن يوافق الأول ما نقله بعضهم أن قوله تعالى { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } نزل يوم بدر هكذا قال عروة وعكرمة ومجاهد وقتادة قال هذا البعض وقد فعل عليه الصلاة والسلام مثل ذلك في غزوة أحد هذا كلامه
وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم اخذ ثلاث حصيات فرمى بحصاة في ميمنة القوم وحصاة في ميسرة القوم وحصاة بين ايديهم فقال شاهت الوجوه فانهزم القوم وهذه الحصيات الثلاث قال جابر بن عبدالله رضى الله تعالى عنهما وقعن من السماء يوم بدر كأنهن وقعن في طست فأخذهن رسول اله صلى الله عليه وسلم فرمى بهن في وجوه المشركين أي يمنة ويسرة وبين ايديهم وحين رمى صلى الله عليه وسلم بذلك قال لاصحابه شدوا فكانت الهزيمة وانزل الله تعالى { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى }
وقد يقال لا مانع من اجتماع الامرين وكل منهما مراد من الاية قال وقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بنفسه قتالا شديدا وكذلك ابو بكر رضى الله تعالى عنه كما كانا في العريش يجاهدان بالدعاء قاتلا بأبدانهما جمعا بين المقامين انتهى
اقول كذا نقل بعضهم عن الاموى ويتأمل ذلك فاني لم اقف عليه في كلام احد غيره وكان قائل ذلك فهم مباشرته صلى الله عليه وسلم للقتال مما تقدم عن على رضى الله تعالى عنه لما كان يوم بدر اتقينا المشركين برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان اشد الناس بأسا ولا دلالة في ذلك والله اعلم

نعم ذكر ابن سعد انه لما انهزم المشركون رؤى رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثرهم مصلتا السيف يتلو هذه الاية { سيهزم الجمع ويولون الدبر } وهذه الاية ذكر في الاتقان انها مما تأخر حكمه عن نزوله فانها نزلت بمكة وكان ذلك يوم بدر
فعن عمر رضى الله تعالى عنه قلت أي جمع فلما كان يوم بدر وانهزمت قريش نظرت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في اثارهم مصلتا السيف يقول { سيهزم الجمع ويولون الدبر } فكانت ليوم بدر اخرجه الطبراني في الاوسط ولو قاتل صلى الله عليه وسلم لجرح او قتل من قاتله ولو وقع ذلك لنقل لانه مما تتوفر الدواعي على نقله
وسيأتي في احد عن النور انه صلى الله عليه وسلم لم يقتل بيده الشريفة قط احد الا ابي بن خلف لا قبله ولا بعده والى رميه بالحصا أشار صاحب الهمزية بقوله ** ورمى بالحصا فاقصد جيشا ** ما العصا عنده ما الالقاء **
ي ورمى صلى الله عليه وسلم بالحصا جيشا فأصابهم كلهم بها أي شىء القاء عصا موسى عليه الصلاة والسلام على حبال سحرة فرعون وعصيهم عند ذلك الحصى المرمى به لا يقاربه ذلك الالقاء ولا يدانيه لان ذاك وجد له نظير وهو القاء السحرة الحبال والعصى والرمى بالحصا لم يوجد له نظير
أي وقال صلى الله عليه وسلم حينئذ من قتل قتيلا فله سلبه ومن اسر اسيرا فهو له كما في الامتاع فلما وضع القوم ايديهم يأسرون نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى سعد فوجد في وجهه الكراهية لما يصنع القوم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم قال اجل والله يا رسول الله كانت اول وقعة اوقعها الله بأهل الشرك فكان الاثخان في القتل أي الاكثار منه والمبالغة فيه احب الى من استبقاء الرجال
وذكر بعضهم ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه انكم قد عرفتم ان رجالا من بني هاشم وغيرهم قد اخرجوا اكراها لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقى منكم احدا من بني هاشم فلا يقتله أي بل يأسره وذكر ابا البحتري بن هشام أي فقال من لقى ابا البحتري فلا يقتله أي لانه كان ممن قام في نقض الصحيفة ونص على العباس بن عبدالمطلب فقال ابو حذيفة رضى الله تعالى عنه ايقتل اباؤنا وابناؤنا واخواننا و عشيرتنا ويترك العباس أي لانه تقدم ان اباه عتبة وعمه شيبة واخاه الوليد اول من قتل من الكفار

مبارزة وعشيرته وهي بنو عبد شمس قدقتل منها جماعة لئن لقيته يعنى العباس لألجمنه السيف هو بالمهملة والمعجمة فبلغت أي تلك المقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر يا أبا حفص ايضرب وجه عم رسول الله السيف فقال عمر والله انه لاول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بابي حفص يا رسول الله دعني اضرب عنقه يعني ابا حذيفة بالسيف فوالله لقد نافق فكان ابو حذيفة يقول ما انا بآمن من تلك الكلمة التي قلتها يومئذ ولا ازال منها خائفا الا ان تكفرها عني الشهادة فقتل يوم اليمامة شهيدا في جملة من قتل فيها من الصحابة هم اربعمائة وخمسون وقيل ستمائة رضى الله تعالى عنهم
ولقى المجذر رضى الله تعالى عنه ابا البحترى فقال له ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك فقال وزميلي أي ورفيقي وكان معه زميل له خرج معه من مكة أي يقال له جنادة بن مليحة فقال له المجذر لا والله ما نحن بتاركي زميلك ما امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الا بك وحدك قال لا والله اذا لاموتن انا وهو جميعا لا تتحدث عني نساء مكة اني تركت زميلي أي يقتل حرصا على الحياة فقتله المجذر أي بعد ان قاتله ثم اتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والذي بعثك بالحق لقد جهدت عليه ان يستأسر فآتيك به فابى الا ان يقاتلني فقتلته
اقول لعل المجذر فهم ان ما عدا من نهى عن قتله يقتل وان استأسر حتى قال ما نحن بتاركى زميلك أي ولا بد من قتله وان استاسر فكان ذلك حاملا لأبي البحترى على ان لا يستأسر ويترك زميله فيقتل خوف السبه والله اعلم
أي وكان من جملة من خرج مع المشركين يوم بدر عبدالرحمن بن ابي بكر رضى الله تعالى عنهما وكان اسمه قبل الاسلام عبد الكعبة وقيل عبد العزى فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن وكان من اشجع قريش واشدهم رماية وكان اسن ولد ابيه وكان صالحا وفيه دعابة فلما اسلم قال لابيه لقد اهدفت لي أي ارتفعت لي يوم بدر مرارا فصدفت عنك أي اعرضت عنك فقال ابو بكر لو هدفت لي لم اصدف أي اعرض عنك فالمراد بكونه اهدف له ارتفع وهو لا يشعر بذلك فلا ينافى ماقيل ان عبدالرحمن ابن ابي بكر يوم بدر دعا الى البراز فقام اليه ابوه ابو بكر ليبارزه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم متعنا بنفسك يا ابا بكر اما علمت انك عندى بمنزلة سمعى وبصرى

5 أي وفي بعض السير ان الصديق قال لولده عبدالرحمن يوم بدر وهو مع المشركين لم يسلم أين مالي يا خبيث فقال له عبدالرحمن كلاما معناه لم يبق الا عدة الحرب التي هي السلاح وفرس سريعة الجرى وجنان يقاتل عليه شيوخ الضلال أي وهذا يدل على ان الصديق رضى الله تعالى عنه ترك مالا عند اهله لما هاجر وهو قد يخالف ماتقدم عن ابنته اسماء من قولها ان ابا بكر ارسل ابنه عبدالله فحمل ماله وكان خمسة الاف درهم الى الغار فدخل علينا جدي ابو قحافة الحديث ولعل ماله الذي عناه الصديق ما كان من نحو امتعة وبعض مواشي لا النقد فلا مخالفة
ويروى عن ابن مسعود ان الصديق رضى الله تعالى عنه دعا ابنه يعنى عبدالرحمن يوم احد الى البزار فقال له النبي صلى الله عليه وسلم متعنا بنفسك اما علمت انك مني بمنزلة سمعي وبصري فانزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم } ولا مانع من التعدد حتى في نزول الاية لكن يبعد نزولها في احد ايضا كون ابي بكر يدعو للمبارزة بعد نزولها اولا في بدر
ثم رأيت ابن ظفر قال في الينبوع انه لم يثبت ان ابا بكر دعا ابنه للمبارزة وانما هو شىء ذكر في كتب التفسير فانزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم } فالاية مدنية لا مكية وبه يرد ما ذكر ان سببها ان ابا بكر سمع والده ابا قحافة يذكر النبي صلى الله عليه وسلم بشر فلطمه لطمة سقط منها فأخبر ابو بكر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له لا تعد لمثلها فقال والله لو حضرني السيف لقتلته به
وفي كلام الزمخشري ان عبدالرحمن اسلم في هدنة الحديبية وهاجر الى المدينة ومات سنة ثلاث وخمسين بمحل بينه وبين مكة ستة اميال وحمل على اعناق الرجال الى مكة وقدمت اخته عائشة رضى الله تعالى عنها من المدينة فأتت قبره فصلت عليه
أي وفي هذا اليوم الذي هو يوم بدر قتل ابو عبيدة بن الجراح اباه وكان مشركا فان اباه قصده ليقتله فولى عنه ابو عبيدة لينكف عنه فلم ينكف عنه فرجع عليه وقتله وانزل الله تعالى { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم } الاية
وعن عبدالرحمن بن عوف رضى الله تعالى عنه لقد لقيت اميه بن خلف وكان

صديقا لي في الجاهلية ومعه أي مع امية ابنه علي أي اخذ بيده وكان علي ممن اسلم والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل ان يهاجر رففتنهم اقاربهم عن الاسلام ورجعوا عنه وماتوا على كفرهم وانزل الله تعالى فيهم { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم } الاية أي وهم الحرث بن ربيعة وابو قيس بن الفاكه وابو قيس بن الوليد والعاص ابن منبه وعلي بن اميه المذكور
وفي السيرة الهشامية وذلك انهم كانوا اسلموا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة حبستهم اباؤهم وعشيرتهم بمكة وفتنوهم فافتتنوا أي رجعوا عن الاسلام ثم ساروا مع قومهم الى بدر فأصيبوا جميعا وسياقه كما ترى يقتضى انهم لم يرجعوا الى الكفر الا بعد الهجرة وسياق ما قبله ربما يقتضى انهم رجعوا الى الكفر قبل ان يهاجر صلى الله عليه وسلم
قال عبدالرحمن بن عوف وكان معي ادراع استلبتها أي فانا احملها فلما رآني اميه ناداني باسمي الاول يا عبد عمرو فلم اجبه لانه كان قال لي لما سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن اترغب عن اسم سماك به ابوك فقلت نعم قال الرحمن لا اعرفه ولكني اسميك بعبد الاله كما تقدم فلما ناداني بعبدالاله قلت نعم
أي وظاهر السياق يقتضى انه عرف انه المراد بذلك وانه ترك اجابته قصدا حيث جعله عبدا للصنم ويحتمل وهو الاقرب أنه لم يجبه لعدم معرفته انه المراد بذلك الاسم لكونه هجر بالمرة فلما ناداه اميه بما ذكر عرفه وعرف انه المراد بذلك لما ذكر وعند ذلك قال له اميه هل لك في فأنا خير لك من هذه الادراع التي معك قلت نعم فطرحت الادراع من يدي واخذت بيده وبيد ابنه علي وهو يقول ما رأيت كاليوم قط ثم قال لي يا عبدالاله من الرجل منكم المعلم بريشة نعامة في صدره أي كانت في درعه بحيال صدره قلت ذاك حمزة بن عبد المطلب قال ذاك الذي فعل بنا الافاعيل وقيل قائل ذلك ابنه ثم خرجت امشي بهما فو الله اني لاقودهما اذ رآه بلال معي وكان هو الذي يعذب بلالا بمكة على ان يترك الاسلام أي كما تقدم فقال بلال راس الكفر اميه بن خلف لا نجوت ان نجا فقلت أي بلال أفبأسيرى أي تفعل ذلك بهما قال لا نجوت ان نجا وكررت وكر ذلك ثم صرخ بأعلى صوته يا أنصار الله راس الكفر اميه بن خلف لا نجوت ان نجا وكرر ذلك فأحاطوا بنا

فأصلت رجل السيف أي سله من غمده وذلك الرجل هو بلال فضرب رجل ابنه فوقع وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط فضربوهما بأسيافهم فهبروهما
اقول الذي في البخاري عن عبدالرحمن بن عوف ان بلالا لما استصرخ الانصار قال خشيت ان يلحقونا فخلفت لهم ابنه لاشغلهم به فقتلوه ثم اتونا حتى لحقوا بنا وكان امية رجلا ثقيلا أي كما تقدم فقلت ابرك فألقيت نفسي عليه لامنعه فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه فأصاب احدهم رجلي بسيفه أي ظهر قدمه
وفي كلام ابن عبد البر قال ابن هشام قتل امية بن خلف معاذ بن عفراء وخارجه ابن زيد وحبيب بن اساف اشتركوا فيه
قال ابن اسحاق وابنه على قتله عمار بن ياسر وحبيب بن اساف هذا شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوج بنت خارجة بد ان توفى عنها ابو بكر الصديق رضى الله تعالى عنه وهو جد حبيب شيخ مالك رضى الله تعالى عنه والله اعلم
وكان عبدالرحمن بن عوف يقول يرحم الله بلالا ذهبت ادراعى وفجعني بأسيرى أي وفي رواية لما كان يوم بدر خصل لي درعان ولقيني امية فقال خذني وابني فأنا خير لك من الدرعين فالقيت الدرعين فاخذتهما فلما قتلا صار يقول يرحم الله بلالا فلا درعي ولا اسيرى أي لانه صلى الله عليه وسلم جعل في هذه الغزاة ان كل من اسر اسيرا فهو له كما تقدم وسياتي أي فله فداؤه وهو يخالف ما عليه ائمتنا ان مال فداء الاسرى ورقابهم اذا استرقوا كسائر اموال الغنيمة الا ان يقال ذاك كان في صدر الاسلام ترغيبا في الجهاد ثم استقر الامر على ما قاله فقهاؤنا أي وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من له علم بنوفل ابن خويلد فقال علي كرم الله وجهه انا قتلته فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الحمد لله الذي اجاب دعوتي فيه أي فانه لما التقى الصفان نادى نوفل بصوت رفيع يا معاشر قريش اليوم يوم الرفعة والعلاء فقال صلى الله عليه وسلم اللهم اكفني نوفل بن خويلد وفي كلام بعضهم ما يفيد ان قتل علي كرم الله وجهه له كان بعد ان اسره جبار بن صخر فقد جاء ان جبارا بينما هو يسوقه اذ رأى عليا فقال يا اخا الانصار من هذا واللات والعزى انه ليريدني فقال هذا علي بن ابي طالب فعمد له علي كرم الله وجهه فقتله ثم امر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي جهل ان يلتمس في القتلى وقال ان خفى عليكم أي بان قطع

رأسه وازيل عن جثته انظروا الى اثر جرح في ركبته فاني ازدحمت يوما انا وهو على مائدة لعبد الله بن جدعان ونحن غلامان وكنت اسن منه أي اكبر منه بيسير فدفعته فوقع على ركبتيه فجحش أي خدش على أحديهما جحشا لم يزل اثره به
أي ولعل هذا هو محمل قول بعضهم انه صلى الله عليه وسلم صارع ابا جهل فانه لم يصح انه صارعه ولعل هذا الاثر هو الذي عناه ابن مسعود رضى الله تعالى عنه بقوله لما قتلت ابا جهل لعنه الله وقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قتلت ابا جهل فقال لي عقيل وهو اسير عند النبي صلى الله عليه وسلم كذبت ما قتلته فقلت له بل انت الكذاب الآثم يا عدو الله قد والله قتلته قال فما علامته قلت ان بفخذه حلقة كحلقة الجمل المحلق قال صدقت وكان ابو جهل قد استفتح أي طلب الحكم على نفسه لانه لما دنا القوم بعضهم من بعض قال اللهم اقطعنا للرحم اتيانا بما لا نعرف فأحنه أي اهلكه العداة أي زاد بعضهم اللهم من كان احب اليك وارضى عندك وفي لفظ اللهم اولانا بالحق فانصره اليوم فانزل الله تعالى { إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح }
اقول كون ابي جهل طلب الحكم على نفسه واضح لو سكت عن قوله واتيانا بما لا نعرف اذ هو نص فيه صلى الله عليه وسلم
وفي تفسير سهل ان ابا جهل قال يوم بدر اللهم انصر افضل الدينين عندك وارضاهما لك أي وفي رواية اللهم انصر خير الدينين اللهم ديننا القديم ودين محمد الحادث فنزل { إن تستفتحوا } يعنى تستنصروا { فقد جاءكم الفتح }
وفي اسباب النزول للواحدى ان المشركين حين ارادوا الخروج من مكة اخذوا بأستار الكعبة وقالوا اللهم انصر اعلى الجندين واهدى الفئتين واكرم الحزبين وافضل الدينين فانزل الله تعالى الاية
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم انه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين والله اعلم
قال معاذ بن عمرو بن الجموح رأيت ابا جهل وقد احاطوا به وهم يقولون ابو الحكم لا يخلص اليه فلما سمعتها عمدت نحوه وحملت عليه فضربته ضربة اطنت قدمه بنصف ساقه أي اسرعت قطعه فو الله ما شبهتها حين طاحت الا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى والمرضخة بالخاء المعجمة وبالمهملة وقيل الرضخ بالمعجمة كسر الرطب وبالمهملة كسر اليابس وضربني ابنه أي عكرمه رضى الله تعالى عنه فانه اسلم بعد ذلك على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جسمي واجهضني القتال أي

شغلني عنه فلقد قاتلت عامة يومي واني لاستحسها خلفي فلما آذتني وضعت عليها قدمى ثم تمطيت عليها حتى طرحتها في رواية انه جاء بها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق عليها أي ولصقها فلصقت والى ذلك يشير الامام السبكى في تائيته لكن قال ابن عفراء ولا منافاة لجواز ان يكون معاذ بن عمرو بن الجموح بن عفراء وسيأتي ما يدل على ذلك بقوله ** وبانت بهاكف بن عفرا فاشتكى ** اليك فعادت بعد احسن عودة **
الا ان قوله بها يرجع لغزاة احد وقد علمت ان ذلك انما هو ببدر واحتمال تكرر ذلك في احد وفي بدر لشخص واحد بعيد الا ان يثبت النقل بذلك ثم مر بابي جهل وهو عقير معوذ بضم الميم وتشديد الواو مفتوحة ومكسورة ابن عفراء فضربه حتى اثبته وتركه وبه رمق أي وما جاء في بعض الروايات ضربه حتى برد بفتح الموحدة والراء والدال المهملة أي مات لا ينافيه لانه يجو ان يكون المراد صار في حالة من مات بان صار الى حركة المذبوح ومن ثم جاء في بعض الروايات حتى برك بالكاف بدل الدال أي سقط الى الارض أي الى جنبه والا فقطع قدمه مع نصف ساقه لا يفضى غالبا ان يسقط الى جنبه ومعوذ هذا لا زال يقاتل حتى قتل قال عبدالله بن مسعود رضى الله عنه ورايت ابا جهل بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على عنقه ثم قلت له هل اخزاك الله يا عدو الله قال وبم اخزاني اعار على رجل قتلتموه أي ليس بعار على رجل قتلتموه وفي رواية اعمدمن رجل قتلتموه أي انا سيد رجل قتلتموه لان عميد القوم سيدهم أي فلا عار على في قتلكم اياي
وجاء انه قال لو غير أكار قتلني والاكار الزراع يعني الانصار لانهم كانو اصحاب زرع أي لو كان الذي قتلني غير فلاح لكان احب الي واعظم لشاني لم يكن على في ذلك نقص لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقى صعبا اخبرني لمن الدبرة أي النصرة والظفر اليوم زاد في رواية لنا او علينا قلت لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الصحاح في دبر بالباء الموحدة والدبرة الهزيمة في القتال
ومما يدل للاول ما تقدم من قول ابي جهل اخبرني على من كانت الدبر لنا او علينا وفي مغازي ابن عقبة التي قال فيها مالك رضى الله تعالى عنه مغازي موسى بن عقبة اصح المغازي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على القتلى والتمس ابا جهل فلم يجده حتى عرف ذلك في وجهه ثم قال اللهم لا تعجزني فرعون هذه الامة فسعى له الرجال حتى

وجده ابن مسعود الحديث وفي الصحيحين عن انس رضى الله تعالى عنه لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ينظر لنا ما صنع ابو جهل فانطلق ابن مسعود رضى الله تعالى عنه فوجده قد ضربه ابن عفراء حتى برد ولمسلم برك أي وهو المراد من الاول كما تقدم فاخذ بلحيته فقال انت ابو جهل الحديث واخذه بلحيته لا ينافى وضع رجله على رقبته لجواز ان يكون جمع بينهما قال ابن مسعود ثم احتزرت راسه
وفي رواية رويت عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه قال لما ضربته بسيفى لم يغن شيئا فبصق في وجهى وقال خذ سيفي فاحتز به راسي من عرشي ليكون انهى للرقبة والعرش عرق في اصل الرقبة ففعلت كذلك ثم جئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هذا رأس عدو الله ابي جهل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله الذي لا اله غيره أي ورددها ثلاثا وروى الطبراني آلله قتلت ابا جهل بنصب الجلالة وهو بهذا اللفظ عندنا كناية يمين ومثل النصب الرفع والجر قال قلت نعم والله الذي لا اله غيره ثم القيت راسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله تعالى أي ويقال انه صلى الله عليه وسلم سجد خمس سجدات شكرا ويقال انه قال الله اكبر الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب حده وكون ابي جهل بصق في وجه ابن مسعود رضى الله تعالى عنه وقال له خذ سيفي الخ ينافى كونه وصل الى حركة المذبوح الا ان يقال يجوز ان يكون في اول الامر كان كذلك ثم تراجعت اليه روحه حتى قدر على ماذكر فليتأمل مع ما ياتي
قيل وبهذا أي بحمل راس ابي جهل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد على الزهى ي قوله لم يحمل الى النبي صلى الله عليه وسلم راس قط ولا يوم بدر وحمل راس لأبي بكر رضى الله عنه فانكره ويجاب بان البيهقي رحمه الله قال ما روى من حمل راس ابي جهل قد تكلم في ثبوته وبتقدير صحته فهو من محل الى محل لا من بلد الى بلد أي من بلد الكفر إلى دار الاسلام أي الذي انكره ابو بكر رضى الله عنه فانه انكر نقل الراس من بلد الكفر الى بلد الاسلام
وقد جوزه من ائمتنا الماوردى والغزالي اذا كان في ذلك مكايدة للكفار وفي النور تحصلنا على جماعة حملت رؤوسهم اليه صلى الله عليه وسلم ابو جهل وسفيان بن خالد وكعب بن الاشرف ومرحب اليهودي والاسود العنسى على ما روى و عصماء بنت

مروان ورفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة أي ورأس عتبة بن أبي وقاص الذي كسر رباعيته صلى الله عليه وسلم وشق شفته السفلى يوم أحد كما سيأتي
وفي وضع ابن مسعود رضي الله تعالى عنه رجله على عنق أبي جهل وقطع رأسه تصديق لتعبيره للرؤيا التي رآها لأبي جهل وقال له إن صدقت رؤياي لأطأن رقبتك ولأذبحنك ذبح الشاة
وفي رواية أن ابن مسعود رضي الله عنه وجده مقنعا في الحديد وهو منكب لا يتحرك فرفع سابغة البيضة أي الخودة عن قفاه لأن سابغة البيضة ما يغطى بها العنق ومن ثم يقال بيضة لها سابغ فضربه فوقع رأسه بين يديه
وعن ابن مسعود كما في المعجم الكبير للطبراني انتهيت إلى أبي جهل وهو صريع وعليه بيضة ومعه سيف جيد ومعي سيف ردىء فجعلت ألقف رأسه وأذكر نقفا كان ينقف رأسي بمكة فأخذت سيفه فرفع رأسه فقال على من كانت الدبرة ألست برويعينا بمكة فقتله ثم سلبه فلما نظر إليه إذ هو ليس به جراح وإنما هي أحدار أي أورام في عنقه ويديه وكتفيه كهيئة آثار السياط أي آثار سود كسمة النار أي ليس به جراح من جراح الآدميين داخل بدنه فلا ينافي ما تقدم من قطع ابن الجموح لرجله
ويجوز أن يكون ضرب ابن عفراء له حتى أثبته لم ينشأ عنه جراحة داخل بدنه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره به فقال ذاك ضرب الملائكة أي فإن الملائكة عليهم السلام كانت لا تعلم كيف قتل الآدميين فعلمهم الله تعالى ذلك بقوله تعالى { فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان } أي مفصل فكانوا يعرفون قتلى الملائكة من قتلاهم بآثار سود كسمه النار ولا ينافي ذلك وصفه بالخضرة في بعض الروايات لأن الأخضر لشدة خضرته ربما قيل فيه أسود وتلك الآثار في الأعناق والبنان الظاهر أن ذلك يكون موجودا حتى بعد مفارقة الرأس أو اليد ليستدل به على أن مفارقة الرأس أو اليد من فعل الملائكة وينبغي أن يكون هذا أي ضربهم فوق الأعناق والبنان أكثر أحوالهم فلا ينافي وجود أثر ضربهم في الكتفين كما تقدم وفي الوجه والأنف
فعن بعض الصحابة رضي الله عنهم كنا ننظر إلى المشرك أمامنا مستلقيا فننظر إليه فإذا هو قد حطم أنفه وشق في وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك الموضع وفسر بعضهم الأعناق بالرءوس وهو غير مناسب لما ذكر هنا
وروى عن سهل بن حنيف عن أبيه رضي الله عنه قال لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا

ليشير بسيفه إلى المشرك أي يرفعه عليه فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف ويمكن الجمع بين هذا وما قبله بأن ضرب الملائكة في الأعناق تارة يفصلها وتارة لا وفي الحالتين يرى أثر ذلك أسود في العنق ليستدل به على أنه من فعل الملائكة كما تقدم
وفي رواية عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال انتهيت إلى أبي جهل يوم بدر وقد قطعت رجله وهو صريع وهو يذب الناس عنه بسيف له فقلت الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله قال هل هو إلا رجل قتله قومه قال فجعلت أتناوله بسيف لي غير طائل فأصبت يده فبدر أي سقط سيفه فأخذته فضربته حتى قتلته ثم خرجت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم كأنما أقل من الأرض أي أحمل من شدة الفرح فأخبرته فقال الله الذي لا إله إلا هو وفي لفظ تقدم لا إله غيره ردده ثلاثا وفي رواية عن ابن مسعود فاستحلفني صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ثم قال الحمد لله الذي أعز الإسلام وأهله ثلاث مرات وخر ساجدا أي خمس سجدات شكرا كما تقدم
وفي رواية صلى ركعتين قال ابن مسعود رضي الله عنه ثم إنه صلى الله عليه وسلم خرج يمشي معي حتى قام عليه فقال الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله هذا كان فرعون هذه الأمة زاد في لفظ ورأس قاعدة الكفر ونفلني سيفه أي وكان قصيرا عريضا فيه قبائع فضة وحلق فضة ومع قصره كان أقصر من سيف ابن مسعود فلا منافاة
أقول يجوز أن يكون المضي إليه بعد إلقاء الرأس بين يديه صلى الله عليه وسلم استعظاما لقتله أي وأن ابن مسعود في هذه الرواية سكت عن قطع رأسه والمجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا مخالفة وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم يوما وقد أخذ بمجامع ثوبه أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى أي وعيد على وعيد فقال ما تستطيع أنت ولا ربك بي شيئا وإني لأعز من مشى بين جبليها فأنزل الله تعالى { فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى } وقيل نزلت كالتي قبلها في عدي بين ربيعة لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر القيامة فأخبره به فقال لو عاينت هذا اليوم لم أصدقك أو يجمع الله هذه العظام فأنزل الله تعالى { أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه } الآيات والله أعلم
وعن قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن لكل أمة فرعونا وإن فرعون هذه الأمة أبو جهل قتله الله شر قتله بكسر القاف الهيئة قتلته الملائكة وفي لفظ قتله ابن عفراء وقتلته الملائكة وقد ذففه أي أجهز عليه ابن مسعود

وابن عفراء هذا يجوز أن يكون هو معاذ بن عمرو بن الجموح ويجوز أن يكون أخاه معاذ بن الحارث وكونه قتله لأنه أزال منعته كما تقدم
وفي مسلم عن عبدالرحمن بن عوف أنه قال إني لواقف يوم بدر في الصف نظرت عن يميني وعن شمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما فغمزني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل بن هشام قلت نعم وما حاجتك به قال بلغني أنه كان يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو رأيته لم يفارق سوادي سواده أي شخص شخصه حتى يموت الأعجل منا أي الأقرب أجلا فغمزني الآخر فقال مثلها فعجبت لذلك أي لحرص كل منهما على ذلك وإخفائه عن صاحبه ليكون المختص به فلم أنشب أي ألبث أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس أي بالزاي يتحول من محل إلى محل آخر فقلت لهما ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألان عنه فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه أي أشرفا به على القتل فصيراه إلى حركة مذبوح ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال أيكما قتله فقال كل واحد منهما أنا قتلته قال هل مسحتما سيفيكما قال لا فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في السيفين فقال كلاكما قتله وقضى بسلبه أي ما عدا سيفه لهما فلا ينافي ما سبق من إعطائه لابن مسعود رضي الله عنه وهما معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء بن الحارث فهما أي معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن الحرث ابنا عفراء غاية الأمر أن الأول اشتهر بأبيه عمرو بن الجموح والثاني اشتهر بأمه التي هي عفراء
وقول الحافظ ابن حجر إن معاذ بن عمرو بن الجموح ليس اسم أمه عفراء يجوز أن يكون مستنده في ذلك مقابلة ابن الجموح بابن عفراء في كلامهم المقتضى ذلك لأن يكون ابن الجموح ليس ابن عفراء
ولا يشكل على ذلك ما في النور نقلا عن الإمام النووي أن عمرو بن الجموح وابني عفراء أي معاذ ومعوذ اشتركوا في قتل أبي جهل لأن معاذا الثاني ابن الحرث فكل من عمرو بن الجموح والحرث تزوج عفراء وكل سمى ولده منها بمعاذ ويدل لذلك ما يأتي عن الإمتاع أنه صلى الله عليه وسلم قال رحم الله ابني عفراء اشتركا في قتل فرعون هذه الأمة ولما قيل له يا رسول الله من قتله معهما قال الملائكة ولم يقل عمرو بن الجموح لكن رأيت بعضهم ذكر أن عفراء شهد لها بدرا سبع بنين ثلاثة من الحارث بن رفاعة

وهم معوذ ومعاذ وعامر وأربعة من بكر بن عبد ياليل وهم خالد وأساس وعاقل وعامر واستشهد منهم ببدر معاذ ومعوذ وعاقل هذا كلامه وذكر عامر في الأول تقدم بدله ذكر عوف وهو واضح فقد تقدم أن عوف بن الحارث بن عفراء قال يا رسول الله ما يضحك الرب الخ ولم يذكر هذا البعض أن من أولادها معاذ بن عمرو بن الجموح وهو يؤيد ما تقدم عن الحافظ وعن الإمام النووي فعليك بالتأمل وقيل قضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح
أقول أي لكونه هو الذي أزال منعته فاستحق سلبه ولا ينافي ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لهما كلاكما قتله لجواز أن يكون أتى بذلك ملاطفة للثاني وترغيبا له في الجهاد لأن له مشاركة ما في قتله لأنه زاد في إثخانه إلى أن صيره إلى آخر رمق
ويرده كونه صلى الله عليه وسلم أشركهما في سلبه ومن ثم قال فقهاؤنا يعطي السلب لمن أثخن دون من قتل أي بعد ذلك فقد أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلب أبي جهل لمثخنيه ابني عفراء دون قاتله ابن مسعود لكن هذا القيل قال به بعض آخر من فقهائنا وهو الموافق لما في البخاري في كتاب فرض الخمس معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء قتلا أبا جهل ثم تنازعا فيه وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى السيفين فرأى فيهما أثر الدم فقال كلاكما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن الجموح قال الأصحاب لأنه أثخنه والآخر جرحه بعده وقوله كلاكما قتله تطييب لقلب الآخر هذا كلامه فليتأمل فإن الذي أظنه أن كونه رأى أثر الدم في سيفيهما خلط من الراوي لأن ذلك كان في قتل بن الأشرف ويؤيد الخلط ما تقدم عن ابن مسعود أنه لم ير فيه أثر جراح داخل بدنه
وفي الإمتاع أنه صلى الله عليه وسلم قال يرحم الله ابني عفراء فإنهما قد اشتركا في قتل فرعون هذه الأمة ورأس أئمة الكفر فقيل يا رسول الله من قتله معهما قال الملائكة وذففه ابن مسعود وهذا السؤال يقتضي أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم إنهما قد اشتركا في قتل فرعون هذه الأمة أن غيرهما شاركهما في ذلك فليتأمل
وفي شرح الروض وهو من أجل كتبنا أن عبدالله بن رواحة وابني عفراء تقاتلا مع أبي جهل مبارزة وأنه صلى الله عليه وسلم علم ذلك واقره وجعلوا ذلك دليلا على إباحة مبارزة القوي لكافر لم يطلب المبارزة


أي وأما ما تقدم من أمره صلى الله عليه وسلم لحمزة وعلي وعبيدة بن الحارث بمبارزة عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة فذاك لكافر طلب المبارزة فقد تقدم أن عتبة خرج بين أخيه شيبة وولده الوليد حتى فصل من الصف ودعا للمبارزة وأنه خرج إليه فتية من الأنصار ثلاثة إخوة أشقاء وهم معاذ ومعوذ وعوف بنو عفراء وقيل بدل عوف عبدالله بن رواحة فلم يرضوا بمبارزتهم فعند ذلك أمر صلى الله عليه وسلم من ذكر بمبارزتهم وعندي أن ما ذكره في شرح الروض من مبارزة عبدالله بن رواحة وابني عفراء لأبي جهل ذكر أبي جهل اشتباه وإنما هو لهؤلاء الثلاثة ولم تقع منهم مقاتلة وكيف يبارز ثلاثة واحدا فليتأمل
وجاء في الحديث إن الله قتل فرعون هذه الأمة أبا جهل فالحمد لله الذي صدق وعده ونصر دينه والله أعلم
وكان على الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها إلى ظهورهم أي إلا جبريل فإنه كان عليه عمامة صفراء أي وقيل حمراء
قال بعضهم وكان بعضهم بعمائم خضر وبعضهم بعمائم صفر وبعضهم بعمائم حمر أي وبعضهم بعمائم بيض وبعضهم بعمائم سود فلا منافاة
وذكر أن عمامة جبريل عليه السلام يوم أغرق فرعون كانت سوداء قال وفي رواية سيماهم عمائم سود وعند ابن مسعود رضي الله عنه كان سيما الملائكة يوم بدر عمائم قد أرخوها بين أكتافهم خضر وصفر وحمر اه أي وبيض وسود
وفي كلام بعضهم نزلت الملائكة يوم بدر بعمائم صفر ورواية بيض وسود ضعيفة
وفي كلام ابن إسحاق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرخوها على ظهورهم إلا جبريل فإنه كان عليه عمامة صفراء من نور أي وكانوا يوم أحد بعمائم حمر ويوم حنين كذلك
في الجامع الصغير كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم سود ويوم أحد عمائم حمر وما ذكر لا ينافي ما قيل سيماهم ببدر عمائم صفر قد أرخوها بين أكتافهم وما جاء كان على الزبير رضي الله عنه ببدر عمامة صفراء معتجرا بها فقال صلى الله عليه وسلم نزلت الملائكة علي بسيما أبي عبدالله يعني الزبير رضي الله عنه لجواز أن يكون أكثرهم كان بعمائم صفر


وقد ذكر أن الزبير رضي الله عنه قاتل يوم بدر قتالا شديدا حتى كان الرجل يدخل يده في الجراح في ظهره وعاتقه
وقد سئل الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى عن قوله تعالى { يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين } ما السمة التي كانت عليهم فأجاب بأن ابن أبي حاتم ذكر في تفسيره بأسانيد عن علي كرم الله وجهه أنها الصوف الأبيض في نواصي خيولهم وأذنابها
وعن مكحول وغيره أنها العمائم وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنها كانت عمائم بيض قد أرسلوها إلى ظهورهم وفي سنده رجل ضعيف وعنه أيضا عمائم سود وفي سنده متروك ثم قال ورواية البيض والسود ضعيفة هذا كلامه أي وعلى تقدير صحتها يجاب بما قدمنا وكان شعار الأنصار أي علامتهم التي يتعارفون بها في ذلك إذا جاء الليل أو وقع اختلاط أحد أحد أي وشعار المهاجرين يومئذ يا بني عبدالرحمن
أي وعن زيد بن علي قال كان شعار النبي صلى الله عليه وسلم أي المهاجرين أو هو حتى لا يشتبه بغيره يا منصور أمت ويقال أحد أحد وشعار الخزرج يا بني عبدالله وشعار الأوس يا بني عبيدالله
وعن ابن سعد يقال كان شعار الجميع يومئذ يا منصور أمت
أي وقد يقال لا منافاة بين هذه الرواية وما قبلها من الروايات لأن المراد بالجميع المجموع لكن يحتاج إلى الجمع بين تلك الروايات السابقة على تقدير صحتها وكانت خيل الملائكة بلقا
وعن علي رضي الله تعالى عنه قال كان سيما الملائكة أي سيما خيلهم يوم بدر الصوف الأبيض أي وفي لفظ بالعهن الأحمر في نواصي الخيل وأذنابها
أي ولا منافاة لجواز أن يكون بعضهم كذا وبعضهم كذا وعند ذلك قال صلى الله عليه وسلم سوموا خيلكم فإن الملائكة قد سومت فهو أول يوم وضع فيه الصوف أي في نواصي الخيل وأذنابها ولم أقف على لون الصوف الذي وضع في ذلك
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال حدثني رجل من بني غفار قال أقبلت أنا وابن عم لي حتى صعدنا في جبل يشرف بنا على بدر ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدبرة أي الغلبة فننهب مع من ينهب فبينا نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل فسمعت قائلا يقول اقدم حيزوم فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه

أي غشاؤه فمات مكانه وأما أنا فكدت أهلك ثم تماسكت واقدم بضم الدال من التقدم كلمة يزجر بها الخيل وحيزوم بالميم وربما قيل بالنون اسم فرس جبريل ولعلها هي الحياة وأحدهما اسم لها والآخر لقب وقيل لها الحياة لأنها ما مسها شيء إلا صار حيا وهي التي قبض من أثرها أي من تراب حافرها السامري نسبة إلى سامر قرية أو طائفة ما ألقاه في العجل الذي صاغه من حلي القبط فكان له خوار أي صوت فكان إذا خرا سجدوا وإذا سكت رفعوا قال في النهر الظاهر أنه قامت به الحياة
وقيل لما صنعه السامري أجوف تحيل لتصويته بأن جعل في تجويفه أنابيب على شكل مخصوص وجعله في مهب الرياح فتدخل في تلك الأنابيب فيظهر له صوت يشبه الخوار وفي كلام بعضهم فرس جبريل التي هي حيزوم كان صهيله التسبيح والتقديس وإذا نزل عليها جبريل عليه السلام علمت الملائكة أن نزوله للرحمة وإذا نزل منشور الأجنحة علمت أن نزوله للعذاب أي وحينئذ فنزول جبريل عليه السلام عليها يوم بدر كان لرحمة المسلمين وإن كان عذابا على الكافرين ويكون نزوله لا عليها بل منشور الأجنحة إذا كان لمحض العذاب
ويحتمل أن يكون حيزوم غير فرس الحياة وإليه ذهب السهيلي رحمه الله فقال والحياة أيضا فرس لجبريل عليه السلام
قال الحافظ ابن حجر ومن الأخبار الواهية أن الموت كبش لا يجد ريحه شيء إلا مات والحياة فرس بلقاء أثنى أي خطوتها كما في العرائس مد البصر وهي التي كان جبريل عليه السلام والأنبياء عليهم السلام يركبونها أي كلهم كما في العرائس لا تمر بشيء ولا يجد ريحها شيء إلا حيى
هذا وفي أثر مرسل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل من القائل يوم بدر من الملائكة اقدم حيزوم فقال جبريل عليه السلام يا محمد ما كل أهل السماء أعرف
قال ابن كثير وهذا الأثر يرد قول من زعم أن حيزوم اسم فرس جبريل عليه السلام أي وفيه أنه لا يبعد أن يقول أحد من الملائكة لفرس جبريل اقدم حيزوم ولا يعرف ذلك القائل وكأن الحافظ ابن كثير رحمه الله فهم من قوله صلى الله عليه وسلم من القائل الخ أن ذلك الفرس لذلك القائل نعم إن كان هذا الأثر وقع بعد الرواية التي تلي هذه وهي جاءت سحابة الخ أو أن ذلك الأثر سقط منه لفظة لفرسه والأصل من

القائل يوم بدر من الملائكة لفرسه اتجه ما فهمه ابن كثير رحمه الله فليتأمل قال وفي رواية جاءت سحابة فسمعنا أصوات الرجال والسلاح وسمعنا رجلا يقول لفرسه اقدم حيزوم فنزلوا على ميمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاءت سحابة أخرى نزل منها رجال كانوا على ميسرته فإذا هم على الضعف من قريش فمات ابن عمي وأما أنا فتماسكت وأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم وأسلمت ومن ثم ذكر في الصحابة
وفي النور هذا الرجل مذكور في الصحابة وليس في الحديث أي الرواية الأولى ما يدل على إسلامه إلا أن تحديثه لابن عباس رضي الله تعالى عنهما بهذه المعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم يشعر بإسلامه هذا كلامه
وفيه أن قوله ونحن مشركان يدل على أنه كان مسلما عند تحديثه لابن عباس رضي الله تعالى عنهما
وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الغمام الذي ظلل بني إسرائيل في التيه هو الذي يأتي الله تعالى فيه يوم القيامة وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر
أي وعن علي رضي الله تعالى عنه هبت ريح شديدة ما رأيت مثلها قط ثم جاءت أخرى كذلك ثم جاءت أخرى كذلك ثم جاءت أخرى كذلك فكانت الأولى جبريل نزل في ألف من الملائكة أي لعلها أمامه أخذا من قوله وكانت الثانية ميكائيل نزل في ألف من الملائكة عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الثالثة إسرافيل نزل في ألف من الملائكة عن ميسرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي ذلك سكوت عن الرابعة أي زاد في الإمتاع وكان إسرافيل وسط الصف لا يقاتل كما يقاتل غيره من الملائكة
وظاهر هذا أن كلا من جبريل وميكائيل قاتل وتقدم أنهم في هذه الغزاة التي هي غزاة بدر قيل لم يمدوا إلا بألف من الملائكة ورواية ألفين ضعيفة جاءت عن علي رضي الله تعالى عنه فتكون هذه الرواية التي جاءت عن علي أيضا كذلك ولا نظر لما تقدم عن بعضهم أن إمدادهم يوم بدر بثلاثة آلاف أولا وأنهم وعدوا أن يمدوا بخمسة آلاف إن ثبتوا وصبروا وهو ما عليه الأكثر لما علمت أن ذلك إنما كان في أحد وسيأتي ذلك مع زيادة قال بعضهم ولم تقاتل الملائكة إلا في يوم بدر أي وفي غيره يكونون مددا من غير مقاتلة وسيأتي أنهم قاتلوا يوم أحد ويوم حنين


ففي مسلم عن سعد بن أبي وقاص أنه رأى عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض ما رأيتهما قبل ولا بعد يعني جبريل وميكائيل عليهما السلام يقاتلان كأشد القتال
قال الإمام النووي رحمه الله فيه أن قتال الملائكة لم يختص بيوم بدر وهذا هو الصواب خلافا لمن زعم اختصاصه فإن هذا صريح في الرد عليه
أقول يمكن الجمع بأن المختص ببدر قتال الملائكة عنه وعن أصحابه وفي غيره كان عنه صلى الله عليه وسلم خاصة فلا منافاة ثم رأيتني ذكرت هذا الجمع في غزوة أحد عن البيهقي وتعقبته بما جاء أن الملائكة قاتلت في ذلك اليوم عن عبدالرحمن بن عوف وعلى تسليم ورود ذلك فيه أنهم لو قاتلوا يوم أحد لظهر أثر قتلهم كما ظهر في يوم بدر
وقد يقال مرادهم بالمقاتلة يوم أحد المدافعة من غير أن يوقعوا فعلا وفي يوم بدر المراد بالمقاتلة إيقاع الفعل والله أعلم
وانكسر سيف عكاشة بتشديد الكاف أكثر من تخفيفها ابن محصن وهو يقاتل به فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جذلا من حطب أي أصلا من أصول الحطب وقال له قاتل بهذا يا عكاشة فلما أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هزه فعاد في يده سيفا طويل القامة شديد المتن أبيض الحديد فقاتل به رضي الله عنه حتى فتح الله تعالى على المسلمين وكان ذلك السيف يسمى العون
ثم لم يزل عند عكاشة وشهد به المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم يزل متوارثا عند آل عكاشة وعكاشة مأخوذ من عكش على القوم إذا حمل عليهم والعكاشة العنكبوت وسيأتي مثل ذلك في أحد لعبدالله بن جحش
وانكسر سيف سلمة بن أسلم رضي الله عنه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيبا كان في يده أي عرجونا من عراجين النخل وقال اضرب به فإذا هو سيف جيد فلم يزل عنده
قال وعن خبيب بن عبدالرحمن قال ضرب خبيب جدي يوم بدر فمال شقه فتفل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمه ورده فانطبق
وعن رفاعة بن مالك رضي الله عنه قال لما كان يوم بدر رميت بسهم ففقئت عيني فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لي فما آذاني منها شيء اه


ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتلى من المشركين أن ينقلوا من مصارعهم التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وجودها فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرينا مصارع أهل بدر يقول هذا مصرع عتبة بن ربيعة وهذا مصرع شيبة بن ربيعة وهذا مصرع أمية بن خلف وهذا مصرع أبي جهل بن هشام وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله تعالى أي ويضع صلى الله عليه وسلم يده الشريفة على الأرض فما تنحى أحدهم عن موضع يده كما تقدم عن أنس وتقدم عنه أن ذلك كان ليلة بدر بعد أن وصل إلى محل الواقعة إذ لا يتصور وضع يده على الأرض إلا إذا كان بمحل الوقعة
وبه يعلم ما ذكره بعضهم أن إخباره صلى الله عليه وسلم بمصارع القوم تكرر منه مرتين قبل الوقعة بيوم أو أكثر ويوم الوقعة هذا كلامه إلا أن يقال قوله يوم الوقعة هو بناء على أنه صلى الله عليه وسلم وصل بدرا في النهار والقول بأن ذلك كان ليلا بناء على أنه وصل بدرا ليلا ومعلوم أنه إنما وضع يده في محل الوقعة
ثم أمر صلى الله عليه وسلم أن يطرحوا فطرحوا في القليب إلا ما كان من أمية بن خلف فإنه انتفخ في درعه فملأه فذهبوا ليحركوه فتزايل أي تقطعت أوصاله فأقروه وألقوا عليه ما غيبه من التراب والحجارة
وهذا دليل على أن الحربي لا يجب دفنه وبه قال أئمتنا بل قالوا يجوز إغراء الكلاب على جيفته
وفي سنن الدارقطني كان من سنته صلى الله عليه وسلم في مغازيه إذا مر بجيفة إنسان أمر بدفنه لا يسأل عنه مؤمنا كان أو كافرا أي ولكثرة جيف الكفار كره صلى الله عليه وسلم أن يشق على أصحابه أن يأمرهم بدفنهم فكان جرهم إلى القليب أيسر وكان الحافر لهذا القليب رجل من بني النجار فكان فألا مقدما لهم ذكره السهيلي
ولما ألقى عتبة والد أبي حذيفة رضي الله عنه في القليب تغير وجه أبي حذيفة ففطن بفتح الطاء له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له لعلك دخلك من شأن أبيك شيء فقال لا والله ولكني كنت أعرف من أبي رأيا وحلما وفضلا فكنت أرجو أن يهديه الله للإسلام فلما رأيت ما مات عليه أحزنني ذلك فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقال له خيرا


أقول وذكر فقهاؤنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أبا حذيفة عن قتل أبيه في هذه الغزاة وقد أراد ذلك والله أعلم
ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وقف على شفير القليب أي قيل بعد ثلاثة أيام من إلقائهم في القليب وذلك ليلا أي وفي الصحيحين عن أنس رضي الله تعالى عنه كان صلى الله عليه وسلم إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان اليوم الثالث أمر صلى الله عليه وسلم براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه حتى قام على شفة الركى أي وهو القليب وجعل يقول يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان هل وجدتم ما وعد الله ورسوله حقا فإني وجدت ما وعدني الله حقا
وجاء في بعض الطرق نداؤهم بأسمائهم فقال يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف ويا أبا جهل بن هشام وهذا يقتضي أنه في تلك الرواية نطق بلفظ يا فلان ابن فلان ولا يخفى بعده فليتأمل
واعترض بأن أمية بن خلف لم يكن من أهل القليب لما علمته وأجيب بأنه كان قريبا من القليب بئس عشيرة النبي كنتم كذبتموني وصدقني الناس وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس فقال عمر رضي الله عنه يا رسول الله كيف تكلم أجسادا لا أرواح فيها وفي رواية أجسادا قد أجيفوا وفي لفظ قد جيفوا فقال صلى الله عليه وسلم ما أنتم بأسمع وفي رواية لأسمع لما أقول منهم وفي رواية لقد سمعوا ما قلت غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا شيئا
وعن قتادة رضي الله عنه أحياهم الله تعالى حتى سمعوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم توبيخا لهم وتصغيرا ونقمة وحسرة
أقول والمراد بإحيائهم شدة تعلق أرواحهم بأجسادهم حتى صاروا كالأحياء في الدنيا للغرض المذكور لأن الروح بعد مفارقة جسدها يصير لها تعلق به أو بما يبقى منه ولو عجب الذنب فإنه لا يفني وإن اضمحل الجسم بأكل التراب أو بأكل السباع أو الطير أو النار وبواسطة ذلك التعلق يعرف الميت من يزوره ويأنس به ويرد سلامه إذا سلم عليه كما ثبت في الأحاديث والغالب أن هذا التعلق لا يصير الميت به حيا كحياته في الدنيا بل يصير كالمتوسط بين الحي والميت الذي لا تعلق لروحه بجسده وقد يقوى حتى يصير كالحي في الدنيا ولعله مع ذلك لا يكون فيه القدرة على الأفعال الإختيارية فلا يخالف ما حكى

عن السعد اتفقوا على أنه تعالى لم يخلق في الميت القدرة والأفعال الإختيارية هذا كلامه والكلام في غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والشهداء رضي الله عنهم أي شهداء المعركة أما هما فتعلق أرواحهم بأجسادهم تصير به أجسادهم حية كحياتها في الدنيا ويكون لهم القدرة والأفعال الإختيارية
فقد روى البيهقي رحمه الله في الجزء الذي ألفه في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون وجاء إن علمي بعد موتي كعلمي في الحياة
وروى أبو يعلى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه لينزلن عيسى بن مريم عليه السلام ثم إن قام على قبري وقال يا محمد لأجبته ومن ثم قال الإمام السبكي حياة الأنبياء والشهداء كحياتهم في الدنيا ويشهد له صلاة موسى عليه السلام في قبره فإن الصلاة تستدعي جسدا حيا وكذا الصفات المذكورة في الأنبياء ليلة الإسراء كلها صفات الأجسام
ولا يلزم من كونها حياة حقيقية أن تكون الأبدان معها كما كانت في الدنيا من الإحتياج إلى الطعام والشراب وأما الإدراكات كالعلم والسمع فلا شك أن ذلك ثابت لهم ولسائر الموتى هذا كلامه وسائر الموتى شامل للكفار أي وأكل الشهداء وشربهم في البرزخ لا عن احتياج بل لمجرد الإكرام وكون الشهداء اختصوا بذلك دون الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا مانع منه لأن المفضول قد يخص بما لا يوجد في الفاضل ألا ترى أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام شرعت الصلاة عليهم وجوبا وحرمت على الشهداء وبهذا يرد قول بعضهم في الإستدلال على حياة الأنبياء بقوله تعالى { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } والأنبياء أولى بذلك لأنهم أجل وأعظم وما من نبي إلا وقد جمع بين النبوة ووصف الشهادة فيدخلون في عموم لفظ الآية ولأنه صلى الله عليه وسلم قال في مرض موته لم أزل أحد ألم الطعام الذي أكلته بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك السم فثبت كونه صلى الله عليه وسلم حيا في قبره بنص القرآن إما من عرف اللفظ أو من مفهوم الموافقة
ووجه رده أن الأولوية قد تمنع بل أصل القياس لما علمت أنه قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وإن جمعوا بين النبوة والشهادة

إلا أن المراد في الآية شهداء المعركة لا مطلق الشهادة إذ شهادة المعركة لم تحصل لأحد من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
ثم لا يخفى أن الذي ثبت حياة الأنبياء وصلاتهم في قبورهم وحجهم وأما صومهم وأكلهم وشربهم في ذلك فلم أقف على ما يدل على ذلك في شيء من الأحاديث والآثار وقياسهم في ذلك على الشهداء علمت أنه قد يمنع لما أنه قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل
والذي يدل على أنهم يحجون ما جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة فمررنا بواد فقال أي واد هذا فقالوا وادي الأزرق فقال صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إلى موسى عليه الصلاة والسلام واضعا أصبعيه في أذنيه له جؤار إلى الله تعالى بالتلبية مارا بهذا الوادي ثم سرنا حتى أتينا على ثنية فقال صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إلى يونس عليه الصلاة والسلام على ناقة حمراء عليه جبة صوف مارا بهذا الوادي ملبيا وقد جاء في موسى عليه السلام أنه كان على بعير وفي رواية على ثور ولا منافاة لجواز أن يكون تكرر حجه أو ركب البعير مرة والثور أخرى ولا يخفى أن رزق الشهداء يصدق على الجماع لأنه مما يلتذذ به كالأكل والشرب
ثم رأيت سيدي أبا المواهب الشاذلي رحمه الله ونفعنا ببركاته قال في كتابه المسمى بعنوان أهل السر المصون في كشف عورات أهل المجون وأخبر سبحانه عن الشهداء أنهم أحياء عند ربهم يرزقون وحمله أهل العلم على الحقيقة وأنهم يأكلون ويشربون وينكحون حقيقة وقائل غير هذا أي أن الأكل والشرب عبارة عن لذة تحصل لهم كاللذة الناشئة عن الأكل والشرب والنكاح صرف هذه الآية عن ظاهرها من غير ضرورة تلجىء إلى ذلك ثم قاس الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على الشهداء في ذلك لما تقدم من أنهم أجل وأعظم وما من نبي إلا وقد جمع بين النبوة والشهادة وقد علمت جواب من منع القياس
ثم رأيت عن إفتاء شيخنا الشمس الرملي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم والشهداء رضي الله عنهم يأكلون في قبورهم ويشربون ويصلون ويصومون ويحجون ووقع الخلاف هل ينكحون فقيل نعم وقيل لا وأنهم يثابون على صلاتهم وصومهم

وحجهم ولا تكليف عليهم في ذلك لانقطاع التكليف بالموت بل من قبيل التكرمة ووقع الدرجات هذا كلامه ولعل مستنده في إثبات ما عدا الصلاة والحج للأنبياء قياسهم على الشهداء وقد علمت ما فيه وإثبات الخلاف الذي ذكره شيخنا في نكاح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا أدري هل هو خلاف أهل عصره أو من تقدمهم
على أن إثبات النكاح للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ربما يبعده ما ذكروه في حكمة قوله صلى الله عليه وسلم حبب إلي من دنياكم النساء والطيب حيث لم يقل من دنياي ولا من الدنيا فإنه أشار بهذه الإضافة إلى أن النساء والطيب من دنيا الناس لأنهم يقصدونهما للإستلذاذ وحظوظ النفس وهو عليه الصلاة والسلام منزه عن ذلك
وإنما حبب إليه النساء لينقلن عنه محاسنه ومعجزاته الباطنة والأحكام السرية التي لا يطلع عليها غالبا غيرهن وغير ذلك من الفوائد الدينية
وحبب إليه الطيب لملاقاته للملائكة لأنهم يحبونه ويكرهون الريح الخبيث لأن حقيقة الإكرام أن يحصل له في البرزخ ما كان يلتذ به في الدنيا ليكون حاله فيه كحاله في الدنيا
وفيه أن الحكمة المذكورة لا تناسب قوله صلى الله عليه وسلم فضلت على الناس بأربع وعد منها كثرة الجماع وهم كغيرهم في هذا التعلق متفاوتون بحسب مقاماتهم وإنه يعبر عن قوة هذا التعلق بعود الحياة ومنه ما ذكر عن قتادة وتعود الروح ومنه قول بعضهم أرواح الأنبياء والشهداء بعد خروجها من أجسادها تعود إلى تلك الأجسام في القبر وأذن لهم في الخروج من قبورهم والتصرف في الملكوت العلوي والسفلي
ومن ثم قال ابن العربي رحمه الله تعالى رؤية المصطفى عليه الصلاة والسلام بصفته العلوية إدراك له على الحقيقة وعلى غير صفته العلوية إدراك للمثال ويعبر عنه بردها
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم ما من أحد يسلم علي إلا رد الله تعالى علي روحي حتى أرد عليه السلام أي إلا قوى تعلق روحي وذلك إكراما لهذا المسلم حيث لا يرد عليه سلامه إلا وقد قوى تعلق روحه الشريفة بجسده الشريف والروح بناء على أنها غير عرض مع كونها في مقاماتها لها تعلق بجسدها وبما يبقى منه كما تقدم كالشمس في السماء الرابعة ولها تعلق بالأرض وربما عبر عن ضعف هذا التعلق بصعودها وطلوعها وبناء على أنها عرض تزول ويعود مثلها وقد أوضحت ذلك في النفحة العلوية في الأجوبة

الحلبية عن الأسئلة القروية وهي أسئلة سئلت عنها من بعض أهل القرى المصرية وذكرت أن هذا أولى مما أطال به الجلال السيوطي من الأجوبة مع ما فيها مما لا يخفى ورأيت في حديث عن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن لله ملكا أعطاه سمع العباد كلهم وإنه ما من أحد يصلي علي صلاة إلا بلغنيها وإني سألت ربي عز وجل أن لا يصلي علي أحد صلاة إلا صلى الله عليه بها عشرة أمثالها وذكر الحافظ الذهبي أن راوي هذا الحديث تفرد به متنا وإسنادا والله أعلم
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها أنكرت قوله صلى الله عليه وسلم لقد سمعوا ما قلت وقالت إنما قال لقد علموا أن الذي كنت أقول حق وقالت إنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أي بقوله في حق أهل القليب ما أنتم بأسمع منهم أنهم الآن ليعلمون أن الذي أقول لهم هو الحق أي لا أنهم يسمعون ما أقول بحاسة سمعهم التي كانت موجودة في الدنيا ثم قرأت أي محتجة على ذلك قوله تعالى { إنك لا تسمع الموتى } الآية وبقوله { وما أنت بمسمع من في القبور }
ويجاب بأنه لا مانع من إبقاء السمع هنا على حقيقته لأنه إذا قوى تعلق أرواح هؤلاء الكفار بأجسادهم بحيث صاروا أحياء كحياتهم في الدنيا للغرض المذكور لا مانع من سماعهم بحاسة سمعهم لبقاء محل تلك الحاسة منهم كما أن الجسد بذلك التعلق يقوى على الجلوس للسؤال في القبر والسماع المنفي في الآيتين بمعنى السماع النافع وقد أشار إلى ذلك الجلال السيوطي رحمه الله بقوله نظما ** سماع موتى كلام الخلق قاطبة ** جاءت عندنا الآثار في الكتب ** ** وآية النفي معناها سماع هدى ** لا يقبلون ولا يصغون للأدب **
لأنه تعالى شبه الكفار الأحياء بالأموات في القبور في أنهم لا ينتفعون بالدعاء إلى الإسلام النافع
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن رواحة رضي الله عنه بشيرا لأهل العالية أي وهي محل قريب من المدينة على عدة أميال وزيد بن حارثة بشيرا لأهل السافلة بها راكبا ناقته القصوى وقيل العضباء بما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم والمسلمين فجعل عبدالله بن رواحة ينادي في أهل العالية يا معشر الأنصار أبشروا

بسلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتل المشركين وأسرهم ونادى زيد بن حارثة في أهل السافلة بمثل ذلك أي ويقولان قتل فلان وفلان أي وأسر فلان وفلان من أشراف قريش وصار عدو الله كعب بن الأشرف يكذبهما ويقول إن كان محمد قتل هؤلاء القوم فبطن الأرض خير من ظهرها قال أسامة بن زيد رضي الله عنهما فأتانا الخبر حين سوينا التراب على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ولما عزى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمد لله دفن البنات من المكرمات وفي رواية من المكرمات دفن البنات ويعجبني قول الباخرزي رحمه الله تعالى ** القبر أخفى سترة للبنات ** ودفنها يروى من المكرمات ** ** أما رأيت الله عز اسمه ** قد وضع النعش بجنب البنات **
وجاء عثمان رضي الله عنه من رقية هذه بولد يقال له عبدالله فاكتنى به وكان قبل ذلك يكنى أبا عمرو وتزوج بعدها أختها أم كلثوم بوحي
فقد روى أنه صلى الله عليه وسلم رأى عثمان بن عفان مهموما بعد موت رقية رضي الله عنها فقال له ما لي أراك لهفانا مهموما فقال له يا رسول الله وهل دخل على أحد ما دخل علي انقطع الصهر بيني وبينك فبينا هو يحاوره إذ قال صلى الله عليه وسلم هذا جبريل عليه السلام يأمرني عن الله عز وجل أن أزوجك أختها أم كلثوم على مثل صداقها وعلى مثل عشرتها فزوجه إياها ولما تزوجها دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا بنية أين أبو عمرو قالت خرج لبعض حاجاته قال كيف رأيت بعلك قالت يا أبت خير بعل وأفضله فقال يا بنية كيف لا يكون كذلك وهو أشبه الناس بجدك إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه وأبيك محمد وجاء عثمان من أشبه أصحابي بي خلقا وجاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي جبريل عليه السلام إن أردت أن تنظر من أهل الأرض شبيه يوسف الصديق فانظر إلى عثمان بن عفان ولتزوجه ببنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له ذو النورين ولم يجمع أحد منذ آدم إلى اليوم بين بنتي نبي غيره رضي الله عنه ومن ثم لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا عنه قال ذاك امرؤ يدعى في الملأ الأعلى ذا النورين
ولما ماتت أم كلثوم تحته وذلك سنة تسع قال صلى الله عليه وسلم زوجوا عثمان لو كان لي ثالثة لزوجته إياها وما زوجته إلا بوحي من الله وجاء أنه صلى الله عليه وسلم

قال له لو أن لي أربعين بنتا زوجتك واحدة بعد واحدة حتى لا يبقى منهن واحدة وأم عثمان بنت عمته صلى الله عليه وسلم أروى بنت عبدالمطلب توأمة عبدالله أبي النبي صلى الله عليه وسلم
قال وقال رجل من المنافقين لأبي لبابة رضي الله عنه قد تفرق أصحابكم تفرقا لا يجتمعون بعده أبدا قد قتل محمد وغالب أصحابه وهذه ناقته عليها زيد بن حارثة لا يدرى ما يقول من الرعب قال أسامة فجئت حتى خلوت بأبي لبابة وسألته عما أسره له الرجل فأخبرني بما أخبره به فقلت أحق ما تقول قال أي والله حق ما أقول يا بني فقويت نفسي ورجعت إلى ذلك المنافق فقلت أنت المرجف برسول الله صلى الله عليه وسلم لنقدمنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم فيضرب عنقك فقال إنما هو شيء سمعته من الناس يقولونه انتهى أي وهذا كان قبل أن يجتمع أسامة بأبيه زيد بن حارثة
ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة فلما خرج من مضيق الصفراء قسم النفل أي الغنيمة وكانت مائة وخمسين من الإبل وعشرة أفراس ومتاعا وسلاحا وأنطاعا وثيابا وأدما كثيرا حمله المشركون للتجارة ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فله سلبه ومن أسر أسيرا فهو له أي كما تقدم ولعله تكرر ذلك منه صلى الله عليه وسلم مرتين مرة للتحريض على القتال ومرة عند القسمة فالمقسوم ما بقي بعد إخراج السلب وإخراج الأسرى قسم على المسلمين بالسوية بعد الإختلاف فيه فادعى من قاتل العدو صده أنهم أحق به وادعى من جمعه أنهم أحق به وادعى من كان يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش أن غيرهم ليس بأحق به منهم أي لأن سسعد بن معاذ رضي الله عنه قام على باب العريش الذي به صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه في نفر من الأنصار وفي رواية عبادة بن الصامت أن جماعة خرجت في أثر العدو عند انهزامه وجماعة أكبوا على جمع الغنيمة فجمعوها وجماعة عند انهزام العدو أحدقوا به صلى الله عليه وسلم في العريش خوفا أن يصيب العدو منه غرة ولعل هؤلاء كانوا زيادة عمن كان مع سعد بن معاذ على باب العريش فادعى من أكب على جمعها أنهم أحق بها وادعى من عداهم أن أولئك ليسوا بأحق بها منهم
أي وكون جماعة أحدثوا به صلى الله عليه وسلم بعد انهزام العدو قد يقال لا ينافي

ذلك ما تقدم عن ابن سعد أنه لما انهزم المشركون دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أثرهم بالسيف مصلتا يتلو هذه الآية { سيهزم الجمع ويولون الدبر } لجواز أن يكون صلى الله عليه وسلم خرج في أثرهم برهة من الزمان ثم عاد إلى العريش فأحدق به هؤلاء مع من تقدم فأنزل الله تعالى سورة الأنفال { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول }
فالنفل قد يطلق على الغنيمة كما هنا كما أشرنا إليه وسماها الله تعالى أنفالا لأنها زيادة في أموال المسلمين وكذا الفيء المذكور في سورة الحشر التي نزلت في غزوة بني النضير يطلق على الغنيمة وسمى فيئا لأن الله تعالى أفاءه على المؤمنين أي رده عليهم من الكفار فإن الأصل أن الله تعالى إنما خلق الأموال إعانة على عبادته لأنه إنما خلق الخلق لعبادته فقد رد إليهم ما يستحقونه كما يعاد ويرد على الرجل ما غصب من ميراثه وإن لم يقبضه قبل ذلك ومنه قول بعضهم كان أهل الفيء بمعزل عن أهل الصدقة وأهل الصدقة بمعزل عن أهل الفيء كان يعطى من الصدقة اليتيم والمسكين والضعيف فإذا احتلم اليتيم نقل إلى الفيء أي إلى الغنيمة وأخرج من الصدقة فنزعه الله من أيديهم فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أي يضعه حيث شاء فدلت الآية على أن الغنيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ليس لأحد من المقاتلة شيء منها ثم نسخت هذه الآية بقوله تعالى { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } والأربعة أخماس الباقية للمقاتلة أي فكان ذلك الخمس يخمس خمسة أخماس واحد له صلى الله عليه وسلم يفعل فيه ما أحب والأربعة من ذلك الخمس لمن ذكر في الآية والأربعة الأخماس الباقية تكون للمقاتلة
وسيأتي في سرية عبدالله بن جحش لنخلة أنه صلى الله عليه وسلم خمس العير الذي جاء به عبدالله كذلك فجعل خمس ذلك لله وأربعة أخماسه للجيش وقيل عبدالله هو الذي خمسها كذلك وأقره صلى الله عليه وسلم على ذلك وهي أول غنيمة في الإسلام وأول غنيمة خمست فكان تخميسها قبل نزول الآية لما علمت أن نزول تلك الآية كان بعد بدر فهي من الآيات التي تأخرت تلاوتها عن حكمها قال بعضهم وكان ابتداء تحليل الغنائم لهذه الأمة في وقعة بدر كما ثبت في الصحيحين وذلك في قوله تعالى { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } فأحل الغنيمة لهم


أقول وفيه أن هذا قد يعين القول بأنه صلى الله عليه وسلم وقف غنائم نخلة حتى رجع من بدر ويضعف ما سبق من أنه صلى الله عليه وسلم خمسها أو أن عبدالله هو الذي خمسها قبل بدر وأقره صلى الله عليه وسلم على ذلك وقد علمت أن ما أصابه من بدر قسمه بين المسلمين سواء أي لم يتميز فيه أحد عن أحد الراجل مع الراجل والفارس مع الفارس سواء وفيه تفضيل الفارس على الراجل في ذلك اليوم وسيأتي التصريح بذلك وهذا يؤيد القول بأن الجيش كان فيه خمسة أفراس أو فرسان دون القول بأنه لم يكن فيه إلا فرس واحد على ما تقدم حتى هو صلى الله عليه وسلم كان سهمه كسهم واحد منهم أي كفارس منهم بناء على ما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم كان له فرسان إلا ما اصطفاه وهو سيفه ذو الفقار كما سيأتي وحينئذ يكون قول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يا رسول الله أتعطي فارس القوم الذي يغيظهم مثل ما تعطي الضعيف أراد بالفارس فيه القوي
ففي مسند الإمام أحمد قال سعد بن أبي وقاص قلت يا رسول الله الرجل يكون حاجته للقوم يكون سهمه وسهم غيره سواء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثكلتك أمك وهل تنصرون إلا بضعفائكم وما في مسند الإمام أحمد يدل على أن مراد سعد بالفارس القوي لمقابلته في هذه الرواية بالضعيف فلا ينافي أنه أعطى الفارس لفرسه سهمين وله سهم كالراجل
وقد أسهم لمن لم يحضر كمن أمره صلى الله عليه وسلم بالتخلف لعذر منعه من الحضور كعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه فإنه صلى الله عليه وسلم خلفه لأجل مرض زوجته رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم أو لما كان به رضي الله تعالى عنه من الجدري على ما تقدم ولهذا عد من البدريين وأبي لبابة لأنه صلى الله عليه وسلم خلفه على أهل المدينة وعاصم بن عدي فإنه خلفه على أهل قباء والعالية ولمن أرسله لكشف أمر العدو يتجسس خبره فلم يجيء إلا وقد انقضى القتال وهما طلحة بن عبيدالله وسعيد بن زيد كما تقدم والحارث بن حاطب أمره بما مر في بني عمرو بن عوف وخوات ابن جبير والحارث بن الصمة لأن كلا منهما كسر بالروحاء كما تقدم
وبهذا يظهر التوقف في قول الجلال السيوطي في الخصائص الصغرى وضرب لعثمان رضي الله تعالى عنه يوم بدر بسهم ولم يضرب لأحد غاب غيره رواه أبو داود

عن ابن عمر قال الخطابي هذا خاص بعثمان لأنه كان يمرض ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا كلامه
وأسهم صلى الله عليه وسلم لأربعة عشر رجلا قتلوا ببدر ولعلهم ماتوا بعد انقضاء الحرب فلا يشكل على ما قاله فقهاؤنا أن من مات قبل انقضاء الحرب لاحق له
وتنفل صلى الله عليه وسلم زيادة على سهمه سيفه ذا الفقار أي وكان لمنبه بن الحجاج أي وقيل لابنه العاص قتل أيضا يوم بدر وقيل كان لعمه نبيه وفي كلام أبي العباس بن تيمية أنه كان لأبي جهل أي ويمكن أن يكون ذلك السيف كان في الأصل لأبي جهل ثم أعطاه لمنبه بن الحجاج أو لغيره ممن ذكر لا يقال أو بالعكس لأن سيف أبي جهل أخذه ابن مسعود كما تقدم فلا مخالفة
وتنفل أيضا صلى الله عليه وسلم جمل أبي جهل وكان مهريا ولم يزل يغزو عليه حتى ساقه في هدى الحديبية كما سيأتي وهذا الذي كان يأخذه زيادة على سهمه أي قبل قسمة الغنيمة إذا كان صلى الله عليه وسلم مع الجيش يقال له الصفي والصفية عبدا أو أمة أو دابة أو سيفا أو درعا لكن في الإمتاع عن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفى من المغنم حضر أو غاب قال بعضهم وهو محسوب من سهمه صلى الله عليه وسلم وقيل يكون زائدا عليه إلا أن يقال ذاك الذي وقع فيه الخلاف كان بعد نزوله آية التخميس وهذا كان قبل ذلك فلا يخالف ما سبق أن ما أخذه قبل القسمة كان زائدا على سهمه المساوي لسهام القوم أي وكان في الجاهلية يقال للذي يأخذه الرئيس إذا غزا بالجيش المرباع وهو ربع الغنيمة ولم يسمع مرباع إلا في الربع دون غيره من الخمس وما بعده والصفايا أشياء كان يصطفيها الرئيس لنفسه من خيار ما يغنم والنشيطة ما أصابه الجيش في طريقه قبل أن يصل إلى مقصده وكان للرئيس النقيعة أيضا وهو بعير ينحره قبل القسمة فيطعمه الناس كذا في شرح الحماسة للتبريزي
قال وقد سقط في الإسلام النقيعة والنشيطة وأمر صلى الله عليه وسلم عليا كرم الله وجهه فقتل النضر بن الحارث بالصفراء
أي وفي الإمتاع أنه صلى الله عليه وسلم نظر إلى النضر وهو أسير فقال النضر للأسير الذي بجانه محمد والله قاتلي فإنه نظر إلي بعينين فيهما الموت فقال له والله

ما هذا منك إلا رعب وقال النضر لمصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه يا مصعب أنت أقرب من هذا إلي رحما فكلم صاحبك أن يجعلني كرجل من أصحابي يعني المأسورين هو والله قاتلي فقال مصعب إنك كنت تقول في كتاب الله كذا وكذا وتقول في نبيه صلى الله عليه وسلم كذا وكذا وكنت تعذب أصحابه
وفي أسباب النزول للسيوطي وأقره وكان المقداد رضي الله تعالى عنه أسر النضر فلما أمر صلى الله عليه وسلم بقتله قال المقداد يا رسول الله أسيري فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول وقد رثته أخته وقيل بنته رضي الله تعالى عنها فإنها أسلمت بعد ذلك يوم الفتح فقالت من أبيات ** أمحمد يا خير ضنء كريمة **
والذي رأيته في الحماسة ** أمحمد ولأنت ضنء نجيبة ** في قومها والفحل فحل معرق **
أي له عرق في الكرم والضنء الولد ** ما كان ضرك لو مننت وربما ** من الفتى وهو المغيظ المحنق **
وحين سمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى حتى أخضل أي بل لحيته وقال لو بلغني هذا الشعر قبل قتله لمننت عليه أي لقبول شفاعتها عندي بهذا الشعر وليس معناه الندم لانه صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلا حقا
أي وكان للنضر هذا أخ يقال له النضير بالتصغير وكان أسن المهاجرين وقيل كان من مسلمة الفتح وربما يدل له أنه صلى الله عليه وسلم أمر له بمائة بعير من غنائم حنين فجاءه شخص يبشره بذلك فقال لا آخذها فإني أحسب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعطني ذلك إلا تألفا على الإسلام وما أريد أن أرتشي على الإسلام فقيل له إنها عطية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلها وأعطى المبشر منها عشرة أبعرة
ثم قتل صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط بعرق الظبية بضم الظاء المعجمة وهي شجرة يستظل بها قال وحين قدم للقتل من للصبية يا محمد قال النار
وجاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن عقبة لما قدم للقتل نادى يا معشر قريش مالي أقتل من بينكم صبرا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بكفرك وافترائك على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وفي لفظ ببزاقك في وجهي أي فإن عقبة كان يكثر مجالسته صلى الله عليه وسلم واتخذ ضيافة فدعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم

فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين ففعل وكان أبي بن خلف صديقه فعاتبه وقال صبأت يا عقبة قال لا ولكن أبى أن يأكل من طعامي وهو في بيتي فاستحييت منه فشهدت له الشهادة وليست في نفسي فقال وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمدا فلم تطأ قفاه وتبزق في وجهه وتلطم عينه فوجده صلى الله عليه وسلم ساجدا في دار الندوة ففعل به ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ألقاك خارج مكة إلا علوت رأسك بالسيف كذا في الكشاف وفي لفظ آخر بكفرك وفجورك وعتوك على الله ورسوله وأنزل الله فيه { ويوم يعض الظالم على يديه } الآية
وذكر ابن قتيبة أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر بقتل عقبة أي وقد قال يا معشر قريش مالي أقتل من بينكم أي وأنا واحد منكم قال له يا محمد ناشدتك الله والرحم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أنت إلا يهودي من أهل صفورية وفي رواية قال له إنما أنت يهودي من أهل صفورية أي فليس هو من قريش أي لا رحم بيني وبينك أي لأن أمية جد أبيه خرج إلى الشام لما نافر عمه هاشم كما تقدم فأقام بصفورية ووقع على أمة يهودية ولها زوج يهودي من أهل صفورية فولدت له أبا عمرو الذي هو والد أبى معيط على فراش اليهودي فاستلحقه بحكم الجاهلية ثم قدم به مكة وكناه بأبي عمرو وسماه ذكوان مع أن الولد للفراش وقيل كان عبدا لأمية فتبناه فلما مات أمية خلفه على زوجته
ويدل لهذا الثاني ما ذكره بعض المؤرخين أن معاوية رضي الله تعالى عنه سأل رجلا من علماء النسب وفد عليه كم عمرك قال أربعون ومائتا سنة قال كيف رأيت الزمان فقال سنيات بلاء وسنيات رخاء يهلك والد ويخلف مولود فلولا الهالك لامتلأت الدنيا ولولا المولود لم يبق أحد فقال له هل رأيت عبدالمطلب قال نعم أدركته شيخا وسيما منسما جسيما يحف به عشرة من بنيه كأنهم النجوم فقال له هل رأيت أمية بن عبد شمس يعني جده قال نعم رأيته أخفش أزرق ذميما يقوده عبده ذكوان فقال ويحك كف فقد جاء غير ما ذكرت ذاك ابنه فقال أنتم تقولون ذلك
والقاتل لعقبة عاصم بن ثابت وقيل علي رضي الله تعالى عنهما أي وقيل صلب على الشجرة


أقول قال محمد بن حبيب الهاشمي هو أول مصلوب في الإسلام ورده ابن ابن الجوري بأن أول من صلب في الإسلام خبيب بن عدي
وقد يقال لا مخالفة لأن المراد بالثاني أول مصلوب من المسلمين وبالأول أول مصلوب من الكفار
وذكر أن أول من استعمل الصلب فرعون ولعل المراد به فرعون موسى بن عمران لا فرعون إبراهيم الخليل وهو أول الفراعنة ولا فرعون يوسف بن يعقوب وهو ثاني الفراعنة وفي قول إن فرعون يوسف هذا هو فرعون موسى بمعنى أنه بقي إلى زمن موسى عليه السلام وكان هلاكه على يده
وفي كلام ابن قتيبة عن سعيد بن جبير ضم طعيمة بن عدي إلى عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث أي لأنه ممن قتل معهما صبرا وفيه نظر فقد تقدم أن القاتل له حمزة رضي الله عنه في الحرب وسيأتي في أحد أن قتل حمزة كان بسبب قتله لطعيمة المذكور
ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم المدينة قبل الأسارى بيوم أي وروى عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال لما قدمت إلى المدينة وكنت جائعا استقبلتني امرأة يهودية على رأسها جفنة فيها جدي مشوي فقالت الحمد لله يا محمد الذي سلمك الله كنت نذرت لله إن قدمت المدينة سالما لأذبحن هذا الجدي ولأشوينه ولأحملنه إليك لتأكل منه فأنطق الله الجدي فقال يا محمد لا تأكلني فإني مسموم أي بخلاف ما وقع له صلى الله عليه وسلم في خيبر فإنه لم يخبره الذراع بذلك إلا بعد أكله منه كما سيأتي وسيأتي أنه سأل المرأة عن سبب ذلك وهنا لم يسألها ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة أي قاربها خرج المسلمون للقائه وتهنئته بما فتح الله عليه فتلاقوا معه بالروحاء أي وقال لهم سلمة بن سلامة بن وقش ما الذي تهنونا به فوالله إن لقينا أي ما لقينا إلا عجائز صلعا كالبدن المعقولة فنحرناها فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أولئك الملأ من قريش أي الأشراف والرؤساء وتلقته الولائد عند دخوله المدينة والولائد جمع وليدة وهي الصبية والأمة وتلك الولائد يقلن ** طلع البدر علينا ** من ثنيات الوداع ** ** وجب الشكر علينا ** ما دعا لله داع **
وتلقاه أسيد بن الحصير فقال الحمد لله الذي أظفرك وأقر عينك


ولما أقبلوا من بدر فقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقفوا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي فقالوا يا رسول الله فقدناك فقال إن أبا الحسن وجد مغصا في بطنه فتخلفت عليه ثم لما قدمت الأسارى فرقهم بين الصحابة وقال استوصوا بهم خيرا
وكان أول من قدم مكة بمصاب قريش ابن عبد عمرو رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك فقال قتل عتبة وشيبة وأبو الحكم وأمية وفلان وفلان من أشراف قريش أي وأسر فلان وفلان فقال صفوان بن أمية وكان يقال له سيد البطحاء وكان من أفصح قريش لسانا وكان جالسا في الحجر والله إن يعقل أي ما يعقل هذا سلوه عني فسألوه أي قالوا ما فعل صفوان فقال هو ذاك الجالس في الحجر وقد رأيت أباه وأخاه حين قتلا
وعن عكرمة مولى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت غلاما للعباس بن عبدالمطلب أي ثم وهبه العباس له صلى الله عليه وسلم وسيأتي الكلام عليه في السرايا وكان العباس رضي الله تعالى عنه أسلم وأسلمت زوجته أي أم الفضل قيل إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة كما تقدم وهي أم أولاده وهم عبدالله وعبيدالله وعبدالرحمن والفضل وقثم ومعبد وأم حبيب
قيل رآها صلى الله عليه وسلم وهي تدب بين يديه فقال إن بلغت وأنا حي تزوجتها فقبض صلى الله عليه وسلم قبل أن تبلغ قال ابن الجوزي فليس في الصحابيات من كنيتها أم الفضل إلا زوج العباس قال أبو رافع وأسلمت أنا وكنا نكتم الإسلام أي لأن العباس كان يكره خلاف قومه لأنه كان ذا مال كثير وأكثره متفرق فيهم أي وسيأتي الجواب عن كونه أسر وأخذ منه الفداء مع كونه مسلما وسيأتي أنه لم يظهر إسلامه إلا يوم الفتح
فلما جاء الخبر عن مصاب قريش ببدر سرنا ذلك فوالله إني لجالس إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس عندنا فبينا هو جالس إذ قدم أبو سفيان بن الحارث وكان مع قريش في بدر فقال له أبو لهب هلم إلى عندك الخبر فقال والله ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاءوا ويأسروننا كيف شاءوا وايم الله ما لمت

الناس لقينا رجال بيض على خيل بلق بين السماء والأرض والله ما يقوم لها شيء قال أبو رافع فقلت والله تلك الملائكة فرفع أبو لهب يده فضرب وجهي ضربة شديدة وثاورته أي واثبته أي قام كل للآخر فاحتملني وضرب بي الأرض ثم برك علي يضربني فقامت أم الفضل إلى عمود وضربته به ضربة في رأسه أثرت شجة منكرة وقالت استضعفته أن غاب سيده تعني العباس فقام موليا ذليلا فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رمى بالعدسة أي ما عاش صحيحا قبل أن يرمي بالعدسة إلا سبع ليال أي وهي بثرة تشبه العدسة من جنس الطاعون فقتلته فلم يحفروا له حفيرة ولكن أسندوه إلى الحائط وقذفوا عليه الحجارة خلف الحائط حتى واروه أي لأن العدسة قرحة كانت العرب تتشاءم بها ويرون أنها تعدى أشد العدوى فلما أصابت أبا لهب تباعد عنه بنوه وبقي بعد موته ثلاثة أيام لا تقرب جنازته ولا يحاول دفنه حتى أنتن فلما خافوا السبة أي سب الناس لهم في تركه فعلوا به ما ذكر
وفي رواية حفروا له ثم دفعوه بعود في حفيرته وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت إذا مرت بموضعه ذلك غطت وجهها
أقول قال في النور وهذا القبر الذي يرجم خارج باب شبيكة أي الآن ليس بقبر أبي لهب وإنما هو قبر رجلين لطخا الكعبة بالعذرة وذلك في دولة بني العباس فإن الناس أصبحوا وجدوا الكعبة ملطخة بالعذرة فرصدوا للفاعل فمسكوهما بعد أيام فصلبا في ذلك الموضع فصارا يرجمان إلى الآن والله أعلم
فلما ظهر الخبر ناحت قريش على قتلاهم أي شهرا وجز النساء شعورهن وكن يأتين بفرس الرجل أو راحلته وتستر بالستور وينحن حولها ويخرجن إلى الأزقة ثم أشير عليهم أن لا تفعلوا فيبلغ محمد وأصحابه فيشمتوا بكم ولا نبكي قتلانا حتى نأخذ بثأرهم وتواصوا على ذلك وكان الأسود بن زمعة بن المطلب أصيب له في بدر ثلاثة ولداه وولده ولده وكان يحب أن يبكي عليهم وكان قد ذهب بصره أي بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم لانه كما تقدم كان من المستهزئين بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا رآهم يقول قد جاءكم ملوك الأرض ومن يغلب على ملك كسرى وقيصر ويكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يشق عليه فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمى وتقدم ذلك وتقدم سبب عماه


وفي كلام بعضهم كان صلى الله عليه وسلم دعا على الأسود هذا بأن يعمي الله تعالى بصره ويثكل ولده فاستجاب الله تعالى له سبق العمى إلى بصره أولا ثم أصيب يوم بدر بمن نعاه من ولده أي وهو زمعة وهو أحد الثلاثة الذين كان يقال لكل واحد منهم زاد الراكب كما تقدم وأخوه عقيل والحارث فإنهما قتلا كافرين ببدر فتمت إجابة الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا به قد سمع صوت باكية بالليل فقال لغلامه أنظر هل أحل النحب أي البكاء هل بكت قريش على قتلاهم لعلي أبكي فإن جوفي قد احترق فلما رجع الغلام قال إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته فأنشد من أبيات ** أتبكي أن يضل لها بعير ** ويمنعها من النوم السهود ** ** فلا تبكي على بكر ولكن ** على بدر تقاصرت الجدود **
والسهود بضم السين المهملة عدم النوم والبكر الفتى من الإبل والجودود بضم الجيم جمع جد بفتحها وهو الحظ والسعد وبعد هذين البيتين بيت آخر وهو ** ألا قد ساد بعدهمو رجال ** ولولا يوم بدر لم يسودوا **
يعرض بأبي سفيان فإنه رأس قريش قال وقد جاء في بعض الروايات اختلاف الصحابة فيما يفعل بالأسرى لما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترون في هؤلاء الأسرى إن الله قد مكنكم منهم أي وقد يخالف هذا ما سبق من قوله إن من أسر أسيرا فهو له
وقد يقال لا مخالفة لأن معنى كونه له أنه مخير فيه بين قتله وأخذ فدائه ولعله لا يخالف ما تقدم أنه صلى الله عليه وسلم لما أراد قتل النضر قال المقداد رضي الله تعالى عنه وكان أسره يا رسول الله أسيري فقال له إنه كان يقول في كتاب الله ما يقول وفي رواية استشار صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعليا أي وفي رواية أبا بكر وعمر وعبدالله بن جحش فيما هو الأصلح من الأمرين القتل وأخذ الفداء فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه يا رسول الله أهلك وقومك وفي رواية هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان قد أعطاك الله الظفر ونصرك عليهم أرى أن تستبقيهم وتأخذ الفداء منهم فيكون ما أخذنا منهم قوة لنا على الكفار وعسى الله أن يهديهم بك فيكونون لنا عضدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقول يا ابن الخطاب قال يا رسول الله قد كذبوك وأخرجوك وقاتلوك ما أرى ما رأى أبو بكر ولكن أرى أن تمكنني من فلان قريب

وفي لفظ نسيب لعمر فأضرب عنقه وتمكن عليا من أخيه عقيل فيضرب عنقه وتمكن حمزة من فلان أخيه أي العباس رضي الله تعالى عنه فيضرب عنقه حتى يعلم أنه ليست في قولبنا مودة للمشركين ما أرى أن تكون لك أسرى فاضرب أعناقهم هؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم أي وقال ابن رواحة رضي الله تعالى عنه أنظروا واديا كثير الحطب فأضرمه عليهم نارا فقال العباس رضي الله تعالى عنه وهو يسمع ثكلتك رحمك فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت أي ولم يرد عليهم فقال بعض الناس يأخذ بقول أبي بكر وقال بعض الناس يأخذ بقول ابن رواحة ولم يقال قائل يأخذ بقول عمر ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله ليلين قلوب أقوام فيه حتى تكون ألين من اللين وإن الله ليشدن قلوب أقوام فيه حتى تكون أشد من الحجارة مثلك يا أبا بكر في الملائكة مثل ميكائيل ينزل بالرحمة لعله لا ينزل إلا بالرحمة فلا ينافي أن جبريل ينزل بالرحمة في بعض الأحايين كما تقدم قريبا ومن ثم جاء في الحديث أرأف أمتي بأمتي أبو بكر ومثلك في الأنبياء مثل إبراهيم حيث يقول { فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم } ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى بن مريم إذ قال { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم }
قيل إنه قوله { فإنك أنت العزيز الحكيم } من مشكلات الفواصل إذ كان مقتضى الظاهر فإنك أنت الغفور الرحيم
ورد بأن العزيز الذي لا يغلبه أحد ولا يغفر لمن استحق العذاب إلا من ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه والحكيم هو الذي يضع الشيء محله
ومثلك يا عمر في الملائكة مثل جبريل نزل بالشدة والبأس والنقمة على أعداء الله تعالى أي أغلب أحواله ذلك فلا ينافي أنه ينزل بالرحمة في بعض الأوقات كما تقدم ومثلك في الأنبياء مثل نوح عليه الصلاة والسلام إذ قال { رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا } ومثلك في الأنبياء مثل موسى عليه الصلاة والسلام إذ قال { ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم }
قال الجلال السيوطي رحمه الله تعالى في الخصائص الصغرى ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم من أصحابه من يشبه بجبريل وبإبراهيم وبنوح وبموسى وبعيسى وبيوسف وبلقمان الحكيم وبصاحب يس هذا كلامه
وقد علمت أن أبا بكر رضي الله عنه شبه بميكائيل ولم يذكر ميكائيل ولينظر من

شبه من أصحابه بيوسف ثم رأيتني ذكرت فيما تقدم قريبا أنه عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ولينظر من شبه من أصحابه بلقمان الحكيم وبصاحب يس
ثم قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر ولو توافقتما ما خالفتكما فلا يفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق
وقد وقع له صلى الله عليه وسلم أنه قال مثل ذلك لهما وقد اختلفا في تولية شخصين أراد صلى الله عليه وسلم تولية أحدهما على بني تميم فقال أبو بكر يا رسول الله استعمل فلانا وقال عمر يا رسول الله استعمل فلانا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنكما لو اجتمعتما لأخذت برأيكما ولكنكما اختلفتما علي أحيانا فأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } الآية واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم مثلك يا أبا بكر الخ على جواز ضرب المثل من القرآن وهو جائز في غير المزح ولغو الحديث وإلا كره ونسبة الإختلاف في أسارى بدر لأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما لا تخالف ما سبق من نسبته إلى الصحابة رضي الله تعالى عنهم لأنه يجوز أن يكونا هما المرادين بالصحابة وعدم ذكر علي رضي الله تعالى عنه مع إدخاله في الإستشارة وكذا عبدالله بن جحش على ما تقدم لأنه يجوز أن يكون وافق أحدهما أي فقد ذكر ابن رواحة مع عدم إدخاله في الإستشارة
وفي كلام الإمام أحمد رحمه الله استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس في الأسارى يوم بدر فقال إن الله قد مكنكم منهم قال فقام عمر رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله إضرب أعناقهم فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ثم عاد فقال يا أيها الناس إن الله قد مكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس فقام عمر رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم ثم عاد فقال للناس مثل ذلك فقام أبو بكر رضي الله تعالى عنه فقال يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء قال فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم فعفا عنهم وقبل الفداء فلما كان الغد غدا عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال يا رسول الله ما يبكيكما وفي لفظ ماذا يبكيك أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإلا تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كاد لمسنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم لو نزل عذاب ما أفلت منه إلا ابن الخطاب


وفي مسلم والترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أبكي للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء أي للعذاب الذي كاد أن يقع على أصحابك لأجل أخذهم الفداء أي إرادة أخذه لقد عرض علي عقابهم أدنى أي أقرب من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه صلى الله عليه وسلم وأنزل الله تعالى { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم } الآيات
أقول قال بعضهم في هذه الآيات دليل على أنه يجوز الإجتهاد للأنبياء لأن العتاب الذي في الآيات لا يكون فيما صدر عن وحي ولا يكون فيما كان صوابا وإذا أخطئوا لا يتركون عليه بل ينبهون على الصواب
وأجاب ابن السبكي رحمه الله بأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم أي ما كان هذا لنبي غيرك ولا يخفى عليك ما فيه
وفي كلام بعضهم ما يقتضي أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام غير نبينا صلى الله عليه وسلم يجوز أن يقروا على الخطأ لأن من بعد من يخطىء منهم يبين خطأه بخلاف نبينا صلى الله عليه وسلم لا نبي بعده يبين خطأه فلا يقر على الخطأ وفيه أن بعد نبينا عليه الصلاة والسلام عيسى عليه الصلاة والسلام وأنه يوحي إليه
ونظر بعضهم في وقوع الخطأ من الأنبياء واستمرارهم عليه بأنه غير لائق بمنصب النبوة لأن وجود من يستدرك الخطأ لا يدفع مقتضيه
وفيه جواز وقوع الخطأ والعمل به قبل مجيء الإستدراك وتقدم جواز الإجتهاد له مطلقا لا في خصوص الحرب واستثناء عمر ربما يفيد أن جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم وافقوا أبا بكر على أخذ الفداء وخالفوا عمر مع أنه تقدم قريبا أن سعد بن معاذ كره ذلك قبل عمر فقد تقدم أن المسلمين لما وضعوا أيديهم يأسرون رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ فوجد في وجهه الكراهية لما يصنع القوم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم قال أجل والله يا رسول الله كانت أول وقعة أوقعها الله تعالى بأهل الشرك فكان الإثخان في القتل أحب إلي من

استبقاء الرجال ومن ثم قال لو نزل عذاب لم يفلت منه إلا ابن الخطاب وسعد بن معاذ كما سيأتي وفيه أن ابن رواحة كرهه بل أشار بإحراقهم بالنار
وفي الأصل أن جبريل عليه الصلاة والسلام نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر فقال إن شئتم أخذتم منهم الفداء ويستشهد منكم سبعون بعد ذلك فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه فجاءوا أو من جاء منهم أي وهم المعظم فقال إن هذا جبريل يخبركم بين أن تقدموهم فتقتلوهم وبين أن تفادوهم ويستشهد قابلا منكم بعدتهم فقالوا بل نفاديهم فنتقوى به عليهم ويدخل قابلا منا الجنة سبعون وفي لفظ ويستشهد منا عدتهم فليس في ذلك ما نكره وهو كما ترى يدل على أن الصحابة وافقوا أبا بكر رضي الله عنهم على أخذ الفداء ولعل هذا الإخبار بالتخيير كان بعد الإستشارة التي تكلم فيها أبو بكر وعمر وأن بكاءه صلى الله عليه وسلم كان بعد هذه الإستشارة الثانية وقوله صاحب الهدى بكاؤه صلى الله عليه وسلم وبكاء الصديق رحمة وخشية أن العذاب يعم ولا يصيب من أراد ذلك خاصة يفيد أن الذي أشار بأخذ الفداء طائفة من الصحابة لا كلهم
أقول وفيه أن هذا يشكل عليه قوله لو نزل عذاب ما أفلت منه إلا ابن الخطاب أو إلا ابن الخطاب وسعد بن معاذ فإن فيه تصريحا بأن العذاب لو وقع لا يعم وأنه لا يصيب إلا من أشار بالفداء وفيه أن من أشار بالفداء غاية الأمر أنهم اختاروا غير الأصلح من الأمرين واختيار غير الأصلح لا يقتضي العذاب على أن حل أخذ الفداء علم من واقعة عبدالله بن جحش التي قتل فيها ابن الحضرمي فإنه أسر فيها عثمان بن المغيرة والحكم بن كيسان ولم ينكره الله تعالى وذلك قبل بدر بأزيد من عام إلا أن يقال أراد الله تعالى تعظيم أمر بدر لكثرة الأسارى فيها مع شدة تصلبهم في مقاتلته صلى الله عليه وسلم وفي المواهب كلام في الآية المذكورة يتأمل فيه
ورأيت فيها عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لولا أني لا أعذب من عصاني حتى أقدم إليه الحجة لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم
وعن الأعمش سبق منه أنه لا يعذب أحدا شهد بدرا ومن ثم جاء كما يأتي أن رجلا قال يا رسول الله إن ابن عمي نافق أي ائذن لي أن أضرب عنقه فقال له إنه شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم والله أعلم ولا ينافي

قتل سبعين منهم في قابل أي في أحد كون بعض الأسارى في بدر مات في الأسر ولم يؤخذ فداؤه وهو ومالك بن عبيد الله أخو طلحة بن عبيد الله وكون بعضهم أطلق من غير أخذ فداء لأن المنكر عدم قتل اولئك السبعين الذين أسروا
قال بعضهم اتفق أهل العلم بالسير على أن المخاطبين بقوله تعالى { أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها } هم أهل أحد أي قد أصبتم يوم بدر مثلي من استشهد منكم يوم أحد سبعين قتيلا وسبعين أسيرا والله أعلم
وتواصت قريش على أن لا يعجلوا في طلب فداء الأسرى لئلا يتخالى محمد وأصحابه في الفداء فلم يلتفت لذلك المطلب بن أبي وداعة السهمي بل خرج من الليل خفية وقدم المدينة فأخذ أباه بأربعة آلاف درهم وقد كان صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه رضي الله تعالى عنهم لما رأى أبا وداعة أسيرا إن له بمكة ابنا كيسا تاجر ذا مال وكأنكم به قد جاء في طلب فداء أبيه أي فكان أول أسير فدى واسم أبي وداعة الحارث وذكر في الصحابة قال الزبير بن بكار زعموا أنه كان شريكا للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة
أي والمشهور أن شريكه صلى الله عليه وسلم إنما هو السائب بن أبي السائب الذي قال في حقه وقد أسلم يوم الفتح وقد جعل الناس يثنون عليه أنا أعلمكم به هذا شريكي نعم الشريك كان لا يداري ولا يماري وفي رواية أنه لما قال صلى الله عليه وسلم أنا أعلمكم به قال صدقت بأبي أنت وأمي كنت شريكك فنعم الشريك لا تداري ولا تماري وعند ذلك بعثت قريش في فداء الأسارى وكان الفداء فيهم على قدر أموالهم وكان من أربعة آلاف إلى ثلاثة آلاف درهم إلى ألفين إلى ألف ومن لم يكن معه فداء أي وهو يحسن الكتابة دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم الكتابة فإذا تعلموا كان ذلك فداءه
وجاء جبير بن مطعم وهو كافر أي إلى المدينة يسأل النبي صلى الله عليه وسلم في اسارى بدر فقال له صلى الله عليه وسلم لو كان شيخك أو الشيخ أبوك حيا فأتانا فيهم لشفعناه وفي رواية لو كان مطعم حيا وكلمني في هؤلاء النفر وفي رواية في هؤلاء النتنى لتركتهم له لان المطعم كان أجار النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم من الطائف وكان ممن سعى في نقض الصحيفة كما تقدم ذلك
وكان من جملة الأسارى عمرو بن أبي سفيان بن حرب أخو معاوية أي أسره علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فقيل لأبي سفيان أفد عمرا ابنك قال أيجمع علي دمي

ومالي قتلوا حنظلة يعني ابنه وهو شقيق أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأفدى عمرا دعوه في أيديهم يمسكونه ما بدرا لهم فبينما أبو سفيان إذ وجد سعد بن النعمان أخا بني عمرو بن عوف أي قد وفد من المدينة معتمرا فعدا عليه أبو سفيان فحبسه بابنه عمرو فمضى بنو عمرو بن عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبر سعد بن النعمان وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبي سفيان فيفكون به صاحبهم ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثوا به إلى أبي سفيان فخلى سبيل سعد أي ولم يذكر عمرو هذا فيمن أسلم من الأسارى والظاهر أنه مات على شركه
وكان في الاسارى زوج بنت النبي صلى الله عليه وسلم زينب رضي الله عنها وهو أبو العاص بن الربيع بكسر الموحدة وتشديد الياء مفتوحة قال في الأصل ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بناء على ما تقوله العامة ان ختن الرجل زوج ابنته والمعروف لغة أن ختن الرجل أقارب زوجته مثل أبيها وأخيها ومع ذلك لا ينبغي أن يقال في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم ختن أبي العاص ولا ختن علي لإيهامه النقص
وفي حفظي أن عند المالكية من قال عنه صلى الله عليه وسلم يتيم أبي طالب وختن حيدرة كان مرتد وفي عبارة أو بدل الواو ورواية أو مبينة للمراد من رواية الواو وأن ما أفهمته من اعتبار الجمعية ليس مرادا وحيدرة اسم علي رضي الله تعالى عنه وأبو العاص اسلم بعد ذلك كما سيأتي وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد أخت خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأبو ولدها علي الذي أردفه صلى الله عليه وسلم خلفه يوم فتح مكة ومات مراهقا وأبو بنتها أمامة التي كان يحملها صلى الله عليه وسلم في الصلاة أي وكان يحبها حبا شديدا
فعن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهديت له هدية فيها قلادة من جذع فقال لأدفعنها إلى أحب أهلي إلى فقالت النساء ذهبت بها ابنة أبي قحافة فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامة بنت زينب فعلقها في عنقها وتزوجها علي بعد موت خالتها فاطمة رضي الله تعالى عنها بوصية من فاطمة زوجها له الزبير بن العوام وكان أبوها أوصى بها إلى الزبير ومات عنها فتزوجها المغيرة بن نوفل ابن الحارث بن عبد المطلب فماتت عنده وكان تزويجها للمغيرة بوصية من علي رضي الله وتعالى عنه فإنه لما حضرته الوفاة قال لها إني لا آمن أن يخطبك معاوية وفي لفظ هذا

الطاغية بعد موتي فإن كان لك في الرحال حاجة فقد رضيت لك المغيرة بن نوفل عشيرا فلما إنقضت عدتها أرسل معاوية إلى مروان أن يخطبها عليه ويبذل لها مائة ألف دينار فلما خطبها أرسلت إلى المغيرة بن نوفل إن هذا الرجل أرسل يخطبني فإن كان لك حاجة في فأقبل فجاء وخطبها من الحسن بن علي أي فزوجها منه
أي ولا يخالف ما تقدم أن المزوج لها الزبير بن العوام لأنه يجوز أن يكون الحسن كان هو السبب في تزويج الزبير لها فبعثت زينب رضي الله تعالى عنها في فداء زوجها أبي العاص قلادة لها كانت أمها خديجة رضي الله تعالى عنها أدخلتها بها عليه حين بنى بها أي والجائي بها أخوه عمرو بن الربيع ولا يعلم لعمرو هذا إسلام فلما رأى تلك القلادة رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة وقال للصحابة إن رايتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها قلادتها فافعلوا قالوا نعم يا رسول الله فأطلقوه وردوا عليها القلادة وشرط عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلي سبيل زينب أي أن تهاجر إلى المدينة
أي وقد كان كفار قريش مشوا إليه أن يطلق زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما طلق ولدا أبي لهب بنتي النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدخول بهما رقية وأم كلثوم كما تقدم وقالوا له نزوجك أي أمرأة من قريش شئت فأبى ذلك وقال والله لا أفارق صاحبتي وما أحب أن لي بها امرأة من قريش فشكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك واثنى عليه بذلك خيرا فلما وصل ابو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها فخرجت
وقد كان صلى الله عليه وسلم أرسل زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار قال لهما تكونان بمحل كذا لمحل قريب من مكة حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا بها أي وذكر أن حماها كنانة بن الربيع خا زوجها قدم لها بعيرا فركبته واتخذ قوسه وكنانته ثم خرج بها نهارا يقودها في هودج لها وكانت حاملا فتحدث بذلك رجال من قريش فخرجوا في طلبها حتى أدركوها بذي طوى فكان أول من سبق إليها هبار ابن الأسود رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك ونخس البعير بالرمح فوقعت والقت حملها
وفي رواية أنه سبق إليها هبار ورجل آخر يقال له نافع وقيل خالد بن عبد قيس

ثم ان كنانة برك ونثر كنانته واخذ قوسه وقال والله لا يدنو مني رجل الا وضعت فيه سهما فجاء اليه أبو سفيان في رجال من قريش وقال له كف عنا نبلك حتي نكلمك فكف ثم قال له انك لم تصب في فعلك فانك خرجت بالمراة جهارا على رءوس الاشهاد وقد عرفت مصيبتنا التي كانت وما دخل علينا من محمد فيظن الناس اذا خرجت زينب علانية على رءوس الناس من بين أظهرنا أن ذلك من ذل أصابنا وأن ذلك منا من ضعف ووهن ولعمري مالنا بحبسها عن أبيها من حاجة ولكن أرجع بها حتى اذا هدات الاصوات وتحدث الناس أن قد رددناها فسر بها سرا فألحقها بأبيها ففعل وأقامت ليالى ثم خرج بها ليلا حتى أسلمها الى زيدابن حارثة وصاحبه
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لزيد بن حارثة ألاتنطلق فتجيئ بزينب قال بلى يا رسول لله قال فخذ خاتمي فأعطها فانطلق زيد فلم يزل يتلطف حتى لقي راعيا فقال لمن ترعى قال لابي العاص قال فلمن هذه الغنم قال لزينب بنت محمد فتكلم معه ثم قال له هل ان أعطيتك شيئا تعطهااياه ولا تذكره لأحد قال نعم فأعطاه الخاتم فانطلق الراعي الى زينب وأدخل غنمه وأعطاها الخاتم فعرفته فقالت من أعطاك هذا قال رجل قالت فأين تركته قال بمكان كذا وكذا فسكتت حتى اذا كان الليل خرجت اليه فلما جاءته قال لها زيد اركبي بين يدي على بعيري قالت لا ولكن اركب انت بين يدي فركب وركبت خلفه حتى أتت المدينة وذلك بعد شهرين من بدر وكان صلى الله عليه وسلم يقول زينب أفضل بناتي أصيبت بي اي بسببي ز
ومن العجب أن هذه العبارة ساقها الامام سراج الدين البلقيني في فتاويه في حق فاطمه رضي الله تعالى عنها حيث قال وقد روي البزار في مسنده من طريق عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة هي خير بناتي لانها أصيبت في هذا كلامه ولينظر ما الذي أصيبت فاطمة بسببه صلى الله عليه وسلم وقد يقال اصابتها بسبب موته صلى الله عليه وسلم في حياتها ز
ثم رايت الحافظ ابن حجر أجاب بذلك حيث قال لأنها رزئت بأبيها فكان في صحيفتها اى فهو من أعلام نبوته او ان قوله في زينب ما ذكر كان قبل ما وهب الله لفاطمة من الكمالات


وقد سئل الإمام البلقيني رحمه الله تعالى هل بقية بناته صلى الله عليه وسلم أي بعد فاطمة سواء في الفضل أو يفضل بعضهم على بعض ولم يجب عن ذلك ولا مخالفة بين خروج زينب إلى زيد وخروج حميها بها إلى زيد وبهذا أي بتأخر هجرة زينب يظهر التوقف في قول ابن اسحاق أما بناته صلى الله عليه وسلم فكلهن أدرن الإسلام واسلمن وهاجرنا معه إلا ان يقال المراد اشتركن معه في الهجرة وتقدم ما في قوله وأسلمن وكون الجائي في فداء أبي العاص أخوه عمرو يخالف ما جاء أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنها أرسلت في فداء أبي العاص وأخيه عمرو بن الربيع بمال وبعثت فيه بقلادة الحديث ولعلها تصحيف وأن الأصل بعثت في فداء أبي العاص أخاه عمرو بن الربيع ويدل لذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال في هذه الرواية إن رايتم أن تردوا لها أسيرها فأطلقوه ولم يقل أسيريها وكان في الأسارى سهيل بن عمرو العامري
وتقدم أنه كان من أشراف قريش وخطبائها فقد سئل سعد بن المسيب عن خطباء قريش في الجاهلية فقال الأسود بن المطلب وسهيل بن عمرو وسئل عن خطبائهم في الإسلام فقال معاوية بن أبي سفيان وابنه يعني يزيد وسعيد بن العاص وابنه يعني عمرو بن سعيد وعبد الله بن الزبير
ولعل هذا لا يخالف ما تقدم من قول الأصمعي الخطباء من بني مروان عتبة ابن ابي سفيان أخو معاوية وعبد الملك بن مروان ومما يؤثر عن عتبة ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم كما تقدم وقال عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم دعني أنزع ثنيتي سهيل بن عمرو ويدلع أي بالدال والعين المهملتين يخرج لسانه أي لأنه كان أعلم والأعلم إذا نزعت ثنيتاه لم يستطع الكلام فلا يقم عليك خطيبا في موطن أبدا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا امثل بي فيمثل الله تعالى بي إن كنت نبيا وعسى أن يقوم مقاما لا تذمه فكان كذلك فإنه لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أكثر أهل مكة الرجوع عن الإسلام حتى خافهم أمير مكة عتاب بن أسيد رضي الله عنه وتوارى فقام سهيل بن عمرو رضي الله عنه خطيبا فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ايها الناس من كان يعبد محمد فإن محمد قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ألم تعلموا ان الله تعالى قال { إنك ميت وإنهم ميتون } وقال { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } الآيات وتلى آيات

آخر ثم قال والله إني أعلم أن هذا سيمتد امتداد الشمس في طلوعها وغروبها فلا يغرنكم هذا من أنفسكم يعني ابا سفيان فإنه ليعلم من هذا الأمر ما أعلم لكنه قد ختم على صدره حسد بني هاشم وتوكلوا على ربكم فإن دين الله قائم وكلمته تامة إن الله ناصر من نصره ومقو دينه وقد جمعكم الله على خيركم يعني أبا بكر رضي الله تعالى عنه وقال إن ذلك لم يزد الإسلام إلا قوة فمن رأيناه ارتد ضربنا عنقه فتراجع الناس وكفوا عما هموا به
وعند ذلك ظهر عتاب بن أسيد رضي الله عنه وقدم مكرز بن حفص في فداء سهيل فلما ذكر قدرا أرضاهم به قالوا له هات فقال اجعلوا رجلي مكان رجله وخلوا سبيله حتى يبعث إليكم بفدائه فخلوا سبيل سهيل وحبسوا مكرز وكان في الأسارى الوليد أخو خالد بن الوليد افتكه أخواه هشام وخالد فلما افتدى أسلم فعاتبوه في ذلك فقال كرهت أن يظن بي أني جزعت من الأسر ولما أسلم وأراد الهجرة حبسه أخواه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له في القنوت كما تقدم ثم أفلت ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء كما سيأتي أي وكان في الأسارى السائب وهو الأب الخامس لإمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه وكان صاحب راية بني هاشم في ذلك اليوم أي التي يقال لها في الحرب العقاب ويقال لها راية الرؤساء ولا يحملها في الحرب إلا رئيس القوم وكانت لأبي سفيان أوة لرئيس مثله ولغيبة أبي سفيان في العير حملها السائب لشرفه وفدى نفسه
وأما أبوه الرابع الذي هو شافع الذي ينسب إليه أمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه الذي هو ولد السائب لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مترعرع فأسلم وكان في الأسارى وهب بن عمير رضي الله تعالى عنه فإن أسلم بعد ذلك واسره رفاعة بن رافع وكان أبوه عمير شيطانا من شياطين قريش وكان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه بمكة رضي الله تعالى نه فإنه أسلم بعد ذلك فجلس يوما مع صفوان بن أمية رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وكان جلوسه معه في الحجر فتذاكرا أصحاب القليب ومصابهم فقال صفوان ما في العيش والله خير بعدهم فقال عمير والله صدقت أما والله لولا دين على ليس له عندي قضاء وعيال أخشى عليهم الضيع بعد كنت آتي محمد حتى أقتله فإنني فيهم علة ابن أسير في ايديهم فاغتنمها صفوان وقال له على دينك أنا أقضيه

عنك وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا قال عمير فاكتم عني شأني وشأنك قال افعل ثم ان عميرا أخذ سيفه وشحذه بالمعجمة أي سنه وسمه أي جعل فيه السم ثم أنطلق حتى قدم المدينه فبينا عمر بن الخطاب رضي الله تعال عنه في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر اذ نظر الى عمير حين أناخ راحلته على باب المسجد متوشحا السيف فقال هذا الكلب عدو الله عمير ما جاء الابشر فدخل عمر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحا سيفه قال صلى الله عليه وسلم فأدخله علي فأقبل عمر رضي الله عنه حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه والحمالة بكسر الحاء المهملة العلاقة فمسكه بها وقال لرجال ممن كانو معه من الانصار أدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسوا عنده فان هذا الخبيث غير مأمون ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر رضي الله عنه اخذ بحمالة سيفه في عنقه قال أرسله يا عمر ادن يا عمير فدنا ثم قال عمير أنعمو صباحا وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير بالسلام تحية أهل الجنه ما جاء بك يا عمير قال جئت لهذا الاسير الذي في أيديكم يعني ولده وهبا فأحسنوا فيه قال فما بال السيف قال قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنا شيئا قال صلى الله عليه وسلم أصدقني مالذي جئت له قال ما جئت الا لذلك قال صلى الله عليه وسلم بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش ثم قلت لولا دين على وعيالي لخرجت حتى أقتل محمدا فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على ان تقتلني له والله حائل بينك وبين ذلك قال عمير أشهد أنك رسول الله قد كنا يا رسول الله نكذبك بما تأتي به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي وهذا امر لم يحضر الا أنا وصفوان فوالله اني لا اعلم ما أتاك به الا الله تعالى فالحمد لله الذى هدانا للاسلام وساقني هذا المساق ثم شهد شهادة الحق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقهوا أخاكم في دينه وأقرئوه القرأن وأطلقوا أسيره ففعلوا ذلك ثم قال يا رسول الله اني كنت جاهدا على اطفاء نور الله شديد الأذى لمن كان على دين الله فأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكه فأدعوهم الى الله وإلى الإسلام لعل الله يهديهم وإلا أذيتهم

في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحق بمكة وأسلم ولده وهب رضي الله عنه
وكان صفوان حين خرج عمير يقول أبشروا بوقعة تأتيكم الآن تنسيكم وقعة بدر وكان صفوان يسأل عن الركبان حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه فحلف أن لا يكلمه أبدا وأن لا ينفعه بنفع أبدا
أي ولما قدم عمير لم يبدا بصفوان بل بدا ببيته واظهر الإسلام ودعا إليه فبلغ ذلك صفوان فقال قد عرفت حيث لم يبدأ بي قبل منزله أنه قد نكس وصبأ ولا أكلمه ابدا ولا انفعه ولا عياله بنافعة
ثم إن عميرا وقف على صفوان وناداه أنت سيد من سادتنا رايت الذي كنا عليه من عبادة الحجر والذبح له أهذا دين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله فلم يجبه صفوان بكلمة وعند فتح مكة هو الذي استأمنه صلى الله عليه وسلم لصفوان كما سيأتي
وكان في الأسارى أبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه قال أبو عزيز مر بي أخي مصعب فقال للذي أسرني شد يدك به فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك فقلت له يا أخي هذه وصايتك بي فبعثت أمه في فدائه أربعة آلاف درهم ففدته بها
وكان في الأسارى العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم اي وقد شدوا وثاقه فأن فلم يأخذه صلى الله عليه وسلم نوم فقيل ما سهرك يا رسول الله قال لأنين العباس فقام رجل وأرخى وثاقه وفعل ذلك بالأسارى كلهم والذي أسره أبو اليسر كعب بن عمرو وكان ذميما أي بالمهملة صغير الجثة والعباس جسيما طويلا فقيل للعباس رضي الله تعالى عنه لو أخذته بكفك لوسعته كفك فقال ما هو إن لقيته فظهر في عيني كالخدمة أي وهو جبل من جبال مكة أي وأبو اليسر هذا هو الذي انتزع راية المشركين وكانت بيد أبي عزيز بن عمير قال وفي رواية أن البني صلى الله عليه وسلم سأل كعب وقال له كيف أسرت العباس قال يا رسول الله لقد أعانني عليه ملك كريم أي وفي رواية أن العباس رضي الله تعالى عنه لما قيل له ما تقدم قال والله إن هذا ما اسرني لقد أسرني رجل أبلج من أحسن الناس وجها على فرس أبلق فما أراه في القوم فقال الذي جاء به والله أنا الذي أسرته يا رسول الله فقال اسكت فقد أيدك الله بملك كريم


وفي الكشاف أن العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخذ أسيرا ببدر لم يجدوا له قميصا وكان رجلا طوالا فكساه عبد الله بن أبي ابن سلول قميصه وجعل صلى الله عليه وسلم فداء العباس أربعمائة أوقية وفي رواية مائة أوقية وفي رواية أربعين أوقية من ذهب وفي رواية جعل على العباس أيضا فداء عقيل ابن أخيه ثمانين أوقية أي وجعل عليه فداء ابن أخيه نوفل بن الحارث
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال له افد نفسك يا عباس وابني أخيك عقيل ابن أبي طالب ونوفل بن الحارث ابني عبد المطلب وحليفك عتبة بن عمرو ففدى نفسه بمائة أوقية وكل واحد بأربعين أوقية وسيأتي ما يدل على أنه إنما فدى نفسه وابن أخيه عقيل فقط وقال للنبي صلى الله عليه وسلم تركتني فقير قريش ما بقيت وفي لفظ تركتني أسأل الناس في كفى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين المال الذي دفعته لأم الفضل يعني زوجته وقلت لها إن أصبت فهذا لبني الفضل وعبد الله وقثم وفي كلام ابن قتيبة فللفضل كذا ولعبد الله كذا وقثم كذا فقال والله إني لأعلم أنك رسول الله إن هذا شيئ ما علمه إلا انا وأم الفضل زاد في رواية وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله
وفي رواية أن العباس قال للنبي صلى الله عليه وسلم لقد تركتني فقير قريش ما بقيت فقال له كيف تكون فقير قريش وقد استودعت بنادق الذهب أم الفضل وقلت لها إن قتلت فقد تركتك غنية ما بقيت
وفي رواية أين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل فقال أشهد أن الذي تقوله قد كان وما اطلع عليه إلا الله وتقدم عن أبي رافع مولى العباس أن العباس رضي الله تعالى عنه وزوجته أم الفضل كانا مسلمين بل تقدم أنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة رضي الله تعالى عنها وكانا يكتمان إسلامهما وأن أبا رافع كان كذلك
ومما يؤيد إسلام العباس رضي الله تعالى نه أنه جاء في بعض الروايات أن العباس رضي الله تعالى عنه قال علام يأخذ ما الفداء وكنا مسلمين أي وفي رواية كنت مسلما ولكن القوم استكرهوني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم الله أعلم بما تقول إن يك حق فإن الله يجزيك ولكن ظاهر أمرك أنك كنت علينا وقد أنزل الله تعالى { يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا } أي إيمانا { يؤتكم خيرا مما أخذ منكم }

أي من الفداء الآيات فعند ذلك أي عند نزول الآيات قال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم لوددت أنك كنت أخذت مني أضعافا فقد آتاني الله خير منها مائة عبد وفي لفظ أربعين عبدا كل عبد في يده مال يضرب به أي يتجرفيه وإني لأرجو من الله المغفرة أي وهذا القول من العباس رضي الله تعالى عنه يدل على تأخر نزول هذه الآيات
وجاء أن العباس رضي الله تعالى عنه خرج لبدر ومعه عشرون أوقية من ذهب ليطعم بها المشركين فأخذت منه في الحرب فكلم النبي صلى الله عليه وسلم أن يحسب العشرين أوقية من فداءه فأبى وقال أما شيء خرجت تستعين به علينا فلا نتركه لك وجاء في بعض الروايات أن العباس رضي الله تعالى عنه لما أسر تواعدت طائفة من الأنصار على قتله فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لعمر لم أنم الليلة من أجل عمي العباس زعمت الأنصار أنهم قاتلوه فأتى عمر الأنصار فقال لهم أرسلوا العباس فقالوا والله لا نرسله فقال لهم عمر فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي فقالوا إن كان رضي فخذه فأخذه عمر فلما صار في يده قال له يا عباس أسلم فوالله لأن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب
أي وفي اسباب النزول للواحدي لما أسر العباس يوم بدر أقبل المسلمون عليه يعيرونه بكفره بالله وقطيعة الرحم وأغلظ علي له من القول فقال العباس ما لكم تذكرون مساوينا ولا تذكرون محاسننا قال له علي ألكم محاسن قال نعم إنا لنعمر المسجد الحرام ونحيي الكعبة ونسقي الحاج ونفك العانى فأنزل الله تعالى { ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله } الآية
وجاء انه قال للمسلمين لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد الحرام ونسقي الحاج فأنزل الله تعالى { أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله } الآية
وذكر بعضهم أن العباس رضي الله تعالى عنه كان رئيسا في قريش وإليه عمارة المسجد الحرام فكان لا يدع أحدا يتشبب فيه ولا يقول فيه هجرا والتشبيب ترقيق الشعر بذكر النساء والهجر الكلام الفاحش فكانت قريش اجتمعت وتعاقدت على تسليم ذلك للعباس وكانوا عونا له على ذلك

ومن ثم قيل في العباس هذاوالله هو الشرف يطعم الجائع ويؤدب السفيه فإن طعامه كان لفقراء بني هاشم وقيل وسوطه معد لسفهائهم وإذا كان ذلك لسفهاء بني هاشم فلسفهاء غيرهم بطريق الاولى
والظاهر أن ذلك لا يختص بسكونهم في المسجد كما قد يدل عليه الروايه الاولى ولاينافي هذا أي قول عمر له أسلم إلى أخره ما تقدم عن مولاه أبي رافع من أن العباس كان مسلما ومن قوله للنبي صلى الله عليه وسلم إنه كان مسلما ومن إتيانه بالشهادتين عنده صلى الله عليه وسلم لأن ذاك لم يظهره علانية بل أظهره له صلى الله عليه وسلم فقط ولم يعلم به عمر ولا غيره ولم يظهر النبي صلى الله عليه وسلم إسلام العباس رفقا به لما تقدم أن العباس كان له ديون متفرقة في قريش وكان يخشى إن أظهر إسلامه ضاعت عندهم
ومن ثم لما قهرهم الإسلام يوم فتح مكة أظهر إسلامه أي فلم يظهر إسلامه إلا يوم الفتح وكان كثيرا ما يطلب الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكتب له مقامك بمكة خير لك
أي وفي رواية استأذن العباس رضي الله تعالى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة فكتب إليه يا عم أقم مكانك الذي أنت فيه فإن الله عز وجل يختم بك الهجرة كما ختم بي النبوة فكان كذلك
وفي رواية أنه قال لابن عمه نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أفد نفسك يا نوفل ما لي شيء أفدي به نفسي قال أفد نفسك من مالك الذي يجدة وفي لفظ بارماحك التي بجدة فقال أشهد أنك رسول الله والله ما أحد يعلم أن لي بجدة أرماحا غير الله أي وفدى نفسه ولم يفده العباس
ويدل لذلك ما رواه البخاري عن انس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بمال من البحرين أي من خراجهما فقال انثروه في المسجد فكان أكثر مال أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم أي كان مائة ألف وكان أول خراج حمل إليه صلى الله عليه وسلم وكان ياتي في كل سنة وحينئذ لا يعارض هذا قوله صلى الله عليه وسلم لجابر لو قد جاء مال البحرين أعطيتك فلم يقدم مال البحرين حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن المراد أنه لم يقدم

في تلك السنة ولما نثر ذلك المال في المسجد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة ولم يلتفت إليه فلما قضى الصلاة جاء فجلس إليه فكان لا يرى احدا إلا اعطاه فجاءه العباس فقال يا رسول الله أعطني إني فاديت نفسي وفاديت عقيلا أي ولم يقل نوفلا ولا حليفه عتبة بن عمرو فقال خذ فحثى في ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال مر بعضهم يرفعه إلي قال لا قال فارفعه أنت على قال لا فنثر منه ولا زال يفعل كذلك حتى بقى ما يقدر على رفعه على كاهله أى بين كتفيه ثم إنطلق وهو يقول إنما أخذت ما وعد الله فقد أنعلى قتال المسلمين أنجز فما زال صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره عجبا من حرصه حتى خفى
ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفر من الاسارى بغير فداء منهم أبو عزه عمرو الجمحي الشاعر كان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين بشعره فقال يا رسول الله إني فقير وذو عيال وحاجه قد عرفتها فا منن علي فمن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أى وفي رواية قال له إن لي خمس بنات ليس لهن شيء فتصدق بي عليهن ففعل وأعتقه وأخذ عليه أن لا يظاهر عليه أحدا أي ولما وصل إلى مكة قال سحرت محمدا
ولما كان يوم أحد خرج مع المشركين يحرض على قتال المسلمين بشعره فأسر وقتل صبرا وحملت رأسه إلى المدينة كما سيأتي
أي فعلم أن أسرى بدر منهم من فدى ومنهم من خلى سبيله من غير فداء وهو أبو العاص أبوعزة ووهب بن عمير ومنهم من مات ومنهم من قتل وهو النضر ابن الحارث وعقبة بن أبي معيط كما تقدم
ولما بلغ النجاشي نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر فرح فرحا شديدا فعن جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن النجاشي أرسل إليه وإلى أصحابه الذين معه بالحبشة ذات يوم فدخلوا عليه فوجدوه جالسا على التراب لابسا أثوابا خلقة فقالوا له ما هذا أيها الملك فقال لهم إني أبشركم بما يسركم إنه قد جاءني من نحو أرضكم عين لي فأخبرني أن الله عز وجل قد نصر نبيه وأهلك عدوه فلانا وفلانا وعدد جمعا التقوا بمحل يقال له بدر كثير الأراك كنت أرعى فيه غنما لسيدي من بني ضمرة فقال له جعفر ما لك جالس على التراب عليك هذه الأخلاق قال إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى أن حقا على عباد الله أن يحدثوا لله عز وجل تواضعا عندما أحدث لهم نعمة


وفي رواية كان عيسى صلوات الله وسلامه عليه إذا حدث له من الله نعمة ازداد تواضعا فلما أحدث الله تعالى نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم أحدثت هذا التواضع
وفي رواية إنا نجد في الإنجيل أن الله سبحانه وتعالى إذا أحدث بعبده نعمة وجب على العبد أن يحدث لله تواضعا وإن الله قد أحدث إلينا وإليكم نعمة عظيمة الحديث
قال ولما أوقع الله تعالى بالمشركين يوم بدر واستاصل وجوههم قالوا إن ثأرنا بأرض الحبشة فلنرسل إلى ملكها ليدفع إلينا من عنده من أتباع محمد فنقتلهم بمن قتل منا فأرسلوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة رضي الله تعالى عنهما فإنهما أسلما بعد ذلك إلى النجاشي ليدفع إليهما من عنده من المسلمين فأرسلوا معهما هدايا وتحفا للنجاشي فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمرى بكتاب يوصيه فيه على المسلمين انتهى وفي الأصل هنا ما يوافقه
وفيه أن عمرو بن امية الضمر لم يكن أسلم بعد أي لأنه كما في الأصل شهد بدر وأحدا مع المشركين وأول مشهد شهده مع المسلمين بئر معونة واسر في ذلك وجزت ناصيته واعتق وكان ذلك في سنة أربع كما سيأتي قال فلما وصل عمرو وعبد الله إلى النجاشي ردهما خائبين
أي فعن عمرو بن العاص قال دخلت على النجاشي فسجدت له فقال مرحبا بصديقى أهديت لي من بلادك شيئا فقلت نعم أيها الملك أهديت لك أدما كثيرا ثم قربته إليه فأعجبه وفرق منه اشياء بين بطارقته وأمر بسائره فأدخل في موضع وامر ان يكتب ويتحفظ به قال عمرو فلما رأيت طيب نفسه قلت أيها الملك إني رأيت رجلا خرج من عندك يعني عمرو بن أمية الضمرى وهو رسول عدو لنا وترنا وقتل أشرافنا وخيارنا فأعطنيه فأقتله فغضب ثم رفع يده فضرب بها أنفى ضربة ظننت أنه قد كسره فجعلت أتقي الدم بثيابي وفي رواية ثم رفع يده فضرب بها أنف نفسه ظننت أنه قد كسر وقد يجمع بوقوع الأمرين منه وعند ذلك قال عمرو فأصابني من الذل ما لو إنشقت لي الأرض لدخلت فيها فرقا منه ثم قلت أيها الملك لو ظننت أنك تكره ما قلت ما سألتكه فقال يا عمرو تسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى والذي كان يأتي عيسى ابن مريم لتقتله قلت وتشهد أنت ايها الملك أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال نعم أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم

عليه وسلم أشهد بذلك عند الله يا عمرو فاطعني واتبعه فوالله إنه لعلى الحق قلت له افتبايعنى له على الإسلام قال نعم فمد يده فبايعته على الإسلام ثم خرجت إلى اصحابي وقد كساني فلما رأوا كسوة الملك سروا بذلك وقالوا هل من صاحبك قضاء لحاجتك يعنون قتل عمرو بن أمية الضمرى فقلت لهم كرهت أن أكلمه أول مرة وقلت أعود إليه قالوا الراي ما رايت وفارقتهم وهذا يدل على أنه كان معه ومع عبد الله جماعة آخرون من قريش ويحتمل أنه عنى بأصحابه عبد الله بن ربيعة ويؤيد الأول ما يأتي فاليتأمل
وكاني أعمد إلى حاجة فعمدت إلى موضع السفن فوجدت سفينة قد شحنت فركبت معهم ودفعوها من ساعتهم حتى إنتهوا إلى الشعبية وهو محل معروف كان مورد لجدة أي كان ترسى به السفن قبل وجود جدة كما تقدم فخرجت من السفينة فابتعت بعيرا وتوجهت إلى المدينة حتى إذا كنت بالهداة اسم محل إذا رجلان وهما خالد ابن الوليد وعثمان بن أبي طلحة فرحبا بي وإذا هما يريدان الذي اريد فتوجهنا إلى المدينة
فقد علمت ما في ارسال عمرو بن أمية الضمرى إلى النجاشي عقب وقعة بدر من أنه كان في ذلك الوقت كافرا لأنه شهد مع الكفار أحدا
ومن ثم قال في الأصل هنا فلما كان شهر ربيع الأول وقيل المحرم سنة سبع أي وقيل سنة ست حكاه ابن عبد البر عن الواقدي من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام وبعث به عمرو بن أمية الضمرى فلما قرئ عليه الكتاب أسلم وكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه أم حبيبة ففعل وكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه من بقي عنده من أصحابه ويحملهم ففعل وقد تقدم القول عند ذكر الهجرة إلى أرض الحبشة أن توجه عمرو بكتابى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحرم سنة سبع يدعوه في أحدهما إلى الإسلام والثاني في تزويجه عليه الصلاة والسلام أم حبيبة وقيل ارسال عمرو كان في شهر ربيع الأول منها وسيأتي ذكر كتابي النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي مع عمرو عند ذكر كتبه إلى الملوك هذا كله كلام الأصل فليتأمل ما فيه


ثم رأيت صاحب النور قال قد رأيت غير واحد صرح بأن النجاشي أسلم في السنة السابعة يعنون من الهجرة وهذا يعكر على تصديقه وإسلامه عند إرسال عمرو بن العاص وعبد الله بن ربيعة أي عقب بدر حيث قال أنا أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر ما تقدم هذا كلامه
أي فكيف يكون إرسال عمرو بن أمية إلى النجاشي ليسلم وقد يجاب بأن المراد إظهار إسلامه اي بعث له عمرو بن أمية لأجل ان يظهر إسلامه ويعلن به بين قومه اي لأنه كان يخفي إسلامه عن قومه ولما بلغ قومه أنه اعترف بأن عيسى صلوات الله وسلامه عليه عبد الله ووافق جعفر بن أبي طالب على ذلك سخطوا وقالوا له أنت فارقت ديننا وأظهروا له المخاصمة فأرسل النجاشي إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه فهيأ لهم سفنا وقال اركبوا فيها وكونوا كما أنتم فإن هربت فاذهبوا حيث شئتم وإن ظفرت فأقيموا ثم عمد إلى كتاب فكتب وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويشهد أن عيسى عبده ورسوله وروحه وكلمته القاها إلى مريم ثم جعله في ثيابه عند منكبه الأيمن وخرج إلى الحبشة وقد صفوا له فقال يا معشر الحبشة ألست أرفق الناس بكم قالوابلى قال فكيف رأيتم سيرتي فيكم قالوا خير سيرة قال فما لكم قالوا فارقت ديننا وزعمت أن عيسى عبد قال فماذا تقولون أنتم في عيسى قالوا نقول هو ابن الله فقال لهم النجاشي ووضع يده على صدره على قبائه وقال هو يشهد أن عيسى ابن مريم ولم يزد على هذا وإنما يعني ما كتب فرضوا منه ذلك
ويذكر أن عليا رضي الله عنه وجد ابن النجاشي عند تاجر بمكة فاشتراه منه وأعتقه مكافأة لما صنع أبوه مع المسلمين وكان يقال له نيزرمولى علي كرم الله وجهه
ويقال أن الحبشة لما بلغهم خبره أرسلوا وفدا منهم إليه ليملكوه ويتوجوه ولم يختلفوا عليه فأبى وقال ما كنت لأطلب الملك بعد أن من الله علي بالإسلام
على أن ابن الجوزي رحمه الله ذكر أن ذهاب عمرو بن العاص إلى النجاشي كان عند منصرفه مع قريش في غزوة الأحزاب أي لا عقب بدر
فعن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه لما انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق جمعت رجالا من قريش كانوا يرون مكاني ويسمعون مني فقلت لهم تعلمون والله أني لأرى أمر محمد يعلو لأمور علوا منكرا وإني قد رأيت رايا فما ترون فيه قالوا

وما رأيت قال أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي فإنا أن نكون تحت يديه أحب إلينا أن نكون تحت يدي محمدا وإن ظهر قومنا فنحن ممن قد عرفوا فلن يأتينا منهم إلا خير فقالوا إن هذا هو الرأي فقلت اجمعوا ما يهدي له وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم فجمعنا أدما كثيرا ثم خرجنا إليه فوالله إنا لعنده إذ جاءه عمرو بن أمية الضمرى بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن جعفر وأصحابه الحديث
وهذا لا يمنع أن يكون عمرو بن العاص وفد على النجاشي هو وعبد الله بن ربيعة عقب بدر فيكون وصول عمرو بن العاص على النجاشي كان ثلاث مرات مرة مع عمارة عقب مهاجرة من هاجر إلى الحبشة ومرة مع عبد الله بن ربيعة عقب بدر وهذه المرة الثالثة التي كانت عقب الأحزاب وإن إرسال عمرو بن أمية وإسلام عمرو بن العاص على يد النجاشي كان في هذه المرة الثالثة
وحينئذ لا يشكل ارسال عمرو بن أمية للنجاشي لأنه كان مسلما حينئذ فيكون ذكر مجىء عمرو بن أمية إلى النجاشي في المرة الثانية التي كانت عقب بدر اشتباه من بعض الرواة وكذا ذكر إسلام عمرو بن العاص على يد النجاشي في المرة الثانية من تخليط بعض الرواة
ثم رأيته في الامتاع قال وقد رويت قصة الهجرة إلى الحبشة وإسلام النجاشي من طرق عديدة مطولة ومختصرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل عمرو بن أمية الضمرى في أموره لأنه كان من رجال النجدة أي ومعلوم أنه كان لا يرسله إلا بعد إسلامه وإسلامه قد علمت أنه كان سنة أربع وفي الأصل أنه صلى الله عليه وسلم أرسله إلى مكة بهدية لأبي سفيان بن حرب
أي ولعل المراد بذلك ما حكاه بعض الصحابة قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أراد أن يبعثني بمال إلى أبي سفيان يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح وقال لي التمس صاحبا قال فجاءني عمرو بن أمية فقال بلغني أنك تريد الخروج إلى مكة وتلتمس صاحبا قلت أجل قال فأنا لك صاحب قال فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت وجدت صاحبا فقال من قلت عمرو بن أمية الضمرى فقال إذا هبط بلاد قومه فاحذروه فإنه قد قال القائل أخوك البكري ولا تأمنه

وقد أسلم عبد الله ولده قبل ابيه عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال فيهما وفي أم عبد الله نعم البيت عبد الله وأبو عبد الله وأم عبد الله وكان صلى الله عليه وسلم يفضل عبد الله على أبيه لانه كان من عباد الصحابة وزهادهم وفضلائهم وعلمائهم ومن أكثرهم رواية
وذكر ابن مرزوق رحمه الله أن ابن عمرو رضي الله تعالى عنهما مر ببدر فإذا رجل يعذب ويئن فناداه يا عبد الله قال فالتفت إليه فقال اسقني فأردت أن أفعل فقال الأسود الموكل بتعذيبه لا تفعل يا عبد الله فإن هذا من المشركين الذين قتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الطبراني في الأوسط زاد السيوطي في الخصائص فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته قال أوقد رأيته قلت نعم قال ذاك عدو الله أبو جهل وذاك عذابه إلى يوم القيامة
وأخرج ابن ابي الدنيا والبيهقي عن الشعبي أن رجلا قال لنبي صلى الله عليه وسلم إني مررت ببدر فرايت رجلا يخرج من الأرض فيضربه رجل بمقمعة حديد وفي لفظ بعمود حديد حتى يغيب في الأرض ثم يخرج فيفعل به مثل ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك أبو جهل يعذب إلى يوم القيامة
ومما جاء في فضل من شهد بدرا أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما تعدون أهل بدر فيكم قال من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها قال جبريل عليه السلام وكذلك من شهد بدرا من الملائكة وفي رواية إن للملائكة الذين شهدوا بدرا في السماء لفضلا على من تخلف منهم وجاء بعض الصحابة رضي الله تعالى عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن ابن عمي نافق أي وقد كان من أهل بدر أتأذن لي ان أضرب عنقه فقال صلى الله عليه وسلم إنه شهد بدرا وعسى أن يكفر عنه وفي رواية وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدرا وقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم
قال وفي الطبراني بسند جيد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع الله على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم أو قال فقد وجبت لكم الجنة أي غفرت لكم ما مضى وما سيقع من الذنوب أي وهو يفيد أن ما يقع مهم من الكبائر لا يحتاجون إلى التوبة عنه لأنه إذا وقع يقع مغفورا

وعبر فيه بالماضي مبالغة في تحققه وهذا كما لا يخفى بالنسبة للآخرة لا بالنسبة لأحكام الدنيا ومن ثم لما شرب قدامة بن مظعون الخمرة في أيام عمر جلده وكان بدريا
أي وقد يقال هذا يقتضي وجوب التوبة في الدنيا فإذا لم تقع لا يؤاخذ بذلك في الآخرة لأن وجوب التوبة من أحكام الدنيا
لا يقال إذا سلم أن الذنب إذا وقع منهم يقع مغفورا لا معنى لوجوب التوبة وإنما حد عمر رضي الله تعالى عنه قدامة زجرا عن شرب الخمر لأنا نقول بل لوجوب التوبة في الدنيا معنى وإن كان الذنب إذا وقع يقع مغفورا لأن المراد بذلك عدم المؤاخذة في الآخرة وذلك لا ينافي وجوب التوبة عنه في الدنيا لأنه لا تلازم بين وجوب التوبة في الدنيا وبين غفران الذنب في الآخرة
هذا وفي الخصائص الصغرى نقلا عن شرح جمع الجوامع أن الصحابة كلهم لا يفسقون بارتكاب ما يفسق به غيرهم وقدامة هذا كان متزوجا أخت عمر رضي الله تعالى عنه وكان عمر متزوجا بأخت قدامة وهي أم حفصة رضي الله تعالى عنها فكان خالا لحفصة ولأخيها عبد الله وكان عاملا لعمر في بعض النواحي أي البحرين فقدم الجارود سعد بن عبد القيس على عمر من البحرين وكان قدامة واليا عليها فأخبر عمر أن قدامة سكر قال وإني رايت حدا من حدود الله حق على ان أرفعه إليك فقال له عمر من يشهد معك قال أبو هريرة فشهد أبو هريرة رضي الله عنه أنه رآه سكران أي قال لم أره يشرب ولكني رأيته سكران يقيء فأحضر قدامة فقال له الجارود أقم عليه الحد فقال له عمر رضي الله عنه أخصم أنت أم شاهد فصمت ثم عاوده فقال له عمر رضي الله عنه لتمسكن أو لأسوءنك فقال ليس في الحق وفي لفظ أما والله ما ذلك بالحق أن يشرب ابن عمك وتسوءني فأرسل عمر رضي الله عنه إلى زوجة قدامة أي بعد أن قال له ابو هريرة رضي الله عنه إن كنت تشك في شهادتنا فأرسل إلى ابنه الوليد يعني زوجته فجاءت فشهدت على زوجتها بأنه سكر فقال عمر لقدامة أريد أن أحدك فقال ليس لك ذلك لقول الله عز وجل { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } فقال له عمر أخطأت التأويل فإن بقية الآية { إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات } فإنك إن اتقيت اجتنبت ما حرم الله تعالى عليك ثم أمر به فحد فغاضبه قدامة ثم حجا جميعا ففي يوم استيقظ عمر رضي الله تعالى عنه من نومه

فزعا فقال عجلوا بقدامة أتاني آت فقال صالح قدامة فإنه أخوك فاصطلحا
أي وقد احتح بهذه الآية ايضا جمع من الصاحبة شربوا الخمر وهم أبو جندل وضرار بن الخطاب وأبو الأزور فأراد أبو عبيدة رضي الله عنه وهو وال في الشام أن يحدهم فقال أبو جندل ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما أتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات فكتب أبو عبيدة إلى عمر بذلك وقال خصمني أبو جندل بهذه الآية فكتب عمر لأبي عبيدة إن الذي زين لأبي جندل الخطيئة زين له الخصومة فاحددهم فلما أراد أبو عبيدة أن يحدهم قال أبو الأزور في لأبي عبيدة دعنا نلقى العدو غدا فإن قتلنا فذاك وإن رجعنا إليكم فحدونا فلقوا العدو فاستشهد أبو الأزور وحد الآخران
وفي حواشي البخاري للحافظ الدمياطي أن نعيمان كان ممن شهد بدرا وسائر المشاهد وأتى في شربه الخمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحده أربعا أو خمسا أي من المرات فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يشرب وأكثر ما يحد فقال عليه الصلاة والسلام لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله ولعل هذا التعليل لا ينظر لمفهومه
وعند الإمام أحمد رحمه الله عن حفصة رضي الله تعالى عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إني لأرجو أن لا يدخل النار احد إن شاء الله تعالى ش شهد بدرا والحديبية ولعل الواو بمعنى أو ويدل لذلك ما في بعض الروايات عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة
ولا ينافي ما في مسلم والترمذي عن جابر أن عبدا لحاطب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا إليه فقال يا رسول الله ليدخلن حاطب النار فقال كذبت لا يدخلها فإنه شهد بدرا والحديبية لأنه يجوز أن يكون ذلك لكونه أي الجمع بين بدر والحديبية هو الواقع لحاطب
وفي الطبراني عن رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر والذي نفسي بيده لو ان مولودا ولد في فقه أربعين سنة من أهل الدين يعمل بطاعة الله تعالى كلها ويجتنب معاصي الله كلها إلى أن يرد إلى أرذل العمر أو يرد إلى أن لا يعلم بعد علم شيئا لم يبلغ أحدكم هذه الليلة


وكان صلى الله عليه وسلم يكرم أهل بدر ويقدمهم على غيرهم ومن ثم جاء جماعة من أهل بدر للنبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في صفة ضيقه ومعه جماعة من أصحابه فوقفوا بعد أن سلموا ليفسح لهم القوم فلم يفعلوا فشق قيامهم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لمن لم يكن من أهل بدر من الجالسين قم يا فلان قم يا فلان بعدد الواقفين فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الكراهة في وجه من أقامه فقال رحم الله رجلايفسح لأخيه فنزل قوله تعال { يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا } الأية فجعلوا يقومون لهم بعد ذلك أى ولعل المراد يجلسونهم مكانهم
وفي الخصائص الصغرى وخص أهل بدر من أصحابه صلى الله عليه وسلم بأن يزادوا في الجنازه على أربع تكبيرات تمييزا لهم لفضلهم
وقد ذكر أن عمر بن عبد العزيز بن مروان كان يختلف إلى عبيد الله بن عبد الله ليسمع منه فبلغ عبيد الله أن عمر ينتقص عليا رضي الله تعال عنه فأتاه عمر فأعرض عبيد الله عنه وقام ليصلى فجلس عمر ينتظره فلما سلم أقبل عليه وقال له متى بلغك أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم ففهمها عمر وقال معذر إلى الله وإليك والله لا أعود فما سمع بعد ذلك يذكر عليا كرم الله وجهه إلا بخير
غزوة بني سليم ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينه من بدر لم يقم إلا سبع ليال حتى غزا بنفسه يريد بني سليم واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري أو ابن أم مكتوم
أي وفي رواية أبي داود أن استخلاف ابن أم مكتوم إنما كان على الصلاة بالمدينة دون القضايا والاحكام فإن الضريرا لا يجوز له ان يحكم بين الناس لانه لا يدرك الاشخاص ولا يثبت الاعيان ولا يدري لمن يحكم ولا على من يحكم أى فأمر القضايا والاحكام يجوز أن يكون فرضه صلى الله عليه وسلم لسباع فلا مخالفة فلما بلغ ماء من مياههم يقال له الكدر أى وقيل لهذا الماء الكدر لان به طيرا في ألوانها كدرة فأقام صلى الله عليه وسلم على ذلك ثلاث ليال ثم رجع إلى المدينة ولم يلق حربا أي وكان لواؤه صلى الله عليه وسلم أبيض حمله علي بن أبي طالب كرم الله وجهه

وكان في تلك السنة تزويج علي بفاطمة رضي الله عنهما أي عقد عليها في رمضان وقيل في رجب ودخل بها في ذي الحجة وقيل بعد أن تزوجها بنى بها بعد سبعة أشهر ونصف أي فيكون عقد عليها في أول جمادى الأولى وكان عمرها خمس عشرة سنة وكان سن علي يومئذ إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر أي وأولم عليها بكبش من عند سعد وآصع من ذرة من عند جماعة من الأنصار ولما خطبها علي قال صلى الله عليه وسلم إن عليا يخطبك فسكتت أي وفي رواية قال لها أي بنيه إن ابن عمك عليا قد خطبك فماذا تقولين فبكت ثم قالت كأنك يا أبت إنما ادخرتني لفقير قريش فقال صلى الله عليه وسلم والذي بعثني بالحق ما تكلمت في هذا حتى اذن لي الله فيه من السماء فقالت فاطمة رضي الله عنها رضيت بما رضي الله ورسوله
وقد كان خطبها ابو بكر ثم عمر فسكت صلى الله عليه وسلم وفي رواية قال لكل انتظر بها القضاء فجاءا اي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى علي كرم الله وجهه يأمرانه أن يخطبها قال علي فنبهاني لأمر كنت عنه غافلا فجئته صلى الله عليه وسلم فقلت تزوجني فاطمة قال وعندك شيء قلت فرسي وبدني أي درعي قال أما فرسك فلا بد لك منها وأما بدنك فبعها فبعتها بأربعمائة وثمانين درهما فجئته صلى الله عليه وسلم بها فوضعها في حجره فقبض منها قبضة فقال أي بلال ابتع لنا بها طيبا
وفي رواية لما خطبها قال له صلى الله عليه وسلم ما تصدقها وفي لفظ هل عندك شيء تستحلها به قال ليس عندي شيء قال فاين درعك الحطمية التي أعطيتك يوم كذا وكذا قال عندي فباعها من عثمان بن عفان بأربعمائة مائة وثمانين درهما ثم أن عثمان رضي الله عنه رد الدرع إلى علي كرم الله وجهه فجاء علي بالدرع والدراهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا لعثمان بدعوات
وفي فتاوي الجلال السيوطي أنه سئل هل لصحة ما قيل إن عثمان بن عفان رأى درع علي رضي الله عنها يباع بأربع مائة درهم ليلة عرسه على فاطمة رضي الله عنها فقال عثمان هذا درع علي فارس الإسلام لا يباع أبدا فدفع لغلام على أربعمائة درهم وأقسم أن لا يخبره بذلك ورد الدرع معه فلما أصبح عثمان وجد في داره أربع مائة كيس في كل كيس أربع مائة درهم مكتوب على كل درهم هذا ضرب الرحمن لعثمان بن عفان فأخبر جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال هنيئا لك يا عثمان


وفيها أيضا أن عليا خرج ليبيع إزار فاطمة ليأكل بثمنه فباعه بستة دراهم فسأله سائل فاعطاه إياه فجاء جبريل في صورة أعرابي ومعه ناقة فقال يا أبا الحسن اشتر هذه الناقة قال ما معي ثمنها قال إلى اجل فاشتراها بمائة ثم عرض له ميكائيل في صورة رجل في طريقه فقال أتبيع هذه الناقة قال نعم بكم اشتريتها قال بمائة قال آخذها بمائة ولك من الربح ستون فباعها له فعرض له جبريل فقال بعت الناقة قال نعم قا ل ادفع إلي ديني فدفع له مائة ورجع بستين فقالت له فاطمة من أين لك هذا قال ضاربت مع الله بستة فأعطاني ستين ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ذلك فقال البائع جبريل والمشتري ميكائيل والناقة لفاطمة تركبها يوم القيامة له أصل أم لا
فأجاب عن ذلك كله بأنه لم يصح وهي تصدق بان ذلك لم يرد فهو من الكذب الموضوع ولما اراد صلى الله عليه وسلم أن يعقد خطب خطبة منها الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته الذي خلق الخلق بقدرته وميزهم بحكمته ثم إن الله عز وجل جعل المصاهرة نسبا وصهر وكان ربك قديرا ثم أن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي على أربع مائة مثقال فضة أرضيت يا علي قال رضيت بعد أن خطب علي كرم الله وجهه ايضا خطبة منها الحمد لله شكرا لأنعمه وأياديه وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة تبلغه وترضيه اي وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال يا علي اخطب لنفسك فقال علي الحمد لله الذي لا يموت وهذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني ابنته فاطمة على صداق مبلغه أربع مائة درهم فاسمعوا ما يقول واشهدوا قالوا ما تقول يا رسول الله قال أشهدكم أني قد زوجته كذا رواه ابن عساكر قال الحافظ ابن كثير وهذا خبر منكر وقد ورد في هذا الفصل أحاديث كثيرة منكرة وموضوعة أضربنا عنها
ولما تم العقد دعا صلى الله عليه وسلم ب ط بطبق بسر فوضع بين يديه ثم قال للحاضرين انتبهوا وقول علي كرم الله وجهه نبهاني لأمر كنت عنه غافلا لا ينافي ما روي عن اسماء بنت عميس أنها قالت قيل لعلى ألا تتزوج بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما لي صفراء ولا بيضاء ولست بمأبور بالباء الموحدة يعني غير الصحيح الدين ولا المتهم في الإسلام أي لا اخشى الفاحشة إذا لم أتزوج وليلة بنى بها قال صلى الله عليه وسلم

لعلي لا تحدث شيئا حتى تلقانى فجاءت بها أم أيمن حتى قعدت في جانب البيت وعلي في جانب أخر وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لفاطمه ائتيني بماء فقامت تعثر في ثوبها وفي لفظ في مرطها من الحياء فأتته بقعب فيه ماء فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومج فيه ثم قال لها تقدمي فتقدمت فنضح بين ثدييها وعلى رأسها وقال اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ثم قال ائتوني بماء فقال علي كرم الله وجهه فعلمت الذي يريد فقمت وملأت القعب فأتيته به فأخذه فمج فيه وصنع بي كما صنع بفاطمة ودعا لي بما دعا لها به ثم قال اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في شملهما أى الجماع وتلا قل هو الله احد والمعوذتين ثم قال أدخل بأهلك باسم الله والبركه وكان فراشها إهاب كبش أى جلده وكان لهما قطيفة إذا جعلاها بالطول انكشفت ظهورهما وإذا جعلاها بالعرض إنكشفت رؤوسهما
ثم مكث صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام لا يدخل على فاطمة وفي اليوم الرابع دخل عليهما في غداة باردة وهما في تلك القطيفة فقال لهما كما أنتما وجلس عند رأسهما ثم أدخل قدميه وساقيه بينهما فأخذ على كرم الله وجهه إحداهما فوضعها على صدره وبطنه ليدفئها وأخذت فاطمة رضي الله عنها الأخرى فوضعتها كذلك
وقالت له في بعض الأيام يا رسول الله ما لنا فراش إلا جلد كبش ننام عليه بالليل ونعلف عليه نا ضحنا بالنهار فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بنية اصبري فإن موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام أقام مع إمرأته عشر سنين ليس لهم إلا عباءة قطوانية أى وهي نسبة إلى قطوان موضع بالكوفة أى ولعل العباءة التي كانت تجب من ذلك الموضع كانت صفيقة وعن علي رضي الله تعالى عنه لم يكن لي خادم غيرها
وعنه رضي الله تعالى عنه لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع وإن صدقتي اليوم لتبلغ أربعين ألف دينار ولعل المراد في السنة
قال الإمام أحمد بن حنبل ما ورد لأحد من الصحابة ما ورد لعلي رضي الله تعالى عنه أى من ثنائه صلى الله عليه وسلم
وسبب ذلك أنه كثرت أعداؤه والطاعون عليه من الخوارج وغيرهم فاضطر لذلك الصحابة أن يظهر كل منهم من فضله ما حفظه ردا على الخوارج وغيرهم

وعن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما ما نزل في أحد من الصحابة من كتاب الله ما نزل في علي نزل في على ثلاثمائة آية
وعن ابن عباس رضي الله عنهما كل ما تكلمت به في التفسيرفإنما أخذته عن علي كرم الله وجهه
ومن كلماته البديعة الوجيزة لا يخافن أحد إلا ذنبه ولا يرجون إلا ربه ولا يستحي من لايعلم أن يتعلم ولا من يعلم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول الله اعلم ما أبردها على الكبد إذا سئلت عما لا أعلم أن اقول الله أعلم
ومن ذلك العالم من عمل بما علم ووافق علمه عمله وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم تخالف سريرتهم علانيتهم ويخالف علمهم عملهم يجلسون حلقا فيبا هي بعضهم بعضا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه أولئك لا تصعد أعمالهم من مجالسهم تلك إلى الله
وقال صلى الله عليه وسلم لعلي يهلك فيك رجلان محب مطر وكذاب مفتر مكره لك يأتي بالكذب المفترى وقال له يا علي ستفترق أمتي فيك كما افترقت في عيسى ابن مريم وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا بنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن إلا أن يريد ابن ابي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما هي بضعة مني يريبني ما ارابها ويؤذيني ما آذاها
غزوة بني قينقاع بضم النون وقيل بكسرها أي وقيل بفتحها فهي مثلثة النون والضم أشهر قوم من اليهود وكانوا أشجع يهود وكانوا صاغة وكانوا حلفاء عبادة بن الصامت رضي الله عنه وعبدالله بن ابي ابن سلول فلما كانت وقعة بدر أظهروا البغي والحسد ونبذوا العهد أى لأنه صلى الله عليه وسلم كان عاهدهم وعاهد بني قريظة وبني النضير أن لا يحاربوه وأن لا يظاهروا عليه عدوه
وقيل على ان لا يكونوا معه ولا عليه وقيل على أن ينصروه صلى الله عليه وسلم على من

دهمه من عدوه أى كما تقدم فهم أول من غدر من يهود فإنه مع ما هم عليه من العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدمت إ مرأة من العرب بجلب لها أى وهو ما يجلب ليباع من إبل وغنم وغيرها فباعته بسوق بني قينقاع وجلست إلى صائغ منهم أى وفي الامتاع أن المرأة كانت زوجة لبعض الانصار أى ومعلوم أن الانصار كانوا بالمدينة أى وقد يقال لا مخالفة لجواز ان تكون زوجة بعض الانصار من الأعراب وأنها جاءت بجلب لها فجعلوا أى جماعة منهم يراودونها عن كشف وجهها فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها قال وفي رواية خله بشوكة وهي لا تشعر فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا منها فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وشدت اليهود على المسلم فقتلوه فاستصرخ اهل المسلم المسلمين على اليهود فغضب المسلمون أى وتقدم وقوع مثل ذلك وأنه كان سببا لوقوع حرب الفجار الأول
ولما غضب المسلمون على بني قينقاع أى وقال لهم صلى الله عليه وسلم ما على هذا أقررناهم تبرأ عبادة بن الصامت رضي الله عنه من حلفهم أى قال يا رسول الله أتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وتشبث به عبدالله بن أبي أبن سلول أى لم يتبرأمن حلفهم كما تبرأمنه عبادة الصامت أى وفيه نزلت { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض } إلى قوله تعالى { فإن حزب الله هم الغالبون } فجمعهم صلى الله عليه وسلم وقال لهم يا معشر يهود احذروا من الله مثل ما أنزل بقريش من النقمة اى ببدر واسلموا فإنكم قد عرفتم أني مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله تعالى إليكم قالوا يا محمد إنك ترى أنا قومك أى تظننا أنا قومك قومك ولا يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب فأصبت لهم فرصة إنا والله لو حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس وفي لفظ لتعلمن أنك لم تقاتل مثلنا أى لأنهم كانوا أشجع اليهود وأكثرهم أموالا وأشدهم بغيا فأنزل الله تعالى { قل للذين كفروا ستغلبون } الأية أى وأنزل الله { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء } الآية فتحصنوا في حصونهم فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولواؤه وكان ابيض بيد عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه قال ابن سعد ولم تكن الرايات يومئذ يومئذ
وقد قدمنا أن هذا يرده ما تقدم في ضمن غزاة بدر من أنه كان أمامه رايتان سوداوان إحداهما مع علي ويقال لها العقاب ولعلها سميت بذلك في مقابلة الراية التي كانت في الجاهلية

تسمى بهذا الاسم ويقال لها راية الرؤساء لأنه كان لا يحملها في الحرب إلا رئيس وكانت في زمنه صلى الله عليه وسلم مختصة لأبي سفيان رضي الله عنه لا يحملها في الحرب إلا هو أو رئيس مثله إذا غاب كما في يوم بدر والأخرى مع بعض الأنصار وسيأتي في خيبر أن العقاب كان قطعة من برد لعائشة رضي الله عنها
واستخلف صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا لبابة وحاصرهم خمس عشرة ليلة اشد الحصار لأن خروجه صلى الله عليه وسلم كان في نصف شوال واستمر إلى هلال ذي القعدة الحرام فقذف الله في قلوبهم الرعب وكانوا أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلي سبيلهم وأن يجلو من المدينة اي يخرجوا منها وأن لهم نساءهم والذرية وله صلى الله عليه وسلم الأموال أي ومنها الحلقة التي هي السلاح والظاهر من كلامهم أنه لم يكن لهم نخيل ولا أرض تزرع وخمست أموالهم أي مع كونها فيئاله صلى الله عليه وسلم ولأنها لم تحصل بقتال ولا جلوا عنها قبل التقاء الصفين فكان له صلى الله عليه وسلم الخمس ولأصحابه الأربعة الأخماس
أقول ولا يخفى أن من جملة اموالهم دورهم ولم أقف على نقل صريح دال على ما فعل بها وعلم أنه صلى الله عليه وسلم جعل هذاالفيء كالغنيمة ومذهبنا معاشر الشافعية أن الفيء المقابل للغنيمة كالواقع في هذه الغزوة وغزوة بني النضير الآتية كان في زمنه صلى الله عليه وسلم يقسم خمسة اقسام له صلى الله عليه وسلم أربعة منها والقسم الخامس يقسم خمسة أقسام له صلى الله عليه وسلم منها قسم فيكون له أربعة اخماس وخمس الخمس والأربعة الأخماس الباقية من الخمس منها واحد لذوي القربى وآخر لليتامى وآخر للمساكين وآخر لابن السبيل فجميع ما مال الفيء مقسوم على خمسة وعشرين سهما منها أحد وعشرون سهما لرسول الله صلى الله عليه وسلم واربعة اسهم لأربعة اصناف هم ذو القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ولعل إمامنا الشافعي رضي الله عنه راى أن ذلك كان اكثر أحواله صلى الله عليه وسلم وإلا فهو هنا وفي بني النضير كما سيأتي لم يفعل ذلك بل خمسه هنا ثم استقل به أي لم يعط الجيش منه وقد جعل صلى الله عليه وسلم ذوي القربى بين بني هاشم أي وبنات هاشم وبني أي وبنات المطلب دون بني أخويهما عبد شمس ونوفل مع أن الأربعة أولاد عبد مناف كما تقدم
ولما فعل ذلك جاء إليه صلى الله عليه وسلم جبير بن مطعم من بني نوفل وعثمان بن عفان

من بني عبد شمس فقالا يا رسول الله هؤلاء إخواننا من بني هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله منهم أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وفي لفظ ومنعتنا وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة وفي رواية أن بني هاشم شرفوا بمكانك منهم وبنوا المطلب ونحن ندلي إليك بنسب واحد ودرجة واحدة فبما فضلتهم علينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد هكذا وشبك بين أصابعه زاد في رواية أنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا في إسلام أي لأن الصحيفة إنما كتبت على يد بني هاشم والمطلب لأنهم هم الذين قاموا دونه صلى الله عليه وسلم ودخلوا الشعب وبعده صلى الله عليه وسلم صار الفيء أربعة أخماس للمرتزقة المرصدة للجهاد وخمس الخمس الخامس لمصالح المسلمين والخمس الثاني منه لذوي القربى والخمس الثالث منه لليتامى والخمس الرابع منه للمساكين والخمس الباقي منه لابن السبيل
ثم لا يخفى أنه صلى الله عليه وسلم إذا كان مع الجيش وغنم شيء بقتال أو إيجاف خيل أو جلا عنه أهله بعد التقاء الصفين كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن يختار من ذلك قبل قسمته ويقال لهذا الذي يختاره الصفي والصفية كما تقدم
أقول وتقدم عن الإمتاع عن محمد بن أبي بكر رضي الله عنهما خلافه وتقدم هل صفيه صلى الله عليه وسلم كان محسوبا عليه من سهمه أولا قيل نعم وقيل كان خارجا عنه وتقدم الجواب عن ذلك في غزاة بدر أن هذا الخلاف لا ينافي الجزم ثم بأنه كان زائدا على سهمه صلى الله عليه وسلم لان ذلك قبل نزول آية تخميس الغنيمة فكان سهمه صلى الله عليه وسلم كسهم واحد من الجيش فصفيه يكون زائدا على ذلك
وأما سهمه صلى الله عليه وسلم بعد نزول آية التخميس للغنيمة فهو خمس الغنيمة فيجري فيما يأخذه قبل القسمة الخلاف هل يكون زائدا على ذلك الخمس أو يكون محسوبا منه فلا مخالفة بين إجراء الخلاف والجزم والله أعلم
وقيل لما نزلت بنو قينقاع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتفوا فكتفوا فاراد قتلهم فكلمه فيهم عبد الله بن أبي ابن سلول وألح عليه أي فقال يا محمد أحسن في موالي فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلفه أي وتلك الدرع هي ذات الفضول فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم

ويحك أرسلني وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه سمرة لشدة غضبه ثم قال ويحك أرسلني فقال والله لا ارسلك حتى تحسن في موالي فإنهم عترتي وأنا امرؤ أخشى الدوائر فقال صلى الله عليه وسلم خلوهم لعنهم الله ولعنه معهم وتركهم من القتل أي وقال له خذهم لا بارك الله لك فيهم وأمر صلى الله عليه وسلم أن يجلوا من المدينة اي ووكل بإجلائهم عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه وأمهلهم ثلاثة ايام فجلو منها بعد ثلاث أي بعد أن سالوا عبادة بن الصامت أن يمهلهم فوق الثلاث فقال لا ولا ساعة واحدة وتولى إخراجهم وذهبوا إلى اذرعات بلدة بالشام أي ولم يدر الحول عليهم حتى هلكوا أجمعون بدعوته صلى الله عليه وسلم في قوله لابن أبي لا بارك الله لك فيهم
ويذكر أن ابن أبي قبل خروجهم جاء إلى منزله صلى الله عليه وسلم يسأله في إقرارهم فحجب عنه فأراد الدخول فدفعه بعض الصحابة فصدم وجهه الحائط فشجه فانصرف مغضبا فقال بنو قينقاع لا نمكث في بلد يفعل فيه بابي الحباب هذا ولا ننتصر له وتأهبوا للجلاء قال وقيل الذي تولى إخراجهم محمد بن مسلمة رضي الله عنه أي ولا مانع أن يكونا أي عبادة بن الصامت ومحمد بن مسلمة اشتركا في إخراجهم
ووجد صلى الله عليه وسلم في منازلهم سلاحا كثيرا أي لأنهم كما تقدم أكثر يهود اموالا واشدهم بأسا واخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاحهم ثلاث قسى قوسا يدعى الكتوم أي لا يسمع له صوت إذا رمي به وهو الذي رمى به صلى الله عليه وسلم يوم أحد حتى تشظى بالظاء المشالة كما سيأتي ما فيه وقوسا يدعى الروحاء وقوسا يدعى البيضاء واخذ درعين درعا يقال له السغدية أي بسين مهملة وغين معجمة ويقال إنها درع داوود التي لبسها صلى الله عليه وسلم حين قتل جالوت والأخرى يقال لها فضة وثلاث أرماح وثلاثة اسياف سيف يقال له قلعى وسيف يقال له بتار والآخر لم يسم إنتهى أي وسماه بعضهم بالحيف ووهب صلى الله عليه وسلم درعا لمحمد بن مسلمة ودرعا لسعد بن معاذ رضي الله عنهما والله تعالى اعلم
غزوة السويق لما أصاب قريشا في بدر ما أصابهم نذر أبو سفيان أن لا يمس رأسه ماء من جنابة أى لا يأتي النساء ولعل هذه العبارة وهي لا يمس رأسه من جنابة وقعت من بعض الصحابة مراده بها ما ذكر من انه لا ياتي النساء ويؤيده ما جاء في بعض الروايات لا يمس النساء والطيب حتى يغزو محمدا او أن ذلك قاله أبو سفيان بناء على أنهم كانوا يغتسلون من الجنابة
ومن ثم ذكر الدميري أن الحكمة في عدم بيان الغسل في آية الوضوء كون الغسل من الجنابة كان معلوما قبل الاسلام بقية من دين إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام فهو من الشرائع القديمة
وفي كلام بعضهم كانوا في الجاهلية يغتسلون من الجنابة ويغسلون موتاهم ويكفنونهم ويصلون عليهم وهو أن يقوم وليه بعد أن يوضع على سريره ويذكر محاسنه ويثني عليه ثم يقول عليك رحمة الله ثم يدفن
وما ذكره الدميري تبع فيه السهيلي حيث قال إن الغسل من الجنابة كان معمولا به في الجاهلية بقية من دين إبراهيم وإسماعيل كما بقي فيهم الحج والنكاح فكان الحدث الاكبر معروفا عندهم ولذلك قال تعال { وإن كنتم جنبا فاطهروا } فلم يحتاجوا إلى تفسيره وأما الحدث الاصغر فلما لم يكن معروفا عندهم قبل الاسلام لم يقل وإن كنتم محدثين فتوضئوا بل قال فاغسلوا الآية الاية
فخرج ابو سفيان في مائتي راكب من قريش ليبر بيمينه حتى نزل بمحل بينه وبين المدينة نحو بريد ثم اتى لبني النضير أى وهم حي من يهود خيبر ينسبون إلى هارون أخي موسى بن عمران عليهما الصلاة والسلام تحت الليل فأتى حيي بن أخطب أى وهومن رؤساء بني النضير وهو أبو صفية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها فضرب عليه بابه فأبى أن يفتح له لأنه خافه فانصرف عنه وجاء إلى سلام بن مشكم سيد بني النضير أى وصاحب كنزهم أى المال الذى كانوا يجمعونه ويدخرونه لنوائبهم وما يعرض لهم أى وكان حليا يعيرونه لأهل مكة فاستأذن عليه فأذن له واجتمع به ثم خرج إلى أصحابه فبعث رجالا من قريش فأتوا ناحية من المدينة فحرقوا فخلا منها ووجدوا رجلا

من الانصار قال في الامتاع وهذا الانصاري هو معبد بن عمرو وحليفا لهم فقتلوهماثم انصرفوا راجعين فعلم بهم الناس فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى طلبهم فى مائتين من المهاجرين والانصار أى واستعمل صلى الله عليه وسلم على المدينة بشير ابن عبد المنذر وكان خروجه لخمس خلون من ذى الحجه
وجعل أبو سفيان وأصحابه يخففون للهرب أى لاجله فجعلوايلقون جرب السويق أى وهو قمح وشعير يقلى ثم يطحن ليسف تارة بماء وتارة بسمن وتارة بعسل وسمن وهو عامه أزوادهم فيأخذه المسلمون ولم يلحقو بهم وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة وكانت غيبته خمسة أيام
غزوة قرقرة الكدر ويقال قرقرة الكدر ويقال قراقر فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جمعا من بنى سليم وغطفان بقرقرة الكدر اى لعله بلغه أنهم يريدون الإغارة على المدينة بعد أن غزاهم صلى الله عليه وسلم كما تقدم وقرقرة الكدر ارض ملساء فيها طيور في ألوانها كدرة عرف بهاذلك الموضع كما تقدم ان الماء الذي بأرضهم الذى بلغه صلى الله عليه وسلم ولم يجد به أحدامنهم يسمى الكدر لوجود ذلك الطير به فسار إليهم في مائتين من أصحابه وحمل لواء علي بن أبي طالب واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وتقدم فى تلك أنه استخلف على المدينة سباع بن عرفطة أو ابن أم مكتوم وتقدم ما فيه فلما سار إليه أى إلى ذلك الموضع لم يجد به أحدا وأرسل نفر من أصحابه إلى أعلى الوادي واستقبلهم فى بطن الوادي فوجد خمسمائة بعير مع رعاة منهم غلام يقال له يسار فحازوها وانحدروابها إلى المدينة فلما كانوا بمحل على ثلاثة أميال من المدينة خمسها صلى الله عليه وسلم فأخرج خمسة وقسم الاربعة الأخماس على أصحابه فخص كل رجل منهم بعيران ووقع يسار في سهمه صلى الله عليه وسلم فأعتقه صلى الله عليه وسلم لأنه رآه يصلى أى وقد أسلم وتعلم الصلاة من المسلمين بعد أسره أى وفى كون هذا غنيمة حيث قسمه كذلك وقفة
وكانت مدة غيبته صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة فعلم أنه صلى الله عليه وسلم

غزا بني سليم وأنه وصل الى ماء من مياههم يقال له الكدر لوجود ذلك الطير به وأنه استعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري أو ابن أم مكتوم وهنا وقع الجزم بالثاني وأن الأولى لم يذكر أنه وجد فيها شيئا من النعم
وظاهر هذا يدل على التعدد وجرى عليه الأصل أي وحينئذ تكون تلك الطيور توجد في ذلك الماء وفي تلك الأرض فعلى هذا يكون صلى الله عليه وسلم غزا بني سليم مرتين مرة وصل فيها لذلك الماء ولم يجد شيئا من النعم ومرة وصل فيها لتلك الأرض ووجد بها تلك النعم ولم أقف على أن محل ذلك الماء سابق على تلك الأرض أو أن تلك الأرض سابقة على محل ذلك الماء
وفي السيرة الشامية أن غزوة بني سليم هي غزوة قرقرة الكدر فعليه يكون إنما غزا بني سليم مرة واحدة أي وحينئذ يكون الماء الذي كان به ذلك الطير كان في تلك الأرض الملساء أو قريبا منها فليتأمل والحافظ الدمياطي جعل غزوة بني سليم هي غزوة بحران الآتية وسنذكرها
غزوة ذي أمر بتشديد الراء اسم ماء أي وسماها الحاكم غزوة أنمار ويقال أنها غزوة غطفان
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا يقال له دعثور بضم الدال وإسكان العين المهملتين ثم مثلثة مضمومة ابن الحارث أي الغطفاني من بني محارب جمع جمعا من ثعلبة ومحارب بذى أمر أي وهو موضع من ديار غطفان أي ولعل به ذلك الماء المسمى بما ذكر كما تقدم يريدون أن يصيبوا من أطراف المدينة فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربعمائة وخمسين رجلا لاثنتين عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول واستخلف على المدينة عثمان بن عفان وأصاب أصحابه رجلا منهم أي يقال له جبار وقيل حباب بكسر الحاء المهملة وبالباء الموحدة من بني ثعلبة فأدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره من خبرهم أي وقال له لن يلاقوك ولو سمعوا بمسيرك إليهم هربوا في رءوس الجبال وأنا سائر معك فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم للإسلام فأسلم وضمه صلى الله عليه وسلم إلى بلال أي وأخذ به ذلك الرجل طريقا وهبط به عليهم فسمعوا بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم فهربوا في رءوس الجبال أي فبلغوا ماء

يقال له ذو أمر فعسكر به صلى الله عليه وسلم وأصابهم مطر أي كثير بل ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثياب أصحابه فنزع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبيه ونشرهما على شجرة ليجفا واضطجع أي بمرأى من المشركين واشتغل المسلمون في شئونهم فبعث المشركون دعثورا الذي هو سيد القوم وأشجعهم المجمع لهم أي فقالوا له قد انفرد محمد فعليك به أي وفي لفظ أنه لما رآه قال قتلني الله ان لم أقتل محمدا فجاء دعثور ومعه سيفه حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال من يمنعك مني اليوم وفي رواية الآن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده أي بعد وقوعه على ظهره فأخذ السيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له من يمنعك مني قال لا أحد أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وفي رواية وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ثم أتى قومه أي بعد أن أعطاه صلى الله عليه وسلم سيفه فجعل يدعوهم الى الاسلام وأخبرهم أنه رأى رجلا طويلا دفع في صدره فوقع على ظهره فقال علمت أنه ملك فأسلمت ونزلت هذه الآية ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم ) الآية ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولم يلق حربا وكانت مدة غيبته إحدى عشرة ليلة
غزوة بحران بفتح الموحدة وتضم وسكون الحاء المهملة وعبر عنها الحافظ الدمياطي بغزوة بني سليم كما تقدم
لما بلغه صلى الله عليه وسلم أن ببحران موضع بالحجاز معروف بينه وبين المدينة ثمانية برد جمعا كثيرا من بني سليم خرج في ثلثمائة من أصحابه لست خلون من جمادى الأولى واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم أي ولم يظهر وجها للسير وأحث السير حتى بلغ بحران فوجدهم قد تفرقوا في مياههم أي وكان صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل الى ذلك بليلة لقي رجلا من بني سليم فأخبره أن القوم تفرقوا فحبسه مع رجل وسار إلى أن وجدهم كذلك فأطلق الرجل وأقام بذلك المحل أياما ثم رجع ولم يلق حربا وكانت غيبته عشر ليال


وعلى مقتضى هذا السياق تبعا للأصل يكون غزا بني سليم ثلاث مرات مرة عقب بدر وهذه الغزوة وغزوة ذي أمر كانتا في السنة الثالثة من الهجرة
وفي تلك السنة التي هي الثالثة عقد عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه على أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت أختها رقية وتقدم وقت موتها
وعقد صلى الله عليه وسلم على حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما وذلك في شعبان لما انقضت عدة وفاة زوجها خنيس بن حذيفة من شهداء بدر بعد أن عرضها عمر على أبي بكر فلم يجبه لشيء وعرضها على عثمان فلم يجبه لشيء فقال عمر يا رسول الله قد عرضت حفصة على عثمان فأعرض عني فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد زوج عثمان خيرا من ابنتك وزوج ابنتك خيرا من عثمان فتزوج عثمان أم كلثوم وتزوج صلى الله عليه وسلم حفصة
وتزوج أيضا صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة في رمضان وتزوج زينب بنت جحش بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب في تلك السنة
وقيل تزوجها في السنة الرابعة وصححها في الأصل وقيل في الخامسة وكان اسمها برة بفتح الموحدة واسم أمها برة بضمها فغير صلى الله عليه وسلم اسمها وسماها زينب وقال لها صلى الله عليه وسلم لو كان أبوك مسلما لسميناه باسم رجل منا ولكن قد سميته جحشا أي والجحش في اللغة السيد
وقد كان صلى الله عليه وسلم جاء إليها ليخطبها لمولاه زيد بن حارثة فقالت لست بناكحته قال بل فانكحيه قالت يا رسول الله أؤامر أي أشاور نفسي فإني خير منه حسبا فأنزل الله تعالى ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) الآية فقالت عند ذلك رضيت
وفي رواية أنها وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فزوجها من زيد فسخطت هي وأخوها وقالا إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها عبده فنزلت الآية
أي وعن مقاتل أن زيد بن حارثة لما أراد أن يتزوج زينب جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله أخطب على قال له من قال زينب بنت جحش فقال له لا أراها تفعل إنها أكرم من ذلك نسبا فقال يا رسول الله إذا كلمتها أنت وقلت زيد أكرم الناس على فعلت قال إنها امرأة لسناء أي فصيحة والمراد لسانها

طويل فذهب زيد إلى علي رضي الله تعالى عنه فحمله على أن يكلم له النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق معه علي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه فقال إني فاعل ذلك ومرسلك يا علي إلى أهلها لتكلمهم ففعل ثم عاد فأخبره بكراهتها وكراهة أخيها لذلك فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم يقول قد رضيته لكم وأقضي أن تنكحوه فانكحوه وساق إليهم عشرة دنانير وستين درهما ودرعا وخمارا وملحفة وإزارا وخمسين مدا من الطعام وعشرة أمداد من التمر أعطاه ذلك كله رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعد ذلك جاء صلى الله عليه وسلم بيت زيد يطلبه فلم يجده فتقدمت إليه زينب فأعرض عنها فقالت له ليس هو هنا يا رسول الله فادخل فأبى أن يدخل وأعجبت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي لأن الريح رفعت الستر فنظر إليها من غير قصد فوقعت في نفسه صلى الله عليه وسلم فرجع وهو يقول سبحان مصرف القلوب وفي رواية مقلب القلوب وسمعته زينب يقول ذلك فلما جاء زيد أخبرته الخبر فجاء إليه صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله لعل زينب أعجبتك فأفارقها لك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك زوجك فما استطاع زيد إليها سبيلا بعد ذلك اليوم أي فلم يستطع أن يغشاها من حين رآها صلى الله عليه وسلم إلى أن طلقها
فعنها رضي الله تعالى عنها لما وقعت في قلب النبي صلى الله عليه وسلم لم يستطعني زيد وما امتنعت منه وصرف الله تعالى قلبه عني وجاءه يوما وقال له يا رسول الله إن زينب اشتد على لسانها وأنا أريد أن أطلقها فقال له اتق الله وامسك عليك زوجك فقال استطالت على فقال له إذن طلقها فطلقها فلما انقضت عدتها ارسل زيدا لها فقال له اذهب فاذكرها علي فانطلق قال فلما رأيتها عظمت في صدري فقلت يا زينب أبشري أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك قالت ما انا بصانعه شيئا حتى أؤامر ربي أى أستخيره فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس يتحدث مع عائشة إذ نزل عليه الوحي بأن الله زوجه زينب فسرى عنه وهو يبتسم وهو يقول من يذهب الى زينب فيبشرها أن الله زوجنيها من السماء وجاء إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن قالت دخل علي وأنا مكشوفة الشعر فقلت يا رسول الله بلا خطبة ولا إشهاد قال الله المزوج وجبريل الشاهد أي وأنزل الله تعالى وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك الآية فهذه الآية نزلت في زيد رضي الله عنه وقد قالها صلى الله عليه وسلم في حق ولده أسامه فقد جاء أحب أهلي إلى من أنعم الله وأنعمت عليه أسامه بن زيد وعلي بن أبي طالب فنعمة الله على زيد وعلى ولده أسامه الاسلام ونعمة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما العتق لأن عتق أبيه عتق له تأمل
وإنما توجه هذا العتب أي لأن الله تعالى كان أعلم نبيه أن زينب ستكون من أزواجه صلى الله عليه وسلم فلما شكا إليه زيد قال له أمسك عليك زوجك واتق الله وأخفى منه في نفسه ما الله مبديه ومظهره وهو ما أعلمه الله به من أنك ستزوجها فالذي أخفاه ما كان الله أعلمه به ( وتخشى الناس ) أي اليهود والمنافقين أن يقولوا تزوج امرأة ابنه ( والله أحق أن تخشاه ) في إمضاء ما أحبه ورضيه لك وأعطاك إياه
وقد جعل الله تعالى طلاق زيد لها وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم إياها لإزالة حرمة التبني قال تعالى { لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم } وأولم صلى الله عليه وسلم عليها بما لم يولم به على نسائه وذبح شاه وأطعم فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ففي البخاري فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخرج ثم يرجع وهم قعود يتحدثون وفي البخاري أيضا فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق الى حجرة عائشة فقال السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته فقالت وعليك السلام ورحمة الله وبركاته كيف وجدت أهلك بارك الله لك ثم دخل حجر نسائه كلهن يقول كما قال لعائشة ويقلن له كما قالت عائشة ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم فوجد القوم في البيت يتحدثون قال أنس رضي الله تعالى عنه وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء فخرج فطلبها الى حجرة عائشة فأخبر أن القوم خرجوا فرجع حتى وضع رجله في أسكفة البيت داخله وأخرى خارجه أرخى الستر بيني وبينه فنزلت آية الحجاب قال في الكشاف وهي أدب أدب الله تعالى به الثقلاء
وفي مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت خرجت سودة بعد ما ضرب علينا الحجاب تقضي حاجتها أي بالمناصع محل كان أزواجه صلى الله عليه وسلم يخرجن إليه بالليل للتبرز وكانت امرأة جسيمة فرآها عمر بن الخطاب فقال يا سودة والله ما تخفين علينا فانظري علينا كيف تخرجين فانكفأت راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم /////////
مجلد 9


مجلد 9. من كتاب:السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون
المؤلف:علي بن برهان الدين الحلبي


في بيتي ليتعشى وفي يده عرق فدخلت فقالت يا رسول الله اني خرجت فقال لي عمر كذا وكذا قالت فأوحى الله تعالى اليه ثم رفع عنه ان العرق في يده ما وضعه فقال انه قد أذن لكن ان تخرجن لحاجتكن وكان قول عمر لسودة ما ذكر حرصا على أن ينزل الحجاب قالت عائشة رضي الله تعالى عنها فأنزل الله الحجاب وفيه أنه تقدم عنها ان قول عمر لسودة كان بعد أن ضرب
وقد يقال المراد بالحجاب هنا عدم خروجهن للبراز فلا ترى أشخاصهن والحجاب المتقدم عدم رؤية شئ من أبدانهن فلا مخالفة فليتأمل
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت دخلت على زينب بنت جحش وعندى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلت عليه فقالت له ما كل واحد منا عندك إلا على خلاء أي على ما أردت ثم أقبلت علي تسبني فردعها النبي صلى الله عليه وسلم فلم تنته فقال لي سبيها فسببتها وكنت أطول لسانا منها حتى جف ريقها في فمها ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل سرورا أي وفي يوم غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على زينب لقولها في صفية بنت حيي تلك اليهودية فهجرها لذلك ذا الحجة والمحرم وبعض صفر ثم أتاها بعد وعاد الى ما كان عليه معها
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم تستأذن والنبي صلى الله عليه وسلم معي فأذن لها فدخلت عليه فقالت يا رسول الله ان أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة أي أن تعدل بينهن وبينها فقال النبي صلى الله عليه وسلم أي بنية ألست تحبين ما أحب فقالت بلى قال فأحبي هذه يعنيني فقامت فاطمة فخرجت فجآءت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فحدثتهن بما قالت وبما قال لها فقلن لها ما أغنيت عنا من شئ فارجعي الى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت والله لا أكلمه فيها أبدا فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش فاستأذنت عليه وهو في بيت عائشة فأذن لها فدخلت فقالت يا رسول الله أرسلني أزواجك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة ثم وقعت أي زينب بي تسمعني ما أكره فطفقت أنظر الى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يأذن لي فيها فلم أزل حتى عرفت أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يكره

أن أنتصر فوقعت بها أسمعها ما تكره فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال لها إنها ابنة أبي بكر أي محل الفصاحة والشهامة
وسبب ذلك اي طلبهن ان يعدل بينهن وبين عائشة ان الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة يبتغون بذلك مرضات رسول الله صلى الله عليه وسلم
غزوة أحد وكانت في شوال سنة ثلاث باتفاق الجمهور وشذ من قال سنة أربع وأحد جبل من جبال المدينة قيل سمي بذلك لتوحده وانفراده عن غيره من الجبال التي هناك وهذا الجبل يقصد لزيارة سيدنا حمزه ومن فيه من الشهداء وهو على نحو ميلين وقيل على ثلاث أميال من المدينة يقال أن فيه قبر هارون أخي موسى عليهما الصلاة والسلام وفيه قبض فواراه موسى فيه وكانا قدما حاجين أو معتمرين
وعن ابن دحية ان هذا باطل بيقين وأن نص التوراة انه دفن بجبل من جبال بعض مدن الشام
وقد يقال لا مخالفة لأنه يقال المدينة شامية وقيل دفن بالتيه هو وأخوه موسى عليهما الصلاة والسلام كما تقدم
قال صلى الله عليه وسلم ان أحدا هذا جبل يحبنا ونحبه اذا مررتم به فكلوا من شجرة ولو من عضاهه اي وهي كل شجرة عظيمة لها شوك والقصد الحث على عدم اهمال الأكل من شجره تبركا به
وقال صلى الله عليه وسلم أحد ركن من أركان الجنة أي جانب عظيم من جوانبها وفي رواية على باب من أبواب الجنة ولا يخالف ما قبله فإنه جاز أن يكون ركنا بجانب الباب وفي رواية جبل من جبال الجنة ولا مانع ان تكون المحبة من الجبل على حقيقتها وضع الحب فيه كما وضع التسبيح في الجبال المسبحة مع داود عليه السلام وكما وضعت الخشية في الحجارة التي قال الله فيها { وإن منها لما يهبط من خشية الله }
وقيل هو على حذف مضاف اي يحبنا أهله وهم الأنصار أو لأن اسمه مشتق من الأحدية وأخذ من هذا أنه أفضل الجبال وقيل أفضلها عرفة وقيل أبو قبيس وقيل الذي كلم الله عليه موسى وقيل قاف


ولما أصاب قريشا يوم بدر ما أصابها مشى عبدالله بن أبي ربيعه وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية رضي الله تعالى عنهم فإنهم أسلموا بعد ذلك ورجال آخر من أشراف قريش إلى أبي سفيان رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك أيضا وإلى من كان له تجارة في تلك العير أي التي كان سببها وقعة بدر وكانت تلك العير موقوفة في دار الندوة لم تعط لأربابها فقالوا إن محمدا قد وتركم أي قتل رجالكم ولم تدركوا دمائهم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال على حربه لعلنا ندرك منه ثأرا عمن أصاب منا أي وقالوا نحن طيبو النفوس أن تجهزوا بربح هذه العير جيشا الى محمد فقال أبو سفيان وأنا أول من أجاب إلى ذلك وبنو عبد مناف معي فجعلوا لذلك ربح المال فسلم لأهل العير رؤوس أموالهم وكانت خمسين ألف دينار وأخرجوا أرباحها وكان الربح لكل دينار دينارا أي فكان الذي أخرج خمسين ألف دينار وقيل أخرجوا خمسة وعشرين ألف دينار وأنزل الله تعالى في تلك { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون }
وتجهزت قريش ومن والاهم من قبائل كنانة وتهامة وقال صفوان بن أمية لأبي عزة يا أبا عزة إنك رجل شاعر فأعنا بلسانك ولك علي ان رجعت أن أغنيك وإن أصبت أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر فقال ان محمدا قد من علي أي وأخذ على أن لا أظاهر عليه أحدا حين أطلقني وأنا أسير في أسارى بدر فلا أريد أن ظاهر عليه قال بلى فأعنا بلسانك
فخرج أبو عزة ومسافع يستنقران الناس بأشعارهما فأما مسافع فلا يعلم له إسلام لكن في كلام ابن عبد البر مسافع بن عياض بن صخر القرشي التيمي له صحبة وكان شاعرا لم يرو شيئا ولا أدري هل هو هذا أو غيره وأما أبو عزة فظفر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الوقعة بحمراء الأسد أي المكان المعروف الآتي بيانه قريبا وتقدم استطراد ثم أمر صلى الله عليه وسلم عاصم بن ثابت فضرب عنقه وحملت رأسه الى المدينة كما سيأتي وتقدم استطرادا
ودعا جبير بن مطعم بن عدي رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك غلاما له حبشيا يقال له وحشي رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك وكان يقذف بحربة له قذف الحبشة قلما يخطئ بها فقال له اخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة عم محمد بن طعيمة

ابن عدي فأنت عتيق أي لأن حمزة هو القاتل له وقيل وحشي كان غلاما لطعيمة وإن ابنة سيده طعيمة قالت له إن قتلت محمدا أو حمزة أو عليا في أبي فأبى لا أدري في القوم كفؤا له غيرهم فأنت عتيق وخرج معهم النساء بالدفوف
وفي كلام سبط بن الجوزي وساروا بالقيان والدفوف والمعازف والخمور والبغايا هذا كلامه وخرج من نساء قريش خمس عشرة امرأة أي مع أزواجهن ومنهن هند زوج أبي سفيان رضي الله تعالى عنها فإنها أسلمت بعد ذلك اي وأم حكيم بنت طارق مع زوجها عكرمة رضي الله تعالى عنهما فإنهما أسلما بعد ذلك وسلافة مع زوجها طلحة ابن أبي طلحة وأم مصعب بن عمير يبكين قتلى بدر وينحن عليهم يحرضنهم على القتال وعدم الهزيمة والفرار وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أرسل به إليه عمه العباس اي بعد أن راودوه على الخروج معهم فاعتذر بما لحقه من القوم يوم بدر ولم يساعدهم بشئ وذلك في كتاب جاء اليه صلى الله عليه وسلم وهو بقباء أرسله العباس مع رجل استأجره من بني غفار وشرط عليه أن يأتي المدينة في ثلاثة أيام بلياليها ففعل كذلك فلما جاءه الكتاب فك ختمه ودفعه لأبي فقرأه عليه أبي بن كعب واستكتم أبيا ونزل صلى الله عليه وسلم على سعد بن الربيع فأخبره بكتاب العباس أي فقال والله أني لأرجو أن يكون خيرا فاستكتمه إياه فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده قالت له امرأته ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها لا أم لك وأنت وذاك فقالت قد سمعت ما قال وأخبرته بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسترجع وأخذ بيدها ولحقه صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرها وقال يا رسول الله اني خفت أن يفشو الخبر فترى أني أنا المفشي له وقد استكتمتني إياه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خل عنها
وسارت قريش وهم ثلاثة آلاف رجل وقال بعض الحفاظ جمع أبو سفيان قريبا من ثلاثة آلاف من قريش والحلفاء والأحابيش وخرج معه أبو عامر الراهب في سبعين فارسا من الأوس قال في الأصل والأحابيش الذين حالفوا قريشا وهم بنو المصطلق وبنو الهون ابن خزيمة اجتمعوا عند حبشي وهو جبل بأسفل مكة وتحالفوا على أنهم مع قريش يدا واحدة على غيرهم ما سجى ليل ووضح نهار وما رسا حبشي مكانه فسموا أحابيش باسم الجبل وقيل سموا بذلك لتحبشهم أي تجمعهم وفيهم مائتا فارس أي وثلاثة

آلاف بعير وسبعمائة دارع حتى نزلوا مقابل المدينة بذي الحليفة أي وهو ميقات أهل المدينة الذي يحرمون منه أي وأرجفت اليهود والمنافقون فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عينين له أي جاسوسين فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبرهم
ويقال أن عمرو بن سالم الخزاعي مع نفر من خزاعة فارقوا قريشا من ذي طوى وجاءوا الى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه خبرهم وانصرفوا ولما وصلوا أي كفار قريش ومن معهم للأبواء أرادوا نبش قبر أمه صلى الله عليه وسلم والمشير عليهم بذلك هند بنت عتبة زوج أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما فقالت لو بحثتم قبر أم محمد فإن أسر منكم أحدا فديتم كل إنسان بأرب من آرابها أي جزء من أجزائها فقال بعض قريش لا يفتح هذا الباب وإلا نبش بنو بكر موتانا عند مجيئهم وحرست المدينة وبات سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وسعد بن عبادة وعليهم السلاح في المسجد بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبحوا
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا قال رأيت البارحة في منامي خيرا رأيت بقرا تذبح ورأيت في ذبابة سيفي أي وهو ذو الفقار ( ثلما ) بإسكان اللام وفي لفظ وكأن ظبة سيفي انكسرت وفي لفظ ورأيت سيفي ذي الفقار انفصم من عند ظبته فكرهته وهما مصيبتان ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة وفي رواية ورأيت أني في درع حصينة أي وأني مردف كبشا قال صلى الله عليه وسلم بعد أن قيل له ما أولتها قال فأما البقر فناس من اصحابي يقتلون وفي لفظ أولت البقر بقرا يكون فينا وأما الثلم الذي رأيت في سيفي فهو رجل من أهل بيتي أي وفي رواية من عترتي يقتل وفي رواية رأيت أن سيفي ذا الفقار فل فأولته فلا فيكم أي وفلول السيف كسور في حده وقد حصل في حد سيفه كسور وحصل انفصام ظبته وذهابها فكان ذلك علامة على وجود الأمرين وأما الدرع الحصينة فالمدينة أي وأما الكبش فإني اقتل كبش القوم أي حاميهم وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه إن رأيتم أن تقيموا بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا فإن أقاموا أقاموا بشر مقام وإن هم دخلوا علينا قاتلنا فيها أي فأنا أعلم بها منهم وكانوا قد شبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحية فهي كالحصن وكان ذلك رأي أكابر المهاجرين والأنصار قال ووافق على ذلك عبدالله ابن أبي سلول أي فان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل يستشيره ولم يستشره قبل

ذلك قال يا رسول الله أقم بالمدينة ولا تخرج فوالله ما خرجنا منها الى عدو لنا قط إلا أصاب منا ولا دخلها إلا أصبنا منه فدعهم يا رسول الله فإن أقاموا أقاموا بشر مجلس وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ورماهم الصبيان بالحجارة من ورائهم وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا
وهذا هو الظاهر خلافا لما ذكره بعضهم من أنه صلى الله عليه وسلم دعا عبدالله بن أبي ابن سلول ولم يدعه قط قبلها فاستشاره فقال يا رسول الله اخرج بنا الى هذه الأكالب إذ لا يناسب ذلك ما يأتي عنه من رجوعه وقوله خالفني الخ وإنما قال ذلك رجل من المسلمين ممن أكرمه الله بالشهادة يوم أحد وقال رجال أي غالبهم أحداث أحبوا لقاء العدو وغالبهم ممن أسف على ما فاته من مشهد بدر أخرج بنا الى أعدائنا لا يرونا أنا جبنا عنهم وضعفنا أي فيكون ذلك جرءاة منهم علينا والله لا نطيع العرب في أن تدخل علينا منازلنا
وفي لفظ أن الأنصار قالوا يا رسول الله ما غلبنا عدو لنا أتانا في دارنا أي في ناحية من نواحيها فكيف وأنت فينا ووافقهم على ذلك حمزة بن عبدالمطلب وقال للنبي صلى الله عليه وسلم والذي أنزل عليك الكتاب لا أطعم طعاما حتى آجالدهم بسيفي خارج المدينة كل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم كاره للخروج فلم يزالوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وافق على ذلك فصلى الجمعة بالناس ثم وعظهم وأمرهم بالجد والاجتهاد وأخبرهم أن لهم النصرة ما صبروا وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم ففرح الناس بذلك ثم صلى بالناس العصر وقد حشدوا أي اجتمعوا وقد حضر أهل العوالي ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فعمماه وألبساه وصف الناس ينتظرون خروجه صلى الله عليه وسلم فقال لهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير استكرهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج فردوا الأمر إليه أي فما أمركم به وما رأيتم له فيه هوى ورأيا فأطيعوه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد لبس لأمته وظاهر بين درعين أي لبس درعا فوق درع وهما ذات الفضول وفضة التي أصابها من بني قينقاع كما تقدم وذات الفضول هذه هي التي أرسلها إليه صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة رضي الله عنه حين سار الى بدر وهي التي مات صلى الله عليه وسلم عنها وهي مرهونه عند اليهودي وافتكها أبو بكر رضي الله عنه وأظهر الدرع وحزم

وسطها بمنطقة من أدم من حمائل سيفه صلى الله عليه وسلم وأنكر الامام أبو العباس ابن تيمية أنه صلى الله عليه وسلم تمنطق حيث قال لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم شد وسطه بمنطقة وقد يقال مراد ابن تيمية المنطقة المعروفة وليس هذا منها وفيه رد على بعضهم في قوله كان له صلى الله عليه وسلم منطقة من أدم فيها ثلاث حلق من فضة والطرف من فضة
وقد يقال لا يلزم من كونه له منطقة أن يكون تمنطق بها فليتأمل
وتقلد صلى الله عليه وسلم السيف وألقى الترس في ظهره أي وفي رواية فركب صلى الله عليه وسلم فرسه السكب وتقلد القوس وأخذ قناته بيده أي ولا مانع أن يكون جمع بين ذلك فقالوا له ما كان لنا أن نخالفك ولا نستكرهك على الخروج فاصنع ما شئت وفي رواية فان شئت فاقعد أي وقال قد دعوتكم الى القعود فأبيتم وما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه أي وفي رواية حتى يقاتل
وأخذ منه أنه يحرم على النبي نزع لأمته اذا لبسها حتى يلحق العدو ويقاتل وبه قال أئمتنا أي وقيل إنه مكروه واستبعد وقوله صلى الله عليه وسلم وما ينبغي لنبي يقتضى أن سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثله في ذلك أي لأن نزع ذلك يشعر بالجبن وذلك ممتنع على الأنبياء صلى الله وسلم عليهم قاله في النور
وما اختص به من المحرمات فهو مكروه له لأن المحرم في المنهيات كالواجب في المأمورات
وعقد صلى الله عليه وسلم ثلاثة ألوية لواء للأوس وكان بيد أسيد بن حضير ولواء للمهاجرين وكان بيد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وقيل بيد مصعب بن عمير أي لأنه كما قيل لما سئل عمن يحمل لواء المشركين فقيل طلحة بن أبي طلحة أي من بني عبد الدار فأخذه صلى الله عليه وسلم من علي ودفعه لمصعب بن عمير أي لأن مصعب بن عمير من بني عبد الدار وهم أصحاب اللواء في الجاهلية كما تقدم وسيأتي ولواء للخزرج كان بيد الحباب بن المنذر وقيل بيد سعد بن عبادة
وخرج في ألف وقيل تسعمائة ولعله تصحيف عن سبعمائة لما سيأتي أن عبدالله

ابن أبي ابن سلول رجع معه ثلاثمائة فبقي سبعمائة من أصحابه صلى الله عليه وسلم منهم مائة دارع وخرج السعدان أمامه صلى الله عليه وسلم يعدوان سعد بن معاذ وسعد بن عبادة دارعين واستعمل على المدينة ابن ام مكتوم أي وسار الى أن وصل رأس الثنية أي وعندها وجد كتيبة كبيرة فقال ما هذا قالوا هؤلاء حلفاء عبدالله بن أبي ابن سلول من يهود فقال أسلموا فقيل لا فقال إنا لا ننتصر بأهل الكفر على أهل الشرك فردهم أي وهؤلاء اليهود غير حلفائه من بني قينقاع فلا يقال هذا انما يأتي على أن اجلاء بني قينقاع كان بعد أحد لأنهم هم حلفاؤه من يهود كما تقدم لأنا نمنع انحصار حلفائه من يهود في بني قينقاع
وسار صلى الله عليه وسلم وعسكر بالشيخين وهما أطمان أي جبلان وعند ذلك عرض قومه فرد جمعا أي شبابا لم يرهم بلغوا خمس عشرة سنة بل أربع عشرة سنة كذا نقل عن امامنا الشافعي رضي الله عنه ونقل عنه بعضهم أنه قال لم يرهم بلغوا أربع عشرة سنة منهم عبدالله بن عمر وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد وزيد بن أرقم والبراء بن عازب وأسيد بن ظهير وعرابة بن أوس خلافا لمن أنكر صحبته وعرابة هذا هو القائل فيه الشماخ ** رأيت عرابة الأوسي يسمو ** الى الخيرات منقطع القرين ** ** إذا ما راية رفعت لمجد ** تلقاها عرابة باليمين **
وأوس والده هو القائل في يوم الأحزاب إن بيوتنا عورة كما سيأتي وأبو سعيد الخدري وسعد بن خيثمة رضي الله تعالى عنهم أي وزيد بن حارثة الأنصاري كان أبوه حارثة من المنافقين من أصحاب مسجد الضرار ورافع بن خديج وسمرة بن جندب
ثم أجاز صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج لما قيل له إنه رام وأصيب في ذلك اليوم بسهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أشهد له يوم القيامة ومات في زمن عبدالملك بن مروان لما نقض عليه ذلك الجرح وعندما أجازه قال سمرة بن جندب لزوج أمه أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج وردني وأنا أصرعه فأعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تصارعا فصرع سمرة بن جندب رافعا فأجازه
وممن رده صلى الله عليه وسلم يوم أحد لصغر سنه سعد بن حبته عرف بأمه حبته

فلما كان يوم الخندق رآه صلى الله عليه وسلم يقاتل قتالا شديدا فدعاه ومسح على راسه ودعا له بالبركة في ولده ونسله فكان عما لأربعين وخالا لأربعين وأبا لعشرين ومن ولده أبو يوسف صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهم وتقدم في بدر أنه صلى الله عليه وسلم رد زيد بن ثابت وزيد ابن أرقم واسيد بن ظهير فما فرغ العرض إلا وقد غابت الشمس فأذن بلال بالمغرب فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم باصحابه ثم أذن بالعشاء فصلى بهم وبات واستعمل على الحرس تلك الليلة محمد بن مسلمة في خمسين رجلا يطوفون بالعسكر ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وذكوان بن عبد قيس يحرسه لم يفارقه لما قال صلى الله عليه وسلم من يحفظنا الليلة حتى كان السحر
وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال لقد رأيت أي في النوم الملائكة تغسل حمزة رضي الله تعالى عنه وأدلج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السحر فحانت صلاة الصبح بالشوط حائط بين المدينة وأحد ومن ذلك المكان رجع عبد الله ابن أبي ابن سلول ومن معه من أهل النفاق وهم ثلثمائة رجل وهو يقول عصاني واطاع الولدان ومن لا أرى له سيعلم ما ندري علام نقتل أنفسنا ارجعوا ايها الناس فرجعوا فتبعهم عبد الله ابن عمرو ابن حرام وهو والد جابر رضي الله تعالى عنهما وكان في الخزرج كعبد الله ابن أبي يقول يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا بضم الذال المعجمة قومكم ونبيكم أي تتركوا نصرتهم وإعانتهم عندما حضر من عدوهم قالوا لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم ولكن لا نرى أنه يكون قتالا وابو إلا الانصراف فقال لهم أبعدكم الله أي اهلككم الله أعداء الله فسيغني الله تعالى عنكم نبيه وفيه أن قوله المذكور يخالف قوله علام نقتل أنفسنا إلا ان يقال على فرض أنه يقع قتالا علام نقتل أنفسنا
فلما رجع عبد الله بن أبي ابن سلول بمن معه قالت طائفة نقتلهم وقالت طائفة أخرى لا نقتلهم وهما ان يقتتلا والطائفتان هما بنو حارثة من الأوس وبنو سلمة من الخزرج فأنزل الله تعالى { فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم } أي ردهم إلى كفرهم بما كسبوا
وفي كلام سبط ابن الجوزي ولما رأى بنو سلمة وبنو حارثة عبد الله ابن أبي قد خذل هموا بالانصراف وكانوا جناحين من العسكر ثم عصمهما الله وأنزل قوله تعالى { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا } الآية فبقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع مائة رجل


ومن هذا يعلم ما في المواهب من قوله ويقال إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالانصراف لكفرهم بمكان يقال له الشوط لأن الذين ردهم صلى الله عليه وسلم لكفرهم حلفاء عبد الله ابن أبي بن سلول من يهوجد وكان رجوعهم قبل الشوط والذين رجع بهم عبد الله كانوا منافقين ورجوعه بهم كان من الشوط ولم يكن مع المسلمين يومئذ إلا فرسان فرس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرس لأبي بردة وقيل لم يكن معهم فرس أي وهذا القيل نقله في ( فتح الباري ) عن موسى ابن عقبة واقره وقالت الأنصار أي لما رجع ابن أبي يا رسول الله ألا نستعين بحلفائنا من يهود اي يهود المدينة ولعلهم عنوا بهم بني قريظة لأن بني قريظة من حلفاء سعد بن معاذ وهو سيد الاوس
وقال بعضهم كان في الأنصار كأبي بكر في المهاجرين فقال صلى الله عليه وسلم لا حاجة لنا فيهم
أقول وحينئذ يكون المراد قالت طائفة من الأنصار وهم الأوس ولم يكونوا سمعوا قوله صلى الله عليه وسلم إنا لا نستنصر بأهل الشرك على أهل الشرك والله أعلم
وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه من يخرج بنا على القوم من كثيب أي من طريق قريب لا يمر بنا عليهم فقال أبو خيثمة أنا يا رسول الله فنفذ به من حرة بني حارثة وبين أموالهم حتى دخل في حائط للمربع بن قيظي الحارثي وكان رجلا منافقا ضريرا فقام يحثي التراب أي في وجوههم ويقول إن كنت رسول الله فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي وفي يده حفنة من تراب وقال والله لو أعلم أني لا اصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك فابتدر إليه سعد ابن زيد فضربه بالقوس في راسه فشجه وأراد القوم قتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتلوه فهذا الأعمى أعمى القلب وأعمى البصر أي وغضب له ناس من بني حارثة كانوا على مثل رأيه أي منافقين لم يرجعوا مع من رجع مع عبد الله ابن أبي فهم بهم أسيد ابن حضير حتى أومأ أي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بترك ذلك ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل الشعب من أحد فجعل ظهره وعسكره إلى احد قال واستقبل المدينة وصف المسلمين في جبل أحد أي بعد أن بات به تلك الليلة وحانت الصلاة صلاة الصبح والمسلمون يرون المشركين فأذن بلال وأقام وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم باصحابه صفوفا وخطب خطبة حثهم فيها على الجهاد


ومن جملة ما ذكر فيها من كان يؤمن بالله واليوم لاآخر فعليه الجمعة إلا صبيا أو امرأة أو مريضا أو عبد مملوكا وفي رواية إلا امرأة أو مسافر أو عبد أو مريض بالرفع وعليها فالمستثنى محذوف أي إلا اربعة وما ذكر بدل منها قال ومن استغنى عنها استغنى الله عنه والله غني حميد ما اعلم من عمل يقربكم إلى الله تعالى إلا وقد أمرتكم به ولا أعلم من عمل يقربكم من النار إلا وقد نهيتكم عنه وإنه قد نفث أي أوحى والقى في روعى بضم الراء أي قلبي الروح الأمين أي الذي هو جبريل إنه لن تموت نفس حتى تستوفي أقصى رزقها لا ينقص منه شيء وإن أبطأ عنها فاتقوا الله ربكم وأجملوا أي أحسنوا في طلب الرزق لا يحملنكم استبطاؤه أن تطلبوه بمعصية الله والمؤمن من المؤمن كالرأس من الجسد إذا اشتكى تداعى إليه سائر جسده والسلام عليكم إنتهى
أي ولما أقبل خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك ومعه عكرمة ابن أبي جهل رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك كما تقدم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام وقال له استقبل خالد بن الوليد فكن بإزائه وأمر بخيل أخرى فكانوا من جانب آخر ولعل المراد وأمر جماعة بأن يكونوا بإزاء خيل أخرى للمشركين لأنه تقدم أنه لم يكن معهم إلافرس أو إلا فرسان
أي وما وقع في الهدى أن الفرسان من المسلمين يوم أحد كانوا خمسين رجلا سبق قلم وقال لا تبرحوا حتى أوذنكم وقال لا يقاتلن أحد حتى آمره بالقتال وكان الرماة خمسين رجلا وأمر عليهم عبد الله بن جبير وقال انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا وأثبت مكانك إن كانت لنا أو علينا
أي وفي رواية إن رأيتمونا تتخطفنا الطير فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم وإن رايتمونا ظهرنا على القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم زاد في رواية وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا قال وفي رواية أنه قال أي للرماة الزموا مكانكم لا تبرحوا منه فإذا رأيتمونا نهزمهم حتى ندخل في عسكرهم فلا تفارقوا مكانكم وإن رايتمونا نقتل فلا تغيثونا ولا تدفعوا عنا وارشقوهم بالنبل فإن الخيل لا تقدم على النبل إنا لن نزال غالبين ما مكثتم مكانكم اللهم إني أشهدك عليهم إنتهى
وأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفا أي وكان مكتوبا في إحدى صفحتيه

** في الجبن عار وفي الإقبال ** مكرمة والمرء بالجبن لا ينجو من القذر ** وقال من يأخذ هذا السيف بحقه ام إليه رجال فأمسكهم عنه من جملتهم علي رضي الله تعالى عنه قام ليأخذه فقال اجلس عمر رضي الله تعالى عنه فأعرض عنه والزبير رضي الله تعالى عنه أي وطلبه ثلاث مرات كل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنه حتى قام إليه أبو دجانة وقال ما حقه يا رسول الله قال فضرب به في وده العدو حتى ينحني قال أنا أهخذه في حقه فدفعه إليه فكاان رجل شجاعا يحتال عند الحرب أي يمشي مشية المتكبر وحين رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبختر بين الصفين قال إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن أي لأن فيها دليل على عدم الاكتراث بالعدو
وعند اصطفاف القوم ناد أبو فيان بن حرب يا معشر الأوس والخزرج خلو بيننا وبين بني عمنا وننصرفغ عنكم فشتموه أقبح شتم ولعنوه اشد اللعن قال وخرج رجل من المشركين على بعير له فدعى للبراز فأحجم عنه الناس حتى دعا ثلاث فقام إليه الزبير ووثب حتى استوى معه على البعير ثم عانقه فاقتتلا فوقالبعير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ييلي حضي الأرض مقتول فوقع المشرك فوقع عليه الزبير فذبحه فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل نبي حواري وإن حواري الظزبير وقال صلى الله عليه وسلم لو لم يبرز إليه الزبير لبرزت إليه لما رأى من احجام الناس عنه انتهى
وخرج رجل من المشركين بين الصفين أي وهو طلحة بن أبي طلحة وأبو طلحة والده اسمه عبد الله بن عثمان بن عبد الدار وكان بيده لواء المشركين لأن بني عبد الدار كانوا أصحاب لواء المشركين لأن اللواء كان لوالدهم عبدالدار كما تقدم وطلب طلحة المبارزة مرارا فلم يخرج إليه أحد فقال يا اصحاب محمد زعمتم أن قتلاكم إلى الجنة وأن قتلانا إلى النار وفي رواية قال يا اصحاب محمد إنكم تزعمون أن الله تعالى يعجلنا بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا إلى الجنة فهل أحد منكم يعجلني بسيفه إلى النارأو اعجله بسيفي إلى الجنة كذبتم واللات والعزى لو تعلمون ذلك حقا لخرج إلي بعضكم فخرج إليه علي بن أبي طالب فاختلفا ضربتين فقتله علي رضي الله تعالى عنه
أي وفي رواية فالتقيا بين الصفين فبدره علي فصرعه أي قطع رجله ووقع على

الأرض وبدت عورته فقال يابن عمي أنشدك الله والرحم فرجع عنه ولم يجهز عليه فقال له بعض أصحابه أفلا أجهزت عليه فقال إنه استقبلني بعورته فعطفني عليه الرحم وعرفت أن الله قد قتله
وفي رواية قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منعك أن تجهز عليه فقال ناشدني الله والرحم فقال اقتله فقتله
أي ووقع لسيدنا علي كرم الله وجهه مثل ذلك في يوم صفين مرتين الأولى حمل على بسر بن أرطاة فلما رأى أنه مقتول كشف عن عورته فانصرف عنه والثانية حمل على عمرو بن العاص فلما راى أنه مقتول كشف عن عورته فانصرف عنه علي كرم الله وجهه
فأخذ لواء المشركين أخو طلحة وهو عثمان بن أبي طلحة وعثمان هذا هو ابو شيبة الذي ينسب إليه الشيبيون فيقال بني شيبة فحمل عليه حمزة فقطع يده وكتفه حتى انتهى إلى مؤتزره فرجع حمزة وهو يقول أنا ابن ساقي الحجيج يعني عبدالمطلب فأخذه أخو عثمان وأخو طلحة وهو ابو سعيد بن أبي طلحة فرماه سعد بن أبي وقاص فأصاب حنجرته فقتله فحمله مسافع بن طلحة بن ابي طلحة الذي قتله علي رضي الله تعالى عنه فرماه عاصم ابن ثابت بن أبي الأفلح فقتله ثم حمله أخو مسافع وهو الحرث بن طلحة فرماه عاصم فقتله أي فكانت أمهما هي سلافة معهما وكل واحد منهما بعد أن رماه عاصم يأتي أمه يضع رأسه في حجرها فتقول له يا بني من أصابك فيقول سمعت رجلا حين رماني يقول خذها وأنا ابن أبي الأفلح فنذرت إن أمكنها الله من رأس عاصم أن تشرب فيه الخمر وجعلت لمن جاء برأسه مائة من الأبل
وسيأتي مقتل عاصم في سرية الرجيع فحمله أخو مسافع وأخو الحرث وهو كلاب بن طلحة فقتله الزبير أي وقيل قزمان فحمله أخوهم وهو الجلاس بن طلحة فقتله طلحة بن عبيد الله فكل من مسافع والحرث وكلاب والجلاس الأربعة أولاد طلحة بن أبي طلحة كل قتل كأبيهم طلحة وعميهم وهما عثمان وأبو سعيد
وعند ذلك حمله أرطاة بن شرحبيل فقتله علي بن أبي طالب وقيل حمزة فحمله شريح بن قارظ فقتل أي ولم يعرف قاتله ثم حمله أبو زيد بن عمرو بن عبد مناف

ابن هاشم بن عبد الدارفقتله قزمان فحمله ولد لشرحبيل بن هاشم فقتله قزمان أيضا ثم حمله صواب غلامهم أي وكان حبشيا فقاتل حتى قطعت يده ثم برك عليه فأخذه لصدره وعنقه حتى قتل عليه أي قتله قزمان وقيل القاتل له سعد بن أبي وقاص وقيل علي
وقد كان أبو سفيان قال لأصحاب اللواء أي لواء المشركين من بني د عبدالدار يحرضهم على القتال يا بني عبد الدار إنكم تركتم لواءنا يوم بدرفأصابنا ما قد رايتم وإنما تؤتى الناس من قبل راياتهم إذا زالت زالوا فإما أن تكفونا لواءنا وإما أن تخلو بيننا وبينه فنكفيكموه فهموا به وتواعدوه وقالوا نحن نسلم إليك لواءنا ستعلم غدا إذا التقينا كيف نضع وذلك الذي اراد ابو سفيان
قال ابن قتيبة ويقال إن هذه الآية نزلت في بني عبدالدار { إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون }
ولما صرع صاحب لواء المشركين أي الذي هو طلحة بن أبي طلحة استبشر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أي لأنه كبش الكتيبة أي الجيش أي حاميهم الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم في رؤياه المتقدمة أنه مردفا كبشا وقال أولت ذلك إني أقتل كبش الكتيبة فهذا كبش الكتيبة
وند وجود ما ذكر من قتل أصحاب اللواء صاروا كتائب متفرقة فجاس المسلمون فيهم ضربا حتى أجهضوهم أي ازالوهم عن أثقالهم وكان شعارالمسلمين يومئذ أمت أمت وشعارالكفار يا للعزى وهي شجرة كانوا يعبدونها يا لهبل وهو صنم كان داخل الكعبة منصوبا على بئر هناك وسيأتي في فتح مكة أنه كان خارجها بجانب الباب
وقد يقال لا منافاة لأنه يجوز أن يكون في أول الامر كان داخل الكعبة ثم اخرج منها وجعل في بجانبها
أي وخرج عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تعالى عنه فإنه أسلم بعد ذلك فقال من يبارز فنهض إليه أبو بكر شاهر سيفه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم شم سيفك وارجع إلى مكانك ومتعنا بنفسك وتقدم طلب عبد الرحمن المبارزة أيضا في يوم بدر وتقدم عن ابن مسعود أن الصديق دعا ابنه يعني عبد الرحمن يوم أحد إلى البراز

وهو يخالف ما هنا إلا أن يقال إنه هنا يجوز وقوع كل من الأمرين أي طلب المبارزة من الصديق لولده عبد الرحمن وطلب المبارزة من عبد الرحمن لوالده الصديق
وقد وقع للصديق رضي الله تعالى عنه أن العرب لما ارتدت بعد موته صلى الله عليه وسلم خرج مع الجيش شاهرا سيفه فأخذ علي رضي الله تعالى عنه بزمام راحلته وقال له إلى أين يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول لك كما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد شم سيفك ولا تفجعنا بنفسك وارجع إلى المدينة فوالله لئن فجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدا فرجع وأمضى الجيش
وفي أول الأمر حملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرات كل ذلك تنضح بالنبل فترجع مفلولة أي بالفاء متفرقة وحمل المسلمون على المشركين فنهكوهم أي أضعفوهم قتلا فلما التقى الناس وحميت الحرب قامت هند في النسوة اللاتي معها وأخذن الدفوف يضربن بها خلف الرجال ويقلن ** ويها بني عبد الدار ** ويها حماة الأدبار ** ضربا بكل بتار **
وويها كلمة إغراء وتحريض كما تقول دونك يا فلان والأدبار الأعقاب أي الذين يحمون أعقاب الناس والبتار السيف القاطع ويقلن ** نحن بنات طارق ** نمشي على النمارق ** مشي القطا النوازق ** والمسك في المفارق ** والدر في المخانق ** إن تقبلوا نعانق ** ونفرش النمارق ** أو تدبروا نفارق ** فراق غير وامق **
والطارق النجم قال تعالى { والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب } قيل هو زحل أي نحن بنات من بلغ العلو وارتفاع القدر كالنجم واعترض بأنها لو أرادت النجم لقالت نحن بنات الطارق
ثم رأيت أن هذا الرجز لهند بنت طارق وحينئذ فليس المراد بطارق النجم وإنما هو الرجل المعروف كأنها قالت نحن بنات طارق المعروف بالعلو والشرف
وعن بعضهم قال جلست بمكة وراء الضحاك فسؤل عن قول هند يوم أحد

نحن بنات طارق ما طارق فقلت هو النجم فقال لي كيف ذلك فقلت له قال الله تعالى { والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق } والنمارق الوسائد الصغار
والمراد نفرش ما تجعل عليه الوسائد مع جعلها عليه والوامق المحب أي فراق غير محب لأن غيرالمحب لا يرجع إذا غضب بخلاف المحب ومن ثم قيل غضب المحب في الظاهر مهابة سيف وفي الباطن كسحابة صيف
وقال وكان صلى الله عليه وسلم إذا سمع ذلك أي تحريض هند بما ذكر يقول اللهم بك أحول بالحاء المهملة أي أمنع وبك اصول وفيك أقاتل حسبي الله ونعم الوكيل انتهى
أي وفي رواية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي العدو قال اللهم بك أصاول وبك أحاول أي اطالب
وقاتل أبو دجانة حتى أمعن في الناس فعن الزبير قال وجدت أي غضبت في نفسي حين سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم السيف أي الذي قال فيه من يأخذه بحقه ثلاث مرات وأنا ابن عمته فمنعنيه وأعطاه أبا دجانة فقلت والله لأنظرن ما يصنع فاتبعته فأخذ عصابة حمراء أي أخرجها من ساق خفه وكان مكتوبا على أحد طرفيها نصر من الله وفتح قريب وفي طرفها الآخر الجبانة في الحرب عار ومن فر لم ينج من النار فعصب بها رأسه فقالت الأنصار أخرج أبو دجانة عصابة الموت أي لأنهم كانوا يقولون ذلك إذا تعصب بها فجعل لا يلقى أحداإلا قتله أي وكان إذا كل ذلك السيف يشحذه أي يحده بالحجارة ولم يزل يضرب به العدو حتى انحنى وصار كأنه منجل وكان رجل من المشركين لا يدع لنا جريحا إلا ذنف عليه أي اسرع قتله فدعوت الله أن يجمع بينه وبين أبي دجانة فالتقيا فاختلفا ضربتين فضرب المشرك أبا دجانة فاتقاها بدرقته فعضت الدرقة على سيفه وضربه أبو دجانة فقتله ثم رايته حمل بالسيف على رأس هند أي بنت عتبة زوج أبي سفيان وقيل غيرها ثم رد السيف عنها
قال أبو دجانة رأيت إنسانا يحمس الناس أي بالسين المهملة حمسا شديدا أي يشجعهم وبالشين المعجمة يوقد الحرب ويثيرها فعمدت إليه فلما حملت عليه بالسيف ولول أي دعا بالويل أي قال يا ويلاه فعلمت أنه امرأة فأكرمت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضرب به أمرأة


وقاتل حمزة بن عبد المطلب قتالا شديدا ومر به سباع بن عبد العزى فقال له حمزة هلم أي اقبل يا ابن مقطعة البظور لأن أمه أم أنمار مولاة شريق والد الأخنس كانت ختانة بمكة
أي وفي البخاري يا سباع يا ابن أم أنمار مقطعة البظور اتحاد الله ورسوله أي تحاربهما تعاندهما
وفيه أنهم لما اصطفوا للقتال خرج سباع فقال هل من مبارز فخرج إليه حمزة فشد عليه فلما التقيا ضربه حمزة فقتله وفي رواية فكان كأمس الذاهب أي وكان تمام واحد وثلاثين قتلهم حمزة
وفيه أنه سيأتي عن الأصل وقتل من كفار قريش يوم أحد ثلاثة وعشرين رجلا وأكب حمزة عليه ليأخذ درعه قال وحشي غلام جبير بن مطعم إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس بسيفه يهد بالدال المهملة يهدم وبالذال المعجمة يقطع أي وقد عثر حمزة فانكشف الدرع عن بطنه فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته بالمثلثة وهو موضع تحت السرة وفوق العانة وفي لفظ فندرته حتى خرجت من بين رجليه فأقبل نحوى فغلب فوقع فأمهلته حتى إذا مات جئته فاخذت حربتي ثم تنحيت إلى العسكر ولم يكن لي في شيء حاجة غيره
أي وفي لفظ آخر كان حمزة يقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيفين وهو يقول أنا أسد الله فبينا هو كذلك إذ عثر عثرة وقع منها على ظهره فانكشفت الدرع عن بطنه فطعنه وحشي الحبشي بحربته
ثم لما قتل أصحاب لواء المشركين واحدا بعد واحد ولم يقدر أحد يدنو منه انهزم المشركون وولوا لا يلوون على شيء ونساؤهم يدعون بالويل بعد فرحهم وضربهم بالدفوف وألقين الدفوف وقصدن الجبل كاشفات سيقانهن يرفعن ثيابهن وتبع المسلمون المشركين يضعون فيهم السلاح وينتهبون الغنائم ففارقت الرماة محلهم الذي أمرهم صلى الله عليه وسلم أن لا يفارقوه ونهاهم أميرهم عبد الله بن جبير فقالوا له انهزم المشركون فما مقامنا ههنا وانطلقوا ينتهبون وثبت عبد الله بن جبير مكانه وثبت معه دون العشرة وقال لا أجاوز أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر خالد بن الوليد إلى خلاء الجبل من الرماة وقلة من به منهم فكر بالخيل ومعه عكرمة بن أبي جهل رضي الله تعالى عنهما

فإنهما أسلما بعد ذلك فحملوا على من بقي من الرماة فقتلوهم مع أميرهم عبد الله بن جبير أي ومثلوا به ومن كثرة طعنه بالرماح خرجت حشوته وأحاطوا بالمسلمين فبينما المسلمون قد شغلوا بالنهب والأسر إذ دخلت خيول المشركين تنادي فرسانها بشعارها يا للعزى يا لهبل ووضعوا السيوف في المسلمين وهم آمنون وتفرقت المسلمون في كل وجه وتركوا ما انتهبوا وخلوا من أسروا وانتفضت صفوف المسلمين واختلط المسلمون وصار يضرب بعضهم بعضا من غير شعار أي من غير أن يأتوا بما كانوا ينادون به في الحرب يتعارفون به في ظلمة الليل وعند الاختلاط وهو أمت أمت مما اصابهم من الدهش والحيرة ولم يزل لواء المشركين ملقى حتى أخذته عمرة بنت علقمة ورفعته لهم فلاثوا أي بالمثلثة استداروا به واجتمعوا عنده ونادى ابن قمئة بفتح القاف وكسر الميم وبعدها همزة إن محمدا قد قتل وقيل المنادي بذلك ابليس أي متمثلا بصورة جعال أو جعيل ابن سراقة وكان رجلا صالحا ممن أسلم قديما وكان من أهل الصفة قيل وهو الذي غير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه يوم الخندق وسماه عمرا كما سيأتي وسيأتي ما فيه
ثم إن الناس وثبوا على جعال ليقتلوه فتبرأ من ذلك القول وشهد له خوات بن جبير وأبو بردة بأن جعالا كان عندهما وبجنبهما حين صرخ ذلك الصارخ وقيل المنادي بذلك ازب العقبة قال ذلك ثلاث مرات أي لأنه لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صرخ الشيطان به قال هذا ازب العقبة بكسر الهمزة وسكون الزاي والازب القصير كما تقدم
وقد ذكر أن عبد الله بن الزبير رأى رجل طوله شبران على رحله فقال ما أنت قال ازب قال ما ازب قال رجل من الجن فضربه على رأسه بعود السوط حتى هرب أي ويجوز أن يكون ذلك صدر من الثلاثة وهم ابن قمئة وإبليس وإزب العقبة فرجعت الهزيمة على المسلمين أي وقال قائل يا عباد الله أخراكم أي احترزوا من جهة أخراكم فعطف المسلمون على أخراهم يقتل بعضهم بعضا وهم لا يشعرون وانهزمت طائفة منهم إلى جهة المدينة ولم يدخلوها وقال رجال من المسلمين حيث قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجعوا إلى قومكم يؤمنوكم وقال آخرون إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل أفلا تقاتلون على دين نبيكم وعلى ما كان عليه نبيكم حتى تلقوا الله شهداء
اي وفي الامتاع أن ثابت بن الدحداح قال يا معشر الأنصار إن كان محمد قد قتل فإن

الله حي لا يموت قاتلوا على دينكم فإن الله مظفركم وناصركم فنهض إليه نفر من الأنصار فحمل بهم على كتيبة فيها خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب فحمل عليه خالدبن الوليد بالرمح فقتله وقتل من كان معه من الأنصار رضي الله تعالى عنهم
وكان من جملة من انهزم عثمان بن عفان والوليد بن عقبة و خارجة بن زيد ورفاعة ابن معلى فاقاموا ثلاثة ايام ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهبتم فيها عريضة وأنزل الله تعالى { إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم } قال وقال جماعة ليت لنا رسولا إلى عبد الله بن أبي ليأخذ لنا أمانا من أبي سفيان يا قوم إن محمدا قد قتل فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم وانهزمت طائفة منهم حتى دخلت المدينة فلقيتهم أم أيمن رضي الله تعالى عنها فجعلت تحثو التراب في وجوههم وتقول لبعضهم هاك المغزل فاغزل به وهلم سيفك آه أي اعطني سيفك أي فالمنهزمون في ذلك اليوم طائفتان طائفة لم تدخل المدينة وأخرى دخلتها وفيه أن أم أيمن كانت في الجيش تسقي الجرحى
أي فقد جاء أن حباب بن العرقة رمى بسهم فأصاب أم أيمن وكانت تسقي الجرحى فوقعت وتكشفت فإغرق عدو الله في الضحك فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع إلى سعد سهما لا نصل له وقال ارم به فوقع السهم في نحر حباب فوقع مستلقيا حتى بدت عورته فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال استقاد لها سعد أجاب الله دعوته أي وفي رواية اللهم استجب لسعد إذا دعاك فكان مجاب الدعوة وقد يقال لا منافاة بين كون أم أيمن كانت في الجيش وبين كونها كانت في المدينة لجواز أن تكون رجعت ذلك الوقت من الجيش إلى المدينة
وقال رجال أي من المنافقين لما قيل قد قتل محمد الذين بقوا ولم يذهبوا مع عبد الله ابن أبي ابن سلول لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا أي وقال بعضهم لو كان نبيا ما قتل فارجعوا إلى دينكم الأول وفي النهر أن فرقة قالوا نلقى إليهم بأيدينا فإنهم قومنا وبنو عمنا وهذا يدل على أن هذه الفرقة ليست من الأنصار بل من المهاجرين


قال وعن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنه قال لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين اشتد علينا الخوف وأرسل علينا النوم فما منا أحد إلا وذقنه في صدره فوالله إني لأسمع كالحلم قول معتب بن قشير أي ويقال ابن بشير وكان ممن شهد العقبة لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا فحفظتها فأنزل الله تعالى في ذلك قوله { ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا } الآية
وعن كعب بن عمرو الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال لقد رأيتني يومئذ في أربعة عشر من قومي إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصابنا النعاس أمنة منه أي لأنه لا ينعس إلا من يأمن ما منهم أحد إلا غط غطيطا حتى إن الحجف اي الدرق تتناطح ولقد رأيت سيف بشر بن البراء بن معرور سقط من يده وما يشعر وإن المشركين لتحثنا آه وتقدم في بدر أنه حصل لهم النعاس ليلة القتال لافيه على ما تقدم وتقدم أن النعاس في الصف من الإيمان وفي الصلاة من الشيطان
وثبت صلى الله عليه وسلم لما تفرقت عنه أصحابه وصاريقول إلي يا فلان إلي يا فلان أنا رسول الله فما يعرج إليه أحد والنبل يأتي إليه من كل ناحية والله يصرفه عنه
أي وفي الامتاع أنه صلى الله عليه وسلم قال ( أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب أنا ابن العواتك ) فليتأمل فإن المحفوظ أنه إنما قال ذلك في حنين وإن كان لا مانع من التعدد
وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة أي من أصحابه منهم أبو طلحة فإنه استمر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم يحوز عنه بحجفته وكان رجلا راميا شديد الرمي فنثركنانته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي وصاريقول نفسي لنفسك الفداء ووجهي لوجهك الوقاء فلم يزل يرمي بها وكان الرجل يمر بالجعبة بضم الجيم من النبل فيقول صلى الله عليه وسلم انثرها لأبي طلحة أي وكسر ذلك اليوم قوسين أو ثلاثة وصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرف أي ينظر إلى القوم وفي لفظ ليرى مواضع النبل فيقول له أبو طلحة يا نبي الله بأبي أنت وأمي لأتشرف يصبك سهم من سهام القوم نحري دون نحرك انتهى أي ويتطاول ابو طلحة بصدره يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم

واستدل بذلك على ان من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه يجب على كل مؤمن أن يؤثر حياته صلى الله عليه وسلم على حياته قال فلا خلاف أن هذا لا يجب لغيره وهذا المذكور عن أبي طلحة من قوله نحري دون نحرك نقله ابن المنير عن سعد بن أبي وقاص فقال ولهذا قال سعد يوم أحد نحري دون نحرك ولا زال صلى الله عليه وسلم يرمي عن قوسه أي المسماة بالكتوم لعدم تصويتها إذا رمى عنها حتى صارت شظايا أي ذهب منها قطع
وفي رواية رمى عن قوسه حتى اندقت سيتها والسية ما انعطف من طرفي القوس اللذين هما محل الوتر قال وما زال صلى الله عليه وسلم يرمي عن قوسه حتى تقطع وتره وبقيت في يده منه قطعة تكون شبرا في سية القوس فأخذ القوس عكاشة بن محصن ليوتره له فقال يا رسول الله لا يبلغ الوتر فقال مده يبلغ قال عكاشة فوالذي بعثه بالحق لمددته حتى بلغ وطويت منه لفتين أو ثلاثا على سية القوس ورمى صلى الله عليه وسلم بالحجارة وكان أقرب الناس إلى القوم آه
اي وانكر الإمام ابو العباس بن تيمية كونه صلى الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى صارت شظايا أي لانه يبعد وجود رميه صلى الله عليه وسلم من غير اصابة ولو أصاب أحدا لذكر لأنه مما تتوفر الدواعي على نقله وقاتل جماعة من اصحابه منهم سعد بن أبي وقاص فإنه كان من الرماة المذكورين رمى بقوسه قال سعد لقد رأيته يعني النبي صلى الله عليه وسلم يناولني النبل ويقول ( ارم فداك أبي وأمي ) حتى إنه ليناولني السهم ما له نصل فيقول ارمي به وقد تقدم أنه رمى بسهم من تلك السهام التي لا نصل لها لمن رمى أم ايمن
قال وفي رواية عن سعد قال ( أجلسني رسول الله صلى الله عليه وسلم أمامه فجعلت أرمي وأقول اللهم سهمك فارم به عدوك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اللهم استجب لسعد اللهم سدد رميته وأجب دعوته حتى إذا فرغت من كنانتي نثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في كنانته ) آه أي فكان سعد مجاب الدعوة كما تقدم
ولما سعى أهل الكوفة به إلى سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه أرسل جماعة للكوفة يسألون عن حاله من أهل الكوفة فصاروا كلما سألوا عنه أحدا قال خيرا واثنى عليه

معروفا حتى سألوا رجلا يقال له أبو سعدة ذمه وقال لا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية فلما بلغ سعدا ذلك قال اللهم إن كان كاذبا فأطل عمره وأدم فقره وأعمي بصره وعرضه للفتن فعمي وافتقر وكبر سنه وصار يتعرض للإماء في سكك الكوفة فإذا قيل له كيف أنت يا أبا سعدة يقول شيخ كبير فقير مفتون أصابتني دعوة سعد
قيل لسعد لم تستجاب دعوتك من دون الصحابة فقال ما رفعت إلي فمي لقمة إلا وأناأعلم من اين جاءت ومن اين خرجت أي لأنه جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ( تليت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية { يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا } فقام سعد بن أبي وقاص فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال والذي نفس محمد بيده إن العبد ليعقد اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه أربعين يوما )
وقد جاء في الحديث من كان مأكله حراما ومشربه حراما وملبسه حراما فأنى يستجاب له فليتأمل هذا الجواب
وقد يقال مراد سعد بقوله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة أي ممن يأكل الحلال الطيب ويميز عند الأكل بين الحرام وبين غيره حتى أكون مستجاب الدعوة
ولعل المراد بالأكل ما يشمل الشرب ولعل السكوت عن اللبس لأنه نادر بالنسبة للأكل وجوابه صلى الله عليه وسلم بقوله والذي نفس محمد بيده تقرير لما فهمه سعد رضي الله تعالى عنه أن من يأكل غير الحلال لا يكون مستجاب الدعوة تأمل
والحق أن سبب استجابة دعوة سعد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك ولعله إنما لم يجب بذلك لمن سأله بقوله لم تستجاب دعوتك من بين الصحابة لأنه يجوز أن يكون دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك تأخر عن هذا فليتأمل وفي الشرف ان سعدا رضي الله تعالى عنه رمى يوم أحد ألف سهم ما منها سهم إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له ارم فداك أبي وأمي ففداه في ذلك اليوم ألف مرة وعن علي كرم الله وجهه ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فداك أبي وأمي إلا لسعد رضي الله تعالى عنه وفي رواية فما جمع صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد إلا لسعد رضي الله تعالى عنه

قال في النور الرواية الأولى اصح لأنه أخبر فيها أنه لم يسمع أي لأنه حينئذ لا يخالف ما جاء عن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع لأبيه الزبير رضي الله تعالى عنه بين أبويه أي قال له فداك أبي وأمي كسعد أي وفي ذلك في يوم الخندق حيث أتاه بخبر بني قريظة وكذا الرواية الثانية لا تخالف لأنها محمولة على سماعه
وعلى الأخذ بظاهرها وعدم حملها على ذلك يجاب بما قال في النور ظهر لي أن عليا كرم الله وجهه إنما أراد تفدية خاصة وهي ألف مرة أو في خصوص أحد
وكان صلى الله عليه وسلم يفتخر بسعده فيقول هذا سعد خالي فليرني امرؤ خاله لأن سعدا رضي الله تعالى عنه كان من بني زهرة وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم منهم كما تقدم أي وكان رضي الله تعالى عنه إذا غاب يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مالي لا ارى الصبيح المليح الفصيح
ولما كف بصره رضي الله تعالى عنه قيل له لو دعوت الله سبحانه أن يرد عليك بصرك فقال قضاء الله أحب إلي من بصري ولما حضرت الوفاة سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه دعا دع بخلق جبة من صوف فقال كفنوني فيها فإني كنت لقيت فيها المشركين يوم بدر وإنما كنت أخبؤها لهذا وممن كان مشهورا بالرماية سهيل بن حنيف رضي الله تعالى عنه وكان ممن ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم الذي هو يوم احد قال بعضهم وكان بايعه صلى الله عليه وسلم يومئذ على الموت فثبت معه صلى الله عليه وسلم حتى انكشف الناس عنه وجعل ينضح بالنبل يومئذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال صلى الله عليه وسلم نبلوا سهيلا أي أعطوه النبل
وجاء أن خاله صلى الله عليه وسلم وهوالأسود بن وهب بن عبد مناف بن زهرة استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا خالي ادخل فدخل فبسط له صلى الله عليه وسلم رداءه وقال اجلس عليه إن الخال والد يا خال من أسدى إليه معروف فلم يشكر فليذكر فإنه إذا ذكر فقد شكر وقال له ألا أنبئك بشيء عسى الله أن ينفعك به قال بلى قال إن أربى الربى استطالة المرء في عرض أخيه بغير حق


وعن أم عمارة المازنية رضي الله تعالى عنها أي وهي نسيبة بالتصغير على المشهور زوج زيد بن عاصم رضي الله تعالى عنه قالت خرجت يوم أحد لأنظر ما يصنع الناس ومعي سقاة فيه ما أسقي به الجرحى فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والربح للمسلمين فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف وأرمي عن القوس حتى حصلت الجراحة إلي ورؤى على عاتقها جرح أجوف له غور فقيل لها من أصابك بهذا قالت ابن قمئة لما ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير فضربني هذه الضربة وضربته ضربات ولكن عدو الله كان عليه درعان
قال وفي كلام بعضهم خرجت نسيبة يوم أحد وزوجها زيد ابن عاصم وابناهما خبيب وعبد الله رضي الله تعالى عنهم وقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمكم الله أهل البيت وفي رواية بارك الله فيكم أهل بيت قالت له أم عمارة رضي الله تعالى عنها ادع الله أن نرافقك في الجنة فقال اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة أي وعند ذلك قالت رضي الله تعالى عنها ما أبالي ما اصابني من أمر الدنيا
وقال صلى الله عليه وسلم في حقها ما التفت يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا ورايتها تقاتل دوني آه أي وقد جرحت رضي الله تعالى عنها إثني عشر جرحا بين طعنة برمح أو ضربة بسيف وعبد الله ابنها رضي الله تعالى عنهما هو القاتل لمسيلمة الكذاب لعنه الله
فعنها رضي الله تعالى عنها قالت يوم اليمامة تقطعت يدي وأنا أريد قتل مسيلمة وما كان لي ناهية أي مانعة حتى رأيت الخبيث مقتولا وإذا ابني عبد الله بن زيد يمسح سيفه بثيابه فقلت أقتلته فقال نعم فسجدت لله شكرا
ولاينافيه ما اشتهر أن قاتله وحشي فعن وحشي رضي الله تعالى عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بعد أن قدم عليه في وفد ثقيف واسلم كما سيأتي يا وحشي اخرج فقاتل في سبيل الله كما كنت تقاتل لتصد عن سبيل الله فلما كان خروج المسلمين لقات لقتال مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة لما ولى الصديق رضي الله تعالى عنه الخلافة وارتدت العرب خرجت معهم فأخذت حربتي فلما رايته تهيأت له وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى كلانا يريده وهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها فوقعت فيه وشد

عليه الأنصاري فضربه بالسيف فربك أعلم اينا قتله له قال بعضهم والأنصاري هو عبد الله ابن زيد أي كما تقدم وقيل غيره
أي وفي كلام بعضهم اشترك في قتل مسيلمة الكذاب لعنه الله أبو دجانة وعبد الله بن زيد ووحشي رضي الله تعالى عنهم وفي تاريخ ابن كثير رحمه الله الاقتصار على وحشي وأبي دجانة
وقد يقال لا مخالفة لأن كلا من الرواة روى بحسب ما رأى وذكر ابن كثير أن ما يروي عن أبي دجانة رضي الله تعالى عنه من ذكر الحرز المنسوب إليه اسناده ضعيف لا يلتفت إليه
وقد نقل عن وحشي رضي الله تعالى عنه أنه قال قتلت بحربتي هذه خير الناس وشر الناس وكان عمر مسيلمة حين قتل مائة وخمسون سنة
وذكر أن أبا دجانة رضي الله تعالى عنه تترس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار يقع النبل على ظهره وهو منحن حتى كثر فيه النبل
وقاتل دونه صلى الله عليه وسلم زيادة بن عمارة حتى أثبتته الجراحه أي اصابت مقاتله فقال صلى الله عليه وسلم ادنوه مني فوسده قدمه الشريف فمات رضي الله عنه وخده على قدمه الشريف صلى الله عليه وسلم
وقاتل مصعب بن عمير رضي الله عنه دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتله ابن قمئه لعنه الله وهو يظنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع الى قريش فقال قتلت محمدا
وقيل القاتل لمصعب رضي الله عنه أبي بن خلف لعنه الله فإنه أقبل نحو النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول أين محمدا لا نجوت إن نجا فاستقبل مصعب بن عمير رضي الله عنه فقتل مصعبا فاعترضه رجال من المسلمين فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلوا طريقه أي فأقبل وهو يقول يا كذاب أين تفر وتناول النبي صلى الله عليه وسلم الحربة من بعض أصحابه أي وهو الحارث بن الصمة أو الزبير بن العوام على ما سيأتي فخدشه بها في عنقه خدشا غير كبير احتقن الدم أي لم يخرج بسبب ذلك الخدش فقال قتلني والله محمد فقالوا ذهب والله فؤادك أي وفي لفظ ذهب والله عقلك إنك لتأخذ السهام من أضلاعك فترمي بها فما هذا والله ما بك من بأس ما أخدعك إنما

هو خدش ولو كان هذا الذي بك بعين أحدنا ما ضره فقال واللات والعزى لو كان هذا الذي بي بأهل ذي المجاز أي السوق المعروف من جملة أسواق الجاهلية كان عند عرفه كما تقدم وفي لفظ لو كان بربيعه ومضر أي وفي لفظ بأهل الأرض لماتوا أجمعون إنه قد كان قال لي بمكة أنا أقتلك فوالله لو بصق علي لقتلني أي فضلا عن هذه الضربة لأنه كان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم في مكة يا محمد إن عندي العود يعني فرسا له أعلفه في كل يوم فرقا ( بفتح الراء ) هو مكيال معروف يسع اثني عشر مدا من ذرة أقتلك عليها فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا اقتلك إن شاء الله فحقق الله تعالى قول نبيه صلى الله عليه وسلم
هذا وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن أبي بن خلف قال حين افتدى أي من الأسر في ببدر والله إن عندي لفرسا أعلفها كل يوم فرقا من ذرة أقتل عليها محمدا فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بل أنا أقتله إن شاء الله
أقول يمكن الجمع بأنه تكرر ذلك من أبي لعنه الله ومن النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم وفي رواية أبصر صلى الله عليه وسلم ترقوته بالفتح لا بالضم من فرجة من سابقة الدرع وهي ما يغطى به العنق من الدرع كما تقدم فطعنه طعنة أي كسر فيها ضلعا بكسر الضاد وفتح اللام وتسكينها من أضلاعه أي وهو المناسب لما في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم طعنه طعنة وقع فيها مرارا من على فرسه وجعل يخور كما يخور الثور إذا ذبح وإنه صلى الله عليه وسلم لما أخذ الحربة من الحارث بن الصمه وقيل من الزبير بن العوام رضي الله عنه إنتفض بها انتفاضة شديدة ثم استقبله فطعنه في عنقة
أقول ولا مخالفة بين كون الطعنه في عنقه وكونها في ترقوته لأن الترقوة في أصل العنق
ولا مخالفة أيضا بين كون الحاصل من الطعنة خدشا مع اعتنائه صلى الله عليه وسلم بالطعنة وناهيك بعزمه صلى الله عليه وسلم لأن كون الخدش في الظاهر أي بحسب ما يظهر للرئي والشدة في الباطن أقوى في النكاية ودليل وجود الشدة في الباطن وقوعه مرارا وكونه خار كالثور الذي يذبح وكون الطعن في العنق يفضي إلى كسر الضلع من خوارق العادات لكن رأيت في رواية أنه ضربه تحت إبطه فكسر ضلعا من أضلاعه
وقد يقال يجوز أن تكون الحربه نفذت من المكان المذكور قال في النور ولم يقتل

بيده الشريفه صلى الله عليه وسلم قط أحدا إلا أبي بن خلف لا قبل ولا بعد ثم مات عدو الله وهم قافلون به إلى مكة أي بسرف بفتح السين المهملة وكسر الراء وهو المناسب لوصفه لأنه مسرف وقيل ببطن رابغ
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال انى لأ سير ببطن رابغ بعد هدوء من الليل إذا نار تأجج لى لهبها وإذا رجل يخرج منها فى سلسلة يجتذب بها يصيح العطش ونادانى ياعبد الله فلا أدرى أعرف اسمى أو كما يقول الرجل لمن يجهل اسمه ياعبد الله فالتفت إليه فقال اسقنى فأردت أن أفعل وإذارجل وهو الموكل بعذابه يقول لاتسقه هذا قتيل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أبي بن خلف لعنه الله رواه البيهقي
ويدل لهذا ما جاء في الحديث كل من قتله نبي أو قتل بأمر نبي في زمنه يعذب من حين قتل إلى نفخ الصعقة وجاء أشد الناس عذابا من قتله نبي أي وفي رواية اشتد غضب الله على رجل قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم فسحقا لأصحاب السعير وفي رواية اشتد غضب الله عز وجل على رجل قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم أكملهم لطفا ورفقا وسعة بعباد الله
وفي شرح التقريب احترز بقوله في سبيل الله عمن يقتله حدا أو قصاصا لأن من يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله كان قاصدا قتله صلى الله عليه وسلم وقد إتفق ذلك لأبي بن خلف لعنه الله وقد تقدم أن ابن مرزوق رحمه الله ذكر أن ابن عمر مر ببدر فإذا رجل يعذب ويئن فناداه يا عبدالله فالتفت إليه فقال اسقني فأردت أن أفعل فقال الأسود الموكل بتعذيبه لا تفعل يا عبدالله فإن هذا من المشركين الذين قتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أى أصحابه رواه الطبراني في الأوسط ولابعد في تعدد الواقعة
ثم رأيت في الخصائص الكبرى ما يقتضى التعدد فإنه ذكر فيها ان ابن عمر رضي الله عنهما ذكر ذلك أى مرور ببدر للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه صلى الله عليه وسلم قال له ذلك أبو جهل وذلك عذابه إلى يوم القيامة وقد ذكرت ذلك في الكلام على غزوة بدر
ووقع صلى الله عليه وسلم في حفرة من الحفر التي حفرت للمسلمين أى التى حفرها أبو عامر الفاسق والد حنظلة غسيل الملا ئكة رضى الله عنه واسم أبي عامر عبد عمرو مات كافرا بأرض الروم فر إليها لما فتحت مكة ليقعوا فيها وهم لا يعلمون فأغمى

عليه صلى الله عليه وسلم وجحشت أى خدشت ركبتاه فأخذ علي كرم الله وجهه بيده ورفعه طلحة بن عبيد الله حتى استوى قائما
وكان سبب وقوعه صلى الله عليه وسلم أن ابن قمئة لعنه الله علاه صلى الله عليه وسلم بالسيف فلم يؤثر فيه السيف إلا أن ثقل السيف أثر في عاتقه الشريف فشكا صلى الله عليه وسلم منه شهرا أو أكثر وقذف صلى الله عليه وسلم بالحجارة حتى وقع لشقه ورماه صلى الله عليه وسلم عتبة بن أبي وقاص أ أخو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بحجر فكسر رباعيته اليمنى السفلى وشق شفته السفلى أى ودعا عليه صلى الله عليه وسلم بقوله اللهم لا يحول عليه الحول حتى يموت كافرا وقد استجاب الله تعالى ذلك وقتله في ذلك اليوم حاطب بن ابي بلتعة رضي الله عنه
قال حاطب لما رأيت ما فعل عتبة برسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أين توجه عتبة فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى حيث توجه فمضيت حتى ظفرت به فضربته بالسيف فطرحت راسه فنزلت وأخذت فرسه وسيفه وجئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي رضي الله عنك رضي الله عنك مرتين أى ولا يخالف هذا قول بعضهم فمات بعد قليل لكن يخالف القول بانه مات بعد ان أسلم بعد الفتح وانه اثبت ولم يولد لعتبة ولد أو ولد ولد إلا هو اهتم اى ساقط مقدم اسنانه اى التي هي الرباعيات أبخر يعرف ذلك في عقبه وكسرت البيضة اى الخوذة على رأسه صلى الله عليه وسلم وشج وجهه الشريف شجه عبدالله بن شهاب الزهري رضي الله عنه فإنه أسلم بعد ذلك وهو جد الإمام الزهري رحمه الله ويجوز أن يكون من قبل أمه أى ويقال له عبدالله الأصغر اى ولعل هذا حصل منه اقبل او بعد قوله دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف إلى جنبه ما معه أحد ثم جاوزه فعاتبه في ذلك صفوان فقال والله ما رأيته أحلف بالله إنه منا ممنوع
وجد الأمام الزهرى من قبل ابيه يقال له عبدالله بن شهاب ويقال له عبدالله الأكبر رضي الله عنه كان من مهاجري الحبشة توفي بمكة قبل الهجرة وأشار صاحب الهمزية رحمه الله إلي أن هذه الشجة لم تشنه صلى الله عليه وسلم بل زادته جمالا بقوله ** مظهر شجة الجبين على البر ** ءكما أظهر الهلال البراء ** ستر الحسن منه بالحسن فاعجب ** لجمال له الجمال وقاء ** فهو كالزهرلاح من سجف الأك ** مام والعود شق عنه اللحاء **


أي مظهر وجهه الشريف اثر جرح جبينه اى جبهته مع برئها ظهورا كظهور الهلال ليلة استهلاله ستر ذلك الوجه الحسن الأصلي بالحسن العارض بسبب ذلك الجرح فاعجب لجمال أصلي له الجمال العارض وقاية وساتر فهو أى ما ظهر بذلك الجرح كالزهر إذا ظهر من ستره وكالعودالذي يتطيب به إذا أزيل عنه قشره وقال حسان رضي الله عنه في وصف جبينه الشريف صلى الله عليه وسلم
** متى بيد في الداجي البهيم جبينه ** يلح مثل مصباح الدجى المتوقد **
وجرحت وجناته صلى الله عليه وسلم بسبب دخول حلقتين من المغفر في وجنتيه بضربة من ابن قمئة لعنه الله وقال له لما ضربه خذها وأنا ابن قمئة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أقمأك الله عز وجل اي أصغرك وأذلك وقد استجاب الله فيه دعوة نبيه صلى الله عليه وسلم فإنه بعد الوقعة خرج إلى غنمه فوافاها على ذروة الجبل اى أعلى الجبل فأخذ يعترضها فشد عليه كبشها فنطحه نطحة أرداه من شاهق الجبل فتقطع وفي رواية فسلط الله عليه تيس جبل فلم يزل ينطحه حتى قطعه قطعة قطعة
أقول ويمكن الجمع بانه لما نطحه ذلك الكبش ووقع من شاهق الجبل إلى أسفل سلط الله عليه عند ذلك تيس الجبل فنطحه حتى قطعه قطعا زيادة في نكاله وخزيه ووباله لعنه الله عليه والله اعلم
ولما جرح وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم صار الدم يسيل على وجه الشريف وجعل صلى الله عليه وسلم يمسح الدم وفي لفظ ينشف دمه وهو يقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم أى وفي رواية اشتد غضب الله علي قوم أدموا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعال { ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون } أى وفي رواية صار صلى الله عليه وسلم يقول اللهم العن فلانا وفلانا أي اللهم العن أبا سفيان اللهم العن الحارث بن هشام اللهم العن سهيل بن عمرو اللهم العن صفوان بن أمية فأنزل الله تعالى الآية
فإن قيل كيف هذا مع قوله تعالى { والله يعصمك من الناس } أجيب بان هذه الأية نزلت بعد احد
وعلى تسليم أنها نزلت قبله فالمراد عصمته من القتل قال الشيخ محي الدين ابن العربي رحمه الله لا يخفى أن أجر كل نبي في التبليغ يكون على قدر ما ناله من المشقة

الحاصلة له من المخالفين له وعلى قدر ما يقاسيه منهم وله أجر الهداية لمن أطاعه ولا احد أكثر أجرا من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لم يتفق لنبي من الأنبياء ما اتفق له صلى الله عليه وسلم في كثير من طائعي أمة أجابته ولا في كثير عصاة أمة دعوته الخارجين عن الأجابة
وامتص مالك بن سنان الخدري وهو والدابي سعيد الخدري رضي الله عنهما دم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ازدرده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مس د دمي دمه لم تصبه النار
وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم قال من أراد أن ينظر إلى رجل من اهل الجنة فلينظر إلى هذا وأشار إليه فاستشهد في هذه الغزاة وفي لفظ من سره ان ينظر إلى من لا تمسه النار فلينظر إلي مالك بن سنان رضي الله عنه ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم أمر هذا الذي امتص دمه بغسل فمه ولأأنه غسل فمه من ذلك كما لم ينقل انه أمر حاضنته أم أيمن بركة الحبشية رضي الله عنها بغسل فمها ولا هي غسلته من ذلك لما شربت بوله صلى الله عليه وسلم
فعنها رضي الله عنهما انها قالت قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل إلى فخارة أى تحت سريره فبال فيها فقمت وانا عطشى فشربت ما في الفخارة وأنا لا أشعر فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم قال يا أم أيمن قومي إلى تلك الفخارة فأهريقي ما فيها فقالت والله لقد شربت ما فيها فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال لا يجفر بالجيم والفاء بطنك بعده أبدا وفي لفظ لا تلج النار بطنك وفي أخرى لا تشتكي بطنك اي ويجوز انه صلى الله عليه وسلم قال هذه الألفاظ الثلاثة وكل روى بحسب ما سمع منها فتكون هذه الأمور الثلاثة تحصل لأم أيمن رضي الله عنها وفي رواية بدل فخارة إناء من عيدان بالفتح الطوال من النخل فإن صحا حملا على التعدد لأم أيمن رضي الله عنها ولا مانع منه
وقد شرب بوله صلى الله عليه وسلم ايضا أمراة يقال لها بركة بنت ثعلبة بن عمرو كانت تخدم ام حبيبة رضي الله عنها جاءت معها من الحبشة أى ومن ثم قيل لها بركة الحبشية
وفي كلام ابن الجوزي بركة بنت يسار مولاة ابي سفيان الحبشية خادمة أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم هذا كلامه

ولا مخالفة لأنه يجوز أن يكون يسار لقبه ثعلبة وكانت معها في الحبشة ثم قدمت معها مكة كانت تكنى بأم يوسف فقال صلى الله عليه وسلم حين علم أنها شربت ذلك صحة يا أم يوسف فما مرضت قط حتى كان مرضها الذي ماتت فيه
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لها لقد احتظرت من النار بحظار وشرب دمه صلى الله عليه وسلم أيضا أبو طيبة الحجام وعلي كرم الله وجهه وكذا عبدالله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما
فعن عبدالله بن الزبير قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم فلما فرغ قال يا عبدالله اذهب بهذا الدم فأهرقه حتى لا يراك أحد قال فشربته فلما رجعت قال يا عبدالله ما صنعت قلت جعلته في أخفى مكان علمت أنه يخفى على الناس قال لعلك شربته قلت نعم قال ويل للناس منك وويل لك من الناس وكان بسبب ذلك على غاية من الشجاعة
ولما وفد أخوه شقيقه عروة بن الزبير أحد الفقهاء السبعة من المدينة على عبدالملك بن مروان قال له يوما ما أريد أن تعطيني سيف أخي عبدالله فقال له عبدالملك هو بين السيوف ولا أميزه فقال له عروة إذا حضرت السيوف ميزته أنا فأمر عبد الملك بإحضارها فلما أحضرت أخذ منها سيفا مفلل الحد وقال هذا سيف أخي فقال له عبد الملك كنت تعرفه قبل الآن قال لا فقال كيف عرفته قال بقول النابغة الذبياني ** ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ** بهن فلول من قراع الكتائب **
وأخذ من ذلك بعض أئمتنا طهارة فضلاته صلى الله عليه وسلم حيث لم يأمره بغسل فمه ولم يغسل هو فمه وأن شربه جائز حيث أقر على شربه
وما أورده في الإستيعاب أن رجلا من الصحابة اسمه سالم حجمه صلى الله عليه وسلم ثم ازدرد دمه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أما علمت أن الدم كله حرام أي شربه غير صحيح فقد قال بعضهم هو حديث لا يعرف له إسناد فلا يعارض ما قبله على أنه يمكن أن يكون ذلك سابقا على إقراره على ذلك والله أعلم
ونزع أبو عبيدة عامر بن عبدالله الجراج رضي الله تعالى عنه إحدى الحلقتين من وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقطت ثنية أبي عبيدة ثم نزع الأخرى فسقطت ثنيته الأخرى


وقيل الذي نزعهما عقبة بن وهب بن كلدة وقيل طلحة بن عبيد الله ولعل الثلاثة عالجوا إخراجها وكان أشدهم لذلك ابو عبيدة رضي الله عنه
قال بعضهم ولما سقط مقدم أسنان أبي عبيدة صار أهتم ولم يرقط اهتم أحسن من أبي عبيدة لأن ذلك الهتم حسن فاه
وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهزيمة وقول القائل قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك قال عرفت عينيه تزهران اي تضيئان وتتوقدان من تحت المغفر وهو ما يجعل علي الراس من الزرد فناديت بأعلى صوتي يا معشر المسلمين ابشرو هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إلي أن أنصت
وعن بعض الصحابة قال لما صرخ الشيطان قتل محمد لم يشك في أنه حق وما زلنا كذلك حتي طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين السعديين فعرفناه بتكفيه إذا مشي ففرحنا حتى كأنه لم يصبنا ما أصابنا فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به ونهزظ معهم نحو الشعب فيهم أبو بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير والحارث ابن الصمة رضي الله تعالى عنهم
وفي خصائص العشرة للزمخشري وثبت يعني الزبير رضي الله تعالى عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وبايعه على الموت هذا كلامه فليتأمل
وقول بعض الرافضة انهزم الناس كلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ممنوع وقوله وتعجبت الملائكة من شأن علي وقول جبريل عليه السلام وهو يعرج إلى السماء لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي قوله وقتل علي كرم الله وجهه أكثر المشركين في هذه الغزوة فكان الفتح فيها على يديه وقال أصابتني يوم أحد ست عشرة ضربة سقطت إلى الأرض في اربع منهن فجاءني رجل حسن الوجه حسن اللحية طيب الريح وأخذ بضبعي فأقامني ثم قال أقبل عليهم فقاتل في طاعة الله وطاعة رسول الله فإنهما عنك راضيان
ولما أخربت النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا علي أما تعرف الرجل فقلت لا ولكن شبهته بدحية الكلبي فقال صلى الله عليه وسلم يا علي أقر الله عينك فإنه جبريل عليه السلام جميعه رده الإمام أبو العباس بن تيمية بأنه كذب باتفاق الناس وبين ذلك بما يطول


قال وأقبل عثمان بن عبد الله بن المغيرة على فرس أبلق وعليه لامة كاملة قاصدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوجه للشعب وهو يقول لا نجوت إن نجا فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعثر بعثمان فرسه في بعض تلك الحفر ومشى إليه الحارث بن الصمة رضي الله تعالى عنه فاصطدما ساعة بسيفهما ثم ضربه الحارث على رجله فبرك ودفف عليه وأخذ درعه ومغفرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي أحانه أي أهلكه
وأقبل عبيد الله بن جابر العامري يعدو فضرب الحارث على عاتقه فجرحه فاحتمله أصحابه ووثب أبو دجانة رضي الله تعالى عنه إلى عبيد الله فذبحه بالسيف ولحق برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى
ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فم الشعب خرج علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حتى ملأ درقته ماء وغسل به صلى الله عليه وسلم عن وجهه الشريف الدم وهو يقول اشتد غضب الله علي من أدمي وجه نبيه أي والسياق يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك ايضا بعد قوله كيف يفلح قوما خضبوا وجه نبيهم ونزول تلك الآية فإن ذلك كان قبل غسل وجهه الشريف
ثم قال اراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلو الصخرة التي في الشعب فلما ذهب ينهض لم يستطع أي لأنه صلى الله عليه وسلم ضعف من كثرة ما خرج من دم رأسه الشريف وجهه مع كونه صلى الله عليه وسلم عليه درعان فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض به حتى استوى عليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب طلحة أي فعل شيئا ستوجب به الجنة حين صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع انتهى
أي وقيل أن طلحة ى رضي الله تعالى عنه كان في مشيه اختلاف لعرج كان به فلما حمل النبي صلى الله عليه وسلم تكلف استقامة المشي لئلا يشق عليه صلى الله عليه وسلم فذهب عرجه ولم يعد إليه
وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم انطلق حتى أتى اصحاب الصخرة أي الجماعة الذين من الصحابة الذين علوا الصخرة أي التي في الشعب فلما رأوه وضع رجل سهما في قوسه واراد أن يرميه فقال صلى الله عليه وسلم أنا رسول الله ففرحوا بذلك وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وجد في أصحابه من يمنع أي ولعل هذا الذي أراد رميه صلى الله عليه وسلم لم يعرفه ولا من معه من الصحابة لارتفاع الصخرة


قال وعطش صلى الله عليه وسلم عطشا شديدا أي ولم يشرب من الماء الذي جاء به علي كرم الله وجهه في درقته أنه صلى الله عليه وسلم وجدله ريحا فعافه أي كرهه فخرج محمد بن مسلم رضي الله تعالى عنه يطلب له ماء فلم يجد فذهب إلى مياه فأتى منها بماء عذب فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا له بخير
وفي بعض الروايات أن نساء المدينة خرجن وفيهن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم فلما لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتنقته وجعلت تغسل جراحاته وعلى كرم الله وجهه يسكب الماء فتزايد الدم فلما رأت ذلك أخذت شيئا من حصير أي معمول من البردى فأحرقته بالنار حتى فصار رمادا فأخذت ذلك الرماد وكمدته حتى لصق بالجرح فاستمسك الدم انتهى أي لأن البرد له فعل قوي في حبس الدم لأن فيه تجفيفا قويا
وفي حديث غريب أنه صلى الله عليه وسلم داوى جرحه بعظم بال أي محرق
وقد يقال يجوز أن يكون الراوي ظن ذلك البردى المحرق عظما محرقا بناء على صحة تلك الرواية وعن وضع هذا الرماد الحار عبر بعضهم بأنه صلى الله عليه وسلم اكتوى في وجهه وجعله معارضا للحديث الصحيح في وصف السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة من غير حساب بأنهم لا يكتوون
وعارضه أيضا بأنه صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ مرتين ليرقأ اي ينقطع الدم من جرحه وكوى أسعد بن زرارة رضي الله تعالى عنه لمرض الذبحة
ففي كلام بعضهم كان موت أسعد بن زرارة رضي الله تعالى عنه بمرض يقال له الذبحة فكواه النبي صلى الله عليه وسلم وقال بئس الميتة لليهود يقولون أفلا دفع عن صاحبه وما أملك له ولا لنفسي شيئا
وأجيب بأن هذا الحديث محمول على من اكتوى خوفا من حدوث الداء أو لأنهم كانوا يعظمون أمره ويرون أنه يقطع الداء وإذا لم يكوى العضو عطب وبطل وهو محمل قوله صلى الله عليه وسلم لم يتوكل من اكتوى أو على من يفعل مع قيام غيره من الأدوية مقامه
ومحمل ما في الخصائص الكبرى أن الملائكة كانت تصافح عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه وتسلم عليه من جانب بيته ثلاثين سنة حتى اكتوى اي لبواسير كانت به فكان يصبر

على ألمها فلما ترك الكي عادت الملائكة إلى سلامها عليه لأن ذلك قادح في التوكل
وما في البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الشفاء في ثلاثة شربة عسل شرطة محجم وكية نار وأنا أنهى أمتي عن الكي وفي رواية وما أحب أن أكتوي اي النهي للتنزيه لا للتحريم وإلا لم يفعله عمران مع علمه بالنهي
قال في الهدى وأراد صلى الله عليه وسلم بقوله وأنا أنهى إلى آخره أي أنه لا يؤتى بالكي إلا إذا لم ينجع الدواء فلا يأتي به أولا ومن ثم آخره
قيل والفصد داخل في شرطة المحجم والحجامة في البلاد الحارة أنفع من الفصد هذا كلامه
وبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب مع اولئك النفر من أصحابه إذا علت طائفة من قريش الجبل معهم خالد بن الوليد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إنهم لا ينبغي لهم أن يعلونا اللهم لا قوة لنا إلا بك فقاتلهم عمر بن الخطاب وجماعة من المهاجرين حتى أهبطوا من ا لجبل أي ونزل قوله تعالى { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون } في لا تضعفوا عن الحرب ولا تحزنوا على ما فاتكم من الظفر بالكفار
وللعل هذا كان قبل أن يعلو صلى الله عليه وسلم الصخرة كما تقدم أو لعل الجبل كان اعلى من تلك الصخرة
قال وفي بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم قال لسعد ارددهم قال كيف أردهم وحدي فقال له ارددهم قال سعد رضي الله تعالى عنه فأخذت سهما من كنانتي فرميت به رجلا منهم فقتلته ثم أخذت سهما فإذا هو سهمي الذي رميت به آخر فقتلته ثم أخذت سهما آخر فإذا هو سهمي الذي رميت به فرميت به آخر فقتلته ثم أخذت سهما فإذا هو سهمي الذي رميت به فرميت به آخر فقتلته فهبطوا من مكانهم فقلت هذا سهم مبارك فكان عندي في كنانتي لا يفارق كنانتي وكان بعده عند بنيه انتهى
أي وحينئذ يحتاج إلى الجمع بين هذا أي كون سعد ردهم وحده بهذا السهم وما قبله الدال على أن الراد لهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وجماعة من المهاجرين
روى عنه أنه قال لقد رأيتني أرمي بالسهم يوم أحد فيرده على رجل أبيض حسن

الوجه لا اعرفه حتى كان بعد أي حتى بعد انقضاء الحرب لم أعرفه فظننت أنه ملك أي وفي رواية عنه أنه قال رميت بسهم فرده علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهمي أعرفه حتى واليت بين ثمانية أو تسعة كل ذلك يرده علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت هذا سهم دم أي يصيب فجعلته في كنانتي لا يفارقني
أقول ولا منافاة بين هذا وبين قوله ثم أخذت سهما لان قوله المذكور لا ينافي أن يكون أخذه بمناولته صلى الله عليه وسلم لا من كنانته كما قد يتبادر ولا بين قوله فيرده علي رجل أبيض حسن الوجه لا أعرفه لأنه يجوز أن يكون ذلك الرجل كان يرد السهام التي كان يرمى بها حتى لا تفنى سهامه إلا هذا السهم فإنه لم يرده له بل يناوله له رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرده عليه ولا منافاة بين قوله حتى وليت بين ثمانية أو تسعة وبين إخباره بقوله ثم أخذت سهما إلى أن عدد خمس مرات لأنه يجوز أن تكون تلك الخمسة قتل فيها وفيما زاد لم يقتل بل جرح فليتأمل والله أعلم
وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر ذلك اليوم وهو جالس من الجراحة التي أصابته وصلى المسلمون خلفه قعودا أي ولعل ذلك كان بعد انصراف عدوهم وإنما صلى المسلمون خلفه صلى الله عليه وسلم قعودا موافقة له صلى الله عليه وسلم وقد نسخ ذلك
أو أن من صلى قاعدا إنما هو لما اصابهم من الجراح وكانوا هم الأغلب فقيل صلى المسلمون خلفه قعودا فقد جاء أنه وجد بطلحة رضي الله تعالى عنه نيف وسبعون جراحه من طعنة وضربة ورمية وقطعت أصبعه وفي رواية أنامله وعند ذلك قال حسن فقال له صلى الله عليه وسلم لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة عليهم السلام والناس ينظرون إليك حتى تلج بك في جو السماء زاد في لفظ ولرايت بناءك الذي بنى الله لك في الجنة وأنت في الدنيا
وفي البخاري عن قيس ابن أبي حازم قال رأيت يد طلحة بن عبيد الله شلاء وقي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أي من سهم وقيل من حربة ونزف به الدم حتى غشي عليه ونضح أبو بكر رضي الله تعالى عنه الماء في وجهه حتى افاق فقال ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر هو بخير وهو أرسلني إليك فقال الحمد لله كل مصيبة بعده جلل أي قليلة


وكان يقال لطلحة رضي الله تعالى عنه الفياض سماه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة العشيرة كما تقدم وسماه طلحة الجود في أحد لأنه أنفق في أحد سبعمائة ألف درهم وسماه في أحد ايضا طلحة الخير
وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه أصيب فوه فهتم وجرح عشرين جراحة قال وفي رواية عشرين جراحة فأكثر وجرح في رجله فكان يعرج منها
وأصاب كعب ابن مالك رضي الله تعالى عنه سبعة عشر جراحه وفي رواية عشرون جراحه قال عاصم ابن عمر ابن قتادة كان عندنا رجل غريب لا ندري ممن هو أي يظهر الإسلام يقال له قزمان وكان ذا بأس وقوة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر يقول إنه لمن أهل النار فلما كان يوم أحد قاتل قزمان قتالا شديدا أي فكان أول من رمى من المسلمين بسهم وكان يرمي النبال كأنها الرمال ثم فعل بالسيف الأفاعيل فكان يكت كتيت الجمل وقتل ثمانية أو تسعة من المشركين ولما أخبر صلى الله عليه وسلم بذلك قال إنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك وأثبتته الجراحه فاحتمل إلى دار بني ظفر لأنه كان حليفا لهم فجعل رجال من المسلمين يقولون والله لقد ابتليت اليوم يا قزمان فأبشر فيقول بماذا ابشر فوالله ما قاتلت إلا على أحساب قومي أي على شرفهم ومفاخرهم أي مناصرة لهم ولولا ذلك ما قاتلت أي فلم يقاتل لإعلاء كلمة الله ورسوله وقهر اعدائهما
أي وفي رواية أن قتادة رضي الله تعالى عنه قال له هنيئا لك الشهادة يا أبا الغيداق فقال إني والله ما قاتلت يا أبا عمرو على دين ما قاتلت إلا على الحفاظ أن تسير إلينا قريش حتى تطأ أرضنا فلما اشتدت عليه الجراحه أخذ سهما من كنانته فقتل به نفسه أي قطع به عروقا في باطن الذراع يقال لها الزواهق أي وفي رواية فجعل ذباب سيفه في صدره أي بين ثدييه كما في رواية ثم تحامل عليه حتى قتل نفسه قال في النور وهو الصحيح ولا مانع أن يكون فعل كلا من الامرين أي وعند ذلك جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وما ذاك قال الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أصحاب النار فعل كذا وكذا
وقد جاء سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء أي ذلك في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقاتل

لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله فنص عليه وحينئذ قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة
ففيه اشارة إلى أن باطن الامر قد يكون بخلاف ظاهره وقال صلى الله عليه وسلم إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر أي وقد أشار إلى هذا الإمام السبكي رحمه الله تعالى في تائيته بقوله ** وقلت لشخص يدعي الدين إنه ** بنار فالقى نفسه للمنية **
هذا وفي كلام ابن الجوزي عن ابي هريرة رضي الله تعالى عنه قال شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فقال لرجل ممن يدعي الإسلام هذا من أهل النار فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالا شديدا فأصابته جراحة فقيل يا رسول الله الرجل الذي قلت إنه من أهل النار فإنه قاتل اليوم قتالا شديدا وقد مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم كما قال إلى النار ثم قيل إنه لم يمت ولكن به جراحة شديدة فلما كان من الليل لم يصبر على الجراحة فقتل نفسه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله فأمر بلالا فنادى في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلم وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وهذا الرجل اسمه قزمان من المنافقين هذا كلامه فليتأمل فإن تعدد الشخص بهذا الاسم فيه بعد ولعل ذكر خيبر بدل أحد اشتباه من الراوي وقوله صلى الله عليه وسلم إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر عام فيدخل فيه كل من الملك والعالم الذي جعل تسليكه وتعليمه مصيدة للدنيا وأكل الحرام فإن الله يحيي بهما قلوبا ويهدي بهما إلى سواء السبيل مع أنهما فاجران
وقتل الأصيرم أصيرم بني عبد الأشهل قال بعضهم كان الأصيرم يأبى الإسلام على قومه بني عبد الأشهل فلما كان يوم خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد جاء إلى المدينة فسأل عن قومه فقيل له بأحد فبدا له في الإسلام أي رغب فيه فأسلم ثم أخذ سيفه ورمحه ولأمته وركب فرسه فغدا بالغين المعجمة حتى دخل في عرض الناس أي بضم العين المهملة وبالضاء المعجمة جانبهم وناحيتهم فقاتل حتى أثبتته الجراحة أصابت مقاتله فبينما رجال من بني عبد الاشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به فقالوا والله إن هذا الأصيرم فسألوه ما جاء بك مناصرة لقومك أم رغبة في الإسلام

فقال بل رغبة في الإسلام آمنت بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم ثم جئت وقاتلت حتى اصابني ما أصابني ثم لم يلبث أن مات في ايديهم فذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه لمن أهل الجنة وكان أبو هريرة يقول حدثني عن رجل دخل الجنة ولم يصل يعني الأصيرم ويصدق على هذا قوله عليه الصلاة والسلام وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار الحديث
أي وممن يدخل الجنة ولم يصل الأسود الراعي لبعض يهود خيبر الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله أعرض علي الإسلام فعرضه عليه فأسلم ثم تقدم ليقاتل فأصابه حجر فقتله وما صلى صلاة قط كما سيأتي في غزاة خيبر
وقتل حنظلة بن أبي عامر الفاسق رضي الله تعالى عنه وأبو عامر هذا هو الذي كان يسمى في الجاهلية الراهب فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق كما تقدم وكان هو وعبد الله بن أبي بن سلول من رؤوس أهل المدينة وعظمائها المتوجين للرياسة على أهلها
وكان أبو عامر من الاوس ويقال له ابن صيفي وكان عبد الله من الخزرج فعبد الله بن أبي أظهر الإسلام وأما ابو عامر فأصر على الكفر إلى ان مات طريدا وحيدا إجابة لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث دعا عليه بذلك وإلى ذلك أشار الإمام السبكي رحمه الله في تائيته بقوله ** ومات ابن صيفي على الصفة التي ** ذكرت وحيدا بعد طرد وغربة **
وقد كان أبو عامر هذا خرج من المدينة مباعدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه خمسون غلاما وقيل خمسة عشر من قومه من الأوس فلحق بمكة وكان يعد قريشا أنه لو لقي قومه أي الأوس لم يختلف عليه منهم رجلان فلما جاء مع قريش نادى يا معشر الأوس أنا أبو عامر وقالوا له لا انعم الله بك عينا يا فاسق أي وفي لفظ قالوا له لا مرحبا بك ولا أهلا يا فاسق ولا مانع من صدور الأمرين منهم فلما سمع ردهم عليه قال لعنه الله لقد أصاب قومي بعدي شر ثم قاتل قتالا شديدا وهو الذي حفر الحفائر ليقع فيها المسلمون وهم لا يعلمون التي وقع في إحداها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم أي وكان هو أول من اثار الحرب وضرب بأسهم في وجوه المسلمين واستأذن ولده حنظلة رضي الله تعالى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله فنهاه عن قتله

وسبب قتل حنظلة رضي الله تعالى عنه أن حنظلة ضرب فرس أبي سفيان فوقع على الأرض فصاح وعلاه حنظلة رضي الله تعالى عنه يريد ذبحه فرآه شداد بن الأوس كذا في الأصل قيل وصوابه شداد بن الاسود فحمل عليه فقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن صاحبكم يعني حنظلة لتغسله الملائكة أي وفي رواية رأيت الملائكة تغسل حنظلة بين السماء والأرض بماء المزن في صحاف الفضة فسئلت صاحبته أي زوجته وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين أخت ولده عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقالت خرج جنبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك غسلته الملائكة فأنه دخل عليها عروسا تلك الليلة التي صبيحتها أحد وقد كان استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك أي في الدخول بها فلما صلى الصبح غدا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلزمته فكان معها فأجنب منها ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج إلى العدو فعجل عن الغسل إجابة للداعي
وفي رواية أنما قالت خرج وهو جنب حين سمع الهاتفه أي الصياح بالخروج للعدو وفي لفظ الهائعة وفي لفظ الهيعة من الهياع وهو الصياح الذي فيه فزع وقد جاء في الحديث خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه فلما سمع هيعة طار إليها
وفي رواية وقد كان غسل أحد شقيه فخرج ولم يغسل الشق الآخر وقد رأت هي تلك الليلة أن السماء قد فرجت فدخل فيها ثم أطبقت وجاءأنها أشهدت أربعة من قومها عليه بالدخول بها خشية أن يكون في ذلك نزاع قالت لأني رايت السماء فرجت فدخل فيها ثم أطبقت فقلت هذه الشهادة وعلقت منه بعبد الله بن حنظلة رضي الله تعالى عنه في تلك الليلة وعبد الله هذا هو الذي ولاه أهل المدينة عليهم لما خلعوا يزيد بن معاوية وكان ذلك سببا لوقعة الحرة ولم تمثل قريش بحنظلة رضي الله تعالى عنه لكون والده معهم الذي هو أبو عامرالراهب لعنه الله
وفي الإمتاع وجعل أبو قتادة الأنصاري يريد التمثيل من قريش لما رأى من المثلة بالمسلمين فقال له صلى الله عليه وسلم يا أنا قتادة إن قريشا أهل أمانة من بغاهم العواثر أكبه الله تعالى إلى فيه وعسى إن طالت بك مدة أن تحقر عملك مع أعمالهم وفعالك مع فعالهم لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله فقال أبو قتادة والله يا رسول الله ما غضبت إلالله ورسوله فقال صدقت بئس القوم كانوا لنبيهم قال وجاء

أنه صلى الله عليه وسلم هم أن يدعو عليهم فنزلت الآية المذكورة أي { ليس لك من الأمر شيء } فكف عن الدعاء عليهم أي وفيه أنها نزلت بعد قوله اللهم العن فلانا وفلانا إلى آخرما تقدم عن بعض الروايات إلا أن يقال أراد صلى الله عليه وسلم المداومة على الدعاء عليهم وعن أبي سعيد الساعدي قال ذهبنا إلى حنظلة رضي الله تعالى عنه فإذا رأسه يقطر ماء انتهى
أي فعلم أنه لا منافاة بين كونه صلى الله عليه وسلم دعا عليهم وبين كونه هم بالدعاء عليهم لأنه يجوز أن يكون المراد هم بتكرير الدعاء عليهم وفي البخاري ومسلم والنسائي عن جاء رضي الله تعالى عنه قال قال رجل يوم أحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن قتلت فاين انا قال في الجنة فألقى تمرات كن في يده فقاتل حتى قتل قال في طرح التثريب قال الخطيب كانت هذه القصة يوم بدر لا يوم أحد فأشار إلى تضعيف رواية الصحيحين التي فيها يوم أحد ولا توجيه لذلك بل التضعيف تفسير هذه بهذه أي جعلهما قصة واحدة وكل منهما صحيحة وهما قصتان لشخصين هذا كلامه وقد تقدم في غزاة بدر الحوالة على هذا فليتأمل أي وأقبل رجل من المشركين مقنعا بالحديد يقول أنا ابن عويف فتلقاه رشيد الأنصاري الفارسي فضربه على عاتقه فقطع الدرع وقال خذها وأنا الغلام الفارسي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرى ذلك ويسمعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلا قلت خذها وأنا الغلام الأنصاري فعرض لرشيد أخو ذلك المقتول بعد وكأنه كلب وهو يقول أنا ابن عويف فضربه رشيد على رأسه وعليه المغفر ففلق رأسه وقال خذها وأنا الغلام الأنصاري فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أحسنت ] يا أبا عبد الله وكان يومئذ لا ولد له
وقتل عمرو بن الجموح رضي الله تعالى عنه وكان أعرج شديد العرج وكان له بنون أربعة مثل الاسد يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد فلما كان يوم أحد ارادوا حبسه وقالوا له قد عذرك الله فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن بني يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك فوالله إني أريد أن أطأ بعرجتي هذه الجنة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنت فقد أعذرك الله فلا جهاد عليك وقال لبنيه ما عليكم أن لا تمنعوه لعل الله يرزقه الشهادة فأخذ سلاحه وخرج واقبل على القبلة وقال اللهم ارزقني الشهادة ولا تردني خائبا إلى أهلي فقتل فقال رسول الله صلى الله

عليه وسلم والذي نفسي بيده إن منكم من لو أقسم على الله لأبره منهم عمرو بن الجموح ولقد رأيته يطأ في الجنة بعرجته أي كشف له عن حاله يوم القيامة اي وفي رواية أنه قال يا رسول الله أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة
أقول لكن يمكن الجمع بانه في أول دخوله الجنة يطؤها برجله غير صحيحة ثم تصير صحيحة وعمرو بن الجموح رضي الله تعالى عنه كان في الجاهلية على أصنامهم اي سادنا لها وكان في الاسلام يولم عنه صلى الله عليه وسلم إذا تزوج
وقد وقع منه صلى الله عليه وسلم مثل ذلك لأنس بن النضر عم أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لما كسرت اخته الربيع ثنية جارية من الأنصار فطلب أهلها القصاص وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكسر ثنية الربيع قال أخوها أنس المذكور والله لا تكسر ثنية الربيع وصار كلما يقول صلى الله عليه وسلم كتاب الله القصاص يقول والله لا تكسر ثنية الربيع فرضي القوم بالأرش فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لابره وقال صلى الله عليه وسلم ذلك في حق البراء بن مالك أخي أنس بن مالك رضي الله عنهما فعن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رب أشعث أغبر لا يؤبه به لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك ومصداق ذلك ما وقع له رضي الله تعالى عنه في مقاتلة الفرس فإن الفرس غلبوا المسلمين فقالوا له يا براء أقسم على ربك فقال أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم فحمل رضي الله تعالى عنه وحمل المسلمون معه فقتل عظيم الفرس وانهزم الفرس ثم قتل البراء رضي الله تعالى عنه
ومما وقع أنه كان مع أخيه أنس رضي الله تعالى عنه عند بعض حصون العدو بالعراق وكانوا يلقون كلاليب معلقة في سلاسل محماة يخطفون بها الانسان فكان من جملة من خطف أنس رضي الله تعالى عنه فأقبل البراء رضي الله تعالى عنه وصعد محلا عاليا وأمسك السلسلة بيده ولا زال حتى قطع السلسلة ثم نظر الى يده فإذا عظمها يلوح ليس عليه لحم ونجى الله أنسا رضي الله تعالى عنه بذلك وقال صلى الله عليه وسلم ما تقدم في حق أويس القرني رضي الله تعالى عنه


فعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن خير التابعين رجل يقال له أويس بن عامر القرني فمن لقيه منكم فمروه أن يستغفر لكم وفي رواية خطابا لعمر رضي الله عنه يأتي عليك أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن كان به برص فبرىء منه إلا موضع درهم له أم هو بها بار لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل والله أعلم
وقتل أيضا أحد بني عمرو بن الجموح وهوخلاد رضي الله تعالى عنه وقتل أخو زوجته هند بنت حزام وهو عبد الله والد جابر رضى الله عنه فحملتهم هند على بعير لها تريد أن تدفنهم في المدينة فلقيتها عائشة رضي الله عنها وقد خرجت فى نسوة يستروحن الخبر فقالت لها عائشة رضي الله عنها جاء خبر الجيش فقالت اما رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالح وكل مصيبة بعده جلل واتخذ الله من المؤمنين شهداء ثم قالت لها من هؤلاء قالت أخي عبدالله وابني خلاد وزوجي عمرو بن الجموح رضي الله عنهم فبرك بهم البعير وصار كلما توجه إلي المدينة يبرك وإن وجه إلي أرض أحد نزع فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته فقال إن الجمل مأمور فقبرهم بأحد وقال صلى الله عليه وسلم لهند يا هند ما زالت الملائكة مظلة على أخيك من لدن قتل إلى الساعة ينظرون اين يدفن ولعل هذا كان قبل ان ينادى برد القتلى إلى مضاجعهم قال جابر رضي الله عنه كان ابي أول قتيل للمسلمين قتله ابو الأعور السلمي
وفي الصحيح أن عائشة رضي الله عنها وام سليم كانا يسقيان الناس يفرغان من القرب في أفواه القوم
أى ولا مخالفة لأنه يجوز أن يكون ذلك شان عائشة بعد وصولها لاحد اى وقد كان صلى الله عليه وسلم خلف اليمان والد حذيفة وثابت بن وقس في الاطام مع النساء والصبيان لأنهما كانا شيخين كبيرين فقال احدهما لصاحبه لا أبالك ما ننتظر فوالله إن بقي لواحد منا في عمره إلا ظمء حمار أفلا ناخذ أسيافنا ثم نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله يرزقنا الشهادة فاخذ أسيافهم ثم خرجا حتى دخلا فى الناس من جهة المشركين ولم يعلم المسلمون بهما فأما ثابت فقتله المشركون وأما المان فاختلف عليه أسياف المسلمين فقتلوه ولم يعرفوه
وذكر السهيلي أن في تفسير ابن عباس رضي الله عنهما أن الذي قتله خطا هو عتبة

ابن مسعود أخو عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وعتبة هو اول من سمي المصحف مصحفا وعند ذلك قال حذيفة أبي فقالوا ما عرفناه فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يديه فتصدق حذيفة رضي الله تعالى عنه بديته على المسلمين فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا واسم اليمان حسيل وقيل له اليمان لأنه نسب إلى جده اليمان بن الحارث وقيل إنما قيل له اليمان لانه أصاب دما في قومه فهرب إلى المدينة فحالف بني الأشهل فسماه قومه اليمان لمحالفته اليمانية ية أى وهم أهل المدينة
ومما يؤثر عن حذيفة رضي الله عنه أنه قيل له من ميت الاحياء قال الذي لا ينكر المنكر بيديه ولا بلسانه ولا بقلبه
وفي الكشاف وعن حذيفة رضي الله عنه أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه وهو في صف المشركين اي قبل ان يسلم فقال صلى الله عليه وسلم له دعه يليه غيرك هذا كلامه ولم أقف على أي غزاة كان ذلك فيها وسياق ما قبله يدل على أنه كان من الأنصار كان حليفا لبني عبد الأشهل ولم يحفظ أن أحدا من الأنصار قاتله صلى الله عليه وسلم قبل الاسلام فليتأمل
ثم إن هندا زوج أبي سفيان والنسوة اللاتي خرجن معها صرن يمثلن بقتلى المسلمين يجدعن أي يقطعن من آذانهم وأنوفهم واتخذن من ذلك قلائد وبقرت أي سقت هند بطن سيدنا حمزة رضي الله عنه أخرجت كبده فلاكتها أي مضغتها فلم تستطع أن تسيغها اي تبتلعها فلفظتها اي القتها من فيها أي لآنها كانت نذرت إن قدرت على حمزة رضي الله عنه لتأكلن من كبده ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها أخرجت كبد حمزة قال هل أكلت منه شيئا قالوا لا قال إن الله قد حرم على النار أن تذوق من لحم حمزة شيئا أبدا أي ولو أكلت منه أي استقر في جوفها لم تمسها النار
وفي رواية لو أدخل بطنها لم تمسها النار لأن حمزة أكرم على الله من ان يدخل شيء من جسده النار
أي ورايت في بعض السير أنها شوت منه ثم أكلت
وقد يقال لا منافاة لجواز حمل الأكل على مجرد المضغ من غير إساغة قال وفي رواية أن وحشيا هو الذي بقر بطن حمزة رضي الله تعالى عنه وأخرج كبده وجاء بها إلى هند أي وقال لها ماذا لي إن قتلت قاتل أبيك قالت سلبى فقال هذه كبد حمزة فأعطته

ثيابها وحليها ووعدته إذا وصلت إلى مكة تدفع له عشرة دنانير وجاء بها إلى مصرع حمزة رضي الله تعالى عنه فجدعت أنفه وأذنيه أي وفي لفظ فقطعت مذاكيره جدعت أنفه وقطعت أذنيه ثم جعلت ذلك كالسوار في يديها وقلائد في عنقها واستمرت كذلك حتى قدمت مكة
وفي النهر لأبي حيان أن وحشيا جعل له على قتل حمزة أن يعتق فلم يوف له بذلك فندم على ما صنع
ثم أن هندا علت على صخرة مشرفة فصرخت بأعلى صوتها وأنشدت أبياتا ثم إن زوجها أبا سفيان أشرف على الجبل كذا في البخارى أنه اشرف وفي رواية كان بأسفل الجبل
وقد يقال لا مخالفة لجواز وقوع الامرين معا ثم صرخ بأعلى صوته أنعمت فعال إن الحرب سجال أي ومعنى سجال مرة لنا ومرة علينا يوم أحد بيوم بدر وأنعمت بكسر التاء خطابا لنفسه أو للأزلام لأنه استقسم بها عند خروجه إلى أحد فخرج الذي يحب وهو افعل والفاء من فعال مفتوحة وليست من أبنية الكلمة وهي أمر أي ارتفع عن لومها أي النفس أو الأزلام يقال عال عني أي ارتفع عني ودعني أي وزاد في لفظ يوم لنا ويوم علينا ويوم نساء ويوم نسر حنظلة بحنظلة وفلان بفلان
أي وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم قال الحرب سجال وقد قال تعالى { إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس } وقد نزل ذلك في قصة أحد باتفاق
ثم قال أبو سفيان إنكم ستجدون في القوم وفي رواية في قتلاكم مثله لم آمر بها ولم تسرني وفي رواية والله ما رضيت وما سخطت وما امرت وما نهيت وفي لفظ ما أمرت ولا نهيت ولا احببت ولا كرهت ولا ساءني ولا سرني أي وفي لفظ إما أنكم ستجدون في قتلاكم مثلا ولم تكن عن رأي سراتنا ثم أدركته حمية الجاهلية فقال إماأنه إن كان كذلك لم نكرهه ومر الحليس سيد الأحابيش بأبي سفيان وهو يضرب بزج الرمح في شدق حمزة رضي الله تعالى عنه ويقول ذقه عقق أي ذق طعم مخالفتك لنا وتركك الذي كنت عليه يا عاق قومه جعل إسلامه عقوقا فقال الحليس يا بني كنانة هذا سيد

قريش يفعل بابن عمه ما ترون فقال أبو سفيان اكتمها عني فإنها زلة وقال أبو سفيان اعل هبل أي أظهر دينك أو ازدد علو فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يا عمرفأجبه فقل الله أعلى وأجل لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار فقال أبو سفيان إنكم تزعمون ذلك لقد خبنا إذن وخسرنا وهبل هذا تقدم انه صنم وتقدم الكلام عليه
ورايت في كلام الشيخ محيي الدين بن العربي رحمه الله تعالى إنه الحجر الذي يطؤه الناس في العتبة السفلى من باب بني شيبة وبلط الملوك فوقه البلاط ثم قال ابو سفيان إن لنا العزى ولا عزى لكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله مولانا ولا مولى لكم ثم قال ابو سفيان لعمر أي بعد ان قال له هلم يا عمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ائته انظر ما شأنه فجاءه فقال له أبو سفيان أشدك الله يا عمر اقتلنا محمد قال عمر رضي الله تعالى عنه لا وإنه ليسمع كلامك الآن قال انت أصدق عندي من ابن قمئة وابر أي لأنه لما قتل مصعب بن عمير ظنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال قتلت محمد كما تقدم
وفي رواية ان أبا سفيان نادى أفي القوم محمد أفي القوم محمد ثم قال ذلك ثلاثا فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه ثم قال افي القوم ابن أبي قحافة قالها ثلاثا ثم قال أفي القوم عمر قالها ثلاثا وفي رواية أين ابن أبي كبشة أين ابن أبي قحافة اين ابن الخطاب ثم أقبل على اصحابه فقال أما هؤلاء فقد قتلوا وقد كفيتموهم إذ لو كانوا أحياء لأجابوا فما ملك عمر رضي الله تعالى عنه نفسه أن قال كذبت والله يا عدو الله إن الذي عددت لاحياء كلهم وقد بقي لك ما يسوؤك ثم نادى ابو سفيان إن موعدكم بدر العام المقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من أصحابه قل نعم بيننا وبينكم موعد
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وقيل سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه فقال اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وماذا يريدون فإن كانوا قد جنبوا الخيل أي وجعلوها منقادة بجانبهم وامتطوا لأبل أي ركبوا مطاها أي ظهورها لأن المطا الظهرفإنهم يريدون مكة وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة والذي نفسي بيده إن أرادوها لأسيرن إليهم فيها

ثم لأناجزهم قال علي كرم الله وجهه أو سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون فجنبوا الخيل وامتطوا الإبل وتوجهوا إلى مكة أي بعد ان تشاوروا في نهت المدينة فأشار عليهم صفوان بن أمية أن لا تفعلوا اي وقال لهم فإنكم لا تدرون ما يفشاكم وفزع الناس لقتلاهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل من رجل ينظر إلى ما فعل سعد بن الربيع أفي الأحياء هو ام في الأموات اي زاد في رواية فإني رايت الأسنة قد أشرعت إليه فقال رجل من الأنصار أي وهو أبي بن كعب وقيل محمد بن مسلمة وقيل زيد بن حارثة وقيل غير ذلك ويجوز أن يكون أرسلهم كلهم قال انا أنظر لك يا رسول الله أي وفي رواية قال للمرسل إن رايت سعد بن الربيع فاقره مني السلام وقل له يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تجدك فنظر فوجد جريحا به رمق أي بقية روح فقال له إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات فقال أنا في الأموات قد طعنت اثنتي عشرة طعنة واني قد أنفذت مقاتلي فأبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عني السلام وقل له إن سعد بن الربيع يقول لك جزاك الله عنا خيرا ما جزي نبيا عن أمته وأبلغ قومك عني السلام وقل لهم إن سعدبن الربيع يقول لكم لأعذر لكم عند الله أن يخلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف وفي رواية شفر يطرف أي يتحرك قال ثم لم أبرح حتى مات فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبره أي وفي رواية أنه رأى الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور بين القتلى فقال له ما شأنك قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لآتيه بخبرك فاذهب إليه الحديث
وفي رواية ان محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه نادى في القتلى يا سعد بن الربيع مرة بعد أخرى فلم يجبه حتى قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني أنظر ما صنعت فأجابه بصوت ضعيف الحديث اي وفي رواية اقرأ على قومي مني السلام وقل لهم يقول لكم سعد بن الربيع الله الله وما عاهدتم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة فوالله ما لكم عند الله عذر الحديث وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمه الله نصح لله ولرسوله حيا وميتا وخلف بنتين فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم من ميراثه الثلثين فكان ذلك بيان المراد من الآية وهي قوله تعالى { فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك }

وفي ذلك نزلت أي اثنتان فما فوقهما أي وحينئذ إذن لا يحتاج إلى قياس البنتين على الأختين بجامع أن للواحدة منهما النصف
ودخلت بنت له على أبي بكر رضي الله تعالى عنه فألقى لها رداءه لتجلس عليه فدخل عمر رضي الله تعالى عنه فسأله عنها فقال هذه ابنة من هو خير مني ومنك قال ومن هو يا خليفة رسول الله قال رجل تبوأ مقعده من الجنة وبقيت أنا وأنت هذه ابنة سعد ابن الربيع رضي الله تعالى عنه
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه فقال له رجل رايته بتلك الصخرات وهو يقول أنا أسد الله واسد رسوله اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء النفر أبو سفيان وأصحابه واعتذر إليك مما صنع هؤلاء بانهزامهم وهذا الدعاء نقل عن انس بن النضر عم انس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم فإنه غاب عن بدر فشق عليه ذلك فلما كان يوم أحد ورأى انهزام المسلمين أي وكان قد قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إني غبت عن أول قتال وقع قاتلت فيه المشركين والله لأن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما اصنع فقال اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني أصحابه وأبرأ إليك مما فعل هؤلاء يعني المشركين ولما سمع قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما تصنعون بالحياة بعده موتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استقبل القوم أي وقال لسعد بن معاذ هذه الجنة ورب الكعبة أجد ريحها دون أحد وقاتل رضي الله تعالى عنه حتى قتل أي ووجدوا فيه بضعا وثمانين جراحة ما بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ولما قتل مثل به المشركون فما عرفته أخته الربيع إلا ببنانه
قال ابن أخيه أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه لما نزل قوله تعالى { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } الآية قلنا ان هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه من المؤمنين رضي الله تعالى عنه
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو حمزة فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه ومثل به فجدع أنفه وأذناه أي وقطعت مذاكيره فنظر صلى الله عليه وسلم إلى شيء لم ينظر إلى شيء قط كان أوجع لقلبه منه أي وقال لن أصاب بمثلك ما وقفت موقفا إغيظ لي من هذا وقال رحمة الله عليك فإنك كنت ما علمتك مفعولا للخيرات وصولا

للرحم أما والله لأمثلن بسبعين وفي رواية بثلاثين رجل منهم مكانك وفي رواية لأن ظفرني الله تعالى بقريش في موطن من المواطن لأمثلن بسبعين منهم مكانك ولما رأى المسلمون جذع رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمه قالوا لأن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما إن الله تعالى أنزل في ذلك { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله } الآية فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبر ونهى عن المثلة وكفر عن يمينه وكان نزول هذه الآيات بعد أن مثل صلى الله عليه وسلم بالعرنيين وستأتي قصتهم في السرايا
واعترضه ابن كثير رحمه الله بأن هذه الآيات مكية وقصة أحد في المدينة بعد الهجرة بثلاث سنوات فكيف يلتئم هذا مع هذا هذا كلامه
وقد يقال يجوز أن يكون ذلك مما تكرر نزوله فليتأمل وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ما راينا رسول الله صلى الله عليه وسلم باكيا أشد من بكائه على حمزة رضي الله تعالى عنه وضعه في القبلة ثم وقف على جنازته وانتحب حتى نشق أي شهق حتى بلغ به الغشى يقول يا عم رسول الله واسد الله واسد رسول الله يا حمزة يا فاعل الخيرات يا حمزة يا كاشف الكربات يا حمزة يا ذاب أي بالذال المعجمة يا مانع عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قال ذلك لا مع البكاء فلا يقال هذا من الندب المحرم وهو تعديد محاسن الميت لأن ذلك مخصوص بما إذا قارنه البكاء وليس من نعى الجاهلية المكروه وهو النداء بذكر محاسن الميت على ان النداء بذلك محل كراهته إذا كان على وجه التفاخر والتعاظم ولم يكن وصفا لنحو صالح للحث على سلوك طريقته
وقال صلى الله عليه وسلم جاءني جبريل عليه السلام وأخبرني بأن حمزة مكتوب في أهل السموات السبع حمزة بن عبد المطلب أسد الله واسد رسوله وأمر صلى الله عليه وسلم الزبير رضي الله تعالى عنه أن يرجع أمه صفية أخت حمزة رضي الله تعالى عنها عن رؤيته فقال لها يا أمه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي فدفعت في صدره قالت لم وقد بلغني أنه مثل بأخي وذلك في الله فما أرضاني بما كان في الله من ذلك أي أنا أشد رضا بذلك من غيري لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله تعالى فجاء الزبير

رضي الله تعالى عنه فأخبره صلى الله عليه وسلم بذلك فقال خلي سبيلها فجاءت واسترجعت واستغفرت له
وفي رواية إن صفية لقيت عليا والزبير رضي الله تعالى عنهما فقالت لهما ما فعل حمزة فارياها أنهمالا يدريان أي رحمة بها فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني اخاف على عقلها فوضع صلى الله عليه وسلم يده الشريفة على صدرها ودعا لها فاسترجعت وبكت أي لما راته أي وفي رواية لما منعها علي والزبير رضي الله تعالى عنهما قالت لا ارجع حتى أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأته قالت يا رسول الله أين ابن أمي حمزة قال صلى الله عليه وسلم هو في الناس قالت لا ارجع حتى أنظر إليه فجعل الزبير رضي الله تعالى عنه يحبسها فقال صلى الله عليه وسلم دعها فلما رأته بكت وصارت كلما بكت بكى صلى الله عليه وسلم ثم امر به فسجى ببردة وفي رواية قال الأكفن فقام رجل من الانصار فرمى بثوبه عليه ثم قام آخر فرمى بثوبه عليه فقال صلى الله عليه وسلم يا جابر هذا الثوب لابيك وهذا لعمي وهذا يدل على أن والد جابر رضي الله تعالى عنهما استمر لم يقبر إلى ذلك الوقت وهو خلاف ظاهر سياق ما تقدم
وفي رواية وجاءت صفية معها بثوبين لحمزة فكان أحدهما لحمزة والآخر لرجل من الأنصار ولعله والد جابر رضي الله تعالى عنهما ولعله لما جاءت صفية بالثوبين جعل صلى الله عليه وسلم أحدهما لحمزة والآخر لوالد جاء وترك ثوبي الرجلين
وفي رواية كفن حمزة رضي الله تعالى عنه بنمرة كانوا إذا مدوها على رأسه انكشفت رجلاه وإن مدوها عرى على رجليه انكشفت رأسه فمدوها على رأسه وجعلوا على رجليه الإذخر وفي لفك لفظ الحرمل أي ويحتاج إلى الجمع بين هاتين الروايتين على تقدير صحتهما والمشهور حديث النمرة
وقد يقال إنما اختار صلى الله عليه وسلم النمرة على الثوب لأنه كان بها دم الشهادة أو أراد صلى الله عليه وسلم أن يكون لأحد على حمزة رضي الله تعالى عنه منة ويؤيد الأول ما يأتي ولم يكفنوا إلا في ثيابهم التي قتلوا فيها فليتأمل فإن السياق يقتضي أن ذلك إنما هو عن احتياج وسيأتي ما يصرح به وسيأتي ما يعارضه فليتامل
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه قال قتل مصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه يوم أحد وكفن في وبرة إن غطى بها رأسه بدت رجلاه وإن غطى بها رجلاه بدا رأسه


وفي رواية قتل مصعب بن عمير فلم يترك إلا نمرة إذا غطينا بها رجليه خرج رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه الإذخر
وكان مصعب بن عمير هذا قبل الإسلام فتى مكة شبابا وجمالا ولباسا وعطرا ولما أسلم رضي الله تعالى عنه تشعث
وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه أنه كان صائما وقد جيء له بطعامه فقال قتل مصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه وهو خير مني فلم يوجدله ما يكفن فيه إلا بردة إن غطى رأسه بدت رجلاه وإن غطيت رجلاه بدا رأسه وقد بسط لنا من الدنيا ما بسط وأعطينا من الدنيا ما أعطينا وخشيت أن أكون عجلت لنا طيباتنا في حياتنا لدنيا ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام
وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال قلت الثياب وكثرت القتلى فكان الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد ثم يدفنون في قبر واحد
وقال صلى الله عليه وسلم في حق حمزة رضي الله تعالى عنه لولا أن تجزع صفية ونساؤنا أي يتطاول جزعهن ويدوم وفي رواية لولا تجد صفية في نفسها أي يطول ذلك وتكون سنة من بعد لتركنا حمزة ولم ندفنه حتى يحشر من بطون الطير والسباع وفي رواية حتى تأكله العافية ويحشر في بطونها ليشتد غضب الله على من فعل به ذلك ثم صلى عليه فكبر أربع تكبيرات ثم أتى بالقتلى يوضعون الى جنب حمزة أي واحدا بعد واحد فيصلى على كل واحد منهم مع حمزة ثم يرفع ويؤتى بأخر فيصلى عليهم وعليه معهم حتى صلى عليه ثنتين وسبعين صلاة وفي رواية ثنتين وتسعين صلاة وهذا غريب وسبعين ضعيف
والرواية الأولى تقتضي أن جملة من قتل بأحد أثنان وسبعون والرواية الثانية تقتضي أنهم كانوا اثنين وتسعين
وقوله واحدا بعد واحد قد يخالف ما تقدم عن أنس رضي الله تعالى عنه من جعل الرجلين أو الثلاثة في كفن واحد فليتأمل
وجاء أنه كان يصلي على عشرة عشرة أي يؤتى بتسعة وحمزة عاشرهم فيصلى عليهم ثم ترفع التسعة وحمزة مكانه ويؤتى بتسعة أخرى فيوضعون الى جنب حمزة فيصلى عليهم حتى فعل ذلك سبع مرات وحينئذ يكون جملة من قتل ثلاثة

وستين وسيأتي الكلام على عدتهم وقيل كبر عليهم كبر تسعا وسبعا وخمسا أي بعد أن كبر على حمزه وحده أربعا فلا ينافي ما تقدم ولم أقف علي عدد المرات التي كبر فيها ما ذكر
وجاء ان قتلى احد لم يغسلهم ولم يصل عليهم ولم يكفنهم إلا في ثيابهم التي قتلوا فيها أى غير الجلود أخذا مما يأتي أي ولا يضر تتميم ستر بعضهم إلا بالإذخر وحينئذ إذ لا يكون تكفين حمزة بنمرته ومصعب ببردته وتتميم تكفينهما بالإذخر عن إحتياج كما تقدم عن عبد الرحمن بن عوف وعن أنس رضي الله عنهما أى وقال مغلطاى صلى على حمزه والشهداءمن غير غسل وهذا أي دفنهم من غير غسل إجماع إلا ما شذ به بعض التابعين وفيه نظر ظاهر
وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم قال لقد رايت الملائكة تغسل حمزة وتقدم أن هذا السياق يقتضى أن هذه رؤيا نوم وحينئذ يظهر التوقف فيما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قتل حمزة جنبا فقال ما ذكر ولعل الراوي عن ابن عباس ذكر حمزة بدل حنظلة غلطا أما الصلاة عليهم فقال إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه جاءت الأخبار كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد
وما روي انه صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لم يصح وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك أي بما روي هذه الأحاديث الصحيحة أن يستحي على نفسه أي فإن من رواة ذلك الحديث الدالة على أنه صلى عليهم سعيد بن ميسرة عن أنس رضي الله تعالى عنه وقد قال فيه البخاري أنه يروي المناكير وقال ابن حبان يروي الموضوعات ومن جملة رواة أي رواية ذلك الحديث مقسم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقد قال فيه البخاري منكر الحديث ومن ثم ذكر ابن كثير أن الذي في البخاري أمر صلى الله عليه وسلم بدفن شهداء احد بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا وهو أثبت من صلاته عليهم
وأما حديث عتبة بن عامر أي الذي رواه الشيخان وأبو داود والنسائي هو ان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين صلاته على الميت أي ادعى لهم كدعائه للميت كالمودع للأحياء والأموات أي حين علم قرب أجله أي فذلك

كان توديعا لهم بذلك قال قال السهيلي رحمه الله لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى على شهيد في شيء من مغازيه إلا في هذه الرواية في أحد وكذلك لم يصل أحد من الأئمة بعده صلى الله عليه وسلم آه
وفي النور أنه صلى الله عليه وسلم صلى على أعرابي في غزوة أخرى وفي البخاري عن جابر رضي الله تعالى عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في قتلى أحد دفنهم بدمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم بكسر اللام وفي رواية ولم يصل عليهم بفتح اللام
لا يقال خبر جابر لا يحتج به لأنه نفي وشهادة النفي مردودة مع ما عارضها من خبر الإثبات لأنا نقول شهادة النفي إنما ترد إذا لم يحط بها علم الشاهد ولم تكن بحضوره وإلا فتقبل بالاتفاق وهذه قضية معينة أحاط بها جابر وغيره علما
واستدل أئمتنا علي أن الشهيد لا يغسل ولو كان جنبا بقصة حنظلة رضي الله عنه لأن تغسيل الملائكة لا يكتفى به في إسقاط الحرج عن المكلفين من الإنس لعدم تكليفهم بخلاف تغسيل الجن فإنهم مكلفون ودفنوا بثيابهم ونزع عنهم الحديد والجلود
أى وأسلم وحشى رضي الله عنه بعد ذلك فإنه في يوم فتح مكة فر إلي الطائف ثم وفد مع أهل الطائف لما اوفدوا ليسلموا وقد قيل له بعد ان قاضت ضاقت عليه ويحك والله إنه لا يقتل أحد من الناس دخل دينه قال وحشي فلم يرعه صلى الله عليه وسلم إلا إني قائم على رأسه أشهد شهادة الحق وفقال لي أنت وحشي وسألني كيف قتلت حمزة فأخبرته ثم قال ويحك غيب عني وجهك فلا أراك وفي رواية لا ترني وجهك وفي رواية تفل في وجهي ثلاث تفلات وقيل تفل في الأرض وهو جد مغضب أي وحينئذ لحق بالشام وكان وحشي لا يزال يحد في الخمر في زمن عمر رضي الله تعالى عنه حتى خلع من الديوان قال عمر رضي الله تعالى عنه قد علمت أنه لم يكن الله ليدع قاتل حمزة رضي الله تعالى عنه أي لم يكن ليتركه من الابتلاء وهذا أي تكرر حده في شرب الخمر وإخراجه من ديوان المجاهدين من اقبح أنواع الابتلاء عافانا الله من ذلك وروى الدار قطني في صحيحه عن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه كان يقول عجبت لقاتل حمزة كيف ينجو أي من الابتلاء حتى بلغني إنه مات غريقا في الخمر أي وذلك مع ما تقدم ابتلاء فظيع له رضي الله تعالى عنه
وممن مثل به عبد الله بن جحش بدعوة دعاها على نفسه فقال أي قبل أحد بيوم

اللهم ارزقني غدا رجلا شديدا بأسه فيقتلني ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني فإذا ليقتك قلت يا عبد الله فيما جدع أنفك واذنك فاقول فيك وفي رسولك فيقول الله صدقت قال وليس هذا من تمنى الموت المنهى عنه انتهى أي لأن المنهى عنه أن يكون ذلك لضر نزل به فليتأمل
وجاء أن عبد الله بن جحش انقطع سيفه يوم أحد فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرجون نخلة فصار في يده سيفا كان يسمى العرجون ودفن هو وخاله حمزة رضي الله تعالى عنهما في قبر واحد أي وإنما كان حمزة خاله لأن أم عبد الله أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان القاتل له أبو الحكم بن الأخنس ابن شريق وأبو الحكم هذا قتل كافرا يوم أحد وقال صلى الله عليه وسلم ادفنوا عبد الله بن عمرو أي وهو والد جابر رضي الله تعالى عنها وعمرو بن الجموح وهو زوج عمة جابر رضي الله تعالى عنهم في قبر واحد لما بينهما من الصفاء وعبد الله بن عمرو هذا قد أصابه جرح في وجهه ومات ويده على جرحه فأميطت يده عن وجهه فانبعث الدم فردت يده إلى مكانها فسكن ويقال أن السيل حفر قبر عبد الله بن عمرو والد جابر رضي الله تعالى عنهما عمرو بن الجموح فوجد لم يتغيرا كأنهما مات بالأمس وأنه أزيلت يد عمرو عن جرحه ثم أرسلت فرجعت كما كانت وكان ذلك بعد الواقعة لست وأربعين سنة وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أنه قال استصرخنا إلى قتلانا بأحد وذلك حين أجرى معاوية رضي الله تعالى عنه العين في وسط مقبرة شهداء أحد وأمر الناس بنقل موتاهم فأخرجناهم رطابا تنثني أطرافهم وذلك على رأس أربعين سنة ولعله وما قبله لا يخالف قول السهيلي وذلك بعد ثلاثين سنة وأصابت المسحاة قدم حمزة رضي الله تعالى عنه فأنبعت دما وذكر أنه فاح من قبورهم مثل ريح المسك وفي لفظ نحو خمسين سنة مع أن أرض المدينة سبخة يتغير الميت في قبره من ليلته أي لأن الارض لا تأكل لحوم شهداء المعركة كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام زاد بعضهم قارئ القرآن والعالم ومحتسب الأذان ويدل للأخير ما في الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما المؤذن المحتسب كالمتشحط في دمه لا يدود في قبره أي كشهيد المعركة لا يأكله الدود في القبرر وقد نظم هؤلاء الشيخ التتائي المالكي رحمه الله تعالى فقال

** لا تأكل الأرض جسما للنبي ولا لعالم وشهيدا قتل معترك ** ولا لقارئ قرآن ومحتسب آذانه لإله مجرى الفلك **
ودفن خارجة بن زيد وسعد بن الربيع رضي الله تعالى عنهما في قبر واحد لأنه كان أبن عمه ولده خارجة وهو زيد بن خارجة الذي تكلم بعد الموت
ذكر أن خارجة أخذته الرماح فجرح بضعة عشر جرحا فمر به صفوان بن أمية بن خلف فعرفه فأجهز عليه وقال الآن شفيت نفسي حين قتلت الأماثل من أصحاب محمد قتلت خارجة بن زيد وقتلت أوس بن أرقم وقتلت أبا نوفل ودفن النعمان ابن مالك وعبد بني الحسحاس في قبر واحد وربما دفنوا ثلاثة في قبر وصار صلى الله عليه وسلم يقول احفروا وأوسعوا واعمقوا وكان صلى الله عليه وسلم يقول انظروا أكثر هؤلاء جمعا أي حفظا للقرآن فقدموه في القبر أي في اللحد
واحتمل ناس من المدينة قتلاهم إلى المدينة فردهم صلى الله عليه وسلم ليدفنوا حيث قتلوا وبه استدل ائمتنا رحمهم الله على حرمة نقل الميت قبل دفنه من محل موته إلى محل أبعد من مقبرة موته محل
وفيه أنهم قالوا إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس نص على ذلك إمامنا الشافعي رحمه الله
وقد يجاب بأن هذا مخصوص لغير الشهيد أما هو فالأفضل دفنه بمحل موته ولو بقرب ما ذكر كما بحث ذلك بعض المتأخرين من ائمتنا ويشهد له ما هنا
ولا يشكل دفن اثنين أو ثلاثة في لحد على قول فقهائنا بحرمة جمع اثنين في لحد ولو الوالد وولده لأن محل ذلك حيث لا ضرورة ككثرة الموتى مشقة الحفر لكل واحد كما هنا
ثم رأيت في بعض السير وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين والثلاثة في القبر الواحد وإنما أرخص لهم في ذلك لما بالمسلمين من الجراح التي يشق معها أن يحفروا لكل واحد واحد
وفي رواية فحملوهم إلى المدينة فدفنوهم في نواحيها فجاء منادي صلى الله عليه وسلم ردوا القتلى إلى مضاجعهم فأدرك المنادي واحدا لم يكن دفن فردا ومن دفن أبقوه
ولما أشرف صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد قال إنا شهيد على هؤلاء وما من

جرح بجرح في الله إلا والله يبعثه يوم القيامة يدمى جرحه اللون لون الدم والريح ريح المسك وفي رواية أنه ليس مكلوم يكلم في الله تعالى إلا وهو يأتي يوم القيامة لونه أي لون الكلم أي الجرح لون الدم وريحه ريح مسك اي في رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في اجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوى إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مشروبهم ومأكلهم وحسن مقيلهم قالوا يا ليت أخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا أي يمتنعوا عن الحرب فقال الله عز وجل إنا ابلغهم عنكم فأنزل الله عز وجل على رسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء } الآية
وقد بينت في النفخة العلوية إن الأرواح في البرزخ متفاوتة في مستقرها أعظم تفاوت فلا تعارض بين الأدلة الدالة على تلك الأقوال المختلفة وحينئذ تكون أرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع كونها في الملأ الأعلى متفاوتة فيه وأرواح المؤمنين غير الشهداء أو غير الاطفال منها ما هو سماوي ومنها ما هو أرضي وأرواح الاطفال في حواصل عصافير الجنة عند جبال المسك وأرواح الشهداء منهم من تكون روحه على باب الجنة ومنهم من تكون داخلها وحينئذ إما أن تكون في جوف طير أخضر أوطير أبيض ومنهم من تكون روحه على صورة الطير
وفي كلام القرطبي رحمه الله قال علماؤنا أرواح الشهداء طبقات مختلفة ومنازل متباينة يجمعها أنهم يرزقون أي وتقدم الكلام على رزقهم
أي ومن جملة من قتل من الصحابة يوم أحد أبو جابر أي كما تقدم فقال صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله تعالى عنه يا جابر إلا أخبرك ما كلم الله تعالى أحدا قط لعل المراد من هؤلاء الشهداء كما يرشد إليه السياق إلا من وراء حجاب إنه كلم أباك كفاحا فقال سلني أعطك فقال أسألك أن أرد إلي الدنيا فأقتل فيك ثانية فقال الرب عز وجل إنه سبق مني إنهم لا يرجعون إلى الدنيا قال أي رب فأبلغ من ورائي فانزل الله تعالى { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا } الآية أي ولا مانع من تعدد النزول للآية فلا يخالف ما تقدم قريبا


أي وعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال لما قتل أبي جعلت أبكي وأكشف الثوب عن وجهه فجعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينهوني و النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهني وقال النبي صلى الله عليه وسلم تبكيه أو لا تبكيه ما زالت الملائكة عليهم السلام مظلة له بأجنحتها حتى رفع اي وسياتي أن جابرا رضي الله تعالى عنه لم يحضر القتال
وعن بشير بن عفراء رضي الله تعالى عنهما قال أصيب أبي يوم أحد فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال أما ترضى أن تكون عائشة أمك وأكون أنا أباك ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار قد اصيب زوجها وأخوها وأبوها وفي رواية وابنها يوم أحد فلما نعوا لها قالت ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ما فعل به قالوا خيرا يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين قالت أرونيه حتى أنظر إليه فلما رأته صلى الله عليه وسلم قالت كل مصيبة بعدك جلل تريد صغيرة والجلل كما يقال للشيء الصغير يقال للشيء الكبير فهو من الأضداد وفي لفظ أنها مرت بأخيها وأبيها وزوجها وابنها صرعى وصارت كلما سألت عن واحد وقالت من هذا قيل لها هذا أخوك وابنك وزوجك وأبوك فلم تكترث بذلك بل صارت تقول ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون أمامك حتى جاءته أخذت بناحية ثوبه ثم جعلت تقول بأبي أنت وامي يا رسول الله لا أبالي إذ سلمت من عطب
وأصيبت يوم أحد عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته أي فأرادوا قطعها فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا فدعاه فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أي أخذها بيده الشريفة وردها إلى موضعها أي براحته الشريفة وقال اللهم إكسه جمالا فكانت أحسن عينيه وأحدهما نظرا وكانت لا ترمد إذا رمدت الأخرى
أي وجاءعن قتادة رضي الله تعالى عنه أنه قال كنت يوم أحد أتقي السهام بوجهي عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان آخرها سهما ندرت منه حدقتي فأخذتها أي رفعتها بيدي أي وقلت يا رسول الله إن لي امرأة أحبها واخشى أن تراني تقذرني أي وقال له صلى الله عليه وسلم إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت رددتها ودعوت لله تعالى لك فقال يا رسول الله إن الجنة لجزاء جزيل وعطاء جليل وإني مغرم بحب النساء وأخاف أن يقلن أعور فلا يردنني ولكن تردها وتسأل الله تعالى لي الجنة فردها ودعا لي بالجنة


وجاء عن قتادة رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم لما رآها في كفي أي مرفوعة دمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال اللهم قتادة كما وقي وجه نبيك بوجهه فاجعلها أحسن عينيه واحدهما نظرا أي بعد أن ردها إلى موضعها براحته الشريفة كما تقدم وإلى ذلك أشار صاحب الهمزية بقوله في وصف راحته الشريفة ** وأعادت على قتادة عينا ** فهي حتى مماته النجلاء **
أي وأعادت تلك الراحة الشريفة على قتادة بن النعمان رضي الله تعالى عنه عينا له ذهبت فهي إلى مماته الواسعة أي الكثيرة النظر
قال الشيخ ابن حجرالهيتمي ويجمع بين رواية العين الواحدة ورواية الثنتين أي فقد جاء في حديث غريب أصيبت عيناي فسقطتا على وجنتي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعادهما وبصق فيهما وعادتا تبرقان بأن أحد الرواة ظن أن الساقطة واحدة وبعضهم أن الساقط ثنتان فأخبر كل بحسب علمه
ومن قواعدهم أن زيادة الثقة مقبولة وبها تترجح رواية احدى الثنتين هذا كلامه فليتأمل وكون ذلك كان يوم احد هو المشهور وقيل يوم الخندق
وقد حكى ابو عمر بن عبد البر أن رجلا من ولد قتادة قدم على عمر بن عبدالعزيز رضي الله تعالى عنه فقال له من الرجل فقال
** أنا ابن الذي سالت على الخد عينه ** فردت بكف المصطفى أحسن الرد ** فعادت كما كانت لأول أمرها ** فيا حسن ما عين ويا حسن ما رد **
فقال عمر بن عبد العزيز ** تلك المكارم لا قعبان من لبن ** شيبا بماء فعادا بعد أبوالا **
فوصله عمر وأحسن جائزته
ورمى كلثوم بن الحصين بسهم في نحره فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق عليه فبرأ وحضرت الملائكة عليهم السلام يوم أحد ولم تقاتل
قال ويؤيده قول مجاهد رحمه الله لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر لكن جاء عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال رايت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال وما رأناهما قبل ولا بعد اي وهما جبريل وميكائيل عليهما السلام ولا منافاة فقد قال البيهقي

رحمه الله لم يقاتلوا يوم أحد عن القوم أي فلا ينافي أنهم قاتلوا عنه صلى الله عليه وسلم خاصة آه
أقول ويجوز أن يكون المراد بمقاتلتهما دفعهما عنه صلى الله عليه وسلم وفيه أنه جاء عن الحارث بن الصمة رضي الله تعالى عنه قال سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الشعب عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه فقلت رأيته في جنب الجبل فقال الملائكة تقاتل معه قال الحارث فرجعت إلى عبد الرحمن فإذا بين يديه سبعة صرعى فقلت ظفرت يمينك أكل هؤلاء قتلت قال أما هذا وهذا فإنا قتلهما وأما هؤلاء فقتلهم من لم أره فقال صدق الله ورسوله أي ومقاتلة الملائكة عن خصوص عبد الرحم بن عوف رضي الله تعالى عنه لا ينافي مقاتلتهم يوم بدر عن عموم القوم
وفي الامتاع كان قد نزل قبل أن يخرج صلى الله عليه وسلم إلى أحد قوله تعالى { ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين } فلم يصبروا وانكشفوا فلم يمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بملك واحد يوم أحد بل فليتأمل والله أعلم
ولما قتل مصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه وسقط اللواء أخذه ملك في صورة مصعب أي فأنه لما قطعت يده اليمنى أخذ اللواء بيده اليسرى أي وهو يقول { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } الآية فلما قطعت جثى على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهويقول { وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل } الآية ولم تكن هذه الآية قد نزلت بل قالها لما سمع قول القائل قتل محمد وأنما نزلت أي بعد قوله في ذلك اليوم كما في الدر فهو من القرآن الذي نزل على لسان بعض الصحابة لما قتل أي وهذا لا ينافي ما تقدم من أنه قاتل دونه صلى الله عليه وسلم فقتله ابن قمئة لعنه الله وهو يظنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قتله أبي بن خلف لعنه الله لأنه يجوز أن يكون قتله وهو على هذه الكيفية المذكورة
ثم رأيت في بعض الروايات أن ابن قمئة فعل به هذه الكيفية أي ثم قتله وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للملك الذي على صورة مصعب تقدم يا مصعب فالتفت إليه الملك فقال لست بمصعب فعرف صلى الله عليه وسلم أنه ملك أيد به


وفي رواية أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول أقدم مصعب قال يا رسول الله ألم يقتل مصعب قال بلى ولكن ملك قام مقامه وتسمى بأسمه أي فلا ينافي ذلك قول الملك له صلى الله عليه وسلم لما قال له تقدم يا مصعب لست بمصعب لأن مراده لست بمصعب الذي هو صاحبكم
ورايت في رواية أنه لما سقط اللواء أخذه أبو الروم أخو مصعب ولم يزل في يده حتى دخل المدينة فليتأمل ووجود هذا الملك يخالف ما تقدم عن الامتاع من أنه صلى الله عليه وسلم لم يمد بملك واحد
ولما أراد صلى الله عليه وسلم أن يتوجه إلى المدينة ركب فرسه وخرج المسلمون حوله عامتهم جرحى أي ومعه أربع عشرة امرأة فلما كانوا بأصل أحد قال صلى الله عليه وسلم اصطفوا حتى أثنى علي ربي عز وجل فاصطف الرجال خلفه صفوفا وخلفهم النساء فقال اللهم لك الحمد كله اللهم لا قابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت ولا هادي لمن أضللت ولا مضل لمن هديت ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت ولا مقرب لما أبعدت ولا مبعد لما قربت الحديث
ثم توجه صلى الله عليه وسلم من للمدينة فلقيته ممنة بنت جحش بنت عمته صلى الله عليه وسلم أخت زينب بنت فخش أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها فقال لها صلى الله عليه وسلم احتسبي قالت من يا رسول الله قال خالك حمزة قالت إنا لله وإنا إليه راجعون غفر الله له هنيئا له الشهادة ثم قال لها احتسبي قالت من يا رسول الله قال أخاك عبد الله بن جحش قالت إنا لله وإنا إليه راجعون غفر الله له هنيئا له الشهادة بما قال لها احتسبي قالت من يا رسول الله قال زوجك مصعب بن عمير قالت وا حزناه وصاحت وولولت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن زوج المرأة لبمكان ما هو لأحد لما رأى من تثبتها على اخيها وخالها وصياحها على زوجها ثم قال لها لم قلت هذا قالت تذكرت يتم بنيه فراعني فدعا لها صلى الله عليه وسلم ولولدها أن يحسن الله تعالى عليهم الخلف فتزوجت طلحة بن عبيد الله فكان أوصل الناس لولدها وولدت له محمد بن طلحة
قال وجاءت أم سعد بن معاذ تعدو نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على فرسه وسعد بن معاذ آخذ بلجامها فقال له سعد يا رسول الله أمي فقال صلى الله

عليه وسلم مرحبا بها فوقف لها فدنت حتى تأملت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنها عمرو بن معاذ فقالت أما إذا رأيتك سالما فقد اشتويت المصيبة أي استقليتها ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل من قتل بأحد اي بعد أن قال لأم سعد يا أم سعد ابشري وبشري أهلهم أن قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعا وقد شفعوا في أهلهم جميعا قالت رضينا يا رسول الله ومن يبكي عليهم بعد هذا ثم قالت يا رسول الله ادع لمن خلفوا فقال اللهم أذهب حزن قلوبهم واجبر مصيبتهم وأحسن الخلف على من خلفوا
وسمع صلى الله عليه وسلم نساء الانصار يبكين على أزواجهن أي وأبنائهن وإخوانهن فقال حمزة لا بواكي له أي وبكى صلى الله عليه وسلم ولعله رضي الله تعالى عنه لم يكن له بالمدينة لا زوجة ولا بنت فأمر سعد بن معاذ نساءه ونساء قومه أن يذهبن إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكين حمزة بين المغرب والعشاء أي وكذلك أسسيد بن حضير أمر نساؤه ونساء قومه أن يذهبن إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكين حموزة
أي ولما جاء صلى الله عليه وسلم بيته حمله السعدان وانزلاه عن فرسه ثم اتكأ عليهما حتى دخل بيته ثم أذن بلال لصلاة المغرب فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل تلك الحال يتوكأ على السعدين فصلى و صلى الله عليه وسلم فلما رجع من المسجد من صلاة المغرب سمع البكاءفقال ما هذا فقل نساء الأنصار يبكين حمزة فقال رضي الله تعالى عنكن وعن أولادكن وأمر أن ترد النساء إلى منازلهن
وفي رواية خرج عليهن أي بعد ثلث الليل لصلاة العشاء فإن بلالا أذن بالعشاء حين غاب الشفق فلم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ذهب ثلث الليل نادى بلال الصلاة يا رسول الله فقام من نومه وخرج وهن على باب المسجد يبكين حمزة رضي الله تعالى عنه ولا يخالف ما سبق لأن بيت عائشة رضي الله تعالى عنها كان ملاصقا للمسجد فقال لهن ارجعن رحمكن الله لقد واسيتن معي رحم الله الأنصار فإن المواساة فيهم كما علمت قديمة
أي ولا منافاة لانه يجوز أن يكون الأمر عند رجوعه من صلاة المغرب كان لطائفة وبعد ثلث الليل كان لطائفة أخرى وصارت الواحدة من نساء الانصار بعد لا تبكي على ميتها إلابدأت بالبكاء على حمزة رضي الله تعالى عنه ثم بكت على ميتها ولعل المراد بالبكاء النوح وباتت وجوه الاوس والخزرج تلك الليلة على بابه صلى الله عليه وسلم بالمسجد يحرسونه خوفا من قريش أن تعود إلى المدينة


وجاء أنه صلى الله عليه وسلم نهى نساء الأنصار عن النوح وقال له الأنصار يا رسول الله بلغنا أنك نهيت عن النوح وإنما هو شيئ نندب به موتانا ونجد فيه بعض الراحة فأئذن لنا فيه فقال صلى الله عليه وسلم إن فعلن فلا يخمشن ولا يلطمن ولا يحلقن شعرا ولا يشقفن جيبا
جاء أنه في يوم أحد دفع علي كرم الله وجهه سيفه لفاطمة رضي الله تعالى عنها وقال لها اغسليه غيرذميم فقال صلى الله عليه وسلم إن تكن أحسنت فقد أحسن فلان وفلان وعدد جماعة أي منهم سهل بن حنيف وأبو دجانة
وما روي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم في يوم أحد دفع سيفه ذا الفقار لابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها وقال اغسلي عنه دمه لقد صدقني اليوم وناولها علي كرم الله وجهه سيفه وقال وهذا فاغسلي عنه دمه فوالله لقد صدقني اليوم فقال صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه لئن صدقت القتال لقد صدق معك سهيل بن حنيف وابو دجانة
وعن ابن عقبة لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سيف علي كرم الله وجهه مختضبا دما قال إن تكن أحسنت القتال فقد أحسن عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف وكونه صلى الله عليه وسلم دفع سيفه لابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها رده الإمام أبو العباس بن تيمية بأنه صلى الله عليه وسلم لم يقاتل في ذلك اليوم بسيف لكن في النور أن هذا الحديث لم يتعقبه الذهبي قال ففيه رد علي ابن تيمية هذا كلامه فليتأمل
والأكثر على أن الذين قتلوا يوم أحد من المسلمين سبعون أربعة من المهاجرين وهم حمزة ومصعب وعبد الله بن جحش وشماس بن عثمان وقيل ثمانون أربعة وسبعونن من الأنصار وستة من المهاجرين قال الحافظ بن حجر لعل الخامس سعد مولى حاطب بن أبي بلتعة والسادس ثقيف بن عمرو حليف بن عبد شمس وعدهم في الأصل ستة وتسعين وهذا لا يناسب ما تقدم في بدر من قوله صلى الله عليه وسلم إن شئتم أخذتم منهم الفداء ويستشهد منكم سبعون سبعون بعد ذلك وقتل من المشركين ثلاثة وعشرون وقيل اثنان وعشرون
أقول انظر هذا مع ما تقدم من أن حمزة وحده قتل واحدا وثلاثين ورايت في الطبقات

لمولانا الشيخ عبد الوهاب الشعراني نفعنا الله ببركاته أن أويسا القرني كان مشغولا بخدمة والدته فلذلك لم يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم
وقد روي أنه اجتمع به مرات وحضر معه وقعة أحد وقال والله ما كسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم حتى كسرت رباعيتي ولا شج وجهه الشريف حتى شج وجهي ولا وطيء ظهره حتى وطئ ظهري قال هكذا رأيت هذا الكلام في بعض المؤلفات والله أعلم بالحال هذا كلامه ولم اقف على أنه عليه الصلاة والسلام وطئ ظهره في غزو أحد فإن مجموع ما دلت عليه الاخبار أنه صلى الله عليه وسلم شج وجهه وكسرت رباعيته وجرحت وجنتاه وشفته السفلى من باطنها ووهي منكبه وجحشت ركبته
ثم رأيت بعض المؤرخين ذكر أن سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه سمع بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو يبكى بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضلك عند ربك أن جعل طاعتك وطاعته فقد قال تعالى { من يطع الرسول فقد أطاع الله } بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد بلغ من فضيلتك عند ربك أن أخبرك بالعفو عنك قبل أن يخبرك بذنبك فقال عفا الله عنك لم أذنت لهم إلى أن قال فلقد وطئ ظهرك وأدمى وجهك وكسرت رباعيتك فأبيت ان تقول إلا خيرا فقلت اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون
ومما يدل على ان أويسا لم يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم خير التابعين رجل يقال له أويس القرني وما أخرجه البيهقي عن عمر رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له أويس بن عامر وفي رواية أن عمر قال لأويس استغفر لي فقال كيف أستغفر لك وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عمر رضي الله تعالى عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن خير التابعين رجل يقال له أويس والمراد من خيرالتابعين كما في بعض الروايات فلا ينافي ما نقل عن أحمد بن حنبل وغيره أن أفضل التابعين سعيد بن مسيب
ومما يدل على أن أويسا لم يكن موجودا في زمنه صلى الله عليه وسلم ما جاء في الجامع الصغير سيكون بعدي في أمتي رجل يقال له أويس القرني وأن شفاعته في أمتي مثل ربيعة ومضر


وفي أسد الغابة أن أويسا أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره وسكن الكوفة وهو من كبار تابعي الكوفة وكان يسخر به
ووفد رجل ممن كان يسخر به مع جماعة من أهل الكوفة على عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال عمر هل ههنا أحد من القرنيين فجاء ذلك الرجل فقال له عمر إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال إن رجلا يأتيكم من اليمن يقال له أويس القرني وقد كان به بياض فدعا الله تعالى فأذهب عنه إلا قدر الدينار أو الدرهم فمن لقيه منكم فمروه أن يستغفر لكم فأقبل ذلك الرجل لما قدم الكوفة إلى أويس قبل أن يأتي أهله فقال له أويس ما هذا بعادتك قال سمعت عمر رضي الله تعالى عنه يقول كذا وكذا فاستغفر لي قال لا أفعل حتى تجعل لي عليك أن لا تسخر بي ولا تذكر قول عمر لأحد فالتزم له ذلك فاستغفر له وقتل أويس يوم صفين مع علي كرم الله وجهه
ولما وصل صلى الله عليه وسلم المدينة أظهر المنافقون واليهود الشماتة والسرور وصاروا يظهرون أقبح القول أي ومنه ما محمد إلا طالب ملك ما أصيب بمثل هذا نبي قط أصيب في بدنه واصيب في أصحابه ويقولون لو كان من قتل منكم عندنا ما قتل
واستأذنه صلى الله عليه وسلم عمر في قتل هؤلاء المنافقين فقال أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قال بلى ولكن تعوذا من السيف فقد بان أمرهم وأبدى الله تعالى أضغانهم فقال صلى الله عليه وسلم نهيت عن قتل من أظهر ذلك وصار ابن أبي لعنه الله يوبخ ابنه عبد الله رضي الله تعالى عنه وقد أثبته الجراحة فقال له ابنه الذي صنع الله لرسوله والمسلمين خير
قال وكانت عادة بن عبد الله بن أبي ابن سلول إذا جلس صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر قام فقال أيها الناس هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم أكرمكم الله تعالى به وأعزكم فانصروه وعزروه واسمعوا له وأطيعوا ثم يجلس فبعد أحد أراد أن يفعل كذلك فلما قام أخذ المسلمون بثوبه من نواحيه وقالوا له اجلس عدو الله والله لست لذلك اهل بأهل وقد صنعت ما صنعت فخرج وهو يتخطى رقاب الناس كأني إنما قلت هجرا وقال له بعض الانصار ارجع يتسغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والله ما أبتغي أن يستغفر لي وأنزل الله تعالى قصة أحد

في آل عمران وهي قوله تعالى { وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال } الآية

غزوة حمراء الأسد لما كان صبيحة قدومه صلى الله عليه وسلم من أحد أذن مؤذنه صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا خلف قريش وأن لا يخرج إلا من حضر أحد وذلك ارهابا للعدو وليبلغهم أنه صلى الله عليه وسلم خرج في طلبهم ليظنوا به صلى الله عليه وسلم قوة وأن الذي أصابهم لم يوهنهم أي يضعفهم عن عدوهم
قال وقيل لأنه صلى الله عليه وسلم بلغه أن أبا سفيان يريدأن يرجع بقريش إلى المدينة ليستأصلوا من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدبلغه أن المشركين قالوا له لا محمد قتلتم ولا الكواعب أردفتم بئس ما صنعتة ارجعوا
أي وفي لفظ أنهم لما بلغوا بعض الطريق قدموا فقالوا بئس ما صنعتم إنكم قتلتموهم حتى إذا لم يبقى إلا الشريد تركتموهم ارجعوا فاستأصلوهم قبل أن يجدوا قوة وشوكة فقذف الله في قلوبهم الرعب
ويذكر أن عبد الله بن عوف جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة قدومه صلى الله عليه وسلم من أحد وأخبره أنه أقبل من أهله حتى إذا كان بمحل كذا إذا قريش قد نزلوا به فسمع أبا سفيان وأصحابه يقولون ما صنعتم شيئا قد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم فارجعوا نستأصل من بقي وصفوان بن أمية يأبى ذلك عليهم ويقول يا قوم لا تفعلوا فإني أخاف أن يجمع عليكم من تخلف عن الخروج فارجعوا والدولة لكم فإني لا آمن إن رجعتم أن تكون الدولة عليكم فقال صلى الله عليه وسلم أرشدهم صفوان وما كان يرشد فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وذكر لهما الخبر أي مااخبر به عبد الله بن عوف فقالا يا رسول الله اطلب العدو لا يقتحمون على الذرية فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاة الصبح ندب الناس وأمر بلالا أن ينادي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم بطلب عدوكم ولا يخرج إلا من حضر القتال بالأمس انتهى
وعند تهيئه صلى الله عليه وسلم للخروج جاء جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما فقال

يا رسول الله إنما تخلف عن أحد لأن أبي خلفني على أخوات لى سبع أى وقيل وهو الصحيح إنهن تسع وقال يا بني إنه لا ينبغي لى ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة لا رجل فيهن ولست بالذي اوثرك بالجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله يرزقني الشهادة فتخلف على أخواتك فاستخلفت عليهن واستأثر علي بالشهادة فأئذن لي يا رسول الله معك فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخرج معه أحد لم يشهد القتال بالأمس غيري واستأذنه رجال لم يحضروا القتال أي منهم عبدالله بن ابي قال له أنا راكب معك فأبى ذلك عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلوائه وهو معقود لم يحل فدفعه لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه ويقال لابي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه أى المسمى بالسكب ولم يكن مع اصحابه فرس سواه وعليه الدرع والمغفر وما يرى ألا عيناه وخرج الناس معه اى جميع من كان معه صلى الله عليه وسلم في أحد
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت في قوله تعالى { الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح } الأية قالت لعروة بن الزبير يا بن أختي كان أبوك الزبير رضي الله تعالى عنه وأبو بكر لما أصاب نبي الله ما أصاب يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف ان يرجعوا فقال من يرجع في اثرهم فانتدب منهم سبعون رجلا قال ابن كثيرا وهذا السياق غريب جدا فإن المشهور عند أصحاب المغازي أن الذين خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد كل من شهد أحد وكانوا سبعمائة كما تقدم قتل منهم سبعون وبقي الباقي هذا كلامه فليتأمل مع ما تقدم
قال والظاهر أنه لا تخالف لأن معنى قولها يعني عائشة أنهم سبقوا غيرهم ثم تلاحق بهم الباقون وخرجوا وبهم الجراحات ولم يعرجوا على دواء جراحاتهم أي لم يلتفتوا لذلك والمراد دواء غيرتكميد جراحهم بالنار وهو أن تسخن خرقة وتوضع على العضو الوجع ويتابع ذلك مرة بعد أخرى ليسكن الوجع فلا يخالف أنهم فعلوا ذلك أي أوقدوا النيران يكمدون بها جراحاتهم تلك الليلة
فمنهم من كان به تسع جراحات وهو أسيد بن حضير رضي الله تعالى عنه وعقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه ومنهم من كان به عشر جراحات وهو خراش بن الصمة رضي الله تعالى عنه

ومنهم من كان به بضع عشرة جراحة وهو كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه ومنهم من كان به بضع وسبعون جراحة وهو طلحة بن عبيد الله وقطعت أصبعه قيل السبابة وقيل البنصر فشلت بقية اصابع يده وهي اليسرى وفي رواية أنامله كما تقدم ومنهم من كان به عشرون جراحة وهو عبد الرحمن بن عوف كما تقدم أي وجرح من بني سلمة أربعون جريحا فقال صلى الله عليه وسلم لما رآهم اللهم ارحم بني سلمة
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مجروح وفي وجهه أثر الحلقتين ومشجوج في وجهه مسكورة رباعيتة وشفته السفلى قد جرحت من باطنها أي وفي المنتقى وشفته العليا قد كلمت من باطنها متوهن منكبه الأيمن لضربة ابن قمئة لعنه الله وركبتاه مجروحتان من وقعته في الحفيرة وتلقاه صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه فقال له يا طلحة أين سلاحك فقال قريب فذهب وأتى بسلاحه وبصدره تسع جراحات من تلك الجراحات التي به وهي كما تقدم بضع وسبعون جراحة يقول طلحة وأنا أهم بجراح رسول الله صلى الله عليه وسلم مني بجراحي ثم أقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا طلحة أين ترى القوم فقلت بالسفالة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الذي ظننت إما أنهم يا طلحة لن ينالوا منا مثلها حتى يفتح الله مكة علينا وقال صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يا بن الخطاب إن قريشا لن ينالوا منا مثل هذا حتى نستلم الركن آه
وكان دليله صلى الله عليه وسلم في السير ثابت بن الضحاك وليس هو أخا جبير وقيل أخوه ولا زالوا سائرين حتى عسكروا بحمراء الأسد أي وهو محل بينه وبين المدينة ثمانية أميال أي وقيل عشرة اميال
وعن رجل من الأنصار قال شهدت أحد أنا وأخي فرجعنا جريحين فلما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج في طلب العدو فقال لي أخي أتفوتنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ إن تركنا غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لفسق والله ما لنا من دابة نركبها فخرجنا وكنت أيسر جراحا منه فكنت إذ غلب حملته عقبة ويمشي عقبة حتى انتهينا إلى ما انتهى إليه المسلمون من حمراء الأسد أي وذلك عند العشاء وهم يوقدون النيران فجاءتهما الحرس وكان على حرسه تلك الليلة عبادة بن بشر مع طائفة فلما أتى بهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما ما حبسكما فأخبراه بغلبتهما فدعا لهما

بخير وقال لهما إي طالت بكما مدة كانت لكما مراكب من خيل وبغال وإبل وذلك ليس بخير لكم إي وهذان الرجلان عبد الله ورافع ابنا سهيل بن رافع والذي ضعف عن المشي رافع والحامل له عبد الله
واقام المسلمون بذلك المحل ثلاث ليال وكانوا يوقدون في كل ليلة من تلك الليالي خمسمائة نار حتى ترى من المكان البعيد وذهب صوت معسكرهم ونيرانهم في كل وجه فكبت الله تعالى عدوهم قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وكان عامة زادنا التمر
وحمل سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه ثلاثين بعيرا حتى وافت حمراء الأسد وساق جزرا لتنحر فنحروا في يوم اثنين وفي يوم ثلاثة ولقي كفار قرشي معبدا الخزاعي وكان يومئذ مشركا بالروحاء وكان راي خروجه صلى الله عليه وسلم خ خلف قريش فأخبرهم بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم لطلبهم وقد كانوا ارادوا الرجوع إلى المدينة فكسرهم خروجه فتمادوا إلى مكة قال لما كان صلى الله عليه وسلم بحمراء الاسد لقيه معبد الخزاعي وكانت خزاعة مسلمهم وكافرهم تحبه صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد والله لقد عز علينا ما اصابك في نفسك وما أصابك في اصحابك ولوددنا أن الله تعالى أعلى كعبك وأن المصيبة كانت لغيرك ثم مضى معبد حتى كان بالروحاء فلما رأى أبو سفيان معبدا قال هذا معبد وعنده الخبر ما وراءك يا معبد فقال تركت محمد وأصحابه قد خرجوا لطلبكم في جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقا قد اجتمع معه من كان تخلف عنه بالأمس من الاويس والخزرج وتعاهدوا على ان لا يرجعوا حتى يلقوكم فيثأروا أي يأخذوا ثأرهم منكم وغضبوا لقولهم غضبا شديدا وندموا على ما فعلوا فيهم من الحنق شيء لم أر مثله قط قال ويلك ما تقول قال والله ما آرى أن ترحل حتى ترى نواصي الخيل فقال والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم قال فإني أنهاك عن ذلك فانصرفوا سراعا آه
أي وعند انصرافهم أرسل أبو سفيان مع نفر يريدون المدينة أن يخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأنهم أجمعوا على الرجعة فلما بلغوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال صلى الله عليه وسلم حسبنا الله نعم الوكيل فأنزل الله تعالى { الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح } الآية وقال صلى الله عليه وسلم والذي

نفسي بيده لقد سومت لهم الحجارة ولو رجعوا لكانوا كأمس الذاهب أي وأرسل معبد الخزاعي رجلا يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بانصراف أبي سفيان ومن معه خائفين فانصرف إلى المدينة وظفر صلى الله عليه وسلم في حمراء الأسد بأبي عزة الشاعر الذي من عليه وقد اسر ببدر من غير فداء لأجل بناته وأخذ عليه عهدا أن لايقاتله ولا يكثر عليه جمعا ولا يظاهر عليه أحدا كما تقدم فنقض العهد وخرج مع قريش لأحد وصار يستنفر الناس ويحرضهم على قتاله صلى الله عليه وسلم بأشعاره كما تقدم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يفلت فأسر ثم قيل أن المشركين لما نزلوا بحمراء الاسد تركوه نائما فاستمر حتى ارتفع النهار وكان الذي اخذه عاصم بن ثابت وما أسر أحد من المشركين غيره في تلك الوقعة وقيل أسره عمير بن عبد الله
وفي النور لا استحضر أحدا في الصحابة اسمه عمير بن عبد الله فلما في به إليه صلى الله عليه وسلم قال يا محمد أقلني وامنن علي ودعني لبناتي وأعطيك عهدا أن لا أعود لمثل ما فعلت فقال صلى الله عليه وسلم لا والله لا تمسح عارضيك بمكة وفي لفظ تمسح لحيتك تجلس بالحجر تقول خدعت محمدا وفي لفظ سحرت محمدا مرتين اضرب عنقه يا زيد وفي لفظ يا عاصم بن ثابت وفي لفظ يا زبير وقال صلى الله عليه وسلم لا يلدع بالدال المهملة والغين المعجمة وفي لفظ لا يلسع المؤمن من جحر مرتين فضرب عنقه
وذكر أن رأسه حمل إلى المدينة مشهورا على رمح قال بعضهم وهو أول رأس حمل في الإسلام أي ولا ينافيه ما قيل إن أول رأس حمل في الإسلام رأس كعب بن الأشرف كما سيأتي في السرايا لأمكان أن يراد أن رأس ابي عزة أول رأس حمل إلى المدينة على رمح ولعل هذا لا ينافي ما حكاه بعضهم أن عمرو بن الجموح كان رابع الأربعة الذين دخلوا على سيدنا عثمان الدار وكان مع علي كرم الله وجهه في مشاهده فلما ولى معاوية رضي الله تعالى عنه خر هاربا إلى العراق فنهشته حية فدخل غارا ومات فأخبر بذلك زياد والي العراق فأرسل من حز رأسه وارسل به إلى معاوية فكان أول رأس نقل في الإسلام من بلد إلى بلد
قال بعضهم في معنى هذا المثل أي لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين أي إنه ينبغي للمرء أن يستعمل الحزم وهذا المثل لم يسمع من غيره صلى الله عليه وسلم ومورده أن شخصا

جرد سيفه وقصد النبي صلى الله عليه وسلم فضربه ليقتله فأخطأت الضربة فقال كنت مازحا يا محمد فعفا عنه ثم عاد لمثل ذلك مرة أخرى وقال مثل ذلك فأمر صلى الله عليه وسلم بقتله وقال لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
وأمر صلى الله عليه وسلم في ذلك المحل بقتل معاوية بن المغيرة بن أبي العاص وهو جد عبد الملك بن مروان لأمه وقد كان لجا إلى ابن عمه عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أي فإنه لما رجع الكفار من أحد ذهب على وجهه ثم أتى باب عثمان فدقه فقالت ام كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم زوج عثمان من أنت قال ابن عم عثمان فقالت ليس هو ههنا فقال أرسلي إليه فله عندي ثمن بعير كنت اشتريته منه فجاء عثمان فلما نظر إليه قال أهلكتني وأهلكت نفسك فقال يابن عم لم يكن أحد أمس بي رحما منك فأجرني فأدخله عثمان رضي الله تعالى عنه منزله وصيره في ناحية ثم خرج عثمان ليأخذ له أمانا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن معاوية بالمدينة فاطلبوه فدخلوا منزل عثمان فأشارت إليهم أم كلثوم رضي الله تعالى عنها بأنه في ذلك المكان فاخرجوه وأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بقتله فقال عثمان رضي الله تعالى عنه والذي بعثك بالحق ما جئت إلا لأخذ له أمانا فهبه لي فوهبه وأجله ثلاثا وأقسم صلى الله عليه وسلم إن وجده بعدها قتله
وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد فأقام معاوية ثلاث يستعلم أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأتي بها قريش فلما كان في اليوم الرابع عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فخرج معاوية هاربا فأدركه زيد بن حارثة وعمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهما فرمياه حتى قتلاه وقد كان صلى الله عليه وسلم بعثهما إليه وقال لهما إنكما ستجدانه بموضع كذا وكذا أي بموضع بينه وبين المدينة ثمانية أميال فوجداه به فقتلاه وقيل تبعه علي كرم الله وجهه فقتله وكان صلى الله عليه وسلم بعث ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم فلحق اثنان منهم للقوم بحمراء الاسد فقتلوهما فوجدهما النبي صلى الله عليه وسلم قتيلين بحمراء الاسد فدفنهما في قبر واحد ولا يأتي هنا الجواب المتقدم في قتلى أحد
وجاءه صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام بعد رجوعه إلى المدينة بأن الحارث بن سويد في قباء فانهض إليه واقتص منه بمن قتله من المسلمين غدرا يوم أحد وهو المجذر

وتقدم أنه في بالذال المعجمة مشددة مفتوحة ابن ذياد وتقدم أنه بكسر الذال المعجمة وفتحها وتخفيف المثناة تحت لأن سويدا كان قد قتل ذياد أبا المجذر في الجاهلية فظفر المجذر بسويد والد الحارث فقتله في أبيه وذلك قبل الإسلام وكان ذلك سببا لوقعة بغاث فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أسلم الحارث بن سويد واسلم المجذر بن ذياد وشهدا بدرا فجعل الحارث يطلب مجذرا يقتله بأبيه فلم يقدر عليه كما تقدم فلما كان يوم أحد وجال المسلمون تلك الجولة أتاه الحارث من خلفه فضرب عنقه قيل وقتل ايضا قيس بن زيد فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء في وقت لم يكن يأتيهم فيه وهو شدة الحر في يوم حار فخرج إليه الأنصار من أهل قباء رضي الله تعالى عنهم ومنهم الحارث بن سويد وعليه ثوب مورس وفي لفظ في ملحفة مورسة وفي لفظ في ثوبين مضرجين وفي لفظ ممرضين فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عويمر ابن ساعدة بضرب عنقه أي فقال له قدم الحارث بن سويد إلى باب المسجد واضرب عنقه وقيل أمر عثمان بن عفان بذلك فقدم ليضرب عنقه فقال الحارث لما يا رسول الله فقال بقتلك المجذر بن ذياد وقيس بن زيد فما راجعه الحارث بكلمة فضرب عنقه قال وفي رواية أن الحارث قال والله قتلته أي المجذر وما كان قتلي إياه رجوعا عن الإسلام ولا ارتيابا فيه ولكن حمية من الشيطان وإني أتوب إلى الله ورسوله مما عملت وأخرج ديته وأصوم شهرين متتابعين وأعتق رقبة فلم يقبل منه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك انتهى ولم يذكر قتل قيس بن زيد لعله اكتفى بذلك في قتله الحارث ويعلم استحقاقه القتل بقتل قيس بن زيد بطريق أولى
أي وكان في هذه السنة الثالثة مولد الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما وسماه حربا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن أي لأنه صلى الله عليه وسلم لما جاء قال أروني ابني ما سميتموه قال علي حربا يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم هو حسن وحنكة صلى الله عليه وسلم بتمر
وكان في هذه السنة تحريم الخمر وقيل كان تحريمها في السنة الرابعة محاصر ببني النضير وقيل كان تحريمها بين الحديبية وخيبر وقيل كان بخيبر قال صلى الله عليه وسلم الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة وفي رواية الكرمة والنخلة وفي رواية الكرم والنخل كذا في مسلم ولعل ذكر الكرم كان قبل النهي

عنه وإلاففي مسلم لا يقولن أحدكم للعنب الكرم فإن الكرم الرجل المسلم وفي رواية فإن الكرم قلب المؤمن أو قيل ذلك بيانا للجواز وإشارة إلى أن النهي للتنزيه
وقد حرمت الخمر ثلاث مرات
الأولى في قوله تعالى { يسألونك عن الخمر والميسر } أي القمار { قل فيهما إثم كبير } فإنه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون القمار فسألوه عن ذلك فنزلت الآية الثانية أن بعض الصحابة صلى بأصحابه صلاة المغرب وهو سكران فخلط في القراءة فأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } ثم أنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون } فكف الناس عن شربها
وقد جاء أن حمزة رضي الله تعالى عنه لما شربها قال للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه هل أنتم إلاعبيد لأبي أي ففي البخاري أن حمزة رضي الله تعالى عنه لما شرب الخمر خرج فوجد ناقتين لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه فعلاهما بالسيف وبقر خواصرهما ثم أخذ من أكبادهما وجب سناميهما قال علي كرم الله وجهه فنظرت إلى منظر أفظعني فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة فأخبرته الخبرفخرج صلى الله عليه وسلم ومعه زيد فانطلقت معه فدخل على حمزة فتغيظ عليه فرفع حمزة رضي الله عنه بصره وقال هل أنتم إلا عبيد لابي فرجع النبي صلى الله عليه وسلم يقهقر حتى خرج وذلك قبل تحريم الخمر ولكون السكر كان مباحا لم يرتب على قول حمزة مقتضاه مع أن من قال لنبي أنت عبدي أو عبد أبي كفر
واعترض القول بأنها في السنة الرابعة بأن أنس بن مالك كان ساقيا لها فلما سمع المنادي بتحريمها أراقها
وفي البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه وإني لقائم أسقي أبا طلحة وفلانا وفلانا أي ابا ايوب وأبا دجانة ومعاذ بن جبل وسهيل بن بيضاء وأبي بن كعب وأبا عبيدة ابن الجراح رضي الله تعالى عنهم إذ جاء رجل وقال هل بلغكم الخبر قالوا وما ذاك قال حرمت الخمر قالوا أهرق هذه القلال ياأنس فأهريقت وفي لفظ قال أنس رضي الله تعالى عنه فقمت إلى مهراس فضربتها بأسفله حتى تكسرت
وفي مسلم عن أبي طارق رضي الله تعالى عنه أنه قال يا رسول الله إنما أصنعه اي الخمر

للدواء فقال إنه ليس بدواء ولكنه داء وإراقة الخمر حينئذ إذ مع أنها كانت مباحة فهي محترمة تغليظ وتوكيد للتحريم وفطم للنفوس لأن إراقتها لم تكن بأمر منه صلى الله عليه وسلم
وسئل الحافظ السيوطي رحمه الله عن حكمة رجوعه صلى الله عليه وسلم القهقرى فاجاب بأنه لعله ككان من خوف الوثوب عليه ارشادا لمن يخاف الوثوب أو كان مقصود صلى الله عليه وسلم مداومته لحظة أو أن الروي أراد بالقهقرى مطلق الروع إلى المنزل لا بالظهر
وأنس رضي الله تعالى عنه لم يكن خادما للنبي صلى الله عليه وسلم حينئذ أي في السنة الرابعة بل بعدها وحينئذ يكون القول بأن كونه في الثالثة أشكل
واشكل من هذا ما حكاه ابن هشام في قصة الأعشى بن قيس أنه خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الأسلام فلما كان بمكة اعترضه بعض المشركين من قريش فسأله عن أمره فأخبره أنه جاءيريد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم فقال له يا أبا بصير إنه يحرم الزنا فقال الأعشى والله إن ذلك لأمرمالي فيه من أرب فقال إنه يحرم الخمرفقال الأعشى اما هذه إن في النفس منها لغلالات ولكني منصرف فأتروي منها عامي هذا ثم آته فأسلم فانصرف فمات في عامه ذلك ولم يعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا كلامه لما علمت أن الخمر لم تحرم بمكة وإنما حرمت بالمدينة في السنة الثالثة أو الرابعة وأجاب بعضهم أن الأعشى أراد المدينة فاجتاز بمكة فرض له بعض كفار قريش
واعترض بانه قيل إن القائل له ذلك أبو جهل لعنه الله وكان في دار عتبة بن ربيعة وأبو جهل قتل ببدر في السنة الثانية
وأجيب بانه على تسليم صحة ذلك بأنه يجوز أن يكون أبو جهل لعنه الله قصد صد الاعشى عن الإسلام بطريق التقول والافتراء لأنه كان يعرف ميل الأعشى إلى الخمر وعدم صبره على تركها فاختلق هذا القول من عنده ليمنعه بذلك عن الإسلام
أقول لما حرمت الخمر قال بعض القوم قتل قوم وهي في بطونهم أي لان جماعة شربوها صبح يوم أحد قتلوا من يومهم شهداء فأنزل الله تعالى { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } وكون أنس رضي الله تعالى عنه لم يكن خادما للنبي صلى

الله عليه وسلم إلا بعد السنة الرابعة يخالف ما سبق أن عند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة جاءت به أمه ليخدمه صلى الله عليه وسلم
وفي البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ليس له خادم ثم أخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أنسا غلام كيس فليخدمك فخدمته صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر وتقدم الجمع بين كون الآتي به أبا طلحة والآتي به أمه
وفي البخاري ايضا عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي طلحة التمس لي غلاما من غلمانكم يخدمني حين أخرج إلى خيبر فخرج بي أبو طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل
وقد يقال لا منافاة لأنه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم لم يأمر أنسا بالخروج معه إلى خيبر لظنه أن أمه لا تسمح له بذلك فلما قال لأبي طلحة ما ذكر جاء إليه بأنس رضي الله تعالى عنه والله أعلم
غزوة بني النضير وهم قوم من اليهود بالمدينة وفي كلام بعضهم بنو النضير هؤلاء حي من يهود خيبر أي وقريتهم كان يقال لها زهرة
كانت تلك الغزاة في ربيع الأول أي من السنة الرابعة وقيل كانت قبل وقعة أحد قال وبه قال البخاري قال ابن كثير والصواب إيرادها بعد أحد كما ذكر ذلك ابن اسحاق وغيره من أئمة المغازي انتهى
أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالتهيؤ لحرب بني النضير والسير إليهم
واختلف في سبب ذلك فمن جملة ما قيل أنه ذهب إليهم ليسألهم كيف الدية فيهم أي لأنه كان بينهم وبين بني عامر قبيلة الرجلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري عند رجوعه من بئر معونة غيلة حلف وعقد
وقيل ذهب إليهم ليستعين بهم في دية الرجلين المذكورين أي وكان صلى الله عليه وسلم أخذ العهد على اليهود أن يعاونوه في الديات
وقيل لأخذ دية الرجلين منهم لأن بني النضير كانوا حلفاء لقوم الرجلين المذكورين

وهم بنوا عامر كذا في الأصل فليتأمل فإن فيه أخذ الدية من حلفاء المقتول وسار إليهم صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه أي دون لعشرة فيهم أبو بكر وعمر وعلي رضي الله تعالى عنهم فقالوا له نعم يا أبا القاسم حتى ترجع وتطعم بحاجتك وكان صلى الله عليه وسلم جالسا الى جنب جدار من بيوتهم فخلا بعضهم ببعض وقالوا إنكم لن تجدوا الرجل على مثل هذه الحالة فمن رجل يعلو هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه فقال أحد ساداتهم انا لذلك أي وهو عمرو بن جحاش وقال لهم سلام بن مشكم لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممهتم به أنه لنقض للعهد الذي بيننا وبينه فلما اصعد ذلك الرجل ليلقي الصخرة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما اراد القوم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أي مظهرا أنه يقضي حاجته وترك أصحابه في مجالسهم ورجع مسرعا إلى المدينة ولم يعلم من كان معه من الحصابة أصحابه فقاموا في طلبه صلى الله عليه وسلم لما استبطئوه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة فسألوه فقالوا رايته داخل المدينة فأقبل أصحابه حتى انتهوا إليه فاخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أرادت بنوالنضير وقد اشار إلى ذلك الإمام السبكي في تائيته نقوله ** وجاءك وحي بالذي أضمرت بنو الن ** نضير وقد هموا بالقاء صخرة **
أي وفي رواية لما رأوا قلة أصحابه صلى الله عليه وسلم قالوا نقتله ونأخذ أصحابه أسارى إلى مكة فنبيعهم من قريش أي ولا مانع من وجود الأمرين
وقيل السبب في خروجه صلى الله عليه وسلم إليهم أنهم أرسلوا إليه أن أخرج إلينا في ثلاثين من أصحابك وليخرج منا ثلاثون حبرا فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا بك فلما غدا عليهم في ثلاثين من أصحابه قال بعضهم لبعض كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون كل يحب أن يموت قبله فأرسلوا إليه أن أخرج في ثلاثة من أصحابك ويلقاك ثلاثة من علمائنا فإن آمنوا بك اتبعناك ففعل واشتملت اليهود الثلاثة على الخناجر فأرسلت امرأة من بني النضير لأخ لها مسلم تعلمه بذلك فأعلم أخوها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فرجع ولا مانع من وجود ذلك مع ما تقدم لكن في السيرة الهاشمية أن خبر ذلك بلغه قبل وصوله إليهم فرجع فبينما بنو النضير على ذلك أي على إرادة القاء الحجر والتهيؤ لإلقائه إذ جاء من اليهود من المدينة فقال لهم ما تريدون فذكروا له الأمر فقال لهم أين محمد قالوا هذا محمد فقال لهم والله لقد تركت محمدا

داخل المدينة فأسقط في ايديهم وقالوا قد أخبر بأمرنا فأرسل إليهم محمد بن مسلمة رضي الله تعالى عنه أن أخرجوا من بلدي يعني المدينة لأن قريتهم من أعمالها فلا تساكنوني بها فقد هممتم بما هممتم به من الغدر أي وأخبرهم بما هموا به من ظهور عمرو بن جحاش على ظهرالبيت ليطرح الصخرة فسكتوا ولم يوقولا حرثا قال ويقولوا لكم قد أجلتكم عشرا فمن رؤي بعد ذلك ضربت عنقه واقتصاره صلى الله عليه وسلم على ذلك لاينافي ما تقدم من إرادة قتله أيضا قيل وأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم } ولاينافي ذلك ما تقدم من نزولها في حق دعثور في غزوة ذي أمر لجواز تكرارالنزول فأرسلوا في إحضار الأبل فأرسل إليهم المنافقون أن لا تخرجوا من دياركم ونحن معكم إن قوتلتم فلكم علينا النصر وإن أخرجتم لن نتخلف عنكم خصوصا عبد الله بن أبي بن سلول لعنه الله فإنه أرسل لهم لا تخرجوا من دياركم وأقيموا في حصونكم فإن معي الفين من قومي وغيرهم من العرب يدخلون حصونكم ويموتون عن آخرهم قبل أن يوصل إليكم وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان فطمع بنو النضيرفيما قال ابن أبي فأرسلوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك فأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير وكبر المسلمين لتكبيره وقال حاربت يهود قال والمتولى أمر ذلك سيد بني النضير حيي بن أخطب والد صفية أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وقد نهاه أحد سادات بني النضير وهو سلام بن مشكم وقال له منتك نفسك والله يا حيي الباطل فإن قول ابن أبي ليس بشيء وإنما يريد أن يورطك في الهلكة حتى تحارب محمدا فيجلس في بيته ويتركك الا ترى أنه أرسل إلى كعب بن أسد القرظي سيد بني قريظة أن تمدكم بنو قريظة فقال له لا ينقض رجل واحد منا العهد فأيس من بني قريظة وأيضا قد وعد حلفاءه من بني قينقاع مثل ما وعدك حتى حاربوا ونقضوا العهد وحصروا أنفسهم في صياصيهم أي حصونهم وانتظروا ابن أبي فجلس في بيته وسارإليهم محمد حتى نزلوا على حكمة فإذا كان ابن أبي لا ينصر حلفاءه ومن كان يمنعه من الناس ونحن لم نزل نضربه بسيوفنا مع الأوس في حروبهم أي فإنه إذا كان بين الأوس والخزرج حرب خرجت بنو قينقاع مع الخزرج وخرجت بنو النضير وقريظة مع الأوس فكيف يقبل قوله فقال حيي نأبي إلا عداوة محمد وإلا قتاله قال سلام فهو والله جلاؤنا من

أرضنا وذهاب أموالنا وشرفنا وسبي ذرارينا مع قتل مقاتلينا فأبى حيي إلامحاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت له بنو النضير أمرنا لأمرك تبع لن نخالفك فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكراه فتهيأ الناس لحربهم فلما اجتمع الناس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم وحمل رايته علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وسار بالناس حتى نزل وصلى بهم العصر بفنائهم وقد تحصنوا وقاموا على حصنهم يرمون بالنبل والحجارة
أي وفي كلام بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه رضي الله تعالى عنهم بالمسير إلى بني النضير فسار بهم إليهم فوجدهم ينحن ينوحون على كعب بن الأشرف أي الآتي قتله في السرايا قالوا يا محمد داعية إثر داعية وباكية إثر باكية ذرنا نبكي شجونا ثم أئتمر أمرك فقال صلى الله عليه وسلم لهم اخرجوا من المدينة قالوا الموت أهون من ذلك ثم تبادروا بالحرب هذا كلامه
قال ولما جاء وقت العشاء رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته في عشرة من أصحابه عليه الدرع وهو على فرس واستعمل على العسكر علي بن أبي طالب ويقال ابا بكر وبات المسلمون يحاصرونهم ويكبرون حتى أصبحوا ثم اذن بلال بالفجر فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه الذين كانوا معه فصلى بالناس وأمر بلالا فضرب القبة وهي قبة من خشب عليها مسوح فدخل صلى الله عليه وسلم فيها وكان رجل من يهود يقال له غزول وكان أحسن راميا يبلغ نبله مالا يبلغه نبل غيره فوصل نبله تلك القبة فأمر بها فحولت وفي ليلة من الليالي فقد علي رضي الله تعالى عنه قرب العشاء فقال الناس يا رسول الله ما نرى عليا فقال دعوه أي اتركوه فإنه في بعض شأنكم فعن قليل جاء برأس الرجل الذي يقال له غزول الذي وصل نبله قبتة صلى الله عليه وسلم كمن له علي حين خرج يطلب غزوة من المسلمين ومعه جماعة فشد عليه فقتله وفر من كان معه فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع علي أبا دجانة وسهل بن حنيف في عشرة فأدركوا أولالئك الجماعة الذين كانوا مع غزول وفروا من علي فقتلوهم انتهى
وذكر بعضهم إن اولئك الجماعة كانوا عشرة وإنهم أتوا برؤوسهم فطرحت في بعض الآبار وفي هذا رد على بعض الرافضة حيث وادعى إن عليا هو القاتل لاولئك العشرة وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخل أي وبحرقها بعد أن حاصرهم ست ليال

وقيل خمسة عشر يوما أي وقيل عشرين ليلة وقيل ثلاثا وعشرون ليلة وقيل خمسا وعشرين ليلة وكان سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه في تلك المدة يحمل التمر للمسلمين أي يجاء به من عنده قال واستعمل رسول الله على قطع النخل أبا ليلى المازني وعبد الله بن سلام وكان أبو ليلى يقطع العجوة وعبد الله يقطع اللين ويقال له اللون وهو ما عدا العجوة والبرني من أنواع التمر بالمدينة ومن أنواع تمر المدينة الصيحاني
وجاء عن علي كرم الله تعالى وجهه قال خرجت مع رسول الله فصاحت نخلة بأخري هذا النبي المصطفى وعلي المرتضى فقال صلى الله عليه وسلم يا علي إنما سمي نخل المدينة إي هذا النوع صيحانيا لأنه صاح بفضلي وهو حديث مطعون فيه قيل أنه كذب والبرن بالفارسية حمل مبارك أو جيد
وفي شرح مسلم للنووي انها مائة وعشرون نوعا أي وفي تاريخ المدينة الكبير للسيد السمهودي إن أنواع التمر بالمدينة التي أمكن جمعها بلغت مائة وبضعا وثلاثين نوعا ويوافقه قول بعضهم اختبرناها فوجدناها أكثر مما ذكره النووي قال ولعل ما زاد علي ما ذكره حدث بعد ذلك
أي وأما أنواع التمر بغير المدينة كالمغرب فلا تكاد تنحصر فقد نقل إن عالم فاس محمد بن غازي أرسل إلى عالم سلجمامسة إبراهيم بن هلال يساله عن حصر أنواع التمر بتلك البلده فأرسل إليه حملا أو حملين من كل نوع تمر تمرة واحدة وكتب إليه هذا ما تعلق به علم الفقير وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها
ثم رأيت في نشق الأزهار إن بهذه البلدة رطبا يسمى البتوني وهو أخضراللون وأحلى من عسل النحل ونواة في غاية الصغر وكانت العجوة خير أموال بني النضير أي لأنهم كانوا يقات يقتاتونها
وفي الحديث العجوة من الجنة وثمرها يغذي أحسن غذاء اي وتقدم أن آدم نزل بالعجوة من الجنة
وفي البخاري من تصبح كل يوم على سبع تمرات عجوة لم يصبه في ذلك اليوم سم ولا سحر أي قد جاء وقال في عجوة العالية شفاء وإنها ترياق أول البكرة من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر

أي وفي كلام بعضهم العجوة ضرب من التمر أكبر من الصيحاني تضرب إلى السواد وهو مما غرسه النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة بالمدينة أي وقد علمت إنها في نخل بني النضير
وفي العرائس عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هبط آدم من الجنة بثلاثة اشياء بالآسة وهي سيدة ريحان الدنيا والسنبلة وهي سيدة طعام الدنيا والعجوة وهي سيدة ثمارالدنيا
وروي عن ابن عباس وعائشة وابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال إن العجوة من غرس الجنة وفيها شفاء وإنها ترياق أول البكرة وعليكم بالتمرالبرني فكلوه فإنه يسبح في شجرة ويستغفر لآكله هذا كلام العرائس وفي حديث وفد عند ابن القيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم ذلك وذكر البرني أنه من خيرتمركم وأنه دواء وليس بداء وجاء بيت لا تمر فيه جياع أهله قال ذلك مرتين
ولما قطعت العجوة شق النساء الجيوب وضربن الخدود ودعون بالويل أي وذلك البعض الذي حرق كان بمحل يعرف بالبويرة أه أي والبويرة تصغير بورة وهي هنا الحفرة ويقال لها البولة باللام بدل الراء وعند ذلك نادوه أي يا محمد وفي رواية يا ابا القاسم قد كنت تنهي عن الفساد وتعيبه على من صنعه فما بال قطع النخل وتحريقها أي وفي رواية ما هذا الفساد وفي لفظ قالوا يا محمد زعمت أنك تريد الصلاح أفمن الصلاح قطع النخل وهل وجدت فيما زعمت أنه انزل عليك بالفساد في الارض وقالوا للمؤمنين إنكم تكرهون الفساد وأنتم تفسدون وحينئذ وقع في نفوس بعض المسلمين من ذلك شيء فأنزل الله تعالى { ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين } أي في قولهم إن ذلك من الفساد
قال بعضهم جميع ما قطعوا وحرقوا ست نخلات ولا زال عبدالله بن أبي بن سلوم يبعث بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا فإنكم إن قوتلتم قاتلنا معكم وإن اخرجتم خرجنا معكم أي ومعه على ذلك جمع من قومه فانتظروا ذلك فخذلهم ولم يحصل لهم منه شيء أي وجعل سلام بن مشكم وكنانة بن صوريا يقولان لحيي أين نصر بن أبي الذي زعمت فيقول حيي ما اصنع هي ملحمة كتبت علينا ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم

حصارهم وقذف الله في قلوبهم الرعب فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم على ان لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة اي آلة الحرب ففعل فاحتملوا النساء والصبيان وحملوه من أموالهم غيرالحلقة مااستقلت به الأبل وكانت ستمائة بعير كان الرجل يهدم بيته عما استحسن من خشبة كبابه وكنجاف به أي اسكفته فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به
أي وفي لفظ صاروا ينقضون العمد والسقوف وينزعون الخشب حتى على الاوتاد وينقضون الجدران حتى لا يسكنها المسلمون حسدا وبغضا
وفي رواية جعل المسلمون يهدمون ما يليهم من حصنهم ويهدم الآخرون ما يليهم قال وفي رواية أنهم خرجوا مظهرين التجلد خرجت النساء على الهوادج وعليهن الديباج والحرير وقطف الخز الأخضر والأحمر وحلي الذهب والفضة وخلفهم القيان بالدفوف والمزامير ومنهم سلمى أم وهب
وقال ابن اسحاق أم عمرو صاحبة عروة بن الورد الذي قيل فيه من قال أن حاتما أسمح العرب فقدظلمة عروة بن الورد أغار عروة على قومها فسباها ثم اتخذها حليلة له فجاءت منه بأولاد
ثم ان بعض بني النضير اشتراها من عروة بعد أن سقاه الخمر ثم لما افاق ندم ثم اتقق هو ومن اشتراها على أن تكون عند من تختاره فخيرها فاختارت من اشتراها
وقيل إن قومها جاءوا إليه بفدائها فخيرها وكان لا يظن أن تختارعليه أحدا فاختارت قومها فندم
وعند مفارقتها له قالت له والله ما أعلم امراة من العرب أرخت سترا على بعل مثلك أغض طرفا ولا اندى كفا ولا اغنى غناء وإنك لرفيع العماد كثيرالرماد خفيف على ظهور الخيل ثقيل على متون الأعداء وأحنى على الأهل والجار وما كنت لأوثر عليك أهلي لولا إني كنت أسمع بنات عمك يقلن قالت أم عروة وفعلت أم عروة فأجد من ذلك الموت والله لا يجامع وهي وجه أحد من أهلك فاستوص ببنيك خيرا ثم تزوجت في بني النضير وشقوا سوق المدينة وصف لهم الناس فجعلوا يمرون قطارا في أثر قطار وإن سلام بن ابي الحقيق رافع جلد جمل أي أو ثور أو حمار مملوء

حليا وينادي بأعلى صوته هذا أعددناه لرفع الأرض وخفضها وإن كنا تركنا نخلا ففي خيبرأنخل وحزن المنافقون لخروجهم أشد الحزن انتهى
وهذا الحلى كانوا يعيرونه مللعرب من أهل مكة وغيرهم وكان يكون عند آل أبي الحقيق وسياتي في غزوة خيبر أنه صلى الله عليه وسلم عبر عن هذا الحلي بالآنية والكنز وأنه كان سبب القتل ولدي أبي الحقيق لما كتماه عنه صلى الله عليه وسلم
فمنهم من سار إلى خيبر أي ومن جملة هؤلاء أكابرهم حيي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق وكنانة بن أبي الربيع بن أبي الحقيق فلما نزلوا خيبر دان لهم أهلها
ومنهم من سار إلى الشام أي إلى أذرعات وكان فيهم جماعة من أبناء الأنصار لأن المراة من الأنصار كان إذا لم يعش لها ولد تجعل على نفسها إن عاش لها ولد تهوده فلما أجليت بنو النضير قال آباء أولئك لا ندع أبناءنا وأنزل الله تعالى { لا إكراه في الدين } وهي مخصوصة بهؤلاء الذين تهودوا قبل الإسلام وإلا فأكراه الكفار الحربيين على الإسلام سائغ ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان وهما يامين بن عمير وأبو سعد بن وهب قال أحدهما لصاحبه والله إنك لتعلم أنه رسول الله فما ننتظر أن نسلم فنامن على دمائنا وأموالنا فنزلا من الليل واسلما فأحرزا أموالهما أي وجعل يامين لرجل من قيس جعلا أي وهو عشرة دنانير وقيل خمسة اوثق من تمر على قتل عمرو بن جحاش الذي أراد أن يلقي الحجر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله عيلة أي بعد أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليامين ألم تر ما لقيت من ابن عمك وما هم به من شأني فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونزل في أمر بني النضير صورة الحشر ولذلك كان يسميها ابن عباس رضي الله تعالى عنهما صورة بني النضير كما في البخاري
وفي كلام السبكي رحمه الله لم يختلف ان سورة الحشر نزلت في بني النضير وقد اشار لقصتهم صاحب الهمزية بقوله ** خدعوا بالمنافقين وهل ين ** فق إلاعلى السفيه الشقاء ** ونهيتم وما انتهت عنه قوم ** فأبيد الأمار والنهاء ** أسلموهم لأول الحشر لأمير ** عادهم صادق ولا الإيلاء ** سكن الرعب والخراب قلوبا وبيوتا ** منهم نعاهاالجلاء **


أي وخدعهم قول المنافقين أنهم يكونون معهم وينصرونهم على النبي صل صلى الله عليه وسلم وما يروج الشقاء إلا على السفيه والمراد بالمنافقين عبد الله بن أبي ابن سلول ومن كان معه على النفاق لأنه كما تقدم لا زال يرسل لهم أن اثبتوا وتمنعوا فإنكم إن قوتلتم قاتلن معكم وإن خرجتم خرجنا معكم ونهاهم عن موافقته سلام بن مشكم فلم ينتهوا وأسلمهم اولئك المنافقون لأول الحشر وهو أي الحشر جلاؤهم وخروجهم من ديارهم فميعادهم لهم بأن ينصرونهم على النبي صلى الله عليه وسلم غير صادق وكذا حلفهم لهم على ذلك غيرصادق أيضا
ذكر موسى بن عقبة أنهم كانوا من سبط لم يصبهم جلاء قبلها لذلك قال لأول الحشر والحشر الجلاء
وقيل المراد بالمحشر أرض المحر فإنهم قالوا إلى اين نخرج يا محمد قال إلى الحشر يعني أرض المحشر والحشر الثاني هو حشر النار التي تخرج من قعر عدن فتحشر الناس إلى الموقف
وقيل الحشر الثاني لهم كان على يد سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه أجلاهم من خيبر إلى تيمياء وأريحاء وسيأتي ذكره وسكن الرعب وهو خشية انتقامه صلى الله عليه وسلم منهم قلوبهم وسكن الخراب بيوتهم وقد أخبر تلك البيوت بموت أهلها خروجهم وجلاؤهم من أرضهم وأنزل الله تعالى { ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب } وهم بنو النضير { لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم } أي في خذلانكم { أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم } مثلهم { كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين } ووجد صلى الله عليه وسلم من الحلقة أي آلة السلاح خمسين درعا وخمسين بيضة وثلثمائة وأربعين سيفا ولم يخمس ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أي كما خمس أموال بني قينقاع قال وقد قال له عمر رضي الله تعالى عنه يا رسول الله ألا تخمس ما أصبت أي كما فعلت في بني قينقاع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول لا اجعل شيئا جعله الله لي دون المؤمنين بقوله تعالى { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } الآية كهيأة ما وقع فيه السهمان أي فكان أموال بني النضير وعقارهم فيئا لرسول الله صلى الله عليه وسلم

فاصة وتقدم التنبيه على ذلك في غزوة بني قينقاع وفسرت القرى بالصفراء ووادي القرى أي ثلث ذلك كما في الإمتاع وينبع وفسرت القرى ببني النضير وخيبر أي بثلاث حصون منها وهي الكتيبة والوطيح وسلالم كما في الإمتاع وفدك أي نصفها كما في الإمتاع ذكره الرافعي في شرح مسند إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه
أقول قال بعضهم وهذا أول فيء حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويرده ماتقدم في غزوة بني قينقاع إلا ان يقال المراد أول فيء اختص به صلى الله عليه وسلم ولم يقسمه قسمة الغنيمة على ما تقدم
ثم دعا الأنصار الاوس والخزرج فحمد الله وأثنى عليه بما هو اهله ثم ذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين من إنزالهم في منازله وإيثارهم على أنفسهم بأموالهم ثم قال لهم إن أخوانكم المهاجرين ليس لهم اموال فإن شئتم قسمت هذه الأموال أي التي افاء الله علي وخصني بها مع اموالكم بينكم جميعا وإن شئتم أمسكتم أموالكم وقسمت هذه فيهم خاصة فقالوا بل اقسم هذه فيهم وأقسم لهم من أموالنا ما شئت
وفي رواية إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين ما أفاء الله على من بني النضير وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في منازلكم وأموالكم أي الأرض والنخل لانه لما قدم المهاجرون من مكة إلى المدينة قدموا وليس بأيديهم شييء وكان الانصار أهل الأرض والعقار أي النخل فآثروهم بمتاع من اشجارهم فمنهم من قبلها منيحة محضة ويكفونه العمل ومنهم من قبلها بشرط ان يعمل في الشجر والأرض وله نصف الثمار ولم تطب نفسه أن يقبلها محضة لحظة لشرف نفوسهم وكراهتهم أن يكونوا كلا وإن احببتم أعطيتهم أي وخرجوا من دوركم أي وأموالكم فتكلم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ فقالا يا رسول الله بل تقسم بين المهاجرين ويكونون في دورنا كما كانوا بل نحب أن تقسم ديارنا واموالنا على المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم وعشائرهم وخرجوا حبا لله ولرسوله ونؤثرهم بالغنيمة ولا نشاركهم فيها ونادت الأنصار رضينا وسلمنا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار زاد في رواية وأبناء أبناء الانصار وقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه جزاكم الله يا معشر الأنصار خيرا أي وأنزل الله تعالى فيهم { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } أي ولو كان بهم فاقة وحاجة إلى ما يؤثرون به فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم

ذلك بين المهاجرين أي وفي كلام بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم لم يعم المهاجرين ولم يعط أحدا من الأنصار إلا رجلين كانا محتاجين أي وهما سهل بن حنيف وابو دجانة رضي الله تعالى عنهما وبعضهم ضم إليهما ثالثا وهو الحارث بن الصمة ونظر فيه بعضهم بأنه قتل في بئر معونة
وأعطى صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق أحد سادات بني النضير وكان سيفا له ذكر عندهم وكان صلى الله عليه وسلم يزرع أرضهم التي تحت النخل فيدخر من ذلك قوت أهله سنة وما فضل يجعله في الكراع أي الخيل والسلاح عدة في سبيل الله تعالى
أقول فيه تصريح بأنه لم يقسم الأرض ويحتمل ان المراد بقوله كان يزرع أرضهم التي تحت النخل أي بعض أرضهم ويدل له ما يأتي ولم اقف على كيفية زرعه صلى الله عليه وسلم للأرض من مزارعة أو غيرها
وفي الخصائص الكبرى عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان نخل بني النضير رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة اعطاه الله إياه وخصه بها فاعطى أكثرها المهاجرين وقسمها بينهم وقسم منها لرجلين من الأنصار
وهذا السياق يدل على ان مراده بنخل بني النضير أموالهم كما تقدم في الروايات خصوص النخل
ثم رايت في عبارة بعضهم وأكثر الروايات على أن اموال بني النضير أي من مواشيهم كالخيل ومزارعهم وعقارهم حق لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة له خصه الله تعالى بها لم يخمسها ولم يسهم منها لاحد وأعطى منها مااراد ووهب العقار للناس وأعطى ابا بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وصهيبا وأبا سلمة بن عبد الأسد ضياعا معروفة من ضياع بني النضير
ولعل المراد بالضياع الاراضي ويدل لي لذلك ما في البخاري اقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير ارضا من اراضي بني النضير كما ان ذلك هو المراد بقول الإمتاع وكانت بنو النضير من صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلها حبسا لنوائبه وكان صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله منها وكانت صدقاته منها
وقد يقال لا منافاة لانه يجوز أن يكون أعطى بعض أراض وابقى بعضها يزرع

له صلى الله عليه وسلم ولما أعطى المهاجرين امرهم برد ما كان للأنصار للاستفنائهم عنهم ولأنهم لم يكونواملكوهم ذلك وإنما كانوا دفعوا لهم تلك النخيل لينتفعوا بثمرها وظنت أم أيمن أن ذلك ملك لها فامتنعت من رده أي لأن أم أنس كانت أعطته صلى الله عليه وسلم نخلات فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم ايمن ولم ينكر عليها ذلك تطييبا لقلبها لكونها حاضنته وصار يعطيها وهي تمتنع من رده إلى ان أعطاها عشرة امثاله أو قريبا من ذلك
وذكر هذا في بني النضير يخالف ما في مسلم أن ذلك كان عند فتح خيبر حيث ذكر أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من قتال أهل خيبر وانصرف إلى المندينة رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم التي كانوا منحوهم من ثمارها وذكر قصة أم أيمن فليتأمل والله أعلم
غزوة ذات الرقاع أي وتسمى غزوة الأعاجيب أي لما وقع فيها من الأمور العجيبة وغزوة محارب وغزوة بني ثعلبة وغزوة بني أنمار
عن ابن ا سحاق رحمه الله ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بني النضير شهر ربيع الاول وقال غيره شهري ربيع وبعض جمادي ثم غزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة حين بلغه صلى الله عليه 2 وسلم انهم جمعوا الجموع أي من غطفان لمحاربته فخرج صلى الله عليه وسلم في أربعمائة من أصحابه رضي الله عنهم اي وقيل سبعمائة وقيل ثمانمائة
أي واحتج البخاري رحمه الله علي أن هذه الغزاة كانت بعد خيبر بما رواه عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه مما يدل على أن أبا موسى شهد غزاة ذات الرقاع وهو خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر بيننا بعير فنقبت أقدامنا وسقطت أظفاري فكنا نلف على أرجلنا الخرق فسميت غزاة ذات الرقاع
وإذ ثبت أن ابو موسى شهد غزاة ذات الرقاع وثبت أنه لم يجئ إليه صلى الله عليه وسلم من الحبشة إلا بخيبر لزم أن تكون غزوة ذات الرقاع بعد خيبر إلا أن يدعى تعدد غزوة ذات الرقاع مرتين وإنها كانت قبل خيبر وبعدها والتي وجدت فيها صلاة

الخوف هي الثانية أي والسبب في تسميتها ذات الرقاع ما تقدم عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه وحيث كانت بعد خيبر يلزم أن تكون بعد الخندق لقول الحافظ ابن حجر رحمه الله صلاة الخوف في غزوة الخندق لم تكن شرعت اي أها لو كانت شرت لصلاها صلى الله عليه وسلم ولم يؤخرالصلاة كما سيأتي وسيأتي الجواب عن ذلك
وقد ذكرها الشمس الشامي رحمه الله تعالى بعد خيبر والأصل لم يذكر ما تقدم عن البخاري بل رواه بالمعنى فقال روينا في صحيح البخاري للحديث أبي موسى رضي الله تعالى عنه أنهم نقبت أقدامهم فلفوا عليها الخرق فسميت غزوة ذات الرقاع قال وجعله أي البخاري حديث أبي موسى هذا حجة على أن غزوة ذا ت الرقاع متاخرة عن خيبر أبا موسى إنما تقدم في خيبر لا دلالة فيه على ذلك أي لأنه يجوز أن يكون قول ابي موسى رضي الله تعالى عنه إنهم نقبت اقدامهم يعني الصحابة فيكون هذا مما رواه أبو موسى عمن شاهد الوقعة من الصحابة وفيه أن هذا لا يأتي مع قول البخاري عن أبي موسى فنقبت قدماي وسقطت أظفاري إذ هو صريح في أن أبا موسى رضي الله تعالى عنه حضرها والأصل تبع في تقديمها على خيبر شيخه الديمياطي وتابعه أيضا في رواية ما تقدم ما تقدم عن البخاري بالمعنى ونظر الديمياطي في رواية أبي موسى أي التي في البخاري التي رواها عنه بالمعنى بأنها مخالفة لما عليه أهل المغازي من تقديمها على خيبر
قال الحافظ بن حجر وإدعى الدمياطي غلط الحديث الصحيح وأن جميع أهل السير على خلافه والاعتماد على مافي الصحيح أي من تاخأيرها أولى لأن أصحاب المغازي مختلفون في زمانها قال والبخاري مع روايتة عن ابي موسى الصريحة في تاخر غزوة ذات الرقاع عن غزوة خيبر قدم غزوة ذات الرقاع على خيبر قال ولا أدري هل تعمد ذلك تسليم لأصحاب المغازي أنها كانت قبل خيبراو ان ذلك من الرواة عنه او إشارة إلى احتمال أن تكون ذات الرقاع اسما لغزوتين مختلفتين أي واحدة قبل خيبر والثانية بعدها كما قدمناه أي وقدمنا أن سبب التسمية في الثانية ما ذكر عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه وأما في الأولى فأحد الاسباب الآتية
قال في الامتاع وقد قال بعض من أرخ إن غزوة ذات الرقاع أكثر من مرة فواحدة كانت قبل الخندق وأخرى بعدها أي وبعد خيبر
ولما غزا صلى الله عليه وسلم استخلف على المدينة أبا ذر الغفاري وقيل عثمان بن

عفان رضي الله تعالى عنه قال ابن عبدالبر وعليه الأكثر أي وقد نظر في الأولى بأن أبا ذر رضي الله تعالى عنه لما اسلم بمكة رجع إلى بلاد قومه فلم يجيء حتى مضت بدرا وأحد والخندق
أقول وهذا النظر بناء على أنها كانت قبل الخندق وأما على انها كانت بعد لخندق وبعد خيبر فلا يتأتى هذا النظر واللهأعلم
وسار صلى الله عليه وسلم حتى بلغ نجد فلم يجدبها أحد ووجد نسوة فأخذهن وفيهن جارية وضيئة ثم لقي جمعا فتقارب الجمعان ولم يكن بينهما حرب
وقد خاف بعضهم بعضا أي خاف المسلمون أن تغير المشركون عليهم وهم غارون أي غافلون حتى صلى رسول الله صلى اللع عليه عليه وسلم بالناس صلاة الخوف وكانت أول صلاة للخوف صلاها
قال وفي رواية حانت صلاة الظهر فصلاها صلى الله عليه وسلم باصحابه فهم بهم المشركون فقال قائلهم دعوهم فإن لهم صلاة بعد هذه هي أحب إليهم من أبنائهم أي وهي صلاة العصر فنزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره فصلى صلاة العصر صلاة الخوف آه
أقول سيأتي هذا كله بعينه في غزوة الحديبية التي هي صلاة الخوف بعسفان ولا مانع من تعدد ذلك ويحتمل أنه من الاشتباه على بعض الرواة والله أعلم
وكان العدو في غير جهة القبلة ففرقهم فرقتين فرقة وقفت في وجه العدو وفرقة صلى بها ركعة ثم عند قيامه للثانية فارقته وأتمت بقية صلاتها ثم جاءت ووقفت في وجه العدو وجاءت تلك الغرقة التي كانت في وجه العدو واقتدت به في ثانيته فصلى بها ركعة ثم قامت وهو في جلوس التشهد وأتمت بقية صلاتها ولحقته في جلوس التشهد وسلم بها وهذه الكيفية في ذات الرقاع رواها الشيخان ونزل بها القرآن وهو قوله تعالى { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } الآية
اي وفي كلام بعضهم فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف صلى بطائفة ركعتين وبالأخرى أخريين وسيأتي ان هذه صلاته صلى الله عليه وسلم ببطن نخل


وفي الخصائص الصغرى وخص صلى الله عليه وسلم بصلاة الخوف فلم تشرع لأحد من الأمم من قبلنا وبصلاة شدة الخوف عند التحام القتال
أي وفي هذه الغزوة نزل صلى الله عليه وسلم ليلا وكانت تلك اليلة ذات ريح وكان نزوله صلى الله عليه وسلم في شعب استقبله فقال من رجل يكلؤنا أي يحفظنا هذه الليلة فقام عباد بن بشر رضي الله تعالى عنه وعمار بن يا سر رضي الله تعالى عنهما فقالا نحن يا رسول الله نكلؤكم فجلسا على فم الشعب فقال عباد بن بشر لعمار بن ياسر أنا أكفيك أول الليل وتكفيني أخره فنام عمار رضي الله تعالى عنه وقام عباد رضي الله تعالى عنه يصلي وكان زوج بعض النسوة التي أصابهن رسول الله صلى الله عليه وسلم غائبا فلما جاء أخبر الخبر فتبع الجيش وحلف لا ينثني حتى يصيب محمدا أويهريق في أصحاب محمد دما فلما رأى سواد عباد قال هذا ربيئة القوم ففوق سهما فوضعه فيه فانتزعه عباد فرماه باخر فوضعه فيه فانتزعه فرماه بأخر فانتزعه فلما غلبه الدم قال لعمار اجلس فقد اثبت فلما راى ذلك الرجل عمار أجلس علم أنه قد نذر به فهرب فقال عمار اي أخي ما منعك أن توقظني له في أول سهم رمى به فقال كنت أقرأ في سورة أي في سورة الكهف فكرهت ان أقطعها
وفي لفظ جعل صلى الله عليه وسلم شخصين من اصحابه يقال هما عباد بن بشر من الانصار وعمار بن ياسر من المهاجرين في مقابلة العدو فرمى أحدهما بسهم فأصابه ونزفه الدم وهو يصلي ولم يقطع صلاته بل ركع وسجد ومضى في صلاته ثم رماه بثان وثالث وهو يصيبه ولم يقطع صلاته أى وهو عباد بن بشر كما تقدم وقد قال عباد اعتذارا اعن إيقاظ صاحبه لولا اني خشيت ان أضيع ثغرا أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انصرفت ولو أتى على نفسي
أقول وبهذه الواقعة استدل أئمتنا على أن النجاسة الحادثة من غير السبيلين لا تنقض الوضوء لأنه صلى الله عليه وسلم علم ذلك ولم ينكره
وأما كونه صلى مع الدم فلعل ما أصاب ثوبه وبدنه منه قليل ولاينافي ذلك ما تقدم في الرواية قبل هذه فلما غلبه الدم إذ يجوز مع كونه كثيرا انه لم يصب ثوبه ولا بدنه إلا القليل منه والله أعلم
ويقال إن رجلا من القوم اي وهو غورث بالغين المعجمة مكبرا على الأشهر

وقيل غويرث بالتصغير والمهملة ابن الحارث قال لهم ألا أقتل لكم محمدا قالوا بلى وكيف تقتله قال أفتك به أى أجيء إليه على غفلة فجاء إليه صلى الله عليه وسلم وسيفه في حجره فقال يا محمد أرني أنظر إلى سيفك هذا فأخذه من حجره فاستله ثم جعل يهزه ويهم فيكبته الله أي يخزيه ثم قال يا محمد ما تخافني قال لا بل يمنعني الله تعالى منك ثم دفع السيف إليه صلى الله عليه وسلم فأخذه صلى الله عليه وسلم وقال من يمنعك مني فقال كن خير أخذ قال تشهدا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قال أعاهدك علي اني لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك قال فخلي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيله فجاء إلى قومه فقال جئتكم من عند خير الناس واسلم هذا بعد وكانت له صحبة
وفي رواية جاء إليه صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيفه في حجره فقال يا محمد انظر إلى سيفك هذا قال نعم فأخذه فاستله ثم جعل يهزه ثم قال يا محمد أما تخافني وما أخاف منك قال وفي يدي السيف قال لا يمنعني الله تعالى منك ثم غمد سيفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده عليه فقال
وهذه واقعة غير واقعة دعثور المتقدمة في غزوة ذي أمر فهما واقعتان احداهما مع دعثور والثاني ة مع غورث فقول أصله والظاهر أن الخبرين واحد فيه نظر ظاهر فليتأمل
قال وفي رواية لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة ادركته القائلة يوما بواد كثير العضاة أي الأشجار العظيمة التي لها شوك وتفرق الناس في العضاة أي الاشجار يستظلون بالشجر ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت ظل شجرة أي ظليله قال جابر رضي الله تعالى عنه تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم فعلق صلى الله عليه وسلم سيفه فيها فنمنا نومة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فجئنا إليه فوجدنا عنده أعرابيا جالسا فقال إن هذا قد اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت وهو في يده مصلتا أي مسلولا فقال لي من يمنعك مني قلت الله قال ذلك ثلاث مرات ولم يعاقبه صلى الله عليه وسلم
وهذه الرواية مع ما قبلها يقتضي سياقهما أنهما واقعتان لا واقعة واحدة ويبعد أن يكون ذلك الأعرابي هو غورث صاحب الواقعة الأولى فيكون تعدد منه هذا الفعل

مرتين أي وأنزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم } ** وتقدم أن سبب نزولها إرادة ألقاء الحجر عليه من بعض أهل بني النضير لعنهم الله وتقدم أنه لا مانع من تعدد النزول لتعدد الأسباب
وفي الشفاء قيل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاف قريشا فلما نزلت هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم } الآية استلقى ثم قال من شاء فليخذلني
اي وفيه أن هذا لا يحسن إلا عند نزول آية { والله يعصمك من الناس } إلا أن يقال هو صلى الله عليه وسلم علم من ذلك أن الله مانع له ممن يريده بسوء وإن كان يجوز أن يمنعه من شخص دون آخر فليتأمل
وإنما لم يعاقب صلى الله عليه وسلم ذلك الأعرابي حرصا على استئلاف قلوب الكفار ليدخلوا في الإسلام
وكانت مدة غيبته صلى الله عليه وسلم خمسة عشرة ليلة وبعث صلى الله عليه وسلم جعال بن سراقة إلى المدينة مبشرا بسلامته وسلامة المسلمين أي وكان رضي الله تعالى عنه من أهل الصفة وهو الذي يتمثل به أبليس لعنه الله يوم أحد حين نادى إن محمدا قد قتل كما تقدم
وأبطأ جمل جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه فنخسه صلى الله عليه وسلم وفي لفظ انه حجنه بمحجنه فانطلق متقدما بين يدي الركب وفي رواية فلقد رأيتني أكفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حياء منه لا يسبقه أي وهو ينازعني خطامه مع أني كنت أرجو أن يستاق معنا ثم قال له صلى الله عليه وسلم أتبيعنيه فابتاعه منه أي بأوقية وقيل بأربع اواق وقيل بخمس أواق وقيل بخمسة دنانير وقيل بأربعة دنانير بعد ان أعطعاه فيه أولا درهما ممازحا له فقال له جابر رضي الله تعالى عنه تبيعني يا رسول الله وفي رواية لا زال صلى الله عليه وسلم يزيده درهما درهما فيقول جابر أخذته بكذا والله يغفر لك يا رسول الله قال بعضهم كأنه صلى الله عليه وسلم أراد بأعطائه درهما درهما أن يكثر استغفاره له وقال له لك ظهره إلى المدينة وفي رواية وشرط لي ظهره إلى المدينة أي واستغفر لجابر رضي الله تعالى عنه في تلك الليلة خمسا اوعشرين مرة وقيل سبعين مرة فلما وصل صلى الله عليه وسلم المدينة أعطاه الثمن ووهب له الجمل

أي وقيل إن هذه القصة أي ابطاء جمل جابر رضي الله تعالى عنه إنما اكان في رجوعه صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وقيل كانت في رجوعه من غزوة تبوك
أي والذي في البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فكمنت على جمل ثقال إنما هو في آخر القوم فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال من هذا فقلت جابر بن عبد الله قال فمالك قلت إني على جمل ثقال قال أمعك قضيب قلت نعم قال أعطنيه فضربه فزجره فكان من ذلك المكان من أول القوم قال بعنيه قل بل هو لك يا رسول الله قال بل بعنيه فقد أخذته بأربعة دنانير ولك ظهره غلى المدينة لفما قدمت المدينة قاليابلال اقضه وزده فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطا قال جابر رضي الله عنه أعطاني الجمل وسهمي مع القوم
وفي لفظ عن جابر قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فدخلت إليه فلفت الجمل في ناحية البلاط فقلت يا رسول الله هذا جملك فخرج صلى الله عليه وسلم فجعل يطوف بالجمل قال الثمن والجمل لك وفي لفظ إنما باعه له بوقية اي ذهب وأنه استثنى حملانه إلى أهله فلما قدم المدينة وانقره الثمن وانصرف أرسل على اثره وقال له ما كنت لآخذ جملك فخذ جملك
وعن جابر رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم اشتراه بطريق تبوك بأربع أواق وفي لفظ بعشرين دينار فليتأمل الجمع بين هذه هذه الروايات على تقدير صحتها فإن التعدد بعددها بعيد
قيل سميت ذات الرقاع باسم شجرة كانت في ذلك المحل يقال لها ذات الرقاع أو لأنهم رقعوا راياتهم او لأنهم لفوا على أقدامهم الخرق لما حصل لهم الحفاء كما تقدم أو لأن الصلاة رقعت فيها او لأن الجبل الذي نزلوا به كانت أرضه ذات ألوان تشبه الرقاع فيه بقع حمر وسود وبيض واستغربه الحافظ ابن حجر
قال الإمام النووي رحمه الله ويحتمل أنها سميت بالمجموع قال وفي هذه الغزوة جاءته صلى الله عليه وسلم امرأة بدوية باني لها فقالت يا رسول الله هذا ابني قد غلبني عليه الشيطان ففتح فاه فبزق فيه وقال اخسأ عدو الله أنا رسول الله ثم قال صلى الله عليه وسلم شأنك بابنك لن يعود إليه شيئ مما كان يصيبه أي فكان كذلك


وفيها أيضا جاء رجل بفرخ طائر فأقبل أحد أبويه حتى طرح نفسه بين يدي الذي أخذ فرخه فعجب الناس من ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتعجبون من هذا الطائر أخذتم فرخه فطرح نفسه رحمة لفرخه ولله لربكم أرحم بكم من هذا الطائر بفرخه
وفيها ايضا جيء له صلى الله عليه وسلم بثلاث بيضات من بيض النعام فقال لجابر دونك يا جابر قال جابر فاعمل هذه البيضات رضي الله تعالى عنه فعملتهن ثم جئت بهن في قصعة فجعلنا نطلب خبزا فلم نجد فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه يأكلون من ذلك البيض من بغير خبز حتى انتهى كل إلى حاجته أي إلى الشبع والبيض في القصعة كما هو
وفيها ايضا جاء جمل يرفل أي حتى وقف عنده صلى الله عليه وسلم وأرغى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدرون ماقال هذا الجمل هذا جمل يستعيذ بي على سيده يزعم أنه كان يحرث عليه منذ سنين وانه أراد أن ينحره اذهب يا جابر إلى صاحبه فأت به قال جابر رضي الله تعالى عنه فقلت لاأعرفه قال أنه سيدلك عليه قال جابر فخرج بين يدي حتى وقف على صاحبه فجئته به فكلمه صلى الله عليه وسلم في شان الجمل آه
وعن عبدالله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائط رجل من الأنصار فإذا جمل فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حين وذرفت عيناه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح عليه فسكن ثم قال من رب هذا الجمل فجاء فتى من الانصار فقال هذا لي يا رسول الله فقال ألا تتقي الله عز وجل في هذ البهيمة التي ملكك الله فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه
وفي رواية كنا جلوسا مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعير أقبل حتى وقف على هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرغا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ايها البعيراسكن فان تك صادقا فلك صدقك وأن تك كاذبا فعليك كذبك إن الله تعالى قد امن عائدنا ولن يخيب لأئذنا فقلنا يا رسول الله ما يقول هذا البعير قال يريد أهله نحره وأكل لحمه فهرب منهم واستغاث بنبيكم فبينما نحن كذلك إذ أقبل أصحابه يتقعادون فلما ظر إليهم البعير عاد إلى هامة الرسول صلى الله عليه وسلم فلاذ بها فقالوا يا رسول الله

بعيرنا هرب منذ ثلاثة ايام فلم نجده إلابين يديك فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أنه يشكو فقالوا يا رسول الله ما يقول قال إنه ربي فيكم سنين وكنتم تحملون عليه في الصيف إلى موضع الكلأفإذا كان الشتاء حملتم عليه إلى موضع الدفيء فلما كبر استفحلتموه فرزقكم الله إبلا سليمة فلما أدركت هذه السنة الجذبة هممتم بنحره وأكل لحمه فقالوا والله يا رسول الله قد كا ن ذلك فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا جزاء المملوك الصالح من مواليه فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لا نتعبه ولاننحره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبتم قد استغاث بكم فلم تغيثوه وأناأولى بالرحمة منكم لأن الله قد نزع الرحمة من قولب المنافقين وأسكنها في قولوب المؤمنين فاشتراه الرسول صلى الله عليه وسلم منهم بمائة درهم منهم وقال ايها البعير انطلق حيث شئت فرغا البعير على هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له آمين ثم رغا الثانية فقال له آمين ثم رغا الثالثة فقال له آمين ثم رغا الرابعة فبكى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله ما يقول هذا البعير قال قال جزاك الله خيرا أيها النبي عن الإسلام والقرآن قلت آمين قال سكن الله رعب أمتك كما سكنت قلبي قلت آمن قال حقنت الله دماء أمتك كما حنت دمي قلت آمين قال لا جعل الله بأسهم بينهم شديد فبكيت لأني سألت الله ربي فيها أي في هذه الرابعة فمنعني إعطاءها وقوله صلى الله عليه وسلم للجمل اذهب كيف شئت لا يناسب ما عليه ائمتنا من عدم جواز إرسال الدواب تقربا إلى الله تعالى لأنه في معنى سوائب الجاهلية إلا أن يقال المراد بقوله صلى الله عليه وسلم له إذهب كيف شئت أي أنت آمن في سائر أحوالك مما شكوت منه
ورايت في كلام ابن الجوزي رحمه الله ما يؤيد ذلك وهو أن رسول الله لى الله عليه وسلم وسمه سمة نعم الصدقة ثم بعث به وعليه لا اشكال وإلى قصة الجمل اشار الإمام السبكي رحمه الله في تائيته بقوله ** ورب بعير قد شكى لك حاله ** فأذهبت عنه كل كل وثقلة **
وفي هذه أعني السنة الرابعة تزوج صلى الله عليه وسلم أم سلمة هند رضي الله تعالى عنها بعد موت أبي سلمة بن عبد الأسد رضي الله تعالى عنه وما روي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما انه قال تزوجها سنة اثنتين ليس بشيء قيل وفيها شرع التيمم
غزوة بدر الآخرة ويقال لها بدر الموعد أي لموعد أبي سفيان رضي الله تعالى عنه حيث قال حين منصرفه من أحد موعد ما بيننا وبينكم بدر أي موسمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قل نعم أن شاء الله تعالى كما تقدم
لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة ذا الرقاع أقام بقية جمادى الأولى إلى آخر رجب ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان وعليه اقتصر الأصل وقيل خرج في شوال وقيل في مستهل ذي القعدة كل ذلك في سنة اربع ومن الوهم قول موسى بن عقبة رحمه الله أنها كانت في شعبان سنة ثلاث لما علمت أنها بعداحد وأحد كانت في شوال سنة ثلاث والحافظ الدمياطي قدم هذه الغزوة على غزوة ذات الرقاع وتبعه الشمس الشامي وصاحب الأمتاع
وكان وصوله صلى الله عليه وسلم إلى بدر هلال ذي القعدة وهذا لايناسب إلاالقول بأن خروجه صلى الله عليه وسلم كان في شوال وكان ذلك موسم لبدر في كل سنة يحضره الناس ويقيمون به ثمانية ايام كما تقدمت الحوالة عليه وحين خرج صلى الله عليه وسلم من المدينة استخلف عليها عبد الله بن عبدالله بن أبي ابن سلول رضي الله تعالى عنه وقيل عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه وخرج في ألف وخمسمائة من اصحابه وكان الخيل عشرة افراس
وعند تهيؤ المسلمين للخروج قدم نعيم بن مسعود الاشجعي أي وكان ذلك قبل إسلامه رضي الله تعالى عنه وأخبر قريش أن المسلمين تهيأوا للخروج لقتالهم ببدر فكره أبو سفيان الخروج لذلك وجعل لنعيم أن رجع إلى المدينة وخذل المسلمين عن الخروج لبدر عشرين بعيرا وفي لفظ عشرة من الأبل وحمله على بعير أي وقال له أبو سفيان إنه بدا لي أن لا أخرج وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج أنا فيزيدهم ذلك جراءة يكون الخلف منة لهم أحب إلي من ان يكون من قبلي فالحق بالمدينة واعلمهم أنا في جمع كثير ولا طاقة لهم بنا ولك عندي من الأبل كذا وكذا أدفعها لك على يد سهيل بن عمر فجاء نعيم إلى سهيل بن عمرو فقال له يا ابا يزيد تضمن لي هذه الإبل وانطلق إلى محمد وأثبطه قال نعم فقدم نعيم المدينة وأرجف بكثرة المجموع

أبي سفيان أي وصار يقول فيهم حتى قذف الرعب في قولوب المسليمن ولم يبقى لهم نية في الخروج واستبشر المنافقون أي واليهود وقالو محمد لايفلت من هذا الجمع فجاء أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد سمعا ما ارجف به المسلمون وقالا له يا رسول الله إن الله مظهر نبيه ومعز دينه وقد وعدنا القوم موعط لا نحب ان نتخلف عنه فيرون ان هذا جبن فسر لموعدهم فوالله إن في ذلك لخيرة فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ثم قال والذي نفسي بيده لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد فأذهب الله عنهم ما كانوا يجدون وحمل لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن ابي طالب كرم الله وجهه وخرج المسلمون معهم بتجارات إلى بدر فربحت الضعف
ثم أن أبا سفيان قال لقريش لقد بعثنا نعيما ليخذل أصحاب محمد عن الخروج ولكن نخرج نحن فنسيرليلة أو ليلتين ثم نرجع فإن كان محمد لم يخرج وبلغه انا خرجنا فرجعنا لأنه إن لم يخرج كان هذا لنا عليه وإن خرج أظهرنا أن هذا عام جدب ولا يصلحنا إلا عام عشب قالوا نعم ما رأيت فخرج أبو سفيان في قريش اي وهم الفان ومعهم خمسون فرسا حتى انتهوا إلى مجنة أي بفتح الميم والجيم وتشديد النون وهو سوق معروف من ناحية مر الظهران وقيل إلى عفان ثم قال يا معشر قريش لا يصلحكم إلا عام خصب ترعون فيه الشجر وتشربون فيه الماء وإن عامكم هذا عام جدب وإني راجع فارجعوا فرجع الناس فسماهم أهل مكة جيش السويق يقولون إنما خرجتم لتشربوا السويق
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده مدة الموسم التي هي ثمانية ايام أي فإنه صلى الله عليه وسلم انتهى إلى بدر هلال ذي القعدة كما تقدم وقام السوق صبيحة الهلال فاقاموا ثمانية أيام والسوق قائمة اي وصار المسلمون كلما سألوا عن قريش وقيل لهم قد جمعوا لكم يقولون حسبنا الله ونعم الوكيل حتى قيل لهم لما قربوا من بدر إنها قد امتلأت من الذين جمعهم أبو سفيان يرعبونهم ويرهبونهم فيقول المؤمنون حسبنا الله ونعم الوكيل فلما قدموا بدرا وجدوا أسواقا لا ينازعهم فيها أحد فأنزل الله تعالى { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } فالمراد بالناس الأول نعيم نزل منزلة الجماعة


وعن إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه أن القائلين ذلك كانوا أربعة ولا مانع أن يكون هؤلاء الأربعة من المنافقين لعنهم الله وافقوا نعيما على ما قال حتى أن قائلهم قال للمسلمين إنما أنتم لهم أكلة رأس وإن ذهبتم إليهم لا يرجع منكم أحد
وقيل القائلون ركب من عبد القيس كانوا قاصدين المدينة للميرة فجعل لهم أبو سفيان حمل أبعرتهم زبيبا إن هم خذلوا المسلمون وأرجفوهم ولا مانع من وجود ذلك كله
هذا وقد نقل ابن عطية رحمه الله عن الجمهور أن هذه الآية الواقعة المذكورة إنما كانت بحراء الأسد عند انصرافه من أحد فليتأمل
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة اي وبلغ قريشا خروج المسلمين لبدر وكثرتهم وأنهم كانوا أصحاب الموسم أي والمخبر لهم بذلك معبد بن أبي معبد الخزاعي فإنه بعد انقضاء الموسم خرج سريعا إلى مكة واخبرهم بذلك فقال صفوان ابن أمية لابي سفيان قد والله نهيتك يومئذ أن تعد القوم وقد اجترأوا علينا ورأوا انا أخلفناهم وإنما خلفنا الضعف
غزوة دومة الجندل بضم الدال ويجوز فتحها واقتصر الحافظ الدمياطي على الأول أي وأما دومة بالفتح ا غير فموضع آخر ومن ثم قال الجوهري الصواب الضم وأخطا المحدثون في الفتح سميت بدومى بن اسماعيل عليه السلام بأنه كان نزلها وهي بلدة بينها وبين دمشق خمس ليال وهي اقرب بلاد الشام إلى المدينة وبينها وبين المدينة خمس أوست عشرة ليلة أي وهي بقرب تبوك بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بها جمعا كثيرا يظلمون من مر بهم وانهم يريدون أن يدنوا من المدينة فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس لذلك فخرج في الف من المسلمين أي وذلك في أواخر السنة الرابعة
وذكر بعضهم أنها كانت في ربيع الاول من السنة الخامسة ويوافقه قول الحافظ الدمياطي أنها كانت على رأس تسعة واربعين شهرا من مهاجرته صلى الله عليه وسلم أي واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري فكان يسير الليل ويكمن النهار ومعه

دليل له من بين عذرة أي يقال له مذكور رضي الله تعالى عنه فلما دنا منهم جاء إليهم الخبر فتفرقوا فهجم على ماشيتهم رعاتهم فأصاب من أصاب وهرب من هرب ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بساحتهم فلم يلق بها أحدا وبعث السرايا فرجعت ولم تلق منهم أحدا أي ورجعت كل سرية بأبل واخذ محمد بن مسلمة رجلا منهم وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فقال هربوا حيث سمعوا أنك أخذت نعمهم فعرض عليه السلام فأسلم رسول الله عليه وسلم رجع المدينة
وفي رجوعه وادع أي صالح عيينة بن حصن واسمه حذيفة الفزاري أن يرعى بمحل بينه وبين المدينة ستة وثلاثون ميلا اي لأن أرضه كانت أجدبت ولما سمن حافره وخفه وانتقل إلى أرضه غزا على لحاق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة كما سيأتي وقيل له بئس ما جزيت به محمد صلى الله عليه وسلم احلك أرضه حتى سمن حافرك وخفك وتفعل معه ذلك فقال هو حافري وقيل له عيينة لأنه أصابته لقوة فجحظت عيناه وسمي عيينة وعيينة هذا أسلم بعد الفتح وشهد حنينا والطائف وكان من المؤلفة كما سياتي وكان يقال له الأحمق المطاع كان يتبعه عشرة آلاف فتى
ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم بغيرأذن واساء الادب فصبر النبي صلى الله عليه وسلم على جفوته وقال فيه صلى الله عليه وسلم إن شر الناس من تركه الناس اتقاء فحشه وقيل إن ذلك إنما قيل في مخرمة بن نوفل أي ولامانع من تعدد ذلك وقد ارتد عيينة بعد ذلك في زمن الصديق رضي الله تعالى عنه فإنه لحق بطليحة بن خويلد حين تنبأ وآمن به فلما هرب طليحة أسره خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه وأرسل به إلى الصديق في وثاق فلما دخل المدينة صار أولاد المدينة ينفسونه بالحديد ويضربونه ويقولون اي عدو الله كفرت بالله بعد ايمانك فيقول والله ما كنت ى من فمن عليه الصديق فأسلم ولم يزل مظهر للإسلام
وفي سنة أربع نزلت آية الحجاب لأزواجه صلى الله عليه وسلم وكان فيها قصر الصلاة وولادة الحسين رضي الله تعالى عنه ووقع أنه لما ولد سماه علي كرم الله وجهه حربا فلما جاء صلى الله عليه وسلم قال أروني أبني ما سميتموه قالوا حربا قال بل اسمه حسين أي كما فعل ذلك بالحسن كما مر فلما ولد الثالث جاء النبي صلى الله عليه وسلم

فقال أروني ابني ما سميتموه قال علي كرم الله وجهه سميته حربا فقال بل هو محسن ثم قال صلى الله عليه وسلم إن سميتهم بأسماء ولل هارون شبر وشبير ومشبر
ومن المستظرف ما حكاه بعضهم قال وقع بين الحسن والسحين كلام فتهاجرا فلما كان بعد ذلك أقبل الحسن على الحسين وأكب على رأسه يقبله فقال له الحسين إن الذي منعني ابتدائك بهذا أنك أحق بالفضل مني فكرهت أن أنازعك ما أنت أحق به ورجم اليهوديين الزانيين وفرض الحج وقيل فرض في الخامسة وقيل في السادسة وقيل في السابعة وقيل في الثامنة وقيل في التاسعة وقيل في العاشرة
قيل وفيها أي الرابعة شرع التيمم أي كما تقدم وقيل شرع في الغزوة التي تلي هذه وهي
غزوة بني المصطلق وقيل كان في غزوة أخرى اي وفي غيبته صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة ماتت أم سعد بن عبادة وكان ابنها رضي الله تعالى عنه معه صلى الله عليه وسلم ولما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة صلى على قبرها وذلك بعد شهر وقال له سعد يا رسول الله أتصدق عنها قال نعم قال أي الصدقة افضل قال الماء فحفر بئرا وقال هذه لأم سعد رضي الله تعالى عنها غزوة بني المصطلق
ويقال لها غزوة الريسيع ويقال لها غزوة محارب وقيل محارب غيرها ويقال لها غزوة الأعاجيب لما وقع فيها من الأمور العجيبة أي كما قيل بذلك كذلك في غزوة ذات الرقاع كما تقدم
وبنو المصطلق بطن من خزاعة وهم بنو جذيمة وجذيمة هو الصطلق من الصلق وهو رفع الصوت والمريسع اسم ماء من مياههم أي من ماء خزاعة مأخوذة من قولهم رسعت عين الرجل إذا دمعت من فساد وذلك الماء في ناحية قديد
وسببها أنه صلى الله عليه وسلم بلغه أن الحارث بن ضرار سيد بني المصطلق رضي الله تعالى عنه فإنه اسلم بعد ذلك كما سيأتي جمع لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قدر عليه من قومه ومن العرب فأرسل صلى الله عليه وسلم بريدة بالتصغير ابن الحصيب بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين في آخره موحده كما تقدم أي ليعلم علم ذلك
قال واستأذن بريدة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول ما يتخلص به من به من

شرهم أي وإن كان خلاف الواقع فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج حتى ورد عليهم ورأى جمعهم فقالوا له من الرجل قال رجل منكم قدمت لما بلغني من جمعكم لهذا الرجل فأسير في قومي ومن أطاعني فنكون يدا واحدة حتى نستاصلهم فقال له الحارث فنحن على ذلك فعجل علينا قال بريدة اركب الآن فآتيكم بجمع كثير من قومي فسروا بذلك منه ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبر القوم انتهى فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إليهم فأسرعوا لخروج وكان في شعبان لليلتين خلتا منه سنة خمس من الهجرة وقيل اربع كما في البخاري نقلا عن ابن عقبة وعليه جرى الإمام النووي في الروضة قال الحافظ ابن حجر وكأنه سبق قلم أراد أن يكتب سنة خمس من الهجرة فكتب سنة أربع لأن الذي في مغازي ابن عقبة من عدة طرق سنة خمس وقيل سنة ست وأن عليه أكثر المحدثين وقادوا الخيل هي ثلاثون فرسا عشرة للمهاجرين منها فرسان له صلى الله عليه وسلم اللزاز والظرب وعشرون للانصار رضي الله تعالى عنهم واستخلف صلى الله عليه وسلم على المدينة زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما وقيل ابا ذر الغفاري رضي الله عنه وقيل نميلة تصغير نملة بن عبد الله الليثي رضي الله تعالى عنه وخرج معه صلى الله عليه وسلم من نسائه عائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما أي وخرج معه صلى الله عليه وسلم ناس كثير من المنافقين لم يخرجو في غزوة قط مثلها منهم عبد الله بن أبي سلول وزيد بن الصلط ليس لهم رغبة في لاجهاد وإنم اغربضهم أن يصيبوا من عرض الدنيا مع قرب المسافة وسار صلى الله عليه وسلم حتى بلغ محلا نزل به فأتى برجل بن عبد القيس فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أين اهلك قال بالرواحاء قال أين تريد قال إياك جئت لامن بك أشهد أن ما جئت به حق وأقاتل معك عدوك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي هداك للإسلام وسال رسول الله صلى الله عليه وسلم اي الأعمال أحب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأول وقتها فكان بعد ذلك يصلي الصلاة لأول وقتها
واصاب صلى الله عليه وسلم عينا للمشركين كان وجهه الحارث ليأتيه بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فلم يذكر من شانهم شيئا فعرض عليه الإسلام فأبى فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب

رضي الله تعالى عنه ان يضرب عنقه فضرب عنقه فلما بلغ الحارث مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم وانه قتل عينه سيء بذلك ومن معه وخافوا خوفا شديداوتفرق عنه جمع كثير ممن كان معه وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع فضربت له صلى الله عليه وسلم قبة من ادم وكان معه فيها عائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما فتهيأ المسلمون للقتال ودفع صلى الله عليه وسلم راية المهاجرين إلى أبي بكر رضي الله تعالى عنه وقيل لعمار بن ياسر وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه أي وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن يقول لهم قولوا لا إله إلا الله تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم ففعل عمر ذلك فأبو فترامسوا بالنبل ساعة ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فحملوا حملة رجل واحد فما أفلت منهم أنسان وقتل منهم عشرة وأسر سائرهم الرجال والنساء والذرية واستاق ابلهم وشياههم فكانت الابل ألفي بعير والشاة خمسة آلاف شاة واستعمل صلى الله عليه وسلم على ذلك مولاه شقران أي بضم الشين المعجمة واسمه صالح وكان رضي الله عنه حبشيا وكان السبي مائة اهل بيت وفي كلام بعضهم كانوا أكثر من سبعمائة وكانت برة بنت الحارث الذي هو سيد بني المصطلق في السبي
وقيل أغار عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم غافلون فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم أي وهذا القول هو الذي في صحيح البخاري ومسلم والأول هو الذي في السيرة الهشامية
وجمع بأنه يجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم لما أغار عليهم ثبتوا وصفوا للقتال ثم انهزوموا ووقعت الغلبة عليهم أي وقتل منهم من قاتل ولم يستأسر وكان شعار المسلمين أي علامتهم التي يعرفون بها في ظلمة الليل أو عند الاختلاط يا منصور أمت تفاؤلا بأن يحصل لهم النصر بعد موت عدوهم
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسارى فكتفوا واستعمل عليهم بريدة رضي الله تعالى عنه ثم فرق صلى الله عليه وسلم السبي فصار في ايدي الناس
أي وفي هذا دليل لقول إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه في الجديد يجوز استرقاق العرب لان بني المصطلق عرب من خزاعة خلافا لقوله في القديم إنخ م لا يسترقون

لشرفهم وقد قال في الأم لولا أنا نأثم بالتمني لتمنينا أن يكون هكذا أي لا يجري الرق على عربي
وبعث صلى الله عليه وسلم أبا ثعلبة الطائي إلى المدينة بشيرا من المريسيع أي وجمع صلى الله عليه وسلم المتاع الذي وجده في رحالهم واللاح والنعم والشاء وعدلت الجزور بعشرة من الغنم ووقعت برة بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس وابن عم له فجعل ثابت لابن عمه نخلات له بالمدينة في حصته من برة وكاتبها أي على تسع أواق من ذهب فدخلت عليه صلى الله عليه وسلم فقالت له يا رسول الله إني ارم امرأة مسلمة أسلمت لأني أشهد أن لا إله إلا الله وإنك رسول الله وإني برة بنت الحارث سيد قومه أصابنا من الأمر ما قد علمت ووقعت في سهم ثابت بن قيس وابن عم له وخلصني ثابت من ابن عمه بنخلات في المدينة وكاتبني على مال مالا طاقة لي به وإني رجوتك فأعني في مكاتبتي فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو خير من ذلك قالت ما هو قال اؤدي عنك كتابتك وأتزوجك قالت نعم يا رسول الله قد فعلت فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت بن قيس فطلبها منه فقال ثابت رضي الله تعالى عنه هي لك يا رسول الله بأبي أنت وأمي فأدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان كاتبها عليه وأعتقها وتزوجها أي وهي ابنة عشرين سنة وسماها جويرية أي وكان اسمها برة وكذلك ميمونة وزينب بنت جحش كان اسم كل منهما برة فغيره رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا كان اسم بنت أم سلمة برة فسماها زينب ويذكر أن علي كرم الله وجهه هو الذي أسرها
أقول ولا مانع أن يكون علي كرم الله وجهه أسرها ثم وقعت في سهم ثابت وابن عمه رضي الله تعالى عنهما عند القسمة لأنه لم يثبت في هذه الغزوة أنه صلى الله عليه وسلم جعل الاسرى لمن أسرهم كما وقع في بدر إلا مايأتي من قول أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه ورغبنا في الفداء وقد يقال رغبوا في الغداء بعد القسمة والله اعلم
قال وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت كانت جويرية امرأة حلوة لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه فبينما النبي صلى الله عليه وسلم عدي ونحن على الماء أي الذي هو المريسع إذ دخلت جويرية تسأله في كتابتها فوالله ما هو إلاأن رأيتها فكرهت دخولها على النبي صلى الله عليه وسلم وعرفت أنه سيرى منها مثل الذي رأيت فقالت

يا رسول الله إني امرأة مسلمة الحديث آه وإنما كرهت ذلك لما جبلت عليه النساء من الغيرة ومن ثم جاء انه صلى الله عليه وسلم خطب امرأة فأرسل عائشة رضي الله تعالى عنها لتنظر إليها فلما رجعت إليه قالت ما رأيت طائلا فقال بلى رايت خالا في خدها فاقشعرت منه كل شعرة في جسدك أي وفي لفظ آخر عن عائشة رضي الله تعالى عنها فما هو إلا أن وقفت جويرية بباب الخباء لتستعين رسول الله صلى الله عليه وسلم على كتابتها فنظرت إليها فرايت على وجهها ملاحة وحسنا فأيقنت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآها أعجبته علما منها بموقع الجمال منه فما هو إلاأن كلمته صلى الله عليه وسلم فقال لها صلى الله عليه وسلم خير من ذلك أنا أؤدي كتابتك وأتزوجك فقضى عنها كتابتها وتزوجها والملاح أبلغ المليح والمليح مستعار من قولهم طعام مليح إذا كان فيه الملح بمقدار ما يصلحه
قال الأصمعي رحمه الله الحسن في العنين والجمال في الأنف والملاحة في الفم وهذا السياق يدل على انه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهم على الماء الذي هو المريسع ويؤيده ما يأتي عنها رضي الله تعالى عنها قال
الشمس الشامي رحمه الله ونظر رسول الله لجويرية حتى عرف من حسنها ما دعاه لتزوجها لأنها كانت أمة مملوكة أي لانها مكاتبة ولو كانت غيرمملوكة أي حرة ما ملأ صلى الله عليه وسلم عينه منها أو أنه صلى الله عليه وسلم نوى نكاحها أو أن ذلك كان قبل لآية الحجاب
أقول تبع في هذا السهيلي رحمه الله وقد قدمنا أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم جواز نظر الأجنبية والخلوة بها لامنه صلى الله عليه وسلم من الفتنة فلا يحسن قوله ولو كانت حرة ما ملأ صلى الله عليه وسلم عينه منها
ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم حرمة نكاح الامة وفلا يحسن قوله أو أنه نوى نكاحها وأن نزول آية الحجاب كان في سنة ثلاث على الراجح
ومذهب الشافعي رضي الله عنه حرمة نظر سائر الأمة لاأجنبية كالحرة على الراجح عند الشافعية ومنهم الشمس الشامي فلا يحسن قوله لأنها كانت امة مملوكة والله أعلم
روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

غزوة بني المصطلق فسبينا كرائم العرب أي واقتسمناها وملكناها فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء وفأردنا نستمع ونعزل فقلنا نفعل ذلك وفي لفظ فأصبنا سبايا وفينا شهوة للنساء واشتدت علينا العزوبة وأجبنا الفداء وأردنا أن نستمتع ونعزل وقلنا نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا فسألناه عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم لا عليكم ألا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة أي نفسا قدرها هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون وفي لفظ ما عليكم أن لا تفعلوا فإن الله قد كتب من هو خالق إلى يوم القيامة وفي رواية لا عليكم ان لا تفعلوا ذلك فإنما هو القدر وفي رواية ما من كل الماء يكون الولد وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه أي ما عليكم حرج في عدم فعل العزل وهو الإنزال في الفرج لأن العزل الإنزال خارج الفرج فيجامع حتى إذا قارب الإنزال نزع فأنزل خارج الفرج ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة أي عزلتم أم لا فلا فائدة في عزلكم لأن الماء قد يسبق العزل إلى الرحم فيجيء الولد وقد ينزل في الفرج ولا يجيء الولد
وكون ذلك كان في بني المطلق هو الصحيح خلافا لما نقل عن موسى بن عقبة رحمه الله تعالى ان ذلك كان في غزوة اوطاس وقول أبي سعيد رضي الله تعالى عنه طالت علينا العزبة واشتهينا النساء أي لعل أبا سعيد الخدري رضي الله عنه ومن تكلم على لسانه كان في المدينة أعرب وإلا فأيام تلك الغزوة لم تطل فإنها كانت ثمانية وعشرين يوما قال أبو سعيد رضي الله تعالى عنه فقدم علينا وحدهم أي بالمدينة ففي الإمتاع وكانوا قدموا المدينة ببعض السبي فقدم عليهم أهلوهم فافتدوا الذرية والنساء كل واحد بست فرائض ورجعوا إلى بلادهم
قال أبو سعيد رضي الله تعالى عنه وخرجت بجارية أبيعها في السوق أي قبل ان يقدم وفدهم في فدائهم فقال لي يهودي يا أبا سعيد تريد بيعها وفي بطنها منك سخلة هي في الأصل ولد الغنم فقلت كلا إني كنت أعزل عنها فقال تلك الوأدة الصغرى أي المرة من الوأد وهو أن يدفن الرجل بنته حيا فالموءدودة البنت تدفن في القبر وهي حية كانت الجاهلية خصوصا كندة تفعل ذلك فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال كذبت يهود كذبت يهود زاد في رواية لو أراد الله عز وجل أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه وبهذا مع ماتقدم من نفي الحرج استدل ائمتنا رحمهم

الله على جواز العزل مع الكراهة في كل امرأة سرية أو حرة في كل حال سواء رضيت أم لا وقال جمع بحرمته قالوا لأنه طريق إلى قطع النسل وفي مسلم ما يوافق ماقالته يهود ففي مسلم سألوه صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوأد الخفي أي بمثابة دفن البنت حية الذي كان يفعله الجاهلية خوف الإملاق أو خوف حصول العار
إلاأن يقال هذا كان منه صلى الله عليه وسلم قبل ان يوحي إليه بحل ذلك ثم نسخ فلا مخالفة ويدل لذلك ما في مسلم أيضا عن جابر رضي الله عنه كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل فلم ينهنا وفي رواية أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن لي جارية هي خادمنا وساقيتنا في النخل وانا اكره أن تحمل فقال صلى الله عليه وسلم اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها فلبث الرجل ثم أتاه صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن الجارية قد حبلت فقال قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها افقد أرشده إلى العزل الذي لا يكون معه الولد غالبا وأخبر بأن ذلك لا يمنع وجود ما قدر لها من حصول الولد
وعن عبد الله بن زياد رضي الله تعالى عنه قال أفاء اي غثم رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق جويرية بنت الحارث وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأقبل أبوها في فدائها فلما كان العقيق نظر إلى ابله التى يغدي بها ابنته فرغب في بعيرين منها كان من أفضلها فعقبها في شعب من شعاب العقيق ثم اقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد أصبتم ابنتي وفي رواية قال يا رسول الله كريمة لا تسبى وهذا فداؤها فقال له رسول الله فأين البعير إن اللذان عقبتهما بالعقيق في شعب كذا وكذا فقال الحارث أشهد أنك رسول الله ما اطلع على ذلك إلا الله وأسلم ولعله دخل بالأمان إلى المدينة وفي رواية أنه أسلم قبل ذلك وأسلم معه ابنان وناس من قومه وعليه فيكون قوله فأسلم أي أظهر اسلامه وعند ذلك أمره صلى الله عليه وسلم بأن يخيرها فقالت أحسنت وأجملت فقال لها ابوها يا بنية لا تفضحي قومك قالت اخترت الله ورسوله وفيه كيف يأمره صلى الله عليه وسلم بتخييرها بعد أن تزوجها كما تقدم أن مقتضى السياق أنه تزوجها وهم على الماء
ثم رايت الأمام ابا العباس بن تيمية انكر مجيء ابيها وتخييرها فليتأمل

وفي الإستيعاب أن عبدالله بن الحارث أخا جويرية بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في فداء أسارى بني المصطلق وعيب في الطيرق ذودا وجارية سوداء فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء الأسارى فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم فما جئت به قال ما جئت بشيء قال فاين الذود والجارية السوداء الذي غيبت في موضع كذا قال أشهد أن لا إله إلاالله وإنك محمد رسول الله والله ما كان معي أحد ولاسبقني إليك أحد فأسلم وفيه ما تقدم في ابيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لك الهجرة حتى تبلغ برك الغماد والذود من الابل ما بين الثلاث إلى العشر
والمتبادر من هذا السياق انه جاء بذلك الذود وتلك الجارية للفداء فعن له أن يسأل في الفداء من غير شيء فغيب ذلك الذود وتلك الجارية طمعا في أنه صلى الله عليه وسلم يجيبه لذلك لمكان أخته عنده ويحتمل أن العبارة فيها اختصار وحينئذ يكون الاصل في قوله صلى الله عليه وسلم فما جئت به المال الزائد على هذا الذي جئت به فيكون الذود والجارية بعض ما جاء به للفداء فقال ما جئت بشيء اي زائد على هذا الذي جئت به لانه يبعد أن يطلب الفداء من غير شيء فليتامل
وفي لفظ أنه لما جاء أبوها في فدائها دفعت إليه ابنته جويرية وأسلمت وحسن اسلامها فخطبها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبيها فزوجه إياها واصدقها أربعمائة درهم
وفي الإمتاع يقال أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل صداقها عتق كل اسير من بني المصطلق ويقال جعل صداقها عتق أربعين من قومها ولايخفى أن مجيئ أبيها في فدائها وتزويجها للنبي صلى الله عليه وسلم مخالف لسياق ما تقدم أنه تزوجها وهم على الماء ويحتاج للجمع بين ما ذكروبين ما روي أنه ما لما رأى المسلمون أنه صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية قال في حق بني امصطلق أصها ر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقوا ما بايديهم منهم ط
وعبارة الإمتاع ولما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج الخبر إلى الناس وقد اقتسموا رجال بني المصطلق وملكوهم ووطئوا نسائهم فقالوا اصهار النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقوا ما بأيديهم من ذلك السبي
وعن جويرية رضي الله تعالى عنها قالت لما أعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلم

وتزوجني والله ما كلمته في قومي حتى كان المسلمون هم الذين ارسلوهم وما شعرت إلا بجارية من بنات عمي تخبرني الخبر فحمدت الله سبحانه وتعالى
أقول وذكر بعضهم أن ليلة دخوله صلى الله عليه وسلم بها طلبتهم منه فوهبهم لها ويحتاج للجمع ويقال في الجمع بين ما تقدم من فدائهم وأطلاقهم من غير فداء بأنه يجوز أن يكون الفداء وقع لبعضهم قبل عتق جويرية والتزويه بها فلما تزوجها صلى الله عليه وسلم أطلق بعضهم والإعتاق وقع لبعضهم الآخرالباقي فالفداء وقع لبعضهم الآخر فإن السبي كان لأهل مائتي بيت ويؤيد ذلك قول بعضهم كان السبي منهم من من عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير فداء ومنهم من افتدى ويؤيد ذلك ما يأتي في كلام عائشة رضي الله تعالى عنها أن الاعتاق كان لأهل مائة بيت أي يكون الفداء لاهل مائة بيت والإطلاق في الففداء لاهل المائة الاخرى ويكون مراد جويرية رضي الله تعالى عنها بقولها ما كلمته في قومي أي فيمن بقي مهم
ثم لايخفى ان مجيء ابيها او أخيها ومجيء وفدهم لفدائهم مخالف لما تقدم من انه أسرسائرهم الرجال والنساء والذرية ولم يفلت منهم احد ويبعد غياب هؤلاء خصوصا أباها الذي كان يجمع القوم فعليك ان تتنبه للجمع بين هذه الروايات على تقدير صحتها والله أعلم ثم بعد ذلك اسلم بنو المصطلق وبعدها بعامين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط لاخذ الصدقة أي وكان بينهم وبينه شحناء في الجاهلية فخرجوا للقائه وهم متقلدون السيوف فرحا وسرورا بقدومه فتوهم أنهم خرجوا لقتاله ففر راجعا وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم ارتدوا فهم عليه الصلاة والسلام بقتالهم أي واكثر المسلمون ذكر غزوهم فعند ذلك قدم وفدهم وأخبروا بأنهم خرجوا إليه ليكرموه ويؤدوا ما عليهم من الصدقة
أي وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم أرسل إليهم خالد بن الوليد فأخبروه الخبر وعند إرساله قال له صلى الله عليه وسلم أرمقهم عند الصلاة فإن كان القوم تركوا الصلاة فشأنك بهم فدنا منهم عند غروب الشمس فكمن حيث يسمع الصلاة فإذا هو بالمؤذن قد قام حين غربت الشمس فأذن ثم اقام الصلاة فصلوا المغرب ثم لما غاب الشفق أذن مؤذنهم ثم اقام الصلاة فصلو العشاء ثم لما كان جوف الليل فإذا هم يتهجدون ثم عند طلوع الفجر أذن مؤذنهم وأقام الصلاة فصلوا فلما انصرفو اوأضاء النهار فإذا

هم بنواصي الخيل في ديارهم فقالوا ما هذا قيل خالد بن الوليد فقالوا يا خالد ما شأنك قال أنتم والله شاني أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له إنكم تركتم الصلاة وكفرتم بالله فجثوا يبكون وقالوا ما عاذ الله وهذا الوليد بيننا وبينه شحناء في الجاهلية وإنما خرجنا بالسيوف خشية أن يكافئنا بالذي كان بيننا وبينه فرد الخيل عنهم ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فانزل الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة } الآيتين
قال ابن عبد البر رحمه الله لاخلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن قوله { إن جاءكم فاسق بنبأ } نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق لأخذ صدقاتهم أي ونزل فيه وفي علي بن ابي طالب كرم الله وجهه { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون } أي فكان يدعى الفاسق وبعثه لأخذ صدقات بني المصطلق يرد قول من قال أنه ممن أسلم يوم الفتح وكان قد ناهز الحلم
أي ويرد ما روى بعضهم أنه قال لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جعل أهل مكة يأتونه بصيانهم فيمسح على رءوسهم ويدعو لهم بالبركة فأتى بي إليه وأنا مضخ بالخلوق فلم يمسح على رأسي ولم يمنعه من ذلك إلا وجو الخلوق ويرد ذلك ايضا ما سيأتي أنه خرج هو واخوه عمارة ليردا أختها أم كلثوم عن الهجرة وكانت هجرتها في الهدنة هدنة الحديبية والوليد هذا كان أخا عثمان بن عفان لأمه ووالاه الكوفة أي وعزل عنها سعد بن أبي وقاص فلما قدم الوليد الكوفة على سعد رضي الله عنه قال له والله ما أدري أصرت كيسا بعدنا أم حمقنا بعدك فقال له لا تجزعن أبا اسحاق وإنما هو الملك يتغداه قوم ويتعشاه آخرون فقال سعد أراكم يعني أبا أمية ستجعلونها والله يعني الخلافة ملكا ملكا وعند ذلك قال الناس بئسما فعل عثمان رضي الله عنه عزل سعدا الهين اللين الورع المستجاب الدعوة وولى أخاه الخائن الفاسق كما تقدم
ولق الوليد ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فقال له ما جاء بك فقال جئت أمير فقال له ابن معسود ما أدري أصلحت بعدنا أم فسد الناس وكان الوليد شاعرا ظريفا حليما شجاعا كريما شرب الخمر ليلة من أول الليل إلى الفجر فلما أذن المؤذن لصلاة الفجر

خرج إلى المسجد وصلى باهل الكوفة الصبح اربع ركعات وصار يقول في ركوعه وسجوده اشرب واسقني ثم قال في المحراب ثم سلم وقال هل اسزيدكم فقال له ابن مسعود لرضي الله عنه لا زادك الله خيرا ولا من بعثك إلينا وأخذ فرده خفه وضرببه وجه الوليد وحصبه الناس فدخل القصر والحصباء تأخذه وهو مترنح وإلى ذلك يشير الحطيئة بقوله ** شهد الخطيئة يوم لقى ربه ** أن الوليج أحق بالعذر ** ** نادى وقد تمت صلاتهم ** أأزيدكم سكرا وما يدرى **
ولما شهدوا عليه بشرب الخمر عند عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه استقدمه وأمربه فجلد أي أمر عليا كرم الله وجهه أن يقيم عليه الحد فجلده وقيل فقال علي كرم الله وجهه لأبن أخيه عبد الله بن جعفر رضي الله عنه أقم عليه الحد أي بعد أن أمر ابنه الحسن رضي الله تعالى عنه بذلك فامتنع فأخذ عبد الله رضي الله تعالى عنه السوط وجلده وعلي كرم الله وجهه يعد عليه حتى بلغ أربعين فقال لعبد الله أمسك جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر أربعين أبو بكر رضي الله تعالى عنه أربعين وجلد وعمر رضي الله عنه ثمانين وكل سنة وهذا أي مافعلته من جلد أربعين أحب إلى من جلد عمر ثمانين
هذا وفي البحاري ان عبد الله جلده ثمانين واجيب عنه بأن السوت كان له رأسان وحينئذ يكون قوله وكل سنة أي طريقه فاربعون طريقته صلى الله عليه وسلم وطريقة الصديق رضي الله تعالى عنه ولثمانون طريقة عمر رضي الله تعالى عنه رآه اجتهادا مع استشارته لبعض الصحابة لما رآها من كثرة شرب الناس للخمر
وبعد أن جلده وعزله عن الكوفة أعاد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ولما اراد سعد أن يصعد المنبر قال لا أصعد عليه حتى تغسلوه من آثار الوليد الفاسق فإنه نجس فغسلوه كما تقدم
وإرسال الوليد بن عقبة لبني المصطلق كان ينبغي ان يذكر في وكذا إرسال السرايا وخالد رضي الله تعالى عنه لهم
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها لاأعلم امرأة أعظم بركة على قومها من جويرية أعتق بتزويجها لرسول صلى الله عليه وسلم أهل مائة بيت أي ومن المعلوم أن هذا

كان قبل سبايا اوطاس الذين أطلقوا بسبب اخته صلى الله عليه وسلم من الرضاعة على ما سيأتي في بعض الروايات وقيل في حقها ما عرفت امرأة هي أيمن على قومها منها
وذكرت جويرية رضي الله تعالى عنها أنها قبل قدومه صلى الله عليه وسلم بثلاث ليال رأت كأن القمريسير من يثرب حتى وقع في حجرها أي وعنها رضي الله تعالى عنها قالت فكرهت أن اخبربها احد من الناس فلما سبينا رجوت الرؤيا
قال وعنها رضي الله تعالى عنها قالت لما أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن على المريسع فأسمع ابي يقول أتانا مالا قبل لنا به فلبثت أرى من الناس والخيل والسلاح أصف من الكثرة فلما أن أسلمت وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجعنا حعلت أنظر إلى المسلمين فليسوا كما كنت أرى فعلمت أنه رعب من الله تعالى يلقيه في قلوب المشركين أي وهذا مما يؤيد ما تقدم من أنه صلى الله عليه وسلم تزوجها وهم على الماء الذي هو المريسع وكان رجل مهم ممن أسلم وحسن أسلامه يقول لقد كنا نرى رجلا بيضا على خيل بلق ما كنا نراهم قبل ولابعد انتهى وهو يدل على أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام كانت مددا لهم في هذه الغزوة
ولم يقتل في غزوة بني المصطلق من المسلمين إلا رجل واحد قتله رجل من الأنصار خطا يظنه من العدو والمقتول هشام بن صبابة رضي الله تعالى عنه
أقوال وهذا مجمل القول الحافظ الدمياطي رحمه الله في سيرته أنه لم يقتل من المسلمين إلا جل واحد فاعتراض صاحب الهدى عليه بأن هذا وهم لأنهم لم يكن بينهم قتال ليس في محله لأنه فهم أن الرجل قتله الكفار وقد علمت أنه إنما قتله شخص من الأنصار يظنه من العدو والله أعلم وقدم أخو هذا المقتول من مكة على رسول الله عليه وسلم مظهر الإسلام على رسول الله عليه وسلم مظهر الإسلام بدية أخيه فأخذها مائة من الأبل وأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كثير ثم عدا قاتل اخيه فقتله ثم خرج إلى مكة على رسول الله عليه وسلم مظهر الإسلام مردتد ويوم فتح مكة أهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه فقتل في ذلك اليوم كما سيأتي
وما هنا هوالصحيح خلافا لما يأتي عن الاصل في فتح مكة أن قتل أخيه كان في غزوة ذي قرد ثم بعد انقضاءالحرب وهم على الماء اختصم أجير لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أي كان يقود له فرسه يقال له جهجاه رضي الله عنه مع رجل من حلفاء الخزرج قيل

حليف عمرو بن عمرو وقيل حليف عبد الله بن أبي سلول وهوسنان بن فروة رضي الله تعالى عنه أي فضرب أجير عمر رضي الله تعالى عنه حليف الخزرج فسال الدم وفي لفظ كسعة أي دفعة فنادى حليف الخزرج يا معشر الانصار أي وقيل قال يا للخزرج ونادى أجير عمر يا معشر المهاجرين وقيل قال يا لكنانة يا لقريش فأقبل جمع من الجيشين وشهروا السلاح حتى كاد أن تكون فتنة عظيمة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما بال دعوى الجاهلية فأخبر بالحال أي فقالوا رجل من المهاجرين ضرب رجل من الانصار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوها أي تلك الكلمة التي هي يا لفلان فإنها منتنة أي مذمومة لانها من دعوى الجاهلية وجاء من دعا دعوى الجاهلية كان من محشى جهنم أي مما يرمي بها فيها قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن ام وإن صلى وزعم أنه مسلم قال وإن صام وان صلى وزعم أنه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم لينصرالرجل أخه ظالما أو مظلوما إن كان ظالما فلينهه فإنه ناصر أي له وإن كان مظلوما فلينصره أي يزيل ظلامته ثم كلمو اذلك المضروب فترك حقه فكسنت الفتنة وانطفت ثائرة الحرب
وجهجاه هذا روى عنه عطاء بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكافر ياكل في سبعة امعاء والمؤمن يأكل في معى واحد وهو المراد في بهذا الحديث في كفره وإسلامه لأنه شرب حلاب سبع شياه قبل أن يسلم ثم اسلم فلم يستتم حلاب شاه واحدة اي وسيأتي نظير ذلك لثمامة الحنفي ونقل أبو عبيد ان الرجل الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه المقالة هو أبو بصرة العقاري أي ولامانع أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك في حق الرجل المذكور ايضا فقد تكرر منه صلى الله عليه وسلم ذلك ثلاث مرات لرجال ثلاث أكل كل واحد منهم في الكفر أكثر مما كل في الإسلام
قال ابن عبد البر رحمه الله وجهجاه هذا هو الذي تناول عصر الرسول صلى الله عليه وسلم من يد عثمان رضي الله تعالى عنه وهو يخطب فكسرها على ركبته فأخذته أكله في ركبته فمات منها هذا كلامه
وفي كلام السهيلي رحمه الله أنه انتزع تلك العصا من عثمان حين اخرج من المسجد ومنع من الصلاة فيه وكان هو أحد من المعينين عليه هذا الكلام

وقد يقال لا مخالفة بين كونه أخذ العصا منه وهو يخطب وبين كونه أخذها حين أخرج من المسجد لانه يجوز أن يكون أخرج من المسجد في أثناء الخطبة وأخذت العصا منه حينئذ
وعند تخاصم الرجلين غضب عبد الله بن ابي ابن سلول وكان عنده رهط من قومه من الخزرج من المنافقين وكان عندهم زيد بن ارقم رضي الله تعالى عنه وهو غلام حديث السن فقال عبد الله بن ابي لعنه الله والله ما رايت كاليوم مذلة اوقد فعلوها نافرونا أي غلبونا وكاثرونا في بلادنا أي وأنكرون ملتنا والله ما أعدنا أي ظننا يعني معاشر الأنصار وقريش وفي رواية وجلابيب قريش هؤلاء يعني معاشر المهاجرين إلا كما قال الأول اي الاقدمون في أمثالهم سمن كلبك يأكلك أي ويقولون أجع كلبك يتبعك والله لقد ظننت أني سأموت قبل أن اسمع هاتفا يهتف بما سمعت أما والله لأن رجعنا إلى لامجدينة ليخرجن الأعز منها الأذل يعني الأعز نفسا وبالأذل النبي صلى الله عليه وسلم
وفي الاستيعاب ان عبد الله بن أبي قال ذلك في غزوة تبوك هذا كلامه وفيه نظرة ظاهر
والجلابيب جمع جلبيب وما يجلب من بلد إلى غيره يعني إغراب وقيل شبهوا بالجلابيب التي هي الأزر الغلاظ أو القليلة القيمة
ثم اقبل على من حضر من قومه فقال هذا ما فعلتم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو امسكتم عنهم ما بايديكم لتحول إلى غير داركم أي ثم لم ترضوا بما فعلتم حتى جعلتم أنفسكم أغراضا للمنايا فقلتم دونه يعني النبي صلى الله عليه وسلم فأيتمتم أولادكم وقللتم وكثروا فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من عند محمد صلى الله عليه وسلم فسمع ذلك زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه على ما هو الصحيح وقيل سفيان بن تيم مفمشى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر وعنده عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه أي ونفر من المهاجرين والنصار
وفي البخاري عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه فذكرت ذلك لعمه أو لعمر فذكره النبي صلى الله عليه وسلم فجعاني فحدثته فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات وتغير وجهه وقال له يا غلام لعلك غضبت عليه قال

سمعته منه قال لعله أخطأ سمعك ولامه من حضر من الأنصار وقالوا عمدت إلى سيد قومك تقول عليه ما لم يقل
أي وفي البخاري فكذبني رسول الله وأصابنى هم لم يصبنى مثله قط وجلست في البيت أي الخباء فقال لي عمى ما أردت إلا أن كذبك رسول الله ومقتك فقال زيد والله لقد سمعت ما قال ولو سمعت هذه المقالة من أبي لنقلتها إلى رسول الله وإني لأرجو أن ينزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم ما يصدق حديثي
أي وقيل إن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال لابن أبي لما قال أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل أنت والله الذليل المنقص في قومك ومحمد في عز من الرحمن وقوة من المسلمين فقال له ابن أبي لعنة الله اسكت فإنما كتب ألعب فعند تغير وجه رسول الله استأذنه عمر رضي الله عنه في أن يقتل ابن أبي والتمس منه أن يأمره غيره بقتله إذا لم يأذن له في ذلك
أي فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لما كان من أمر ابن أبي ما كان جئت رسول الله وهو في فيء شجرة أي ظلها عنده غليم أسود يغمز ظهره أي يكبسه فقلت يا رسول الله كأنك تشتكى ظهرك فقال تقحمت بي الناقة أي ألقتنى الليلة فقلت يا رسول الله ائذن لي أن أضرب عتق ابن أبي أو مر محمد بن مسلمة بقتله أي وفي رواية مر به عباد بن بشر فيلقتله فقال له رسول الله كيف يا عمر إذا اتحدث الناس بأن محمدا يقتل أصحابه
وفي لفظ أن عمر رضي الله عنه قال له رسول الله إن كرهت أن يقتله مهاجري فأمر به أنصاريا فقال ترعد له أذن وأنف كثيرة بيثرب يعنى المدينة ولعل تسميته لها بذلك إن كان بعد النهى لبيان الجواز ويبعد أن يكون ذلك كان قبل النهى عن ذلك ولكن أذن بالرحيل وكان ذلك في ساعة لم يكن يرتحل فيها
أي وفي رواية لما شاع الخبر ولم يكن الناس حديث في ذلك اليوم أي الوقت إلا ذلك أذن بالرحيل وكانت ساعة لم يكن رسول الله يرحل فيها أي لشدة الحر فارتحل الناس وسار رسول الله فجاءه أسيد بن حضير

رضي الله عنه فحياه بتحية النبوة وسلم عليه أي قال السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وقال يا نبي الله لقد رحلت في ساعة منكرة ما كنت تروح في مثلها أي فإنه كان لا يرحل إلا إن برد الوقت فقال له رسول الله أما بلغك ما قال صاحبكم فقال أي صاحب يا رسول الله قال عبدالله بن أبي ابن سلول قال وما قال قال زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل قال فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت هو والله الذليل وأنت العزيز ثم قال يا رسول الله ارفق به فوالله لقد جاء الله بك وفي رواية لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه ما بقيت عليهم إلا خرزة واحدة عند يوشع اليهودي فإنه ليرى أنك استلبته ملكا وقد تقدم الاعتذار عنه بذلك في غير ما مرة
ثم سار رسول الله بالناس سيرا حثيثا أي صار يضرب راحلته بالسوط في مراقها أي مارق من جلد أسفل بطنها وسار يومهم ذلك وليلتهم وصدر ذلك اليوم الثاني حتى آذتهم الشمس ثم نزل بالناس فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض وقعوا نياما وإنما فعل ذلك ليشتغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبدالله بن أبي ابن سلول
قال وذهب بعض الأنصار الذين سمعوا قول النبي ورده على الغلام إلى ابن أبي لعنه الله فقال له يا أبا الحباب إن كنت قلت ما نقل عنك فأخبر به النبي فليستغفر لك ولا تجحده فينزل فيك ما يكذبك وإن كنت لم تقله فائت رسول الله فاعتذر له واحلف له ما قتله فحلف بالله العظيم ما قال من ذلك شيئا ثم مشى إلى رسول الله فقال له رسول الله يا ابن أبي إن كانت سبقت منك مقالة فتب فجعل يحلف بالله ما قلت ما قال زيد وما تكلمت به انتهى
أي وفي لفظ أنه أرسل إلى ابن أبي فأتاه فقال له أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني عنك فقال والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك وإن زيدا لكاذب فقال من حضر رسول الله من الأنصار يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل أي وفي لفظ أنهم قالوا يا رسول الله شيخنا وكبرنا لا يصدق عليه كلام غلام


ثم أن عبد الله رضي الله تعالى عنه ولد عبد الله بن أبي بن سلول أي وكان اسمه الحباب فسماه صلى الله عليه وسلم يوم موت ابيه عبدالله لما بلغه مقالة عمر رضي الله تعالى عنه من قتل أبيه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنه قد بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي يعني والده فيما بلغك عنه فإن كنت فاعلا فمرني أن أحمل لك راسه فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل بر بوالده مني إني أخشى أن تامر به غيري فيقتله فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا
قال وفي رواية فمرني فوالله لأحملن إليك راسه قبل أن تقوم من مجلسك هذا وأني لاخشى يا رسول الله أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل ابي يمشي في الناس فأقتله فأدخل النارر فعفوك أفضل ومنتك أعظم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اردت قتله ولا أمرت به ولنحسنن صحبته ما كان بين أظهرنا فقال عبد الله يا رسول الله إن أبي كانت أهل هذه البحيرة أي المدينة اتفقوا على ان يتوجوه عليهم فجاء الله عز وجل بك فوضعه ورفعا بك أي زاد في رواية ومعه قوم أي من المنافقين يطيفون به ويذكرونه أمورا قد غلب الله عليها وتقدم أنه وقع لعبد الله رضي الله تعالى عنه مثل ذلك مع أبيه
روى الدارقطني مسندا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على جماعة فيهم عبد الله بن أبي فسلم عليهم ثم ولى وفقال عبد الله لقد عثا ابن أبي كبشة في هذه البلاد فسمعها ابنه عبد الله فاستاذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ان يأتيه برأس أبيه فقال لا ولكن بر اباك ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بقرب المدينة هاجت ريح شديدة تخوفوها كادت تدفن الراكب أي خافوا أن تكون لأمر حدث في بالمدينة على أهلهم فإن مدة الموادعة التي كانت بينه صلى الله عليه وسلم وبين عيينة بن حصن كان ذلك حين انقضائها فخافوا على المدينة منه فقال صلى الله عليه وسلم ليس عليكم منه يعني من عيينه بن حصن بأس ما بالمدينة من نقب أي باب إلا وملك يحرسه وما كان ليدخلها اعدو حتى تاتوها ولكن تعصف هذه الريح لموت عظيم من الكفار وفي رواية لموت منافق وفي لفظ مات اليوم منافق عظيم النفاق في المدينة فكان كما قال عليه الصلاة والسلام مات في ذلك اليوم زيد بن رفاعة بن التابوت وكان كهفا للمنافقين

كان من عظماءيهود بني قينقاع وكان ممن أسلم ظاهرا وإلى ذلك أشار الإمام السبكى رحمه الله تعالى في تأئيته بقوله ** وقد عصفت ريح فأخبرت أنها ** لموت عظيم في اليهود بطيبه **
قال وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بموته فقد جاء أن عبادة بن الصامت قال لابن أبي يا ابا حباب مات خليلك قال اي خليل قال من موته فتح للإسلام وأهله قال من قال زيد بن رفاعة قال واويلاه من أخبرك يا أبا الوليد بموته قال قلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنه مات هذه الساعة فحزن حزنا شديدا انتهى وذكر أهل المدينة ان هذه الريح وجدت في المدينة وأنه لما دفن عدو الله سكنت
أقول لكن في كلام ابن الجوزي رفاعة بن زيد بن التابوت وهو عم وقتادة بن النعمان قد ذكر عنه قتادة رضي الله تعالى عنه ما يدل على صحة إسلامه
أي وقد يقال جاز أن يكون أظهر ذلك لقتادة ليظن به ما ظنه من صحة إسلامه
قال ابن الجوزي ولهم رفاعة بن التابوت في الصحابة ذكره في الإصابة قال جاء ذكره في حديث مرسل كانوا في الجاهلية إذا أحرموا لم يأتوا بيتا من قبل بابه ولكن من قبل ظهره إلا الحمس فإنها كانت تأتي البيوت من أبوابها فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا ثم خرج من بابه فاتبعه رجل يقال له رفاعة بن التابوت ولم يكن من الحمس فقالوا يا رسول الله نافق رفاعة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حملك على ما صنعت ولم تكن من الحمس قال فإن ديننا واحد فنزلت { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها } وسيأتي نحو هذه القصة لقطبة بن عامر ولعلها وقعت لهما
وأما لحديث الذي أخرجه مسلم أن ريحا عظيما هبت فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنها هبت لموت منافق عظيم النفاق وهو رفاعة بن التابوت فهو آخر غير هذا فقد جاء من وجه آخر رافع بن التابو أي فذكر رفاعة بدل رافع من تصرف بعض الرواة
وذكر في الأصابة أن رفاعة بن زيد عم قتادة بن النعمان رضي الله تعالى عنه لم يوصف بأنه ابن التابوت كما ذكره ابن الجوزى اي فوصفه بابن التابوت من تصرف بعض الرواة فليتأمل الله أعلم


وعن جابر رضى الله عنه قال كنا مع رسول الله عليه في سفر فهاجت ريح منتنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن ناسا من المنافقين اغتابوا ناسا من المؤمنين فلذلك هاجت هذه الريح ولم يعين جابر السفرة فيحتمل أن تكون هى هذه الغزوة وهو ظاهر سياقها فيها
ويحتمل أن تكون غيرها وفقدت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء من بين الإبل أى ليلا فجعل المسلمون يطلبونها من كل وجه فقال زيد بن الصلت وكان منافقا كما علمت من بني قينقاع وكان بمجمع من الأنصار نصار أين يذهب هؤلاء في كل وجه قالوا يطلبون ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ضلت قال أ فلا يخبره الله بمكانها أ ي وفى لفظ كيف يدعى أنه يعلم الغيب ولا يعلم مكان ناقته ولا يخبره الذي يأ تيه بالوحى فأ نكر عليه القوم وقالوا قاتلك الله يا عدو الله نافقت وأرادوا قتله فعمدهاربا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متعوذا به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم وذلك الرجل يسمع إ ن رجلا من المنافقين شمت أن ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إلا يخبره الله بمكانها والله قد أخبرني بمكانها ولا يعلم الغيب إلا الله وإ نها في الشعب مقابلكم قد مسك زمامها بشجرة فاعمدوا نحوها فذهبوا فأ توا بها من حيث قال صلى الله عليه وسلم فقام ذلك الرجل سريعا إلى رفقائه فقالوا له حين دنا لاتدن منا فقال لهم أنشدكم الله هل أتى أحد منكم محمدا فأخبره خبرى قالوا لا والله ولا قمنا من مجلسنا فقال إني وجدت ما تكلمت به عنده فأشهد أن محمدا رسول الله كأنى لم أسلم إلا اليوم فقالوا له فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك فذهب إليه واعترف بذنبه واستغفر له قال ويقال إنه لم يزل فشلا أى جبانا حتى مات ووقع مثل هذا أى هبوب الريح وإضلال ناقته صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم فى غزوة تبوك
وأوقع صلى الله عليه وسلم الله السباق بين الإبل فسابق بلال رضى الله عنه على ناقته صلى الله عليه وسلم القصواء فسبقت غيرها من الإبل وسابق أبو سعيد الساعدى رضى الله عنه على فرسه صلى الله عليه وسلم الذى يقال له الظراب فسبق غيره من الخيل اه
أى وجاء أن ناقته صلى الله عليه وسلم العضباء كانت لا تسبق فجاء أعرابى على قعود فسبقها فشق ذلك على المسلمين فقال صلى الله عليه وسلم الله حق على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه اه

أقول في الإمتاع أنه صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة تسابق مع عائشة رضي الله عنها فتحزمت بقبائها وفعل كذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استبقا فسبقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها هذه بتلك التي كنت سبقتني يشير صلى الله عليه وسلم إلى أنه جاء إلى بيت ابي بكر رضي الله عنه فوجد مع عائشة شيئا فطلبه منها فأبت وسعت وسعى صلى الله عليه وسلم خلفها فسبقته
هذا وفي كلام ابن الجوزي عن عائشة رضي الله عنهاأنها قالت خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم فقال للناس تقدموا فتقدموا ثم قال تعالى حتى أسابقك فسابقته فسبقته فسكت عني حتى حملت اللحم وخرجت معه في سفره اخرى فقال للناس تقدموا فتقدموا ثم قال لي تعالى حتى أسابقك فسابقته فسبقني فجعل يضحك وهو يقول هذه بتلك فليتأمل
قال ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وادي العقيق تقدم عبد الله رضي الله عنه ابن عبد الله بن ابى سلول وجعل يتصفح الركاب حتى مر أبوه فأناخ به ثم وطئ عل يد راحلته فقال أبوه ما تريد يالكع فقال والله لا تدخل حتى تقر أنك الذليل وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز حتى ياذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعلم ايضا الأعز من الأذل أنت او رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار يقول لأنا أزل من الصبيان لأنا ازل من النساء حتى جا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خل عن أبيك فخلى عنه
أي وفي لفظ أنه لما جاء قال له ابنه وراءك قال مالك ويلك قال والله لا تدخلها يعني المدينة حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلم اليوم من الأعز من الأذل وفي لفظ حتى تقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعز وانت الأذل فقال له أنت من بين الناس فقال نعم أنا من بين الناس وانصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشكا له ما صنع ابنه رضي الله عنه فأرسل صلى الله عليه وسلم إلى ابنه أن خل عنه وفي لفظ قال له ابنه رضي الله عنه لئن لم تقر لله ولرسوله بالعزة لأضربن عنقك فقال ويحك افاعل أنت قال نعم ولما رأى منه الجد قال أشهد أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبنه جزاك الله عن رسوله وعن المؤمنين خيرا وانزل الله تعالى سورة المنافقين قال زيد بن ارقم رضي الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم

تأخذه البرحاء ويعرق جبينه الشريف وتثقل يدا راحلته فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه ورجوت أن ينزل الله تصديقي فلما سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بأذني وأنا على راحلتي يرفعها إلى السماء حتى ارتفعت عن مقعدي وهو يقول وعت اذنك يا غلام وصدق الله حديثك وكذب المنافقين وفي رواية هذا الذي أوفى الله بأذنه ونزل { وتعيها أذن واعية } فكان يقال لزيد بن أرقم رضي الله عنه ذو الأذن الواعية
وذكر بعض الرافضة أن قوله تعالى وتعيها أذن واعية جاء في الحديث أنها نزلت في علي كرم الله وجهه قال الإمام ابن تيمية وهذا حديث موضوع باتفاق اهل العلم أي وعلى تقدير صحته لا مانع من التعدد
وصار قوم عبد الله بن أبي عند نزول سورة المنافقين يعاتبونه ويعنفونه ولما بلغه صلى الله عليه وسلم أي بغض قومه له ومعاتبتهم له قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه كيف ترى يا عمر إني والله لو قتلته يوم قلت لأرعدت له أنوف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته فقال عمر رضي الله عنه قد والله علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري آه
وجاء أنه لما نزلت سورة المنافقين وفيها تكذيب ابن أبي قال له أصحابه اذهب إلى رسول الله صى يستغفر لك فلوى رأسه ثم قال أمرتموني أن أومن فآمنت وأمرتموني ان أعطي زكاة أموالي فأعطيت فما بقي إلا أن أسجد لمحمد صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى { وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم } الآية
وفي تفسير القرطبي عند قول تعالى { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر } قال السدى نزلت في عبد الله ابن أبي جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له بالله يارسول الله أما أبقيت فضله من شرابك أسقها أبي لعل الله يطهر بها قلبه فأفضل له فأتاه بها فقال له عبد الله ما هذا فقال هي فضلة من شراب النبي صلى الله عليه وسلم جئتك بها تشربها لعل الله يطهر قلبك بها فقال له أبوه فهلا جئتني ببول أمك فإنه أطهر منها فغضب وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال

يا رسول الله بالله أما أذنت لي في قتل أبي فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل ترفق به وتحسن إليه
وقد جاء أن ابنه رضي الله عنه قال يا رسول الله ذرني أسقي والدي من وضوئك لعل قلبه أن يلين فتوضأ صلى الله عليه وسلم وأعطاه فذهب به إلى أبيه فسقاه وقال له هل تدري ما سقيتك قال نعم سقيتني بول أمك قال لا والله لكن سقيتك بول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة هلال رمضان فكانت غيبته ثمانية وعشرين ليلة
قال وفي هذه الغزوة جاءت امرأة بابن لها وقالت يا رسول الله هذا ابني غلبني عليه الشيطان ففتح صلى الله عليه وسلم فم الولد وبزق فيه وقال اخسأ عدو الله أنا رسول الله قال ذلك ثلاثا ثم قال للمرأة شأنك بابنك لن يعود إليه شيء مما كان يصيبه
وفي هذه العزوة جاء شخص بثلاث بيضات له صلى الله عليه وسلم من بيض النعام فقال صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله عنه دونك يا جابر فاعمل هذه البيضات قال جابر فعملتهن ثم جئت بهن فجعلنا نطلب خبزا فلم نجد فجعل كل من رسول اله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكل من ذلك بغير خبز حتى انتهى كل إلى حاجته والبيض كما هو
وفي الغزوة جاء جمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفل أي يختال في مشيه وصوت فقال صلى الله عليه وسلم تدرون ما يقول هذا الجمل هذا يستعيذني على سيده يقول إنه كان يحرث عليه وإنه أراد أن ينحره اذهب يا جابر إلى صاحبه فأت به فقلت لا أعرفه قال سيدلك فخرج بين يدي حتى وقف على صاحبه فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه في شأن الجمل 1 هـ
أقول قد تقدمت هذه الأمور الثلاثة التي هي قصة ابن المراة وقصة البيض وقصة الجمل في ذات الرقاع والتعدد فيهما حتى لأجل هذه الأمور سميت كل منهما بغزة الأعاجيب بعيد والذي أراه أنه اشتباه من بعض الرواة فليتأمل
وفي هذه الغزوة كانت قصة الإفك أي الكذب على عائشة الصديقة المبراة المطهرة رضي الله عنها قالت لما دنونا من المدينة قافلين أي راجعين أذن ليلة بالرحيل فقمت

وذهبت لأقضي حاجتي حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فإذا عقد لي من جزع أظفار كذا بالألف عند البخاري وفي رواية ظفار بغير ألف قال القرطبي ومن قيده بالألف فقد أخطأ أي ولعل المراد خالف الرواية وفي لفظ ظفاري أي بياء النسبة وفي لفظ الجزع الظفري
وقد يقال لا مانع من وقوع هذه الألفاظ من الصديقة في أوقات مختلفة قال بعضهم الجزع بفتح الجيم وإسكان الزاي وآخره عين مهملة خرز وظفار بالظاء المعجمة كوبار مبنية على الكسر قرية من قرى اليمن كان ثمنه يسيرا وفي كلام بعضهم كان يساوي اثني عشر درهما قد انقطع فالتمست عقدي أي ذهبت إلى التماسة في المحل الذي قضيت فيه حاجتي وحبسني التماسه اقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي هو بتخفيف الحاء أي يجعلون هودجها على الرحل فاحتملوا ودجى فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون اني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لفلة اكلهن أي لأن السمن وكثرة اللحم غالبا تنشأ عن كثرة الأكل وساورا أي وعن عائشة رضي الله عنها أن الذي كان يرحل هودجها ويقود بعيرها أبو مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رجلا صالحا ولا يخالف هذا قولها وأقبل الرهط إلى آخره وقولها في بعض الروايات ولم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه لأنه يجوز أن جماعة كانوا يعاونون أبا مويهبة في ذلك فوجدت عقدي فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب وأقمت منزلي الذي كنت فيه وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان السلمى خلف الجيش أي لأنه كان على ساقة الجيش يتخلف عن الجيش ليلتقط ما يسقط من المتاع وقيل كان ثقيل النوم لا يستيقظ حتى يرتحل الناس
وقد جاء أن زوجته شكته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت له إنه لا يصلي الصبح فقال يا رسول الله إني امرؤ ثقيل النوم لا أستيقظ حتى تطلع الشمس فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استيقظت فصل أي وفي رواية شكته إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه يضربها فقال إنها تصوم بغير إذني فقال لها لا تصومي إلا بإذنه قالت إنه ينام عن الصلاة أي صلاة الصبح قال إنه شيء ابتلاه الله به فإذا استيقظ فليصل وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم من حاله أنه ينام عن الصلاة

الصبح قالت إنه إذا سمعني أقرأ يضربني فقال إن معي سورة ليس معي غيرها هي تقرؤها قال لا تضربها فإن هذه السورة لو قسمت في الناس لو سعتهم أي وهذا الجواب منه صلى الله عليه وسلم يدل على أن صفوان ظن أن امرأته إذا قرأت تلك السورة شاركته في ثوابها فليتأمل
فأدلج أي سار ليلا فأصبح عند منزلي أي على خلاف عادته فرأى سوادا أي شخص إنسان نائم فأتاني فعرفني فاستيقظت باسترجاعه أي بقوله إنا لله وإنا إليه راجعون أي لأن تخلف أم المؤمنين عن الرفقة في مضيعة مصيبة أي مصيبة قالت فخمرت وجهي بجلبابي وهو ثوب أقصر من الخمار ويقال له المقنعة تغطي بها المرأة رأسها أي لأن ذلك كان بعد نزول لآية الحجاب أي { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي } الآية أي لأنه تقدم أن ذلك كان في سنة ثلاث على الراجح عند الأصل
وفي الإمتاع وذكر بعض علماء الأخبار ان تزوجه صلى الله عليه وسلم زينب التي نزلت آية الحجاب بسببها كان في ذي القعدة سنة خمس ولا يخفى أن هذا القول ينافيه ما يأتي عن عائشة رضي الله عنها من قولها إن زينب هي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إذ هو صريح في أنها كانت زوجة له صلى الله عليه وسلم قبل هذه العزوة بناء على أن هذه الغزوة كانت سنة ست
قالت والله ما كلمني وفي لفظ والله ما يكلمني كلمة وما سمعت منه كلمة أي فلاكلمها ولا كلم نفسه قيل استعمل الصمت أدبا لهول هذا الأمر الذي هو فيه فلم يقع منه غير الاسترجاع حين أناخ ناقته فوطئ على يدها فركبتها وفي رواية ثم قرب البعير فقال اركبي أي وفي لفظ قال أمه قومي فاركبي واخذ براس البعير وجاء أنه لما ركبت قالت حسبي الله ونعم الوكيل
وفي سيرة ابن هشام انه لما قال لها ما خلفك يرحمك الله قالت فما كلمته أي ويحتاج إلى الجمع بين هذه الروايات الثلاث وما قبلها على تقدير صحتها
وقد يقال إنها لم تسمع منه غير استرجاعه ولا كلمها ولا تكلم قبل أن يقرب إليها البعير كما علمت فلما قرب البعير إليها قال لها يا أمه قومي فاركبي لأن إناخة البعير وتقريبه ليس صريحا في الإذن لها في الركوب فأتى بذلك اللفظ الدال على مزيدا من احترامها وإجلالها وتعظيمها وبعض الرواة اقتصر على قولها اركبي وبعد ان ركبت أي

وحصلت الطمأنينة واندفعت الريبة قال لها متعجبا لا مستفهما ما خلفك قالت فانطلق يقود بي الراحلة أتينا الجيش بعد ما نزلوا وذلك في نحر الظهيرة أي وسطها وهو بلوغ الشمس منتهاها من الإرتفاع
وبهذه الواقعة استدل فقهاؤنا على أنه يجوز الخلوة بالمرأة الأجنبية إذا وجدها منقطعة ببرية أو نحوها بل يجب استصحابها إذا خاف عليها لو تركها
هذا وفي الخصائص الصغرى وفي معاني الآثار للطحاوي رحمه الله قال أبو حنيفة كان الناس لعائشة رضي الله عنها محرما فمع أيهم سافرت فقد سافرت مع محرم وليس غيرها من النساء كذلك
أي وقوله وليس غيرها من النساء كذلك يشمل بقية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وحينئذ فليتأمل الفرق بينها وبين بقية أمهات المؤمنين فيما ذكر وفيما سيأتي عن بعضهم أن من قذف عائشة يقتل ويحد في غيرها من أزواجه صلى الله عليه وسلم حدين
قالت عائشة رضي الله عنها فلما نزلنا هلك من هلك بقول البهتان والإفتراء والذي تولى كبره أي معظمه عبد الله بن أبي ابن سلول أي فإنه كان أول من أشاعه في العسكر أي فإنه كان ينزل مع جماعة المنافقين مبتعدين من الناس فمرت عليهم فقال من هذه قالوا عائشة وصفوان فقال فجربها رب الكعبة وفي لفظ ما برئت منه وما برئ منها وفي لفظ والله ما نجت منه ولا نجا منها وصار يقول امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم أشاع ذلك في المدينة بعد دخولهم له لشدة عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم أي والذي في البخاري كان يتحدث به عنده فيقره ويستمعه ويستوشيه أي يستخرجه بالبحث عنه
وقد يقال لا منافاة لأنه يجوز أن يكون هو أول من أشاعه عند دخول المدينة ثم صار يستخرجه بالبحث عنه ليكثر إشاعته قالت فقدمنا المدينة فاشتكيت أي مرضت حين قدمت شهرا والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك أي ووصل الخبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى أبوي ولا أشعر بشيء من ذلك وكان يريبني أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي أي حين أمرض واللطف بضم اللام وسكون الطاء وقيل بفتح اللام والطاء وهو من

الإنسان الرفق ومن الله التوفيق إنما يدخل على فيسلم أي وعندي أمي تمرضني ثم يقول كيف تيكم أي لا يزيد على ذلك ثم ينصرف فذاك الذي يريبني حتى خرجت بعد ما نقهت بكسرالقاف وفتحها أي أول ما افقت من المرض فخرجت معي ام مسطح وهي بنت خالة أبي بكر أي وما في لفظ وكان مسطح ابن خالة أبي بكر هو عل ضرب من التجوز والمسامحة وكان مسطح يتيما في حجر أبي بكر وكان فقيرا ينفق عليه أبو بكر قالت وخروجنا كان إلى المحل الذي تخرج إليه النساء ليلا أي لقضاء حاجة الإنسان وذلك قبل أن تتخذ الكنف أي فإن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن نحو المنصع وهو محل متسع قالت فلما فرغنا من شأننا وأقبلت عثرت أم مسطح في مرطها أي إزارها فقالت تعس مسطح بفتح العين وكسرها هلك مسطح تعني ولدها ومسطح في الأصل عمود الخيمة قلت لها بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا قالت يا هنتاه بفتح الهاء الأولى وسكون النون وضم الهاء الثانية أي يا هذه أو لم تسمعي ما قال قلت وما قال فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا على مرضي أي عاودني المرض وازددت عليه أي وفي لفظ مخرن مغشيا عليها
وفي رواية خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطح قد حملت السطل وفيه ماء فعثرت ووقع السطل منها فقالت تعس مسطح فقلت أي أم تسبين ابنك فسكتت ثم عثرت الثانية فقالت تعس مسطح فقلت أي أم تسبين ابنك ثم عثرت الثالثة فقالت تعس مسطح فنهرتها فقالت والله م أشبه إلا فيك فقلت في أي شأني فبقرت أي كشفت لي الحديث فقلت وقد كان هذا قالت نعم فأخذتني حمى نافضة ورجعت إلى بيتي فلما رجعت إلى بيتي مكثت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ إلى دمع ولا اكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعد أن سلم كيف تيكم فقلت أتأذن لي أن آتي بيت أبوي وأنا أريد أن اتثبت الخير من قبلهما أي لأن أمها فارقتها لما نفهت من المرض وذهبت إلى بيتها فلا ينافي ما سبق من قولها وعندي أمي تمرضني قالت فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أبوي أي وأرسل معي الغلام فدخلت الدار فوجدت أم رومان في أسفل وأبا بكر فوق يقرأ فقالت أمي ما جاء بك فأخبرتها فذهابها إلى أبويها كما علمت كان بعد أن صحت من المرض وبعد إخبار أم مسطح لها بالقصة
والذي في السيرة الهشامية يفيد أنه كان قبل ذلك وهو أنها رضي الله عنها قالت كان صلى الله عليه وسلم كلما يدخل يقول كيف تيكم لا يزيد على ذلك حتى وجدته في نفسي فقلت يا رسول الله حين رأيت ما رأيت من جفائه لو أذنت لي قال لا عليك قالت فانتقلت إلى امي تمرضني ولا علم لي بشيء مما كان حتى نفهت من وجعي بعد بضع وعشرين ليلة وكنا قوما عربا لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف التي تتخذها الأعاجم أي بيوت الأخلية نعافها ونكرهها إنما نذهب في فسح المدينة فخرجت ليلة ومعي أم مسطح بنت خالة أبي بكر إذ عثرت في مرطها فقالت تعس مسطح قلت بئس لعمر الله ما قلت لرجل من المهاجرين وقد شهد بدرا قالت أو ما بلغك الخبر يا ابنة ابى بكر قلت وما الخبر فأخبرتني بالذي كان من قول أهل الإفك قلت أو قد كان هذا قالت نعم والله لقد كان فوالله ما قدرت على أن أقضي حاجتي ورجعت فوالله ما وزلت أبكي حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي فليتأمل الجمع بين ما في السيرة الهشامية وما في غيرها على تقدير صحتهما
قالت وقلت لأمي يغفر الله لك تحدث الناس بما تحدثوا به لا تذكرين لي من ذلك شيئا الحديث وفي رواية فقلت لأمي يا أماه ما يتحدث الناس وفي لفظ قلت لأمي يغفر الله لك تحث الناس بما تحدثوا الآ تذكرين لي من ذلك شيئا قالت يا بنية هوني عليك وفي لفظ خفضي عليك الشأن فوالله لقلما ما كانت امراة قط وضيئة أي جميلة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها أي القول في تنقيصها
وفيه أن ضرائرها أمهات المؤمنين لم يكن السبب في إشاعة ذلك ولم ينقصها به إلا أن يقال ظنت أمها ذلك على ما هو العادة في ذلك وعند ذلك قالت فقلت سبحان الله ولقد تحدث الناس بهذا أي وقلت قد علم به أبي قالت نعم قلت ورسول الله قالت نعم فاستعبرت وبكيت فسمع أبو بكر صوتي فنزل فقال لأمي ما شأنها فقالت بلغها الذي ذكر من شأنها فقاضت عيناه فبكيت تلك الليلة حت اصبحت لا يرفأ لي دمع أي يرتفع ولا اكتحلت بنوم في الليلة الثانية كذلك ولما أصبحت أصبح أبواي عندي يظنان أن البكاء فالق كبدي فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي أي وهما


-

=


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

طبقات خليفة خليفة بن خياط أبو عمر شباب/الليثي العصفري/ت. الوفاة : 240 .

 طبقات خليفة  خليفة بن خياط أبو عمر شباب/الليثي العصفري/ت. الوفاة : 240 .  الطبقات قال حدثنا خليفة بن خياط شباب أبو عمرو الشيباني الذهلي...