الاثنين، 6 يونيو 2022

كتاب 5. و6.: السيرة النبوية لابن هشام المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري




كتاب : السيرة النبوية لابن هشام


المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري



وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَافِعُ بْنُ حَارِثَةَ ، وَسَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ ، [ ص 568 ] ، وَرَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ ، فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنّك عَلَى مِلّةِ إبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ وَتُؤْمِنُ بِمَا عِنْدَنَا مِنْ التّوْرَاةِ ، وَتَشْهَدُ أَنّهَا مِنْ اللّهِ حَقّ ؟ قَالَ بَلَى ، وَلَكِنّكُمْ أَحْدَثْتُمْ وَجَحَدْتُمْ مَا فِيهَا مِمّا أَخَذَ اللّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ الْمِيثَاقِ فِيهَا ، وَكَتَمْتُمْ مِنْهَا مَا أُمِرْتُمْ أَنْ تُبَيّنُوهُ لِلنّاسِ فَبَرِئْتُ مِنْ إحْدَاثِكُمْ قَالُوا : فَإِنّا نَأْخُذُ بِمَا فِي أَيْدِينَا ، فَإِنّا عَلَى الْهُدَى وَالْحَقّ وَلَا نُؤْمِنُ بِك ، وَلَا نَتّبِعُك . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتّى تُقِيمُوا التّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ وَلَيَزِيدَنّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّحّامُ بْنُ زَيْدٍ ، وَقَرْدَمُ بْنُ كَعْبٍ ، وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو ، فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمّدُ أَمَا تَعْلَمُ مَعَ اللّهِ إلَهًا غَيْرَهُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُ لَا إلَهَ إلّا هُوَ بِذَلِكَ بُعِثْت ، وَإِلَى ذَلِكَ أَدْعُو . فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِمْ وَفِي قَوْلِهِمْ { قُلْ أَيّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنّنِي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } . وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ وَسُوَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ قَدْ أَظْهَرَا الْإِسْلَامَ وَنَافَقَا فَكَانَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُوَادّونَهُمَا . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمَا : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَتّخِذُوا الّذِينَ اتّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتّقُوا اللّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } إلَى قَوْلِهِ { وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ }

[ سُؤَالُهُمْ عَنْ قِيَامِ السّاعَةِ ]
وَقَالَ جَبَلُ بْنُ أَبِي قُشَيْرٍ ، وَشَمْويِلُ بْنُ زَيْدٍ ، لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا مُحَمّدُ أَخْبِرْنَا ، مَتَى تَقُومُ السّاعَةُ إنْ كُنْتَ نَبِيّا كَمَا تَقُولُ ؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمَا : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي لَا يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنّكَ حَفِيّ عَنْهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللّهِ وَلَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } .
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَيّانَ مُرْسَاهَا : مَتَى مُرْسَاهَا . قَالَ قَيْسُ بْنُ الْحُدَادِيّةِ الْخُزَاعِيّ :
فَجِئْتُ وَمُخْفَى السّرّ بَيْنِي وَبَيْنَهَا
لِأَسْأَلَهَا أَيّانَ مَنْ سَارَ رَاجِعُ ؟
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَمُرْسَاهَا : مُنْتَهَاهَا ، وَجَمْعُهُ مَرَاسٍ . قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ الْأَسْدِيّ :
وَالْمُصِيبِينَ بَابَ مَا أَخْطَأَ النّا
سُ وَمُرْسَى قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَمُرْسَى السّفِينَةِ حَيْثُ تَنْتَهِي . وَحَفِيّ عَنْهَا ( عَلَى التّقْدِيمِ وَالتّأْخِيرِ ) . يَقُولُ يَسْأَلُونَك عَنْهَا كَأَنّك حَفِيّ بِهِمْ فَتُخْبِرَهُمْ بِمَا لَا تُخْبِرُ بِهِ غَيْرَهُمْ . وَالْحَفِيّ : الْبَرّ الْمُتَعَهّدُ . وَفِي كِتَابِ اللّهِ { إِنّهُ كَانَ بِي حَفِيّا } وَجَمْعُهُ أَحْفِيَاءُ . وَقَالَ أُعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
فَإِنْ تَسْأَلِي عَنّي فَيَا رُبّ سَائِلٍ
حَفِيّ عَنْ الْأَعْشَى بِهِ حَيْثُ أَصْعَدَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَالْحَفِيّ ( أَيْضًا ) : الْمُسْتَحْفِي عَنْ عِلْمِ الشّيْءِ الْمُبَالِغِ فِي طَلَبِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ ، وَنُعْمَانُ بْنُ أَوْفَى أَبُو أَنَسٍ وَمَحْمُودُ بْنُ دِحْيَةَ وَشَأْسُ بْنُ قَيْسٍ ، وَمَالِكُ بْنُ الصّيْفِ ، فَقَالُوا لَهُ كَيْفَ نَتّبِعُك وَقَدْ تَرَكْت قِبْلَتَنَا ، وَأَنْتَ لَا تَزْعُمُ أَنّ عُزَيْرًا ابْنُ اللّهِ ؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتِ النّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ .
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يُضَاهِئُونَ أَيْ يُشَاكِلُ قَوْلُهُمْ قَوْلَ الّذِينَ كَفَرُوا ، نَحْوَ أَنْ تُحَدّثَ بِحَدِيثٍ فَيُحَدّثَ آخَرُ بِمِثْلِهِ فَهُوَ يُضَاهِيك .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَحْمُودُ بْنُ سَيْحَانَ ، وَنُعْمَانُ بْنُ أَضَاءَ وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو ، وَعُزَيْرُ بْنُ أَبِي عُزَيْرٍ ، وَسَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ ، فَقَالُوا : أَحَقّ يَا مُحَمّدُ أَنّ هَذَا الّذِي جِئْتَ بِهِ لَحَقّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ فَإِنّا لَا نَرَاهُ مُتّسِقًا كَمَا تَتّسِقُ التّوْرَاةُ ؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَا وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْرِفُونَ أَنّهُ مِنْ عِنْدِ اللّهِ . تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التّوْرَاةِ ، وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الْإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ مَا جَاءُوا بِهِ فَقَالُوا عِنْدَ ذَلِكَ وَهُمْ جَمِيعٌ فَتَحَاصّ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيّا ، وَابْنُ صَلُوبَا ، وَكِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ ، وَأَشْيَعُ وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ، وَشَمْويِلُ بْنُ زَيْدٍ ، وَجَبَلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُكَيْنَةَ : يَا مُحَمّدُ أَمَا يُعَلّمُك هَذَا إنْسٌ وَلَا جِنّ ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَا وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّهُ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَإِنّي لَرَسُولُ اللّهِ تَجِدُونَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التّوْرَاةِ ، فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ فَإِنّ اللّهَ يَصْنَعُ لِرَسُولِهِ إذَا بَعَثَهُ مَا يَشَاءُ [ ص 571 ] أَرَادَ فَأَنْزِلْ عَلَيْنَا كِتَابًا مِنْ السّمَاءِ نَقْرَؤُهُ وَنَعْرِفُهُ وَإِلّا جِئْنَاك بِمِثْلِ مَا تَأْتِي بِهِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ وَفِيمَا قَالُوا : { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الظّهِيرُ الْعَوْنُ . وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ : تَظَاهَرُوا عَلَيْهِ أَيْ تَعَاوَنُوا عَلَيْهِ . قَالَ الشّاعِرُ
يَا سَمِيّ النّبِيّ أَصْبَحْتَ لِلدّينِ ... قَوّامًا وَلِلْإِمَامِ ظَهِيرَا
أَيْ عَوْنًا ؛ وَجَمْعُهُ ظُهَرَاءُ .
[ سُؤَالُهُمْ لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ، وَأَبُو رَافِعٍ وَأَشْيَعُ وَشَمْويِلُ بْنُ زَيْدٍ ، لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ حَيْن أَسْلَمَ : مَا تَكُونُ النّبُوّةُ فِي الْعَرَبِ وَلَكِنّ صَاحِبَك مَلَكٌ . ثُمّ جَاءُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ فَقَصّ عَلَيْهِمْ مَا جَاءَهُ مِنْ اللّهِ تَعَالَى فِيهِ مِمّا كَانَ قَصّ عَلَى قُرَيْشٍ ، وَهُمْ كَانُوا مِمّنْ أَمَرَ قُرَيْشًا أَنْ يَسْأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُ حَيْنَ بَعَثُوا إلَيْهِمْ النّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وعُتْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحُدّثْت عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنّهُ قَالَ أَتَى رَهْطٌ مِنْ يَهُودَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ هَذَا اللّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ ، فَمَنْ خَلَقَ اللّهَ ؟ قَالَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى اُنْتُقِعَ لَوْنُهُ ثُمّ سَاوَرَهُمْ غَضَبًا لِرَبّهِ . قَالَ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ فَسَكّنَهُ فَقَالَ خَفّضْ عَلَيْك يَا مُحَمّدُ وَجَاءَهُ مِنْ اللّهِ بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ { قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ [ ص 572 ] } قَالَ فَلَمّا تَلَاهَا عَلَيْهِمْ قَالُوا : فَصِفْ لَنَا يَا مُحَمّدُ كَيْفَ خَلْقُهُ ؟ كَيْفَ ذِرَاعُهُ ؟ كَيْفَ عَضُدُهُ ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَشَدّ مِنْ غَضَبِهِ الْأَوّلِ وَسَاوَرَهُمْ . فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لَهُ أَوّلَ مَرّةٍ وَجَاءَهُ مِنْ اللّهِ تَعَالَى بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ . يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : { وَمَا قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسّماوَاتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمّا يُشْرِكُونَ } . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ مَوْلَى بَنِي تَيْمٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ يُوشِكُ النّاسُ أَنْ يَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ حَتّى يَقُولَ قَائِلُهُمْ هَذَا اللّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللّهَ ؟ فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَقُولُوا : { قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } ثُمّ لِيَتْفُلْ الرّجُلُ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا ، وَلِيَسْتَعِذْ بِاَللّهِ مِنْ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الصّمَدُ الّذِي يُصْمَدُ إلَيْهِ وَيُفْزَعُ إلَيْهِ قَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ مَعْبَدِ بْنِ نَضْلَةَ تَبْكِي عَمْرَو بْنَ مَسْعُودٍ وَخَالِدَ بْنَ نَضْلَةَ عَمّيْهَا الْأَسَدِيّيْنِ وَهُمَا اللّذَانِ قَتَلَ النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ اللّخْمِيّ ، وَبَنَى الْغَرِيّيْنِ اللّذَيْنِ بِالْكُوفَةِ عَلَيْهِمَا :
أَلَا بَكَرَ النّاعِي بِخَيْرَيْ بَنِي أَسَدْ ... بِعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وَبِالسّيّدِ الصّمَدْ
[ أَمْرُ السّيّدِ وَالْعَاقِبِ وَذِكْرُ الْمُبَاهَلَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ نَصَارَى نَجْرَانَ ، سِتّونَ رَاكِبًا ، فِيهِمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ فِي الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ إلَيْهِمْ يَئُولُ أَمْرُهُمْ الْعَاقِبُ أَمِيرُ الْقَوْمِ وَذُو رَأْيِهِمْ وَصَاحِبُ مَشُورَتِهِمْ وَاَلّذِي لَا يُصْدِرُونَ إلّا عَنْ رَأْيِهِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَسِيحِ وَالسّيّدُ لَهُمْ ثِمَالُهُمْ وَصَاحِبُ رَحْلِهِمْ وَمُجْتَمَعِهِمْ وَاسْمُهُ الْأَيْهَمُ ، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ ، أَحَدُ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، أَسْقُفُهُمْ وَحَبْرُهُمْ وَإِمَامُهُمْ وَصَاحِبُ مِدْرَاسِهِمْ .

[ مَنْزِلَةُ أَبِي حَارِثَةَ عِنْدَ مُلُوكِ الرّومِ ]
وَكَانَ أَبُو حَارِثَةَ قَدْ شَرُفَ فِيهِمْ وَدَرَسَ كُتُبَهُمْ حَتّى حَسُنَ عِلْمُهُ فِي دِينِهِمْ فَكَانَتْ مُلُوكُ الرّومِ مِنْ النّصْرَانِيّةِ قَدْ شَرّفُوهُ وَمَوّلُوهُ وَأَخْدَمُوهُ وَبَنَوْا لَهُ الْكَنَائِسَ وَبَسَطُوا عَلَيْهِ الْكَرَامَاتِ لِمَا يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ مِنْ عِلْمِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي دِينِهِمْ .
[ سَبَبُ إسْلَامِ كُوزِ بْنِ عَلْقَمَةَ ]
فَلَمّا رَجَعُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ نَجْرَانَ ، جَلَسَ أَبُو حَارِثَةَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ مُوَجّهًا ( إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ) ، وَإِلَى جَنْبِهِ أَخٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ كُوزُ بْنُ عَلْقَمَةَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ كُرْزٌ - فَعَثَرَتْ بَغْلَةُ أَبِي حَارِثَةَ فَقَالَ كُوزٌ تَعِسَ الْأَبْعَدُ : يُرِيدُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ أَبُو حَارِثَةَ بَلْ أَنْتَ تَعِسْت فَقَالَ وَلِمَ يَا أَخِي ؟ قَالَ وَاَللّهِ إنّهُ لَلنّبِيّ الّذِي كُنّا نَنْتَظِرُ فَقَالَ لَهُ كُوزٌ مَا يَمْنَعُك مِنْهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ هَذَا ؟ قَالَ مَا صَنَعَ بِنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ شَرّفُونَا وَمَوّلُونَا وَأَكْرَمُونَا ، وَقَدْ أَبَوْا إلّا خِلَافَهُ فَلَوْ فَعَلْتُ [ ص 574 ] تَرَى . فَأَضْمَرَ عَلَيْهَا مِنْهُ أَخُوهُ كُوزُ بْنُ عَلْقَمَةَ ، حَتّى أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ . فَهُوَ كَانَ يُحَدّثُ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ فِيمَا بَلَغَنِي .

[ رُؤَسَاءُ نَجْرَانَ وَإِسْلَامُ أَحَدِهِمْ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَلَغَنِي أَنّ رُؤَسَاءَ نَجْرَانَ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ كُتُبًا عِنْدَهُمْ . فَكُلّمَا مَاتَ رَئِيسٌ مِنْهُمْ فَأَفْضَتْ الرّيَاسَةُ إلَى غَيْرِهِ خَتَمَ عَلَى تِلْكَ الْكُتُبِ خَاتَمًا مَعَ الْخَوَاتِمِ الّتِي كَانَتْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَكْسِرْهَا ، فَخَرَجَ الرّئِيسُ الّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَمْشِي فَعَثَرَ فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ تَعِسَ الْأَبْعَدُ يُرِيدُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ لَا تَفْعَلْ فَإِنّهُ نَبِيّ ، وَاسْمُهُ فِي الْوَضَائِعِ يَعْنِي الْكُتُبَ فَلَمّا مَاتَ لَمْ تَكُنْ لِابْنِهِ هِمّةٌ إلّا أَنْ شَدّ فَكَسَرَ الْخَوَاتِمَ فَوَجَدَ فِيهَا ذِكْرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَحَجّ وَهُوَ الّذِي يَقُولُ
إلَيْك تَعْدُو قَلِقًا وَضِينُهَا ... مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا جَنِينُهَا
مُخَالِفًا دِينَ النّصَارَى دِينُهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْوَضِينُ الْحِزَامُ حِزَامُ النّاقَةِ . وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ : وَزَادَ فِيهِ أَهْلُ الْعِرَاق ِ
الْعِرَاق ِ : مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا جَنِينُهَا
فَأَمّا أَبُو عُبَيْدَةَ فَأَنْشَدْنَاهُ فِيهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ لَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ مَسْجِدَهُ حَيْنَ صَلّى الْعَصْرَ عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الْحِبَرَاتِ جُبَبٌ وَأَرْدِيَةٌ فِي جَمَالِ رِجَالِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ . قَالَ يَقُولُ بَعْضُ مَنْ رَآهُمْ مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ مَا رَأَيْنَا وَفْدًا مِثْلَهُمْ وَقَدْ حَانَتْ صَلَاتُهُمْ فَقَامُوا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّونَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعُوهُمْ فَصَلّوْا إلَى الْمَشْرِقِ .

[ أَسْمَاءُ الْوَفْدِ وَمُعْتَقَدِهِمْ وَمُنَاقَشَتِهِمْ الرّسُولَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
[ ص 575 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَكَانَتْ تَسْمِيَةُ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ الّذِينَ يَئُولُ إلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ الْعَاقِبُ وَهُوَ عَبْدُ الْمَسِيحِ وَالسّيّدُ وَهُوَ الْأَيْهَمُ ، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ أَخُو بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، وَأَوْسٌ وَالْحَارِثُ وَزَيْدٌ وَقَيْسٌ ، وَيَزِيدُ وَنَبِيّهُ وَخُوَيْلِدٌ وَعَمْرو ، وَخَالِدٌ وَعَبْدُ اللّهِ وَيُحَنّسُ فِي سِتّينَ رَاكِبًا . فَكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ أَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ ، وَالْعَاقِبُ عَبْدُ الْمَسِيحِ وَالْأَيْهَمُ السّيّدُ - وَهُمْ مِنْ النّصْرَانِيّةِ عَلَى دِينِ الْمَلِكِ مَعَ اخْتِلَافِ مَنْ أَمَرَهُمْ يَقُولُونَ هُوَ اللّهُ وَيَقُولُونَ هُوَ وَلَدُ اللّهِ وَيَقُولُونَ هُوَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ . وَكَذَلِكَ قَوْلُ النّصْرَانِيّةِ . فَهُمْ يَحْتَجّونَ فِي قَوْلِهِمْ " هُوَ اللّهُ " بِأَنّهُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى ، وَيُبْرِئُ الْأَسْقَامَ . وَيُخْبِرُ بِالْغُيُوبِ وَيَخْلُقُ مِنْ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ ثُمّ يَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَائِرًا ، وَذَلِكَ كُلّهُ بِأَمْرِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ } وَيَحْتَجّونَ فِي قَوْلِهِمْ " إنّهُ وَلَدُ ( اللّهِ ) " بِأَنّهُمْ يَقُولُونَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ يُعْلَمُ وَقَدْ تَكَلّمَ فِي الْمَهْدِ وَهَذَا لَمْ يَصْنَعْهُ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ قَبْلَهُ . وَيَحْتَجّونَ فِي قَوْلِهِمْ " إنّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ " بِقَوْلِ اللّهِ فَعَلْنَا ، وَأَمَرْنَا ، وَخَلَقْنَا ، وَقَضَيْنَا . فَيَقُولُونَ لَوْ كَانَ وَاحِدًا مَا قَالَ إلّا فَعَلْتُ وَقَضَيْت ، وَأَمَرْت ، وَخَلَقْت ؛ وَلَكِنّهُ هُوَ وَعِيسَى وَمَرْيَمُ . فَفِي كُلّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ نَزَلَ الْقُرْآنُ - فَلَمّا كَلّمَهُ الْحَبْرَانِ ، قَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَسْلِمَا ؛ قَالَا : قَدْ أَسْلَمْنَا ؛ قَالَ إنّكُمَا لَمْ تُسْلِمَا ( فَأَسْلِمَا ) ؛ قَالَا : بَلَى ، قَدْ أَسْلَمْنَا قَبْلَك : قَالَ كَذَبْتُمَا ، يَمْنَعُكُمَا مِنْ الْإِسْلَامِ دُعَاؤُكُمَا لِلّهِ وَلَدًا ، وَعِبَادَتُكُمَا الصّلِيبَ وَأَكْلُكُمَا الْخِنْزِيرَ قَالَا : فَمَنْ أَبُوهُ يَا مُحَمّدُ ؟ فَصَمَتَ عَنْهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يُجِبْهُمَا .

[ مَا نَزَلَ مِنْ آلِ عِمْرَانَ فِيهِمْ ]
[ ص 576 ] فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَاخْتِلَافِ أَمْرِهِمْ كُلّهِ صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ إلَى بِضْعٍ وَثَمَانِينَ آيَةً مِنْهَا ، فَقَالَ جَلّ وَعَزّ { الم اللّهُ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ } فَافْتَتَحَ السّورَةَ بِتَنْزِيهِ نَفْسِهِ عَمّا قَالُوا ، وَتَوْحِيدِهِ إيّاهَا بِالْخَلْقِ وَالْأَمْرِ لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهِ رَدّا عَلَيْهِمْ مَا ابْتَدَعُوا مِنْ الْكُفْرِ وَجَعَلُوا مَعَهُ مِنْ الْأَنْدَادِ وَاحْتِجَاجًا بِقَوْلِهِمْ عَلَيْهِمْ فِي صَاحِبِهِمْ لِيُعَرّفَهُمْ بِذَلِكَ ضَلَالَتَهُمْ فَقَالَ { الم اللّهُ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ } لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ شَرِيكٌ فِي أَمْرِهِ { الْحَيّ الْقَيّومُ } الْحَيّ الّذِي لَا يَمُوتُ وَقَدْ مَاتَ عِيسَى وَصُلِبَ فِي قَوْلِهِمْ . وَالْقَيّومُ الْقَائِمُ عَلَى مَكَانِهِ مِنْ سُلْطَانِهِ فِي خَلْقِهِ لَا يَزُولُ وَقَدْ زَالَ عِيسَى فِي قَوْلِهِمْ عَنْ مَكَانِهِ الّذِي كَانَ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ . { نَزّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ } أَيْ بِالصّدْقِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ { وَأَنْزَلَ التّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ } التّوْرَاةُ عَلَى مُوسَى ، وَالْإِنْجِيلُ عَلَى عِيسَى ، كَمَا أَنْزَلَ الْكُتُبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُ { وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ } أَيْ الْفَصْلَ بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِلِ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْأَحْزَابُ مِنْ أَمْرِ عِيسَى وَغَيْرِهِ . { إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } أَيْ أَنّ اللّهَ مُنْتَقِمٌ مِمّنْ كَفَرَ بِآيَاتِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهَا ، وَمَعْرِفَتِهِ بِمَا جَاءَ مِنْهُ فِيهَا . { إِنّ اللّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السّمَاءِ } أَيْ قَدْ عَلِمَ مَا يُرِيدُونَ وَمَا يَكِيدُونَ وَمَا يُضَاهُونَ بِقَوْلِهِمْ فِي عِيسَى ، إذْ جَعَلُوهُ إلَهًا وَرَبّا ، وَعِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِهِ غَيْرُ ذَلِكَ غِرّةً بِاَللّهِ وَكُفْرًا بِهِ . { هُوَ الّذِي يُصَوّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ } أَيْ قَدْ كَانَ عِيسَى مِمّنْ صُوّرَ فِي الْأَرْحَامِ لَا يَدْفَعُونَ ذَلِكَ وَلَا يُنْكِرُونَهُ كَمَا صُوّرَ غَيْرُهُ مِنْ وَلَدِ آدَمَ فَكَيْفَ يَكُونُ إلَهًا وَقَدْ كَانَ بِذَلِكَ الْمَنْزِلِ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى إنْزَاهًا لِنَفْسِهِ وَتَوْحِيدًا لَهَا مِمّا جَعَلُوا مَعَهُ { لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } الْعَزِيزُ فِي انْتِصَارِهِ مِمّنْ كَفَرَ بِهِ إذَا شَاءَ الْحَكِيمُ فِي حُجّتِهِ وَعُذْرِهِ إلَى عِبَادِهِ . { هُوَ الّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنّ أُمّ الْكِتَابِ } فِيهِنّ حُجّةُ الرّبّ وَعِصْمَةُ الْعِبَادِ وَدَفْعُ الْخُصُومِ وَالْبَاطِلِ لَيْسَ لَهُنّ تَصْرِيفٌ وَلَا تَحْرِيفٌ عَمّا وُضِعْنَ عَلَيْهِ { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } لَهُنّ تَصْرِيفٌ وَتَأْوِيلٌ ابْتَلَى اللّهُ [ ص 577 ] عَزّ وَجَلّ { فَأَمّا الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } أَيْ مَيْلٌ عَنْ الْهُدَى { فَيَتّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } أَيْ مَا تَصَرّفَ مِنْهُ لِيُصَدّقُوا بِهِ مَا ابْتَدَعُوا وَأَحْدَثُوا ، لِتَكُونَ لَهُمْ حُجّةٌ وَلَهُمْ عَلَى مَا قَالُوا شُبْهَة { ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ } أَيْ اللّبْسِ { وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } ذَلِكَ عَلَى مَا رَكِبُوا مِنْ الضّلَالَةِ فِي قَوْلِهِمْ خَلَقْنَا وَقَضَيْنَا . يَقُولُ { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ } أَيْ الّذِي بِهِ أَرَادُوا مَا أَرَادُوا { إِلّا اللّهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلّ مِنْ عِنْدِ رَبّنَا } فَكَيْفَ يَخْتَلِفُ وَهُوَ قَوْلٌ وَاحِدٌ مِنْ رَبّ وَاحِدٍ . ثُمّ رَدّوا تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ عَلَى مَا عَرَفُوا مِنْ تَأْوِيلِ الْمُحَكّمَةِ الّتِي لَا تَأْوِيلَ لِأَحَدٍ فِيهَا إلّا تَأْوِيلٌ وَاحِدٌ وَاتّسَقَ بِقَوْلِهِمْ الْكِتَابُ وَصَدّقَ بَعْضُهُ بَعْضًا ، فَنَفَذَتْ بِهِ الْحُجّةُ وَظَهَرَ بِهِ الْعُذْرُ وَزَاحَ بِهِ الْبَاطِلَ وَدَمَغَ بِهِ الْكُفْرَ . يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى فِي مِثْلِ هَذَا : وَمَا يَذّكّرُ فِي مِثْلِ هَذَا إلّا أُولُو الْأَلْبَابِ . { رَبّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } أَيْ لَا تُمِلْ قُلُوبَنَا ، وَإِنْ مِلْنَا بِأَحْدَاثِنَا . { وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ } ثُمّ قَالَ { شَهِدَ اللّهُ أَنّهُ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ } بِخِلَافِ مَا قَالُوا { قَائِمًا بِالْقِسْطِ } أَيْ بِالْعَدْلِ ( فِيمَا يُرِيدُ ) { لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنّ الدّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلَامُ } أَيْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ يَا مُحَمّدُ التّوْحِيدُ لِلرّبّ وَالتّصْدِيقُ لِلرّسُلِ . { وَمَا اخْتَلَفَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ } أَيْ الّذِي جَاءَك ، أَيْ أَنّ اللّهَ الْوَاحِدَ الّذِي لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ { بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ فَإِنْ حَاجّوكَ } أَيْ بِمَا يَأْتُونَ بِهِ مِنْ الْبَاطِلِ مِنْ قَوْلِهِمْ خَلَقْنَا وَفَعَلْنَا وَأَمَرْنَا ، فَإِنّمَا هِيَ شُبْهَةُ بَاطِلٍ قَدْ عَرَفُوا مَا فِيهَا مِنْ الْحَقّ { فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ } أَيْ وَحْدَه { وَمَنِ اتّبَعَنِ وَقُلْ لِلّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمّيّينَ } [ ص 578 ] { أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلّوْا فَإِنّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }

[ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِيمَا أَحْدَثَ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى ]
ثُمّ جَمَعَ أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ جَمِيعًا ، وَذَكَرَ مَا أَحْدَثُوا وَمَا ابْتَدَعُوا ، مِنْ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى ، فَقَالَ { إِنّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ } إلَى قَوْلِهِ { قُلِ اللّهُمّ مَالِكَ الْمُلْكِ } أَيْ رَبّ الْعِبَادِ وَالْمَلِكُ الّذِي لَا يَقْضِي فِيهِمْ غَيْرُهُ { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمّنْ تَشَاءُ وَتُعِزّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ } أَيْ لَا إلَهَ غَيْرُك { إِنّكَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى هَذَا غَيْرُك بِسُلْطَانِك وَقُدْرَتِك . تُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهَارِ وَتُولِجُ النّهَارَ فِي اللّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيّ مِنْ الْمَيّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيّتَ مِنْ الْحَيّ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ { وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُك ، وَلَا يَصْنَعُهُ إلّا أَنْتَ أَيْ فَإِنْ كُنْتُ سَلّطْت عِيسَى عَلَى الْأَشْيَاءِ الّتِي بِهَا يَزْعُمُونَ أَنّهُ إلَهٌ مِنْ إحْيَاءِ الْمَوْتَى ، وَإِبْرَاءِ الْأَسْقَامِ وَالْخَلْقِ لِلطّيْرِ مِنْ الطّينِ وَالْإِخْبَارِ عَنْ الْغُيُوبِ لِأَجْعَلَهُ بِهِ آيَةً لِلنّاسِ وَتَصْدِيقًا لَهُ فِي نُبُوّتِهِ الّتِي بَعَثْته بِهَا إلَى قَوْمِهِ فَإِنّ مِنْ سُلْطَانِي وَقُدْرَتِي مَا لَمْ أُعْطِهِ تَمْلِيكَ الْمُلُوكِ بِأَمْرِ النّبُوّةِ وَوَضْعَهَا حَيْثُ شِئْت ، وَإِيلَاجَ اللّيْلِ فِي النّهَارِ وَالنّهَارِ فِي اللّيْلِ وَإِخْرَاجَ الْحَيّ مِنْ الْمَيّتِ وَإِخْرَاجَ الْمَيّت مِنْ الْحَيّ وَرِزْقَ مَنْ شِئْت مِنْ بَرّ أَوْ فَاجِرٍ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَكُلّ ذَلِكَ لَمْ أُسَلّطْ عِيسَى عَلَيْهِ وَلَمْ أُمَلّكْهُ إيّاهُ أَفَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ عِبْرَةٌ وَبَيّنَةٌ أَنْ لَوْ كَانَ إلَهًا كَانَ ذَلِكَ كُلّهُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي عِلْمِهِمْ يَهْرَبُ مِنْ الْمُلُوكِ وَيَنْتَقِلُ مِنْهُمْ فِي الْبِلَادِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ .
[ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي وَعْظِ الْمُؤْمِنِينَ ]
ثُمّ وَعَظَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَذّرَهُمْ ثُمّ قَالَ { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ } [ ص 579 ] كَانَ هَذَا مِنْ قَوْلِكُمْ حَقّا ، حُبّا لِلّهِ وَتَعْظِيمًا لَهُ { فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } أَيْ مَا مَضَى مِنْ كُفْرِكُمْ { وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } { قُلْ أَطِيعُوا اللّهَ وَالرّسُولَ } فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَهُ وَتَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ فَإِنْ تَوَلّوْا ، أَيْ عَلَى كُفْرِهِمْ { فَإِنّ اللّهَ لَا يُحِبّ الْكَافِرِينَ }

[مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي خَلْقِ عِيسَى ]
ثُمّ اسْتَقْبَلَ لَهُمْ أَمْرَ عِيسَى ( عَلَيْهِ السّلَامُ ) ، وَكَيْفَ كَانَ بَدْءُ مَا أَرَادَ اللّهُ بِهِ فَقُلْ { إِنّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ثُمّ ذَكَرَ أَمْرَ امْرَأَةِ عِمْرَانَ وَقَوْلَهَا : { رَبّ إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّرًا } أَيْ نَذَرْته فَجَعَلْته عَتِيقًا ، تَعَبّدُهُ لِلّهِ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ لِشَيْءٍ مِنْ الدّنْيَا { فَتَقَبّلْ مِنّي إِنّكَ أَنْتَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبّ إِنّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذّكَرُ كَالْأُنْثَى } أَيْ لَيْسَ الذّكَرُ كَالْأُنْثَى لِمَا جَعَلْتهَا مُحَرّرًا لَك نَذِيرَةً { وَإِنّي سَمّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيّتَهَا مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ } يَقُولُ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَتَقَبّلَهَا رَبّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفّلَهَا زَكَرِيّا } بَعْدَ أَبِيهَا وَأُمّهَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : كَفّلَهَا : ضَمّهَا .
[ خَبَرُ زَكَرِيّا وَمَرْيَمَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَذَكّرَهَا بِالْيُتْمِ ثُمّ قَصّ خَبَرَهَا وَخَبَرَ زَكَرِيّا ، وَمَا دَعَا بِهِ وَمَا أَعْطَاهُ إذْ وَهَبَ لَهُ يَحْيَى . ثُمّ ذَكَرَ مَرْيَمَ ، وَقَوْلَ الْمَلَائِكَةِ لَهَا : { يَا مَرْيَمُ إِنّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ } [ ص 580 ] عَزّ وَجَلّ { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ } أَيْ مَا كُنْت مَعَهُمْ { إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَقْلَامَهُمْ سِهَامَهُمْ يَعْنِي قِدَاحَهُمْ الّتِي اسْتَهَمُوا بِهَا عَلَيْهَا ، فَخَرَجَ قَدَحُ زَكَرِيّا فَضَمّهَا ، فِيمَا قَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ .

[ كَفَالَةُ جُرَيْجٍ الرّاهِبِ لِمَرْيَمَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : كَفّلَهَا هَاهُنَا جُرَيْجٌ الرّاهِبُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ نَجّارٌ خَرَجَ السّهْمُ عَلَيْهِ بِحَمْلِهَا ، فَحَمَلَهَا ، وَكَانَ زَكَرِيّا قَدْ كَفّلَهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَأَصَابَتْ بَنِي إسْرَائِيلَ أَزْمَةٌ شَدِيدَةٌ فَعَجَزَ زَكَرِيّا عَنْ حَمْلِهَا ، فَاسْتَهَمُوا عَلَيْهَا أَيّهُمْ يَكْفُلُهَا فَخَرَجَ السّهْمُ عَلَى جُرَيْجٍ الرّاهِبِ بِكُفُولِهَا فَكَفَلَهَا . { وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } أَيْ مَا كُنْت مَعَهُمْ إذْ يَخْتَصِمُونَ فِيهَا . يُخْبِرُهُ بِخَفِيّ مَا كَتَمُوا مِنْهُ مِنْ الْعِلْمِ عِنْدَهُمْ لِتَحْقِيقِ نُبُوّتِهِ وَالْحُجّةِ عَلَيْهِمْ بِمَا يَأْتِيهِمْ بِهِ مِمّا أَخْفَوْا مِنْهُ . ثُمّ قَالَ { إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنّ اللّهَ يُبَشّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ } أَيْ هَكَذَا كَانَ أَمْرُهُ لَا كَمَا تَقُولُونَ فِيهِ { وَجِيهًا فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ } أَيْ عِنْدَ اللّهِ { وَمِنَ الْمُقَرّبِينَ وَيُكَلّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصّالِحِينَ } يُخْبِرُهُمْ بِحَالَاتِهِ الّتِي يَتَقَلّبُ فِيهَا فِي عُمْرِهِ كَتَقَلّبِ بَنِي آدَمَ فِي أَعْمَارِهِمْ صِغَارًا وَكِبَارًا ، إلّا أَنّ اللّهَ خَصّهُ بِالْكَلَامِ فِي مَهْدِهِ آيَةً لِنُبُوّتِهِ وَتَعْرِيفًا لِلْعِبَادِ بِمَوَاقِعِ قُدْرَتِهِ . { قَالَتْ رَبّ أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ؟ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } أَيْ يَصْنَعُ مَا أَرَادَ وَيَخْلُقُ مَا يَشَاءُ مِنْ بَشَرٍ أَوْ غَيْرِ بَشَرٍ { إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ } مِمّا يَشَاءُ وَكَيْفَ شَاءَ { فَيَكُونُ } كَمَا أَرَادَ .

[ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي بَيَانِ آيَاتِ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ ]
ثُمّ أَخْبَرَهَا بِمَا يُرِيدُ بِهِ فَقَالَ { وَيُعَلّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتّوْرَاةَ } الّتِي كَانَتْ فِيهِمْ مِنْ عَهْدِ مُوسَى قَبْلَهُ { وَالْإِنْجِيلَ } كِتَابًا آخَرَ أَحْدَثَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إلّا ذِكْرُهُ أَنّهُ كَائِنٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَهُ { وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ } أَيْ يُحَقّقُ بِهَا نُبُوّتِي ، أَنّي رَسُولٌ مِنْهُ إلَيْكُمْ { أَنّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ } الّذِي بَعَثَنِي إلَيْكُمْ وَهُوَ رَبّي وَرَبّكُمْ { وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْأَكْمَهَ الّذِي يُولَدُ أَعْمَى . قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ : هَرّجْتُ فَارْتَدّ ارْتِدَادَ الْأَكْمَهِ
( وَجَمْعُهُ كُمْهٌ ) . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَرّجْت : صِحْت بِالْأَسَدِ وَجَلَبْتُ عَلَيْهِ . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ . { وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ } أَنّي رَسُولُ اللّهِ مِنْ اللّهِ إلَيْكُمْ { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمُصَدّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ } أَيْ لِمَا سَبَقَنِي عَنْهَا { وَلِأُحِلّ لَكُمْ بَعْضَ الّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ } أَيْ أُخْبِرُكُمْ بِهِ أَنّهُ كَانَ عَلَيْكُمْ حَرَامًا فَتَرَكْتُمُوهُ ثُمّ أُحِلّهُ لَكُمْ تَخْفِيفًا عَنْكُمْ فَتُصِيبُونَ يُسْرَهُ وَتَخْرُجُونَ مِنْ تِبَاعَاتِهِ { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ فَاتّقُوا اللّهَ وَأَطِيعُونِ إِنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ } أَيْ تبريّا مِنْ الّذِينَ يَقُولُونَ فِيهِ وَاحْتِجَاجًا لِرَبّهِ عَلَيْهِمْ { فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } أَيْ هَذَا الّذِي قَدْ حَمَلْتُكُمْ عَلَيْهِ وَجِئْتُكُمْ بِهِ . { فَلَمّا أَحَسّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ } وَالْعُدْوَانَ عَلَيْهِ { قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللّهِ آمَنّا بِاللّهِ } هَذَا قَوْلُهُمْ الّذِي أَصَابُوا بِهِ الْفَضْلَ مِنْ رَبّهِمْ { وَاشْهَدْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ } لَا مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الّذِينَ يُحَاجّونَك فِيهِ { رَبّنَا آمَنّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتّبَعْنَا الرّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّاهِدِينَ } أَيْ هَكَذَا كَانَ قَوْلُهُمْ وَإِيمَانُهُمْ .

[ رَفْعُ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ ]
ثُمّ ذَكَرَ ( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ) رَفْعَهُ عِيسَى إلَيْهِ حَيْنَ اجْتَمَعُوا لِقَتْلِهِ فَقَالَ { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } ثُمّ أَخْبَرَهُمْ وَرَدّ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَقَرّوا لِلْيَهُودِ بِصَلْبِهِ كَيْفَ رَفَعَهُ وَطَهّرَهُ مِنْهُمْ فَقَالَ { إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنّي مُتَوَفّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيّ وَمُطَهّرُكَ مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا } إذْ هَمّوا مِنْك بِمَا هَمّوا { وَجَاعِلُ الّذِينَ اتّبَعُوكَ فَوْقَ الّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } ثُمّ الْقِصّةُ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ { ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ } يَا مُحَمّدُ { مِنَ الْآيَاتِ وَالذّكْرِ الْحَكِيمِ } الْقَاطِعِ الْفَاصِلِ الْحَقّ الّذِي لَا يُخَالِطُهُ الْبَاطِلُ مِنْ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى ، وَعَمّا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ فَلَا تَقْبَلَنّ خَبَرًا غَيْرَهُ . { إِنّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللّهِ } فَاسْتَمِعْ { كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقّ مِنْ رَبّكَ } أَيْ مَا جَاءَك مِنْ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى { فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } أَيْ قَدْ جَاءَك الْحَقّ مِنْ رَبّك فَلَا تَمْتَرِيَنّ فِيهِ وَإِنْ قَالُوا : خُلِقَ عِيسَى مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ فَقَدْ خَلَقْتُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ مِنْ غَيْرِ أُنْثَى وَلَا ذَكَرٍ فَكَانَ كَمَا كَانَ عِيسَى لَحْمًا وَدَمًا ، وَشَعْرًا وَبَشَرًا ، فَلَيْسَ خَلْقُ عِيسَى مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ بِأَعْجَبَ مِنْ هَذَا . { فَمَنْ حَاجّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ } أَيْ مِنْ بَعْدِ مَا قَصَصْتُ عَلَيْك مِنْ خَبَرِهِ وَكَيْفَ كَانَ أَمْرُهُ { فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
[ ص 583 ] ابْنُ هِشَامٍ : قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ نَبْتَهِلْ نَدْعُو بِاللّعْنَةِ قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
لَا تَقْعُدَنّ وَقَدْ أَكّلْتَهَا حَطَبًا ... نَعُوذُ مِنْ شَرّهَا يَوْمًا وَنَبْتَهِلُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . يَقُولُ نَدْعُو بِاللّعْنَةِ . وَتَقُولُ الْعَرَبُ : بَهَلَ اللّهُ فُلَانًا ، أَيْ لَعَنَهُ وَعَلَيْهِ بَهْلَةُ اللّهِ . ( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ) : وَيُقَالُ بَهْلَةُ اللّهِ أَيْ لَعْنَةُ اللّهِ وَنَبْتَهِلْ أَيْضًا : نَجْتَهِدْ فِي الدّعَاءِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : { إِنّ هَذَا } الّذِي جِئْتُ بِهِ مِنْ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى { لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقّ } مِنْ أَمْرِهِ { وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلّا اللّهُ وَإِنّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فَإِنْ تَوَلّوْا فَإِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلّا نَعْبُدَ إِلّا اللّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللّهِ فَإِنْ تَوَلّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنّا مُسْلِمُونَ } فَدَعَاهُمْ إلَى النّصَفِ وَقَطَعَ عَنْهُمْ الْحُجّةَ .

[ إبَاؤُهُمْ الْمُلَاعَنَةَ ]
فَلَمّا أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ مِنْ اللّهِ عَنْهُ وَالْفَصْلُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَأَمَرَ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ مُلَاعَنَتِهِمْ إنْ رَدّوا ذَلِكَ عَلَيْهِ دَعَاهُمْ إلَى ذَلِكَ فَقَالُوا لَهُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ دَعْنَا نَنْظُرْ فِي أَمْرِنَا ، ثُمّ نَأْتِيك بِمَا نُرِيدُ أَنْ نَفْعَلَ فِيمَا دَعَوْتنَا إلَيْهِ . فَانْصَرَفُوا عَنْهُ ثُمّ خَلَوْا بِالْعَاقِبِ وَكَانَ ذَا رَأْيِهِمْ فَقَالُوا : يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ مَاذَا تَرَى ؟ فَقَالَ وَاَللّهِ يَا مَعْشَرَ النّصَارَى لَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنّ مُحَمّدًا لَنَبِيّ مُرْسَلٌ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْفَصْلِ مِنْ خَبَرِ صَاحِبِكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا لَاعَنَ قَوْمٌ نَبِيّا قَطّ فَبَقِيَ كَبِيرُهُمْ وَلَا نَبَتَ صَغِيرُهُمْ وَإِنّهُ لَلِاسْتِئْصَالُ مِنْكُمْ إنْ فَعَلْتُمْ فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ أَبَيْتُمْ إلّا إلْفَ دِينِكُمْ وَالْإِقَامَةَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْقَوْلِ فِي صَاحِبِكُمْ فَوَادِعُوا الرّجُلَ ثُمّ انْصَرِفُوا إلَى بِلَادِكُمْ . فَأَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ، فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِمِ قَدْ رَأَيْنَا أَلّا نُلَاعِنَك ، وَأَنْ نَتْرُكَك عَلَى دِينِك وَنَرْجِعَ عَلَى دِينِنَا ، وَلَكِنْ ابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِك تَرْضَاهُ لَنَا ، يَحْكُمْ بَيْنَنَا فِي أَشْيَاءَ اخْتَلَفْنَا فِيهَا مِنْ أَمْوَالِنَا ، فَإِنّكُمْ عِنْدَنَا رِضًا .
[ تَوْلِيَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ أُمُورَهُمْ ]
قَالَ مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ائْتُونِي الْعَشِيّةَ أَبْعَثْ مَعَكُمْ الْقَوِيّ الْأَمِينَ . قَالَ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَقُولُ مَا أَحْبَبْت الْإِمَارَةَ قَطّ حُبّي إيّاهَا يَوْمئِذٍ رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ صَاحِبَهَا ، فَرُحْتُ إلَى الظّهْرِ مُهَجّرًا ، فَلَمّا صَلّى بِنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الظّهْرَ سَلّمَ ثُمّ نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ فَجَعَلْت أَتَطَاوَلُ لَهُ لِيَرَانِي ، فَلَمْ يَزَلْ يَلْتَمِسُ بِبَصَرِهِ حَتّى رَأَى أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ فَدَعَاهُ فَقَالَ اُخْرُجْ مَعَهُمْ فَاقْضِ بَيْنَهُمْ بِالْحَقّ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ . قَالَ عُمَرُ فَذَهَبَ بِهَا أَبُو عُبَيْدَةَ

نُبَذٌ مِنْ ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ - كَمَا حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ - وَسَيّدُ أَهْلِهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ( ابْنُ ) سَلُولَ الْعَوْفِيّ . ثُمّ أَحَدُ بَنِي الْحُبْلَى ، لَا يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ فِي شَرَفِهِ ( مِنْ قَوْمِهِ ) اثْنَانِ لَمْ تَجْتَمِعْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ غَيّرَهُ وَمَعَهُ فِي الْأَوْسِ رَجُلٌ هُوَ فِي قَوْمِهِ مِنْ الْأَوْسِ شَرِيفٌ مُطَاعٌ أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ عَمْرِو بْنِ صَيْفِيّ بْنِ النّعْمَانِ أَحَدُ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ أَبُو حَنْظَلَةَ ، الْغَسِيلُ يَوْمَ أُحُد ٍ ، وَكَانَ قَدْ تَرَهّبَ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَلَبِسَ الْمُسُوحَ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الرّاهِبُ . فَشَقِيَا بِشَرَفِهِمَا وَضَرّهُمَا .
[ إسْلَامُ ابْنِ أُبَيّ ]
فَأَمّا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ فَكَانَ قَوْمُهُ قَدْ نَظَمُوا لَهُ الْخَرَزَ لِيُتَوّجُوهُ ثُمّ يُمَلّكُوهُ [ ص 585 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ . فَلَمّا انْصَرَفَ قَوْمُهُ عَنْهُ إلَى الْإِسْلَامِ ضَغِنَ وَرَأَى أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَلَبَهُ مُلْكًا . فَلَمّا رَأَى قَوْمَهُ قَدْ أَبَوْا إلّا الْإِسْلَامِ دَخَلَ فِيهِ كَارِهًا مُصِرّا عَلَى نِفَاقٍ وَضِغْنٍ .
[ إصْرَارُ ابْنِ صَيْفِيّ عَلَى كُفْرِهِ ]
وَأَمّا أَبُو عَامِرٍ فَأَبَى إلّا الْكُفْرَ وَالْفِرَاقَ لِقَوْمِهِ حِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى الْإِسْلَامِ فَخَرَجَ مِنْهُمْ إلَى مَكّةَ بِبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مُفَارِقًا لِلْإِسْلَامِ وَلِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ بَعْضِ آلِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ - : لَا تَقُولُوا : الرّاهِبَ وَلَكِنْ قُولُوا : الْفَاسِقَ

[ مَا نَالَ ابْنَ صَيْفِيّ جَزَاءَ تَعْرِيضِهِ بِالرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي الْحَكَمِ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ وَسَمِعَ وَكَانَ رَاوِيَةً أَنّ أَبَا عَامِرٍ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكّةَ ، فَقَالَ مَا هَذَا الدّينُ الّذِي جِئْتَ بِهِ ؟ فَقَالَ جِئْتُ بِالْحَنِيفِيّةِ دِينِ إبْرَاهِيمَ قَالَ فَأَنَا عَلَيْهَا ؛ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّك لَسْتَ عَلَيْهَا ؛ قَالَ بَلَى قَالَ إنّك أَدَخَلْتَ يَا مُحَمّدُ فِي الْحَنِيفِيّةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا قَالَ مَا فَعَلْتُ وَلَكِنّي جِئْت بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيّةً قَالَ الْكَاذِبُ أَمَاتَهُ اللّهُ طَرِيدًا غَرِيبًا وَحِيدًا - يُعَرّض بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَيْ أَنّك جِئْتَ بِهَا كَذَلِكَ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَجَلْ فَمَنْ كَذَبَ فَفَعَلَ اللّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِهِ . [ ص 586 ] فَكَانَ هُوَ ذَلِكَ عَدُوّ اللّهِ خَرَجَ إلَى مَكّةَ ، فَلَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ خَرَجَ إلَى الطّائِفِ . فَلَمّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطّائِفِ لَحِقَ بِالشّامِ . فَمَاتَ بِهَا طَرِيدًا غَرِيبًا وَحِيدًا .

( الِاحْتِكَامُ إلَى قَيْصَرَ فِي مِيرَاثِهِ )
وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مَعَهُ عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْأَحْوَصِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ وَكِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يالَيْل بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثّقَفِيّ ، فَلَمّا مَاتَ اخْتَصَمَا فِي مِيرَاثِهِ إلَى قَيْصَرَ صَاحِبِ الرّومِ . فَقَالَ قَيْصَرُ يَرِثُ أَهْلُ الْمَدَرِ أَهْلَ الْمَدَرِ ، وَيَرِثُ أَهْلُ الْوَبَرِ أَهْلَ الْوَبَرِ فَوَرِثَهُ كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يالَيْل بِالْمَدَرِ دُونَ عَلْقَمَةَ .

[ هِجَاءُ كَعْبٍ لِابْنِ صَيْفِيّ ]
فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ لِأَبِي عَامِرٍ فِيمَا صَنَعَ
مَعَاذَ اللّهِ مِنْ عَمَلٍ خَبِيثٍ ... كَسَعْيِك فِي الْعَشِيرَةِ عَبْدَ عَمْرٍو
فَإِمّا قُلْتَ لِي شَرَفٌ وَنَخْلٌ ... فَقِدْمًا بِعْتَ إيمَانًا بِكُفْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : فَإِمّا قُلْت لِي شَرَفٌ
وَمَالٌ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَمّا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ فَأَقَامَ عَلَى شَرَفِهِ فِي قَوْمِهِ مُتَرَدّدًا ، حَتّى غَلَبَهُ الْإِسْلَامُ فَدَخَلَ فِيهِ كَارِهًا .

[ خُرُوجُ قَوْمِ ابْنِ أُبَيّ عَلَيْهِ وَشِعْرُهُ فِي ذَلِكَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، حِبّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ رَكِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ يَعُودُهُ مِنْ شَكْوٍ أَصَابَهُ عَلَى [ ص 587 ] قَطِيفَةٌ فَدَكِيّةٌ مُخْتَطِمَةٌ بِحَبْلِ مِنْ لِيفٍ وَأَرْدَفَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَلْفَهُ . قَالَ فَمَرّ بِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَي ّ ، وَهُوَ ( فِي ) ظِلّ مُزَاحِمٍ أُطُمِهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مُزَاحِمٌ اسْمُ الْأُطُمِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَوْلَهُ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ . فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَذَمّمَ مِنْ أَنْ يُجَاوِزَهُ حَتّى يَنْزِلَ فَنَزَلَ فَسَلّمَ ثُمّ جَلَسَ قَلِيلًا فَتَلَا الْقُرْآنَ وَدَعَا إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَذَكّرَ بِاَللّهِ وَحَذّرَ وَبَشّرَ وَأَنْذَرَ قَالَ وَهُوَ زَامّ لَا يَتَكَلّمُ حَتّى إذَا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَقَالَتِهِ قَالَ يَا هَذَا ، إنّهُ لَا أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِك هَذَا إنْ كَانَ حَقّا فَاجْلِسْ فِي بَيْتِك فَمَنْ جَاءَك لَهُ فَحَدّثْهُ إيّاهُ ( و ) مَنْ لَمْ يَأْتِك فَلَا تَغْتُتْهُ بِهِ وَلَا تَأْتِهِ فِي مَجْلِسِهِ بِمَا يَكْرَهُ مِنْهُ . قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي رِجَالٍ كَانُوا عِنْدَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَلَى ، فَاغْشَنَا بِهِ وَأْتِنَا فِي مَجَالِسِنَا وَدُورِنَا وَبُيُوتِنَا ، فَهُوَ وَاَللّهِ مِمّا نُحِبّ ، وَمِمّا أَكْرَمَنَا اللّهُ بِهِ وَهَدَانَا لَهُ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ حِينَ رَأَى مِنْ خِلَافِ قَوْمِهِ مَا رَأَى : مَتَى مَا يَكُنْ مَوْلَاك خَصْمَك لَا تَزَلْ تَذِلّ وَيَصْرَعْك الّذِينَ تُصَارِعُ وَهَلْ يَنْهَضُ الْبَازِي بِغَيْرِ جَنَاحِهِ وَإِنْ جُذّ يَوْمًا رِيشُهُ فَهُوَ وَاقِعُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْبَيْتُ الثّانِي عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .

[ غَضَبُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ أُبَيّ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 588 ] الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أُسَامَةَ قَالَ وَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، وَفِي وَجْهِهِ مَا قَالَ عَدُوّ اللّهِ ابْنُ أُبَيّ ، فَقَالَ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي لَأَرَى فِي وَجْهِك شَيْئًا ، لَكَأَنّك سَمِعْتَ شَيْئًا تَكْرَهُهُ قَالَ أَجَلْ ثُمّ أَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ ابْنُ أُبَيّ : فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللّهِ اُرْفُقْ بِهِ فَوَاَللّهِ لَقَدْ جَاءَنَا اللّهُ بِك ، وَإِنّا لَنَنْظِمُ لَهُ الْخَرَزَ لِنُتَوّجَهُ فَوَاَللّهِ إنّهُ لَيَرَى أَنْ قَدْ سَلَبْته مُلْكًا .

ذِكْرُ مَنْ اعْتَلّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، قَدِمَهَا وَهِيَ أَوْبَأَ أَرْضِ اللّهِ مِنْ الْحُمّى ، فَأَصَابَ أَصْحَابَهُ مِنْهَا بَلَاءٌ وَسَقَمٌ فَصَرَفَ اللّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْ نَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَتْ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ ، وَبِلَالٍ ، مَوْلَيَا أَبِي بَكْرٍ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَأَصَابَتْهُمْ الْحُمّى ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَعُودُهُمْ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ وَبِهِمْ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلّا اللّهُ مِنْ شِدّةِ الْوَعْكِ فَدَنَوْتُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ فَقُلْتُ لَهُ كَيْفَ تَجِدُك يَا أَبَتْ ؟ فَقَالَ
كُلّ امْرِئٍ مُصَبّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
[ ص 589 ] قَالَتْ فَقُلْت : وَاَللّهِ مَا يَدْرِي أَبِي مَا يَقُولُ . قَالَتْ ثُمّ دَنَوْتُ إلَى عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ فَقُلْت لَهُ كَيْفَ تَجِدُك يَا عَامِرُ ؟ فَقَالَ
لَقَدْ وَجَدْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ ... إنّ الْجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ
كُلّ امْرِئٍ مُجَاهَدٌ بِطَوْقِهِ ... كَالثّوْرِ يَحْمِي جِلْدَهُ بِرَوْقِهِ
( بِطَوْقِهِ ) يُرِيدُ بِطَاقَتِهِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَتْ فَقُلْت : وَاَللّهِ مَا يَدْرِي عَامِرٌ مَا يَقُولُ قَالَتْ وَكَانَ بِلَالٌ إذَا تَرَكَتْهُ الْحُمّى اضْطَجَعَ بِفِنَاءِ الْبَيْتِ ثُمّ رَفَعَ عَقِيرَتَهُ فَقَالَ
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَن لَيْلَةً ... بِفَخّ وَحَوْلِي إذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجِنّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُونَ لِي شَامَةٌ وَطُفَيْلُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : شَامَةٌ وَطُفَيْلٌ جَبَلَانِ بِمَكّةَ .

[ دُعَاءُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَقْلِ وَبَاءِ الْمَدِينَةِ إلَى مَهْيَعَةَ ]
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا : فَذَكَرْتُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا سَمِعْتُ مِنْهُمْ فَقُلْت : إنّهُمْ لَيَهْذُونَ وَمَا يَعْقِلُونَ مِنْ شِدّةِ الْحُمّى . قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ حَبّبْ إلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبّبْتَ إلَيْنَا مَكّةَ ، أَوْ أَشَدّ وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدّهَا وَصَاعِهَا وَانْقُلْ وَبَاءَهَا إلَى مَهْيَعَةَ ومَهْيَعَةُ ، الْجُحْفَةُ .

[ مَا جَهَدَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْوَبَاءِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 590 ] شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ أَصَابَتْهُمْ حُمّى الْمَدِينَةِ ، حَتّى جَهَدُوا مَرَضًا ، وَصَرَفَ اللّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْ نَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى كَانُوا مَا يُصَلّونَ إلّا وَهُمْ قُعُودٌ قَالَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ يُصَلّونَ كَذَلِكَ فَقَالَ لَهُمْ اعْلَمُوا أَنّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ . قَالَ فَتَجَشّمَ الْمُسْلِمُونَ الْقِيَامَ عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ الضّعْفِ وَالسّقَمِ الْتِمَاسَ الْفَضْلِ

[ بَدْءُ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَهَيّأَ لِحَرْبِهِ قَامَ فِيمَا أَمَرَهُ اللّهُ بِهِ مِنْ جِهَادِ عَدُوّهِ وَقِتَالِ مَنْ أَمَرَهُ اللّهُ بِهِ مِمّنْ يَلِيهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ اللّهُ تَعَالَى بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً .
[ تَارِيخُ الْهِجْرَةِ ]
بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّمِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ حِينَ اشْتَدّ الضّحَاءُ وَكَادَتْ الشّمْسُ تَعْتَدِلَ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَهُوَ التّارِيخُ ( فِيمَا ) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَشَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَجُمَادَيَيْنِ وَرَجَبًا ، وَشَعْبَانَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ وَشَوّالًا ، وَذَا الْقِعْدَةِ وَذَا الْحَجّةِ - وَوَلِيَ تِلْكَ الْحَجّةَ الْمُشْرِكُونَ - وَالْمُحَرّمَ ثُمّ خَرَجَ غَازِيًا فِي صَفَرَ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ . [ ص 591 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ .

غَزْوَةُ وَدّانَ
وَهِيَ أَوّلُ غَزَوَاتِهِ عليه الصلاة والسلام
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى بَلَغَ وَدّانَ ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ ، يُرِيدُ قُرَيْشًا وَبَنِيّ ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ فَوَادَعَتْهُ فِيهَا بَنُو ضَمْرَةَ ، وَكَانَ الّذِي وَادَعَهُ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ مَخْشِيّ بْنُ عَمْرٍو الضّمَرِيّ ، وَكَانَ سَيّدَهُمْ فِي زَمَانِهِ ذَلِكَ . ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا ، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ صَفَرٍ وَصَدْرًا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهِيَ أَوّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا .

سَرِيّةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَهِيَ أَوّلُ رَايَةٍ عَقَدَهَا عَلَيْهِ الصّلَا ةُ وَالسّلَامُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مُقَامِهِ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ فِي سِتّينَ أَوْ ثَمَانِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ ، فَسَارَ حَتّى بَلَغَ مَاءً بِالْحِجَازِ بِأَسْفَلَ ثَنِيّةِ الْمُرّةِ ، فَلَقِيَ بِهَا جَمْعًا عَظِيمًا مِنْ قُرَيْشٍ ، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ إلّا أَنّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ قَدْ رُمِيَ يَوْمَئِذٍ بِسَهْمٍ فَكَانَ أَوّلَ سَهْمٍ رُمِيَ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ .

[ مَنْ فَرّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى الْمُسْلِمِينَ ]
ثُمّ [ ص 592 ] وَفَرّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ( إلَى ) الْمُسْلِمِينَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرِو الْبَهْرَانِيّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ الْمَازِنِيّ حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَكَانَا مُسْلِمَيْنِ وَلَكِنّهُمَا خَرَجَا لِيَتَوَصّلَا بِالْكُفّارِ . وَكَانَ عَلَى الْقَوْمِ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيّ أَنّهُ كَانَ عَلَيْهِمْ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ أَحَدُ بَنِي مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي غَزْوَةِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ [ ص 593 ]
أَمِنْ طَيْفِ سَلْمَى بِالْبِطَاحِ الدّمَائِثِ ... أَرِقْتَ وَأَمْرٍ فِي الْعَشِيرَةِ حَادِثِ
تَرَى مِنْ لُؤَيّ فِرْقَةً لَا يَصُدّهَا ... عَنْ الْكُفْرِ تَذْكِيرٌ وَلَا بَعْثُ بَاعِثِ
رَسُولٌ أَتَاهُمْ صَادِقٌ فَتَكَذّبُوا ... عَلَيْهِ وَقَالُوا : لَسْتَ فِينَا بِمَاكِثِ
إذَا مَا دَعَوْنَاهُمْ إلَى الْحَقّ أَدْبَرُوا ... وَهَرّوا هَرِيرَ الْمُجْحَرَاتِ اللّوَاهِثِ
فَكَمْ قَدْ مَتَتْنَا فِيهِمْ بِقَرَابَةٍ ... وَتَرْكُ التّقَى شَيْءٌ لَهُمْ غَيْرُ كَارِثِ
فَإِنْ يَرْجِعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ وَعُقُوقِهِمْ ... فَمَا طَيّبَاتُ الْحِلّ مِثْلُ الْخَبَائِثِ
وَإِنْ يَرْكَبُوا طُغْيَانَهُمْ وَضَلَالَهُمْ ... فَلَيْسَ عَذَابُ اللّهِ عَنْهُمْ بِلَابِثِ
وَنَحْنُ أَنَاسٌ مِنْ ذُؤَابَةَ غَالِبٌ ... لَنَا الْعِزّ مِنْهَا فِي الْفُرُوعِ الْأَثَائِثِ
فَأُولِي بِرَبّ الرّاقِصَاتِ عَشِيّةً ... حَراجِيجُ تُحْدَى فِي السّرِيحِ الرّثَائِثِ
كَأُدْمِ ظِبَاءٍ حَوْلَ مَكّةَ عُكّفٍ ... يَرِدْنَ حِيَاضَ الْبِئْرِ ذَاتِ النّبَائِثِ
لَئِنْ لَمْ يُفِيقُوا عَاجِلًا مِنْ ضَلَالِهِمْ ... وَلَسْتُ إذَا آلَيْتُ قَوْلًا بِحَانِثِ
لَتَبْتَدِرَنّهُمْ غَارَةٌ ذَاتُ مَصْدَقٍ ... تُحَرّمُ أَطْهَارَ النّسَاءِ الطّوَامِثِ
تُغَادِرُ قَتْلَى تَعْصِبُ الطّيْرُ حَوْلَهُمْ ... وَلَا تَرْأَفُ الْكُفّارَ رَأَفَ ابْنِ حَارِثِ
فَأَبْلِغْ بَنِي سَهْمٍ لَدَيْك رِسَالَةً ... وَكُلّ كَفُورٍ يَبْتَغِي الشّرّ بَاحِثِ
فَإِنْ تَشْعَثُوا عِرْضِي عَلَى سُوءِ رَأْيكُمْ ... فَإِنّي مِنْ أَعْرَاضِكُمْ غَيْرُ شَاعِثِ

[ شِعْرُ ابْنِ الزّبَعْرَى فِي الرّدّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ ]
فَأَجَابَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَعْرَى السّهْمِيّ ، فَقَالَ [ ص 594 ]
أَمِنْ رَسْمِ دَارٍ أَقْفَرَتْ بِالْعَثَاعِثِ ... بَكَيْتَ بِعَيْنٍ دَمْعُهَا غَيْرُ لَابِثِ
وَمِنْ عَجَبِ الْأَيّامِ وَالدّهْرُ كُلّهُ ... لَهُ عَجَبٌ مِنْ سَابِقَاتٍ وَحَادِثِ
لِجَيْشٍ أَتَانَا ذِي عُرَامٍ يَقُودُهُ ... عُبَيْدَةُ يُدْعَى فِي الْهِيَاجِ ابْنَ حَارِثِ
لِنَتْرُكَ أَصْنَامًا بِمَكّةَ عُكّفَا ... مَوَارِيثَ مَوْرُوثٍ كَرِيمٍ لِوَارِثِ
فَلَمّا لَقِينَاهُمْ بِسُمْرِ رُدَيْنَةَ ... وَجُرْدٍ عِتَاقٍ فِي الْعَجَاجِ لَوَاهِثِ
وَبِيضٍ كَأَنّ الْمِلْحَ فَوْقَ مُتُونِهَا ... بِأَيْدِي كُمَاةٍ كَاللّيُوثِ الْعَوَائِثِ
نُقِيمُ بِهَا إصْعَارَ مَنْ كَانَ مَائِلًا ... وَنَشْفِي الذّحُولَ عَاجِلًا غَيْرَ لَابِثِ
فَكَفَوْا عَلَى خَوْفٍ شَدِيدٍ وَهَيْبَةٍ ... وَأَعْجَبَهُمْ أَمْرٌ لَهُمْ أَمْرُ رَائِثِ
وَلَوْ أَنّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا نَاحَ نِسْوَةٌ ... أَيَامَى لَهُمْ مِنْ بَيْنِ نَسْءٍ وَطَامِثِ
وَقَدْ غُودِرَتْ قَتْلَى يُخْبِرُ عَنْهُمْ ... حَفِيّ بِهِمْ أَوْ غَافِلٌ غَيْرُ بَاحِثِ
فَأَبْلِغْ أَبَا بَكْرٍ لَدَيْكَ رِسَالَةً ... فَمَا أَنْتَ عَنْ أَعْرَاضِ فِهْرٍ بِمَاكِثِ
وَلَمّا تَجِبْ مِنّي يَمِينٌ غَلِيظَةٌ ... تُجَدّدُ حَرْبًا حَلْفَةً غَيْرَ حَانِثِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتًا وَاحِدًا ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ لِابْنِ الزّبَعْرَى .

[ شِعْرُ ابْنُ أَبِي وَقّاصٍ فِي رَمْيَتِهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ فِي رَمْيَتِهِ تِلْكَ فِيمَا يَذْكُرُونَ [ ص 595 ]
أَلَا هَلْ أَتَى رَسُولَ اللّهِ أَنّي ... حَمَيْتُ صَحَابَتِي بِصُدُورِ نَبْلِي
أَذُودُ بِهَا أَوَائِلَهُمْ ذِيَادًا ... بِكُلّ حُزُونَةٍ وَبِكُلّ سَهْلِ
فَمَا يَعْتَدّ رَامٍ فِي عَدُوّ ... بِسَهْمٍ يَا رَسُولَ اللّهِ قَبْلِي
وَذَلِكَ أَنّ دِينَك دِينُ صِدْقٍ ... وَذُو حَقّ أَتَيْتَ بِهِ وَعَدْلِ
يُنَجّى الْمُؤْمِنُونَ بِهِ وَيُجْزَى ... بِهِ الْكُفّارُ عِنْدَ مَقَامِ مَهْلِ
فَمَهْلًا قَدْ غَوِيتَ فَلَا تَعِبْنِي ... غَوِيّ الْحَيّ وَيْحَك يَا بْنَ جَهْلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِسَعْدٍ .

[ أَوّلُ رَايَةٍ فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لِعُبَيْدَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَكَانَتْ رَايَةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ - فِيمَا بَلَغَنِي - أَوّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَزْعُمُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَهُ حِينَ أَقْبَلَ مِنْ غَزْوَةِ الْأَبْوَاءِ ، قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَدِينَةِ .

[ سَرِيّةُ حَمْزَةَ إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ ]
وَبَعَثَ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ ، إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ ، مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ ، فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ . فَلَقِيَ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ بِذَلِك السّاحِلِ فِي ثَلَاثِ مِئَةِ رَاكِبٍ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ . فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِيّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيّ . وَكَانَ مُوَادِعًا لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا ، فَانْصَرَفَ بَعْضُ الْقَوْمِ عَنْ بَعْضٍ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ .

[ كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوّلَ رَايَةٍ فِي الْإِسْلَامِ وَشِعْرُ حَمْزَةَ فِي ذَلِكَ ]
وَبَعْضُ النّاسِ يَقُولُ كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللّهِ لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . وَذَلِكَ أَنّ بَعْثَهُ وَبَعْثَ عُبَيْدَةَ كَانَا مَعًا ، فَشُبّهَ [ ص 596 ] قَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا يَذْكُرُ فِيهِ أَنّ رَايَتَهُ أَوّلُ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنْ كَانَ حَمْزَةُ قَدْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ صَدَقَ إنْ شَاءَ اللّهُ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ إلّا حَقّا ، فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ . فَأَمّا مَا سَمِعْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا . فَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ أَوّلُ مَنْ عُقِدَ لَهُ . فَقَالَ حَمْزَةُ فِي ذَلِكَ فِيمَا يَزْعُمُونَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشّعْرَ لِحَمْزَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ [ ص 597 ]
أَلَا يَا لَقَوْمِي لِلتّحَلّمِ وَالْجَهْلِ ... وَلِلنّقْصِ مِنْ رَأْيِ الرّجَالِ وَلِلْعَقْلِ
وَلِلرّاكِبِينَا بِالْمَظَالِمِ لَمْ نَطَأْ ... لَهُمْ حُرُمَاتٍ مِنْ سَوَامٍ وَلَا أَهْلِ
كَأَنّا تَبَلْنَاهُمْ وَلَا تَبْلَ عِنْدَنَا ... لَهُمْ غَيْرُ أَمْرٍ بِالْعَفَافِ وَبِالْعَدْلِ
وَأَمْرٍ بِإِسْلَامٍ فَلَا يَقْبَلُونَهُ ... وَيَنْزِلُ مِنْهُمْ مِثْلَ مَنْزِلَةِ الْهَزْلِ
فَمَا بَرِحُوا حَتّى انْتَدَبْتُ لِغَارَةِ ... لَهُمْ حَيْثُ حَلّوا ابْتَغَى رَاحَةَ الْفَضْلِ
بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ أَوّلُ خَافِقٍ ... عَلَيْهِ لِوَاءٌ لَمْ يَكُنْ لَاحَ مِنْ قَبْلِي
لِوَاءٌ لَدَيْهِ النّصْرُ مِنْ ذِي كَرَامَةٍ ... إلَهٍ عَزِيزٍ فِعْلُهُ أَفَضْلُ الْفِعْلِ
عَشِيّةَ سَارُوا حَاشِدِينَ وَكُلّنَا ... مَرَاجِلُهُ مِنْ غَيْظِ أَصْحَابِهِ تَغْلِي
فَلَمّا تَرَاءَيْنَا أَنَاخُوا فَعَقّلُوا ... مَطَايَا وَعَقّلْنَا مُدَى غَرَضِ النّبْلِ
فَقُلْنَا لَهُمْ حَبْلُ الْإِلَهِ نَصِيرُنَا ... وَمَا لَكُمْ إلّا الضّلَالَةُ مِنْ حَبْلٍ
فَثَارَ أَبُو جَهْلٍ هُنَالِكَ بَاغِيًا ... فَخَابَ وَرَدّ اللّهُ كَيْدَ أَبِي جَهْلِ
وَمَا نَحْنُ إلّا فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا ... وَهُمْ مِئَتَانِ بَعْدُ وَاحِدَةٍ فَضْلِ
فَيَا لَلُؤَىَ لَا تُطِيعُوا غُوَاتَكُمْ ... وَفِيئُوا إلَى الْإِسْلَامِ وَالْمَنْهَجِ السّهْلِ
فَإِنّي أَخَافُ أَنْ يُصَبّ عَلَيْكُمْ ... عَذَابٌ فَتَدْعُوَا بِالنّدَامَةِ وَالثّكْلِ

[ شِعْرُ أَبِي جَهْلٍ فِي الرّدّ عَلَى حَمْزَةَ ]
فَأَجَابَهُ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فَقَالَ [ ص 598 ]
عَجِبْتُ لِأَسْبَابِ الْحَفِيظَةِ وَالْجَهْلِ ... وَلِلشّاغِبِينَ بِالْخِلَافِ وَبِالْبُطْلِ
وَلِلتّارِكِينَ مَا وَجَدْنَا جُدُودَنَا ... عَلَيْهِ ذَوِي الْأَحْسَابِ وَالسّؤْدُدِ الْجَزْلِ
أَتَوْنَا بِإِفْكٍ كَيْ يُضِلّوا عُقُولَنَا ... وَلَيْسَ مُضِلّا إفْكُهُمْ عَقْلَ ذِي عَقْلِ
فَقُلْنَا لَهُمْ يَا قَوْمَنَا لَا تُخَالِفُوا ... عَلَى قَوْمِكُمْ إنّ الْخِلَافَ مُدَى الْجَهْلِ
فَإِنّكُمْ إنْ تَفْعَلُوا تَدْعُ نِسْوَةٌ ... لَهُنّ بَوَاكٍ بِالرّزِيّةِ وَالثّكْلِ
وَإِنْ تَرْجِعُوا عَمّا فَعَلْتُمْ فَإِنّنَا ... بَنُو عَمّكُمْ أَهْلُ الْحَفَائِظِ وَالْفَضْلِ
فَقَالُوا لَنَا : إنّا وَجَدْنَا مُحَمّدًا ... رِضًا لِذَوِي الْأَحْلَامِ مِنّا وَذِي الْعَقْلِ
فَلَمّا أَبَوْا إلّا الْخِلَافَ وَزَيّنُوا ... جِمَاعَ الْأُمُورِ بِالْقَبِيحِ مِنْ الْفِعْلِ
تَيَمّمْتُهُمْ بِالسّاحِلَيْنِ بِغَارَةٍ ... لِأَتْرُكَهُمْ كَالْعَصْفِ لَيْسَ بِذِي أَصْلِ
فَوَزّعَنِي مَجْدِيّ عَنْهُمْ وَصُحْبَتِي ... وَقَدْ وَازَرُونِي بِالسّيُوفِ وَبِالنّبْلِ
لِإِلّ عَلَيْنَا وَاجِبٍ لَا نُضَيّعُهُ ... أَمِينٌ قَوَاهُ غَيْرُ مُنْتَكِثِ الْحَبْلِ
فَلَوْلَا ابْنُ عَمْرٍو كُنْتُ غَادَرْتُ مِنْهُمْ ... مَلَاحِمَ لِلطّيْرِ الْعُكُوفِ بِلَا تَبْلِ
وَلَكِنّهُ آلَى بِإِلّ فَقَلّصَتْ ... بِأَيْمَانِنَا حَدّ السّيُوفِ عَنْ الْقَتْلِ
فَإِنْ تُبْقِنِي الْأَيّامُ أَرْجِعْ عَلَيْهِمْ ... بِبِيضٍ رِقَاقِ الْحَدّ مُحْدَثَةِ الصّقْلِ
بِأَيْدِي حُمَاةٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... كِرَامٍ الْمَسَاعِي فِي الْجُدُوبَةِ وَالْمَحْلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشّعْرَ لِأَبِي جَهْلٍ .

[ غَزْوَةُ بُوَاطٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ غَزَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ يُرِيدُ قُرَيْشًا . : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ السّائِبَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى بَلَغَ بُوَاطٍ ، مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى ، ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا ، فَلَبِثَ بِهَا بَقِيّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَبَعْضَ جُمَادَى الْأُولَى .

[ غَزْوَةُ الْعَشِيرَةِ ]
ثُمّ غَزَا قُرَيْشًا ، فَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ .
[ الطّرِيقُ إلَى الْعَشِيرَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَسَلَكَ عَلَى نَقْبِ بَنِي دِينَارٍ ، ثُمّ عَلَى فَيْفَاءِ الْخَبَارِ فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ بِبَطْحَاءِ ابْنِ أَزْهَرَ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ السّاقِ فَصَلّى عِنْدَهَا . فَثَمّ [ ص 599 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصُنِعَ لَهُ عِنْدَهَا طَعَامٌ فَأَكَلَ مِنْهُ وَأَكَلَ النّاسُ مَعَهُ فَمَوْضِعُ أَثَافِيّ الْبُرْمَةِ مَعْلُومٌ هُنَالِكَ وَاسْتُقِيَ لَهُ مِنْ مَاءٍ بِهِ يُقَالُ لَهُ الْمُشْتَرِبُ ، ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتَرَكَ الْخَلَائِقَ بِيَسَارِ وَسَلَكَ شُعْبَةً يُقَالُ لَهَا : شُعْبَةُ عَبْدِ اللّهِ ، وَذَلِكَ اسْمُهَا الْيَوْمُ ثُمّ صَبّ لِلْيَسَارِ حَتّى هَبَطَ يَلَيْلَ ، فَنَزَلَ بِمُجْتَمَعِهِ وَمُجْتَمَعِ الضّبُوعَةِ ، وَاسْتَقَى مِنْ بِئْرٍ بِالضّبُوعَةِ ثُمّ سَلَكَ الْفَرْشَ فَرْشَ مَلَلٍ ، حَتّى لَقِيَ الطّرِيقَ بِصُحَيْرَاتِ الْيَمَامِ ثُمّ اعْتَدَلَ بِهِ الطّرِيقُ حَتّى نَزَلَ الْعُشَيْرَةَ مِنْ بَطْن يَنْبُعَ . فَأَقَامَ بِهَا جُمَادَى الْأُولَى وَلَيَالِيَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَدَعَا فِيهَا بَنِي مُدْلِجٍ وَحُلَفَاءَهُمْ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ ، ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا .

[ تَكْنِيَةُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعَلِيّ بِأَبِي تُرَابٍ ]
وَفِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ قَالَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ مَا قَالَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ خَيْثَمٍ الْمُحَارِبِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ خَيْثَمٍ أَبِي يَزِيدَ عَنْ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، قَالَ كُنْت أَنَا وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَفِيقَيْنِ فِي غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ فَلَمّا نَزَلَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقَامَ بِهَا ؛ رَأَيْنَا أُنَاسًا مِنْ بَنِي مُدْلِج ٍ يَعْمَلُونَ فِي عَيْنٍ لَهُمْ وَفِي نَخْلٍ ؛ فَقَالَ لِي عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : يَا أَبَا الْيَقْظَانِ هَلْ لَك فِي أَنْ تَأْتِيَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فَنَنْظُرُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ ؟ قَالَ قُلْت : إنْ شِئْتَ قَالَ فَجِئْنَاهُمْ فَنَظَرْنَا إلَى عَمَلِهِمْ سَاعَةً ثُمّ غَشِيَنَا النّوْمُ . فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَعَلِيّ حَتّى اضْطَجَعْنَا فِي صُورٍ مِنْ النّخْلِ وَفِي دَقْعَاءَ مِنْ التّرَابِ فَنِمْنَا ، فَوَاَللّهِ مَا أَهَبّنَا إلّا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُحَرّكُنَا بِرِجْلِهِ . وَقَدْ تَتَرّبْنَا مِنْ تِلْكَ الدّقْعَاءِ الّتِي نِمْنَا فِيهَا ، فَيَوْمَئِذٍ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَا لَكَ يَا أَبَا تُرَابٍ ؟ لِمَا يَرَى عَلَيْهِ مِنْ التّرَابِ ثُمّ قَالَ أَلَا أُحَدّثُكُمَا بِأَشْقَى النّاسِ رَجُلَيْنِ ؟ قُلْنَا : بَلَى يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ أُحَيْمِرُ ثَمُودٍ الّذِي عَقَرَ النّاقَةَ وَاَلّذِي يَضْرِبُك يَا عَلِيّ عَلَى هَذِهِ - وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى قَرْنِهِ - حَتّى يَبُلّ مِنْهَا هَذِهِ . وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ [ ص 600 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا سَمّى عَلِيّا أَبَا تُرَابٍ ، أَنّهُ كَانَ إذَا عَتَبَ عَلَى فَاطِمَةَ فِي شَيْءٍ لَمْ يُكَلّمْهَا ، وَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا تَكْرَهُهُ إلّا أَنّهُ يَأْخُذُ تُرَابًا فَيَضَعُهُ عَلَى رَأْسِهِ . قَالَ فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا رَأَى عَلَيْهِ التّرَابَ عَرَفَ أَنّهُ عَاتِبٌ عَلَى فَاطِمَةَ فَيَقُولُ مَا لَك يَا أَبَا تُرَابٍ ؟ فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ .

[ سَرِيّةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ غَزْوَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ، فِي ثَمَانِيَةِ رَهْطٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَخَرَجَ حَتّى بَلَغَ الْخَرّارَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ ، ثُمّ رَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ بَعْثَ سَعْدٍ هَذَا كَانَ بَعْدَ حَمْزَةَ .

[ غَزْوَةُ سَفْوَانَ وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 601 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمَ مِنْ غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ إلّا لَيَالِيَ قَلَائِلَ لَا تَبْلُغُ الْعَشْرَ حَتّى أَغَارَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيّ عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَلَبِهِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ .

[ فَوَاتُ كُرْزٍ وَالرّجُوعُ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى بَلَغَ وَادِيًا ، يُقَالُ لَهُ سَفْوَانُ ، مِنْ نَاحِيَةِ بَدْرٍ وَفَاتَهُ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ ، فَلَمْ يُدْرِكْهُ وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى . ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ .

سَرِيّةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ وَنُزُولُ { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الْحَرَامِ }
وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأَسَدِيّ فِي رَجَبٍ مَقْفَلَهُ مِنْ بَدْرٍ الْأُولَى ، وَبَعَثَ مَعَهُ ثَمَانِيَةَ رَهْطٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَنْظُرَ فِيهِ حَتّى يَسِيرَ يَوْمَيْنِ ثُمّ يَنْظُرَ فِيهِ فَيَمْضِيَ لِمَا أَمَرَهُ بِهِ وَلَا يَسْتَكْرِهَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا .

[ أَصْحَابُ ابْنِ جَحْشٍ فِي سَرِيّتِهِ ]
وَكَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ . ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، وَمِنْ حَلْفَائِهِمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ ، وَهُوَ أَمِيرُ الْقَوْمِ وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ أَحَدُ بَنِي أَسَدِ [ ص 602 ] خُزَيْمَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ . وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ . وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ : سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ . وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَرِينِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ ، أَحَدُ بَنِي تَمِيمٍ حَلِيفٌ لَهُمْ وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ أَحَدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ حَلِيفٌ لَهُمْ . وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : سُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ .

[ فَضّ ابْنِ جَحْشٍ كِتَابَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمُضِيّهُ لِطَيّتِهِ ]
فَلَمّا سَارَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ يَوْمَيْنِ فَتَحَ الْكِتَابَ فَنَظَرَ فِيهِ فَإِذَا فِيهِ إذَا نَظَرْت فِي كِتَابِي هَذَا فَامْضِ حَتّى تَنْزِلَ نَخْلَةَ ، بَيْنَ مَكّةَ وَالطّائِفِ ، فَتَرَصّدْ بِهَا قُرَيْشًا وَتَعَلّمْ لَنَا مِنْ أَخْبَارِهِمْ فَلَمّا نَظَرَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ فِي الْكِتَابِ قَالَ سَمْعًا وَطَاعَةً ثُمّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ قَدْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَمْضِيَ إلَى نَخْلَةَ ، أَرْصُدَ بِهَا قُرَيْشًا ، حَتّى آتِيَهُ مِنْهُمْ بِخَبَرِ وَقَدْ نَهَانِي أَنْ أَسْتَكْرِهَ أَحَدًا مِنْكُمْ . فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الشّهَادَةَ وَيَرْغَبُ فِيهَا فَلْيَنْطَلِقْ وَمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ فَأَمّا أَنَا فَمَاضٍ لِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَمَضَى وَمَضَى مَعَهُ أَصْحَابُهُ لَمْ يَتَخَلّفْ عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ .

[ تَخَلّفُ الْقَوْمِ بِمَعْدِنَ ]
وَسَلَكَ عَلَى الْحِجَازِ ، حَتّى إذَا كَانَ بِمَعْدِنَ فَوْقَ الْفُرُعِ ، يُقَالُ لَهُ بَحْرَانُ ، أَضَلّ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بَعِيرًا لَهُمَا ، كَانَا يَعْتَقِبَانِهِ . فَتَخَلّفَا عَلَيْهِ فِي طَلَبِهِ . وَمَضَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ وَبَقِيّةُ أَصْحَابِهِ حَتّى نَزَلَ بِنَخْلَةَ فَمَرّتْ بِهِ عِيرٌ لِقُرَيْشِ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَأَدَمًا ، وَتِجَارَةً مِنْ تِجَارَةِ قُرَيْشٍ ، فِيهَا عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ .
[ اسْمُ الْحَضْرَمِيّ وَنَسَبُهُ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْمُ الْحَضْرَمِيّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبّادٍ ، ( وَيُقَالُ مَالِكُ بْنُ عَبّادٍ ) [ ص 603 ] أَحَدُ الصّدِفِ ، وَاسْمُ الصّدِفِ عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ ، أَحَدُ السّكُونِ بْنِ أَشْرَسَ بْنِ كِنْدَةَ ، وَيُقَالُ كِنْدِيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَأَخُوهُ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْمَخْزُومِيّانِ وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ .

[ مَا جَرَى بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ وَمَا خَلَصَ بِهِ ابْنُ جَحْشٍ ]
فَلَمّا رَآهُمْ الْقَوْمُ هَابُوهُمْ وَقَدْ نَزَلُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ فَأَشْرَفَ لَهُمْ عُكّاشَةُ بْنُ مُحْصَنٍ وَكَانَ قَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ فَلَمّا رَأَوْهُ أَمِنُوا ، وَقَالُوا عَمّارٌ لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ . وَتَشَاوَرَ الْقَوْمُ فِيهِمْ وَذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ فَقَالَ الْقَوْمُ وَاَللّهِ لَئِنْ تَرَكْتُمْ الْقَوْمَ هَذِهِ اللّيْلَةَ لَيَدْخُلُنّ الْحَرَمَ ، فَلَيَمْتَنِعُنّ مِنْكُمْ بِهِ وَلَئِنْ قَتَلْتُمُوهُمْ لَتَقْتُلُنّهُمْ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ فَتَرَدّدَ الْقَوْمُ وَهَابُوا الْإِقْدَامَ عَلَيْهِمْ ثُمّ شَجّعُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِمْ وَأَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَأَخْذِ مَا مَعَهُمْ . فَرَمَى وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ التّمِيمِيّ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيّ بِسَهْمِ فَقَتَلَهُ وَاسْتَأْسَرَ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ ، وَالْحَكَمَ ابْنَ كَيْسَانَ وَأَفْلَتَ الْقَوْمَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ فَأَعْجَزَهُمْ . وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ وَأَصْحَابُهُ بِالْعِيرِ وَبِالْأَسِيرَيْنِ حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ . وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ آلِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ : أَنّ عَبْدَ اللّهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ إنّ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِمّا غَنِمْنَا الْخُمُسَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ اللّهُ تَعَالَى الْخُمُسَ مِنْ الْمَغَانِمِ - فَعَزَلَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خُمُسَ الْعِيرِ وَقَسّمَ سَائِرَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ .

[ نُكْرَانُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى ابْنِ جَحْشٍ قِتَالَهُ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدمِوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، قَالَ مَا أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالٍ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ . فَوَقّفَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ . وَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُقِطَ فِي أَيْدِي الْقَوْمِ [ ص 604 ] وَقَالَتْ قُرَيْشٌ قَدْ اسْتَحَلّ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ الشّهْرَ الْحَرَامَ وَسَفَكُوا فِيهِ الدّمَ وَأَخَذُوا فِيهِ الْأَمْوَالَ وَأَسَرُوا فِيهِ الرّجَالَ فَقَالَ مَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمّنْ كَانَ بِمَكّةَ إنّمَا أَصَابُوا مَا أَصَابُوا فِي شَعْبَانَ .

[ تَوَقّعَ الْيَهُودُ بِالْمُسْلِمِينَ الشّرّ ]
وَقَالَتْ يَهُودُ - تَفَاءَلَ بِذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ قَتَلَهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، عَمْرٌو ، عَمُرَتْ الْحَرْبُ وَالْحَضْرَمِيّ ، حَضَرَتْ الْحَرْبُ وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، وَقَدَتْ الْحَرْبُ . فَجَعَلَ اللّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ .

[ نُزُولُ الْقُرْآنِ فِي فِعْلِ ابْنِ جَحْشٍ وَإِقْرَارُ الرّسُولِ لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي فِعْلِهِ ]
فَلَمّا أَكْثَرَ النّاسُ فِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ } أَيْ إنْ كُنْتُمْ قَتَلْتُمْ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ فَقَدْ صَدّوكُمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَعَ الْكُفْرِ بِهِ وَعَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْهُ وَأَنْتُمْ أَهْلُهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ قَتْلِ مَنْ قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ { وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ } أَيْ قَدْ كَانُوا يَفْتِنُونَ الْمُسْلِمَ فِي دِينِهِ حَتّى يَرُدّوهُ إلَى الْكُفْرِ بَعْدَ إيمَانِهِ فَذَلِكَ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ الْقَتْلِ { وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا } أَيْ ثُمّ هُمْ مُقِيمُونَ عَلَى أَخْبَثِ ذَلِكَ وَأَعْظَمِهِ غَيْرَ تَائِبِينَ وَلَا نَازِعِينَ . فَلَمّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَذَا مِنْ الْأَمْرِ وَفَرّجَ اللّهُ تَعَالَى عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الشّفَقِ قَبَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ وَبَعَثَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ فِي فِدَاءِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَالْحَكَمِ ابْنِ كَيْسَانَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا نُفْدِيكُمُوهَا حَتّى يَقْدَمَ صَاحِبَانَا - يَعْنِي سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ ، وَعُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ - فَإِنّا نَخْشَاكُمْ عَلَيْهِمَا ، فَإِنْ تَقْتُلُوهُمَا ، نَقْتُلْ صَاحِبَيْكُمْ فَقَدِمَ سَعْدٌ وَعُتْبَةُ فَأُفْدَاهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ .

[ إسْلَامُ ابْنِ كَيْسَانَ وَمَوْتُ عُثْمَانَ كَافِرًا ]
[ ص 605 ] الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَأَقَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قُتِل َ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا . وَأَمّا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ فَلَحِقَ بِمَكّةَ فَمَاتَ بِهَا كَافِرًا .

[ طَمَعُ ابْنِ جَحْشٍ فِي الْأَجْرِ وَمَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ ]
فَلَمّا تَجَلّى عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ وَأَصْحَابِهِ مَا كَانُوا فِيهِ حِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ طَمِعُوا فِي الْأَجْرِ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَطْمَعُ أَنْ تَكُونَ لَنَا غَزْوَةٌ نُعْطَى فِيهَا أَجْرَ الْمُجَاهِدِينَ ؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ { إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } فَوَضَعَهُمْ اللّهُ عَزّ وَجَلّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَعْظَمِ الرّجَاءِ . وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا عَنْ الزّهْرِيّ وَيَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ آلِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ : أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَسَمَ الْفَيْءَ حِينَ أَحَلّهُ فَجَعَلَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ لِمَنْ أَفَاءَهُ اللّهُ وَخُمُسًا إلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ فَوَقَعَ عَلَى مَا كَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ صَنَعَ فِي تِلْكَ الْعِيرِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهِيَ أَوّلُ غَنِيمَةٍ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ . وَعَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ أَوّلُ مَنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ أَوّلُ مَنْ أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ .

[ شِعْرٌ فِي هَذِهِ السّرِيّةِ يُنْسَبُ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَإِلَى ابْنِ جَحْشٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي غَزْوَةِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ ، وَيُقَالُ بَلْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ قَالَهَا ، حِينَ قَالَتْ قُرَيْشٌ : قَدْ أَحَلّ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ الشّهْرَ الْحَرَامَ وَسَفَكُوا فِيهِ الدّمَ وَأَخَذُوا فِيهِ الْمَالَ وَأَسَرُوا فِيهِ الرّجَالَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هِيَ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ [ ص 606 ]
تَعُدّونَ قَتْلًا فِي الْحَرَامِ عَظِيمَةً ... وَأَعْظَمُ مِنْهُ لَوْ يَرَى الرّشْدَ رَاشِدُ
صُدُودُكُمْ عَمّا يَقُولُ مُحَمّدٌ ... وَكُفْرٌ بِهِ وَاَللّهُ رَاءٍ وَشَاهِدُ
وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْ مَسْجِدِ اللّهِ أَهْلَهُ ... لِئَلّا يُرَى لِلّهِ فِي الْبَيْتِ سَاجِدُ
فَإِنّا وَإِنْ عَيّرْتُمُونَا بِقَتْلِهِ ... وَأَرْجَفَ بِالْإِسْلَامِ بَاغٍ وَحَاسِدُ
سَقَيْنَا مِنْ ابْنِ الْحَضْرَمِيّ رِمَاحَنَا ... بِنَخْلَةَ لَمّا أَوْقَدَ الْحَرْبَ وَاقِدُ
دَمًا وَابْنُ عَبْدِ اللّهِ عُثْمَانُ بَيْنَنَا ... يُنَازِعُهُ غُلّ مِنْ الْقَدّ عَانِدُ
[ صَرْفُ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَيُقَالُ صُرِفَتْ الْقِبْلَةُ فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ .

[ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَمِعَ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ مُقْبِلًا مِنْ الشّأْمِ فِي عِيرٍ لِقُرَيْشٍ عَظِيمَةٍ فِيهَا أَمْوَالٌ لِقُرَيْشِ وَتِجَارَةٌ مِنْ تِجَارَاتِهِمْ وَفِيهَا ثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ أَرْبَعُونَ مِنْهُمْ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنُ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هِشَامٍ .

[ نَدْبُ الْمُسْلِمِينَ لِلْعِيرِ وَحَذَرُ أَبِي سُفْيَانَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هَاشِمٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَائِنَا عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، كُلّ قَدْ حَدّثَنِي بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ فَاجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ فِيمَا سُقْت مِنْ حَدِيثِ بَدْرٍ ، قَالُوا : لَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ [ ص 607 ] الشّامِ ، نَدَبَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ وَقَالَ هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالُهُمْ فَاخْرُجُوا إلَيْهَا لَعَلّ اللّهَ يُنْفِلُكُمُوهَا . فَانْتَدَبَ النّاسُ فَخَفّ بَعْضُهُمْ وَثَقُلَ بَعْضُهُمْ وَذَلِكَ أَنّهُمْ لَمْ يَظُنّوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَلْقَى حَرْبًا وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ دَنَا مِنْ الْحِجَازِ يُتَحَسّسُ الْأَخْبَارَ وَيَسْأَلُ مَنْ لَقِيَ مِنْ الرّكْبَانِ تَخَوّفًا عَلَى أَمْرِ النّاسِ . حَتّى أَصَابَ خَبَرًا مِنْ بَعْضِ الرّكْبَانِ أَنّ مُحَمّدًا قَدْ اسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهُ لَك وَلِعِيرِك فَحَذِرَ عِنْدَ ذَلِكَ . فَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيّ ، فَبَعَثَهُ إلَى مَكّةَ ، وَأَمَرَ أَنْ يَأْتِيَ قُرَيْشًا فَيَسْتَنْفِرَهُمْ إلَى أَمْوَالِهِمْ وَيُخْبِرَهُمْ أَنّ مُحَمّدًا قَدْ عَرَضَ لَهَا فِي أَصْحَابِهِ . فَخَرَجَ ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو سَرِيعًا إلَى مَكّةَ .

[ ذِكْرُ رُؤْيَا عَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، وَيَزِيدُ ابْنُ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَا : وَقَدْ رَأَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِب ِ ، قَبْلَ قُدُومِ ضَمْضَمٍ مَكّةَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ رُؤْيَا أَفْزَعَتْهَا . فَبَعَثَتْ إلَى أَخِيهَا الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَقَالَتْ لَهُ يَا أَخِي ، وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْت اللّيْلَةَ رُؤْيَا أَفْظَعَتْنِي ، وَتَخَوّفْتُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى قَوْمِك مِنْهَا شَرّ وَمُصِيبَةٌ فَاكْتُمْ عَنّي مَا أُحَدّثُك بِهِ فَقَالَ لَهَا : وَمَا رَأَيْتِ ؟ قَالَتْ رَأَيْتُ رَاكِبًا أَقْبَلَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ حَتّى وَقَفَ بِالْأَبْطَحِ ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ أَلَا انْفِرُوا يَا لَغُدُرَ لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ فَأَرَى النّاسَ اجْتَمَعُوا إلَيْهِ [ ص 608 ] دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنّاسُ يَتْبَعُونَهُ فَبَيْنَمَا هُمْ حَوْلَهُ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ ، ثُمّ صَرَخَ بِمِثْلِهَا : أَلَا انْفِرُوا يَا لَغُدُرَ لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ ثُمّ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى رَأْسِ أَبِي قُبَيْسٍ فَصَرَخَ بِمِثْلِهَا . ثُمّ أَخَذَ صَخْرَةً فَأَرْسَلَهَا . فَأَقْبَلَتْ تَهْوِي ، حَتّى إذَا كَانَتْ بِأَسْفَلِ الْجَبَلِ ارْفَضّتْ فَمَا بَقِيَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ مَكّةَ وَلَا دَارٌ إلّا دَخَلَتْهَا مِنْهَا فَلِقَةٌ قَالَ الْعَبّاسُ وَاَللّهِ إنّ هَذِهِ لَرُؤْيَا ، وَأَنْتِ فَاكْتُمِيهَا ، وَلَا تَذْكُرِيهَا لِأَحَدِ .

[ الرّؤْيَا تَذِيعُ فِي قُرَيْشٍ ]
ثُمّ خَرَجَ الْعَبّاسُ فَلَقِيَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَكَانَ لَهُ صِدّيقًا ، فَذَكَرَهَا لَهُ وَاسْتَكْتَمَهُ إيّاهَا . فَذَكَرَهَا الْوَلِيدُ لِأَبِيهِ عُتْبَةَ فَفَشَا الْحَدِيثُ بِمَكّةَ حَتّى تَحَدّثَتْ بِهِ قُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهَا .

[ مَا جَرَى بَيْنَ أَبِي جَهْلٍ وَالْعَبّاسِ بِسَبَبِ الرّؤْيَا ]
قَالَ الْعَبّاسُ فَغَدَوْت لِأَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فِي رَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ قُعُودٌ يَتَحَدّثُونَ بِرُؤْيَا عَاتِكَةَ ، فَلَمّا رَآنِي أَبُو جَهْلٍ قَالَ يَا أَبَا الْفَضْلِ إذَا فَرَغْت مِنْ طَوَافِك فَأَقْبِلْ إلَيْنَا ، فَلَمّا فَرَغْتُ أَقْبَلْتُ حَتّى جَلَسْتُ مَعَهُمْ فَقَالَ لِي أَبُو جَهْلٍ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، مَتَى حَدَثَتْ فِيكُمْ هَذِهِ النّبِيّةَ ؟ قَالَ قُلْت : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ تِلْكَ الرّؤْيَا الّتِي رَأَتْ عَاتِكَةُ ؛ قَالَ فَقُلْت : وَمَا رَأَتْ ؟ قَالَ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، أَمَا رَضِيتُمْ أَنْ يَتَنَبّأَ رِجَالُكُمْ حَتّى تَتَنَبّأَ نِسَاؤُكُمْ قَدْ زَعَمَتْ عَاتِكَةُ فِي رُؤْيَاهَا أَنّهُ قَالَ انْفِرُوا فِي ثَلَاثٍ فَسَنَتَرَبّصُ بِكُمْ هَذِهِ الثّلَاثَ فَإِنْ يَكُ حَقّا مَا تَقُولُ فَسَيَكُونُ وَإِنْ تَمْضِ الثّلَاثُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ نَكْتُبْ [ ص 609 ] الْعَرَبِ . قَالَ الْعَبّاسُ فَوَاَللّهِ مَا كَانَ مِنّي إلَيْهِ كَبِيرٌ إلّا أَنّي جَحَدْتُ ذَلِكَ وَأَنْكَرْت أَنْ تَكُونَ رَأَتْ شَيْئًا . قَالَ ثُمّ تَفَرّقْنَا .

[ نِسَاءُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ يَلُمْنَ الْعَبّاسَ لِلِينِهِ مَعَ أَبِي جَهْلٍ ]
فَلَمّا أَمْسَيْتُ لَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ إلّا أَتَتْنِي ، فَقَالَتْ أَقْرَرْتُمْ لِهَذَا الْفَاسِقِ الْخَبِيثِ أَنْ يَقَعَ فِي رِجَالِكُمْ ثُمّ قَدْ تَنَاوَلَ النّسَاءَ وَأَنْتَ تَسْمَعُ ثُمّ لَمْ يَكُنْ عِنْدَك غِيَرٌ لِشَيْءِ مِمّا سَمِعْت ، قَالَ قُلْت : قَدْ وَاَللّهِ فَعَلْتُ مَا كَانَ مِنّي إلَيْهِ مِنْ كَبِيرٍ . وَاَيْمُ اللّهِ لَأَتَعَرّضَنّ لَهُ فَإِنْ عَادَ لأكْفِينّكُنّه .

[ الْعَبّاسُ يَقْصِدُ أَبَا جَهْلٍ لِيَنَالَ مِنْهُ فَيَصْرِفُهُ عَنْهُ تَحَقّقُ الرّؤْيَا ]
قَالَ فَغَدَوْتُ فِي الْيَوْمِ الثّالِثِ مِنْ رُؤْيَا عَاتِكَةَ ، وَأَنَا حَدِيدٌ مُغْضَبٌ أُرَى أَنّي قَدْ فَاتَنِي مِنْهُ أَمْرٌ أُحِبّ أَنْ أُدْرِكَهُ مِنْهُ . قَالَ فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْته ، فَوَاَللّهِ إنّي لَأَمْشِي نَحْوَهُ أَتَعَرّضُهُ لِيَعُودَ لِبَعْضِ مَا قَالَ فَأَقَعَ بِهِ وَكَانَ رَجُلًا خَفِيفًا ، حَدِيدَ الْوَجْهِ حَدِيدَ اللّسَانِ حَدِيدَ النّظَرِ . قَالَ إذْ خَرَجَ نَحْوَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَشْتَدّ . قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي : مَا لَهُ لَعَنَهُ اللّهُ أَكُلّ هَذَا فَرَقٌ مِنّي أَنْ أُشَاتِمَهُ قَالَ وَإِذَا هُوَ قَدْ سَمِعَ مَا لَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ ضَمْضَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيّ ، وَهُوَ يَصْرُخُ بِبَطْنِ الْوَادِي وَاقِفًا عَلَى بَعِيرِهِ قَدْ جَدّعَ بَعِيرَهُ وَحَوّلَ رَحْلَهُ وَشَقّ قَمِيصَهُ وَهُوَ يَقُولُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، اللّطِيمَةَ اللّطِيمَةَ أَمْوَالُكُمْ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمّدٌ فِي أَصْحَابِهِ لَا أَرَى أَنْ تُدْرِكُوهَا ، الْغَوْثَ الْغَوْثَ . قَالَ فَشَغَلَنِي عَنْهُ وَشَغَلَهُ عَنّي مَا جَاءَ مِنْ الْأَمْرِ .

[ تَجَهّزُ قُرَيْشٍ لِلْخُرُوجِ ]
فَتَجَهّزَ النّاسُ سِرَاعًا ، وَقَالُوا : أَيَظُنّ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَنْ تَكُونَ كَعِيرِ ابْنِ الْحَضْرَمِيّ كَلّا وَاَللّهِ لِيَعْلَمُنّ غَيْرَ ذَلِكَ . فَكَانُوا بَيْنَ رَجُلَيْنِ إمّا خَارِجٍ وَإِمّا بَاعِثٍ مَكَانَهُ رَجُلًا . وَأَوْعَبَتْ قُرَيْشٌ ، فَلَمْ يَتَخَلّفْ مِنْ أَشْرَافِهَا أَحَدٌ . [ ص 610 ] أَبَا لَهَبِ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تَخَلّفَ وَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصِيَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَكَانَ قَدْ لَاطَ لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ أَفْلَسَ بِهَا ، فَاسْتَأْجَرَهُ بِهَا عَلَى أَنْ يُجْزِئَ عَنْهُ بَعَثَهُ فَخَرَجَ عَنْهُ وَتَخَلّفَ أَبُو لَهَبٍ .

[ عُقْبَةُ يَتَهَكّمُ بِأُمَيّةِ لِقُعُودِهِ فَيَخْرُجُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ : أَنّ أُمَيّةَ بْنَ خَلَفٍ كَانَ أَجْمَعَ الْقُعُودَ وَكَانَ شَيْخًا جَلِيلًا جَسِيمًا ثَقِيلًا ، فَأَتَاهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ ، وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمِهِ بِمَجْمَرَةٍ يَحْمِلُهَا ، فِيهَا نَارٌ وَمَجْمَرٌ حَتّى وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمّ قَالَ يَا أَبَا عَلِيّ اسْتَجْمِرْ فَإِنّمَا أَنْتَ مِنْ النّسَاءِ قَالَ قَبّحَك اللّهُ وَقَبّحَ مَا جِئْتَ بِهِ قَالَ ثُمّ تَجَهّزَ فَخَرَجَ مَعَ النّاسِ .

[ الْحَرْبُ بَيْنَ كِنَانَةَ وَقُرَيْشٍ وَتَحَاجُزُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا فَرَغُوا مِنْ جَهَازِهِمْ وَأَجْمَعُوا الْمَسِيرَ ذَكَرُوا مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ مِنْ الْحَرْبِ فَقَالُوا : إنّا نَخْشَى أَنْ يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا وَكَانَتْ الْحَرْبُ الّتِي كَانَتْ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ - كَمَا حَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ - فِي ابْنٍ لِحَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ أَحَدِ بَنِي مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، خَرَجَ يَبْتَغِي ضَالّةً لَهُ بِضَجْنَانَ وَهُوَ غُلَامٌ حَدَثَ فِي رَأْسِهِ ذُؤَابَةٌ وَعَلَيْهِ حُلّةٌ لَهُ وَكَانَ غُلَامًا وَضِيئًا نَظِيفًا ، فَمَرّ بِعَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْمُلَوّحِ أَحَدِ بَنِي يَعْمُرَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ وَهُوَ بِضَجْنَانَ وَهُوَ سَيّدُ بَنِي بَكْر ٍ يَوْمَئِذٍ فَرَآهُ فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ مَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ ؟ قَالَ أَنَا ابْنٌ لِحَفْصِ ابْنِ الْأَخْيَفِ الْقُرَشِيّ . فَلَمّا وَلّى الْغُلَامُ قَالَ عَامِرُ بْنُ زَيْدٍ : يَا بَنِي بَكْرٍ مَا لَكُمْ فِي قُرَيْشٍ مِنْ دَمٍ ؟ قَالُوا : بَلَى وَاَللّهِ إنّ لَنَا فِيهِمْ لَدِمَاءً قَالَ مَا كَانَ رَجُلٌ لِيَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ بِرَجُلِهِ إلّا كَانَ قَدْ اسْتَوْفَى دَمَهُ . قَالَ فَتَبِعْهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ فَقَتَلَهُ [ ص 611 ] كَانَ لَهُ فِي قُرَيْشٍ ، فَتَكَلّمَتْ فِيهِ قُرَيْشٌ ، فَقَالَ عَامِرُ بْنُ يَزِيدَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَدْ كَانَتْ لَنَا فِيكُمْ دِمَاءٌ فَمَا شِئْتُمْ . إنْ شِئْتُمْ فَأَدّوا عَلَيْنَا مَا لَنَا قِبَلَكُمْ وَنُؤَدّي مَا لَكُمْ قِبَلَنَا ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَإِنّمَا هِيَ الدّمَاءُ رَجُلٌ بِرَجُلِ فَتَجَافَوْا عَمّا لَكُمْ قِبَلَنَا ، وَنَتَجَافَى عَمّا لَنَا قِبَلَكُمْ فَهَانَ ذَلِكَ الْغُلَامُ عَلَى هَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَقَالُوا : صَدَقَ رَجُلٌ بِرَجُلِ . فَلَهَوْا عَنْهُ فَلَمْ يُطْلِبُوا بِهِ . قَالَ فَبَيْنَمَا أَخُوهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَف يَسِيرُ بِمَرّ الظّهْرَانِ ، إذْ نَظَرَ إلَى عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْمُلَوّحِ عَلَى جَمَلٍ لَهُ فَلَمّا رَآهُ أَقْبَلَ إلَيْهِ حَتّى أَنَاخَ بِهِ وَعَامِرٌ مُتَوَشّحٌ سَيْفَهُ فَعَلَاهُ مِكْرَزٌ بِسَيْفِهِ حَتّى قَتَلَهُ ثُمّ خَاضَ بَطْنَهُ بِسَيْفِهِ ثُمّ أَتَى بِهِ مَكّةَ ، فَعَلّقَهُ مِنْ اللّيْلِ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ . فَلَمّا أَصْبَحَتْ قُرَيْشٌ رَأَوْا سَيْفَ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ مُعَلّقًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ، فَعَرَفُوهُ فَقَالُوا : إنّ هَذَا لَسَيْفُ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ عَدَا عَلَيْهِ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فَقَتَلَهُ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ . فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ حَرْبِهِمْ حَجَزَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ النّاسِ فَتَشَاغَلُوا بِهِ حَتّى أَجَمَعَتْ قُرَيْشٌ الْمَسِيرَ إلَى بَدْرٍ فَذَكَرُوا الّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ فَخَافُوهُمْ .

[ شِعْرُ مِكْرَزٍ فِي قَتْلِهِ عَامِرًا ]
وَقَالَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فِي قَتْلِهِ عَامِرًا [ ص 612 ]
لَمّا رَأَيْتُ أَنّهُ هُوَ عَامِرٌ ... تَذَكّرْتُ أَشْلَاءَ الْحَبِيبِ الْمُلَحّبِ
وَقُلْتُ لِنَفْسِي : إنّهُ هُوَ عَامِرٌ ... فَلَا تَرْهَبِيهِ وَانْظُرِي أَيّ مَرْكَبِ
وَأَيْقَنْتُ أَنّي إنْ أُجَلّلَهُ ضَرْبَةً ... مَتَى مَا أُصِبْهُ بِالْفَرَافِرِ يَعْطَبْ
خَفَضْتُ لَهُ جَأْشِي وَأَلْقَيْتُ كَلْكَلِي ... عَلَى بَطَلٍ شَاكّي السّلَاحِ مُجَرّبِ
وَلَمْ أَكُ لَمّا الْتَفّ رُوعِي وَرُوعُهُ ... عُصَارَةَ هُجُنٍ مِنْ نِسَاءٍ وَلَا أَبِ
حَلَلْتُ بِهِ وِتْرِي وَلَمْ أَنْسَ ذَحْلَهُ ... إذَا مَا تَنَاسَى ذَحْلَهُ كُلّ عَيْهَبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْفَرَافِرُ ( في غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ) : الرّجُلُ الْأَضْبَطُ " وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ " : السّيْفُ ) ، وَالْعَيْهَبُ الّذِي لَا عَقْلَ لَهُ وَيُقَالُ لِتَيْسِ الظّبَاءِ وَفَحْلِ النّعَامِ الْعَيْهَبُ . ( قَالَ الْخَلِيلُ الْعَيْهَبُ الرّجُلُ الضّعِيفُ عَنْ إدْرَاكِ وِتْرِهِ ) .
[ إبْلِيسُ يُغْرِي قُرَيْشًا بِالْخُرُوجِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ لَمّا أَجَمَعَتْ قُرَيْشٌ الْمَسِيرَ ذَكَرَتْ الّذِي كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ فَكَادَ ذَلِكَ يُثْنِيهِمْ فَتَبَدّى لَهُمْ إبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيّ ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ بَنِي كِنَانَةَ فَقَالَ لَهُمْ أَنَا لَكُمْ جَارٌ مِنْ أَنْ تَأْتِيَكُمْ كِنَانَةُ مِنْ خَلْفِكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَخَرَجُوا سِرَاعًا .

[ خُرُوجُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي لَيَالٍ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي أَصْحَابِهِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : خَرَجَ ( يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ) لِثَمَانِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ - وَاسْتَعْمَلَ عَمْرُو بْنُ أُمّ مَكْتُومٍ - وَيُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُمّ مَكْتُومٍ أَخَا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، عَلَى الصّلَاةِ بِالنّاسِ ثُمّ رَدّ أَبَا لُبَابَةَ مِنْ الرّوْحَاءِ ، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ .
[ صَاحِبُ اللّوَاءِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَدَفَعَ اللّوَاءَ إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ أَبْيَضَ .

[ رَايَتَا الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَمَامَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَايَتَانِ سَوْدَاوَانِ [ ص 613 ] عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، يُقَالُ لَهَا : الْعُقَابُ وَالْأُخْرَى مَعَ بَعْضِ الْأَنْصَارِ .
[ عَدَدُ إبِلِ الْمُسْلِمِينَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَتْ إبِلُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ بَعِيرًا ، فَاعْتَقَبُوهَا ، فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَمَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا ، وَكَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ، وَأَبُو كَبْشَةَ ، وَأَنَسَةُ مَوْلَيَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَجَعَلَ عَلَى السّاقَةِ قَيْسَ بْنَ أَبِي صَعْصَعَةَ أَخَا بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ . وَكَانَتْ رَايَةُ الْأَنْصَارِ مَعَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ .

[ طَرِيقُ الْمُسْلِمِينَ إلَى بَدْرٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَسَلَكَ طَرِيقَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكّةَ ، عَلَى نَقْبِ الْمَدِينَةِ ، ثُمّ عَلَى الْعَقِيقِ ، ثُمّ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمّ عَلَى أُولَاتِ الْجَيْشِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ذَاتِ الْجَيْشِ .

[ الرّجُلُ الّذِي اعْتَرَضَ الرّسُولَ وَجَوَابُ سَلَمَةَ لَهُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ مَرّ عَلَى تُرْبَانَ ، ثُمّ عَلَى مَلَلٍ ، ثُمّ غَمِيسِ الْحَمَامِ مِنْ مَرَيَيْنِ ، ثُمّ عَلَى صُخَيْرَاتِ الْيَمَامِ ، ثُمّ عَلَى السّيّالَةِ ، ثُمّ عَلَى فَجّ الرّوْحَاءِ ، ثُمّ عَلَى شَنُوكَةَ ، وَهِيَ الطّرِيقُ الْمُعْتَدِلَةُ حَتّى إذَا كَانَ بِعِرْقِ الظّبْيَةِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الظّبْيَةُ : عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ - لَقُوا رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ ، فَسَأَلُوهُ عَنْ النّاسِ فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَهُ خَبَرًا ؛ فَقَالَ لَهُ النّاسُ سَلّمْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ أَوَفِيكُمْ رَسُولُ اللّهِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ فَسَلّمَ عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ إنْ كُنْتَ رَسُولَ اللّهِ فَأَخْبِرْنِي عَمّا فِي بَطْنِ نَاقَتِي هَذِهِ . قَالَ لَهُ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقَشٍ لَا تَسْأَلْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقْبِلْ عَلَيّ فَأَنَا أُخْبِرُك عَنْ ذَلِكَ . نَزَوْتَ عَلَيْهَا ، فَفِي بَطْنِهَا مِنْك سَخْلَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَهْ أَفْحَشْت عَلَى الرّجُلِ ثُمّ أَعَرَضَ عَنْ سَلَمَةِ .

[ بَقِيّةُ الطّرِيقِ إلَى بَدْرٍ ]
وَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَجْسَجَ ، وَهِيَ بِئْرُ الرّوْحَاءِ [ ص 614 ] كَانَ بِالْمُنْصَرَفِ تَرَكَ طَرِيقَ مَكّةَ بِيَسَارٍ وَسَلَكَ ذَاتَ الْيَمِينِ عَلَى النّازِيَةِ يُرِيدُ بَدْرًا ، فَسَلَكَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا ، حَتّى جَزَعَ وَادِيًا ، يُقَالُ لَهُ رُحْقَانُ ، بَيْنَ النّازِيَةِ وَبَيْنَ مَضِيقِ الصّفْرَاءِ ، ( ثُمّ عَلَى الْمَضِيقِ ) ، ثُمّ انْصَبّ مِنْهُ حَتّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الصّفْرَاءِ ، بَعَثَ بَسْبَسَ بْنَ الْجُهَنِيّ حَلِيفَ بَنِي سَاعِدَةَ وَعَدِيّ بْنَ أَبِي الزّغْبَاءِ الْجُهَنِيّ حَلِيفَ بَنِي النّجّارِ إلَى بَدْرٍ يَتَحَسّسَانِ لَهُ الْأَخْبَارَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ . ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ قَدِمَهَا . فَلَمّا اسْتَقْبَلَ الصّفْرَاءَ ، وَهِيَ قَرْيَةٌ بَيْنَ جَبَلَيْنِ سَأَلَ عَنْ جَبَلَيْهِمَا مَا اسْمَاهُمَا ؟ فَقَالُوا : يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا ، هَذَا مُسْلِحٌ ، وَلِلْآخَرِ هَذَا مُخْرِئٌ ، وَسَأَلَ عَنْ أَهْلِهِمَا ، فَقِيلَ بَنُو النّارِ وَبَنُو حُرَاقٍ ، بَطْنَانِ مِنْ بَنِي غِفَارٍ فَكَرِهَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُرُورُ بَيْنَهُمَا ، وَتَفَاءَلَ بِأَسْمَائِهِمَا وَأَسْمَاءِ أَهْلِهِمَا . فَتَرَكَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالصّفْرَاءَ بِيَسَارِ وَسَلَكَ ذَاتَ الْيَمِينِ عَلَى وَادٍ يُقَالُ لَهُ ذَفِرَانَ ، فَجَزَعَ فِيهِ ثُمّ نَزَلَ .

[ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَالْمِقْدَادُ وَكَلِمَاتُهُمْ فِي الْجِهَادِ ]
وَأَتَاهُ الْخَبَرُ عَنْ قُرَيْشٍ بِمَسِيرِهِمْ لِيَمْنَعُوا عِيرَهُمْ فَاسْتَشَارَ النّاسَ وَأَخْبَرَهُمْ [ ص 615 ] قُرَيْشٍ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ . ثُمّ قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ ثُمّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ امْضِ لِمَا أَرَاك اللّهُ فَنَحْنُ مَعَك ، وَاَللّهِ لَا نَقُولُ لَك كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى : " اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّكَ فَقَاتِلَا ، إنّا هَهُنَا قَاعِدُونَ " وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ سِرْت بِنَا إلَى بِرْكِ الْغِمَادِ لَجَالَدْنَا مَعَك مِنْ دُونِهِ حَتّى تَبْلُغَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا ، وَدَعَا لَهُ بِهِ .

[ اسْتِيثَاقُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ أَمْرِ الْأَنْصَارِ ]
ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَشِيرُوا عَلَيّ أَيّهَا النّاس وَإِنّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارَ ، وَذَلِكَ أَنّهُمْ عَدَدُ النّاسِ وَأَنّهُمْ حِينَ بَايَعُوهُ بِالْعَقَبَةِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا بُرَاءٌ مِنْ ذِمَامِك حَتّى تَصِلَ إلَى دِيَارِنَا ، فَإِذَا وَصَلْتَ إلَيْنَا ، فَأَنْتَ فِي ذِمّتِنَا نَمْنَعُك مِمّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا . فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَخَوّفُ أَلّا تَكُونَ الْأَنْصَارُ تَرَى عَلَيْهَا نَصْرَهُ إلّا مِمّنْ دَهَمَهُ بِالْمَدِينَةِ مِنْ عَدُوّهِ وَأَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إلَى عَدُوّ مِنْ بِلَادِهِمْ . فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : وَاَللّهِ لَكَأَنّك تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ أَجَلْ قَالَ فَقَدْ آمَنّا بِك وَصَدّقْنَاك ، وَشَهِدْنَا أَنّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الْحَقّ ، وَأَعْطَيْنَاك عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا ، عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ فَامْضِ يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَا أَرَدْتَ فَنَحْنُ مَعَك ، فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَك ، مَا تَخَلّفَ مِنّا رَجُلٌ وَاحِدٌ وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوّنَا غَدًا ، إنّا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ صُدُقٌ فِي اللّقَاءِ . لَعَلّ اللّهَ يُرِيك مِنّا مَا تَقَرّ بِهِ عَيْنُك ، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ . فَسُرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَوْلِ سَعْدٍ وَنَشّطَهُ ذَلِكَ . ثُمّ قَالَ سِيرُوا وَأَبْشِرُوا ، فَإِنّ اللّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ وَاَللّهِ لَكَأَنّي الْآنَ أَنْظُرُ إلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ

[ الرّسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو بَكْرٍ يَتَعَرّفَانِ أَخْبَارَ قُرَيْشٍ ]
ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ ذَفِرَانَ ، فَسَلَكَ عَلَى ثَنَايَا . يُقَالُ لَهَا [ ص 616 ] الْأَصَافِرُ ، ثُمّ انْحَطّ مِنْهَا إلَى بَلَدٍ يُقَالُ لَهُ الدّبّةُ وَتَرَكَ الْحَنّانَ بِيَمِينٍ وَهُوَ كَثِيبٌ عَظِيمٌ كَالْجَبَلِ الْعَظِيمِ ثُمّ نَزَلَ قَرِيبًا مِنْ بَدْرٍ فَرَكِبَ هُوَ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الرّجُلُ هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْن حِبّانَ : حَتّى وَقَفَ عَلَى شَيْخٍ مِنْ الْعَرَبِ ، فَسَأَلَهُ عَنْ قُرَيْشٍ ، وَعَنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَمَا بَلَغَهُ عَنْهُمْ فَقَالَ الشّيْخُ لَا أُخْبِرُكُمَا حَتّى تُخْبِرَانِي مِمّنْ أَنْتُمَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا أَخْبَرْتنَا أَخْبَرْنَاك قَالَ أَذَاكَ بِذَاكَ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ الشّيْخُ فَإِنّهُ بَلَغَنِي أَنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ خَرَجُوا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كَانَ صَدَقَ الّذِي أَخْبَرَنِي ، فَهُمْ الْيَوْمَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا ، لِلْمَكَانِ الّذِي بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَلَغَنِي أَنّ قُرَيْشًا خَرَجُوا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كَانَ الّذِي أَخْبَرَنِي صَدَقَنِي فَهُمْ الْيَوْمَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا لِلْمَكَانِ الّذِي فِيهِ قُرَيْشٌ . فَلَمّا فَرَغَ مِنْ خَبَرِهِ قَالَ مِمّنْ أَنْتُمَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْنُ مِنْ مَاءٍ ثُمّ انْصَرَفَ عَنْهُ قَالَ يَقُولُ الشّيْخُ مَا مِنْ مَاءٍ أَمِنْ مَاءِ الْعِرَاقِ ؟ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يُقَالُ ذَلِكَ الشّيْخُ سُفْيَانُ الضّمَرِيّ .

[ ظَفَرُ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ يَقِفَانِهِمْ عَلَى أَخْبَارِهِمْ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَصْحَابِهِ فَلَمّا أَمْسَى بَعَثَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَالزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ ، فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إلَى مَاءِ بَدْرٍ يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ لَهُ عَلَيْهِ - كَمَا حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ - فَأَصَابُوا رَاوِيَةً لِقُرَيْشٍ فِيهَا أَسْلَمَ ، غُلَامُ بَنِي الْحَجّاجِ وَعَرِيضٌ أَبُو يَسَارٍ ، غُلَامُ بَنِي الْعَاصِ بْنِ سَعِيدٍ فَأَتَوْا بِهِمَا فَسَأَلُوهُمَا ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَائِمٌ يُصَلّي ، فَقَالَا : نَحْنُ سُقَاةُ قُرَيْشٍ ، بَعَثُونَا نَسْقِيهِمْ مِنْ الْمَاءِ . فَكَرِهَ الْقَوْمُ خَبَرَهُمَا ، وَرَجَوْا أَنْ يَكُونَا لِأَبِي سُفْيَانَ فَضَرَبُوهُمَا . فَلَمّا أَذْلَقُوهُمَا قَالَا : نَحْنُ لِأَبِي سُفْيَانَ فَتَرَكُوهُمَا . وَرَكَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 617 ] وَسَجَدَ سَجْدَتَيْهِ ثُمّ سَلّمَ وَقَالَ إذَا صَدَقَاكُمْ ضَرَبْتُمُوهُمَا ، وَإِذَا كَذَبَاكُمْ تَرَكْتُمُوهُمَا ، صَدَقَا ، وَاَللّهِ إنّهُمَا لِقُرَيْشِ أَخْبِرَانِي عَنْ قُرَيْشٍ ؟ قَالَا : هُمْ وَاَللّهِ وَرَاءَ هَذَا الْكَثِيبِ الّذِي تَرَى بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى - وَالْكَثِيبُ الْعَقَنْقَلُ - فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمْ الْقَوْمُ ؟ قَالَا : كَثِيرٌ قَالَ مَا عِدّتُهُمْ ؟ قَالَا : لَا نَدْرِي ؛ قَالَ كَمْ يَنْحَرُونَ كُلّ يَوْمٍ ؟ قَالَا : يَوْمًا تِسْعًا ، وَيَوْمًا عَشْرًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقَوْمُ فِيمَا بَيْنَ التّسْعِ مِئَةٍ وَالْأَلْفِ . ثُمّ قَالَ لَهُمَا : فَمَنْ فِيهِمْ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ ؟ قَالَا : عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ بْنُ هِشَامٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ، وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ وَالنّضْرُ بْنِ الْحَارِثِ وَزَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَنُبَيْهُ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدّ . فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ هَذِهِ مَكّةُ قَدْ أَلْقَتْ إلَيْكُمْ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا .

[ بَسْبَسُ وَعَدِيّ يَتَجَسّسَانِ الْأَخْبَارَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ بَسْبَسُ بْنُ عَمْرٍو ، وَعَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ قَدْ مَضَيَا حَتّى نَزَلَا بَدْرًا ، فَأَنَاخَا إلَى تَلّ قَرِيبٍ مِنْ الْمَاءِ ثُمّ أَخَذَا شَنّا لَهُمَا يَسْتَقِيَانِ فِيهِ ومَجْدِيّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيّ عَلَى الْمَاءِ . فَسَمِعَ عَدِيّ وَبَسْبَسُ جَارِيَتَيْنِ مِنْ جِوَارِي الْحَاضِرِ وَهُمَا يَتَلَازَمَانِ عَلَى الْمَاءِ وَالْمَلْزُومَةُ تَقُولُ لِصَاحِبَتِهَا : إنّمَا تَأْتِي الْعِيرُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ ، فَأَعْمَلُ لَهُمْ ثُمّ أَقْضِيك الّذِي لَك . قَالَ مَجْدِيّ : صَدَقْتِ ثُمّ خَلّصَ بَيْنَهُمَا . وَسَمِعَ ذَلِكَ عَدِيّ وَبَسْبَسُ فَجَلَسَا عَلَى بَعِيرَيْهِمَا ، ثُمّ انْطَلَقَا حَتّى أَتَيَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَاهُ بِمَا سَمِعَا .

[ حَذَرُ أَبِي سُفْيَانَ وَهَرَبُهُ بِالْعِيرِ ]
وَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ حَتّى تَقَدّمَ الْعِيرَ حَذَرًا ، حَتّى وَرَدَ الْمَاءَ فَقَالَ [ ص 618 ] لِمَجْدِيّ بْنِ عَمْرٍو : هَلْ أَحْسَسْت أَحَدًا ، فَقَالَ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَنْكَرَهُ إلّا أَنّي قَدْ رَأَيْتُ رَاكِبَيْنِ قَدْ أَنَاخَا إلَى هَذَا التّلّ ثُمّ اسْتَقَيَا فِي شَنّ لَهُمَا ، ثُمّ انْطَلَقَا . فَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ مُنَاخَهُمَا ، فَأَخَذَ مِنْ أَبْعَارِ بَعِيرَيْهِمَا ، فَفَتّهُ فَإِذَا فِيهِ النّوَى ؛ فَقَالَ هَذِهِ وَاَللّهِ عَلَائِفُ يَثْرِبَ . فَرَجَعَ إلَى أَصْحَابِهِ سَرِيعًا ، فَضَرَبَ وَجْهَ عِيرِهِ عَنْ الطّرِيقِ فَسَاحَلَ بِهَا ، وَتَرَكَ بَدْرًا بِيَسَارِ وَانْطَلَقَ حَتّى أَسْرَعَ .

[ رُؤْيَا جُهَيْمِ بْنِ الصّلْتِ فِي مَصَارِعِ قُرَيْشٍ ]
( قَالَ ) : وَأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ ، فَلَمّا نَزَلُوا الْجُحْفَةَ ، رَأَى جُهَيْمُ بْنُ الصّلْتِ ابْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ رُؤْيَا ، فَقَالَ إنّي رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النّائِمُ وَإِنّي لَبَيْنَ النّائِمِ وَالْيَقِظَانِ . إذْ نَظَرْت إلَى رَجُلٍ قَدْ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ حَتّى وَقَفَ وَمَعَهُ بَعِيرٌ لَهُ ثُمّ قَالَ قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَأَبُو الْحَكَمِ بْنُ هِشَامٍ وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ فَعَدّدَ رِجَالًا مِمّنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ ، ثُمّ رَأَيْتُهُ ضَرَبَ فِي لَبّةِ بَعِيرِهِ ثُمّ أَرْسَلَهُ فِي الْعَسْكَرِ فَمَا بَقِيَ خِبَاءٌ مِنْ أَخْبِيَةِ الْعَسْكَرِ إلّا أَصَابَهُ نَضْحٌ مِنْ دَمِهِ . قَالَ فَبَلّغْت أَبَا جَهْلٍ فَقَالَ وَهَذَا أَيْضًا نَبِيّ آخَرُ مِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ سَيَعْلَمُ غَدًا مَنْ الْمَقْتُولُ إنْ نَحْنُ الْتَقَيْنَا .

[ رِسَالَةُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى قُرَيْش ٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ أَنّهُ قَدْ أَحْرَزَ عِيرَهُ أَرْسَلَ إلَى قُرَيْشٍ : إنّكُمْ إنّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ وَرِجَالَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ فَقَدْ نَجّاهَا اللّهُ فَارْجِعُوا ، فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَاَللّهِ لَا نَرْجِعُ حَتّى نَرِدَ بَدْرًا - وَكَانَ بَدْرٌ مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الْعَرَبِ ، يَجْتَمِعُ لَهُمْ بِهِ سُوقٌ كُلّ عَامٍ - فَنُقِيمُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا ، فَنَنْحَرُ الْجُزُرَ [ ص 619 ] الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا وَجَمْعِنَا ، فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا بَعْدَهَا ، فَامْضُوا .

[ رُجُوعُ الْأَخْنَسِ بِبَنِي زُهْرَةَ ]
وَقَالَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِيّ ، وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ وَهُمْ بِالْجُحْفَةِ يَا بَنِي زُهْرَةَ قَدْ نَجّى اللّهُ لَكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَخَلّصَ لَكُمْ صَاحِبَكُمْ مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ وَإِنّمَا نَفَرْتُمْ لِتَمْنَعُوهُ وَمَالَهُ فَاجْعَلُوا لِي جُبْنَهَا وَارْجِعُوا ، فَإِنّهُ لَا حَاجَةَ لَكُمْ بِأَنْ تَخْرُجُوا فِي غَيْرِ ضَيْعَةٍ لَا مَا يَقُولُ هَذَا ، يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ . فَرَجَعُوا ، فَلَمْ يَشْهَدْهَا زُهْرِيّ وَاحِدٌ أَطَاعُوهُ وَكَانَ فِيهِمْ مُطَاعًا . وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ قُرَيْشٍ بَطْنٌ إلّا وَقَدْ نَفَرَ مِنْهُمْ نَاسٌ إلّا بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ ، لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَرَجَعَتْ بَنُو زُهْرَةَ مَعَ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ ، فَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا مِنْ هَاتَيْنِ الْقَبِيلَتَيْنِ أَحَدٌ ، وَمَشَى الْقَوْمُ . وَكَانَ بَيْنَ طَالِبِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - وَكَانَ فِي الْقَوْمِ - وَبَيْنَ بَعْضِ قُرَيْشٍ مُحَاوَرَةٌ فَقَالُوا : وَاَللّهِ لَقَدْ عَرَفْنَا يَا بَنِي هَاشِمٍ وَإِنْ خَرَجْتُمْ مَعَنَا ، أَنّ هَوَاكُمْ لَمَعَ مُحَمّدٍ . فَرَجَعَ طَالِبٌ إلَى مَكّةَ مَعَ مَنْ رَجَعَ . وَقَالَ طَالِبُ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ
لَا هُمّ إمّا يَغْزُوَنّ طَالِبْ ... فِي عُصْبَةٍ مُحَالِفٌ مُحَارِبْ
فِي مِقْنَبٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقَانِبِ ... فَلْيَكُنْ الْمَسْلُوبُ غَيْرَ السّالِبِ
وَلْيَكُنْ الْمَغْلُوبُ غَيْرَ الْغَالِبِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ " فَلْيَكُنْ الْمَسْلُوبُ " ، وَقَوْلُهُ " وَلْيَكُنْ الْمَغْلُوبُ " عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الرّوَاةِ لِلشّعْرِ .

[نُزُولُ قُرَيْشٍ بِالْعُدْوَةِ وَالْمُسْلِمِينَ بِبَدْرِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَضَتْ قُرَيْشٌ حَتّى نَزَلُوا بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى مِنْ الْوَادِي ، خَلْفَ الْعَقَنْقَلِ وَبَطْنِ الْوَادِي ، وَهُوَ يَلَيْلُ ، بَيْنَ بَدْرٍ وَبَيْنَ الْعَقَنْقَلِ ، [ ص 620 ] قُرَيْشٌ ، وَالْقُلُبُ بِبَدْرِ فِي الْعُدْوَةِ الدّنْيَا مِنْ بَطْنِ يَلَيْلَ إلَى الْمَدِينَةِ . وَبَعَثَ اللّهُ السّمَاءَ وَكَانَ الْوَدْيُ دَهْسًا ، فَأَصَابَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنْهَا مَا لَبّدَ لَهُمْ الْأَرْضَ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ عَنْ السّيْرِ وَأَصَابَ قُرَيْشًا مِنْهَا مَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَرْتَحِلُوا مَعَهُ . فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُبَادِرُهُمْ إلَى السّمَاءِ حَتّى إذَا جَاءَ أَدُنَى مَاءٍ مِنْ بَدْرٍ نَزَلَ بِهِ .

[مَشُورَةُ الْحُبَابِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحُدّثْت عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ أَنّهُمْ ذَكَرُوا : أَنّ الْحُبَابَ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِلَ أَمَنْزِلًا أَنْزَلَكَهُ اللّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدّمَهُ وَلَا نَتَأَخّرَ عَنْهُ أَمْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ ؟ قَالَ بَلْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلِ فَانْهَضْ بِالنّاسِ حَتّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ ، فَنَنْزِلَهُ ثُمّ نُغَوّرُ مَا وَرَاءَهُ مِنْ الْقُلُبِ ثُمّ نَبْنِي عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَؤُهُ مَاءً ثُمّ نُقَاتِلُ الْقَوْمَ فَنَشْرَبُ وَلَا يَشْرَبُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرّأْيِ . فَنَهَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ النّاسِ فَسَارَ حَتّى إذَا أَتَى أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ نَزَلَ عَلَيْهِ ثُمّ أَمَرَ بِالْقُلُبِ فَغُوّرَتْ وَبَنَى حَوْضًا عَلَى الْقَلِيبِ الّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ فَمُلِئَ مَاءً ثُمّ قَذَفُوا فِيهِ الْآنِيَةَ

[بِنَاءُ الْعَرِيشِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حُدّثَ أَنّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ قَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ أَلَا نَبْنِي لَك عَرِيشًا تَكُونُ فِيهِ وَنُعِدّ عِنْدَك رَكَائِبَك ، ثُمّ نَلْقَى عَدُوّنَا ، فَإِنْ أَعَزّنَا اللّهُ وَأَظْهَرَنَا عَلَى عَدُوّنَا ، كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَا ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى ، جَلَسْت عَلَى رَكَائِبِك ، فَلَحِقْت بِمَنْ وَرَاءَنَا ، فَقَدْ تَخَلّفَ عَنْك أَقْوَامٌ يَا نَبِيّ اللّهِ مَا نَحْنُ بِأَشَدّ لَك حُبّا مِنْهُمْ وَلَوْ ظَنّوا أَنّك تَلْقَى حَرْبًا مَا تَخَلّفُوا عَنْك ، يَمْنَعُك اللّهُ بِهِمْ يُنَاصِحُونَكَ وَيُجَاهِدُونَ مَعَك . فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا ، وَدَعَا لَهُ بِخَيْرِ . ثُمّ بُنِيَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَرِيشٌ فَكَانَ فِيهِ [ ص 621 ]

[ارْتِحَالُ قُرَيْشٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ ارْتَحَلَتْ قُرَيْشٌ حِينَ أَصْبَحَتْ فَأَقْبَلَتْ فَلَمّا رَآهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَصَوّبَ مِنْ الْعَقَنْقَلِ - وَهُوَ الْكَثِيبُ الّذِي جَاءُوا مِنْهُ إلَى الْوَادِي - قَالَ اللّهُمّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا ، تُحَادّك وَتُكَذّبُ رَسُولَك ، اللّهُمّ فَنَصْرَك الّذِي وَعَدْتنِي ، اللّهُمّ أَحِنْهُمْ الْغَدَاةَ . وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ( وَقَدْ ) رَأَى عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فِي الْقَوْمِ عَلَى جَمَلٍ لَهُ أَحْمَرَ - إنْ يَكُنْ فِي أَحَدٍ مِنْ الْقَوْمِ خَيْرٌ فَعِنْدَ صَاحِبِ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ إنْ يُطِيعُوهُ يَرْشُدُوا وَقَدْ كَانَ خُفَافُ بْنُ أَيْمَاءَ بْنِ رَحَضَةَ الْغِفَارِيّ ، أَوْ أَبُوهُ أَيْمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِيّ ، بَعَثَ إلَى قُرَيْشٍ ، حِينَ مَرّوا بِهِ ابْنَا لَهُ بِجَزَائِرِهِ أَهْدَاهَا لَهُمْ وَقَالَ إنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ نُمِدّكُمْ بِسِلَاحِ وَرِجَالٍ فَعَلْنَا . قَالَ فَأَرْسَلُوا إلَيْهِ مَعَ ابْنِهِ أَنْ وَصَلَتْك رَحِمٌ قَدْ قَضَيْت الّذِي عَلَيْك ، فَلَعَمْرِي لَئِنْ كُنّا إنّمَا نُقَاتِلُ النّاسَ فَمَا بِنَا مِنْ ضَعْفٍ عَنْهُمْ وَلَئِنْ كُنّا إنّمَا نُقَاتِلُ اللّهَ كَمَا يَزْعُمُ مُحَمّدٌ فَمَا لِأَحَدِ بِاَللّهِ مِنْ طَاقَةٍ .

[إسْلَامُ ابْنِ حِزَامٍ]
فَلَمّا [ ص 622 ] نَزَلَ النّاسُ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ حَتّى وَرَدُوا حَوْضَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِمْ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعُوهُمْ . فَمَا شَرِبَ مِنْهُ رَجُلٌ يَوْمَئِذٍ إلّا قُتِلَ إلّا مَا كَانَ مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، فَإِنّهُ لَمْ يُقْتَلْ ثُمّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ . فَكَانَ إذَا اجْتَهَدَ فِي يَمِينِهِ قَالَ لَا وَاَلّذِي نَجّانِي مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ .

[تَشَاوُرُ قُرَيْشٍ فِي الرّجُوعِ عَنْ الْقِتَالِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ الْأَنْصَارِ ، قَالُوا : لَمّا اطْمَأَنّ الْقَوْمُ بَعَثُوا عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الجُمَحِيّ فَقَالُوا : احْزُرُوا لَنَا أَصْحَابَ مُحَمّدٍ ، قَالَ فَاسْتَجَالَ بِفَرَسِهِ حَوْلَ الْعَسْكَرِ ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ فَقَالَ ثَلَاثُ مِئَةٍ رَجُلٍ يَزِيدُونَ قَلِيلًا أَوْ يَنْقُصُونَ وَلَكِنْ أَمْهِلُونِي حَتّى أَنْظُرَ أَلِلْقَوْمِ كَمِينٌ أَوْ مَدَدٌ ؟ قَالَ فَضَرَبَ فِي الْوَادِي حَتّى أَبْعَدَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا ، فَرَجَعَ إلَيْهِمْ فَقَالَ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا ، وَلَكِنّي قَدْ رَأَيْتُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، الْبَلَايَا تَحْمِلُ الْمَنَايَا ، نَوَاضِحُ يَثْرِبَ تَحْمِلُ الْمَوْتَ النّاقِعَ قَوْمٌ لَيْسَ مَعَهُمْ مَنَعَةٌ وَلَا مَلْجَأٌ إلّا سُيُوفُهُمْ وَاَللّهِ مَا أَرَى أَنْ يُقْتَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتّى يَقْتُلَ رَجُلًا مِنْكُمْ فَإِذَا أَصَابُوا مِنْكُمْ أَعْدَادَهُمْ فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَ ذَلِكَ ؟ فَرُوا رَأْيَكُمْ . فَلَمّا سَمِعَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ذَلِكَ مَشَى فِي النّاسِ فَأَتَى عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ ، فَقَالَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ إنّك كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيّدُهَا ، وَالْمُطَاعُ فِيهَا ، هَلْ لَك إلَى أَنْ لَا تَزَالَ تُذْكَرُ فِيهَا بِخَيْرِ إلَى آخِرِ الدّهْرِ ؟ قَالَ وَمَا ذَاكَ يَا حَكِيمُ ؟ قَالَ تَرْجِعُ بِالنّاسِ وَتَحْمِلُ أَمْرَ حَلِيفِك عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيّ ، قَالَ قَدْ فَعَلْتُ أَنْتَ عَلَيّ بِذَلِكَ إنّمَا هُوَ حَلِيفِي ، فَعَلَيّ عَقْلُهُ وَمَا أُصِيبَ مِنْ مَالِهِ فَأْتِ ابْنَ الْحَنْظَلِيّةِ .

[نَسَبُ الْحَنْظَلِيّةِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [ ص 623 ] وَالْحَنْظَلِيّةُ أُمّ أَبِي جَهْلٍ وَهِيَ أَسَمَاءُ بِنْتُ مُخَرّبَةَ أَحَدُ بَنِي نَهْشِلْ بْنِ دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ - فَإِنّي لَا أَخْشَى أَنْ يَشْجُرَ أَمْرَ النّاسِ غَيْرُهُ يَعْنِي أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَام ٍ . ثُمّ قَامَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ خَطِيبًا ، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّكُمْ وَاَللّهِ مَا تَصْنَعُونَ بِأَنْ تَلَقّوْا مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ شَيْئًا ، وَاَللّهِ لَئِنْ أَصَبْتُمُوهُ لَا يَزَالُ الرّجُلُ يَنْظُرُ فِي وَجْهِ رَجُلٍ يَكْرَهُ النّظَرَ إلَيْهِ قَتَلَ ابْنَ عَمّهِ أَوْ ابْنَ خَالِهِ أَوْ رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِهِ فَارْجِعُوا وَخَلّوا بَيْنَ مُحَمّدٍ وَبَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ ، فَإِنْ أَصَابُوهُ فَذَاكَ الّذِي أَرَدْتُمْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ أَلْفَاكُمْ وَلَمْ تَعَرّضُوا مِنْهُ مَا تُرِيدُونَ . قَالَ حَكِيمٌ فَانْطَلَقْتُ حَتّى جِئْت أَبَا جَهْل ٍ فَوَجَدْته قَدْ نَثَلَ دِرْعًا لَهُ مِنْ جِرَابِهَا ، فَهُوَ يُهَنّئُهَا . - ( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ) : يُهَيّئُهَا - فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا الْحَكَم ِ إنّ عُتْبَةَ أَرْسَلَنِي إلَيْك بِكَذَا وَكَذَا ، لِلّذِي قَالَ فَقَالَ انْتَفَخَ وَاَللّهِ سَحْرُهُ حِينَ رَأَى مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ كَلّا وَاَللّهِ لَا نَرْجِعُ حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمّدٍ وَمَا بِعُتْبَةَ مَا قَالَ وَلَكِنّهُ قَدْ رَأَى أَنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ أَكَلَةُ جَزُورٍ وَفِيهِمْ ابْنُهُ فَقَدْ تَخَوّفَكُمْ عَلَيْهِ . ثُمّ بَعَثَ إلَى عَامِرِ بْنِ الْحَضْرَمِيّ ، فَقَالَ هَذَا حَلِيفُك يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنّاسِ وَقَدْ رَأَيْتَ ثَأْرَك بِعَيْنِك ، فَقُمْ فَانْشُدْ خُفْرَتَكَ وَمَقْتَلَ أَخِيك . فَقَامَ عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ فَاكْتَشَفَ ثُمّ صَرَخَ وَاعَمْرَاه ، وَاعَمْرَاه ، فَحَمِيَتْ الْحَرْبُ وَحَقِبَ النّاسُ وَاسْتَوْسَقُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الشّرّ وَأُفْسِدَ عَلَى النّاسِ الرّأْيُ الّذِي دَعَاهُمْ إلَيْهِ عُتْبَةُ . [ ص 624 ] عُتْبَةَ قَوْلُ أَبِي جَهْلٍ انْتَفَخَ وَاَللّهِ سَحْرُهُ قَالَ سَيَعْلَمُ مُصَفّرُ اسْتِهِ مَنْ انْتَفَخَ سَحْرُهُ أَنَا أَمْ هُوَ ؟ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : السّحْرُ الرّئَةُ وَمَا حَوْلَهَا مِمّا يَعْلَقُ بِالْحُلْقُومِ مِنْ فَوْقِ السّرّةِ . وَمَا كَانَ تَحْتَ السّرّةِ فَهُوَ الْقُصْبُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ رَأَيْت عَمْرَو بْنَ لُحَيّ يَجُرّ قُصْبَهُ فِي النّارِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي بِذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ . ثُمّ الْتَمَسَ عُتْبَةُ بَيْضَةً لِيُدْخِلَهَا فِي رَأْسِهِ فَمَا وَجَدَ فِي الْجَيْشِ بَيْضَةً تَسَعُهُ مِنْ عِظَمِ هَامَتِهِ فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ اعْتَجَرَ عَلَى رَأْسِهِ بِبُرْدٍ لَهُ .

[مَقْتَلُ الْأَسْوَدِ الْمَخْزُومِيّ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ خَرَجَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيّ ، وَكَانَ رَجُلًا شَرِسًا سَيّئَ الْخُلُقِ فَقَالَ أُعَاهِدُ اللّهَ لَأَشْرَبَن مِنْ حَوْضِهِمْ أَوْ لَأَهْدِمَنّهُ أَوْ لَأَمُوتَنّ دُونَهُ فَلَمّا خَرَجَ خَرَجَ إلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، فَلَمّا الْتَقَيَا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَأَطَنّ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ وَهُوَ دُونَ الْحَوْضِ فَوَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ تَشْخَبُ رِجْلُهُ دَمًا نَحْوَ أَصْحَابِهِ ثُمّ حَبَا إلَى الْحَوْضِ حَتّى اقْتَحَمَ فِيهِ يُرِيدُ [ ص 625 ] زَعَمَ ) - أَنْ يُبِرّ يَمِينَهُ وَأَتْبَعَهُ حَمْزَةُ فَضَرَبَهُ حَتّى قَتَلَهُ فِي الْحَوْضِ .

[دُعَاءُ عُتْبَةَ إلَى الْمُبَارَزَةِ ]
قَالَ ثُمّ خَرَجَ بَعْدَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، بَيْنَ أَخِيهِ شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَابْنِهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ ، حَتّى إذَا فَصَلَ مِنْ الصّفّ دَعَا إلَى الْمُبَارَزَةِ فَخَرَجَ إلَيْهِ فِتْيَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ثَلَاثَةٌ وَهُمْ عَوْفٌ وَمُعَوّذٌ ابْنَا الْحَارِثِ - وَأُمّهُمَا عَفْرَاءُ - وَرَجُلٌ آخَرُ يُقَالُ هُوَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، فَقَالُوا : مَنْ أَنْتُمْ ؟ فَقَالُوا : رَهْطٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، قَالُوا : مَا لَنَا بِكُمْ مِنْ حَاجَةٍ . ثُمّ نَادَى مُنَادِيهِمْ يَا مُحَمّدُ أَخْرِجْ إلَيْنَا أَكْفَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ ، وَقُمْ يَا حَمْزَةُ وَقُمْ يَا عَلِيّ ، فَلَمّا قَامُوا وَدَنَوْا مِنْهُمْ قَالُوا : مَنْ أَنْتُمْ ؟ قَالَ عُبَيْدَةُ عُبَيْدَةُ وَقَالَ حَمْزَةُ حَمْزَةُ وَقَالَ عَلِيّ : عَلِيّ ، قَالُوا : نَعَمْ أَكْفَاءٌ كِرَامٌ . فَبَارَزَ عُبَيْدَةُ وَكَانَ أَسَنّ الْقَوْمِ عُتْبَةَ ( بْنَ ) رَبِيعَةَ ، وَبَارَزَ حَمْزَةُ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ ، وَبَارَزَ عَلِيّ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ . فَأَمّا حَمْزَةُ فَلَمْ يُمْهِلْ شَيْبَةَ أَنْ قَتَلَهُ وَأَمّا عَلِيّ فَلَمْ يُمْهِلْ الْوَلِيدَ أَنْ قَتَلَهُ وَاخْتَلَفَ عُبَيْدَةُ وَعُتْبَةُ بَيْنَهُمَا ضَرْبَتَيْنِ كِلَاهُمَا أَثْبَتَ صَاحِبَهُ وَكَرّ حَمْزَةُ وَعَلِيّ بِأَسْيَافِهِمَا عَلَى عُتْبَةَ فَذَفّفَا عَلَيْهِ وَاحْتَمَلَا صَاحِبَهُمَا فَحَازَاهُ إلَى أَصْحَابِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ قَالَ لِلْفِتْيَةِ مِمّنْ الْأَنْصَارُ ، حِينَ انْتَسَبُوا : أَكْفَاءٌ كِرَامٌ إنّمَا نُرِيدُ قَوْمَنَا .

[الْتِقَاءُ الْفَرِيقَيْنِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ تَزَاحَفَ النّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ لَا يَحْمِلُوا حَتّى يَأْمُرَهُمْ وَقَالَ إنْ اكْتَنَفَكُمْ الْقَوْمُ فَانْضَحُوهُمْ عَنْكُمْ بِالنّبْلِ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَرِيشِ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ [ ص 626 ] فَكَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَبِيحَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : كَمَا حَدّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ .

[ابْنُ غَزِيّةَ وَضَرْبُ الرّسُولِ لَهُ فِي بَطْنِهِ بِالْقَدَحِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حِبّانُ بْنُ وَاسِعِ بْنِ حِبّانَ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَدّلَ صُفُوفَ أَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَفِي يَدِهِ قِدْحٌ يُعَدّلُ بِهِ الْقَوْمَ فَمَرّ بِسَوَادِ بْنِ غَزِيّةَ حَلِيفِ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يُقَالُ سَوّادٌ مُثَقّلَةٌ وَسَوَادٌ فِي الْأَنْصَارِ غَيْرُ هَذَا ، مُخَفّفٌ - وَهُوَ مُسْتَنْتِلٌ مِنْ الصّفّ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ مُسْتَنْصِلٌ مِنْ الصّفّ - فَطُعِنَ فِي بَطْنِهِ بِالْقِدْحِ وَقَالَ اسْتَوِ يَا سَوّادُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَوْجَعْتنِي وَقَدْ بَعَثَك اللّهُ بِالْحَقّ وَالْعَدْلِ قَالَ فَأَقِدْنِي . فَكَشَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ بَطْنِهِ وَقَالَ اسْتَقِدْ قَالَ فَاعْتَنَقَهُ فَقَبّلَ بَطْنَهُ فَقَالَ مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا يَا سَوّادُ ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهَ حَضَرَ مَا تَرَى ، فَأَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ الْعَهْدِ بِك أَنْ يَمَسّ جِلْدِي جِلْدَك . فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْرِ وَقَالَهُ لَهُ

[مُنَاشَدَةُ الرّسُولِ رَبّهُ النّصْرَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ عَدّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الصّفُوفَ وَرَجَعَ إلَى [ ص 627 ] فَدَخَلَهُ وَمَعَهُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ، لَيْسَ مَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُنَاشِدُ رَبّهُ مَا وَعَدَهُ مِنْ النّصْرِ وَيَقُولُ فِيمَا يَقُولُ اللّهُمّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ الْيَوْمَ لَا تُعْبَدْ وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ يَا نَبِيّ اللّهِ بَعْضَ مُنَاشَدَتِك رَبّك ، فَإِنّ اللّهَ مُنْجّزٌ لَك مَا وَعَدَك . وَقَدْ خَفَقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَفْقَةً وَهُوَ فِي الْعَرِيشِ ثُمّ انْتَبَهَ فَقَالَ أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ أَتَاك نَصْرُ اللّهِ . هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسٍ يَقُودُهُ عَلَى ثَنَايَاهُ النّقْعُ

[مَقْتَلُ مِهْجَعٍ وَابْنِ سُرَاقَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ رُمِيَ مِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّاب بِسَهْمِ فَقُتِلَ فَكَانَ أَوّلَ قَتِيلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمّ رُمِيَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ أَحَدُ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ وَهُوَ يَشْرَبُ مِنْ الْحَوْضِ بِسَهْمِ فَأَصَابَ نَحْرَهُ فَقُتِلَ .

[تَحْرِيضُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْقِتَالِ ]
قَالَ ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى النّاسِ فَحَرّضَهُمْ وَقَالَ وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَا يُقَاتِلُهُمْ الْيَوْمَ رَجُلٌ فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا ، مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ إلّا أَدْخَلَهُ اللّهُ الْجَنّةَ . فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ وَفِي يَدِهِ تَمَرَاتٍ يَأْكُلُهُنّ بَخْ بَخْ أَفَمَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنّةَ إلّا أَنْ يَقْتُلَنِي هَؤُلَاءِ ثُمّ قَذَفَ التّمَرَاتِ مِنْ يَدِهِ وَأَخَذَ سَيْفَهُ فَقَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِلَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَن عَوْفَ بْنَ الْحَارِثِ ، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا يُضْحِكُ الرّبّ مِنْ عَبْدِهِ ؟ قَالَ غَمْسُهُ يَدَهُ فِي الْعَدُوّ حَاسِرًا . فَنَزَعَ دِرْعًا كَانَتْ عَلَيْهِ فَقَذَفَهَا ، ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَقَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِل [ ص 628 ]

[اسْتِفْتَاحُ أَبِي جَهْلٍ بِالدّعَاءِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيّ حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ أَنّهُ حَدّثَهُ أَنّهُ لَمّا الْتَقَى النّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ قَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ اللّهُمّ أَقْطَعَنَا لِلرّحِمِ وَآتَانَا بِمَا لَا يُعْرَفُ فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ . فَكَانَ هُوَ الْمُسْتَفْتِحَ .

[رَمْيُ الرّسُولِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْحَصْبَاءِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ الْحَصْبَاءِ فَاسْتَقْبَلَ قُرَيْشًا بِهَا ، ثُمّ قَالَ شَاهَتْ الْوُجُوهُ ، ثُمّ نَفَحَهُمْ بِهَا ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ شِدّوا ، فَكَانَتْ الْهَزِيمَةُ فَقَتَلَ اللّهُ تَعَالَى مَنْ قُتِلَ مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ ، وَأَسَرَ مَنْ أَسَرَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ . فَلَمّا وَضَعَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ يَأْسِرُونَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَرِيشِ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ قَائِمٌ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ الّذِي فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُتَوَشّحَ السّيْفِ فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يَحْرُسُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَخَافُونَ عَلَيْهِ كَرّةَ الْعَدُوّ وَرَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا ذُكِرَ لِي - فِي وَجْهِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْكَرَاهِيَةَ لِمَا يَصْنَعُ النّاسَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَللّهِ لَكَأَنّك يَا سَعْدُ تَكْرَهُ مَا يَصْنَعُ الْقَوْمَ قَالَ أَجَلْ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ كَانَتْ أَوّلَ وَقْعَةٍ أَوْقَعَهَا ( اللّهُ ) بِأَهْلِ الشّرْكِ . فَكَانَ الْإِثْخَانُ فِي الْقَتْلِ بِأَهْلِ الشّرْكِ أَحَبّ إلَيّ مِنْ اسْتِبْقَاءِ الرّجَالِ

[ نَهْيُ النّبِيّ أَصْحَابَهُ عَنْ قَتْلِ نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَعْبَدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ [ ص 629 ] ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَئِذٍ إنّي قَدْ عَرَفْت أَنّ رِجَالًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ قَدْ أَخْرَجُوا كُرْهًا ، لَا حَاجَةَ لَهُمْ بِقِتَالِنَا ، فَمَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَلَا يَقْتُلْهُ وَمَنْ لَقِيَ أَبَا الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ ابْنِ أَسَدٍ فَلَا يَقْتُلْهُ وَمَنْ لَقِيَ الْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَا يَقْتُلْهُ فَإِنّهُ إنّمَا أُخْرِجَ مُسْتَكْرَهًا . قَالَ فَقَالَ أَبُو حُذَيْفَةَ أَنَقْتُلُ آبَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَإِخْوَتَنَا وَعَشِيرَتَنَا وَنَتْرُكُ الْعَبّاسَ وَاَللّهِ لَئِنْ لَقِيتُهُ لَأُلْحِمَنّهُ السّيْفَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ لَأُلْجِمَنّهُ ( السّيْفَ ) - قَالَ فَبَلَغَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ يَا أَبَا حَفْصٍ - قَالَ عُمَرُ وَاَللّهِ إنّهُ لَأَوّلُ يَوْمٍ كَنّانِي فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَبِي حَفْصٍ - أَيُضْرَبُ وَجْهُ عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالسّيْفِ ؟ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللّهِ دَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ بِالسّيْفِ فَوَاَللّهِ لَقَدْ نَافَقَ . فَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ يَقُولُ مَا أَنَا بِآمِنٍ مِنْ تِلْكَ الْكَلِمَةِ الّتِي قُلْتُ يَوْمَئِذٍ وَلَا أَزَالُ مِنْهَا خَائِفًا ، إلّا أَنْ تُكَفّرَهَا عَنّي الشّهَادَةُ . فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَإِنّمَا نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ قَتْلِ أَبِي الْبَخْتَرِيّ لِأَنّهُ كَانَ أَكَفّ الْقَوْمِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِمَكّةَ وَكَانَ لَا يُؤْذِيهِ وَلَا يَبْلُغُهُ عَنْهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ وَكَانَ مِمّنْ قَامَ فِي نَقْضِ الصّحِيفَةِ الّتِي كَتَبَتْ قُرَيْشٌ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيّ الْمُطّلِبِ . فَلَقِيَهُ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ ، حَلِيفُ الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ الْمُجَذّرُ لِأَبِي الْبَخْتَرِيّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ نَهَانَا عَنْ قَتْلِك - وَمَعَ أَبِي الْبَخْتَرِيّ زَمِيلٌ لَهُ قَدْ خَرَجَ مَعَهُ مِنْ مَكّةَ ، وَهُوَ جُنَادَةُ بْنُ مُلَيْحَةَ بِنْتِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ ، [ ص 630 ] وَجُنَادَةُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ . وَاسْمُ أَبِي الْبَخْتَرِيّ الْعَاصِ - قَالَ وَزَمِيلِي ؟ فَقَالَ لَهُ الْمُجَذّرُ لَا وَاَللّهِ مَا نَحْنُ بِتَارِكِي زَمِيلِك ، مَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا بِك وَحْدَك ، فَقَالَ لَا وَاَللّهِ إذَنْ لَأَمُوتَن أَنَا وَهُوَ جَمِيعًا ، لَا تَتَحَدّثُ عَنّي نِسَاءُ مَكّةَ أَنّي تَرَكْت زَمِيلِي حِرْصًا عَلَى الْحَيَاةِ . فَقَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيّ حِينَ نَازَلَهُ الْمُجَذّرُ وَأَبَى إلّا الْقِتَالَ يَرْتَجِزُ
لَنْ يُسْلِمَ ابْنُ حُرّةَ زَمِيلَهُ ... حَتّى يَمُوتَ أَوْ يَرَى سَبِيلَهُ
فَاقْتَتَلَا ، فَقَتَلَهُ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ . وَقَالَ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ فِي قَتْلِهِ أَبَا الْبَخْتَرِيّ
إمّا جَهِلْتَ أَوْ نَسِيتَ نَسَبِي ... فَأَثْبِتْ النّسْبَةَ أَنّي مَنْ بَلِيَ
الطّاعِنِينَ بِرِمَاحِ الْيَزْنِيّ ... وَالضّارِبِينَ الْكَبْشَ حَتّى يَنْحَنِيَ
بَشّرْ بِيُتْمِ مَنْ أَبُوهُ الْبَخْتَرِيّ ... أَوْ بَشّرْنَ بِمِثْلِهَا مِنّي بَنِي
أَنَا الّذِي يُقَالُ أَصْلِي مَنْ بَلِيَ ... أَطْعَنُ بِالصّعْدَةِ حَتّى تَنْثَنِيَ
وَأَعْبِطْ الْقِرْنَ بِعَضْبِ مَشْرَفِيّ ... أُرْزِمُ لِلْمَوْتِ كَإِرْزَامِ الْمَرِيّ
فَلَا تَرَى مُجَذّرًا يَفْرِي فَرِيّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : " الْمَرِيّ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . وَالْمَرِيّ : النّاقَةُ الّتِي يُسْتَنْزَلُ لَبَنُهَا عَلَى عُسْرٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ الْمُجَذّرَ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَقَدْ جَهَدْتُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْسِرَ فَآتِيك بِهِ ( فَأَبَى ) إلّا أَنْ يُقَاتِلَنِي ، فَقَاتَلْتُهُ فَقَتَلْتُهُ . [ ص 631 ] قَالَ ابْنَ هِشَامٌ : أَبُو الْبَخْتَرِيّ الْعَاصِ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ .

[ مَقْتَلُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِيهِ أَيْضًا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرُهُمَا ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ كَانَ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ لِي صَدِيقًا بِمَكّةَ وَكَانَ اسْمِي عَبْدَ عَمْرٍو ، فَتَسَمّيْت ، حِينَ أَسْلَمْتُ عَبْدَ الرّحْمَنِ وَنَحْنُ بِمَكّةَ فَكَانَ يَلْقَانِي إذْ نَحْنُ بِمَكّةَ فَيَقُولُ يَا عَبْدَ عَمْرٍو ، أَرَغِبْتَ عَنْ اسْمٍ سَمّاكَهُ أَبَوَاك ؟ فَأَقُولُ نَعَمْ فَيَقُولُ فَإِنّي لَا أَعْرِفُ الرّحْمَنَ فَاجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَك شَيْئًا أَدْعُوك بِهِ أَمّا أَنْتَ فَلَا تُجِيبُنِي بِاسْمِك الْأَوّلِ وَأَمّا أَنَا فَلَا أَدْعُوك بِمَا لَا أَعْرِفُ قَالَ فَكَانَ إذَا دَعَانِي : يَا عَبْدَ عَمْرٍو ، لَمْ أُجِبْهُ . قَالَ فَقُلْت لَهُ يَا أَبَا عَلِيّ اجْعَلْ مَا شِئْت ، قَالَ فَأَنْتَ عَبْدُ الْإِلَهِ قَالَ فَقُلْت : نَعَمْ قَالَ فَكُنْت إذَا مَرَرْتُ بِهِ قَالَ يَا عَبْدَ الْإِلَهِ فَأُجِيبُهُ فَأَتَحَدّثُ مَعَهُ . حَتّى إذَا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ مَرَرْتُ بِهِ وَهُوَ وَاقِفٌ مَعَ ابْنِهِ عَلِيّ بْنُ أُمَيّةَ آخُذُ بِيَدِهِ وَمَعِي أَدْرَاعٌ قَدْ اسْتَلَبْتُهَا ، فَأَنَا أَحْمِلُهَا . فَلَمّا رَآنِي قَالَ لِي : يَا عَبْدَ عَمْرٍو ، فَلَمْ أُجِبْهُ فَقَالَ يَا عَبْدَ الْإِلَهِ ؟ فَقُلْت : نَعَمْ قَالَ هَلْ لَك فِيّ فَأَنَا خَيْرٌ لَك مِنْ هَذِهِ الْأَدْرَاعِ الّتِي مَعَك ؟ قَالَ قُلْت : نَعَمْ هَا اللّهِ ذَا . قَالَ فَطَرَحْتُ الْأَدْرَاعَ مِنْ يَدِي ، وَأَخَذْت بِيَدِهِ وَيَدِ ابْنِهِ وَهُوَ يَقُولُ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قَطّ ، أَمَا لَكُمْ حَاجَةٌ فِي اللّبَنِ ؟ ( قَالَ ) : ثُمّ خَرَجْت أَمْشِي بِهِمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يُرِيدُ بِاللّبَنِ أَنّ مَنْ أَسَرَنِي افْتَدَيْتُ مِنْهُ بِإِبِلِ كَثِيرَةِ اللّبَنِ . [ ص 632 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، قَالَ قَالَ لِي أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَأَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ آخِذٌ بِأَيْدِيهِمَا : يَا عَبْدَ الْإِلَهِ مَنْ الرّجُلُ مِنْكُمْ الْمُعْلَمُ بِرِيشَةِ نَعَامَةٍ فِي صَدْرِهِ ؟ قَالَ قُلْت : ذَاكَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، قَالَ ذَاكَ الّذِي فَعَلَ بِنَا الْأَفَاعِيلَ قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ فَوَاَللّهِ إنّي لَأَقُودُهُمَا إذْ رَآهُ بِلَالٌ مِعَى - وَكَانَ هُوَ الّذِي يُعَذّبُ بِلَالًا بِمَكّةَ عَلَى تَرْكِ الْإِسْلَامِ فَيُخْرِجُهُ إلَى رَمْضَاءَ مَكّةَ إذَا حَمَيْت ، فَيُضْجِعُهُ عَلَى ظَهْرِهِ ثُمّ يَأْمُرُ بِالصّخْرَةِ الْعَظِيمَةِ فَتُوضَعُ عَلَى صَدْرِهِ ثُمّ يَقُولُ لَا تَزَالُ هَكَذَا أَوْ تُفَارِقَ دِينَ مُحَمّدٍ فَيَقُولُ بِلَالٌ أَحَدٌ أَحَدٌ . قَالَ فَلَمّا رَآهُ قَالَ رَأْسُ الْكُفْرِ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا . قَالَ قُلْت : أَيْ بِلَالٌ أَبِأَسِيرَيّ قَالَ لَا نَجَوْت إنْ نَجَا . قَالَ قُلْت : أَتَسْمَعُ يَا ابْنَ السّوْدَاءِ قَالَ لَا نَجَوْت إنْ نَجَا . قَالَ ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا أَنْصَارَ اللّهِ رَأْسُ الْكُفْرِ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا . قَالَ فَأَحَاطُوا بِنَا حَتّى جَعَلُونَا فِي مِثْلِ الْمُسْكَةِ وَأَنَا أَذُبّ عَنْهُ . قَالَ فَأَخْلَفَ رَجُلٌ السّيْفَ فَضَرَبَ رِجْلَ ابْنِهِ فَوَقَعَ وَصَاحَ أُمَيّةُ صَيْحَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطّ . قَالَ فَقُلْت : اُنْجُ بِنَفْسِك ، وَلَا نُجَاءَ بِك فَوَاَللّهِ مَا أُغْنِي عَنْك شَيْئًا . قَالَ فَهَبِرُوهُمَا بِأَسْيَافِهِمْ حَتّى فَرَغُوا مِنْهُمَا . قَالَ فَكَانَ عَبْدُ الرّحْمَنِ يَقُولُ يَرْحَمُ اللّهُ بِلَالًا ، ذَهَبَتْ أَدْرَاعِي وَفَجَعَنِي بِأَسِيرَيّ

[شُهُودُ الْمَلَائِكَةِ وَقْعَةَ بَدْرٍ ]
[ ص 633 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حُدّثَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ حَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ ، قَالَ أَقْبَلْت أَنَا وَابْنُ عَمّ لِي حَتّى أَصْعَدْنَا فِي جَبَلٍ يُشْرِفُ بِنَا عَلَى بَدْرٍ وَنَحْنُ مُشْرِكَانِ نَنْتَظِرُ الْوَقْعَةَ عَلَى مَنْ تَكُونُ الدّبْرَةُ فَنَنْتَهِبُ مَعَ مَنْ يَنْتَهِبُ . قَالَ فَبَيْنَا نَحْنُ فِي الْجَبَلِ إذْ دَنَتْ مِنّا سَحَابَةٌ فَسَمِعْنَا فِيهَا حَمْحَمَةَ الْخَيْلِ فَسَمِعْت قَائِلًا يَقُولُ أَقَدِمَ حَيْزُومُ فَأَمّا ابْنُ عَمّي فَانْكَشَفَ قِنَاعُ قَلْبِهِ فَمَاتَ مَكَانَهُ وَأَمّا أَنَا فَكِدْت أَهْلَكَ ثُمّ تَمَاسَكْتُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ بَعْضِ بَنِي سَاعِدَةَ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا ، قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ لَوْ كُنْت الْيَوْمَ بِبَدْرِ وَمَعِي بَصَرِي لَأَرَيْتُكُمْ الشّعْبَ الّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ لَا أَشُكّ فِيهِ وَلَا أَتَمَارَى . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ عَنْ أَبِي دَاوُد الْمَازِنِيّ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا ، قَالَ إنّي لَأَتّبِعُ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ لِأَضْرِبَهُ إذْ وَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ سَيْفِي ، فَعَرَفْتُ أَنّهُ قَدْ قَتَلَهُ غَيْرِي قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ ، مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ كَانَتْ سِيمَا الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ عَمَائِمَ بِيضًا قَدْ أَرْسَلُوهَا عَلَى ظُهُورِهِمْ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ عَمَائِمَ حُمْرًا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ الْعَمَائِمُ تِيجَانُ الْعَرَبِ ، وَكَانَتْ سِيمَا الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ عَمَائِمَ بِيضًا قَدْ أَرْخَوْهَا عَلَى ظُهُورِهِمْ إلّا جِبْرِيلُ فَإِنّهُ كَانَتْ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ صَفْرَاءُ [ ص 634 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ وَلَمْ تُقَاتِلْ الْمَلَائِكَةُ فِي يَوْمٍ سِوَى بَدْرٍ مِنْ الْأَيّامِ وَكَانُوا يَكُونُونَ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْأَيّامِ عَدَدًا وَمَدَدًا لَا يَضْرِبُونَ .

[ مَقْتَلُ أَبِي جَهْلٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَقْبَلَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمَئِذٍ يَرْتَجِزُ وَهُوَ يُقَاتِلُ وَيَقُولُ
مَا تَنْقِمُ الْحَرْبُ الْعَوَانُ مِنّي ... بَازِلُ عَامَيْنِ حَدِيثٌ سنى
لِمِثْلِ هَذَا وَلَدَتْنِي أُمّي
[شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ بِبَدْرِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ بَدْرٍ أَحَدٌ أَحَدٌ .

[ عَوْدٌ إلَى مَقْتَلِ أَبِي جَهْلٍ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ عَدُوّهِ أَمَرَ بِأَبِي جَهْلٍ أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى . وَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَ أَبَا جَهْلٍ كَمَا حَدّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَيْضًا قَدْ حَدّثَنِي ذَلِكَ قَالَا : قَالَ مُعَاذُ ابْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ، أَخُو بَنِي سَلَمَةَ سَمِعْتُ الْقَوْمَ وَأَبُو جَهْلٍ فِي مِثْلِ الْحَرَجَةِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْحَرَجَةُ الشّجَرُ الْمُلْتَفّ . وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ : أَنّهُ سَأَلَ أَعْرَابِيّا عَنْ الْحَرَجَةِ فَقَالَ هِيَ شَجَرَةٌ مِنْ الْأَشْجَارِ لَا يُوصَلُ إلَيْهَا - وَهُمْ يَقُولُونَ [ ص 635 ] أَبُو الْحَكَمِ لَا يُخْلَصُ إلَيْهِ . قَالَ فَلَمّا سَمِعْتُهَا جَعَلْتُهُ مِنْ شَأْنِي ، فَصَمَدْت نَحْوَهُ فَلَمّا أَمْكَنَنِي حَمَلْتُ عَلَيْهِ فَضَرَبْته ضَرْبَةً أَطَنّتْ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ فَوَاَللّهِ مَا شَبّهْتهَا حِينَ طَاحَتْ إلّا بِالنّوَاةِ تُطِيحُ مِنْ تَحْتِ مِرْضَخَةِ النّوَى حِينَ يُضْرَبُ بِهَا قَالَ وَضَرَبَنِي ابْنُهُ عِكْرِمَةُ عَلَى عَاتِقِي ، فَطَرَح يَدِي ، فَتَعَلّقَتْ بِجَلْدَةٍ مِنْ جَنْبِي ، وَأَجْهَضَنِي الْقِتَالُ عَنْهُ فَلَقَدْ قَاتَلْتُ عَامّةَ يَوْمِي ، وَإِنّي لَأَسْحَبُهَا خَلْفِي ، فَلَمّا آذَتْنِي وَضَعْتُ عَلَيْهَا قَدَمِي ، ثُمّ تَمَطّيْتُ بِهَا عَلَيْهَا حَتّى طَرَحْتُهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ حَتّى كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ . ثُمّ مَرّ بِأَبِي جَهْلٍ وَهُوَ عَقِيرٌ مُعَوّذُ بْنُ عَفْرَاءَ ، فَضَرَبَهُ حَتّى أَثْبَتَهُ فَتَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ . وَقَاتَلَ مُعَوّذٌ حَتّى قُتِلَ .

فَمَرّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِأَبِي جَهْلٍ حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى ، وَقَدْ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنِي - اُنْظُرُوا ، إنْ خَفِيَ عَلَيْكُمْ فِي الْقَتْلَى ، إلَى أَثَرِ جُرْحٍ فِي رُكْبَتِهِ فَإِنّي ازْدَحَمْتُ يَوْمًا أَنَا وَهُوَ عَلَى مَأْدُبَةٍ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ وَنَحْنُ غُلَامَانِ وَكُنْتُ أَشَفّ مِنْهُ بِيَسِيرٍ فَدَفَعْتُهُ فَوَقَعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَجُحِشَ فِي إحْدَاهُمَا جَحْشًا لَمْ يَزَلْ أَثَرُهُ بِهِ . قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : فَوَجَدْته بِآخِرِ رَمَقٍ فَعَرَفْتُهُ فَوَضَعْتُ رِجْلِي عَلَى عُنُقِهِ - قَالَ وَقَدْ كَانَ ضَبَثَ بِي مَرّةً بِمَكّةَ فَآذَانِي وَلَكَزَنِي ، ثُمّ قُلْت لَهُ هَلْ أَخْزَاك اللّهُ يَا عَدُوّ اللّهِ ؟ قَالَ وَبِمَاذَا أَخْزَانِي ، أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ أَخْبِرْنِي لِمَنْ الدّائِرَةُ الْيَوْمَ ؟ قَالَ قُلْت : لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ [ ص 636 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ضَبَثَ قَبَضَ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ . قَالَ ضَابِئُ بْنُ الْحَارِثِ الْبُرْجُمِيّ
فَأَصْبَحْتُ مِمّا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ... مِنْ الْوُدّ مِثْلَ الضّابِثِ الْمَاءَ بِالْيَدِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ أَعَارٌ عَلَى رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ أَخْبِرْنِي لِمَنْ الدّائِرَةُ الْيَوْمَ ؟ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَزَعَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ أَنّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ قَالَ لِي : لَقَدْ ارْتَقَيْتَ مُرْتَقًى صَعْبًا يَا رُوَيْعِي الْغَنَمِ قَالَ ثُمّ احْتَرَزْت رَأْسَهُ ثُمّ جِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا رَأْسُ عَدُوّ اللّهِ أَبِي جَهْلٍ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ آللّهِ الّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ - قَالَ وَكَانَتْ يَمِينَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَ قُلْت نَعَمْ وَاَللّهِ الّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ ثُمّ أَلْقَيْتُ رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَمِدَ اللّهَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي : أَنّ عُمَرَ ابْنَ الْخَطّابِ قَالَ لِسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَمَرّ بِهِ إنّي أَرَاك كَأَنّ فِي نَفْسِك شَيْئًا ، أَرَاك تَظُنّ أَنّي قَتَلْتُ أَبَاك ، إنّي لَوْ قَتَلْته لَمْ أَعْتَذِرْ إلَيْك مِنْ قَتْلِهِ وَلَكِنّي قَتَلْتُ خَالِي الْعَاصِ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، فَأَمّا أَبُوك فَإِنّي مَرَرْتُ ( بِهِ ) وَهُوَ يَبْحَثُ بَحْثَ الثّوْرِ بِرَوْقِهِ فَحُدْتُ عَنْهُ وَقَصَدَ لَهُ ابْنُ عَمّهِ عَلِيّ فَقَتَلَهُ [ ص 637 ]

[ قِصّةُ سَيْفِ عُكّاشَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَاتَلَ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ الْأَسَدِيّ ، حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ يَوْمَ بَدْرٍ بِسَيْفِهِ حَتّى انْقَطَعَ فِي يَدِهِ فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَعْطَاهُ جِذْلًا مِنْ حَطَبٍ فَقَالَ قَاتِلْ بِهَذَا يَا عُكّاشَةُ فَلَمّا أَخَذَهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَزّهُ فَعَادَ سَيْفًا فِي يَدِهِ طَوِيلَ الْقَامَةِ شَدِيدَ الْمَتْنِ أَبْيَضَ الْحَدِيدَةِ فَقَاتَلَ بِهِ حَتّى فَتَحَ اللّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ ذَلِكَ السّيْفُ يُسَمّى : الْعَوْنَ . ثُمّ لَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يَشْهَدُ بِهِ الْمَشَاهِدَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قُتِلَ فِي الرّدّةِ وَهُوَ عِنْدَهُ قَتَلَهُ طُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الْأَسَدِيّ ، فَقَالَ طُلَيْحَةُ فِي ذَلِكَ
فَمَا ظَنّكُمْ بِالْقَوْمِ إذْ تَقْتُلُونَهُمْ ... أَلَيْسُوا وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا بِرِجَالِ
فَإِنْ تَكُ أَذَاوُدٌ أُصِبْنَ وَنِسْوَةٌ ... فَلَنْ تَذْهَبُوا فِرْغًا بِقَتْلِ حِبَالِ
نَصَبْتُ لَهُمْ صَدْرَ الْحِمَالَةِ إنّهَا ... مُعَاوِدَةٌ قِيلَ الْكُمَاةُ نَزَال
فَيَوْمًا تَرَاهَا فِي الْجِلَالِ مَصُونَةً ... وَيَوْمًا تَرَاهَا غَيْرَ ذَاتِ جِلَالِ
عَشِيّةَ غَادَرْتُ ابْنَ أَقْرَمَ ثَاوِيًا ... وَعُكّاشَةُ الْغَنْمِيّ عِنْدَ حِجَالِ
[ ص 638 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حِبَالُ ابْنُ طُلَيْحَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ . وَابْنُ أَقْرَمَ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ الْأَنْصَارِيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُكّاشَةُ بْنُ مُحْصَنٍ الّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدْخُلُ الْجَنّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ أُمّتِي عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ اُدْعُ اللّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ إنّك مِنْهُمْ أَوْ اللّهُمّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ . فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ اُدْعُ اللّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ وَبَرَدَتْ الدّعْوَةُ . وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنَا عَنْ أَهْلِهِ مِنّا خَيْرُ فَارِسٍ فِي الْعَرَبِ ، قَالُوا : وَمَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ الْأَسَدِيّ : ذَاكَ رَجُلٌ مِنّا يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ لَيْسَ مِنْكُمْ وَلَكِنّهُ مِنّا لِلْحِلْفِ .

[حَدِيثٌ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ عَبْدِ الرّحْمَنِ يَوْمَ بَدْرٍ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَنَادَى أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ابْنَهُ عَبْدَ الرّحْمَنِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ أَيْنَ مَالِي يَا خَبِيثُ ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ
لَمْ يَبْقَ غَيْرُ شِكّةٍ ويَعْبُوبْ ... وَصَارِمٌ يَقْتُلُ ضُلّالِ الشّيبْ
فِيمَا ذُكِرَ لِي عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمّدٍ الدّرَاوَرْدِيّ .

[ طَرْحُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْقَلِيبِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ لَمّا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْقَتْلَى أَنْ يُطْرَحُوا فِي الْقَلِيبِ ، طُرِحُوا فِيهِ إلّا مَا كَانَ مِنْ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، فَإِنّهُ انْتَفَخَ فِي دِرْعِهِ فَمَلَأَهَا ، فَذَهَبُوا لِيُحَرّكُوهُ فَتَزَايَلَ لَحْمُهُ فَأَقَرّوهُ وَأَلْقَوْا عَلَيْهِ مَا غَيّبَهُ مِنْ التّرَابِ [ ص 639 ] أَلْقَاهُمْ فِي الْقَلِيبِ ، وَقَفَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبّكُمْ حَقّا ؟ فَإِنّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبّي حَقّا . قَالَتْ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتُكَلّمُ قَوْمًا مَوْتَى ؟ فَقَالَ لَهُمْ لَقَدْ عَلِمُوا أَنّ مَا وَعَدَهُمْ رَبّهُمْ حَقّا . قَالَتْ عَائِشَةُ : وَالنّاسُ يَقُولُونَ لَقَدْ سَمِعُوا مَا قُلْت لَهُمْ وَإِنّمَا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقَدْ عَلِمُوا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حُمَيْدٌ الطّوِيلُ . عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ سَمِعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ وَهُوَ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ ، يَا عُتْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ وَيَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ ، وَيَا أُمَيّةُ بْنَ خَلَفٍ ، وَيَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ ، فَعَدّدَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي الْقَلِيبِ : هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقّا ، فَإِنّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبّي حَقّا ؟ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتُنَادِي قَوْمًا قَدْ جَيّفُوا ؟ قَالَ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ وَلَكِنّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أنُ يُجِيبُونِي . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَوْمَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ بِئْسَ عَشِيرَةُ النّبِيّ كُنْتُمْ لِنَبِيّكُمْ ، كَذّبْتُمُونِي وَصَدّقَنِي النّاسُ وَأَخْرَجْتُمُونِي وَآوَانِي النّاسُ وَقَاتَلْتُمُونِي وَنَصَرَنِي النّاسُ ثُمّ قَالَ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبّكُمْ حَقّا ؟ لِلْمَقَالَةِ الّتِي قَالَ .

[ شِعْرُ حَسّانَ فِيمَنْ أَلَقُوا فِي الْقَلِيبِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ [ ص 640 ]
عَرَفْتُ دِيَارَ زَيْنَبَ بِالْكَثِيبِ ... كَخَطّ الْوَحْيِ فِي الْوَرَقِ الْقَشِيبِ
تَدَاوَلُهَا الرّيَاحُ وَكُلّ جَوْنٍ ... مِنْ الْوَسْمِيّ مُنْهَمِرٍ سَكُوبِ
فَأَمْسَى رَسْمُهَا خَلَقًا وَأَمْسَتْ ... يَبَابًا بَعْدَ سَاكِنِهَا الْحَبِيبِ
فَدَعْ عَنْك التّذَكّرَ كُلّ يَوْمٍ ... وَرُدّ حَرَارَةَ الصّدْرِ الْكَئِيبِ
وَخَبّرَ بِاَلّذِي لَا عَيْبَ فِيهِ ... بِصِدْقِ غَيْرِ إخْبَارِ الْكَذُوبِ
بِمَا صَنَعَ الْمَلِيكُ غَدَاةَ بَدْرٍ ... لَنَا فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ النّصِيبِ
غَدَاةَ كَأَنّ جَمْعَهُمْ حِرَاءٌ ... بَدَتْ أَرْكَانُهُ جُنْحَ الْغُرُوبِ
فَلَاقَيْنَاهُمْ مِنّا بِجَمْعٍ ... كَأُسْدِ الْغَابِ مُرْدَانٍ وَشِيبِ
أَمَامَ مُحَمّدٍ قَدْ وَازَرُوه ... عَلَى الْأَعْدَاءِ فِي لَفْحِ الْحُرُوبِ
بِأَيْدِيهِمْ صَوَارِمُ مُرْهَفَاتٌ ... وَكُلّ مُجَرّبٍ خَاظِي الْكُعُوبِ
بَنُو الْأَوْسِ الْغَطَارِفُ وَازَرَتْهَا ... بَنُو النّجّارِ فِي الدّينِ الصّلِيبِ
فَغَادَرْنَا أَبَا جَهْلٍ صَرِيعًا ... وَعُتْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا بِالْجَبُوبِ
وَشَيْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا فِي رِجَالٍ ... ذَوِي حَسَبٍ إذَا نُسِبُوا حَسِيبِ
يُنَادِيهِمْ رَسُولُ اللّهِ لَمّا ... قَذَفْنَاهُمْ كَبَاكِبَ فِي الْقَلِيبِ
أَلَمْ تَجِدُوا كَلَامِي كَانَ حَقّا ... وَأَمْرُ اللّهِ يَأْخُذُ بِالْقُلُوبِ ؟
فَمَا نَطَقُوا ، وَلَوْ نَطَقُوا لَقَالُوا ... صَدَقْتَ وَكُنْتَ ذَا رَأْيٍ مُصِيبِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُلْقَوْا فِي الْقَلِيبِ ، أُخِذَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، فَسُحِبَ إلَى الْقَلِيبِ ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنِي - فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ فَإِذَا هُوَ كَئِيبٌ قَدْ تَغَيّرَ لَوْنُهُ فَقَالَ يَا أَبَا حُذَيْفَةَ لَعَلّك قَدْ دَخَلَك مِنْ شَأْنِ أَبِيك شَيْءٌ ؟ أَوْ كَمَا قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَا ، وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا شَكَكْتُ فِي أَبِي وَلَا فِي مَصْرَعِهِ [ ص 641 ] كُنْتُ أَعْرِفُ مَنْ أَبِي رَأْيًا وَحِلْمًا وَفَضْلًا ، فَكُنْت أَرْجُو أَنْ يَهْدِيَهُ ذَلِكَ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَمّا رَأَيْتُ مَا أَصَابَهُ وَذَكَرْتُ مَا مَاتَ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ بَعْدَ الّذِي كُنْتُ أَرْجُو لَهُ أَحْزَنَنِي ذَلِكَ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْرٍ وَقَالَ لَهُ خَيْرًا

[ ذِكْرُ الْفِتْيَةِ الّذِينَ نَزَلَ فِيهِمْ إنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ]
وَكَانَ الْفِتْيَةُ الّذِينَ قُتِلُوا بِبَدْرِ فَنَزَلَ فِيهِمْ مِنْ الْقُرْآن ، فِيمَا ذُكِرَ لَنَا : { إِنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } فِتْيَةً مُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ : الْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ابْنِ أَسَدٍ . وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ . وَمِنْ بَنِي جُمَحَ عَلِيّ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ وَمِنْ بَنِي سَهْمٍ الْعَاصِ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ ابْنِ سَهْمٍ . وَذَلِكَ أَنّهُمْ كَانُوا أَسْلَمُوا ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ فَلَمّا هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ آبَاؤُهُمْ وَعَشَائِرُهُمْ بِمَكّةَ وَفَتَنُوهُمْ فَافْتَتَنُوا ، ثُمّ سَارُوا مَعَ قَوْمِهِمْ إلَى بَدْرٍ فَأُصِيبُوا بِهِ جَمِيعًا .

[ ذِكْرُ الْفَيْءِ بِبَدْرِ وَالْأُسَارَى ]
ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ بِمَا فِي الْعَسْكَرِ مِمّا جَمَعَ النّاسُ فَجَمَعَ فَاخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ فَقَالَ مَنْ جَمَعَهُ هُوَ لَنَا ، وَقَالَ الّذِينَ كَانُوا يُقَاتِلُونَ الْعَدُوّ وَيَطْلُبُونَهُ وَاَللّهِ لَوْلَا نَحْنُ مَا أَصَبْتُمُوهُ لَنَحْنُ شَغَلَنَا عَنْكُمْ الْقَوْمُ حَتّى أَصَبْتُمْ مَا أَصَبْتُمْ وَقَالَ الّذِينَ كَانُوا يَحْرُسُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَخَافَةَ أَنْ [ ص 642 ] خِفْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَرّةَ الْعَدُوّ فَقُمْنَا دُونَهُ فَمَا أَنْتُمْ بِأَحَقّ بِهِ مِنّا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْد الرّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سُلَيْمَانَ ابْنِ مُوسَى ، عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ - وَاسْمُهُ صُدَيّ بْنُ عَجْلَانَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - قَالَ سَأَلْت عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ عَنْ الْأَنْفَالِ فَقَالَ فِينَا أَصْحَابُ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النّفَلِ وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا ، فَنَزَعَهُ اللّهُ مِنْ أَيْدِينَا ، فَجَعَلَهُ إلَى رَسُولِهِ فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ بَوَاءٍ يَقُولُ عَلَى السّوَاءِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ حَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي سَاعِدَةَ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ السّاعِدِيّ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ ، قَالَ أَصَبْتُ سَيْفَ بَنِي عَائِذٍ الْمَخْزُومِيّينَ الّذِي يُسَمّى الْمَرْزُبَانَ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمّا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ أَنْ يَرُدّوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ النّفَلِ أَقْبَلْتُ حَتّى أَلْقَيْتُهُ فِي النّفَلِ . قَالَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَمْنَعُ شَيْئًا سُئِلَهُ فَعَرَفَهُ الْأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ ، فَسَأَلَهُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَعْطَاهُ إيّاهُ .

[ بَعْثُ ابْنِ رَوَاحَةَ وَزَيْدِ بَشِيرِينَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ الْفَتْحِ عَبْدَ اللّهِ ابْنَ رَوَاحَةَ بَشِيرًا إلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ ، بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ وَبَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إلَى أَهْلِ السّافِلَةِ . قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَأَتَانَا الْخَبَرُ - حِينَ سَوّيْنَا التّرَابَ عَلَى رُقَيّةَ ابْنَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّتِي كَانَتْ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ . كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَلّفَنِي عَلَيْهَا مَعَ [ ص 643 ] زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ( قَدْ ) قَدِمَ . قَالَ فَجِئْته وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْمُصَلّى قَدْ غَشِيَهُ النّاسُ وَهُوَ يَقُولُ قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَزَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ الْعَاصِ بْنُ هِشَامٍ وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَنُبَيْهُ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ . قَالَ قُلْت : يَا أَبَتْ أَحَقّ هَذَا ؟ قَالَ نَعَمْ وَاَللّهِ يَا بُنَيّ .

[ قُفُولُ رَسُولِ اللّهِ مِنْ بَدْرٍ ]
ثُمّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَافِلًا إلَى الْمَدِينَةِ ، وَمَعَهُ الْأُسَارَى مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَفِيهِمْ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ ، وَالنّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَاحْتَمَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُ النّفَلَ الّذِي أُصِيبَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَجَعَلَ عَلَى النّفَلِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْن غَنْمِ بْنِ مَازِنِ بْنِ النّجّارِ فَقَالَ رَاجِزٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يُقَال : إنّهُ عَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ :
أَقِمْ لَهَا صُدُورَهَا يَا بَسْبَسُ ... لَيْسَ بِذِي الطّلْحِ لَهَا مُعَرّسُ
وَلَا بِصَحْرَاءِ غُمَيرٍ مَحْبَسُ ... إنّ مَطَايَا الْقَوْمِ لَا تُخَيّسُ
فَحَمْلُهَا عَلَى الطّرِيقِ أَكْيَسُ ... قَدْ نَصَرَ اللّهُ وَفَرّ الْأَخْنَسُ
ثُمّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حَتّى إذَا خَرَجَ مِنْ مَضِيقِ الصّفْرَاءِ نَزَلَ عَلَى كَثِيبٍ بَيْنَ الْمَضِيقِ وَبَيْنَ النّازِيَةِ - يُقَالُ لَهُ سَيْرٌ - إلَى سَرْحَةٍ بِهِ . فَقَسَمَ هُنَالِكَ النّفَلَ الّذِي أَفَاءَ اللّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى السّوَاءِ ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا كَانَ بِالرّوْحَاءِ لَقِيَهُ الْمُسْلِمُونَ يُهَنّئُونَهُ بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ لَهُمْ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ - كَمَا حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ - : مَا الّذِي تُهَنّئُونَنَا بِهِ ؟ فَوَاَللّهِ إنْ لَقِينَا [ ص 644 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ أَيْ ابْنَ أَخِي ، أُولَئِكَ الْمَلَأُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْمَلَأُ الْأَشْرَافُ وَالرّؤَسَاءُ .

[ مَقْتَلُ النّضْرِ وَعُقْبَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى إذَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالصّفْرَاءِ قُتِلَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، كَمَا أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ خَرَجَ حَتّى إذَا كَانَ بِعِرْقِ الظّبْيَةِ قُتِلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عِرْقُ الظّبْيَةِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَاَلّذِي أَسَرَ عُقْبَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلِمَةَ أَحَدُ بَنِي الْعَجْلَانِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ عُقْبَةُ حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَتْلِهِ فَمَنْ لِلصّبْيَةِ يَا مُحَمّدُ ؟ قَالَ النّارُ . فَقَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ الْأَنْصَارِيّ ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ كَمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامَ : وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا ذَكَرَ لِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَقِيَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَبُو هِنْدٍ ، مَوْلَى فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْبَيّاضِي بِحَمِيتٍ مَمْلُوءٍ حَيْسًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْحَمِيتُ الزّقّ ، وَكَانَ قَدْ تَخَلّفَ عَنْ بَدْرٍ ثُمّ شَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلّهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ كَانَ حَجّامَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا هُوَ أَبُو هِنْدٍ امْرِئِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَنْكِحُوهُ وَأَنْكِحُوا إلَيْهِ فَفَعَلُوا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَبْلَ الْأُسَارَى بِيَوْمِ . [ ص 645 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ ابْنِ أَسَعْدَ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ قُدِمَ بِالْأُسَارَى حِينَ قُدِمَ بِهِمْ وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمَعَةَ زَوْجُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ آلِ عَفْرَاءَ ، فِي مَنَاحَتِهِمْ عَلَى عَوْفٍ وَمُعَوّذٍ ابْنَيْ عَفْرَاءَ ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِنّ الْحِجَابُ . قَالَ تَقُولُ سَوْدَةُ وَاَللّهِ إنّي لَعِنْدَهُمْ إذْ أُتِينَا ، فَقِيلَ هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى ، قَدْ أُتِيَ بِهِمْ . قَالَتْ فَرَجَعْت إلَى بَيْتِي ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِ وَإِذَا أَبُو يَزِيدَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ قَالَتْ فَلَا وَاَللّهِ مَا مَلَكْتُ نَفْسِي حِينَ رَأَيْت أَبَا يَزِيدَ كَذَلِكَ أَنْ قُلْت : أَيْ أَبَا يَزِيدَ أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ أَلَا مُتّمْ كِرَامًا ، فَوَاَللّهِ مَا أَنْبَهَنِي إلّا قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْبَيْتِ يَا سَوْدَةُ أَعَلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ تُحَرّضِينَ ؟ قَالَتْ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ مَا مَلَكْتُ نَفْسِي حِينَ رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ أَنْ قُلْت مَا قُلْت قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي نُبِيّهُ بْنُ وَهْبٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدّارِ . أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَقْبَلَ بِالْأُسَارَى فَرّقَهُمْ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَقَالَ اسْتَوْصُوا بِالْأُسَارَى خَيْرًا قَالَ وَكَانَ أَبُو عَزِيزٍ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ ، أَخُو مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لِأَبِيهِ وَأُمّهِ فِي الْأُسَارَى . قَالَ فَقَالَ أَبُو عَزِيزٍ مَرّ بِي أَخِي مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَأْسِرُنِي ، فَقَالَ شُدّ يَدَيْك بِهِ فَإِنّ أُمّهُ ذَاتُ مَتَاعٍ لَعَلّهَا تَفْدِيهِ مِنْك ، قَالَ وَكُنْتُ فِي رَهْطٍ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ أَقْبَلُوا بِي مِنْ بَدْرٍ فَكَانُوا إذَا قَدّمُوا غَدَاءَهُمْ وَعَشَاءَهُمْ خَصّونِي بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا التّمْرَ لِوَصِيّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّاهُمْ بِنَا ، مَا تَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةُ خُبْزٍ إلّا نَفَحَنِي بِهَا . قَالَ فَأَسْتَحْيِيَ فَأَرُدّهَا عَلَى أَحَدِهِمْ فَيَرُدّهَا عَلَيّ ما يَمَسّهَا .

[ بُلُوغُ مُصَابِ قُرَيْشٍ إلَى مَكّةَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [ ص 646 ] وَكَانَ أَبُو عَزِيزٍ صَاحِبَ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرِ بَعْدً النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ فَلَمّا قَالَ أَخُوهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ لِأَبِي الْيَسَرِ وَهُوَ الّذِي أَسَرَهُ مَا قَالَ قَالَ لَهُ أَبُو عَزِيزٍ يَا أَخِي ، هَذِهِ وَصَاتُك بِي ، فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ إنّهُ أَخِي دُونَك . فَسَأَلَتْ أُمّهُ عَنْ أَغْلَى مَا فُدِيَ بِهِ قُرَشِيّ ، فَقِيلَ لَهَا : أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَبَعَثَتْ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَفَدَتْهُ بِهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَوّلُ مَنْ قَدِمَ مَكّةَ ( بِمُصَابِ ) قُرَيْشٍ الْحَيْسُمَانَ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْخُزَاعِيّ ، فَقَالُوا : مَا وَرَاءَك ؟ قَالَ قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَأَبُو الْحَكَمِ بْنُ هِشَامٍ وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَزَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَنُبَيّهٌ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ بْنُ هِشَامٍ فَلَمّا جَعَلَ يُعَدّدُ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ ، قَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ، وَهُوَ قَاعِدٌ فِي الْحِجْرِ : وَاَللّهِ إنْ يَعْقِلُ هَذَا فَاسْأَلُوهُ عَنّي ؛ فَقَالُوا : ( و ) مَا فَعَلَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ؟ قَالَ هَا هُوَ ذَاكَ جَالِسًا فِي الْحِجْرِ ، وَقَدْ وَاَللّهِ رَأَيْتُ أَبَاهُ وَأَخَاهُ حِينَ قُتِلَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ قَالَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُنْت غُلَامًا لِلْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ دَخَلَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ ، فَأَسْلَمَ الْعَبّاسُ وَأَسْلَمَتْ أُمّ الْفَضْلِ وَأَسْلَمْتُ وَكَانَ الْعَبّاسُ يَهَابُ قَوْمَهُ وَيَكْرَهُ خِلَافَهُمْ وَكَانَ يَكْتُمُ إسْلَامَهُ وَكَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ مُتَفَرّقٍ فِي قَوْمِهِ وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ قَدْ تَخَلّفَ عَنْ بَدْرٍ فَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصِي بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَكَذَلِك كَانُوا صَنَعُوا ، لَمْ يَتَخَلّفْ رَجُلٌ إلّا بَعَثَ مَكَانَهُ رَجُلًا ، فَلَمّا جَاءَهُ الْخَبَرُ عَنْ مُصَابِ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، كَبَتَهُ اللّهُ وَأَخْزَاهُ وَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا قُوّةً وَعِزّا . [ ص 647 ] قَالَ وَكُنْت رَجُلًا ضَعِيفًا ، وَكُنْت أَعْمَلُ الْأَقْدَاحَ . أَنْحَتُهَا فِي حُجْرَةِ زَمْزَمَ ، فَوَاَللّهِ إنّي لَجَالِسٌ فِيهَا أنْحَتُ أَقْدَاحِي ، وَعِنْدِي أُمّ الْفَضْلِ جَالِسَةٌ وَقَدْ سَرّنَا مَا جَاءَنَا مِنْ الْخَبَرِ ، إذْ أَقْبَلَ أَبُو لَهَبٍ يَجُرّ رِجْلَيْهِ بِشَرّ حَتّى جَلَسَ عَلَى طُنُبِ الْحُجْرَةِ فَكَانَ ظَهْرُهُ إلَى ظَهْرِي ، فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ إذْ قَالَ النّاسُ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ ابْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْمُ أَبِي سُفْيَانَ الْمُغِيرَةُ - قَدْ قَدِمَ قَالَ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ هَلُمّ إلَيّ فَعِنْدَك لَعَمْرِي الْخَبَرُ ، قَالَ فَجَلَسَ ( إلَيْهِ ) وَالنّاسُ قِيَامٌ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي ، أَخْبِرْنِي كَيْفَ كَانَ أَمْرُ النّاسِ ؟ قَالَ وَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ لَقِينَا الْقَوْمَ فَمَنَحْنَاهُمْ أَكْتَافَنَا يَقُودُونَنَا كَيْفَ شَاءُوا ، وَيَأْسِرُونَنَا كَيْفَ شَاءُوا ، وَاَيْمُ اللّهِ مَعَ ذَلِكَ مَا لُمْت النّاسَ لَقِينَا رِجَالًا بِيضًا ، عَلَى خَيْلٍ بَلْقٍ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَاَللّهِ مَا تُلِيقُ شَيْئًا ، وَلَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ . قَالَ أَبُو رَافِعٍ فَرَفَعْت طُنُبَ الْحُجْرَةِ بِيَدَيّ ثُمّ قُلْتُ تِلْكَ وَاَللّهِ الْمَلَائِكَةُ قَالَ فَرَفَعَ أَبُو لَهَبٍ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا وَجْهِي ضَرْبَةً شَدِيدَةً . قَالَ وَشَاوَرْتُهُ فَاحْتَمَلَنِي فَضَرَبَ بِي الْأَرْضَ ثُمّ بَرَكَ عَلَيّ يَضْرِبُنِي ، وَكُنْت رَجُلًا ضَعِيفًا ، فَقَامَتْ أُمّ الْفَضْلِ إلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِ الْحُجْرَةِ فَأَخَذَتْهُ فَضَرَبَتْهُ بِهِ ضَرْبَةً فَعَلَتْ فِي رَأْسِهِ شَجّةً مُنْكَرَةً وَقَالَتْ اسْتَضْعَفَتْهُ أَنْ غَابَ عَنْهُ سَيّدُهُ فَقَامَ مُوَلّيًا ذَلِيلًا ، فَوَاَللّهِ مَا عَاشَ إلّا سَبْعَ لَيَالٍ حَتّى رَمَاهُ اللّهُ بِالْعَدَسَةِ فَقَتَلَتْهُ

[ نُوَاحُ قُرَيْشٍ عَلَى قَتْلَاهُمْ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ نَاحَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهُمْ ، ثُمّ قَالُوا : لَا تَفْعَلُوا فَيَبْلُغُ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ فَيَشْمَتُوا بِكُمْ وَلَا تَبْعَثُوا فِي أَسْرَاكُمْ حَتّى تَسْتَأْنُوا بِهِمْ لَا يَأْرَبُ عَلَيْكُمْ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الْفِدَاءِ [ ص 648 ] قَالَ وَكَانَ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطّلِبِ قَدْ أُصِيبَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ وَلَدِهِ زَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَعَقِيلُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَالْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَ وَكَانَ يُحِبّ أَنْ يَبْكِيَ عَلَى بَنِيهِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ سَمِعَ نَائِحَةً مِنْ اللّيْلِ فَقَالَ لِغُلَامِ لَهُ وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ اُنْظُرْ هَلْ أُحِلّ النّحْبُ هَلْ بَكَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهَا ؟ لَعَلّي أَبْكِي عَلَى أَبِي حَكِيمَةَ يَعْنِي زَمَعَةَ فَإِنّ جَوْفِي قَدْ احْتَرَقَ . قَالَ فَلَمّا رَجَعَ إلَيْهِ الْغُلَامُ قَالَ إنّمَا هِيَ امْرَأَةٌ تَبْكِي عَلَى بَعِيرٍ لَهَا أَضَلّتْهُ . قَالَ فَذَاكَ حِينَ يَقُولُ الْأَسْوَدُ
أَتَبْكِي أَنْ يَضِلّ لَهَا بَعِيرٌ ... وَيَمْنَعُهَا مِنْ النّوْمِ السّهُودُ
فَلَا تَبْكِي عَلَى بَكْرٍ وَلَكِنْ ... عَلَى بَدْرٍ تَقَاصَرَتْ الْجُدُودُ
عَلَى بَدْرٍ سَرَاةِ بَنِي هُصَيْصٍ ... وَمَخْزُومٍ وَرَهْطِ أَبِي الْوَلِيدِ
وَبَكّي إنْ بَكّيْتِ عَلَى عَقِيلٍ ... وَبَكّي حَارِثًا أَسَدَ الْأُسُودِ
وَبَكّيهِمْ وَلَا تَسَمِي جَمِيعًا ... وَمَا لِأَبِي حَكِيمَةَ مِنْ نَدِيدِ
أَلَا قَدْ سَادَ بَعْدَهُمْ رِجَالٌ ... وَلَوْلَا يَوْمُ بَدْرٍ لَمْ يَسُودُوا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا إقْوَاءٌ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ مِنْ أَشْعَارِهِمْ وَهِيَ عِنْدَنَا إكْفَاءٌ . وَقَدْ أَسْقَطْنَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ مَا هُوَ أَشْهَرُ مِنْ هَذَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ فِي الْأُسَارَى أَبُو وَدَاعَةَ بْنُ ضُبَيْرَةَ السّهْمِيّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ لَهُ بِمَكّةَ ابْنَا كَيّسًا تَاجِرًا ذَا مَالٍ وَكَأَنّكُمْ لَهُ قَدْ جَاءَكُمْ فِي طَلَبِ فِدَاءِ أَبِيهِ فَلَمّا قَالَتْ قُرَيْشٌ لَا تَعْجَلُوا بِفِدَاءِ أُسَرَائِكُمْ [ ص 649 ] قَالَ الْمُطّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ - وَهُوَ الّذِي كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنّي - : صَدَقْتُمْ لَا تَعْجَلُوا ، وَانْسَلّ مِنْ اللّيْلِ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ ، فَأَخَذَ أَبَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَانْطَلَقَ بِهِ .

[ أَمْرُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَفِدَاؤُهُ ]
( قَالَ ) : ثُمّ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى ، فَقَدِمَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ فِي فَدَاءِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، وَكَانَ الّذِي أَسَرَهُ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ
أَسَرْتُ سُهَيْلًا فَلَا أَبْتَغِي ... أَسِيرًا بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ
وَخِنْدَفُ تَعْلَمُ أَنّ الْفَتَى ... فَتَاهَا سُهَيْلٌ إذَا يُظّلَمْ
ضَرَبْتُ بِذِي الشّفْرِ حَتّى انْثَنَى ... وَأَكْرَهْت نَفْسِي عَلَى ذِي الْعَلَمِ
وَكَانَ سُهَيْلٌ رَجُلًا أَعْلَمَ مِنْ شَفَتِهِ السّفْلَى . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشّعْرَ لِمَالِكِ بْنِ الدّخْشُمِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ دَعْنِي أَنْزِعْ ثَنِيّتَيْ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، وَيَدْلَعُ لِسَانَهُ فَلَا يَقُومُ عَلَيْك خَطِيبًا فِي مَوْطِنٍ أَبَدًا ، قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهِ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا أُمَثّلُ بِهِ فَيُمَثّلُ اللّهُ بِي وَإِنْ كُنْتُ نَبِيّا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِعُمَرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إنّهُ عَسَى أَنْ يَقُومَ مَقَامًا لَا تَذُمّهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَ ذَلِكَ الْمَقَامِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَاوَلَهُمْ فِيهِ مِكْرَزٌ وَانْتَهَى إلَى رِضَاهُمْ قَالُوا : هَاتِ الّذِي [ ص 650 ] قَالَ اجْعَلُوا رِجْلِي مَكَانَ رِجْلِهِ وَخَلّوا سَبِيلَهُ حَتّى يَبْعَثَ إلَيْكُمْ بِفِدَائِهِ . فَخَلّوْا سَبِيلَ سُهَيْلٍ وَحَبَسُوا مِكْرِزًا مَكَانَهُ عِنْدَهُمْ فَقَالَ مِكْرَزٌ
فَدَيْت بِأَذْوَادٍ ثَمَانٍ سِبَا فَتَى ... يَنَالُ الصّمِيمَ غُرْمُهَا لَا الْمُوَالَيَا
رَهَنْتُ يَدَيّ وَالْمَالُ أَيْسَرُ مِنْ يَدَيّ ... عَلَيّ وَلَكِنّي خَشِيت الْمَخَازِيَا
وَقُلْتُ سُهَيْلٌ خَيْرُنَا فَاذْهَبُوا بِهِ ... لِأَبْنَائِنَا حَتّى نُدِيرُ الْأَمَانِيَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا لِمِكْرِزٍ .

[ أَسْرُ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَإِطْلَاقُهُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ كَانَ عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ ، وَكَانَ لِبِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أُمّ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بِنْتُ أَبِي عَمْرٍو ، وَأُخْتُ أَبِي مُعَيْطِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو - أَسِيرًا فِي يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَسَرَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ فَقِيلَ لِأَبِي سُفْيَانَ افْدِ عَمْرًا ابْنَك ؛ قَالَ أَيُجْمَعُ عَلَيّ دَمِي وَمَالِي قَتَلُوا حَنْظَلَةَ وَأَفْدِي عَمْرًا دَعُوهُ فِي أَيْدِيهِمْ يُمْسِكُوهُ مَا بَدَا لَهُمْ . قَالَ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ مَحْبُوسٌ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذْ خَرَجَ سَعْدُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ أَكّالٍ ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ثُمّ أَحَدُ بَنِي مُعَاوِيَةَ مُعْتَمِرًا وَمَعَهُ مُرَيّةٌ لَهُ وَكَانَ شَيْخًا مُسْلِمًا ، فِي غَنَمٍ لَهُ بِالنّقِيعِ فَخَرَجَ مِنْ [ ص 651 ] كَانَ عَهِدَ قُرَيْشًا لَا يَعْرِضُونَ لِأَحَدٍ جَاءَ حَاجّا ، أَوْ مُعْتَمِرًا إلّا بِخَيْرٍ فَعَدَا عَلَيْهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِمَكّةَ فَحَبَسَهُ بِابْنِهِ عَمْرٍو ، ثُمّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ
أَرَهْطَ ابْنِ أَكّالٍ أَجِيبُوا دُعَاءَهُ ... تَعَاقَدْتُمْ لَا تُسْلِمُوا السّيّدَ الْكَهْلَا
فَإِنّ بَنِي عَمْرٍو لِئَامٌ أَذِلّةٌ ... لَئِنْ لَمْ يَفُكّوا عَنْ أَسِيرِهِمْ الْكَبْلَا
فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ
لَوْ كَانَ سَعْدٌ يَوْمَ مَكّةَ مُطْلَقًا ... لَأَكْثَرَ فِيكُمْ قَبْلَ أَنْ يُؤْسَرَ الْقَتْلَا
بِعَضْبِ حُسَامٍ أَوْ بِصَفْرَاءَ نَبْعَةٍ ... تَحِنّ إذَا مَا أُنْبِضَتْ تَحْفِزُ النّبْلَا
وَمَشَى بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَهُ وَسَأَلُوهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ عَمْرَو بْنَ أَبِي سُفْيَانَ فَيَفُكّوا بِهِ صَاحِبَهُمْ فَفَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَبَعَثُوا بِهِ إلَى أَبِي سُفْيَانَ فَخَلّى سَبِيلَ سَعْدٍ .

[ أَسْرُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ فِي الْأُسَارَى أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، خَتَنُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَزَوْجُ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَسَرَهُ خِرَاشُ بْنُ الصّمّةَ ، أَحَدُ بَنِي حَرَامٍ .

[ سَبَبُ زَوَاجِ أَبِي الْعَاصِ مِنْ زَيْنَبَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَبُو الْعَاصِ مِنْ رِجَالِ مَكّةَ الْمَعْدُودِينَ مَالًا ، وَأَمَانَةً وَتِجَارَةً وَكَانَ لِهَالَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ وَكَانَتْ خَدِيجَةُ خَالَتَهُ . فَسَأَلَتْ خَدِيجَةُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُزَوّجَهُ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُخَالِفُهَا ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَزَوّجَهُ وَكَانَتْ تَعُدّهُ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا . فَلَمّا [ ص 652 ] أَكْرَمَ اللّهُ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنُبُوّتِهِ آمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ وَبَنَاتُهُ فَصَدّقَتْهُ وَشَهِدْنَ أَنّ مَا جَاءَ بِهِ الْحَقّ ، وَدِنّ بِدِينِهِ وَثَبَتَ أَبُو الْعَاصِ عَلَى شِرْكِهِ .

[ سَعْيُ قُرَيْشٍ فِي تَطْلِيقِ بَنَاتِ الرّسُولِ مِنْ أَزْوَاجِهِنّ ]
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ زَوّجَ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي لَهَبٍ رُقَيّةَ أَوْ أُمّ كُلْثُومٍ . فَلَمّا بَادَى قُرَيْشًا بِأَمْرِ اللّهِ تَعَالَى وَبِالْعَدَاوَةِ قَالُوا : إنّكُمْ قَدْ قَرّغْتُمْ مُحَمّدًا مِنْ هَمّهِ فَرُدّوا عَلَيْهِ بَنَاتِهِ فَاشْغَلُوهُ بِهِنّ . فَمَشَوْا إلَى أَبِي الْعَاصِ فَقَالُوا لَهُ فَارِقْ صَاحِبَتَك وَنَحْنُ نُزَوّجُك أَيّ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ شِئْتَ قَالَ لَا وَاَللّهِ إنّي لَا أُفَارِقُ صَاحِبَتِي ، وَمَا أُحِبّ أَنّ لِي بِامْرَأَتِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُثْنِي عَلَيْهِ فِي صِهْرِهِ خَيْرًا ، فِيمَا بَلَغَنِي . ثُمّ مَشَوْا إلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ ، فَقَالُوا لَهُ طَلّقْ بِنْتَ مُحَمّدٍ وَنَحْنُ نُنْكِحُك أَيّ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ شِئْت ، فَقَالَ إنْ زَوّجْتُمُونِي بِنْتَ أَبَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ، أَوْ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَارَقْتُهَا . فَزَوّجُوهُ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَفَارَقَهَا ، وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا ، فَأَخْرَجَهَا اللّهُ مِنْ يَدِهِ كَرَامَةً لَهَا ، وَهَوَانًا لَهُ وَخَلَفَ عَلَيْهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ بَعْدَهُ .

[ أَبُو الْعَاصِ عِنْدَ الرّسُولِ وَبَعْثُ زَيْنَبَ فِي فِدَائِهِ ]
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُحِلّ بِمَكّةَ وَلَا يُحَرّمُ مَغْلُوبًا عَلَى أَمْرِهِ وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ فَرّقَ بَيْنَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَسْلَمَتْ وَبَيْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ ، إلّا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَهُمَا ، فَأَقَامَتْ مَعَهُ عَلَى إسْلَامِهَا وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ حَتّى هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا صَارَتْ قُرَيْشٌ إلَى بَدْرٍ صَارَ فِيهِمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ [ ص 653 ] فَأُصِيبَ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ فَكَانَ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمّا بَعَثَ أَهْلُ مَكّةَ فِي فِدَاءِ أُسَرَائِهِمْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ بِمَالٍ وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ لَهَا كَانَتْ خَدِيجَةُ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى عَلَيْهَا ، قَالَتْ فَلَمّا رَآهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَقّ لَهَا رِقّةً شَدِيدَةً وَقَالَ إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا ، وَتَرُدّوا عَلَيْهَا مَالَهَا ، فَافْعَلُوا فَقَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ . فَأَطْلَقُوهُ وَرَدّوا عَلَيْهَا الّذِي لَهَا .

خُرُوجُ زَيْنَبَ إلَى الْمَدِينَةِ
( قَالَ ) : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ أَوْ وَعَدَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ أَنْ يُخَلّيَ سَبِيلَ زَيْنَبَ إلَيْهِ أَوْ كَانَ فِيمَا شَرَطَ عَلَيْهِ فِي إطْلَاقِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيُعْلَمُ مَا هُوَ إلّا أَنّهُ لَمّا خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ إلَى مَكّةَ وَخُلّيَ سَبِيلُهُ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مَكَانَهُ فَقَالَ كُونَا بِبَطْنِ يَأْجَجَ حَتّى تَمُرّ بِكُمَا زَيْنَبُ فَتَصْحَبَاهَا حَتّى تَأْتِيَانِي بِهَا . فَخَرَجَا مَكَانَهُمَا ، وَذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرِ أَوْ شَيْعِهِ فَلَمّا قَدِمَ أَبُو الْعَاصِ مَكّةَ أَمَرَهَا بِاللّحُوقِ بِأَبِيهَا ، فَخَرَجَتْ تَجَهّزَ .

[ هِنْدُ تُحَاوِلُ تَعْرِفَ أَمْرَ زَيْنَبَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ حُدّثْت عَنْ زَيْنَبَ [ ص 654 ] قَالَتْ بَيْنَا أَنَا أَتَجَهّزُ بِمَكّةَ لِلّحُوقِ بِأَبِي لَقِيَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ ، فَقَالَتْ يَا بِنْتَ مُحَمّدٍ أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنّك تُرِيدِينَ اللّحُوقَ بِأَبِيك ؟ قَالَتْ فَقُلْت : مَا أَرَدْت ذَلِكَ فَقَالَتْ أَيْ ابْنَةَ عَمّي ، لَا تَفْعَلِي ، إنْ كَانَتْ لَك حَاجَةٌ بِمَتَاعِ مِمّا يَرْفُقُ بِك فِي سَفَرِك ، أَوْ بِمَالٍ تَتَبَلّغِينَ بِهِ إلَى أَبِيك ، فَإِنّ عِنْدِي حَاجَتَك ، فَلَا تَضْطَنِي مِنّي ، فَإِنّهُ لَا يَدْخُلُ بَيْنَ النّسَاءِ مَا بَيْنَ الرّجَالِ . قَالَتْ وَاَللّهِ مَا أَرَاهَا قَالَتْ ذَلِكَ إلّا لِتَفْعَلَ قَالَتْ وَلَكِنّي خِفْتُهَا ، فَأَنْكَرْتُ أَنْ أَكُونَ أُرِيدُ ذَلِكَ وَتَجَهّزْت .

[ مَا أَصَابَ زَيْنَبَ مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَ خُرُوجِهَا وَمَشُورَةُ أَبِي سُفْيَانَ ]
فَلَمّا فَرَغَتْ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ جَهَازِهَا قَدّمَ لَهَا حَمُوهَا كِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ أَخُو زَوْجِهَا بَعِيرًا ، فَرَكِبَتْهُ وَأَخَذَ قَوْسَهُ وَكِنَانَتَهُ ثُمّ خَرَجَ بِهَا نَهَارًا يَقُودُ بِهَا ، وَهِيَ فِي هَوْدَجٍ لَهَا . وَتَحَدّثَ بِذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهَا حَتّى أَدْرَكُوهَا بِذِي طُوًى ، فَكَانَ أَوّلَ مَنْ سَبَقَ إلَيْهَا هَبّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى ، وَالْفِهْرِيّ ، فَرَوّعَهَا هَبّارٌ بِالرّمْحِ وَهِيَ فِي هَوْدَجِهَا ، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا - فِيمَا يَزْعُمُونَ - فَلَمّا رِيعَتْ طَرَحَتْ ذَا بَطْنِهَا ، وَبَرَكَ حَمُوهَا كِنَانَةُ وَنَثَرَ كِنَانَتَهُ ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ لَا يَدْنُو مِنّي رَجُلٌ إلّا وَضَعْتُ فِيهِ سَهْمًا ، فَتَكَرْكَرَ النّاسُ عَنْهُ . وَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ فِي جُلّةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ أَيّهَا الرّجُلُ كُفّ عَنّا نَبْلَك حَتّى نُكَلّمَك ، فَكَفّ فَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ إنّك لَمْ تُصِبْ خَرَجْتَ بِالْمَرْأَةِ عَلَى رُءُوسِ النّاسِ عَلَانِيَةً وَقَدْ عَرَفْتَ مُصِيبَتَنَا وَنَكْبَتَنَا ، وَمَا دَخَلَ عَلَيْنَا مِنْ مُحَمّدٍ فَيَظُنّ النّاسُ إذَا خَرَجْتَ [ ص 655 ] بِابْنَتِهِ إلَيْهِ عَلَانِيَةً عَلَى رُءُوسِ النّاسِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا ، أَنّ ذَلِكَ عَنْ ذُلّ أَصَابَنَا عَنْ مُصِيبَتِنَا الّتِي كَانَتْ وَأَنّ ذَلِكَ مِنّا ضَعْفٌ وَوَهْنٌ وَلَعَمْرِي مَا لَنَا بِحَبْسِهَا عَنْ أَبِيهَا مِنْ حَاجَةٍ وَمَا لَنَا فِي ذَلِكَ مِنْ ثَوْرَةٍ وَلَكِنْ ارْجِعْ بِالْمَرْأَةِ حَتّى إذَا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ وَتَحَدّثَ النّاسُ أَنْ قَدْ رَدَدْنَاهَا ، فَسُلّهَا سِرّا ، وَأَلْحِقْهَا بِأَبِيهَا ؛ قَالَ فَفَعَلَ . فَأَقَامَتْ لَيَالِيَ حَتّى إذَا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ خَرَجَ بِهَا لَيْلًا حَتّى أَسْلَمَهَا إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَصَاحِبِهِ فَقَدِمَا بِهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .

[ شِعْرٌ لِأَبِي خَيْثَمَةَ فِيمَا حَدَثَ لِزَيْنَبَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، أَوْ أَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي سَالِمِ ابْنِ عَوْفٍ فِي الّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِ زَيْنَبَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هِيَ لِأَبِي خَيْثَمَةَ [ ص 656 ]
أَتَانِي الّذِي لَا يَقْدُرُ النّاسُ قَدْرَهُ ... لِزَيْنَبَ فِيهِمْ مِنْ عُقُوقٍ وَمَأْثَمِ
وَإِخْرَاجُهَا لَمْ يُخْزَ فِيهَا مُحَمّدٌ ... عَلَى مَأْقِطٍ وَبَيْنَنَا عِطْرُ مَنْشَمِ
وَأَمْسَى أَبُو سُفْيَانَ مِنْ حِلْفِ ضَمْضَمٍ ... وَمِنْ حَرْبِنَا فِي رَغْمِ أَنْفٍ وَمَنْدَمٍ
قَرَنّا ابْنَهُ عَمْرًا وَمَوْلَى يَمِينِهِ ... بِذِي حَلَقٍ جَلْدِ الصّلَاصِلِ مُحْكَمِ
فَأَقْسَمْتُ لَا تَنْفَكّ مِنّا كَتَائِبُ ... سُرَاةُ خَمِيسٍ فِي لُهَامٍ مُسَوّمِ
نَزُوعُ قُرَيْشَ الْكُفْرَ حَتّى نَعُلّهَا ... بِخَاطِمَةٍ فَوْقَ الْأُنُوفِ بِمِيسَمِ
نُنَزّلُهُمْ أَكْنَافَ نَجْدٍ وَنَخْلَةٍ ... وَإِنْ يُتْهِمُوا بِالْخَيْلِ وَالرّجْلِ نُتْهِم
يَدَ الدّهْرِ حَتّى لَا يُعَوّجَ سِرْبُنَا ... وَنُلْحِقُهُمْ آثَارَ عَادٍ وَجُرْهُمِ
وَيَنْدَمَ قَوْمٌ لَمْ يُطِيعُوا مُحَمّدًا ... عَلَى أَمْرِهِمْ وَأَيّ حِينٍ تَنَدّم
فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ إمّا لَقِيته ... لَئِنْ أَنْتَ لَمْ تُخْلِصْ سُجُودًا وَتُسْلِمْ
فَأَبْشِرْ بِخِزْيٍ فِي الْحَيَاةِ مُعَجّلِ ... وَسِرْبَالِ قَارٍ خَالِدًا فِي جَهَنّمَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : وَسِرْبَالِ نَارٍ .

[ الْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ إسْحَاقَ وَابْنِ هِشَامٍ فِي مَوْلَى يَمِينِ أَبِي سُفْيَانَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَوْلَى يَمِينِ أَبِي سُفْيَانَ الّذِي يَعْنِي : عَامِرَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ : كَانَ فِي الْأُسَارَى ، وَكَانَ حِلْفُ الْحَضْرَمِيّ إلَى حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مَوْلَى يَمِينِ أَبِي سُفْيَانَ الّذِي يَعْنِي : عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ الْحَضْرَمِيّ فَأَمّا عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ فَقُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ .

[ شِعْرُ هِنْدٍ وَكِنَانَةُ فِي خُرُوجِ زَيْنَبَ ]
وَلَمّا انْصَرَفَ الّذِينَ خَرَجُوا إلَى زَيْنَبَ لَقِيَتْهُمْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ ، فَقَالَتْ لَهُمْ
أَفِي السّلْمِ أَعْيَارٌ جَفَاءً وَغِلْظَةً ... وَفِي الْحَرْبِ أَشْبَاهُ النّسَاءِ الْعَوَارِكِ
وَقَالَ كِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ فِي أَمْرِ زَيْنَبَ حِينَ دَفَعَهَا إلَى الرّجُلَيْنِ [ ص 657 ]
عَجِبْتُ لِهَبّارٍ وَأَوْبَاشِ قَوْمِهِ ... يُرِيدُونَ إخْفَارِي بِبِنْتِ مُحَمّدِ
وَلَسْتُ أُبَالِي مَا حَيِيتُ عَدِيدَهُمْ ... وَمَا اسْتَجْمَعْت قَبْضًا يَدِي بِالْمُهَنّدِ

[ الرّسُولُ يُحِلّ دَمَ هَبّارٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْأَشَجّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الدّوْسِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَرِيّةً أَنَا فِيهَا ، فَقَالَ لَنَا : إنْ ظَفِرْتُمْ بِهَبّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَوْ الرّجُلِ ( الْآخَرِ ) الّذِي سَبَقَ مَعَهُ إلَى زَيْنَبَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَدْ سَمّى ابْنُ إسْحَاقَ الرّجُلَ فِي حَدِيثِهِ ( وَقَالَ هُوَ نَافِعُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ ) - فَحَرّقُوهُمَا بِالنّارِ . قَالَ فَلَمّا كَانَ الْغَدُ بَعَثَ إلَيْنَا ، فَقَالَ إنّي كُنْت أَمَرْتُكُمْ بِتَحْرِيقِ هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ إنْ أَخَذْتُمُوهُمَا ، ثُمّ رَأَيْتُ أَنّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُعَذّبَ بِالنّارِ إلّا اللّهُ فَإِنْ ظَفَرْتُمْ بِهِمَا فَاقْتُلُوهُمَا .

إسْلَامُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَقَامَ أَبُو الْعَاصِ بِمَكّةَ ، وَأَقَامَتْ زَيْنَبُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ ، حِينَ فَرّقَ بَيْنَهُمَا الْإِسْلَامُ حَتّى إذَا كَانَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ تَاجِرًا إلَى الشّامِ ، وَكَانَ رَجُلًا مَأْمُونًا ، بِمَالٍ لَهُ وَأَمْوَالٍ لِرِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، أَبْضَعُوهَا مَعَهُ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ تِجَارَتِهِ وَأَقْبَلَ قَافِلًا ، لَقِيَتْهُ سَرِيّةٌ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَصَابُوا مَا مَعَهُ وَأَعْجَزَهُمْ هَارِبًا ، فَلَمّا قَدِمَتْ السّرِيّةُ بِمَا أَصَابُوا مِنْ مَالِهِ أَقْبَلَ أَبُو الْعَاصِ تَحْتَ اللّيْلِ حَتّى دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللّه ِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاسْتَجَارَ بِهَا ، فَأَجَارَتْهُ وَجَاءَ فِي طَلَبِ مَالِهِ فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الصّبْحِ - كَمَا حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ [ ص 658 ] النّسَاءِ أَيّهَا النّاسُ إنّي قَدْ أَجَرْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرّبِيعِ . قَالَ فَلَمّا سَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الصّلَاةِ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ أَيّهَا النّاسِ هَلْ سَمِعْتُمْ مَا سَمِعْتُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ أَمَا وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ مَا عَلِمْتُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتّى سَمِعْتُ مَا سَمِعْتُمْ إنّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ . ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ فَقَالَ أَيْ بُنَيّةُ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ وَلَا يَخْلُصُنّ إلَيْك ، فَإِنّك لَا تَحِلّينَ لَهُ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ إلَى السّرِيّةِ الّذِينَ أَصَابُوا مَالَ أَبِي الْعَاصِ فَقَالَ لَهُمْ إنّ هَذَا الرّجُلَ مِنّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ ، وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مَالًا ، فَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَرُدّوا عَلَيْهِ الّذِي لَهُ فَإِنّا نُحِبّ ذَلِكَ وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَهُوَ فَيْءُ اللّهِ الّذِي أَفَاءَ عَلَيْكُمْ فَأَنْتُمْ أَحَقّ بِهِ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ بَلْ نَرُدّهُ عَلَيْهِ فَرَدّوهُ عَلَيْهِ حَتّى إنّ الرّجُلَ لِيَأْتِيَ بِالدّلْوِ وَيَأْتِيَ الرّجُلُ بِالشّنّةِ وَبِالْإِدَاوَةِ حَتّى إنّ أَحَدَهُمْ لِيَأْتِيَ بِالشّظَاظِ حَتّى رَدّوا عَلَيْهِ مَالَهُ بِأَسْرِهِ لَا يَفْقِدُ مِنْهُ شَيْئًا ثُمّ احْتَمَلَ إلَى مَكّةَ ، فَأَدّى إلَى كُلّ ذِي مَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَالَهُ وَمَنْ كَانَ أَبْضَعَ مَعَهُ ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، هَلْ بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ عِنْدِي مَالٌ لَمْ يَأْخُذْهُ قَالُوا : لَا . فَجَزَاك اللّهُ خَيْرًا ، فَقَدْ وَجَدْنَاك وَفِيّا كَرِيمًا قَالَ فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ، وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَاَللّهِ مَا مَنَعَنِي مِنْ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُ إلّا تَخَوّفُ أَنْ تَظُنّوا أَنّي إنّمَا أَرَدْت أَنْ آكُلَ أَمْوَالَكُمْ فَلَمّا أَدّاهَا اللّهُ إلَيْكُمْ وَفَرَغْتُ مِنْهَا أَسْلَمْتُ . ثُمّ خَرَجَ حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي دَاوُد بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ [ ص 659 ] رَدّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْنَبَ عَلَى النّكَاحِ الْأَوّلِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا ( بَعْدَ سِتّ سِنِينَ ) .

[ مَثَلٌ مِنْ أَمَانَةِ أَبِي الْعَاصِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرّبِيعِ لَمّا قَدِمَ مِنْ الشّامِ وَمَعَهُ أَمْوَالُ الْمُشْرِكِينَ قِيلَ لَهُ هَلْ لَك أَنْ تُسْلِمَ وَتَأْخُذَ هَذِهِ الْأَمْوَالَ ، فَإِنّهَا أَمْوَالُ الْمُشْرِكِينَ ؟ فَقَالَ أَبُو الْعَاصِ بِئْسَ مَا أَبْدَأُ بِهِ إسْلَامِي أَنْ أَخُونَ أَمَانَتِي قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التّنّورِيّ ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ عَامِرٍ الشّعْبِيّ ، بِنَحْوِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي الْعَاصِ .

[ الّذِينَ أَطْلَقُوا مِنْ غَيْرِ فِدَاءٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَكَانَ مِمّنْ سُمّيَ لَنَا مِنْ الْأُسَارَى مِمّنْ مُنّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ فِدَاءٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ شَمْسِ مَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ أَنْ بُعِثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِفِدَائِهِ . وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ ( بْنِ يَقَظَةَ ) : الْمُطّلِبُ بْنُ حَنْطَبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، كَانَ لِبَعْضِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، فَتَرَكَ فِي أَيْدِيهِمْ حَتّى خَلّوْا سَبِيلَهُ . فَلَحِقَ بِقَوْمِهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَسَرَهُ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ ، أَبُو أَيّوبَ ( الْأَنْصَارِيّ ) ، أَخُو بَنِي النّجّارِ . [ ص 660 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَصَيْفِيّ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، تُرِكَ فِي أَيْدِي أَصْحَابِهِ فَلَمّا لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ فِي فِدَائِهِ أَخَذُوا عَلَيْهِ لِيَبْعَثُنّ إلَيْهِمْ بِفِدَائِهِ فَخَلّوْا سَبِيلَهُ فَلَمْ يَفِ لَهُمْ بِشَيْءٍ فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ
وَمَا كَانَ صَيْفِيّ لِيُوفِيَ ذِمّةً ... قَفَا ثَعْلَبٍ أَعْيَا بِبَعْضِ الْمَوَارِدِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو عَزّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ كَانَ مُحْتَاجًا ذَا بَنَاتٍ فَكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ لَقَدْ عَرَفْتَ مَا لِي مِنْ مَالٍ ، وَإِنّي لَذُو حَاجَةٍ وَذُو عِيَالٍ فَامْنُنْ عَلَيّ فَمَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَلّا يُظَاهِرَ عَلَيْهِ أَحَدًا فَقَالَ أَبُو عَزّةَ فِي ذَلِكَ يَمْدَحُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَذْكُرُ فَضْلَهُ فِي قَوْمِهِ
مَنْ مُبَلّغٌ عَنّي الرّسُولَ مُحَمّدًا ... بِأَنّك حَقّ وَالْمَلِيكُ حَمِيدُ
وَأَنْتَ امْرُؤٌ تَدْعُو فِي الْحَقّ وَالْهُدَى ... عَلَيْك مِنْ اللّهِ الْعَظِيمِ شَهِيدُ
وَأَنْتَ امْرُؤُ بُوّئْتَ فِينَا مَبَاءَةً ... لَهَا دَرَجَاتٌ سَهْلَةٌ وَصُعُودُ
فَإِنّك مَنْ حَارَبْتَهُ لَمُحَارَبٌ ... شَقِيّ وَمَنْ سَالَمَتْهُ لَسَعِيدُ
وَلَكِنْ إذَا ذُكّرْتُ بَدْرًا وَأَهْلَهُ ... تَأَوّبَ مَا بِي : حَسْرَةٌ وَقُعُودُ
[ ثَمَنُ الْفِدَاءِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : كَانَ فِدَاءُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ لِلرّجُلِ إلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ إلّا مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ فَمَنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِ .

إسْلَامُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 661 ] مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ قَالَ جَلَسَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيّ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ بَعْدَ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْحِجْرِ بِيَسِيرٍ وَكَانَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ شَيْطَانًا مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ ، وَمِمّنْ كَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابَهُ وَيَلْقَوْنَ مِنْهُ عَنَاءً وَهُوَ بِمَكّةَ وَكَانَ ابْنُهُ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ فِي أُسَارَى بَدْرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَسَرَهُ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ أَحَدُ بَنِي زُرَيْقٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ فَذَكَرَ أَصْحَابَ الْقَلِيبِ وَمُصَابَهُمْ فَقَالَ صَفْوَانُ وَاَللّهِ إنْ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ خَيْرٌ قَالَ لَهُ عُمَيْرٌ صَدَقَتْ وَاَللّهِ أَمَا وَاَللّهِ لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيّ لَيْسَ لَهُ عِنْدِي قَضَاءٌ وَعِيَالٌ أَخْشَى عَلَيْهِمْ الضّيْعَةَ بَعْدِي ، لَرَكِبْتُ إلَى مُحَمّدٍ حَتّى أَقْتُلَهُ فَإِنّ لِي قِبَلَهُمْ عِلّةً ابْنِي أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهِمْ قَالَ فَاغْتَنَمَهَا صَفْوَانُ وَقَالَ عَلَيّ دَيْنُك ، أَنَا أَقْضِيهِ عَنْك ، وَعِيَالُك مَعَ عِيَالِي أُوَاسِيهِمْ مَا بَقُوا ، لَا يَسَعُنِي شَيْءٌ وَيَعْجِزُ عَنْهُمْ فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ فَاكْتُمْ شَأْنِي وَشَأْنَك ، قَالَ أَفْعَلُ .

قَالَ ثُمّ أَمَرَ عُمَيْرٌ بِسَيْفِهِ فَشُحِذَ لَهُ وَسُمّ ثُمّ انْطَلَقَ حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، فَبَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَتَحَدّثُونَ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ وَيَذْكُرُونَ مَا أَكْرَمَهُمْ اللّهُ بِهِ وَمَا أَرَاهُمْ مِنْ عَدُوّهِمْ إذْ نَظَرَ عُمَرُ إلَى عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ حِينَ أَنَاخَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مُتَوَشّحًا السّيْف ، فَقَالَ هَذَا الْكَلْبُ عَدُوّ اللّهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ وَاَللّهِ مَا جَاءَ إلّا لِشَرّ وَهُوَ الّذِي حَرّشَ بَيْنَنَا ، وَحَزَرْنَا لِلْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ . ثُمّ دَخَلَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ هَذَا عَدُوّ [ ص 662 ] قَالَ فَأَدْخَلَهُ عَلَيّ قَالَ فَأَقْبَلَ عُمَرُ حَتّى أَخَذَ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ فَلَبّبَهُ بِهَا ، وَقَالَ لِرِجَالٍ مِمّنْ كَانُوا مَعَهُ مِنْ الْأَنْصَارِ : اُدْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاجْلِسُوا عِنْدَهُ وَاحْذَرُوا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْخَبِيثِ فَإِنّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ ثُمّ دَخَلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ

فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعُمَرُ آخِذٌ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ قَالَ أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ اُدْنُ يَا عُمَيْرُ ، فَدَنَا ثُمّ قَالَ انْعَمُوا صَبَاحًا ، وَكَانَتْ تَحِيّةُ أَهْلِ الْجَاهِلِيّةِ بَيْنَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَكْرَمَنَا اللّهُ بِتَحِيّةِ خَيْرٍ مِنْ تَحِيّتِك يَا عُمَيْرُ بِالسّلَامِ تَحِيّةُ أَهْلِ الْجَنّةِ فَقَالَ أَمَا وَاَللّهِ يَا مُحَمّدُ إنْ كُنْتُ بِهَا لَحَدِيثُ عَهْدٍ قَالَ فَمَا جَاءَ بِك يَا عُمَيْرُ ؟ قَالَ جِئْت لِهَذَا الْأَسِيرِ الّذِي فِي أَيْدِيكُمْ فَأَحْسِنُوا فِيهِ قَالَ فَمَا بَالُ السّيْفِ فِي عُنُقِك ؟ قَالَ قَبّحَهَا اللّهُ مِنْ سُيُوفٍ وَهَلْ أَغْنَتْ عَنّا شَيْئًا ؟ قَالَ اُصْدُقْنِي ، مَا الّذِي جِئْتَ لَهُ ؟ قَالَ مَا جِئْتُ إلّا لِذَلِك ، قَالَ بَلْ قَعَدْتَ أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ فِي الْحِجْرِ ، فَذَكَرْتُمَا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمّ قُلْت : لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيّ وَعِيَالٌ عِنْدِي لَخَرَجْتُ حَتّى أَقْتُلَ مُحَمّدًا ، فَتَحَمّلَ لَك صَفْوَانُ بِدَيْنِك وَعِيَالِك ، عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي لَهُ وَاَللّهُ حَائِلٌ بَيْنَك وَبَيْنَ ذَلِكَ قَالَ عُمَيْرٌ أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللّهِ قَدْ كُنّا يَا رَسُولَ اللّهِ نُكَذّبُك بِمَا كُنْت تَأْتِينَا بِهِ مِنْ خَبَرِ السّمَاءِ وَمَا يَنْزِلُ عَلَيْك مِنْ الْوَحْيِ وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَحْضُرْهُ إلّا أَنَا وَصَفْوَانُ فَوَاَللّهِ إنّي لَأَعْلَمُ مَا أَتَاك بِهِ إلّا اللّهُ فَالْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ وَسَاقَنِي هَذَا الْمَسَاقَ ثُمّ شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقّ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقّهُوا أَخَاكُمْ فِي دِينِهِ . وَأَقْرِئُوهُ الْقُرْآنَ وَأَطْلِقُوا لَهُ أَسِيرَهُ فَفَعَلُوا .

ثُمّ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي كُنْت جَاهِدًا عَلَى إطْفَاءِ نُورِ اللّهِ شَدِيدَ الْأَذَى لِمَنْ كَانَ عَلَى دِينِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَأَنَا أُحِبّ أَنْ تَأْذَنَ لِي ، فَأَقْدَمَ مَكّةَ ، فَأَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ تَعَالَى ، وَإِلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِلَى الْإِسْلَامِ لَعَلّ اللّهَ يَهْدِيهِمْ [ ص 663 ] كُنْت أُوذِي أَصْحَابَك فِي دِينِهِمْ ؟ قَالَ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَحِقَ بِمَكّةَ . وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ حِينَ خَرَجَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ ، يَقُولُ أَبْشِرُوا بِوَقْعَةٍ تَأْتِيكُمْ الْآنَ فِي أَيّامٍ تُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ وَكَانَ صَفْوَانُ يَسْأَلُ عَنْهُ الرّكْبَانَ حَتّى قَدِمَ رَاكِبٌ فَأَخْبَرَهُ عَنْ إسْلَامِهِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلّمَهُ أَبَدًا ، وَلَا يَنْفَعَهُ بِنَفْعِ أَبَدًا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدِمَ عُمَيْرٌ مَكّةَ ، أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إلَى الْإِسْلَامِ وَيُؤْذِي مَنْ خَالَفَهُ أَذًى شَدِيدًا ، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ ، أَوْ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ ، قَدْ ذُكِرَ لِي أَحَدُهُمَا ، الّذِي رَأَى إبْلِيسَ حِينَ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ أَيْنَ أَيْ سُرَاقَةُ ؟ وَمَثَلَ عَدُوّ اللّهِ فَذَهَبَ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ . { وَإِذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جَارٌ لَكُمْ } فَذَكَرَ اسْتِدْرَاجَ إبْلِيسَ إيّاهُمْ وَتَشَبّهَهُ بِسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ لَهُمْ حِينَ ذَكَرُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ فِي الْحَرْبِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ . يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : { فَلَمّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ } وَنَظَرَ عَدُوّ اللّهِ إلَى جُنُودِ اللّهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ قَدْ أَيّدَ اللّهُ بِهِمْ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى عَدُوّهِمْ { نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ } وَصَدَقَ عَدُوّ اللّهِ رَأَى مَا لَمْ يَرَوْا ، وَقَالَ { إِنّي أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ } فَذُكِرَ لِي أَنّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَهُ فِي كُلّ مَنْزِلٍ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ لَا يُنْكِرُونَهُ حَتّى إذَا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَالْتَقَى الْجَمْعَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ فَأَوْرَدَهُمْ ثُمّ أَسْلَمَهُمْ .
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : نَكَصَ رَجَعَ . قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ أَحَدُ بَنِي أُسَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ [ ص 664 ] نَكَصْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ يَوْمَ جِئْتُمْ تُزَجّونَ أَنْفَالَ الْخَمِيسِ الْعَرَمْرَمِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .

[ شِعْرٌ لِحَسّانَ فِي الْفَخْرِ بِقَوْمِهِ وَمَا كَانَ مِنْ تَغْرِيرِ إبْلِيسَ بِقُرَيْشٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ :
قَوْمِي الّذِينَ هُمْ آوَوْا نَبِيّهُمْ ... وَصَدّقُوهُ وَأَهْلُ الْأَرْضِ كُفّارُ
إلّا خَصَائِصَ أَقْوَامٍ هُمْ سَلَفٌ ... لِلصّالِحِينَ مَعَ الْأَنْصَارِ أَنْصَارُ
مُسْتَبْشِرِينَ بِقَسْمِ اللّهِ قَوْلُهُمْ ... لَمّا أَتَاهُمْ كَرِيمُ الْأَصْلِ مُخْتَارُ
أَهْلًا وَسَهْلًا فَفِي أَمْنٍ وَفِي سَعَةٍ ... نِعْمَ النّبِيّ وَنِعْمَ الْقَسْمُ وَالْجَارُ
فَأَنْزَلُوهُ بِدَارِ لَا يُخَافُ بِهَا ... مَنْ كَانَ جَارَهُمْ دَارًا هِيَ الدّارُ
وَقَاسَمُوهُ بِهَا الْأَمْوَالَ إذْ قَدِمُوا ... مُهَاجِرِينَ وَقَسْمُ الْجَاحِدِ النّارُ
سِرْنَا وَسَارُوا إلَى بَدْرٍ لِحَيْنِهِمْ ... لَوْ يَعْلَمُونَ يَقِينَ الْعِلْمِ مَا سَارُوا
دَلّاهُمْ بِغُرُورٍ ثُمّ أَسْلَمَهُمْ ... إنّ الْخَبِيثَ لِمَنْ وَالَاهُ غَرّارُ
وَقَالَ إنّي لَكُمْ جَارٌ فَأَوْرَدَهُمْ ... شَرّ الْمَوَارِدِ فِيهِ الْخِزْي وَالْعَارُ
ثُمّ الْتَقَيْنَا فَوَلّوْا عَنْ سَرَاتِهِمْ ... مِنْ مُنْجِدِينَ وَمِنْهُمْ فِرْقَةٌ غَارُوا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ أَنْشَدَنِي قَوْلَهُ " لَمّا أَتَاهُمْ كَرِيمُ الْأَصْلِ مُخْتَارُ " أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ .

الْمُطْعِمُونَ مِنْ قُرَيْشٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ الْمُطْعِمُونَ مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : الْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ . [ ص 665 ] وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ . وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : الْحَارِثَ بْنَ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَطُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ ، يَعْتَقِبَانِ ذَلِكَ . وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى : أَبَا الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ . وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ : يَعْتَقِبَانِ ذَلِكَ . وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : النّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ .
[نَسَبُ النّضْرِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ : أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ . وَمِنْ بَنَى جُمَحَ : أُمَيّةَ بْنَ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو : نُبَيْهًا وَمُنَبّهًا ابْنَيْ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ ، يَعْتَقِبَانِ ذَلِكَ . [ ص 666 ] وَمُنَبّهًا ابْنَيْ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ ، يَعْتَقِبَانِ ذَلِكَ . [ ص 666 ] وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : سُهَيْلَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ .
أَسَمَاءُ خَيْلِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّهُ كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ الْخَيْلِ فَرَسُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ السّبَلُ وَفَرَسُ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيّ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ بَعْزَجَةُ وَيُقَالُ سَبْحَةُ وَفَرَسُ الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْيَعْسُوبُ .
[خَيْلُ الْمُشْرِكِينَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَمَعَ الْمُشْرِكِينَ مِئَةُ فَرَسٍ .

نُزُولُ سُورَةِ الْأَنْفَالِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا انْقَضَى أَمْرُ بَدْرٍ أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ الْأَنْفَالَ بِأَسْرِهَا ، فَكَانَ مِمّا نَزَلَ مِنْهَا فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي النّفَلِ حِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ فَاتّقُوا اللّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } فَكَانَ عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ - فِيمَا بَلَغَنِي - إذَا سُئِلَ عَنْ الْأَنْفَالِ قَالَ فِينَا مَعْشَرَ أَهْلِ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النّفَلِ يَوْمَ بَدْرٍ فَانْتَزَعَهُ اللّهُ مِنْ أَيْدِينَا حِينَ سَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا ، فَرَدّهُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَسَمَهُ بَيْنَنَا [ ص 667 ] السّوَاءِ - وَكَانَ فِي ذَلِكَ تَقْوَى اللّهِ وَطَاعَتُهُ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ .

[ مَا نَزَلَ فِي خُرُوجِ الْقَوْمِ مَعَ الرّسُولِ لِمُلَاقَاةِ قُرَيْشٍ ]
ثُمّ ذَكَرَ الْقَوْمَ وَمَسِيرَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ عَرَفَ الْقَوْمُ أَنّ قُرَيْشًا قَدْ سَارُوا إلَيْهِمْ وَإِنّمَا خَرَجُوا يُرِيدُونَ الْعِيرَ طَمَعًا فِي الْغَنِيمَةِ فَقَالَ { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقّ وَإِنّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقّ بَعْدَمَا تَبَيّنَ كَأَنّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ } أَيْ كَرَاهِيَةً لِلِقَاءِ الْقَوْمِ وَإِنْكَارًا لِمَسِيرِ قُرَيْشٍ ، حِين ذُكِرُوا لَهُمْ { وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أَنّهَا لَكُمْ وَتَوَدّونَ أَنّ غَيْرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ } أَيْ الْغَنِيمَةَ دُونَ الْحَرْبِ { وَيُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُحِقّ الْحَقّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ } أَيّ بِالْوَقْعَةِ الّتِي أَوْقَعَ بِصَنَادِيدِ قُرَيْشٍ وَقَادَتِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ } أَيْ لِدُعَائِهِمْ حِينَ نَظَرُوا إلَى كَثْرَةِ عَدُوّهِمْ وَقِلّةِ عَدَدِهِمْ { فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } بِدُعَاءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدُعَائِكُمْ { أَنّي مُمِدّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ } { إِذْ يُغَشّيكُمُ النّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ } أَيْ أَنْزَلْت عَلَيْكُمْ الْأَمَنَةَ حِينَ نِمْتُمْ لَا تَخَافُونَ { وَيُنَزّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السّمَاءِ مَاءً } لِلْمَطَرِ الّذِي أَصَابَهُمْ تِلْكَ اللّيْلَةَ فَحَبَسَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَسْبِقُوا إلَى الْمَاءِ وَخَلّى سَبِيلَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ { لِيُطَهّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ } أَيّ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ شَكّ الشّيْطَانِ لِتَخْوِيفِهِ إيّاهُمْ عَدُوّهُمْ وَاسْتِجْلَادِ الْأَرْضِ لَهُمْ حَتّى انْتَهَوْا إلَى مَنْزِلِهِمْ الّذِي سَبَقُوا إلَيْهِ عَدُوّهُمْ .

[ مَا نَزَلَ فِي تَبْشِيرِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمُسَاعَدَةِ وَالنّصْرِ وَتَحْرِيضِهِمْ ]
ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { إِذْ يُوحِي رَبّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ فَثَبّتُوا الّذِينَ آمَنُوا } [ ص 668 ] { سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُوا الرّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَانٍ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ شَاقّوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } ثُمّ قَالَ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّا مُتَحَرّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } أَيْ تَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى عَدُوّهِمْ لِئَلّا يَنْكُلُوا عَنْهُمْ إذَا لَقُوهُمْ وَقَدْ وَعَدَهُمْ اللّهُ فِيهِمْ مَا وَعَدَهُمْ .

[ مَا نَزَلَ فِي رَمْيِ الرّسُولِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْحَصْبَاءِ ]
ثُمّ قَالَ تَعَالَى فِي رَمْيِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّاهُمْ بِالْحَصْبَاءِ مِنْ يَدِهِ حِينَ رَمَاهُمْ { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّهَ رَمَى } أَيْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِرَمْيَتِك ، لَوْلَا الّذِي جَعَلَ اللّهُ فِيهَا مِنْ نَصْرِك ، وَمَا أَلْقَى فِي صُدُورِ عَدُوّك مِنْهَا حِينَ هَزَمَهُمْ اللّهُ { وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا } أَيْ لِيُعَرّفَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ فِي إظْهَارِهِمْ عَلَى عَدُوّهِمْ وَقِلّةِ عَدَدِهِمْ لِيَعْرِفُوا بِذَلِكَ حَقّهُ وَيَشْكُرُوا بِذَلِكَ نِعْمَتَهُ .

[ مَا نَزَلَ فِي الِاسْتِفْتَاحِ ]
ثُمّ قَالَ { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ } أَيْ لِقَوْلِ أَبِي جَهْلٍ : اللّهُمّ أَقْطَعَنَا لِلرّحِمِ وَآتَانَا بِمَا لَا يُعْرَفُ فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ . وَالِاسْتِفْتَاحُ الْإِنْصَافُ فِي الدّعَاءِ . يَقُولُ اللّهُ جَلّ ثَنَاؤُهُ { وَإِنْ تَنْتَهُوا } أَيْ لِقُرَيْشِ { فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ } أَيْ بِمِثْلِ الْوَقْعَةِ الّتِي أَصَبْنَاكُمْ بِهَا يَوْمَ بَدْرٍ { وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } أَيْ أَنّ عَدَدَكُمْ وَكَثْرَتَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ شَيْئًا ، وَإِنّي مَعَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْصُرهُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ .

[ مَا نَزَلَ فِي حَضّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طَاعَةِ الرّسُولِ ]
ثُمّ قَالَ تَعَالَى [ ص 669 ] { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } أَيْ لَا تُخَالِفُوا أَمْرَهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ لِقَوْلِهِ وَتَزْعُمُونَ أَنّكُمْ مِنْهُ { وَلَا تَكُونُوا كَالّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ } أَيْ كَالْمُنَافِقِينَ الّذِينَ يُظْهِرُونَ لَهُ الطّاعَةَ وَيُسِرّونَ لَهُ الْمَعْصِيَةَ { إِنّ شَرّ الدّوَابّ عِنْدَ اللّهِ الصّمّ الْبُكْمُ الّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ } أَيْ الْمُنَافِقُونَ الّذِينَ نَهَيْتُكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ بُكْمٌ عَنْ الْخَيْرِ صُمّ عَنْ الْحَقّ لَا يَعْقِلُونَ لَا يَعْرِفُونَ مَا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ النّقْمَةِ وَالتّبَاعَةِ { وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ } أَيْ لَأَنْفَذَ لَهُمْ قَوْلَهُمْ الّذِي قَالُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَلَكِنّ الْقُلُوبَ خَالَفَتْ ذَلِكَ مِنْهُمْ { وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } مَا وَفَوْا لَكُمْ بِشَيْءٍ مِمّا خَرَجُوا عَلَيْهِ . { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } أَيْ لِلْحَرْبِ الّتِي أَعَزّكُمْ اللّهُ بِهَا بَعْدَ الذّلّ وَقَوّاكُمْ بِهَا بَعْدَ الضّعْفِ وَمَنَعَكُمْ بِهَا مِنْ عَدُوّكُمْ بَعْدَ الْقَهْرِ مِنْهُمْ لَكُمْ { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطّيّبَاتِ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللّهَ وَالرّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أَيْ لَا تُظْهِرُوا لَهُ مِنْ الْحَقّ مَا يَرْضَى بِهِ مِنْكُمْ ثُمّ تُخَالِفُوهُ فِي السّرّ إلَى غَيْرِهِ فَإِنّ ذَلِكَ هَلَاكٌ لِأَمَانَاتِكُمْ وَخِيَانَةٌ لِأَنْفُسِكُمْ . { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } أَيْ فَصْلًا بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِلِ لِيُظْهِرَ اللّهُ بِهِ حَقّكُمْ وَيُطْفِئَ بِهِ بَاطِلَ مَنْ خَالَفَكُمْ .

[ مَا نَزَلَ فِي ذِكْرِ نِعْمَةِ اللّهِ عَلَى الرّسُولِ ]
ثُمّ ذَكّرَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِ حِينَ مَكَرَ بِهِ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ أَوْ يُثْبِتُوهُ أَوْ يُخْرِجُوهُ { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } أَيْ فَمَكَرْتُ بِهِمْ بِكَيْدِي الْمَتِينِ حَتّى خَلّصْتُك مِنْهُمْ .

[ مَا نَزَلَ فِي غِرّةِ قُرَيْشٍ وَاسْتِفْتَاحِهِمْ ]
ثُمّ ذَكَرَ غِرّةَ قُرَيْشٍ [ ص 670 ] قَالُوا : { اللّهُمّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدِكَ } أَيْ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمّدٌ { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السّمَاءِ } كَمَا أَمْطَرْتهَا عَلَى قَوْمِ لُوطٍ { أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أَيْ بَعْضِ مَا عَذّبْت بِهِ الْأُمَمَ قَبْلَنَا ، وَكَانُوا يَقُولُونَ إنّ اللّهَ لَا يُعَذّبُنَا وَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُهُ وَلَمْ يُعَذّبْ أُمّةً وَنَبِيّهَا مَعَهَا حَتّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا . وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَذْكُرُ جَهَالَتَهُمْ وَغِرّتَهُمْ وَاسْتِفْتَاحَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ حِينَ نَعَى سُوءَ أَعْمَالِهِمْ { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } أَيْ لِقَوْلِهِمْ إنّا نَسْتَغْفِرُ وَمُحَمّدٌ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ، ثُمّ قَالَ { وَمَا لَهُمْ أَلّا يُعَذّبَهُمُ اللّهُ } وَإِنْ كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَإِنْ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ كَمَا يَقُولُونَ { وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } أَيْ مَنْ آمَنَ بِاَللّهِ وَعَبْدَهُ أَيْ أَنْتَ وَمَنْ اتّبَعَك ، { وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلّا الْمُتّقُونَ } الّذِينَ يُحَرّمُونَ حُرْمَتَهُ وَيُقِيمُونَ الصّلَاةَ عِنْدَهُ أَيْ أَنْتَ وَمَنْ آمَنَ بِك { وَلَكِنّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } { وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ } الّتِي يَزْعُمُونَ أَنّهُ يَدْفَعُ بِهَا عَنْهُمْ { إِلّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْمُكَاءُ الصّفِيرُ . وَالتّصْدِيَةُ التّصْفِيقُ . قَالَ عَنْتَرَةُ بْنُ عَمْرٍو ( ابْنُ شَدّادٍ ) الْعَبْسِيّ
وَلَرُبّ قِرْنٍ قَدْ تَرَكْتُ مُجَدّلًا ... تَمْكُو فَرِيصَتُهُ كَشِدْقِ الْأَعْلَمِ
يَعْنِي : صَوْتَ خُرُوجِ الدّمِ مِنْ الطّعْنَةِ كَأَنّهُ الصّفِيرُ . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَالَ الطّرِمّاحُ بْنُ حَكِيمٍ الطّائِيّ : [ ص 671 ]
لَهَا كُلّمَا رِيعَتْ صَدَاةٌ وَرَكْدَةٌ ... بِمُصْدَانَ أَعْلَى ابْنَيْ شَمَامِ الْبَوَائِنِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . يَعْنِي الْأُرْوِيّةَ يَقُولُ إذَا فَزِعَتْ قَرَعَتْ بِيَدِهَا الصّفَاةَ ثُمّ رَكَدَتْ تَسْمَعُ صَدَى قَرْعِهَا بِيَدِهَا الصّفَاةَ مِثْلُ التّصْفِيقِ . وَالْمُصْدَانَ الْحِرْزُ . وَابْنَا شَمَامِ جَبَلَانِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَذَلِكَ مَا لَا يُرْضِي اللّهَ عَزّ وَجَلّ وَلَا يُحِبّهُ وَلَا مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ وَلَا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ { فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } أَيْ لِمَا أَوْقَعَ بِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ الْقَتْلِ .

[الْمُدّةُ بَيْنَ يَا أَيّهَا الْمُزّمّلُ وَبَدْرٌ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا كَانَ بَيْنَ نُزُولِ { يَا أَيّهَا الْمُزّمّلُ } وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى فِيهَا : { وَذَرْنِي وَالْمُكَذّبِينَ أُولِي النّعْمَةِ وَمَهّلْهُمْ قَلِيلًا إِنّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا } إلّا يَسِيرٌ حَتّى أَصَابَ اللّهُ قُرَيْشًا بِالْوَقْعَةِ يَوْمَ بَدْرٍ .
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْأَنْكَالُ الْقُيُودُ وَاحِدُهَا : نِكْلٌ . قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ : يَكْفِيك نِكْلِي بَغْيَ كُلّ نِكْلِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ .

[ مَا نَزَلَ فِيمَنْ عَاوَنُوا أَبَا سُفْيَانَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمّ يُغْلَبُونَ وَالّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنّمَ يُحْشَرُونَ } يَعْنِي النّفَرَ الّذِينَ مَشَوْا إلَى أَبِي سُفْيَانَ وَإِلَى مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي تِلْكَ التّجَارَةِ فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُقَوّوهُمْ بِهَا عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَفَعَلُوا . [ ص 672 ] قَالَ { قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا } لِحَرْبِك { فَقَدْ مَضَتْ سُنّةُ الْأَوّلِينَ } أَيْ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ .

[ الْأَمْرُ بِقِتَالِ الْكُفّارِ ]
ثُمّ قَالَ تَعَالَى { وَقَاتِلُوهُمْ حَتّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ } أَيْ حَتّى لَا يُفْتَنَ مُؤْمِنٌ عَنْ دِينِهِ وَيَكُونَ التّوْحِيدُ لِلّهِ خَالِصًا لَيْسَ لَهُ فِيهِ شَرِيكٌ وَيُخْلَعَ مَا دُونَهُ مِنْ الْأَنْدَادِ { فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَإِنْ تَوَلّوْا } عَنْ أَمْرِك إلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِمْ { فَاعْلَمُوا أَنّ اللّهَ مَوْلَاكُمْ } الّذِي أَعَزّكُمْ وَنَصَرَكُمْ عَلَيْهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ فِي كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَقِلّةِ عَدَدِكُمْ { نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النّصِيرُ }

[ مَا نَزَلَ فِي تَقْسِيمِ الْفَيْءِ ]
ثُمّ أَعْلَمَهُمْ مَقَاسِمَ الْفَيْءِ وَحُكْمَهُ فِيهِ حِينَ أَحَلّهُ لَهُمْ فَقَالَ { وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أَيْ يَوْمَ فَرّقْتُ فِيهِ بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِلِ بِقُدْرَتِي يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ { إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدّنْيَا } مِنْ الْوَادِي { وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى } مِنْ الْوَادِي إلَى مَكّةَ { وَالرّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ } أَيْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ الّتِي خَرَجْتُمْ لِتَأْخُذُوهَا وَخَرَجُوا لِيَمْنَعُوهَا عَنْ غَيْرِ مِيعَادٍ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ { وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ } أَيْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ مِيعَادٍ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ ثُمّ بَلَغَكُمْ كَثْرَةُ عَدَدِهِمْ وَقِلّةُ عَدَدِكُمْ مَا لَقِيتُمُوهُمْ { وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا } أَيْ لِيَقْضِيَ مَا أَرَادَ بِقُدْرَتِهِ مِنْ إعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَإِذْلَالِ الْكُفْرِ وَأَهْلِهِ عَنْ غَيْرِ بَلَاءٍ مِنْكُمْ فَفَعَلَ مَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ بِلُطْفِهِ ثُمّ قَالَ { لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ وَإِنّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ ص 673 ] كَفَرَ بَعْدَ الْحُجّةِ لِمَا رَأَى مِنْ الْآيَةِ وَالْعِبْرَةِ وَيُؤْمِنُ مَنْ آمَنَ عَلَى مِثْلِ ذلك .

[ مَا نَزَلَ فِي لُطْفِ اللّهِ بِالرّسُولِ ]
ثُمّ ذَكَرَ لُطْفَهُ بِهِ وَكَيْدَهُ لَهُ ثُمّ قَالَ { إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنّ اللّهَ سَلّمَ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ } فَكَانَ مَا أَرَاك مِنْ ذَلِكَ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ شَجّعَهُمْ بِهَا عَلَى عَدُوّهِمْ وَكَفّ بِهَا عَنْهُمْ مَا تُخُوّفَ عَلَيْهِمْ مِنْ ضَعْفِهِمْ لِعِلْمِهِ بِمَا فِيهِمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تُخُوّفَ مُبَدّلَةٌ مِنْ كَلِمَةٍ ذَكَرَهَا ابْنُ إسْحَاقَ وَلَمْ أَذْكُرْهَا { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا } أَيْ لِيُؤَلّفَ بَيْنَهُمْ عَلَى الْحَرْبِ لِلنّقْمَةِ مِمّنْ أَرَادَ الِانْتِقَامَ مِنْهُ وَالْإِنْعَامَ عَلَى مَنْ أَرَادَ إتْمَامَ النّعْمَةِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ .

[ مَا نَزَلَ فِي وَعْظِ الْمُسْلِمِينَ وَتَعْلِيمِهِمْ خُطَطَ الْحَرْبِ ]
ثُمّ وَعَظَهُمْ وَفَهّمَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ الّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَسِيرُوا بِهِ فِي حَرْبِهِمْ فَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً } تُقَاتِلُونَهُمْ فِي سَبِيل اللّهِ عَزّ وَجَلّ { فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيرًا } الّذِي لَهُ بَذَلْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَالْوَفَاءَ لَهُ بِمَا أَعْطَيْتُمُوهُ مِنْ بَيْعَتِكُمْ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ . { وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا } أَيْ لَا تَخْتَلِفُوا فَيَتَفَرّقَ أَمْرُكُمْ { وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } أَيْ وَتَذْهَبَ حِدّتُكُمْ { وَاصْبِرُوا إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ } أَيْ إنّي مَعَكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ { وَلَا تَكُونُوا كَالّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النّاسِ } أَيْ لَا تَكُونُوا كَأَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ الّذِينَ قَالُوا : لَا نَرْجِعُ حَتّى نَأْتِيَ بَدْرًا فَنَنْحَرَ بِهَا [ ص 674 ] الْعَرَبُ : أَيْ لَا يَكُونُ أَمْرُكُمْ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً وَلَا الْتِمَاسَ مَا عِنْدَ النّاسِ وَأَخْلِصُوا لِلّهِ النّيّةَ وَالْحِسْبَةَ فِي نَصْرِ دِينِكُمْ وَمُوَازَرَةِ نَبِيّكُمْ لَا تَعْمَلُوا إلّا لِذَلِك وَلَا تَطْلُبُوا غَيْرَهُ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جَارٌ لَكُمْ } قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ ذَكَرَ اللّهُ تَعَالَى أَهْلَ الْكُفْرِ وَمَا يَلْقَوْنَ عِنْدَ مَوْتِهِمْ وَوَصَفَهُمْ بِصِفَتِهِمْ وَأَخْبَرَ نَبِيّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُمْ حَتّى انْتَهَى إلَى أَنْ قَالَ { فَإِمّا تَثْقَفَنّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ } أَيْ فَنَكّلْ بِهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ لَعَلّهُمْ يَعْقِلُونَ { وَأَعِدّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللّهِ وَعَدُوّكُمْ } إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } أَيْ لَا يَضِيعُ لَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَجْرُهُ فِي الْآخِرَةِ وَعَاجِلٌ خِلَفَهُ فِي الدّنْيَا ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } أَيْ إنْ دَعَوْك إلَى السّلْمِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَصَالِحْهُمْ عَلَيْهِ { وَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ } إنّ اللّهَ كَافِيك { إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ }

[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : { جَنَحُوا لِلسّلْمِ } مَالُوا إلَيْك لِلسّلْمِ . الْجُنُوحُ الْمَيْلُ . قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ :
جُنُوحُ الْهَالِكِيّ عَلَى يَدَيْهِ ... مُكِبّا يَجْتَلِي نُقَبَ النّصَالِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ ( يُرِيدُ الصّيْقَلَ الْمُكِبّ عَلَى عَمَلِهِ . النّقْبُ صَدَأُ السّيْفِ . يَجْتَلِي : يَجْلُو السّيْفَ ) . وَالسّلْمُ ( أَيْضًا ) : الصّلْحُ وَفِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ { فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ } وَيُقْرَأُ إلَى السّلْمِ وَهُوَ ذَلِكَ الْمَعْنَى . قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى : [ ص 675 ]
وَقَدْ قُلْتُمَا إنْ نُدْرِكْ السّلْمَ وَاسِعًا ... بِمَالٍ وَمَعْرُوفٍ مِنْ الْقَوْلِ نَسْلَمْ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَلَغَنِي عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ ، أَنّهُ كَانَ يَقُولُ { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسّلْمِ } لِلْإِسْلَام . وَفِي كِتَابِ اللّهِ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السّلْمِ كَافّةً } وَيُقْرَأُ فِي السّلْمِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ . قَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ :
فَمَا أَنَابُوا لِسَلْمٍ حِينَ تُنْذِرُهُمْ ... رُسْلَ الْإِلَهِ وَمَا كَانُوا لَهُ عَضُدَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَتَقُولُ الْعَرَبُ لِدَلْوٍ تُعْمَلُ مُسْتَطِيلَةً السّلْمُ . قَالَ طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ أَحَدُ بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ ، يَصِفُ نَاقَةً لَهُ
لَهَا مِرْفَقَانِ أَفْتَلَانِ كَأَنّمَا ... تَمُرّ بِسَلْمَى دَالِحٍ مُتَشَدّدٍ
( وَيُرْوَى : دَالِجٍ ) . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . { وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنّ حَسْبَكَ اللّهُ } هُوَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ . { هُوَ الّذِي أَيّدَكَ بِنَصْرِهِ } بَعْدَ الضّعْفِ { وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } عَلَى الْهُدَى الّذِي بَعَثَك اللّهُ بِهِ إلَيْهِمْ { لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنّ اللّهَ أَلّفَ بَيْنَهُمْ } بِدِينِهِ الّذِي جَمَعَهُمْ عَلَيْهِ { إِنّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النّبِيّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَيّهَا النّبِيّ حَرّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ } أَيْ لَا يُقَاتِلُونَ عَلَى نِيّةٍ وَلَا حَقّ وَلَا مَعْرِفَةٍ بِخَيْرٍ وَلَا شَرّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ [ ص 676 ] عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ قَالَ لَمّا نَزَلَتْ هَذّ الْآيَةُ اشْتَدّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَعْظَمُوا أَنْ يُقَاتِلَ عِشْرُونَ مِئَتَيْنِ وَمِئَةٌ أَلْفًا ، فَخَفّفَ اللّهُ عَنْهُمْ فَنَسَخَتْهَا الْآيَةُ الْأُخْرَى ، فَقَالَ { الْآنَ خَفّفَ اللّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ } قَالَ فَكَانُوا إذَا كَانُوا عَلَى الشّطْرِ مِنْ عَدُوّهِمْ لَمْ يَنْبَغِ لَهُمْ أَنْ يَفِرّوا مِنْهُمْ وَإِذَا كَانُوا دُونَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ قِتَالُهُمْ وَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَتَحَوّزُوا عَنْهُمْ

[ مَا نَزَلَ فِي الْأُسَارَى وَالْمَغَانِمِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ عَاتَبَهُ اللّهُ تَعَالَى فِي الْأُسَارَى ، وَأَخْذِ الْمَغَانِمِ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ قَبْلَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَأْكُلُ مَغْنَمًا ، مِنْ عَدُوّ لَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مُحَمّدٌ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نُصِرْت بِالرّعْبِ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ، وَأُعْطِيت جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَأُحِلّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تُحْلَلْ لِنَبِيّ كَانَ قَبْلِي ، وَأُعْطِيت الشّفَاعَةَ خَمْسٌ لَمْ يُؤْتَهُنّ نَبِيّ قَبْلِي قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ { مَا كَانَ لِنَبِيّ } أَيْ قَبْلَك أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى مِنْ عَدُوّهِ حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ أَيْ يُثْخِنَ عَدُوّهُ حَتّى يَنْفِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ { تُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا } أَيْ الْمَتَاعَ الْفِدَاءَ بِأَخْذِ الرّجَالِ { وَاللّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ } أَيْ قَتْلَهُمْ لِظُهُورِ الدّينِ الّذِي يُرِيدُ إظْهَارَهُ وَاَلّذِي تُدْرَكُ بِهِ الْآخِرَةُ { لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ } أَيْ مِنْ الْأُسَارَى وَالْمَغَانِمِ { عَذَابٌ عَظِيمٌ } أَيْ لَوْلَا أَنّهُ سَبَقَ مِنّي أَنّي لَا أُعَذّبُ إلّا بَعْدَ النّهْيِ وَلَمْ يَكُ نَهَاهُمْ لَعَذّبْتُكُمْ فِيمَا صَنَعْتُمْ ثُمّ أَحَلّهَا لَهُ وَلَهُمْ رَحْمَةً مِنْهُ وَعَائِدَةٌ مِنْ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ فَقَالَ { فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيّبًا وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [ ص 677 ] { يَا أَيّهَا النّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

[ مَا نَزَلَ فِي التّوَاصُلِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ]
وَحَضّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى التّوَاصُلِ وَجَعَلَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ أَهْلَ وِلَايَةٍ فِي الدّينِ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ وَجَعَلَ الْكُفّارَ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ثُمّ قَالَ { إِلّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } أَيْ إلّا يُوَالِ الْمُؤْمِنُ الْمُؤْمِنَ مِنْ دُونِ الْكَافِرِ وَإِنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ بِهِ { تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ } أَيْ شُبْهَةٌ فِي الْحَقّ وَالْبَاطِلِ وَظُهُورِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِتَوَلّي الْمُؤْمِنِ الْكَافِرَ دُونَ الْمُؤْمِنِ . ثُمّ رَدّ الْمَوَارِيثَ إلَى الْأَرْحَامِ مِمّنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْوَلَايَةِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ دُونَهُمْ إلَى الْأَرْحَامِ الّتِي بَيْنَهُمْ فَقَالَ { وَالّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ } أَيْ بِالْمِيرَاثِ { إِنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } .

مَنْ حَضَرَ بَدْرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، ثُمّ مِنْ ( قُرَيْشٍ ، ثُمّ مِنْ ) بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَبَنِي الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ . مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيّدُ الْمُرْسَلِينَ ابْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ ، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ ، أَسَدُ اللّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ ، [ ص 678 ] وَزَيْدُ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ الْكَلْبِيّ أَنْعَمَ ( اللّهُ ) عَلَيْهِ وَرَسُولُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ عَوْفِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُذْرَةَ بْنِ زَيْدِ اللّهِ بْنِ رُفَيْدَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ وَبْرَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَنَسَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ : وَأَبُو كَبْشَةَ ، مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . كَبْشَةَ ، مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنَسَةُ : حَبَشِيّ ، وَأَبُو كَبْشَةَ : فَارِسِيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَأَبُو مَرْثَدٍ كَنّازُ بْنُ حِصْنِ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ طَرِيفِ بْنِ جِلّانَ بْنِ غَنْمِ بْنِ غَنِيّ بْنِ يَعْصُرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : كَنّازُ بْنُ حُصَيْنٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَابْنُهُ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ ، حَلِيفَا حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ؛ وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَأَخَوَاهُ الطّفَيْلُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَمِسْطَحٌ ، وَاسْمُهُ عَوْفُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبّادِ بْنِ الْمُطّلِبِ . اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا .

وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، تَخَلّفَ عَلَى امْرَأَتِهِ رُقَيّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَهْمِهِ قَالَ وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ [ ص 679 ] قَالَ وَأَجْرُك وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْمُ أَبِي حُذَيْفَةَ مِهْشَمٌ .

[ نَسَبُ سَالِمٍ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَسَالِمٌ سَائِبَةٌ لِثُبَيْتَةَ بِنْتِ يَعَارَ بْنِ زَيْدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ ، سَيّبَتْهُ فَانْقَطَعَ إلَى أَبِي حُذَيْفَةَ فَتَبَنّاهُ وَيُقَالُ كَانَتْ ثُبَيْتَةُ بِنْتُ يَعَارَ تَحْتَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ فَأَعْتَقَتْ سَالِمًا سَائِبَةً فَقِيلَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَزَعَمُوا أَنّ صُبَيْحًا مَوْلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ تَجَهّزَ لِلْخُرُوجِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ مَرِضَ فَحَمَلَ عَلَى بَعِيرِهِ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، ثُمّ شَهِدَ صُبَيْحٌ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَشَاهِدَ كُلّهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .

وَشَهِدَ بَدْرًا مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبْرَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ ، وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ مُرّةَ ( بْنِ ) كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ ، وَشُجَاعُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ صُهَيْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدِ ، وَأَخُوهُ عُقْبَةُ بْنُ وَهْبٍ ، وَيَزِيدُ بْنُ رُقَيْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبْرَةَ بْن مُرّةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ ، وَأَبُو سِنَانِ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ بْنِ قَيْسٍ ، أَخُو عُكّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ وَابْنُهُ سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ وَمُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَبِيرِ [ ص 680 ] دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ بْنِ سَخْبَرَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ لُكَيْزِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ .

وَمِنْ حُلَفَاءِ بَنِي كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ : ثَقْفُ بْنُ عَمْرٍو ، وَأَخَوَاهُ مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو ، وَمُدْلِجُ بْنُ عَمْرٍو .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مِدْلَاجُ بْنُ عَمْرٍو .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَهُمْ مِنْ بَنِي حَجْرٍ آلِ بَنِي سُلَيْمٍ . وَأَبُو مَخْشِيّ حَلِيفٌ لَهُمْ . سِتّةَ عَشَرَ رَجُلًا .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو مَخْشِيّ طَائِيّ ، وَاسْمُهُ سُوَيْدُ بْنُ مَخْشِيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ نُسَيْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَازِنِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ وَخَبّابٌ مَوْلَى عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ - رَجُلَانِ .

وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ : الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ ، وَحَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ ، وَسَعْدٌ مَوْلَى حَاطِبٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ ، وَاسْمُ أَبِي بَلْتَعَةَ عَمْرٌو ، لَخْمِيّ ، وَسَعْدٌ مَوْلَى حَاطِبٍ كَلْبِيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ ، وَسُوَيْبِطُ بْنُ سَعْدِ بْنِ حُرَيْمِلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عُمَيْلَةَ بْنِ السّبّاقِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ . رَجُلَانِ .

وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ : عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ [ ص 681 ] وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ - وَأَبُو وَقّاصٍ مَالِكُ بْنُ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ . وَأَخُوهُ عُمَيْرُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ . وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ ثُمَامَةَ بْنِ مَطْرُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ ثَوْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الشّرِيدِ بْنِ هَزْلِ بْنِ قَائِشِ بْنِ دُرَيْمِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ أَهْوَدَ بْنِ بَهْرَاءَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ هَزْلُ بْنُ قَاسِ بْنِ ذَرّ - وَدَهِيرُ بْنُ ثَوْرٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شَمْخِ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ صَاهِلَةَ بْنِ كَاهِلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ ، وَمَسْعُودُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حَمَالَةَ بْنِ غَالِبِ بْنِ مُحَلّمِ بْنِ عَائِذَةَ بْنِ سُبَيْعِ بْنِ الْهُونِ بْنِ خُزَيْمَةَ ، مِنْ الْقَارَةِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْقَارَةُ : لَقَبٌ لَهُمْ . وَيُقَالُ قَدْ أَنْصَفَ الْقَارَةَ مَنْ رَامَاهَا
وَكَانُوا رُمَاةً . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَذُو الشّمَالَيْنِ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ بْنِ غُبْشَانَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مَلَكَانِ بْنِ أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ، مِنْ خُزَاعَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَإِنّمَا قِيلَ لَهُ ذُو الشّمَالَيْنِ لِأَنّهُ كَانَ أَعْسَرَ وَاسْمُهُ عُمَيْرٌ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَبّابُ بْنُ الْأَرَتّ ، ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : خَبّابُ بْنُ الْأَرَتّ ، مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَلَهُ عَقِبٌ وَهُمْ بِالْكُوفَةِ وَيُقَالُ خَبّابٌ مِنْ خُزَاعَةَ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 682 ] بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ أَبُو ( بَكْرٍ ) الصّدّيقُ ، وَاسْمُهُ عَتِيقُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : اسْمُ أَبِي بَكْرٍ عَبْدُ اللّهِ وَعَتِيقٌ لَقَبٌ لِحُسْنِ وَجْهِهِ وَعِتْقِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَبِلَالٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ - وَبِلَالٌ مُوَلّدٌ مِنْ مُوَلّدِي بَنِي جُمَحَ اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، وَهُوَ بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ ، لَا عَقِبَ لَهُ - وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ ، مُوَلّدٌ مِنْ مُوَلّدِي الْأَسْدِ أَسْوَدُ اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْهُمْ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ ، مِنْ النّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : النّمِرُ ابْنُ قَاسِطِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ وَيُقَالُ أَفْصَى بْنُ دُعْمِيّ بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ وَيُقَالُ صُهَيْبٌ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ وَيُقَالُ إنّهُ رُومِيّ . فَقَالَ بَعْضُ مَنْ ذَكَرَ أَنّهُ مِنْ النّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ : إنّمَا كَانَ أَسِيرًا فِي الرّومِ فَاشْتُرِيَ مِنْهُمْ . وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صُهَيْبٌ سَابِقُ الرّومِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ كَانَ بِالشّأْمِ فَقَدِمَ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَدْرٍ فَكَلّمَهُ فَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ فَقَالَ وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ وَأَجْرُك . خَمْسَةُ نَفَرٍ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ [ ص 683 ] وَاسْمُ أَبِي سَلَمَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَشَمّاسُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الشّرِيدِ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ هَرْمِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَخْزُومٍ .
[ سَبَبُ تَسْمِيَةِ الشّمّاسِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْمُ شَمّاسٍ عُثْمَانُ وَإِنّمَا سُمّيَ شَمّاسًا ، لِأَنّ شَمّاسًا مِنْ الشّمَامِسَةِ قَدِمَ مَكّةَ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَكَانَ جَمِيلًا ، فَعَجِبَ النّاسُ مِنْ جَمَالِهِ . فَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَكَانَ خَالَ شَمّاسٍ هَا أَنَا آتِيكُمْ بِشَمّاسٍ أَحْسَنَ مِنْهُ فَأَتَى بِابْنِ أُخْتِهِ عُثْمَانَ بْنِ عُثْمَانَ فَسُمّيَ شَمّاسًا ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ وَغَيْرُهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ ، وَاسْمُ أَبِي الْأَرْقَمِ عَبْدُ مَنَافِ بْنِ أَسَدٍ ، وَكَانَ أَسَدٌ يُكَنّى : أَبَا جُنْدُبِ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، عَنْسِيّ ، مِنْ مَدْحِجٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمُعَتّبُ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَفِيفِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ حُبْشِيّةَ ابْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ ، وَهُوَ الّذِي يُدْعَى : عَيْهَامَةَ . خَمْسَةُ نَفَرٍ .

وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ : عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ رِيَاحِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيّ وَأَخُوهُ زَيْدُ بْنُ الْخَطّابِ ، وَمِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ، وَكَانَ أَوّلَ قَتِيلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ الصّفّيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ . رُمِيَ بِسَهْمٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مِهْجَعٌ مِنْ عَكّ بْنِ عَدْنَانَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَمْرُو بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ أَذَاةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ [ ص 684 ] بْنِ رِيَاحِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ ، وَأَخُوهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سُرَاقَةَ ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَرِينِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ وَخَوْلِيّ بْنُ أَبِي خَوْلِيّ وَمَالِكُ بْنُ أَبِي خَوْلِيّ حَلِيفَانِ لَهُمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو خَوْلِيّ مِنْ بَنِي عِجْلِ بْنِ لُجَيْمِ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ، حَلِيفُ آلِ الْخَطّابِ ، مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَنْزُ بْنُ وَائِلٍ : ابْنُ قَاسِطِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ وَيُقَالُ أَفْصَى : ابْنُ دُعْمِيّ بْنِ جَدِيلَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ ياليل بْنِ نَاشِبِ بْنِ غَيْرَةَ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ وَعَاقِلُ بْنُ الْبُكَيْرِ ، وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ وَإِيَاسُ بْنُ الْبُكَيْرِ ، حُلَفَاءُ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ ، قَدِمَ مِنْ الشّأْمِ بَعْدَ مَا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَدْرٍ فَكَلّمَهُ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَهْمِهِ قَالَ وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ وَأَجْرُك . أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا .

وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ وَابْنُهُ السّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ وَأَخَوَاهُ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ مَظْعُونٍ ، وَمَعْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ . خَمْسَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ . رَجُلٌ [ ص 685 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، ثُمّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ أَبُو سَبْرَةَ بْنِ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ - كَانَ خَرَجَ مَعَ أَبِيهِ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، فَلَمّا نَزَلَ النّاسُ بَدْرًا فَرّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَشَهِدَهَا مَعَهُ - وَعُمَيْرُ بْنُ عَوْفٍ ، مَوْلَى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، وَسَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ . خَمْسَةُ نَفَرٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ ، مِنْ الْيَمَنِ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ ، وَهُوَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْجَرّاحِ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدّادِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ وَسُهَيْلُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أَبِي أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ وَأَخُوهُ صَفْوَانُ بْنُ وَهْبٍ وَهُمَا ابْنَا بَيْضَاءَ وَعَمْرُو بْنُ أَبِي سَرْحِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْن الْحَارِثِ . خَمْسَةُ نَفَرٍ .

[ عَدَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ ]
فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَمَنْ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ غَيْرَ ابْنِ إسْحَاقَ ، يَذْكُرُونَ فِي الْمُهَاجِرِينَ بِبَدْرٍ فِي بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : وَهْبَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ ، وَحَاطِبَ بْنَ عَمْرٍو ، وَفِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : عِيَاضَ بْنَ زُهَيْرٍ .

الْأَنْصَارُ وَمَنْ مَعَهُمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 686 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمّ مِنْ الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ الْأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَعَمْرُو بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ وَالْحَارِثُ بْنِ أَنَسِ بْنِ رَافِعِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ .

وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ سَعْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عُبَيْدِ ، وَمِنْ بَنِي زَعُورَا بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ زَعْوَرَا - سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقَشِ بْنِ زُغْبَةَ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقَشٍ بْنِ زُغْبَةَ بْنِ زَعُورَا ، وَسَلَمَةُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقَشٍ وَرَافِعُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ كُرْزِ بْنِ سَكَنِ بْنِ زَعُورَا ، وَالْحَارِثُ بْنُ خَزْمَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُبَيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَمُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَسَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَسْلَمُ : بْنُ حَرِيسِ بْنِ عَدِيّ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيْهَانِ ، وَعُبَيْدُ بْنُ التّيْهَانِ .
[ ص 687 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَتِيكُ بْنُ التّيْهَانِ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلٍ . خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلٍ : أَخُو بَنِي زَعُورَا ، وَيُقَالُ مِنْ غَسّانَ َ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَنْ بَنِي ظَفَرٍ ثُمّ مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ كَعْبٍ وَكَعْبٌ هُوَ ظَفَرٌ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ظَفَرٌ ابْنُ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ الْأَوْسِ : قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ سَوَادٍ وَعُبَيْدُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَوَادٍ . رَجُلَانِ .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عُبَيْدُ بْنُ أَوْسٍ الّذِي يُقَالُ لَهُ مُقَرّنٌ لِأَنّهُ قَرَنَ أَرْبَعَةَ أَسْرَى فِي يَوْمِ بَدْرٍ . وَهُوَ الّذِي أَسَرَ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَئِذٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ كَعْبٍ نَصْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدٍ وَمُعَتّبُ بْنُ عَبْدٍ .
وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَلِيّ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ طَارِقٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ : مَسْعُودُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ جُشَمِ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ مَسْعُودُ بْنُ عَبْدِ سَعْدٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ جُشَمِ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ . وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ ثُمّ مِنْ بَلِيّ : أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نَيّارٍ وَاسْمُهُ هَانِئُ بْنُ نَيّارِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ بْنِ كِلَابِ بْنِ دُهْمَانَ بْنِ غَنَمِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ هُمَيْمِ بْنِ كَاهِلِ بْنِ ذُهْلِ بْنِ هُنَيّ بْنِ بَلِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 688 ] بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ وَقَيْسُ أَبُو الْأَقْلَحِ بْنُ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَمَةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ - وَمُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرِ بْنِ مُلَيْلِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْعَطّافِ بْنِ ضُبَيْعَةَ وَأَبُو مُلَيْلِ بْنُ الْأَزْعَرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْعَطّافِ بْنِ ضُبَيْعَةَ وَعَمْرُو بْنُ مَعْبَدِ بْنِ الْأَزْعَرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْعَطّافِ بْنِ ضُبَيْعَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عُمَيْرُ بْنُ مَعْبَدٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفِ بْنِ وَاهِبِ بْنِ الْعُكَيْمِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ الْحَارِثِ ابْنِ عَمْرٍو ، وَعَمْرٌو الّذِي يُقَالُ لَهُ بحزج بْنُ حَنَسِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ . خَمْسَةُ نَفَرٍ .

وَمِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ مُبَشّرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ وَرِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرٍ ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَرَافِعُ بْنُ عُنْجُدَةَ - وَعُنْجُدَةُ أُمّهُ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَعُبَيْدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ . وَزَعَمُوا أَنّ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَالْحَارِثَ بْنَ حَاطِبٍ خَرَجَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَجّعَهُمَا ، وَأَمّرَ أَبَا لُبَابَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ ، فَضَرَبَ لَهُمَا بِسَهْمَيْنِ مَعَ أَصْحَابِ بَدْرٍ . تِسْعَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : رَدّهُمَا مِنْ الرّوْحَاءِ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَاطِبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ وَاسْمُ أَبِي لُبَابَةَ بَشِيرٌ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 689 ] بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ أُنَيْسُ بْنُ قَتَادَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ .
وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَلِيّ : مَعْنُ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ ضُبَيْعَةَ وَثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ الْعَجْلَانِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيّ بْنِ الْعَجْلَانِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ الْعَجْلَانِ وَرِبْعِيّ ابْنُ رَافِعِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ . وَخَرَجَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ فَرَدّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ مَعَ أَصْحَابِ بَدْرٍ . سَبْعَةُ نَفَرٍ .

وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ الْبُرَكِ - وَاسْمُ الْبُرَكِ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ ثَعْلَبَةَ - وَعَاصِمُ بْنُ قَيْسٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَاصِمُ بْنُ قَيْسٍ : ابْنُ ثَابِتِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو ضَيّاحِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَأَبُو حَنّةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهُوَ أَخُو أَبِي ضَيّاحٍ وَيُقَالُ أَبُو حَبّةَ . وَيُقَالُ لِامْرِئِ الْقَيْسِ الْبُرَكُ بْنُ ثَعْلَبَةَ . قال ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَالِمُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . [ ص 690 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ ثَابِتٌ ابْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْحَارِثُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَخَوّاتُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَهْمٍ مَعَ أَصْحَابِ بَدْرٍ . سَبْعَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي جَحْجَبِيّ بْنِ كُلْفَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مُنْذِرُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجِلَاحِ بْنِ الْحَرِيشِ بْنِ جَحْجَبِيّ بْنِ كُلْفَةَ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ الْحَرِيسُ بْنُ جَحْجَبِيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِي أُنَيْفٍ أَبُو عُقَيْلِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ بَيْحَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ أُنَيْفِ بْنِ جُشَمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ تَيْمِ بْنِ إرَاشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عُمَيْلَةَ بْنِ قَسْمِيلِ بْنِ فَرَانَ بْنِ بَلِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ . رَجُلَانِ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ تَمِيمُ بْنُ إرَاشَةَ وَقِسْمِيلُ بْنُ فَارَانَ


============




كتاب : السيرة النبوية لابن هشام
المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري


وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ السّلْمِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ النّحّاط بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ غَنْمٍ وَمُنْذِرُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ عَرْفَجَةَ وَمَالِكُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ عَرْفَجَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَرْفَجَةُ ابْنُ كَعْبِ بْنِ النّحّاطِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ غَنَمٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْحَارِثُ بْنُ عَرْفَجَةَ وَتَمِيمٌ مَوْلَى بَنِي غَنَمٍ . خَمْسَةُ نَفَرٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَمِيمٌ مَوْلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 691 ] بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ جَبْرُ بْنُ عَتِيكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ هَيْشَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَمَالِكُ بْنُ نُمَيْلَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ مُزَيْنَةَ ، وَالنّعْمَانُ بْنُ عَصَرٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .

[ عَدَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَوْسِ ]
فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَوْسِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ أَحَدٌ وَسِتّونَ رَجُلًا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَشَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمّ مِنْ الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ وَسَعْدُ بْنُ رَبِيعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ ، وَخَلّادُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .

وَمِنْ بَنِي زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : بَشِيرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ خِلَاسِ بْنِ زَيْدٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ جُلَاسٌ وَهُوَ عِنْدَنَا خَطَأٌ - وَأَخُوهُ سِمَاكُ بْنُ سَعْدٍ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : سُبَيْعُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَيْشَةَ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ وَعَبّادُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَيْشَةَ ، أَخُوهُ . [ ص 692 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَيْسٌ : ابْنُ عَبَسَةَ بْنِ أُمَيّةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْسٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .

وَمِنْ بَنِي أَحْمَرَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَحْمَرَ وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ فُسْحُمَ . رَجُلٌ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فُسْحُمُ أُمّهُ وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَزَيْدِ بْنِ الْحَارِث بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَهُمَا التّوْأَمَانِ خُبَيْبُ بْنُ إسَافِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ خَدِيجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ جُشَمٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبّهِ بْنِ زَيْدٍ ، وَأَخُوهُ حُرَيْثُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ ؛ زَعَمُوا ، وَسُفْيَانُ بْنُ بَشْرٍ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : سُفْيَانُ بْنُ نَسْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ بْنِ زَيْدٍ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي جِدَارَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : تَمِيمُ بْنُ يَعَارَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ جِدَارَةَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَيْرٍ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ جِدَارَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَزَيْدُ بْنُ الْمُزَيّنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ جِدَارَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : زَيْدُ بْنُ الْمُرّيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عُرْفُطَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ جِدَارَةَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .

وَمِنْ [ ص 693 ] بَنِي الْأَبْجَرِ وَهُمْ بَنُو خُدْرَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَبِيعِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ بْنِ الْأَبْجَرِ رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَهُمْ بَنُو الْحُبْلَى - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْحُبْلَى : سَالِمُ بْنُ غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ وَإِنّمَا سُمّيَ الْحُبْلَى ، لِعِظَمِ بَطْنِهِ - : عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ ( الْمَشْهُورُ بِابْنِ سَلُولَ ) ، وَإِنّمَا سَلُولُ امْرَأَةٌ وَهِيَ أُمّ أُبَيّ وَأَوْسُ بْنُ خَوْلِيّ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ . رَجُلَانِ .

وَمِنْ بَنِي جَزْءِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ : زَيْدُ بْنُ وَدِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ جَزْءٍ وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ كَلَدَةَ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ غَطَفَانَ ، وَرِفَاعَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ ، وَعَامِرُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ عَامِرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ وَهُوَ مِنْ بَلِيّ ، مِنْ قُضَاعَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو حُمَيْضَةَ مَعْبَدُ بْنُ عَبّادِ بْنِ قُشَيْرِ بْنِ الْمُقَدّمِ بْنِ سَالِمِ ابْنِ غَنْمٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مَعْبَدُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ قَشْغَرَ بْنِ الْمُقَدّمِ ، وَيُقَالُ عُبَادَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الْقُدْمِ . [ ص 694 ] وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ ، حَلِيفٌ لَهُمْ . سِتّةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَامِرُ بْنُ الْعُكَيْرِ وَيُقَالُ عَاصِمُ بْنُ الْعُكَيْرِ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ الْعَجْلَانِ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي أَصْرَمَ بْنِ فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا غَنْمُ بْنُ عَوْفٍ ، أَخُو سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَغَنْمُ بْنُ سَالِمٍ الّذِي قَبْلَهُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ - : عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ أَصْرَمَ ، وَأَخُوهُ أَوْسُ بْنُ الصّامِتِ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي دَعْدِ بْنِ فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنَمٍ النّعْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ دَعْدٍ وَالنّعْمَانُ الّذِي يُقَالُ لَهُ . قَوْقَلُ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي قُرْيُوشِ بْنِ غَنْمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ سَالِمٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قُرْيُوسُ بْنُ غَنْمٍ - ثَابِتُ بْنُ هَزّالِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قُرْيُوشٍ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي مَرْضَخَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ بْنِ مَرْضَخَةَ رَجُلٌ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ : ابْنُ مَالِكِ بْنِ الدّخْشُمِ بْنِ مَرْضَخَةَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي لَوْذَانَ بْنِ سَالِمٍ رَبِيعُ بْنُ إيَاسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ لَوْذَانَ ، وَأَخُوهُ وَرَقَةُ بْنُ إيَاسٍ ، وَعَمْرُو بْنُ إيَاسٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . [ ص 695 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ إيَاسٍ ، أَخُو رَبِيعٍ وَوَرَقَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَلِيّ ، ثُمّ مِنْ بَنِي غُصَيْنَةَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : غُصَيْنَةُ أُمّهُمْ وَأَبُوهُمْ عَمْرُو بْنُ عِمَارَةَ - الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زُمْزُمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِمَارَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غُصَيْنَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ بُتَيْرَةَ بْنِ مَشْنُوّ بْنِ قَسْرِ بْنِ تَيْمِ بْنِ إرَاشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عُمَيْلَةَ بْنِ قِسْمِيلِ بْنِ فَرَانَ بْنِ بَلِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَسْرُ بْنُ تَمِيمِ بْنِ إرَاشَةَ وَقِسْمِيلُ بْنُ فَارَانَ . وَاسْمُ الْمُجَذّرِ عَبْدُ اللّهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُبَادَةُ بْنُ الْخَشْخَاشِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زُمْزُمَةَ ، وَنَحّابُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَزَمَةَ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِمَارَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ بَحّاثُ بْنُ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَزَمَةَ بْنِ أَصْرَمَ . وَزَعَمُوا أَنّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ - حَلِيفٌ لَهُمْ - مِنْ بَهْرَاءَ ، قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، خَمْسَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عُتْبَةَ بْنُ بَهْزٍ ، مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ . [ ص 696 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو دُجَانَةَ ( سِمَاكُ ) بْنُ أَوْسِ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خُنَيْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَبْدِ وُدّ ابْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ الْمُنْذِرُ ابْنُ عَمْرِو بْنِ خَنْبَشَ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي الْبَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ أَبُو أُسَيْدٍ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الْبَدِيّ وَمَالِكُ بْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ إلَى الْبَدِيّ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مَالِكُ بْنُ مَسْعُودٍ : ابْنُ الْبَدِيّ فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي طَرِيفِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ عَبْدُ رَبّهِ بْنِ حَقّ بْنِ أَوْسِ بْنِ وَقَشٍ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ طَرِيفٍ رَجُلٌ . وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ جُهَيْنَةَ : كَعْبُ بْنُ حِمَارِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ كَعْبٌ ابْنُ جَمّازٍ وَهُوَ مِنْ غُبْشَانَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَضَمْرَةُ وَزِيَادٌ وَبَسْبَسُ بَنُو عَمْرٍو . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ضَمْرَةُ وَزِيَادٌ ابْنَا بَشْرٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَامِرٍ مِنْ بَلِيّ . خَمْسَةُ نَفَرٍ .

وَمِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ثُمّ مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ خِرَاشُ بْنُ الصّمّةِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ ، [ ص 697 ] وَالْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ ، وَعُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ ابْنِ حَرَامٍ ، وَتَمِيمٌ مَوْلَى خِرَاشِ بْنِ الصّمّةِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَرَامٍ وَمُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ، وَمُعَوّذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ وَخَلّادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِي بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ وَحَبِيبُ بْنُ أَسْوَدَ مَوْلَى لَهُمْ وَثَابِتُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَرَامٍ وَثَعْلَبَةُ الّذِي يُقَالُ لَهُ الْجَذَعُ وَعُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَرَامٍ . اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا .

[ نَسَبُ الْجَمُوحِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكُلّ مَا كَانَ هَاهُنَا الْجَمُوحُ ( فَهُوَ الْجَمُوحُ ) بْنُ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ إلّا مَا كَانَ مِنْ جَدّ الصّمّةِ ( بْنِ عَمْرٍو ) ، فَإِنّهُ الْجَمُوحُ بْنُ حَرَامٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ ابْنُ لَبْدَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ ثُمّ مِنْ بَنِي خَنْسَاءَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ : بُشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورِ بْنِ صَخْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ وَالطّفَيْلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ وَالطّفَيْلُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ خَنْسَاءَ وَسِنَانُ بْنُ صَيْفِيّ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ الْجَدّ بْنِ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ وَعُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ صَخْرِ بْنِ خَنْسَاءَ وَجَبّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ ، وَخَارِجَةُ بْنُ حُمَيّرَ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ حُمَيّرَ ، حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ أَشْجَعَ مِنْ بَنِي دُهْمَانَ . تِسْعَةُ نَفَرٍ . [ ص 698 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ جَبّارٌ ابْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ خُنَاسٍ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي خُنَاسِ بْنِ سِنَانَ بْنِ عُبَيْدِ : يَزِيدُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَرْحِ بْنِ خِنَاسٍ ، وَمَعْقِلُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَرْحِ بْنِ خِنَاسٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ بَلْدَمَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ بُلْذُمَةُ وَبُلْدُمَةُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالضّحّاكُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ ، وَسَوَادُ بْنُ زُرَيْقِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ سَوَادٌ ابْنُ رِزْنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَعْبَدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ . وَيُقَالُ مَعْبَدُ بْنُ قَيْسٍ : ابْنُ صَيْفِيّ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامِ ابْنِ رَبِيعَةَ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمٍ . سَبْعَةُ نَفَرٍ .

وَمِنْ بَنِي النّعْمَانِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ النّعْمَانِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رِئَابِ بْنِ النّعْمَانِ وَخُلَيْدَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ النّعْمَانِ . وَالنّعْمَانُ بْنُ سِنَانٍ مَوْلَى لَهُمْ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلِمَةَ ثُمّ مِنْ بَنِي حَدِيدَةَ بْنِ عَمْرِو [ ص 699 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَمْرُو بْنُ سَوَادٍ ، لَيْسَ لِسَوَادٍ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ غَنْمٌ - : أَبُو الْمُنْذِرِ وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ وَسُلَيْمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَدِيدَةَ ، وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ وَعَنْتَرَةُ مَوْلَى سُلَيْمِ بْنِ عَمْرٍو . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَنْتَرَةُ ، مِنْ بَنِي سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورٍ ثُمّ مِنْ بَنِي ذَكْوَانَ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ نَابِي بْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمٍ عَبْسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ بْنِ عَدِيّ وَأَبُو الْيَسَرِ وَهُوَ كَعْبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ سَوَادٍ وَسَهْلُ بْنُ قَيْسِ بْنِ أَبِي كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَوَادٍ ، وَعَمْرُو بْنِ طَلْقِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ سِنَانِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمٍ ؛ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَوْسِ بْنِ عَائِذِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُدَيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَرِيدَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ . سِتّةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَوْسٌ ابْنُ عَبّادِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُدَيّ بْنِ سَعْدٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَإِنّمَا نَسَبَ ابْنُ إسْحَاقَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ فِي بَنِي سَوَادٍ وَلَيْسَ مِنْهُمْ لِأَنّهُ فِيهِمْ .

[ تَسْمِيَةُ مَنْ كَسَرُوا آلِهَةَ بَنِي سَلِمَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَاَلّذِينَ كَسَرُوا آلِهَةَ بَنِي سَلِمَةَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ وَهُمْ فِي بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنَمٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ [ ص 700 ] غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي مُخَلّدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَامِرٌ ابْنُ الْأَزْرَقِ - : قَيْسُ بْنُ مُحْصِنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُخَلّدٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَيْسٌ : ابْنُ حِصْنٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو خَالِدٍ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُخَلّدِ وَجُبَيْرُ بْنُ إيَاسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُخَلّدٍ وَأَبُو عُبَادَةَ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ مُخَلّدٍ وَأَخُوهُ عُقْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنُ خَلَدَةَ بْنِ مُخَلّدٍ ، وَذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ مُخَلّدٍ وَمَسْعُودُ بْنُ خَلَدَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ مُخَلّدٍ . سَبْعَةُ نَفَرٍ .

وَمِنْ بَنِي خَالِدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ : عَبّادُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ خَالِدٍ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي خَلَدَة بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ : أَسَعْدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْفَاكِهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَلَدَةَ وَالْفَاكِهُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْفَاكِهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَلَدَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بُسْرُ بْنُ الْفَاكِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمُعَاذُ بْنُ مَاعِصِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ وَأَخُوهُ عَائِذُ بْنُ مَاعِصِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ وَمَسْعُودُ بْنُ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ . خَمْسَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعِ بْنِ الْعَجْلَانِ وَأَخُوهُ خَلّادُ بْنُ رَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ وَعُبَيْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْعَجْلَانِ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .

وَمِنْ بَنِي بَيَاضَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ : زِيَادُ بْنُ لَبِيَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ بَيَاضَةَ ؛ وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ وَذْفَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ وَدْفَةُ . [ ص 701 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَالِدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ ، وَرُجَيْلَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ رُخَيْلَةُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَطِيّةُ بْنُ نُوَيْرَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَطِيّةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ ، وَخُلَيْفَةُ بْنُ عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ بْنِ بَيَاضَةَ . سِتّةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عُلَيْفَةُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ : رَافِعُ بْنُ الْمُعَلّى بْنِ لَوْذَانَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ حَبِيبٍ . رَجُلٌ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي النّجّارِ وَهُوَ تَيْمُ اللّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ ثُمّ مِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ ثُمّ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ أَبُو أَيّوب خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي عُسَيْرَةَ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ ثَابِتُ بْنُ خَالِدِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ عُسَيْرَةَ . رَجُلٌ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ ( عُسَيْرٌ وَعُشَيْرَةُ ) [ ص 702 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَمْرٍو ، وَسُرَاقَةُ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ غَزِيّةَ بْنِ عَمْرٍو . رَجُلَانِ .

وَمِنْ بَنِي عُبَيْد ِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ : حَارِثَةُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عُبَيْدٍ ؛ وَسُلَيْمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ قَهْدٍ وَاسْمُ قَهْدٍ خَالِدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عُبَيْدٍ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَارِثَةُ بْنُ النّعْمَانِ : ابْنُ نَفْعِ بْنِ زَيْدٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَائِذِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ - وَيُقَالُ عَابِدٌ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - : سُهَيْلُ بْنُ رَافِعِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ عَائِذٍ وَعَدِيّ بْنُ الزّغْبَاءِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ . رَجُلَانِ .

وَمِنْ بَنِي زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ : مَسْعُودُ بْنُ أَوْسِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبُو خُزَيْمَةَ بْنُ أَوْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ زَيْدِ وَرَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادِ بْنِ زَيْدٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمٍ : عَوْفٌ وَمُعَوّذٌ وَمُعَاذٌ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ وَهُمْ بَنُو عَفْرَاءَ .

[ نَسَبُ عَفْرَاءَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَفْرَاءُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ ، وَيُقَالُ رِفَاعَةُ ابْنُ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ . [ ص 703 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالنّعْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ وَيُقَالُ نُعَيْمَانُ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَعَامِرُ بْنُ مُخَلّدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ خَلّدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ وَعُصَيْمَةُ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَشْجَعَ وَوَدِيعَةُ بْنُ عَمْرٍو ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ ؛ وَثَابِتُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَوَادٍ ( و ) زَعَمُوا أَنّ أَبَا الْحَمْرَاءِ مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ عَفْرَاءَ ، قَدْ شَهِدَ بَدْرًا . عَشَرَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو الْحَمْرَاءِ مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ - وَعَامِرٌ مَبْذُولٌ - ثُمّ مِنْ بَنِي عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَبْذُول ٍ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُحْصَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكٍ وَسَهْلُ بْنُ عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ النّعْمَانِ بْنِ عَتِيكِ وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكٍ كُسِرَ بِهِ بِالرّوْحَاءِ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَهْمِهِ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّار ِ - وَهُمْ بَنُو حُدَيْلَةَ - ثُمّ مِنْ بَنِي قَيْسِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حُدَيْلَةُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ اللّهِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَهِيَ أُمّ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ ، فَبَنُو مُعَاوِيَةَ يَنْتَسِبُونَ إلَيْهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : أُبَيّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسٍ ، وَأَنَسُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ أَنَسِ بْنِ قَيْسٍ . رَجُلَانِ .

وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [ ص 704 ] بَنُو مَغَالَةَ بِنْتِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ ؛ وَيُقَالُ إنّهَا مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ وَهِيَ أُمّ عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ فَبَنُو عَدِيّ يُنْسَبُونَ إلَيْهَا -: أَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيّ وَأَبُو شَيْخِ أُبَيّ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو شَيْخِ أُبَيّ بْنِ ثَابِتٍ أَخُو حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو طَلْحَةَ وَهُوَ زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيّ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .

وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّار ِ ثُمّ مِنْ ( بَنِي ) عَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ النّجّارِ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ ، وَعَمْرُو بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ وَهُوَ أَبُو حَكِيمٍ وَسَلِيطُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ وَأَبُو سَلِيطٍ وَهُوَ أُسَيْرَةُ بْنُ عَمْرٍو ، وَعَمْرُو أَبُو خَارِجَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِر ٍ وَثَابِتُ بْنُ خَنْسَاءَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ وَعَامِرُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَسْحَاسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ وَمُحْرِزُ بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ وَسَوَادُ بْنُ غَزِيّةَ بْنِ أُهَيْبٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ . ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ سَوّادٌ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيّ [ ص 705 ] : أَبُو زَيْدٍ . قَيْسُ بْنُ سَكَنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ زَعُورَاءَ بْنِ حَرَامٍ وَأَبُو الْأَعْوَرِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ظَالِمِ بْنِ عَبْسِ بْنِ حَرَامٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ أَبُو الْأَعْوَرِ الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسُلَيْمُ بْنُ مِلْحَانَ ؛ وَحَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ - وَاسْمُ مِلْحَانَ مَالِكُ بْنُ خَالِدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .

وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّار ِ ثُمّ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنِ بْنِ النّجّارِ قَيْسُ بْنُ أَبِي صَعْصَعَةَ - وَاسْمُ أَبِي صَعْصَعَةَ عَمْرُو بْنُ زَيْدِ بْنِ عَوْفٍ - وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَعُصَيْمَةُ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .

وَمِنْ بَنِي خَنْسَاءَ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ : أَبُو دَاوُد عُمَيْرُ بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ وَسُرَاقَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطِيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ : رَجُلَانِ .
وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ النّجّارِ : قَيْسُ بْنُ مُخَلّدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . رَجُلٌ .

وَمِنْ بَنِي دِينَارِ بْنِ النّجّارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي مَسْعُودِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنِ حَارِثَةَ ابْنِ دِينَارِ بْنِ النّجّارِ النّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وَالضّحّاكُ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وَسُلَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ دِينَارٍ ، وَهُوَ أَخُو الضّحّاكِ وَالنّعْمَانُ ابْنَيْ عَبْدِ عَمْرٍو ، لِأُمّهِمَا ، وَجَابِرُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ ابْنِ حَارِثَةَ وَسَعْدُ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ . خَمْسَةُ نَفَرٍ . [ ص 706 ] بَنِي قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ دِينَارِ بْنِ النّجّارِ : كَعْبُ بْنُ زَيْدِ بْنِ قَيْسٍ : وَبُجَيْرُ بْنُ أَبِي بُجَيْرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ بُجَيْرٌ مِنْ عَبْسِ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ ، ثُمّ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ بْنِ رَوَاحَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْخَزْرَجِ مِئَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ فِي الْخَزْرَجِ بِبَدْرٍ فِي بَنِي الْعَجْلَانِ ابْنَ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ : عِتْبَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَجْلَانِ ، وَمُلَيْلُ بْنُ وَبَرَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَجْلَانِ ، وَعِصْمَةَ بْنَ الْحُصَيْنِ بْنِ وَبَرَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَجْلَانِ . وَفِي بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَهُمْ فِي بَنِي زُرَيْقِ هِلَالِ بْنِ الْمُعَلّى بْنِ لَوْذَانَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ حَبِيبٍ .

[ عَدَدُ الْبَدْرِيّينَ جَمِيعًا ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَنْ شَهِدَهَا مِنْهُمْ وَمَنْ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ ثَلَاثَةُ مِئَةِ رَجُلٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، مِنْ الْمُهَاجِرِينَ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا ، وَمِنْ الْأَوْسِ وَاحِدٌ وَسِتّونَ رَجُلًا ، وَمِنْ الْخَزْرَجِ مِئَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا .

[ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ ]
وَاسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ ، قَتَلَهُ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، قَطَعَ رِجْلَهُ فَمَاتَ بِالصّفْرَاءِ . رَجُلٌ . [ ص 707 ] بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ . عُمَيْرُ بْنُ أَبِي وَقّاصِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ ، وَهُوَ أَخُو سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، وَذُو الشّمَالَيْنِ ابْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ ، ثُمّ مِنْ بَنِي غُبْشَانَ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ : عَاقِلُ بْنُ الْبُكَيْرِ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَة َ وَمِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : صَفْوَانُ بْنُ بَيْضَاءَ رَجُلٌ . سِتّةُ نَفَرٍ .

وَمِنْ الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ ، وَمُبَشّرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرٍ رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ فُسْحُمَ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي سَلَمَةَ ، ثُمّ مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنَمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ : عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمٍ : رَافِعُ بْنُ الْمُعَلّى . رَجُلٌ . [ ص 708 ] بَنِي النّجّارِ : حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْحَارِثِ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي غَنَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّار ِ عَوْفٌ وَمُعَوّذٌ ابْنَا الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ ، وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ . رَجُلَانِ . ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ .

[ مَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ]
وَقُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، قَتَلَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ، مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَيُقَالُ اشْتَرَكَ فِيهِ حَمْزَةُ وَعَلِيّ وَزَيْدٌ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْحَارِثُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ وَعَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ حَلِيفَانِ لَهُمْ قَتَلَ عَامِرًا : عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَقَتَلَ الْحَارِثَ النّعْمَانُ بْنُ عَصْرٍ ، حَلِيفٌ لِلْأَوْسِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . وَعُمَيْرُ بْنُ أَبِي عُمَيْرٍ ، وَابْنُهُ مَوْلَيَانِ لَهُمْ . قَتَلَ عُمَيْرَ بْنَ أَبِي عُمَيْرٍ : سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ ؛ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُبَيْدَةُ بْنُ سَعِيدِ ( بْنِ ) الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، قَتَلَهُ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ ، وَالْعَاصِ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ صَبْرًا . [ ص 709 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، قَتَلَهُ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : اشْتَرَكَ فِيهِ هُوَ وَحَمْزَةُ وَعَلِيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ؛ وَعَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي أَنْمَارِ بْنِ بَغِيضٍ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا .

وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : الْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ ، قَتَلَهُ - فِيمَا يَذْكُرُونَ - خَبِيبُ بْنُ إسَافٍ ، أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ؛ وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَيُقَالُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ : زَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَهُ ثَابِتُ بْنُ الْجِذْعِ ، أَخُو بَنِي حَرَامٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . وَيُقَالُ اشْتَرَكَ فِيهِ حَمْزَةُ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَثَابِتٌ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَ قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ - فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَعُقَيْلُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ وَعَلِيّ ، اشْتَرَكَا فِيهِ - فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ وَهُوَ الْعَاصِ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ ، قَتَلَهُ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو الْبَخْتَرِيّ الْعَاصِ بْنُ هَاشِمٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ ، وَهُوَ ابْنُ الْعَدَوِيّةِ عَدِيّ خُزَاعَةَ ، وَهُوَ الّذِي قَرَنَ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيق ، وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ حِينَ أَسْلَمَا فِي حَبْلٍ فَكَانَا يُسَمّيَانِ الْقَرِينَيْنِ لِذَلِكَ وَكَانَ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ - قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . خَمْسَةُ نَفَرٍ .

وَمِنْ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ [ ص 710 ] النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ صَبْرًا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالصّفْرَاءِ فِيمَا يَذْكُرُونَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بِالْأُثَيْلِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ ابْنُ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَزَيْدُ بْنُ مُلَيْصٍ مَوْلَى عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَ زَيْدَ بْنَ مُلَيْصٍ بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ وَزَيْدٌ حَلِيفٌ لِبَنِي عَبْدِ الدّارِ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ وَيُقَالُ قَتَلَهُ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ : عُمَيْرُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَيُقَالُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُثْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبٍ قَتَلَهُ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ . رَجُلَانِ .

وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ : أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَام ٍ - وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّه بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ - ضَرَبَهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ وَضَرَبَ ابْنُهُ عِكْرِمَةُ يَدَ مُعَاذٍ فَطَرَحَهَا ، ثُمّ ضَرَبَهُ مُعَوّذُ بْنُ عَفْرَاءَ حَتّى أَثْبَتَهُ ثُمّ تَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ ثُمّ ذَفّفَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، [ ص 711 ] أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى - وَالْعَاصِ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، قَتَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ثُمّ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ ، وَكَانَ شُجَاعًا ، قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو مُسَافِعٍ الْأَشْعَرِيّ ، حَلِيفٌ لَهُمْ قَتَلَهُ أَبُو دُجَانَةَ السّاعِدِيّ - فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَحَرْمَلَةُ بْنُ عَمْرٍو ، حَلِيفٌ لَهُمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَهُ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ أَخُو بَالْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَيُقَالُ بَلْ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - ( فِيمَا ) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَحَرْمَلَةُ ، مِنْ الْأَسَدِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَسْعُودُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَرِفَاعَةُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ ، أَخُو بَالْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَالْمُنْذِرُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدٍ قَتَلَهُ مَعْنُ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ حَلِيفُ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْن عَوْفٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدٍ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالسّائِبُ بْنُ أَبِي السّائِبِ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : السّائِبُ بْنُ أَبِي السّائِبِ شَرِيكُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي جَاءَ فِيهِ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِعْمَ الشّرِيكُ السّائِبُ لَا يُشَارَى وَلَا يُمَارَى ، وَكَانَ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ - فِيمَا بَلَغَنَا - وَاَللّهُ أَعْلَمُ [ ص 712 ] وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ السّائِبَ بْنَ أَبِي السّائِبِ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ مِمّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَأَعْطَاهُ يَوْمَ الْجِعِرّانَةِ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ : أَنّ الّذِي قَتَلَهُ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَحَاجِبُ بْنُ السّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَائِذٌ ابْنُ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَيُقَالُ حَاجِزُ بْنُ السّائِبِ - وَاَلّذِي قَتَلَ حَاجِبَ بْنَ السّائِبِ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُوَيْمِرُ بْنُ السّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرٍ قَتَلَهُ النّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ الْقَوْقَلِيّ مُبَارَزَةً فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَمْرُو بْنُ سُفْيَانَ ، وَجَابِرُ بْنُ سُفْيَانَ حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ طَيّئٍ قَتَلَ عَمْرًا يَزِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ ، وَقَتَلَ جَابِرًا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نَيّارٍ( فِيمَا ) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا .

وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ : [ ص 713 ] مُنَبّهُ بْنُ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ ، قَتَلَهُ أَبُو الْيَسَرِ أَخُو بَنِي سَلِمَة َ وَابْنُهُ الْعَاصِ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَنُبَيْهُ بْنُ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرٍ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ اشْتَرَكَا فِيهِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، وَأَبُو الْعَاصِ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَيُقَالُ النّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ الْقَوْقَلِيّ ، وَيُقَالُ أَبُو دُجَانَةَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَاصِمُ بْنُ عَوْفِ بْنِ ضُبَيْرَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ قَتَلَهُ أَبُو الْيَسَرِ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : خَمْسَةُ نَفَرٍ .

وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ : أُمَيّةُ بْنُ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ ، قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي مَازِنٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ بَلْ قَتَلَهُ مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَخَبِيبُ بْنُ إسَافٍ ، اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَابْنُهُ عَلِيّ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ؛ وَأَوْسُ بْنُ مِعْيَرِ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ سَعْدِ بْنِ جُمَحَ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، وَيُقَالُ قَتَلَهُ الْحُصَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ ، اشْتَرَكَا فِيهِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .

وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : مُعَاوِيَةُ بْنُ عَامِرٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ عَبْدِ الْقَيْس ِ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ؛ وَيُقَالُ قَتَلَهُ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . [ ص 714 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَعْبَدُ بْنُ وَهْبٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي كَلْبِ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثٍ قَتَلَ مَعْبَدًا خَالِدٌ وَإِيَاسُ ابْنَا الْبُكَيْرِ وَيُقَالُ أَبُو دُجَانَةَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَجَمِيعُ مَنْ أُحْصِيَ لَنَا مِنْ قَتْلَى قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ . خَمْسُونَ رَجُلًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو : أَنّ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا ، وَالْأَسْرَى كَذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ وَفِي كِتَابِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { أَوَلَمّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا } يَقُولُهُ لِأَصْحَابِ أُحُدٍ - وَكَانَ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا - يَقُولُ قَدْ أَصَبْتُمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِثْلَيْ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ ، سَبْعِينَ قَتِيلًا وَسَبْعِينَ أَسِيرًا . وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ
فَأَقَامَ بِالْعَطَنِ الْمُعَطّنِ مِنْهُمْ ... سَبْعُونَ عُتْبَةُ مِنْهُمْ وَالْأَسْوَدُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يَعْنِي قَتْلَى بَدْرٍ . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي حَدِيثِ يَوْمِ أُحُدٍ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهَا .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَمِمّنْ لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ هَؤُلَاءِ السّبْعِينَ الْقَتْلَى : : مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَاف ٍ وَهْبُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ بَنِي أَنْمَارِ بْنِ بَغِيضٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ وَعَامِرُ بْنُ زَيْدٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ . رَجُلَانِ .
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى : عُقْبَةُ بْنُ زَيْدٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ ، وَعُمَيْرٌ مَوْلًى لَهُمْ . رَجُلَانِ .
[ ص 715 ] بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : نُبَيْهُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مُلَيْصٍ وَعُبَيْدُ بْنُ سَلِيطٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ قَيْسٍ . رَجُلَانِ .
وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ : مَالِكُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ ( وَهُوَ أَخُو طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ ) أُسِرَ فَمَاتَ فِي الْأُسَارَى ، فَعُدّ فِي الْقَتْلَى ، وَيُقَالُ وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ . رَجُلَانِ .
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ : حُذَيْفَةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ وَهِشَامُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ ؛ وَزُهَيْرُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ قَتَلَهُ أَبُو أُسَيْدٍ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَالسّائِبُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ قَتَلَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَعَائِذُ بْنُ السّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرٍ ، أُسِرَ ثُمّ اُفْتُدِيَ فَمَاتَ فِي الطّرِيقِ مِنْ جِرَاحَةٍ جَرَحَهُ إيّاهَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَعُمَيْرٌ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ طَيّئٍ وَخِيَارٌ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْقَارّةِ . سَبْعَةُ نَفَرٍ .
وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرٍو : سَبْرَةُ بْنُ مَالِكٍ حَلِيفٌ لَهُمْ . رَجُلٌ .
وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو . الْحَارِثُ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ ، قَتَلَهُ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ ؛ وَعَامِرُ بْنُ عَوْفِ بْنِ ضُبَيْرَةَ أَخُو عَاصِمِ بْنِ ضُبَيْرَةَ ، قَتَلَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ الْعَجْلَانِيّ ، وَيُقَالُ أَبُو دُجَانَةَ . رَجُلَانِ .

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ
[ ذِكْرُ أَسْرَى قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ ]
[ ص 3 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأُسِرَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْم بَدْر ، مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ ؛ وَنَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ . وَمِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَاف ٍ : السّائِبُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَنُعْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ . رَجُلَانِ .

[ ص 4 ] بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ؛ وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي وَجْزَةَ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ . وَيُقَالُ ابْنُ أَبِي وَحْرَةَ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ ( عَبْدِ ) شَمْسٍ ؛ وَأَبُو الْعَاصِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ . وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ أَبُو رِيشَةَ بْنُ أَبِي عَمْرٍو ؛ وَعَمْرُو بْنُ الْأَزْرَقِ ؛ وَعُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ الْحَضْرَمِيّ . سَبْعَةُ نَفَرٍ

وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَاف ٍ عَدِيّ بْنُ الْخِيَارِ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ ؛ وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسِ ابْنِ أَخِي غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ مَنْصُورٍ وَأَبُو ثَوْرٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : أَبُو عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ . وَيَقُولُونَ نَحْنُ بَنُو الْأَسْوَدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ السّبّاقِ . رَجُلَانِ .

وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ : السّائِبُ بْنُ أَبِي حُبَيْشِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ ؛ وَالْحُوَيْرِث بْنُ عَبّادِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَسَدٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَائِذِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَسَدٍ . [ ص 5 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَالِمُ بْنُ شَمّاخٍ حَلِيفٌ لَهُمْ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَة بْنِ مُرّةَ خَالِدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ؛ وَأُمَيّةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ؛ وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ؛ وَصَيْفِيّ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَأَبُو الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ؛ وَأَبُو عَطَاءٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي السّائِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَالْمُطّلِبُ بْنُ حَنْطَبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَخَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ حَلِيفٌ لَهُمْ وَهُوَ كَانَ - فِيمَا يَذْكُرُونَ - أَوّلُ مَنْ وَلّى فَارّا مُنْهَزِمًا ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ
وَلَسْنَا عَلَى الْأَدْبَارِ تَدْمَى كُلُومُنَا ... وَلَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنَا يَقْطُرُ الدّمُ
تِسْعَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : " لَسْنَا عَلَى الْأَعْقَابِ " . وَخَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ مِنْ خُزَاعَةَ ، وَيُقَال : عُقَيْلِيّ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْص بْنِ كَعْبٍ : أَبُو وَدَاعَةَ بْنُ ضُبَيْرَة بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْم ، كَانَ أَوّلَ أَسِيرٍ أَفْتُدِيَ مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ افْتَدَاهُ ابْنُهُ الْمُطّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ ؛ وَفَرْوَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ [ ص 6 ] بْنُ قَبِيصَةَ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ وَالْحَجّاجُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْص بْنِ كَعْبٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ وَأَبُو عَزّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ وُهَيْب بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ وَالْفَاكِهُ مَوْلَى أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، ادّعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ رَبَاحُ بْنُ الْمُغْتَرِفِ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنّهُ مِنْ بَنِي شَمّاخِ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ - وَيُقَال : إنّ الْفَاكِهَ ابْنَ جَرْوَل بْنِ حِذْيَمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غَضْب بْنِ شَمّاخِ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ - وَوَهْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ وَرَبِيعَةُ بْنُ دَرّاجِ بْنِ الْعَنْبَس بْنِ أُهْبَان بْنِ وَهْب بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ . خَمْسَةُ نَفَرٍ .

وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : سُهَيْلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ أَسَرَهُ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُم ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمَعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَشْنُوءِ بْنِ وَقْدَان بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . [ ص 7 ] بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : الطّفَيْلُ بْنُ أَبِي قُنَيْع ؛ وَعَتَبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَحْدَم . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَجَمِيعُ مَنْ حُفِظَ لَنَا مِنْ الْأُسَارَى ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا .

[ مَا فَاتَ ابْنُ إسْحَاقَ ذِكْرَهُمْ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَعَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَدَدِ رَجُلٌ لَمْ نَذْكُرْ اسْمَهُ وَمِمّنْ لَمْ نَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ الْأُسَارَى : مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عُتْبَة ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي فِهْرٍ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عَقِيلُ بْنُ عَمْرٍو ، حَلِيفٌ لَهُمْ وَأَخُوهُ تَمِيمُ بْنُ عَمْرٍو ؛ وَابْنُهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَاف ٍ خَالِدُ بْنُ أُسَيْد بْنِ أَبِي الْعِيصِ ؛ وَأَبُو الْعَرِيضِ يَسَارٌ مَوْلَى الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَاف ٍ نَبْهَانُ مَوْلًى لَهُمْ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى : عَبْدُ اللّهِ بْنُ حُمَيْد بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ . رَجُلٌ .

وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَي ّ : عَقِيلٌ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ . رَجُلٌ . [ ص 8 ] بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ مُسَافِعُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ صَخْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ وَجَابِرُ بْنُ الزّبِيرِ حَلِيفٌ لَهُمْ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ قَيْسُ بْنُ السّائِبِ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرٍو : عَمْرُو بْنُ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ ، وَأَبُو رُهْم بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، حَلِيفٌ لَهُمْ وَحَلِيفٌ لَهُمْ ذَهَبَ عَنّي اسْمُهُ وَمَوْلَيَانِ لِأُمَيّةِ بْنِ خَلَفٍ أَحَدُهُمَا نِسْطَاس ؛ وَأَبُو رَافِعٍ غُلَامُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ . سِتّةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو : أَسْلَمَ ، مَوْلَى نُبَيْه بْنِ الْحَجّاجِ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : حَبِيبُ بْنُ جَابِرٍ وَالسّائِبُ بْنُ مَالِكٍ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : شَافِعُ وَشَفِيعٌ حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ . رَجُلَانِ .

[ مَا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ بَدْر ]ٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ بَدْر ، وَتَرَادّ بَهْ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ لِمَا كَانَ فِيهِ قَوْلُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ يَرْحَمُهُ اللّهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا وَنَقِيضَتَهَا [ ص 9 ]
أَلَمْ تَرَ أَمْرًا كَانَ مِنْ عَجْبِ الدّهْر ِ ... وَلِلْحَيْنِ أَسِبَابٌ مُبَيّنَةُ الْأَمْرِ
وَمَا ذَاكَ إلّا أَنّ قَوْمًا أَفَادَهُمْ ... فَحَانُوا تَوَاصٍ بِالْعُقُوقِ وَبِالْكُفْرِ
عَشِيّةَ رَاحُوا نَحْوَ بَدْرٍ بِجَمْعِهِمْ ... فَكَانُوا رُهُونًا لِلرّكِيّةِ مِنْ بَدْرِ
وَكُنّا طَلَبْنَا الْعِيرَ لَمْ نَبْغِ غَيْرَهَا ... فَسَارُوا إلَيْنَا فَالْتَقَيْنَا عَلَى قَدْرِ
فَلَمّا الْتَقَيْنَا لَمْ تَكُنْ مَثْنَوِيّةٌ ... لَنَا غَيْرَ طَعْنٍ بِالْمُثَقّفَةِ السّمْرِ
وَضَرْبٍ بِبِيضٍ يَخْتَلِي الْهَامَ حَدّهَا ... مُشْهِرَةُ الْأَلْوَانِ بَيّنَةُ الْأُثُرِ
وَنَحْنُ تَرَكْنَا عُتْبَة الْغَيّ ثَاوِيًا ... وَشَيْبَةَ فِي الْقَتْلَى تَجْرَجَمُ فِي الْجَفْرِ
وَعَمْرٌو ثَوَى فِيمَنْ ثَوَى مِنْ حُمَاتِهِمْ ... فَشُقّتْ جُيُوبُ النّائِحَاتِ عَلَى عَمْرِو
جُيُوبُ نِسَاءٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... كِرَامٍ تَفَرّعْنَ الذّوَائِبَ مِنْ فِهْرِ
أُولَئِكَ قَوْمٌ قُتّلُوا فِي ضَلَالِهِمْ ... وَخَلّوْا لِوَاءً غَيْرَ مُحْتَضَرِ النّصْرُ
لِوَاءُ ضَلَالٍ قَادَ إبْلِيسُ أَهْلَهُ ... فَخَاسَ بِهِمْ إنّ الْخَبِيثَ إلَى غَدْرِ
وَقَالَ لَهُمْ إذْ عَايَنَ الْأَمْرَ وَاضِحًا ... بَرِئْت إلَيْكُمْ مَا بِي الْيَوْمَ مِنْ صَبْرِ
فَإِنّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَإِنّنِي ... أَخَافُ عِقَابَ اللّهِ وَاَللّهُ ذُو قَسْرِ
فَقَدّمَهُمْ لِلْحَيْنِ حَتّى تَوَرّطُوا ... وَكَانَ بِمَا لَمْ يَخْبُرْ الْقَوْمُ ذَا خُبْرِ
فَكَانُوا غَدَاةَ الْبِئْرِ أَلْفًا وَجَمْعُنَا ... ثَلَاثُ مِئِينٍ كَالْمُسْدَمَةِ الزّهْرِ
وَفِينَا جُنُودُ اللّهِ حَيْنَ يُمِدّنَا ... بِهِمْ فِي مَقَامٍ ثُمّ مُسْتَوْضَحِ الذّكْرِ
فَشَدّ بِهِمْ جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا ... لَدَى مَأْزِقٍ فِيهِ مَنَايَاهُمْ تَجْرِي

[ ص 10 ] الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، فَقَالَ [ ص 11 ]
أَلَا يَا لِقَوْمِي لِلصّبَابَةِ وَالْهَجْرِ ... وَلِلْحُزْنِ مِنّي وَالْحَرَارَةِ فِي الصّدْرِ
وَلِلدّمْعِ مِنْ عَيْنَيّ جُودَا كَأَنّهُ ... فَرِيدٌ هَوَى مِنْ سِلْك نَاظِمه يَجْرِي
عَلَى الْبَطَلِ الْحُلْوِ الشّمَائِلِ إذْ ثَوَى ... رَهِينَ مَقَامٍ لِلرّكِيّةِ مِنْ بَدْرِ
فَلَا تَبْعُدْنَ يَا عَمْرُو مِنْ ذِي قُرَابَةٍ ... وَمِنْ ذِي نِدَامٍ كَانَ ذَا خُلُقٍ غَمْرِ
فَإِنْ يَكُ قَوْمٌ صَادَفُوا مِنْك دَوْلَةً ... فَلَا بُدّ لِلْأَيّامِ مِنْ دُوَلِ الدّهْرِ
فَقَدْ كُنْتَ فِي صَرْفِ الزّمَانِ الّذِي مَضَى ... تُرِيهِمْ هَوَانًا مِنْك ذَا سُبُلٍ وَعْرِ
فَإِلّا أَمُتْ يَا عَمْرُو أَتْرُكْ ثَائِرًا ... وَلَا أُبْقِ بُقْيَا فِي إخَاءٍ وَلَا صِهْرِ
وَأَقْطَعُ ظَهْرًا مِنْ رِجَالٍ بِمَعْشَرٍ ... كِرَامٍ عَلَيْهِمْ مِثْلَ مَا قَطَعُوا ظَهْرِي
أَغَرّهُمْ مَا جَمّعُوا مِنْ وَشِيظَةٍ ... وَنَحْنُ الصّمِيمُ فِي الْقَبَائِلِ مِنْ فِهْرِ
فِيَالَ لُؤَيّ ذَبّبُوا عَنْ حَرِيمِكُمْ ... وَآلِهَةٍ لَا تَتْرُكُوهَا لِذِي الْفَخْرِ
تَوَارَثَهَا آبَاؤُكُمْ وَوَرِثْتُمْ ... أَوَاسِيّهَا وَالْبَيْتَ ذَا السّقْفِ وَالسّتْرِ
فَمَا لِحَلِيمٍ قَدْ أَرَادَ هَلَاكَكُمْ ... فَلَا تَعْذِرُوهُ آلَ غَالِبٍ مِنْ عُذْرٍ
وَجِدّوا لِمِنْ عَادَيْتُمْ وَتَوَازَرُوا ... وَكُونُوا جَمِيعًا فِي التّأَسّي وَفِي الصّبْرِ
لَعَلّكُمْ أَنْ تَثْأَرُوا بِأَخِيكُمْ ... وَلَا شَيْءَ إنّ لَمْ تَثْأَرُوا بِذَوِي عَمْرِو
بِمُطّرِدَاتِ فِي الْأَكُفّ كَأَنّهَا ... وَمِيضٌ تُطِيرُ الْهَامَ بَيّنَةَ الْأُثْرِ
كَأَنّ مُدِبّ الذّرّ فَوْقَ مُتُونِهَا ... إذَا جُرّدَتْ يَوْمًا لِأَعْدَائِهَا الْخُزْر

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبْدَلْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ كَلِمَتَيْنِ مِمّا رَوَى ابْنُ إسْحَاقَ ، وَهُمَا " الْفَخْر " فِي آخِرِ الْبَيْتِ وَ " فَمَا لِحَلِيمِ " ، فِي أَوّلِ الْبَيْتِ لِأَنّهُ نَالَ فِيهِمَا مِنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي يَوْمِ بَدْرٍ : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يَعْرِفُهَا وَلَا نَقِيضَتَهَا ، وَإِنّمَا كَتَبْنَاهُمَا لِأَنّهُ يُقَالُ إنّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي الْقَتْلَى ، وَذَكَرَهُ فِي هَذَا الشّعْرِ [ ص 12 ]
أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أَبْلَى رَسُولَهُ ... بَلَاءَ عَزِيزٍ ذِي اقْتِدَارِ وَذِي فَضْلٍ
بِمَا أَنْزَلَ الْكُفّارَ دَارَ مَذَلّةٍ ... فَلَاقَوْا هَوَانَا مِنْ إسَارٍ وَمِنْ قَتْل
فَأَمْسَى رَسُولُ اللّهِ قَدْ عَزّ نَصْرُهُ ... وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ أُرْسِلَ بِالْعَدْل
فَجَاءَ بِفُرْقَانٍ مِنْ اللّهِ مُنْزَلٍ ... مُبَيّنَةٍ آيَاتُهُ لِذَوِي الْعَقْل
فَآمَنَ أَقْوَامٌ بِذَاكَ وَأَيْقَنُوا ... فَأَمْسَوْا بِحَمْدِ اللّهِ مُجْتَمِعِي الشّمْلِ
وَأَنْكَرَ أَقْوَامٌ فَزَاغَتْ قُلُوبُهُمْ ... فَزَادَهُمْ ذُو الْعَرْشِ خَبْلًا عَلَى خَبْلُ
وَأَمْكَنَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ رَسُولَه ... وَقَوْمًا غِضَابًا فِعْلُهُمْ أَحْسَنُ الْفِعْلِ
بِأَيْدِيهِمْ بِيضٌ خِفَافٌ عَصَوْا بِهَا ... وَقَدْ حَادَثُوهَا بِالْجِلَاءِ وَبِالصّقْلِ
فَكَمْ تَرَكُوا مِنْ نَاشِئٍ ذِي حَمِيّةٍ ... صَرِيعًا وَمِنْ ذِي نَجْدَة مِنْهُمْ كَهْل
تَبِيتُ عُيُونُ النّائِحَاتِ عَلَيْهِمْ ... تَجُودُ بِأَسْبَالِ الرّشَاشِ وَبِالْوَبْلِ
نَوَائِحَ تَنْعَى عُتْبَة الْغَيّ وَابْنَه ... وَشَيْبَةَ تَنْعَاهُ وَتَنْعَى أَبَا جَهْلٍ
وَذَا الرّجُلِ تَنْعَى وَابْنَ جُدْعَانَ فِيهِمْ ... مُسَلّبَةً حَرّى مُبَيّنَة الثّكْلِ
ثَوَى مِنْهُمْ فِي بِئْرِ بَدْرٍ عِصَابَةٌ ... ذَوِي نَجَدَاتٍ فِي الْحُرُوبِ وَفِي الْمَحْل
دَعَا الْغَيّ مِنْهُمْ مَنْ دَعَا ... فَأَجَابَهُ وَلِلْغَيّ أَسِبَابٌ مُرَمّقَةُ الْوَصْلِ
عَنْ الشّغْبِ وَالْعُدْوَانِ فِي أَشْغَلْ الشّغْلِ ... فَأَضْحَوْا لَدَى دَارِ الْجَحِيمِ بِمَعْزِل

فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، فَقَالَ [ ص 13 ]
عَجِبْتُ لِأَقْوَامٍ تَغَنّى سَفِيهُهُمْ ... بِأَمْرٍ سَفَاهٍ ذِي اعْتِرَاضٍ وَذِي بُطْلٍ
تَغَنّى بِقَتْلَى يَوْمَ بَدْرٍ تَتَابَعُوا ... كِرَامِ الْمَسَاعِي مِنْ غُلَامٍ وَمِنْ كَهْلٍ
مَصَالِيتَ بِيضٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... مَطَاعِينَ فِي الْهَيْجَا مَطَاعِيمَ فِي الْمَحْلِ
أُصِيبُوا كِرَامًا لَمْ يَبِيعُوا عَشِيرَةً ... بِقَوْمِ سِوَاهُمْ نَازِحِي الدّارِ وَالْأَصْلِ
كَمَا أَصْبَحَتْ غَسّانُ فِيكُمْ بِطَانَةً ... لَكُمْ بَدَلًا مِنّا فِيَالَك مِنْ فِعْلِ
عُقُوقًا وَإِثْمًا بَيّنًا وَقَطِيعَةً ... يَرَى جَوْرَكُمْ فِيهَا ذَوُو الرّأْيِ وَالْعَقْلِ
فَإِنْ يَكُ قَوْمٌ قَدْ مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ ... وَخَيْرُ الْمَنَايَا مَا يَكُونُ مِنْ الْقَتْلِ
فَلَا تَفْرَحُوا أَنْ تَقْتُلُوهُمْ فَقَتْلُهُمْ ... لَكُمْ كَائِنٌ خَبْلًا مُقِيمًا عَلَى خَبْلِ
فَإِنّكُمْ لَنْ تَبْرَحُوا بَعْدَ قَتْلِهِمْ ... شَتِيتًا هَوَاكُمْ غَيْرُ مُجْتَمِعِي الشّمْلِ
بِفَقْدِ ابْنِ جُدْعَانَ الْحَمِيدِ فِعَالُهُ ... وَعُتْبَة وَالْمَدْعُوّ فِيكُمْ أَبَا جَهْلِ
وَشَيْبَةَ فِيهِمْ وَالْوَلِيدَ وَفِيهِمْ ... أُمَيّةَ مَأْوَى الْمُعْتَرِينَ وَذُو الرّجْلِ
أُولَئِكَ فَابْكِ ثُمّ لَا تَبْكِ غَيْرَهُمْ ... نَوَائِحُ تَدْعُو بِالرّزِيّةِ وَالثّكْلِ
وَقُولُوا لِأَهْلِ الْمَكّتَيْنِ تَحَاشَدُوا ... وَسِيرُوا إلَى آطَامِ يَثْرِبَ ذِي النّخْلِ
جَمِيعًا وَحَامُوا آلَ كَعْبٍ وَذَبّبُوا ... بِخَالِصَةِ الْأَلْوَانِ مُحْدَثَةِ الصّقْلِ
وَإِلّا فَبُيّتُوا خَائِفِينَ وَأَصْبِحُوا ... أَذَلّ لِوَطْءِ الْوَاطِئِينَ مِنْ النّعْلِ
عَلَى أَنّنِي وَاللّاتِ يَا قَوْمُ فَاعْلَمُوا ... بِكَمْ وَاثِقٌ أَنْ لَا تُقِيمُوا عَلَى تَبْلِ
سِوَى جَمْعِكُمْ لِلسّابِغَاتِ وَلِلْقَنَا ... وَلِلْبَيْضِ وَالْبِيضِ الْقَوَاطِعِ وَالنّبْلِ

وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ ، فِي يَوْمِ بَدْرٍ [ ص 14 ]
عَجِبْتُ لِفَخْرِ الْأَوْسِ وَالْحَيْنُ دَائِرٌ ... عَلَيْهِمْ غَدًا وَالدّهْرُ فِيهِ بَصَائِرُ
وَفَخْرُ بَنِي النّجّارِ إنْ كَانَ مَعْشَرٌ ... أُصِيبُوا بِبَدْرٍ كُلّهُمْ ثَمّ صَابِرُ
فَإِنْ تَكُ قَتْلَى غُودِرَتْ مِنْ رِجَالِنَا ... فَإِنّا رِجَالٌ بَعْدَهُمْ سَنُغَادِرُ
وَتَرْدِي بِنَا الْجُرْدُ الْعَنَاجِيجُ وَسَطكُمْ ... بَنِي الْأَوْسِ حَتّى يَشْفِي النّفْسَ ثَائِرٌ
وَوَسْطَ بَنِي النّجّارِ سَوْفَ نَكُرّهَا ... لَهَا بِالْقَنَا وَالدّارِعِينَ زَوَافِر
فَنَتْرُكُ صَرْعَى تَعْصِبُ الطّيْرُ حَوْلَهُمْ ... وَلَيْسَ لَهُمْ إلّا الْأَمَانِيّ نَاصِرُ
وَتَبْكِيهِمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ نِسْوَةٌ ... لَهُنّ بِهَا لَيْلٌ عَنْ النّوْمِ سَاهِرُ
وَذَلِك أَنّا لَا تَزَالُ سُيُوفُنَا ... بِهِنّ دَمٌ مِمّنْ يُحَارَبْنَ مَائِرُ
فَإِنْ تَظْفَرُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ فَإِنّمَا ... بِأَحْمَدَ أَمْسَى جَدّكُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ
وَبِالنّفَرِ الْأَخْيَارِ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ ... يُحَامُونَ فِي الّلأْوَاءِ وَالْمَوْتُ حَاضِرُ
يُعَدّ أَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ فِيهِمْ ... وَيُدْعَى عَلِيّ وَسْطَ مَنْ أَنْتَ ذَاكِرُ
وَيُدْعَى أَبُو حَفْصٍ وَعُثْمَانُ مِنْهُمْ ... وَسَعْدٌ إذَا مَا كَانَ فِي الْحَرْبِ حَاضِرُ
أُولَئِكَ لَا مَنْ نَتّجَتْ فِي دِيَارِهَا ... بَنُو الْأَوْسِ وَالنّجّارِ حَيْنَ تُفَاخِرُ
وَلَكِنْ أَبُوهُمْ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... إذَا عُدّتْ الْأَنْسَابُ كَعْبٌ وَعَامِرُ
هُمْ الطّاعِنُونَ الْخَيْلَ فِي كُلّ مَعْرَكٍ ... غَدَاةَ الْهِيَاجِ الْأَطْيَبُونَ الْأَكَاثِرُ

فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ [ ص 15 ]
عَجِبْتُ لِأَمْرِ اللّهِ وَاَللّهُ قَادِرٌ ... عَلَى مَا أَرَادَ لَيْسَ لِلّهِ قَاهِرُ
قَضَى يَوْمَ بَدْرٍ أَنْ نُلَاقِيَ مَعْشَرًا ... بَغَوْا وَسَبِيلُ الْبَغْي بِالنّاسِ جَائِرُ
وَقَدْ حَشَدُوا وَاسْتَنْفَرُوا مِنْ يَلِيهِمْ ... مِنْ النّاسِ حَتّى جَمْعُهُمْ مُتَكَاثَرُ
وَسَارَتْ إلَيْنَا لَا تُحَاوِلُ غَيْرَنَا ... بِأَجْمَعِهَا كَعْبٌ جَمِيعًا وَعَامِرُ
وَفِينَا رَسُولُ اللّهِ وَالْأَوْسُ حَوْلَهُ ... لَهُ مَعْقِلٌ مِنْهُمْ عَزِيزٌ وَنَاصِرُ
وَجَمْعُ بَنِي النّجّارِ تَحْتَ لِوَائِهِ ... يُمَشّوْنَ فِي الْمَاذِيّ وَالنّقْعُ ثَائِرُ
فَلَمّا لَقِينَاهُمْ وَكُلّ مُجَاهِدٌ ... لِأَصْحَابِهِ مُسْتَبْسِلُ النّفْسِ صَابِرُ
شَهِدْنَا بِأَنّ اللّهَ لَا رَبّ غَيْرُهُ ... وَأَنّ رَسُولَ اللّهِ بِالْحَقّ ظَاهِرُ
وَقَدْ عُرّيَتْ بِيضٌ خِفَافٌ كَأَنّهَا ... مَقَابِيسُ يُزْهِيهَا لِعَيْنَيْك شَاهِرُ
بِهِنّ أَبَدْنَا جَمْعَهُمْ فَتَبَدّدُوا ... وَكَانَ يُلَاقِي الْحَيْنَ مَنْ هُوَ فَاجِرُ
فَكُبّ أَبُو جَهْلٍ صَرِيعًا لِوَجْهِهِ ... وَعُتْبَةُ قَدْ غَادَرْنَهُ وَهُوَ عَاثِرُ
وَشَيْبَةُ وَالتّيْمِيّ غَادَرْنَ فِي الْوَغَى ... وَمَا مِنْهُمْ إلّا بِذِي الْعَرْشِ كَافِرُ
فَأَمْسَوْا وَقُودَ النّارِ فِي مُسْتَقَرّهَا ... وَكُلّ كَفَوْرٍ فِي جَهَنّمَ صَائِرُ
تَلَظّى عَلَيْهِمْ وَهِيَ قَدْ شَبّ حَمْيُهَا ... بِزُبَرِ الْحَدِيدِ وَالْحِجَارَةِ سَاجِرُ
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ قَدْ قَالَ أَقْبِلُوا ... فَوَلّوْا وَقَالُوا : إِنّمَا أَنْتَ سَاحِرُ
لِأَمْرِ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَهْلَكُوا بِهِ ... وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمّهُ اللهُ زَاجِرُ

وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبْعَرَى السّهْمِيّ يَبْكِي قَتْلَى بَدْرٍ : فَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَتُرْوَى لِلْأَعْشَى بْنِ زُرَارَةَ بْنِ النّبّاشِ أَحَدُ بَنِي أُسَيْد بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الدّار ِ [ ص 16 ]
مَاذَا عَلَى بَدْرٍ وَمَاذَا حَوْلَهُ ... مِنْ فِتْيَةٍ بِيضِ الْوُجُوهِ كِرَامٍ
تَرَكُوا نُبَيْهًا خَلْفَهُمْ وَمُنَبّهًا ... وَابْنَيْ رَبِيعَةَ خَيْرَ خَصْمٍ فِئَام
وَالْحَارِثَ الْفَيّاضَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ ... كَالْبَدْرِ جَلّى لَيْلَةَ الْإِظْلَامِ
وَالْعَاصِيَ بْنَ مُنَبّهٍ ذَا مِرّةٍ ... رُمْحًا تَمِيمًا غَيْرَ ذِي أَوْصَام
تَنَمّى بَهْ أَعْرَاقُهُ وَجُدُودُهُ ... وَمَآثِرُ الْأَخْوَالِ وَالْأَعْمَامِ
وَإِذَا بَكَى بَاكٍ فَأَعْوَل شَجْوَهُ ... فَعَلَى الرّئِيسِ الْمَاجِدِ ابْنِ هِشَامِ
حَيّا الْإِلَهُ أَبَا الْوَلِيدِ وَرَهْطَهُ ... رَبّ الْأَنَامِ وَخَصّهُمْ بِسَلَامِ
فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ ، فَقَالَ
ابْكِ بَكَتْ عَيْنَاك ثُمّ تَبَادَرَتْ ... بِدَمِ تُعَلّ غُرُوبُهَا سَجّام
مَاذَا بَكَيْتَ بِهِ الّذِينَ تَتَايَعُوا ... هَلّا ذَكَرْتَ مَكَارِمَ الْأَقْوَامِ
وَذَكَرْتَ مِنّا مَاجِدًا ذَا هِمّةٍ ... سَمْحَ الْخَلَائِقِ صَادِقَ الْإِقْدَامِ
أَعْنِي النّبِيّ أَخَا الْمَكَارِمِ وَالنّدَى ... وَأَبَرّ مَنْ يُولَى عَلَى الْإِقْسَامِ
فَلِمِثْلِهِ وَلِمِثْلِ مَا يَدْعُو لَهُ ... كَانَ الْمُمَدّحَ ثَمّ غَيْرُ كَهَام

[ شِعْرٌ لِحَسّانَ فِي بَدْرٍ أَيْضًا ]
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ أَيْضًا [ ص 17 ] [ ص 18 ]
تَبَلَتْ فُؤَادَك فِي الْمَنَامِ خَرِيدَةً ... تَسْقِى الضّجِيعَ بِبَارِدِ بَسّامِ
كَالْمِسْكِ تَخْلِطُهُ بِمَاءِ سَحَابَةٍ ... أَوْ عَاتِقٍ كَدَمِ الذّبِيحِ بَيّحَ مُدَام
نُفُجُ الْحَقِيبَةِ بُوصُهَا مُتَنَضّدٌ ... بَلْهَاءُ غَيْرُ وَشِيكَةِ الْأَقْسَامِ
بُنِيَتْ عَلَى قَطَنٍ أَجَمّ كَأَنّهُ ... فُضُلًا إذَا قَعَدَتْ مَدَاكُ رُخَامِ
وَتَكَادُ تَكْسَلُ أَنْ تَجِئْ فِرَاشُهَا ... فِي جِسْمِ خَرْعَبَة وَحُسْن قَوَام
أَمّا النّهَارَ فَلَا أُفَتّرُ ذِكْرَهَا ... وَاللّيْلُ تُوزِعُنِي بِهَا أَحْلَامِي
أَقْسَمْتَ أَنْسَاهَا وَأَتْرُكُ ذِكْرَهَا ... حَتّى تُغَيّبَ فِي الضّرِيحِ عِظَامِي
يَا مَنْ لِعَاذِلَةٍ تَلُومُ سَفَاهَةً ... وَلَقَدْ عَصَيْتُ عَلَى الْهَوَى لُوّامِي
بَكَرَتْ عَلَيّ بِسُحْرَةٍ بَعْدَ الْكَرَى ... وَتَقَارُبٍ مِنْ حَادِثِ الْأَيّامِ
زَعَمَتْ بِأَنّ الْمَرْءَ يَكْرُبُ عُمْرَهُ ... عَدَمٌ لِمُعْتَكِرٍ مِنْ الْأَصْرَامِ
إنّ كُنْتِ كَاذِبَةَ الّذِي حَدّتْتِنِي ... فَنَجَوْتِ مَنْجَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ
تَرَك الْأَحِبّة أَنْ يُقَاتِلَ دُونَهُمْ ... وَنَجَا بِرَأْسِ طِمرّة وَلِجَامِ
تَذَر الْعَنَاجِيجُ الْجِيَادُ بِقَفْرَةٍ ... مَرّ الدّمُوكِ بِمُحْصَدٍ وَرِجَامِ
مَلَأَتْ بِهِ الْفَرْجَيْنِ فَارْمَدّتْ بِهِ ... وَثَوَى أَحِبّتُهُ بِشَرّ مَقَامِ
وَبَنُو أَبِيهِ وَرَهْطُهُ فِي مَعْرَكٍ ... نَصَرَ الْإِلَهُ بِهِ ذَوِي الْإِسْلَامِ
طَحَنَتْهُمْ وَاَللّهُ يُنْفِذُ أَمْرَهُ ... حَرْبٌ يُشَبّ سَعِيرُهَا بِضِرَامِ
لَوْلَا الْإِلَهُ وَجَرْيُهَا لَتَرَكْنَهُ ... جَزَرَ السّبَاعِ وَدُسْنَهُ بحَوَامِي
مِنْ بَيْنَ مَأْسُورٍ يُشَدّ وَثَاقُهُ ... صَقْرٍ إذَا لَاقَى الْأَسِنّةَ حَامِي
وَمُجَدّلٍ لَا يَسْتَجِيبُ لِدَعْوَةٍ ... حَتّى تَزُولَ شَوَامِخُ الْأَعْلَامِ
بِالْعَارِ وَالذّلّ الْمُبَيّنِ إذْ رَأَى ... بِيضَ السّيُوفِ تَسُوقُ كُلّ هُمَامِ
بِيَدَيْ أَغَرّ إذَا انْتَمَى لَمْ يُخْزِهِ ... نَسَبُ الْقِصَارِ سَمَيْدَع مِقْدَامِ
بِيضٌ إذَا لَاقَتْ حَدِيدًا صَمّمَتْ ... كَالْبَرْقِ تَحْتَ ظِلَالِ كُلّ غَمَامِ

[ شِعْرُ الْحَارِثِ فِي الرّدّ عَلَى حَسّانَ ]
فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ ، فَقَالَ
اللّهُ أَعْلَمُ مَا تَرَكْتُ قِتَالَهُم ْ ... حَتّى حَبَوْا مُهْرِي بِأَشْقَرَ مُزْبِد
وَعَرَفْتُ أَنّي إنْ أُقَاتِلْ وَاحِدًا ... أُقْتَلْ وَلَا يَنْكِي عَدُوّي مَشْهَدِي
فَصَدَدْتُ عَنْهُمْ وَالْأَحِبّةُ فِيهِمْ ... طَمَعًا لَهُمْ بِعِقَابِ يَوْمٍ مُفْسِدٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَهَا الْحَارِثُ يَعْتَذِرُ مِنْ فِرَارِهِ يَوْمَ بَدْرٍ . [ ص 19 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْ قَصِيدَةِ حَسّانَ ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا ، لِأَنّهُ أَقْذَعَ فِيهَا .

[ شِعْرٌ لِحَسّانَ فِيهَا أَيْضًا ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا :
لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ ... غَدَاةَ الْأَسْرِ وَالْقَتْلِ الشّدِيدِ
بِأَنّا حَيْنَ تَشْتَجِرُ الْعَوَالِي ... حُمَاةُ الْحَرْبِ يَوْمَ أَبِي الْوَلِيدِ
قَتَلْنَا ابْنَيْ رَبِيعَةَ يَوْمَ سَارا ... إلَيْنَا فِي مُضَاعَفَةِ الْحَدِيدِ
وَفَرّ بِهَا حَكِيمٌ يَوْمَ جَالَتْ ... بَنُو النّجّارِ تَخْطِرُ كَالْأُسُودِ
وَوَلّتْ عِنْدَ ذَاكَ جَمُوعُ فِهْرٍ ... وَأَسْلَمَهَا الْحُوَيْرِث مِنْ بِعِيدِ
لَقَدْ لَاقَيْتُمْ ذُلّا وَقَتْلًا ... جَهِيزًا نَافِذًا تَحْتَ الْوَرِيدِ
وَكُلّ الْقَوْمِ قَدْ وَلّوْا جَمِيعًا ... وَلَمْ يَلْوُوا عَلَى الْحَسَبِ التّلِيدِ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا [ ص 20 ]
يَا حَارِ قَدْ عَوّلْتَ غَيْرَ مُعَوّلٍ ... عِنْدَ الْهِيَاجِ وَسَاعَةَ الْأَحْسَابِ
إذْ تَمْتَطِي سُرُحَ الْيَدَيْنِ نَجِيبَةً ... مَرْطَى الْجِرَاءِ طَوِيلَةَ الْأَقْرَابِ
وَالْقَوْمُ خَلْفَك قَدْ تَرَكْتَ قِتَالَهُمْ ... تَرْجُو النّجَاءَ وَلَيْسَ حَيْنَ ذَهَابِ
أَلّا عَطَفْت عَلَى ابْنِ أُمّك إذْ ثَوَى ... قَعْصَ الْأَسِنّةِ ضَائِعَ الْأَسْلَابِ
عَجّلَ الْمَلِيكُ لَهُ فَأَهْلَكَ جَمْعَهُ ... بِشَنَارِ مُخْزِيَةٍ وَسُوءِ عَذَابِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتًا وَاحِدًا أَقْذَعَ فِيهِ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا : - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ بَلْ قَالَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ السّهْمِيّ :
مُسْتَشْعِرِي حَلَقِ الْمَاذِيّ يَقْدُمُهُمْ ... جَلْدُ النّحِيزَةِ مَاضٍ غَيْرُ رِعْدِيدِ
أَعْنِي رَسُولَ إلَهِ الْخَلْقِ فَضّلَهُ ... عَلَى الْبَرّيّةِ بِالتّقْوَى وَبِالْجُودِ
وَقَدْ زَعَمْتُمْ بِأَنْ تَحْمُوا ذِمَارَكُمْ ... وَمَاءُ بَدْرٍ زَعَمْتُمْ غَيْرُ مَوْرُودِ
ثُمّ وَرَدْنَا وَلَمْ نَسْمَعْ لِقَوْلِكُمْ ... حَتّى شَرِبْنَا رَوَاءً غَيْرَ تَصْرِيدِ
مُسْتَعْصِمِينَ بِحَبْلٍ غَيْرِ مُنْجَذِمٍ ... مُسْتَحْكَمٍ مِنْ حِبَالِ اللّهِ مَمْدُودِ
فِينَا الرّسُولُ وَفِينَا الْحَقّ نَتْبَعُهُ ... حَتّى الْمَمَاتِ وَنَصْرٌ غَيْرُ مَحْدُودِ
وَافٍ وَمَاضٍ شِهَابٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ ... بَدْرٌ أَنَارَ عَلَى كُلّ الْأَمَاجِيدِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بَيْتُهُ " مُسْتَعْصِمِينَ بِحَبْلٍ غَيْرِ مُنْجَذِمٍ " عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا : [ ص 21 ]
خَابَتْ بَنُو أَسَدٍ وَآبَ غُزّيهِم ... يَوْمَ الْقَلِيبِ بِسَوْءَةٍ وَفُضُوح
مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِي تَجَدّلَ مُقْعَصًا ... عَنْ ظَهْرِ صَادِقَةِ النّجَاءِ سَبُوحِ
حَيْنًا لَهُ مِنْ مَانِعٍ بِسِلَاحِهِ ... لَمّا ثَوَى بِمَقَامِهِ الْمَذْبُوحِ
وَالْمَرْءُ زَمْعَةُ قَدْ تَرَكْنَ وَنَحْرُهُ ... يَدْمَى بِعَانِدٍ مُعْبَطٍ مَسْفُوحِ
مُتَوَسّدًا حُرّ الْجَبِينِ مُعَفّرًا ... قَدْ عُرّ مَارِن أَنْفِهِ بِقُبُوحِ
وَنَجَا ابْنُ قَيْسٍ فِي بَقِيّةَ رَهْطِهِ ... بِشَفَا الرّمَاقِ مُوَلّيًا بِجُرُوحِ

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا [ ص 22 ]
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَتَى أَهْلَ مَكّةَ ... إبَارَتُنَا الْكُفّار فِي سَاعَةِ الْعُسْرِ
قَتَلْنَا سَرَاةَ الْقَوْمِ عِنْدَ مَجَالِنَا ... فَلَمْ يَرْجِعُوا إلّا بِقَاصِمَةِ الظّهْرِ
قَتَلْنَا أَبَا جَهْلٍ وَعُتْبَة قَبْلَهُ ... وَشَيْبَةُ يَكْبُو لِلْيَدَيْنِ وَلِلنّحْرِ
قَتَلْنَا سُوَيْدًا ثُمّ عُتْبَة بَعْدَهُ ... وَطُعْمَة أَيْضًا عِنْدَ ثَائِرَةِ الْقَتْرِ
فَكَمْ قَدْ قَتَلْنَا مِنْ كَرِيمٍ مُرَزّإٍ ... لَهُ حَسَبٌ فِي قَوْمِهِ نَابَهُ الذّكْرُ
تَرَكْنَاهُمْ لِلْعَاوِيَاتِ يَنُبْنَهُمْ ... وَيَصْلَوْنَ نَارًا بَعْدُ حَامِيَةَ الْقَعْرِ
لَعَمْرُك مَا حَامَتْ فَوَارِسُ مَالِكٍ ... وَأَشْيَاعُهُمْ يَوْمَ الْتَقَيْنَا عَلَى بَدْرٍ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ بَيْتَهُ قَتَلْنَا أَبَا جَهْلٍ وَعُتْبَة قَبْلَهُ وَشَيْبَةُ يَكْبُو لِلْيَدَيْنِ وَلِلنّحْرِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا :
نَجّى حَكِيمًا يَوْمَ بَدْرٍ شَدّهُ ... كَنَجَاءِ مُهْرٍ مِنْ بَنَاتِ الْأَعْوَجِ
لَمّا رَأَى بَدْرًا تَسِيلُ جِلَاهُهُ ... بِكَتِيبَةٍ خَضْرَاءَ مِنْ بَلْخَزْرَج
لَا يَنْكُلُونَ إذَا لَقُوا أَعْدَاءَهُمْ ... يَمْشُونَ عَائِدَةَ الطّرِيقِ الْمَنْهَج
كَمْ فِيهِمْ مِنْ مَاجِدٍ ذِي مَنْعَةٍ ... بَطَل بِمَهْلَكَةِ الْجَبَانِ الْمُحْرَجِ
وَمُسَوّدٍ يُعْطِي الْجَزِيلَ بِكَفّهِ ... حَمّالَ أَثْقَالِ الدّيَاتِ مُتَوّجٍ
زَيْنِ النّدِيّ مُعَاوِدٍ يَوْمَ الْوَغَى ... ضَرْبَ الْكُمَاةِ بِكُلّ أَبْيَضَ سَلْجَج
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ سَلَجج ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ أَيْضًا [ ص 23 ]
فَمَا نَخْشَى بِحَوْلِ اللّهِ قَوْمًا ... وَإِنْ كَثُرُوا وَأُجْمِعَتْ الزّحُوفُ
إذَا مَا أَلّبُوا جَمْعًا عَلَيْنَا ... كَفَانَا حَدّهُمْ رَبّ رَءُوفٌ
سَمَوْنَا يَوْمَ بَدْرٍ بِالْعَوَالِي ... سِرَاعًا مَا تُضَعْضِعُنَا الْحُتُوفُ
فَلَمْ تَرَ عُصْبَةً فِي النّاسِ أَنْكَى ... لِمَنْ عَادَوْا إذَا لَقِحَتْ كُشُوفٌ
وَلَكِنّا تَوَكّلْنَا وَقُلْنَا ... مَآثِرُنَا وَمَعْقِلُنَا السّيُوفُ
لَقِينَاهُمْ بِهَا لَمّا سَمَوْنَا ... وَنَحْنُ عِصَابَةٌ وَهُمْ أُلُوفٌ

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا ، يَهْجُو بَنِي جُمَحَ وَمَنْ أُصِيبَ مِنْهُمْ
جَمَحَتْ بَنُو جُمَحٍ لِشِقْوَةِ جَدّهِمْ ... إنّ الذّلِيلَ مُوَكّلٍ بِذَلِيلٍ
قُتِلَتْ بَنُو جُمَحٍ بِبَدْرٍ عَنْوَةً ... وَتَخَاذَلُوا سَعْيًا بِكُلّ سَبِيلٍ
جَحَدُوا الْكِتَابَ وَكَذّبُوا بِمُحَمّدٍ ... وَاَللّهُ يُظْهِرُ دِينَ كُلّ رَسُولٍ
لَعَنَ الْإِلَهُ أَبَا خُزَيْمَةَ وَابْنَهُ ... وَالْخَالِدَيْنِ وَصَاعِدَ بْنَ عَقِيل

[ شِعْرُ عَبِيدَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي قَطْعِ رِجْلِهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ فِي يَوْمِ بَدْر ٍ ، وَفِي قَطْعِ رِجْلِهِ حَيْنَ أُصِيبَتْ فِي مُبَارَزَتِهِ هُوَ وَحَمْزَةُ وَعَلِيّ حِينَ بَارَزُوا عَدُوّهُمْ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِعُبَيْدَة [ ص 24 ]
سَتَبْلُغُ عَنّا أَهْلَ مَكّةَ وَقْعَةٌ ... يَهُبّ لَهَا مَنْ كَانَ عَنْ ذَاكَ نَائِيًا
بِعُتْبَة إذْ وَلّى وَشَيْبَةُ بَعْدَهُ ... وَمَا كَانَ فِيهَا بِكْر عُتْبَة رَاضِيًا
فَإِنْ تَقْطَعُوا رِجْلِي فَإِنّى مُسْلِمٌ ... أُرَجّي بِهَا عَيْشًا مِنْ اللّهِ دَانِيًا
مَعَ الْحُورِ أَمْثَالَ التّمَاثِيلِ أُخْلِصَتْ ... مَعَ الْجَنّةِ الْعُلْيَا لِمَنْ كَانَ عَالِيًا
وَبِعْتُ بِهَا عَيْشًا تَعَرّقْتُ صَفْوَهُ ... وَعَالَجْتُهُ حَتّى فَقَدْتُ الْأَدَانِيَا
فَأَكْرَمَنِي الرّحْمَنُ مِنْ فَضْلِ مَنّهِ ... بِئَوْب مِنْ الْإِسْلَامِ غَطّى الْمُسَاوِيَا
وَمَا كَانَ مَكْرُوهًا إلَيّ قِتَالُهُمْ ... غَدَاةَ دَعَا الْأَكْفَاءَ مَنْ كَانَ دَاعِيًا
وَلَمْ يَبْغِ إذْ سَالُوا النّبِيّ سَوَاءَنَا ... ثَلَاثَتنَا حَتّى حَضَرْنَا الْمُنَادِيَا
لَقِينَاهُمْ كَالْأُسْدِ تَخْطِرُ بِالْقَنَا ... نُقَاتِلُ فِي الرّحْمَنِ مَنْ كَانَ عَاصِيَا
فَمَا بَرِحَتْ أَقْدَامُنَا مِنْ مَقَامِنَا ... ثَلَاثَتُنَا حَتّى أَزِيرُوا الْمَنَائِيَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : لَمّا أُصِيبَتْ رِجْلُ عَبِيدَةَ قَالَ أَمَا وَاَللّهِ لَوْ أَدْرَكَ أَبُو طَالِبٍ هَذَا الْيَوْمَ لَعَلِمَ أَنّي أَحَقّ مِنْهُ بِمَا قَالَ حِينَ يَقُولُ
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللّهِ يُبْزَى مُحَمّدٌ ... وَلَمّا نُطَاعِن دُونَهُ وَنُنَاضِلْ
وَنُسْلِمُهُ حَتّى نُصَرّعَ حَوْلَهُ ... وَنُذْهَل عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لِأَبِي طَالِبٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ .

( رِثَاءُ كَعْبٍ لِعَبِيدَةَ بْنِ الْحَارِثِ )
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا هَلَكَ عَبِيدَة بْنُ الْحَارِثِ مِنْ مُصَابِ رِجْلِهِ يَوْمَ بَدْرٍ . قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيّ يَبْكِيهِ [ ص 25 ]
أَيَا عَيْنُ جُودِي وَلَا تَبْخَلِي ... بِدَمْعِك حَقّا وَلَا تَنْزُرِي
عَلَى سَيّدٍ هَدّنَا هُلْكُهُ ... كَرِيمِ الْمَشَاهِدِ وَالْعُنْصُرِ
جَرِيءِ الْمُقَدّمِ شَاكِي السّلَاحِ ... كَرِيمِ النّثَا طَيّبِ الْمَكْسِرِ
عَبِيدَة أَمْسَى وَلَا نَرْتَجِيهِ ... لِعُرْفٍ عَرَانَا وَلَا مُنْكِرِ
وَقَدْ كَانَ يَحْمَى غَدَاةَ الْقِتَا ... لِ حَامِيَةَ الْجَيْشِ بِالْمُبْتَرِ

[ شِعْرٌ لِكَعْبِ فِي بَدْرٍ ]
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا ، فِي يَوْمِ بَدْرٍ :
أَلَا هَلْ أَتَى غَسّانَ فِي نَأْيِ دَارِهَا ... وَأَخْبَرُ شَيْءٍ بِالْأُمُورِ عَلِيمُهَا
بِأَنْ قَدْ رَمَتْنَا عَنْ قِسِيّ عَدَاوَةٍ ... مُعَدّ مَعًا جُهّالُهَا وَحَلِيمُهَا
لِأَنّا عَبَدْنَا اللّهَ لَمْ نَرْجُ غَيْرَهُ ... رَجَاءَ الْجِنَانِ إذْ أَتَانَا زَعِيمُهَا
نَبِيّ لَهُ فِي قَوْمِهِ إرْثُ عِزّةٍ ... وَأَعْرَاقُ صِدْقٍ هَذّبَتْهَا أُرُومُهَا
فَسَارُوا وَسِرْنَا فَالْتَقَيْنَا كَأَنّنَا ... أُسُودُ لِقَاءٍ لَا يُرَجّى كَلِيمُهَا
ضَرَبْنَاهُمْ حَتّى هَوَى فِي مَكَرّنَا ... لِمَنْخِرِ سَوْءٍ مِنْ لُؤَيّ عَظِيمُهَا
فَوَلّوْا وَدُسْنَاهُمْ بِبِيضِ صَوَارِمِ ... سَوَاءٌ عَلَيْنَا حِلْفُهَا وَصَمِيمُهَا
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا : [ ص 26 ]
لَعَمْرُ أَبِيكُمَا يَا بَنِي لُؤَيّ ... عَلَى زَهْوٍ لَدَيْكُمْ وَانْتِخَاءِ
لَمَا حَامَتْ فَوَارِسُكُمْ بِبَدْرٍ ... وَلَا صَبَرُوا بِهِ عِنْدَ اللّقَاءِ
وَرَدْنَاهُ بِنُورِ اللّهِ يَجْلُو ... دُجَى الظّلْمَاءِ عَنّا وَالْغِطَاءِ
رَسُولُ اللّهِ يَقْدُمُنَا بِأَمْرٍ ... مِنْ أَمْرِ اللّهِ أُحْكِمَ بِالْقَضَاءِ
فَمَا ظَفَرَتْ فَوَارِسُكُمْ بِبَدْرِ ... وَمَا رَجَعُوا إلَيْكُمْ بِالسّوَاءِ
فَلَا تَعْجَلْ أَبَا سُفْيَانَ وَارْقُبْ ... جِيَادَ الْخَيْلِ تَطْلُعُ مِنْ كَدَاءِ
بِنَصْرِ اللّهِ رُوحُ الْقُدْسِ فِيهَا ... وَمِيكَالُ فَيَا طِيبَ الْمَلَاءِ

[ شِعْرُ طَالِبٍ فِي مَدْحِ الرّسُولِ وَبُكَاءِ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ ]
وَقَالَ طَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، يَمْدَحُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَبْكِي أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ [ ص 27 ]
أَلَا إنّ عَيْنِي أَنْفَدَتْ دَمْعَهَا سَكْبًا ... تُبَكّي عَلَى كَعْبٍ وَمَا إنْ تَرَى كَعْبَا
أَلَا إنّ كَعْبًا فِي الْحُرُوبِ تَخَاذَلُوا ... وَأَرْدَاهُمْ ذَا الدّهْرُ وَاجْتَرَحُوا ذَنْبًا
وَعَامِرٌ تَبْكِي لِلْمُلِمّاتِ غُدْوَةً ... فَيَالَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَرَى لَهُمَا قُرْبًا
هُمَا أَخَوَايَ لَنْ يُعَدّا لِغَيّةِ ... تُعَدّ وَلَنْ يُسْتَامُ جَارُهُمَا غَصْبَا
فَيَا أَخَوَيْنَا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا ... فِدًا لَكُمَا لَا تَبْعَثُوا بَيْنَنَا حَرْبًا
وَلَا تُصْبِحُوا مِنْ بَعْدِ وُدّ وَأُلْفَةٍ ... أَحَادِيثَ فِيهَا كُلّكُمْ يَشْتَكِي النّكْبَا
أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ ... وَجَيْشِ أَبِي يَكْسُومٍ إذْ مَلَئُوا الشّعْبَا
فَلَوْلَا دِفَاعُ اللّهِ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... لَأَصْبَحْتُمْ لَا تَمْنَعُونَ لَكُمْ سِرْبًا
فَمَا إنْ جَنَيْنَا فِي أَقُرَيْشٌ عَظِيمَةً ... سِوَى أَنْ حَمَيْنَا خَيْرَ مَنْ وَطِئَ التّرْبَا
أَخَا ثِقَةٍ فِي النّائِبَاتِ مُرَزّأً ... كَرِيمًا نَثَاهُ لَا بَخِيلًا وَلَا ذَرْبًا
يُطِيفُ بِهِ الْعَافُونَ يَغْشَوْنَ بَابَهُ ... يَؤُمّونَ بَحْرًا لَا نَزُورًا وَلَا صَرْبًا
فَوَاَللّهِ لَا تَنْفَكّ نَفْسِي حَزِينَةً ... تَمَلْمُلُ حَتّى تَصْدُقُوا الْخَزْرَجَ الضّرْبَا

[ شِعْرُ ضِرَارٍ فِي رِثَاءِ أَبِي جَهْلٍ ]
وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ الْفِهْرِيّ يَرْثِي أَبَا جَهْلٍ [ ص 28 ]
أَلَا مَنْ لَعَيْنٍ بَاتَتْ اللّيْلَ لَمْ تَنَمْ ... تُرَاقِبُ نَجْمًا فِي سَوَادٍ مِنْ الظّلَمْ
كَأَنّ قَذًى فِيهَا وَلَيْسَ بِهَا قَذًى ... سِوَى عَبْرَةٍ مِنْ جَائِلِ الدّمْعِ تَنْسَجِمْ
فَبَلّغْ قُرَيْشًا أَنّ خَيْرَ نَدِيّهَا ... وَأَكْرَمَ مَنْ يَمْشِي بِسَاقٍ عَلَى قَدَمْ
ثَوَى يَوْمَ بَدْرٍ رَهْنَ خَوْصَاءَ رَهْنُهَا ... كَرِيمُ الْمَسَاعِي غَيْرُ وَغْدٍ وَلَا بَرَمْ
فَآلَيْتُ لَا تَنْفَكّ عَيْنَيّ بِعَبْرَةٍ ... عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ الرّئِيسِ أَبِي الْحَكَمْ
عَلَى هَالِكٍ أَشْجَى لُؤَيّ بْنَ غَالِبٍ ... أَتَتْهُ الْمَنَايَا يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمْ يَرِمْ
تَرَى كِسَرَ الْخَطّيّ فِي نَحْرِ مُهْرِهِ ... لَدَى بَائِنٍ مِنْ لَحْمِهِ بَيْنَهَا خِذَمْ
وَمَا كَانَ لَيْثٌ سَاكِنٌ بَطْنَ بِيشَةٍ ... لَدَى غَلَلٍ يَجْرِي بِبَطْحَاءَ فِي أَجَمْ
بِأَجْرَأَ مِنْهُ حِينَ تَخْتَلِفُ الْقَنَا ... وَتُدْعَى نَزَالِ فِي الْقَمَاقِمَة الْبُهَمْ
فَلَا تَجْزَعُوا آلَ الْمُغِيرَةِ وَاصْبِرُوا ... عَلَيْهِ وَمَنْ يَجْزَعْ عَلَيْهِ فَلَمْ يُلَمْ
وَجِدّوا فَإِنّ الْمَوْتَ مَكْرُمَةٌ لَكُمْ ... وَمَا بَعْدَهُ فِي آخِرِ الْعَيْشِ مِنْ نَدَمْ
وَقَدْ قُلْتُ إنّ الرّيحَ طَيّبَةٌ لَكُمْ ... وَعِزّ الْمَقَامِ غَيْرُ شَكّ لِذِي فَهَمْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِضِرَارٍ .

[ شِعْرُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فِي رِثَاءِ أَبِي جَهْلٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ ، يَبْكِي أَخَاهُ أَبَا جَهْلٍ
أَلَا يَا لَهْفَ نَفْسِي بَعْدَ عَمْرٍو ... وَهَلْ يُغْنِي التّلَهّفُ مِنْ قَتِيلِ
يُخْبِرُنِي الْمُخَبّرُ أَنّ عَمْرًا ... أَمَامَ الْقَوْمِ فِي جَفْرٍ مُحِيلِ
فَقِدْمًا كُنْتُ أَحْسِبُ ذَاكَ حَقّا ... وَأَنْتَ لِمَا تَقَدّمَ غَيْرُ فِيلِ
وَكُنْتُ بِنِعْمَةِ مَا دُمْتَ حَيّا ... فَقَدْ خُلّفْت فِي دَرَجِ الْمَسِيلِ
كَأَنّ حِينَ أُمْسِي لَا أَرَاهُ ... ضَعِيفُ الْعَقْدِ ذُو هَمّ طَوِيلِ
عَلَى عَمْرٍو إذَا أَمْسَيْتُ يَوْمًا ... وَطَرْفٌ مَنْ تَذَكّرِهِ كَلِيلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامِ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِلْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَقَوْلُهُ " فِي جَفْرٍ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .

[ شِعْرُ ابْنِ الْأَسْوَدِ فِي بُكَاءِ قَتْلَى بَدْرٍ ]
[ ص 29 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ شُعُوبٍ اللّيْثِيّ وَهُوَ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ :
تُحَيّي بِالسّلَامَةِ أُمّ بَكْرٍ ... وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلَامِ
فَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنْ الْقَيْنَاتِ وَالشّرْبِ الْكِرَامِ
وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنْ الشّيزَى تُكَلّلُ بِالسّنَامِ
وَكَمْ لَكِ بِالطّوِيّ طَوِيّ بَدْرٍ ... مِنْ الْحَوْمَاتِ وَالنّعَمِ الْمُسَامِ
وَكَمْ لَكِ بِالطّوِيّ طَوِيّ بَدْرٍ ... مِنْ الْغَايَاتِ وَالدّسُع الْعِظَامِ
وَأَصْحَابِ الْكَرِيمِ أَبِي عَلِيّ ... أَخِي الْكَاسِ الْكَرِيمَةِ وَالنّدَامِ
وَإِنّك لَوْ رَأَيْت أَبَا عَقِيلٍ ... وَأَصْحَابَ الثّنِيّةِ مِنْ نَعَامِ
إذًا لَظَلِلْت مِنْ وَجْدٍ عَلَيْهِمْ ... كَأُمّ السّقْبِ جَائِلَةِ الْمَرَامِ
يُخَبّرُنَا الرّسُولُ لَسَوْفَ نَحْيَا ... وَكَيْفَ لِقَاءُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ ؟
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النّحْوِيّ :
يُخَبّرُنَا الرّسُولُ بِأَنْ سَنَحْيَا ... وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَام
قَالَ وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ ثُمّ ارْتَدّ

[ شِعْرُ أُمَيّةَ بْنِ أَبِي الصّلْتِ فِي رِثَاءِ قَتْلَى بَدْرٍ ]
[ ص 30 ] وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ ، يَرْثِي مَنْ أُصِيبَ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ [ ص 31 ] [ ص 32 ]
أَلّا بَكَيْتِ عَلَى الْكِرَا ... مِ بَنِي الْكِرَامِ أُولِي الْمَمَادِحْ
كَبُكَا الْحَمَامِ عَلَى فُرُو ... عِ الْأَيْكِ فِي الْغُصْنِ الْجَوانِحْ
يَبْكِينَ حَرّى مُسْتَكِي ... نَاتٍ يَرُحْنَ مَعَ الرّوَائِحْ
أَمْثَالُهُنّ الْبَاكِيَا ... تُ الْمُعْوِلَات مِنْ النّوَائِحْ
مَنْ يَبْكِهِمْ يَبْكِ عَلَى ... حُزْنٍ وَيَصْدُق كُلّ مَادِحْ
مَاذَا بِبَدْرٍ فَالْعَقَن ... جَحَاجِحْ
فَمَدَافِعُ الْبَرَقَيْنِ فَالْح ... الْأَوَاشِحْ
شُمْطٍ وَشُبّانٍ بِهَا ... لَيْلٍ مَغَاوِيرَ وَحَاوِحْ
أَلَا تَرَوْنَ لِمَا أَرَى ... وَلَقَدْ أَبَانَ لِكُلّ لَامِحْ
أَنْ قَدْ تَغَيّرَ بَطْنُ مَكّةَ ... فَهِيَ مُوحِشَةُ الْأَبَاطِحْ
مِنْ كُلّ بِطْرِيقٍ لِبِطْرِيقٍ ... نَقِيّ الْقَوْنِ وَاضِحْ
دُعْمُوص أَبْوَابِ الْمُلُوّ ... كِ وَجَائِبٌ لِلْخَرْقِ فَاتِحْ
مِنْ السّرَاطِمَةِ الْخَلَا ... جِمَةِ الْمَلَاوِثَةِ الْمَنَاجِحْ
الْقَائِلِينَ الْفَاعِلِينَ ... الْآمِرِينَ بِكُلّ صَالِحْ
الْمُطْعِمِينَ الشّحْمَ فَوْ ... قَ الْخُبْزِ شَحْمًا كَالْأَنَافِحْ
نُقُلُ الْجِفَانِ مَعَ الْجِفَا ... نِ إلَى جِفَانٍ كَالْمَنَاضِحْ
لَيْسَتْ بِأَصْفَارٍ لِمَنْ ... يَعْفُو وَلَا رَحّ رَحَارِحْ
لِلضّيْفِ ثُمّ الضّيْفِ بَعْدَ ... [ الضّيْفِ ] وَالْبُسُطِ السّلَاطِحْ
وُهُبُ الْمِئيِنَ مِنْ الْمِئيِنَ ... إلَى الْمِئيِنَ مِنْ اللّوَاقِحْ
سَوْقُ الْمُؤَبّلِ لِلْمُؤَبّلِ ... صَادِرَاتٌ عَنْ بَلَادِحْ
لِكِرَامِهِمْ فَوْقَ الْكِرَا ... مِ مَزِيّةٌ وَزْنَ الرّوَاجِحْ
كَتَثَاقُلِ الْأَرْطَالِ بِالْقِسْطَاسِ ... فِي الْأَيْدِي الْمَوَائِحْ
خَذَلَتْهُمْ فِئَةٌ وَهُمْ ... يَحْمُونَ عَوْرَاتِ الْفَضَائِحْ
الضّارِبِينَ التّقُدُمِيّةَ ... بِالْمُهَنّدَةِ الصّفَائِحْ
وَلَقَدْ عَنَانِي صَوْتُهُمْ ... مِنْ بَيْنِ مُسْتَسْقٍ وَصَائِحْ
لِلّهِ دَرّ بَنِي عَ ... لِيّ أَيّمٍ مِنْهُمْ وَنَاكِحْ
إنْ لَمْ يُغِيرُوا غَارَةً ... شَعْوَاءَ تُجْحِرُ كُلّ نَابِحْ
بِالْمُقْرَبَاتِ الْمُبْعَدَا ... تِ الطّامِحَاتِ مَعَ الطّوَامِحْ
مُرْدًا عَلَى جُرْدٍ إلَى ... أَسَدٍ مُكَالِبَةٍ كَوَالِحْ
وَيُلَاقِ قِرْنٌ قِرْنَهُ ... مَشْيَ الْمُصَافِحِ لِلْمُصَافِحْ
بِزُهَاءِ أَلْفٍ ثُمّ أَلْفٍ ... بَيْنَ ذِي بَدَنٍ وَرَامِحْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتَيْنِ نَالَ فِيهِمَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَأَنْشَدَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ بَيْتَهُ
وَيُلَاقِ قِرْنٌ قِرْنَهُ ... مَشْيَ الْمُصَافِحِ لِلْمُصَافِحْ
وَأَنْشَدَنِي أَيْضًا :
وُهُبُ الْمِئيِنَ مِنْ الْمِئيِنَ ... إلَى الْمِئيِنَ مِنْ اللّوَاقِحْ
سَوْقُ الْمُؤَبّلِ لِلْمُؤَبّلِ ... صَادِرَاتٌ عَنْ بَلَادِحْ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ ، يَبْكِي زَمْعَةَ بْنَ الْأَسْوَدِ ، وَقَتْلَى بَنِي أَسَدٍ : [ ص 33 ]
عَيْنُ بَكّي بِالْمُسْبِلَاتِ أَبَا الْحَ ... ارِثِ لَا تَذْخَرِي عَلَى زَمْعَهْ
وَابْكِي عَقِيلَ بْنَ أَسْوَد أَسَدَ ال ... وَالدّفَعَهْ
تِلْكَ بَنُو أَسَدٍ إخْوَةِ الْجَوْ ... زَاءِ لَا خَانَةٌ وَلَا خَدَعَهْ
هُمْ الْأُسْرَةُ الْوَسِيطَةُ مِنْ كَعْبٍ ... وَهُمْ ذِرْوَةُ السّنَامِ وَالْقَمَعَهْ
أَنْبَتُوا مِنْ مَعَاشِر شَعَرَ ال ... رّأْسِ وَهُمْ أَلْحَقُوهُمْ الْمَنَعَهْ
أَمْسَى بَنُو عَمّهِمْ إذَا حَضَرَ الْب ... وَجِعَهْ
وَهُمْ الْمُطْعِمُونَ إذْ قَحَطَ الْقَطْ ... رُ وَحَالَتْ فَلَا تَرَى قَزَعَهْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذِهِ الرّوَايَةُ لِهَذَا الشّعْرِ مُخْتَلِطَةٌ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةِ الْبِنَاءِ لَكِنْ أَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفُ الْأَحْمَرُ وَغَيْرُهُ رَوَى بَعْضٌ مَا لَمْ يَرْوِ بَعْضٌ
عَيْنُ بَكّي بِالْمُسْبَلَاتِ أَبَا الْحَا ... رِثِ لَا تَذْخَرِي عَلَى زَمْعَهْ
وَعَقِيلَ بْنَ أَسْوَدَ أَسَدَ الْبَأْ ... سِ لِيَوْمِ الْهِيَاجِ وَالدّفَعَهْ
فَعَلَى مِثْلِ هُلْكِهِمْ خَوَتْ الْجَوْ ... زَاءُ لَا خَانَةٌ وَلَا خَدَعَهْ
وهُمْ الْأُسْرَةُ الْوَسِيطَةُ مِنْ كَعْبٍ ... وَفِيهِمْ كَذِرْوَةِ الْقَمَعَهْ
أَنْبَتُوا مِنْ مَعَاشِرَ شَعَرَ الرّأ ... الْمَنَعَهْ
فَبَنُو عَمّهِمْ إذَا حَضَرَ الْبَأْ ... سُ عَلَيْهِمْ أَكْبَادُهُمْ وَجِعَهْ
وَهُمْ الْمُطْعِمُونَ إذْ قَحَطَ الْقَطْرُ ... وَحَالَتْ فَلَا تَرَى قَزَعَهْ

النبوية لابن هشام_الجزء الثاني
[ شِعْرُ أَبِي أُسَامَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ ، مُعَاوِيَةُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ [ ص 34 ] ضُبَيْعَةَ بْنِ مَازِنٍ بْنِ عَدِيّ بْنِ جُشَمَ بْنِ مُعَاوِيَةَ حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ مُشْرِكًا وَكَانَ مَرّ بهُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ وَهُمْ مُنْهَزِمُونَ يَوْمَ بَدْر ٍ ، وَقَدْ أَعْيَا هُبَيْرَةُ فَقَامَ فَأَلْقَى عَنْهُ دِرْعَهُ وَحَمَلَهُ فَمَضَى بِهِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ أَصَحّ أَشْعَارِ أَهْلِ بَدْرٍ [ ص 35 ] [ ص 36 ]
وَلَمّا أَنْ رَأَيْت الْقَوْمَ خَفّوا ... وَقَدْ زَالَتْ نَعَامَتُهُمْ لِنَفْرِ
وَأَنْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى ... كَأَنّ خِيَارَهُمْ أَذْبَاحُ عِتْرِ
وَكَانَتْ جُمّةٌ وَافَتْ حِمَامًا ... وَلُقّينَا الْمَنَايَا يَوْمَ بَدْرِ
نَصُدّ عَنْ الطّرِيقِ وَأَدْرَكُونَا ... كَأَنّ زُهَاءَهُمْ غَطَيَانُ بَحْرِ
وَقَالَ الْقَائِلُونَ مَنْ ابْنُ قَيْسٍ ... فَقُلْتُ أَبُو أُسَامَةَ غَيْرَ فَخْرِ
أَنَا الْجُشَمِيّ كَيْمَا تَعْرِفُونِي ... أُبَيّنْ نِسْبَتِي نَقْرًا بِنَقْرِ
فَإِنْ تَكُ فِي الْغَلَاصِمِ مِنْ قُرَيْشٍ ... فَإِنّي مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ
فَأَبْلِغْ مَالِكًا لَمّا غُشِينَا ... وَعِنْدَك مَالِ - إنْ نَبّأْتَ - خُبْرَى
وَأَبْلِغْ إنْ بَلَغْتَ الْمَرْءَ عَنّا ... هُبَيْرَةَ وَهُوَ ذُو عِلْمٍ وَقَدْرِ
بِأَنّي إذْ دُعِيت إلَى أُفَيْدٍ ... كَرَرْتُ وَلَمْ يَضِقْ بِالْكَرّ صَدْرِي
عَشِيّةً لَا يَكَرّ عَلَى مُضَافٍ ... وَلَا ذِي نَعْمَة مِنْهُمْ وَصِهْرِ
فَدُونَكُمْ بَنِي لَأْيٍ أَخَاكُمْ ... وَدُونَكِ مَالِكًا يَا أُمّ عَمْرِو
فَلَوْلَا مَشْهَدِي قَامَتْ عَلَيْهِ ... مُوَقّفَةُ الْقَوَائِمِ أُمّ أَجْرِي
دَفُوعٌ لِلْقُبُورِ بِمَنْكِبَيْهَا ... كَأَنّ بِوَجْهِهَا تَحْمِيمَ قَدْرِ
فَأُقْسِمُ بِاَلّذِي قَدْ كَانَ رَبّي ... وَأَنْصَابٍ لَدَى الْجَمَرَاتِ مُغْرِ
لَسَوْفَ تَرَوْنَ مَا حَسَبِي إذَا مَا ... تَبَدّلَتْ الْجُلُودُ جُلُودَ نِمْرِ
فَمَا إنْ خَادِرٌ مِنْ أُسْدِ تَرْجِ ... مُدِلّ عَنْبَسٌ فِي الْغَيْلِ مُجْرِي
فَقَدْ أَحْمِي الْأَبَاءَةَ مِنْ كُلَافِ ... فَمَا يَدْنُو لَهُ أَحَدٌ بِنَقْرِ
بِخَلّ تَعْجِزُ الْحُلَفَاءُ عَنْهُ ... يُوَاثِبُ كُلّ هَجْهَجَةٍ وَزَجْرِ
بِأَوْشَكَ سَوْرَةً مِنّي إذَا مَا ... حَبَوْتُ لَهُ بِقَرْقَرَةٍ وَهَدْرِ
بِبِيضٍ كَالْأَسِنّةِ مُرْهِفَاتٍ ... كَأَنّ ظُبَاتِهِنّ جَحِيمِ جَمْرِ
وَأَكْلَف مُجْنَإِ مِنْ جِلْدِ ثَوْرٍ ... وَصَفْرَاءِ الْبُرَايَةِ ذَاتِ أَزْرِ
وَأَبْيَضَ كَالْغَدِيرِ ثَوَى عَلَيْهِ ... عُمَيْرٌ بِالْمَدَاوِسِ نِصْفَ شَهْرِ
أُرَفّلُ فِي حَمَائِلِهِ وَأَمْشِي ... كَمِشْيَةِ خَادِرٍ لَيْثٍ سِبَطْرِ
يَقُولُ لِي الْفَتَى سَعْدٌ هَدِيّا ... فَقُلْتُ لَعَلّهُ تَقْرِيبُ غَدْرِ
وَقُلْتُ أَبَا عَدِيّ لَا تَطُرْهُمْ ... وَذَلِكَ إنْ أَطَعْتَ الْيَوْمَ أَمْرِي
كَدَأْبِهِمْ بِفَرْوَةَ إذْ أَتَاهُمْ ... فَظَلّ يُقَادُ مَكْتُوفًا بِضَفْرِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفُ الْأَحْمَرُ :
نَصُدّ عَنْ الطّرِيقِ وَأَدْرَكُونَا ... كَأَنّ سِرَاعَهُمْ تَيّارُ بَحْرِ
وَقَوْلُهُ - مُدَلّ عَنْبَسٌ فِي الْغَيْلِ مُجْرِي
- عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو أَسَامّةَ أَيْضًا : [ ص 37 ]
أَلَا مِنْ مُبَلّغٌ عَنّي رَسُولًا ... مُغَلْغَلَةً يُثَبّتُهَا لَطِيفُ
أَلَمْ تَعْلَمْ مَرَدّي يَوْمَ بَدْرٍ ... وَقَدْ بَرَقَتْ بِجَنْبَيْك الْكُفُوفُ
وَقَدْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى ... كَأَنّ رُءُوسَهُمْ حَدَجٌ نَقِيفُ
وَقَدْ مَالَتْ عَلَيْك بِبَطْنِ بَدْرٍ ... خِلَافَ الْقَوْمِ دَاهِيَةٌ خَصِيفُ
فَنَجّاهُ مِنْ الْغَمَرَاتِ عَزْمِي ... وَعَوْنُ اللّهِ وَالْأَمْرُ الْحَصِيفُ
وَمُنْقَلَبِي مِنْ الْأَبْوَاءِ وَحْدِي ... وَدُونَك جَمْعُ أَعْدَاءٍ وُقُوفُ
وَأَنْتَ لِمَنْ أَرَادَك مُسْتَكِينٌ ... بِجَنْبِ كُرَاشٍ مَكْلُومٌ نَزِيفُ
وَكُنْتُ إذَا دَعَانِي يَوْمَ كَرْبٍ ... مِنْ الْأَصْحَابِ دَاعٍ مُسْتَضِيفُ
فَأَسْمَعَنِي وَلَوْ أَحْبَبْتُ نَفْسِي ... أَخٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَوْ حَلِيفُ
أَرُدّ فَأَكْشِفُ الْغُمّى وَأَرْمِي ... إذَا كَلَحَ الْمَشَافِرُ وَالْأُنُوفُ
وَقِرْنٍ قَدْ تَرَكَتْ عَلَى يَدَيْهِ ... يَنُوءُ كَأَنّهُ غُصْنٌ قَصِيفُ
دَلَفْتُ لَهُ إذْ اخْتَلَطُوا بِحَرّى ... مُسْحْسَحَةٍ لِعَانِدِهَا حَفِيفُ
فَذَلِك كَانَ صَنْعِي يَوْمَ بَدْرٍ ... وَقَبْلُ أَخُو مُدَارَاةَ عَزُوفُ
أَخُوكُمْ فِي السّنِينَ كَمَا عَلِمْتُمْ ... وَحَرْبٍ لَا يَزَالُ لَهَا صَرِيفُ
وَمِقْدَامٌ لَكُمْ لَا يَزْدَهِينِي ... جَنَانُ اللّيْلِ وَالْأَنَسُ اللّفِيفُ
أَخُوضُ الصّرّةَ الْجَمّاءَ خَوْضًا ... إذَا مَا الْكَلْبُ أَلْجَأَهُ الشّفِيفُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [ ص 38 ] قَصِيدَةً لِأَبِي أُسَامَةَ عَلَى اللّامّ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ بَدْرٍ إلّا فِي أَوّلِ بَيْتٍ مِنْهَا وَالثّانِي ، كَرَاهِيَةَ الْإِكْثَارِ .

[ شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَة ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة بْنِ رَبِيعَةَ تَبْكِي أَبَاهَا يَوْمَ بَدْر ٍ :
أَعَيْنَيّ جُودَا بِدَمْعٍ سَرِبْ ... عَلَى خَيْرِ خِنْدِفَ لَمْ يَنْقَلِبْ
تَدَاعَى لَهُ رَهْطُهُ غُدْوَةً ... بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطّلِبْ
يُذِيقُونَهُ حَدّ أَسْيَافِهِمْ ... يَعُلّونه بَعْدَ مَا قَدْ عَطِبْ
يَجُرّونَهُ وَعَفِيرُ التّرَابِ ... عَلَى وَجْهِهِ عَارِيًا قَدْ سُلِبْ
وَكَانَ لَنَا جَبَلًا رَاسِيًا ... جَمِيلَ الْمَرَاةِ كَثِيرَ الْعُشُبِ
فَأَمّا بُرَيّ فَلَمْ أَعْنِهِ ... فَأُوتِيَ مِنْ خَيْرِ مَا يَحْتَسِبْ
وَقَالَتْ هِنْدُ أَيْضًا : [ ص 39 ]
يَرِيبُ عَلَيْنَا دَهْرُنَا فَيَسُوءُنَا ... وَيَأْبَى فَمَا نَأْتِي بِشَيْءِ يُغَالِبُهْ
أَبَعْدَ قَتِيلٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... يُرَاعَ أَمْرٌ إنْ مَاتَ أَوْ مَاتَ صَاحِبُهْ
أَلَا رُبّ يَوْمٍ قَدْ رُزِئْتُ مُرَزّأً ... تَرُوحُ وَتَغْدُو بِالْجَزِيلِ مُوَاهِبُهُ
فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنّي مَأْلُكًا ... فَإِنْ أَلْقَهُ يَوْمًا فَسَوْفَ أُعَاتِبُهْ
فَقَدْ كَانَ حَرْبٌ يَسْعَرُ الْحَرْبَ إنّهُ ... لِكُلّ امْرِئِ فِي النّاسِ مَوْلًى يُطَالِبُهُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدٍ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ هِنْدُ أَيْضًا :
لِلّهِ عَيْنًا مَنْ رَأَى ... هُلْكًا كَهُلْكِ رِجَاليهْ
يَا رُبّ بَاكٍ لِي غَدًا ... فِي النّائِبَاتِ وَبَاكِيَهْ
كَمْ غَادَرُوا يَوْمَ الْقَلِي ... بِ غَدَاةَ تِلْكَ الْوَاعِيَهْ
مِنْ كُلّ غَيْثٍ فِي السّنِي ... نِ إذَا الْكَوَاكِبُ خَاوِيَهْ
قَدْ كُنْتُ أُحْذَرُ مَا أَرَى ... فَالْيَوْمُ حَقّ حَذَارِيَهْ
قَدْ كُنْتُ أَحْذَرُ مَا أَرَى ... فَأَنَا الْغَدَاةَ مُوَامِيَهْ
يَا رُبّ قَائِلَةٍ غَدًا ... يَا وَيْحَ أُمّ مُعَاوِيَهْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدٍ . [ ص 40 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ هِنْدُ أَيْضًا :
يَا عَيْنُ بَكّي عُتْبَهْ ... شَيْخًا شَدِيدَ الرّقَبَهْ
يُطْعِمُ يَوْمَ الْمَسْغَبَهْ ... يَدْفَعُ يَوْمَ الْمَغْلَبَهْ
إنّي عَلَيْهِ حَرِبَهْ ... مَلْهُوفَةٌ مُسْتَلَبَهْ
لَنَهْبِطَنّ يَثْرِبَهْ ... بِغَارَةٍ مُنْثَعِبَهْ
فِيهَا الْخُيُولُ مُقْرَبَهْ ... كُلّ جَوَادٍ سَلْهَبَهْ

[ شِعْرُ صَفِيّةَ ]
وَقَالَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ مُسَافِرِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ تَبْكِي أَهْلَ الْقَلِيبِ الّذِينَ أُصِيبُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ : ( وَتَذْكُرُ مُصَابَهُمْ ) :
يَا مَنْ لِعَيْنٍ قَذَاهَا عَائِرُ الرّمَدِ ... حَدّ النّهَارِ وَقَرْنُ الشّمْسِ لَمْ يَقِدْ
أُخْبِرْتُ أَنّ سَرَاةَ الْأَكْرَمِينَ مَعًا ... قَدْ أَحْرَزَتْهُمْ مَنَايَاهُمْ إلَى أَمَدِ
وَفَرّ بِالْقَوْمِ أَصْحَابُ الرّكَابِ وَلَمْ ... تَعْطِفْ غَدَاتَئِذٍ أُمّ عَلَى وَلَدِ
قَوْمِي صَفِيّ وَلَا تَنْسَى قَرَابَتَهُمْ ... وَإِنْ بَكَيْتِ فَمَا تَبْكِينَ مِنْ بُعُدِ
كَانُوا سُقُوبَ سَمَاءِ الْبَيْتِ فَانْقَصَفَتْ ... فَأَصْبَحَ السّمْكُ مِنْهَا غَيْرَ ذِي عَمَدِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي بَيْتَهَا : " كَانُوا سُقُوبَ " بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ مُسَافِرٍ أَيْضًا : [ ص 41 ]
أَلَا يَا مَنْ لِعَيْنٍ لِلتّ ... بَكّي دَمْعُهَا فَانِ
كَغَرْبَيْ دَالِجٍ يَسْقَى ... خِلَالَ الْغَيّثِ الدّانِ
وَمَا لَيْثُ غَرِيفٍ ذُو ... أَظَافِيرَ وَأَسْنَانِ
وأَبُو شِبْلَيْنِ وَثّابٌ ... شَدِيدُ الْبَطْشِ غَرْثَانِ
كَحِبّي إذْ تَوَلّى و ... أَلْوَانِ
وَبِالْكَفّ حُسَامٌ صَا ... رِمٍ أَبْيَضُ ذُكْرَانِ
وَأَنْتَ الطّاعِنُ النّجْلَا ... ءِ مِنْهَا مُزْبِدٌ آنِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيَرَوْنَ قَوْلَهَا : " وَمَا لَيْثُ غَرِيفٍ " إلَى آخِرِهَا ، مَفْصُولًا مِنْ الْبَيْتَيْنِ اللّذَيْنِ قَبْلَهُ .

[ شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبّادِ بْنِ الْمُطّلِبِ تَرْثِي عَبِيدَة بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ [ ص 42 ]
لَقَدْ ضُمّنَ الصّفْرَاءُ مَجْدًا وَسُؤْدُدًا ... وَحِلْمًا أَصِيلًا وَافِرَ اللّبّ وَالْعَقْلِ
عُبَيْدَةَ فَابْكِيهِ لِأَضْيَافِ غُرْبَةٍ ... وَأَرْمَلَة تَهْوِي لِأَشْعَثَ كَالْجِذْلِ
وَبَكّيهِ لِلْأَقْوَامِ فِي كُلّ شَتْوَةٍ ... إذَا احْمَرّ آفَاقُ السّمَاءِ مِنْ الْمَحْلِ
وَبَكّيهِ لِلْأَيْتَامِ وَالرّيحُ زَفْزَةٌ ... وَتَشْبِيبُ قِدْرٍ طَالَمَا أَزْبَدَتْ تَغْلِي
فَإِنْ تُصْبِحُ النّيرَانَ قَدْ مَاتَ ضَوْءُهَا ... فَقَدْ كَانَ يُذْكِيهِنّ بِالْحَطَبِ الْجَزْلِ
لِطَارِقِ لَيْلٍ أَوْ لِمُلْتَمِسِ الْقِرَى ... وَمُسْتَنْبَحٍ أَضْحَى لَدَيْهِ عَلَى رَسْلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدٍ .

[ شِعْرُ قُتَيْلَة بِنْتِ الْحَارِثِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ قُتَيْلَة بِنْتُ الْحَارِثِ أُخْت النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ تَبْكِيهِ [ ص 43 ]
يَا رَاكِبًا إنّ الْأَثِيلَ مَظِنّةٌ ... مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ مُوَفّقُ
أَبْلِغْ بِهَا مَيْتًا بِأَنّ تَحِيّةً ... مَا إنْ تَزَالُ بِهَا النّجَائِبُ تَخْفِقُ
مِنّي إلَيْك وَعَبْرَةً مَسْفُوحَةً ... جَادَتْ بِوَاكِفِهَا وَأُخْرَى تَخْنُقُ
هَلْ يَسْمَعَنّي النّضْرُ إنْ نَادَيْتُهُ ... أَمْ كَيْفَ يَسْمَعُ مَيّتٌ لَا يَنْطِقُ
أَمُحَمّدُ يَا خَيْرَ ضَنْءِ كَرِيمَةٍ ... فِي قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرّقُ
مَا كَانَ ضُرّك لَوْ مَنَنْتَ وَرُبّمَا ... مَنّ الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحْنَقُ
أَوْ كُنْتَ قَابِلَ فِدْيَةٍ فَلْيُنْفِقَنْ ... بِأَعَزّ مَا يَغْلُو بِهِ مَا يُنْفِقُ
فَالنّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ أَسَرّتْ قَرَابَةً ... وَأَحَقّهُمْ إنْ كَانَ عِتْقٌ يُعْتَقُ
ظَلّتْ سُيُوفُ بَنِي أَبِيهِ تَنُوشُهُ ... لِلّهِ أَرْحَامٌ هُنَاكَ تُشَقّقُ
صَبْرًا يُقَادُ إلَى الْمَنِيّةِ مُتْعَبًا ... رَسْفَ الْمُقَيّدِ وَهُوَ عَانٍ مُوَثّقُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَيُقَالُ وَاَللّهُ أَعْلَمُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا بَلَغَهُ هَذَا الشّعْرُ قَالَ لَوْ بَلَغَنِي هَذَا قَبْلَ قَتْلِهِ لَمَنَنْتُ عَلَيْه

[ تَارِيخُ الْفَرَاغِ مِنْ بَدْرٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ فَرَاغُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَدْرٍ فِي عَقِبِ شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ فِي شَوّالٍ .

غَزْوَةُ بَنِي سُلَيْم ٍ بِالْكَدَرِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدِمَ ( رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ) لَمْ يَقُمْ بِهَا إلّا سَبْعَ لَيَالٍ ( حَتّى ) غَزَا بِنَفْسِهِ يُرِيدُ بَنِي سُلَيْمٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيّ أَوْ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَبَلَغَ مَاءً مِنْ مِيَاهِهِمْ يُقَالُ لَهُ الْكُدْرُ ، فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ [ ص 44 ] الْمَدِينَةِ ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا ، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ شَوّالٍ وَذَا الْقَعَدَةِ وَأَفْدَى فِي إقَامَتِهِ تِلْكَ جُلّ الْأُسَارَى مِنْ قُرَيْشٍ .

غَزْوَة السّوِيقِ
[ عُدْوَانُ أَبِي سُفْيَانَ وَخُرُوجُ الرّسُولِ فِي أَثَرِهِ ]
قَالَ حَدّثَنَا أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ ثُمّ غَزَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ غَزْوَةَ السّوِيقِ فِي ذِي الْحَجّةِ وَوَلّى تِلْكَ الْحَجّةَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ تِلْكَ السّنَةِ فَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، وَمَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ الْأَنْصَارِ ، حِينَ رَجَعَ إلَى مَكّةَ ، وَرَجَعَ فَلّ قُرَيْشٍ مِنْ بَدْرٍ ، نَذَرَ أَنْ لَا يَمَسّ رَأْسَهُ مَاءٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتّى يَغْزُوَ مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَرَجَ فِي مِئَتَيْ رَاكِبٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، لِيَبَرّ يَمِينَهُ فَسَلَكَ النّجْدِيّة ، حَتّى نَزَلَ بِصَدْرِ قَنَاةٍ إلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ ثَيْب ، مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى بَرِيدٍ أَوْ نَحْوِهِ ثُمّ خَرَجَ مِنْ اللّيْلِ حَتّى أَتَى بَنِي النّضِيرِ تَحْتَ اللّيْلِ فَأَتَى حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ بَابَهُ وَخَافَهُ فَانْصَرَفَ عَنْهُ إلَى سَلّامِ بْنِ مِشْكَمٍ ، وَكَانَ سَيّدَ بَنِي النّضِير ِ فِي زَمَانِهِ ذَلِكَ وَصَاحِبَ كَنْزِهِمْ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ فَقَرّاهُ وَسَقَاهُ وَبَطَنَ لَهُ مِنْ خَبَرِ النّاسِ ثُمّ خَرَجَ فِي عَقِبِ لَيْلَتِهِ حَتّى أَتَى أَصْحَابَهُ فَبَعَثَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَأَتَوْا نَاحِيَةً [ ص 45 ] يُقَالُ لَهَا : الْعَرِيضُ ، فَحَرَقُوا فِي أَصْوَارٍ مِنْ نَخْلٍ بِهَا ، وَوَجَدُوا بِهَا رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ وَحَلِيفًا لَهُ فِي حَرْثٍ لَهُمَا ، فَقَتَلُوهُمَا ، ثُمّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ وَنَذِرَ بِهِمْ النّاسُ . فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَلَبِهِمْ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ بَشِيرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَهُوَ أَبُو لُبَابَةَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، حَتّى بَلَغَ قَرْقَرَةَ الْكُدْرِ ، ثُمّ انْصَرَفَ رَاجِعًا ، وَقَدْ فَاتَهُ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ وَقَدْ رَأَوْا أَزْوَادًا مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ قَدْ طَرَحُوهَا فِي الْحَرْثِ يَتَخَفّفُونَ مِنْهَا لِلنّجَاءِ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ حَيْنَ رَجَعَ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتَطْمَعُ لَنَا أَنْ تَكُونَ غَزْوَةً ؟ قَالَ نَعَمْ .

[ سَبَبُ تَسْمِيَتِهَا بِغَزْوَةِ السّوِيق ِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَإِنّمَا سُمّيَتْ غَزْوَةَ السّوِيقِ ، فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ أَكْثَرَ مَا طَرَحَ الْقَوْمُ مِنْ أَزْوَادِهِمْ السّوِيقُ ، فَهَجَمَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى سَوِيقٍ كَثِيرٍ فَسُمّيَتْ غَزْوَةَ السّوِيقِ .
[ شِعْرُ أَبِي سُفْيَانَ فِيهَا ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ لِمَا صَنَعَ بِهِ سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ [ ص 46 ]
وَإِنّي تَخَيّرْت الْمَدِينَةَ وَاحِدًا ... لِحِلْفٍ فَلَمْ أَنْدَمْ وَلَمْ أَتَلَوّمْ
سَقَانِي فَرَوَانِي كُمَيْتًا مُدَامَةً ... عَلَى عَجَلٍ مِنّي سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ
وَلَمّا تَوَلّى الْجَيْشُ قُلْتُ وَلَمْ أَكُنْ ... لِأُفْرِحَهُ أَبْشِرْ بِعَزّ وَمَغْنَمِ
تَأَمّلْ فَإِنّ الْقَوْمَ سُرّ وَإِنّهُمْ ... صَرِيحُ لُؤَيّ لَا شَمَاطِيطُ جُرْهُمِ
وَمَا كَانَ إلّا بَعْضُ لَيْلَةِ رَاكِبٍ ... أَتَى سَاعِيًا مِنْ غَيْرِ خَلّةِ مُعْدِمِ

غَزْوَةُ ذِي أَمَرَ
فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ غَزْوَةِ السّوِيقِ ، أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ ذِي الْحَجّةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا ، ثُمّ غَزَا نَجْدًا ، يُرِيدُ غَطَفَانَ ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمَرَ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ بِنَجْدٍ صَفَرًا كُلّهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا . فَلَبِثَ بِهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْأَوّلَ كُلّهُ أَوْ إلّا قَلِيلًا مِنْهُ .

غَزْوَةُ الْفُرُعِ مِنْ بُحْرَانَ
ثُمّ غَزَا ( رَسُولُ اللّهِ ) صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرِيدُ قُرَيْشًا ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى بَلَغَ بُحْرَانَ ، مَعْدِنًا بِالْحِجَازِ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرُعِ ، فَأَقَامَ بِهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ وَجُمَادَى الْأُولَى ، ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا .

أَمْرُ بَنِي قَيْنُقَاع َ
[ نَصِيحَةُ الرّسُولِ لَهُمْ وَرَدّهُمْ عَلَيْهِ ]
[ ص 47 ] قَالَ ) : وَقَدْ كَانَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ غَزْوِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ بَنِي قَيْنُقَاعَ ، وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ بَنِي قَيْنُقَاع َ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَمَعَهُمْ بِسُوقِ ( بَنِي ) قَيْنُقَاع َ ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ احْذَرُوا مِنْ اللّهِ مِثْلَ مَا نَزَلَ بِقُرَيْشٍ مِنْ النّقْمَةِ وَأَسْلِمُوا ، فَإِنّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ أَنّي نَبِيّ مُرْسَلٌ تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ وَعَهْدِ اللّهِ إلَيْكُمْ قَالُوا : يَا مُحَمّدُ إنّك تَرَى أَنّا قَوْمُك لَا يَغُرّنّكَ أَنّك لَقِيت قَوْمًا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالْحَرْبِ فَأَصَبْتَ مِنْهُمْ فُرْصَةً إنّا وَاَللّهِ لَئِنْ حَارَبْنَاك لَتَعْلَمَنّ أَنّا نَحْنُ النّاسَ
[ مَا نَزَلَ فِيهِمْ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مَوْلًى لِآلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، أَوْ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ مَا نَزَلَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ إلّا فِيهِمْ { قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا } أَيْ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقُرَيْشٍ { فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ }
[ كَانُوا أَوّلَ مَنْ نَقَضَ الْعَهْدِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ بَنِي قَيْنُقَاعَ كَانُوا أَوّلَ يَهُودَ نَقَضُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحَارَبُوا فِيمَا بَيْنَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ .

[ سَبَب الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، عَنْ [ ص 48 ] أَبِي عَوْنٍ قَالَ كَانَ مِنْ أَمْرِ بَنِي قَيْنُقَاع َ أَنّ امْرَأَةً مِنْ الْعَرَبِ قَدِمَتْ بِجَلَبٍ لَهَا ، فَبَاعَتْهُ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ ، وَجَلَسَتْ إلَى صَائِغٍ بِهَا ، فَجَعَلُوا يُرِيدُونَهَا عَلَى كَشْفِ وَجْهِهَا ، فَأَبَتْ فَعَمِدَ الصّائِغُ إلَى طَرَفِ ثَوْبِهَا فَعَقَدَهُ إلَى ظَهْرِهَا ، فَلَمّا قَامَتْ انْكَشَفَتْ سَوْأَتُهَا ، فَضَحِكُوا بِهَا ، فَصَاحَتْ . فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصّائِغِ فَقَتَلَهُ وَكَانَ يَهُودِيّا ، وَشَدّتْ الْيَهُودُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَتَلُوهُ فَاسْتَصْرَخَ أَهْلُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُودِ ، فَغَضِبَ الْمُسْلِمُونَ فَوَقَعَ الشّرّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي قَيْنُقَاعَ .

[ مَا كَانَ مِنْ ابْنِ أُبَيّ مَعَ الرّسُولِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، قَالَ فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَقَامَ إلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ حِينَ أَمْكَنَهُ اللّهُ مِنْهُمْ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِي مَوَالِيّ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ ، قَالَ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِي مُوَالِيّ قَالَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ . فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ يُقَالُ لَهَا : ذَاتَ الْفُضُولِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْسِلْنِي ، وَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى رَأَوْا لِوَجْهِهِ ظُلَلًا ، ثُمّ قَالَ وَيْحَك أَرْسِلْنِي ، قَالَ لَا وَاَللّهِ لَا أُرْسِلْك حَتّى تُحْسِنَ فِي مُوَالِيّ أَرْبَعَ مِئَةِ حَاسِرٍ وَثَلَاثُ مِئَةِ دَارِعٍ قَدْ مَنَعُونِي مِنْ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ إنّي وَاَللّهِ امْرُؤٌ أَخْشَى الدّوَائِرَ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُمْ لَك .
[ مُدّةُ حِصَارِهِمْ ]
[ ص 49 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي مُحَاصَرَتِهِ إيّاهُمْ بَشِيرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَكَانَتْ مُحَاصَرَتُهُ إيّاهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً .

[ تَبَرّؤُ ابْنِ الصّامِتِ مِنْ حِلْفِهِمْ وَمَا نَزَلَ فِيهِ وَفِي ابْنِ أُبَيّ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ ، قَالَ لَمّا حَارَبَتْ بَنُو قَيْنُقَاع َ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَشَبّثَ بِأَمْرِهِمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ وَقَامَ دُونَهُمْ قَالَ وَمَشَى عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ أَحَدَ بَنِي عَوْفٍ لَهُمْ مِنْ حِلْفِهِ مِثْلُ الّذِي لَهُمْ مِنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ ، فَخَلَعَهُمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَبَرّأَ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ حِلْفِهِمْ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتَوَلّى اللّهَ وَرَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَأَبْرَأُ مِنْ حِلْفِ هَؤُلَاءِ الْكُفّارِ وَوِلَايَتِهِمْ . قَالَ فَفِيهِ وَفِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصّةُ مِنْ الْمَائِدَةِ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَتّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ إِنّ اللّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ فَتَرَى الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } أَيْ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ وَقَوْلُهُ إنّي أَخْشَى الدّوَائِرَ { يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } ثُمّ الْقِصّةُ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } وَذَكَرَ لِتُوَلّي عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَاَلّذِينَ آمَنُوا ، وَتَبَرّئِهِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاع [ ص 50 ] { وَمَنْ يَتَوَلّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُوا فَإِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }

سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الْقَرَدَةِ
[ إصَابَةُ زَيْدٍ لِلْعِيرِ وَإِفْلَاتُ الرّجَالِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الّتِي بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهَا ، حَيْنَ أَصَابَ عِيرَ قُرَيْشٍ ، وَفِيهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ عَلَى الْقَرَدَةِ ، مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ نَجْدٍ . وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا : أَنّ قُرَيْشًا خَافُوا طَرِيقَهُمْ الّذِي كَانُوا يَسْلُكُونَ إلَى الشّأْمِ حِينَ كَانَ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ مَا كَانَ فَسَلَكُوا طَرِيقَ الْعِرَاقِ ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ تُجّارٌ فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَمَعَهُ فِضّةٌ كَثِيرَةٌ وَهِيَ عُظْمُ تِجَارَتِهِمْ وَاسْتَأْجَرُوا رَجُلًا مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، يُقَال لَهُ فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ يَدُلّهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى الطّرِيقِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ ، مِنْ بَنِي عِجْلٍ حَلِيفٌ لِبَنِي سَهْمٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَلَقِيَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ فَأَصَابَ تِلْكَ الْعِيرَ وَمَا فِيهَا ، وَأَعْجَزَهُ الرّجَالُ فَقَدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .

[ شِعْرُ حَسّانَ فِي تَأْنِيبِ قُرَيْشٍ ]
فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ بَعْدَ أُحُدٍ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الْآخِرَةِ يُؤَنّبُ قُرَيْشًا لِأَخْذِهِمْ تِلْكَ الطّرِيقِ [ ص 51 ]
دَعُو فَلَجَاتِ الشّامِ قَدْ حَالَ دُونَهَا ... جَلّادٌ كَأَفْوَاهِ الْمَخَاضِ الْأَوَارِكِ
بِأَيْدِي رِجَالٍ هَاجَرُوا نَحْوَ رَبّهِمْ ... وَأَنْصَارِهِ حَقّا وَأَيْدِي الْمَلَائِكِ
إذَا سَلَكَتْ لِلْغَوْرِ مِنْ بَطْنِ عَالِجٍ ... فَقُولَا لَهَا لَيْسَ الطّرِيقُ هُنَالِكَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لِحَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ نَقَضَهَا عَلَيْهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَسَنَذْكُرُهَا وَنَقِيضَتُهَا إنْ شَاءَ اللّهُ ( فِي ) مَوْضِعِهَا

[ مُقْتَلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ ]
[اسْتِنْكَارُهُ خَبَرَ رَسُولَيْ الرّسُولِ بِقَتْلِ نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ : أَنّهُ لَمّا أُصِيبَ أَصْحَابُ بَدْرٍ ، وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ إلَى أَهْلِ السّافِلَةِ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ بَشِيرَيْنِ بَعَثَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَنْ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِفَتْحِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ عَلَيْهِ وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُغِيثِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الظّفَرِيّ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، وَصَالِحُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ كُلّ قَدْ حَدّثَنِي بَعْضَ حَدِيثِهِ قَالُوا : قَالَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَكَانَ رَجُلًا مِنْ طَيّئٍ ثُمّ أَحَدَ بَنِي نَبْهَانَ وَكَانَتْ أُمّهُ مِنْ بَنِي النّضِيرِ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ : أَحَقّ هَذَا ؟ أَتَرَوْنَ مُحَمّدًا قَتَلَ هَؤُلَاءِ الّذِينَ يُسَمّى هَذَانِ الرّجُلَانِ - يَعْنِي زَيْدًا وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ - فَهَؤُلَاءِ أَشْرَافُ الْعَرَبِ وَمُلُوكُ النّاسِ وَاَللّهِ لَئِنْ كَانَ مُحَمّدٌ أَصَابَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا .

[ شِعْرُهُ فِي التّحْرِيضِ عَلَى الرّسُولِ ]
فَلَمّا تَيَقّنَ عَدُوّ اللّهِ الْخَبَرَ ، خَرَجَ حَتّى قَدِمَ مَكّةَ ، فَنَزَلَ عَلَى الْمُطّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَة السّهْمِيّ وَعِنْدَهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَأَنْزَلَتْهُ وَأَكْرَمَتْهُ وَجَعَلَ يُحَرّضُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ [ ص 52 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيُنْشِدُ الْأَشْعَارَ وَيَبْكِي أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ ، الّذِينَ أُصِيبُوا بِبَدْرِ فقال :
طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِك أَهْلِهِ ... وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلّ وَتَدْمَعُ
قُتِلَتْ سَرَاةُ النّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِمْ ... لَا تَبْعَدُوا إنّ الْمُلُوكَ تُصَرّعُ
كَمْ قَدْ أُصِيبَ بِهِ مِنْ أَبْيَضَ مَاجِدٍ ... ذِي بَهْجَةٍ يَأْوِي إلَيْهِ الضّيّعُ
طَلْق الْيَدَيْنِ إذَا الْكَوَاكِبُ أَخْلَفَتْ ... حَمّالُ أَثْقَالٍ يَسُودُ وَيَرْبَعُ
وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أُسَرّ بِسَخَطِهِمْ ... إنّ ابْنَ الْأَشْرَفِ ظَلّ كَعْبًا يَجْزَعُ
صَدَقُوا فَلَيْتَ الْأَرْضُ سَاعَةَ قُتّلُوا ... ظَلّتْ تَسُوخُ بِأَهْلِهَا وَتُصَدّعُ
صَارَ الّذِي أَثَرَ الْحَدِيثَ بِطَعْنِهِ ... أَوْ عَاشَ أَعْمَى مُرْعَشًا لَا يَسْمَعُ
نُبّئْتُ أَنّ بَنِي الْمُغِيرَةِ كُلّهُمْ ... خَشَعُوا لِقَتْلِ أَبِي الْحَكِيمِ وَجُدّعُوا
وَابْنَا رَبِيعَةَ عِنْدَهُ وَمُنَبّهٌ ... مَا نَالَ مِثْلَ الْمُهْلِكِينَ وَتُبّعُ
نُبّئْتُ أَنّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامِهِمْ ... فِي النّاسِ يَبْنِي الصّالِحَاتِ وَيَجْمَعُ
لِيَزُورَ يَثْرِبَ بِالْجُمُوعِ وَإِنّمَا ... يَحْمَى عَلَى الْحَسَبِ الْكَرِيمُ الْأَرْوَعُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ " تُبّعُ " ، " وَأُسِرّ بِسَخَطِهِمْ " . عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .

[ شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَيْهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ ، فَقَالَ [ ص 53 ]
أَبَكَى لِكَعْبٍ ثُمّ عُلّ بِعَبْرَةٍ ... مِنْهُ وَعَاشَ مُجَدّعًا لَا يَسْمَعُ
وَلَقَدْ رَأَيْتُ بِبَطْنِ بَدْرٍ مِنْهُمْ ... قَتْلَى تَسُحّ لَهَا الْعُيُونُ وَتَدْمَعُ
فَابْكِي فَقَدْ أَبَكَيْتَ عَبْدًا رَاضِعًا ... شِبْهَ الْكُلَيْبِ إلَى الْكُلَيْبَةِ يَتْبَعُ
وَلَقَدْ شَفَى الرّحْمَنُ مِنّا سَيّدًا ... وَأَهَانَ قَوْمًا قَاتَلُوهُ وَصُرّعُوا
وَنَجَا وَأُفْلِتَ مِنْهُمْ مَنْ قَلْبُهُ ... شَغَفٌ يَظَلّ لِخَوْفِهِ يَتَصَدّعُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِحَسّانَ . وَقَوْلُهُ " أَبَكَى لِكَعْبِ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .

[ شِعْرُ مَيْمُونَةَ فِي الرّدّ عَلَى كَعْبٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي مُرَيْدٍ بَطْنٌ مِنْ بَلِيّ ، كَانُوا حَلْفَاءَ فِي بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ يُقَالُ لَهُمْ الْجَعَادِرَةُ ، تُجِيبُ كَعْبًا - قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : اسْمُهَا مَيْمُونَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللّهِ ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لَهَا ، وَيُنْكِرُ نَقِيضَتَهَا لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ
تَحَنّنَ هَذَا الْعَبْدُ كُلّ تَحَنّنٍ ... يُبَكّى عَلَى قَتْلَى وَلَيْسَ بِنَاصِبِ
بَكَتْ عَيْنُ مَنْ يَبْكِي لِبَدْرٍ وَأَهْلُهُ ... وَعُلّتْ بِمِثْلِيّهَا لُؤَيّ بْنُ غَالِبِ
فَلَيْتَ الّذِينَ ضُرّجُوا بِدِمَائِهِمْ ... يَرَى مَا بِهِمْ مَنْ كَانَ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ
فَيَعْلَمُ حَقّا عَنْ يَقِينٍ وَيُبْصِرُوا ... مَجَرّهُمْ فَوْقَ اللّحَى وَالْحَوَاجِبِ
[ ص 54 ]

[ شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرّدّ عَلَى مَيْمُونَةَ ]
فَأَجَابَهَا كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ ، فَقَالَ
أَلَا فَازْجُرُوا مِنْكُمْ سَفِيهًا لِتَسْلَمُوا ... عَنْ الْقَوْلِ يَأْتِي مِنْهُ غَيْرَ مُقَارِبِ
أَتَشْتُمُنِي أَنْ كُنْتُ أَبْكِي بِعَبْرَةٍ ... لِقَوْمٍ أَتَانِي وُدّهُمْ غَيْرَ كَاذِبِ
فَإِنّي لَبّاك مَا بَقِيتُ وَذَاكِرٌ ... مَآثِرَ قَوْمٍ مَجْدُهُمْ بِالْجَبَاجِبِ
لَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتْ مُرَيْدٌ بِمَعْزِلٍ ... عَنْ الشّرّ فَاحْتَالَتْ وُجُوهَ الثّعَالِبِ
فَحُقّ مُرَيْدٌ أَنْ تُجَدّ أُنُوفُهُمْ ... بِشَتْمِهِمْ حَيِيّ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ
وَهَبْتُ نَصِيبِي مِنْ مُرَيْدٍ لِجَعْدَرٍ ... وَفَاءً وَبَيْتُ اللّهِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ

[ تَشْبِيبُ كَعْبٍ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحِيلَةُ فِي قَتْلِهِ ]
ثُمّ رَجَعَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ إلَى الْمَدِينَةِ فَشَبّبَ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ حَتّى آذَاهُمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُغِيثِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ [ ص 55 ] مَنْ لِي بِابْنِ الْأَشْرَفِ ؟ فَقَالَ لَهُ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَنَا لَك بِهِ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا أَقْتُلُهُ قَالَ فَافْعَلْ إنْ قَدَرْتَ عَلَى ذَلِكَ . فَرَجَعَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَمَكَثَ ثَلَاثًا لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ إلّا مَا يُعْلِقُ بِهِ نَفْسَهُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ لِمَ تَرَكْتَ الطّعَامَ وَالشّرَابَ ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ قُلْت لَك قَوْلًا لَا أَدْرِي هَلْ أَفِيَنّ لَك بِهِ أَمْ لَا ؟ فَقَالَ إنّمَا عَلَيْك الْجَهْدُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ لَا بُدّ لَنَا مِنْ أَنْ نَقُولَ قَالَ قُولُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَأَنْتُمْ فِي حِلّ مِنْ ذَلِكَ فَاجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ، وَسِلْكَانُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ وَهُوَ أَبُو نَائِلَةَ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، وَكَانَ أَخَا كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ مِنْ الرّضَاعَةِ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَأَبُو عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ ؛ ثُمّ قَدّمُوا إلَى عَدُوّ اللّهِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ سِلْكَانَ بْنَ سَلَامَةَ أَبَا نَائِلَةَ فَجَاءَهُ فَتَحَدّثَ مَعَهُ سَاعَةً وَتَنَاشَدُوا شِعْرًا ، وَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ يَقُولُ الشّعْرَ ثُمّ قَالَ وَيْحَك يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ إنّي قَدْ جِئْتُك لِحَاجَةِ أُرِيدُ ذِكْرَهَا لَك ، فَاكْتُمْ عَنّي ؛ قَالَ أَفْعَلُ قَالَ كَانَ قُدُومُ هَذَا الرّجُلِ عَلَيْنَا بَلَاءً مِنْ الْبَلَاءِ عَادَتْنَا بِهِ الْعَرَبُ ، وَرَمَتْنَا عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَقَطَعَتْ عَنّا السّبُلَ حَتّى ضَاعَ الْعِيَالُ وَجُهِدَتْ الْأَنْفُسُ وَأَصْبَحْنَا قَدْ جُهِدْنَا وَجُهِدَ عِيَالُنَا . فَقَالَ كَعْبٌ أَنَا ابْنُ الْأَشْرَفِ أَمَا وَاَللّهِ لَقَدْ كُنْتُ أُخْبِرُك يَا ابْنَ سَلَامَةَ أَنّ الْأَمْرَ سَيَصِيرُ إلَى مَا أَقُولُ فَقَالَ لَهُ سِلْكَانُ إنّي قَدْ أَرَدْتُ أَنْ تَبِيعَنَا طَعَامًا وَنَرْهَنَك وَنُوثِقَ لَك ، وَنُحْسِنُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَتَرْهَنُونَنِي أَبْنَاءَكُمْ ؟ قَالَ لَقَدْ أَرَدْتَ أَنْ تَفْضَحَنَا إنّ مَعِي أَصْحَابًا لِي عَلَى مِثْلِ رَأْيِي ، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ آتِيَك بِهِمْ فَتَبِيعُهُمْ وَتُحْسِنُ فِي ذَلِكَ وَنَرْهَنُك مِنْ الْحَلْقَةِ مَا فِيهِ وَفَاءٌ وَأَرَادَ سِلْكَانُ أَنْ لَا يُنْكِرَ السّلَاحَ إذَا جَاءُوا بِهَا ؛ قَالَ إنّ فِي الْحَلْقَةِ لَوَفَاءً قَالَ فَرَجَعَ سِلْكَانُ إلَى أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَهُ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا السّلَاحَ ثُمّ يَنْطَلِقُوا فَيَجْتَمِعُوا إلَيْهِ فَاجْتَمَعُوا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ أَتَرْهَنُونَنِي نِسَاءَكُمْ ؟ قَالَ كَيْفَ نَرْهَنُك نِسَاءَنَا ، وَأَنْتَ أَشَبّ أَهْلِ يَثْرِبَ وَأَعْطَوْهُمْ قَالَ أَتَرْهَنُونَنِي أَبْنَاءَكُمْ ؟ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ . قَالَ [ ص 56 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ، ثُمّ وَجّهَهُمْ فَقَالَ انْطَلِقُوا عَلَى اسْمِ اللّهِ ؛ اللّهُمّ أَعِنْهُمْ ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِهِ وَهُوَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ وَأَقْبَلُوا حَتّى انْتَهَوْا إلَى حِصْنِهِ فَهَتَفَ بِهِ أَبُو نَائِلَةَ وَكَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَوَثَبَ فِي مِلْحَفَتِهِ فَأَخَذَتْ امْرَأَتُهُ بِنَاحِيَتِهَا ، وَقَالَتْ إنّك امْرُؤٌ مُحَارِبٌ وَإِنّ أَصْحَابَ الْحَرْبِ لَا يَنْزِلُونَ فِي هَذِهِ السّاعَةِ قَالَ إنّهُ أَبُو نَائِلَةَ لَوْ وَجَدَنِي نَائِمًا لَمَا أَيْقَظَنِي ؛ فَقَالَتْ وَاَللّهِ إنّي لَأَعْرِفُ فِي صَوْتِهِ الشّرّ قَالَ يَقُولُ لَهَا كَعْبٌ لَوْ يُدْعَى الْفَتَى لِطَعْنَةٍ لَأَجَابَ . فَنَزَلَ فَتَحَدّثَ مَعَهُمْ سَاعَةً وَتَحَدّثُوا مَعَهُ ثُمّ قَالَ هَلْ لَك يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ أَنْ تَتَمَاشَى إلَى شِعْبِ الْعَجُوزِ ، فَنَتَحَدّثَ بِهِ بَقِيّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ ؟ قَالَ إنْ شِئْتُمْ . فَخَرَجُوا يَتَمَاشَوْنَ فَمَشَوْا سَاعَةً ثُمّ إنّ أَبَا نَائِلَةَ شَامَ يَدَهُ فِي فَوْدِ رَأْسِهِ ثُمّ شَمّ يَدَهُ فَقَالَ مَا رَأَيْت كَاللّيْلَةِ طِيبًا أَعْطَرَ قَطّ ، ثُمّ مَشَى سَاعَةً ثُمّ عَادَ لِمِثْلِهَا حَتّى اطْمَأَنّ ثُمّ مَشَى سَاعَةً ثُمّ عَادَ لِمِثْلِهَا ، فَأَخَذَ بِفَوْدِ رَأْسِهِ ثُمّ قَالَ اضْرِبُوا عَدُوّ اللّهِ فَضَرَبُوهُ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُهُمْ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا . قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَذَكَرْتُ مِغْوَلًا فِي سَيْفِي ، حِينَ رَأَيْتُ أَسْيَافَنَا لَا تُغْنِي شَيْئًا ، فَأَخَذْتُهُ وَقَدْ صَاحَ عَدُوّ اللّهِ صَيْحَةً لَمْ يَبْقَ حَوْلَنَا حِصْنٌ إلّا وَقَدْ أُوقِدَتْ عَلَيْهِ نَارٌ قَالَ فَوَضَعْته فِي ثُنّتِهِ ثُمّ تَحَامَلْتُ عَلَيْهِ حَتّى بَلَغْتُ عَانَتَهُ فَوَقَعَ عَدُوّ اللّهِ وَقَدْ أُصِيبَ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ فَجُرِحَ فِي رَأْسِهِ أَوْ فِي رِجْلِهِ أَصَابَهُ بَعْضُ أَسْيَافِنَا . قَالَ فَخَرَجْنَا حَتّى سَلَكْنَا عَلَى بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ [ ص 57 ] بَنِي قُرَيْظَة ، ثُمّ عَلَى بُعَاثٍ حَتّى أَسْنَدْنَا فِي حَرّةِ الْعَرِيضِ ، وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْنَا صَاحِبُنَا الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ ، وَنَزَفَهُ الدّمُ فَوَقَفْنَا لَهُ سَاعَةً ثُمّ أَتَانَا يَتْبَعُ آثَارَنَا . قَالَ فَاحْتَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ آخِرَ اللّيْلِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي ، فَسَلّمْنَا عَلَيْهِ فَخَرَجَ إلَيْنَا . فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ عَدُوّ اللّهِ وَتَفَلَ عَلَى جُرْحِ صَاحِبِنَا ، فَرَجَعَ وَرَجَعْنَا إلَى أَهْلِنَا فَأَصْبَحْنَا وَقَدْ خَافَتْ يَهُودُ لِوَقْعَتِنَا بِعَدُوّ اللّهِ فَلَيْسَ بِهَا يَهُودِيّ إلّا وَهُوَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ .

[ شِعْرُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي مَقْتَلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ :
فَغُودِرَ مِنْهُمْ كَعْبٌ صَرِيعًا ... فَذَلّتْ بَعْدَ مَصْرَعِهِ النّضِيرُ
عَلَى الْكَفّيْنِ ثَمّ وَقَدْ عَلَتْهُ ... بِأَيْدِينَا مُشْهَرَةٌ ذُكُورُ
بِأَمْرِ مُحَمّدٍ إذْ دَسّ لَيْلًا ... إلَى كَعْبٍ أَخَا كَعْبٍ يَسِيرُ
فَمَا كَرِهَ فَأَنْزَلَهُ بِمَكْرٍ ... وَمَحْمُودٌ أَخُو ثِقَةٍ جَسُورُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي يَوْمِ بَنِي النّضِيرِ ، سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللّهُ فِي حَدِيثِ ذَلِكَ الْيَوْمِ .

[ شِعْرُ حَسّانَ فِي مُقْتَلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ وَابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَذْكُرُ قَتْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَقَتْلَ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ
لِلّهِ دَرّ عِصَابَةٍ لَاقَيْتهمْ ... يَا ابْنَ الْحُقَيْقِ وَأَنْتَ يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ
يَسْرُونَ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ إلَيْكُمْ ... مَرَحًا كَأُسْدٍ فِي عَرِينٍ مُغْرِفِ
حَتّى أَتَوْكُمْ فِي مَحِلّ بِلَادِكُمْ ... فَسَقَوْكُمْ حَتْفًا بِبِيضٍ ذُفّفِ
مُسْتَنْصِرِينَ لِنَصْرِ دِينِ نَبِيّهِمْ ... مُسْتَصْغَرِينَ لِكُلّ أَمْرٍ مُجْحِفِ
[ ص 58 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَسَأَذْكُرُ قَتْلَ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللّهُ . وَقَوْلُهُ " ذُفّفِ " ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .

أَمْرُ مُحَيّصَةَ وَحُوَيّصَةَ
[ لَوْمُ حُوَيّصَةَ لِأَخِيهِ مُحَيّصَةَ لِقَتْلِهِ يَهُودِيّا ثُمّ إسْلَامُهُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ مَنْ ظَفَرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ يَهُودَ فَاقْتُلُوهُ فَوَثَبَ مُحَيّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ( مُحَيّصَة ) . وَيُقَالُ مُحَيّصَةُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ - عَلَى ابْنِ سُنَيْنَة - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ سُبَيْنَة - رَجُلٌ مِنْ تُجّارِ يَهُودَ كَانَ يُلَابِسُهُمْ وَيُبَايِعُهُمْ فَقَتَلَهُ وَكَانَ حُوَيّصَة بْنُ مَسْعُودٍ إذْ ذَاكَ لَمْ يُسْلِمْ وَكَانَ أَسَنّ مِنْ مُحَيّصَةَ فَلَمّا قَتَلَهُ جَعَلَ حُوَيّصَةَ يَضْرِبُهُ وَيَقُولُ أَيْ عَدُوّ اللّهِ أَقَتَلْتَهُ أَمَا وَاَللّهِ لَرُبّ شَحْمٍ فِي بَطْنِك مِنْ مَالِهِ . قَالَ مُحَيّصَةُ فَقُلْت : وَاَللّهِ لَقَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَنْ لَوْ أَمَرَنِي بِقَتْلِك لَضَرَبْتُ عُنُقَك ؛ قَالَ فَوَاَللّهِ إنْ كَانَ لِأَوّلِ إسْلَامِ حُوَيّصَةَ قَالَ آوَللّهِ لَوْ أَمَرَك مُحَمّدٌ بِقَتْلِي لَقَتَلْتَنِي ؟ قَالَ نَعَمْ وَاَللّهِ لَوْ أَمَرَنِي بِضَرْبِ عُنُقِك لَضَرَبْتُهَا قَالَ وَاَللّهِ إنّ دِينًا بَلَغَ بِك هَذَا لَعَجَبٌ فَأَسْلَمَ حُوَيّصَة . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ مَوْلًى لِبَنِي حَارِثَةَ عَنْ ابْنِهِ مُحَيّصَةَ عَنْ أَبِيهَا مُحَيّصَةَ .

[ شِعْرُ مُحَيّصَةَ فِي لَوْمِ أَخِيهِ لَهُ ]
فَقَالَ مُحَيّصَةُ فِي ذَلِكَ [ ص 59 ]
يَلُومُ ابْنُ أُمّي لَوْ أُمِرْتُ بِقَتْلِهِ ... لَطَبّقْتُ ذِفْرَاهُ بِأَبْيَضَ قَاضِبِ
حُسَامٍ كَلَوْنِ الْمِلْحِ أُخْلِصَ صَقْلُهُ ... مَتَى مَا أُصَوّبْهُ فَلَيْسَ بِكَاذِبِ
وَمَا سَرّنِي أَنّي قَتَلْتُكَ طَائِعًا ... وَأَنّ لَنَا مَا بَيْنَ بُصْرَى وَمَأْرِبِ
[رِوَايَةٌ أُخْرَى فِي إسْلَامِ حُوَيّصَةَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيّ قَالَ لَمّا ظَفَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِبَنِي قُرَيْظَةَ أَخَذَ مِنْهُمْ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِ مِئَةِ رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ ، وَكَانُوا حَلْفَاءَ الْأَوْسِ عَلَى الْخَزْرَجِ ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنْ تُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ فَجَعَلَتْ الْخَزْرَجُ تَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ وَيَسُرّهُمْ ذَلِكَ فَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْخَزْرَجِ وَوُجُوهُهُمْ مُسْتَبْشِرَةٌ وَنَظَرَ إلَى الْأَوْسِ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ فِيهِمْ فَظَنّ أَنّ ذَلِكَ لِلْحِلْفِ الّذِي بَيْنَ الْأَوْسِ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَة وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ إلّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا ، فَدَفَعَهُمْ إلَى الْأَوْسِ ، فَدَفَعَ إلَى كُلّ رَجُلَيْنِ مِنْ الْأَوْسِ رَجُلًا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقَالَ لِيَضْرِبَ فُلَانٌ وَلْيُذَفّفْ فُلَانٌ فَكَانَ مِمّنْ دَفَعَ إلَيْهِمْ كَعْبُ بْنُ يَهُوذَا ، وَكَانَ عَظِيمًا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَدَفَعَهُ إلَى مُحَيّصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَإِلَى أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ - وَأَبُو بُرْدَةَ الّذِي رَخّصَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَنْ يَذْبَحَ جَذَعًا مِنْ الْمَعْزِ فِي الْأَضْحَى - وَقَالَ لِيَضْرِبَهُ مُحَيّصَةُ وَلِيُذَفّفْ عَلَيْهِ أَبُو بُرْدَةَ فَضَرَبَهُ مُحَيّصَةُ ضَرْبَةً لَمْ تَقْطَعْ وَذَفّفَ أَبُو بُرْدَةَ فَأَجْهَزَ عَلَيْهِ . فَقَالَ حُوَيّصَة ، وَكَانَ كَافِرًا ، لِأَخِيهِ مُحَيّصَةَ أَقَتَلْتَ كَعْبَ ابْنَ يَهُوذَا ؟ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ حُوَيّصَة : أَمَا وَاَللّهِ لَرُبّ شَحْمٍ قَدْ نَبَتَ فِي بَطْنِك مِنْ مَالِهِ إنّك لَلَئِيمٌ يَا مُحَيّصَةُ فَقَالَ لَهُ مُحَيّصَةُ لَقَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَنْ لَوْ أَمَرَنِي يَقْتُلْك لَقَتَلْتُك ؛ فَعَجِبَ مِنْ قَوْلِهِ ثُمّ ذَهَبَ عَنْهُ مُتَعَجّبًا . فَذَكَرُوا أَنّهُ جَعَلَ يَتَيَقّظُ مِنْ اللّيْلِ فَيَعْجَبُ مِنْ قَوْلِ أَخِيهِ مُحَيّصَةَ . حَتّى أَصْبَحَ وَهُوَ يَقُولُ وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَدِينٌ . ثُمّ أَتَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمَ فَقَالَ مُحَيّصَةُ فِي ذَلِكَ أَبْيَاتًا قَدْ كَتَبْنَاهَا .

[ الْمُدّةُ بَيْنَ قُدُومِ الرّسُولِ نَجْرَانَ وَغَزْوَةِ أُحُدٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَتْ إقَامَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ قُدُومِهِ مِنْ [ ص 60 ] نَجْرَانَ ، جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ وَغَزَتْهُ قُرَيْشٌ غَزْوَةَ أُحُدٍ فِي شَوّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ .

غَزْوَةُ أُحُد
وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ أُحُدٍ ، كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَالْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا ، كُلّهُمْ قَدْ حَدّثَ بَعْضَ الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ ، وَقَدْ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ كُلّهُ فِيمَا سُقْتُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالُوا ، أَوْ مَنْ قَالَهُ مِنْهُمْ .
[ التّحْرِيضُ عَلَى غَزْوِ الرّسُولِ ]
لَمّا أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ كُفّارِ قُرَيْشٍ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ ، وَرَجَعَ فَلّهُمْ إلَى مَكّةَ ، وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِعِيرِهِ مَشَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ، فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، مِمّنْ أُصِيبَ آبَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَكَلّمُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ فِي تِلْكَ الْعِيرِ مِنْ قُرَيْشٍ تِجَارَةٌ فَقَالُوا : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إنّ مُحَمّدًا قَدْ وَتَرَكُمْ ، وَقَتَلَ خِيَارَكُمْ فَأَعِينُونَا بِهَذَا الْمَالِ عَلَى حَرْبِهِ فَلَعَلّنَا نُدْرِكُ مِنْهُ ثَأْرَنَا بِمَنْ أَصَابَ مِنّا ، فَفَعَلُوا .
[ مَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَفِيهِمْ كَمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَزَلَ اللّهُ تَعَالَى : { إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمّ تَكُونُ - عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمّ يُغْلَبُونَ وَالّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنّمَ يُحْشَرُونَ }

[ اجْتِمَاعُ قُرَيْشٍ لِلْحَرْبِ ]
فَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِحَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ [ ص 61 ] أَطَاعَهَا مِنْ قَبَائِلِ كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ . وَكَانَ أَبُو عَزّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْجُمَحِيّ قَدْ مَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ فَقِيرًا ذَا عِيَالٍ وَحَاجَةٍ وَكَانَ فِي الْأُسَارَى فَقَالَ إنّي فَقِيرٌ ذُو عِيَالٍ وَحَاجَةٍ قَدْ عَرَفْتَهَا فَامْنُنْ عَلَيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْك وَسَلّمَ فَمَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ : يَا أَبَا عَزّةَ إنّك امْرُؤٌ شَاعِرٌ ، فَأُعِنّا بِلِسَانِك ، فَاخْرُجْ مَعَنَا ؛ فَقَالَ إنّ مُحَمّدًا قَدْ مَنّ عَلَيّ فَلَا أُرِيدُ أَنْ أُظَاهِرَ عَلَيْهِ قَالَ ( بَلَى ) فَأَعِنّا بِنَفْسِك ، فَلَك اللّهُ عَلَيّ إنْ رَجَعْتُ أَنْ أُغْنِيَك ، وَإِنْ أُصِبْتَ أَنْ أَجَعَلَ بَنَاتِك مَعَ بَنَاتِي ، يُصِيبُهُنّ مَا أَصَابَهُنّ مِنْ عُسْرٍ وَيُسْرٍ . فَخَرَجَ أَبُو عَزّةَ فِي تِهَامَةَ ، وَيَدْعُو بَنِي كِنَانَةَ وَيَقُولُ .
إيهًا بَنِي عَبْدِ مَنَاةَ الرّزّام ... أَنْتُمْ حُمَاةٌ وَأَبُوكُمْ حَامْ
لَا تَعْدُونِي نَصّرَكُمْ بَعْدَ الْعَامِ ... لَا تُسْلِمُونِي لَا يَحِلّ إسْلَامْ
وَخَرَجَ مُسَافِعُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ إلَى بَنِي مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ ، يُحَرّضُهُمْ وَيَدْعُوهُمْ إلَى حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ
يَا مَالُ مَالُ الْحَسَبَ الْمُقَدّمِ ... أَنْشُدُ ذَا الْقُرْبَى وَذَا التّذَمّمْ
مَنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ وَمَنْ لَمْ يَرْحَمْ ... الْحِلْفَ وَسْطَ الْبَلَدِ الْمُحَرّمْ
عِنْدَ حَطِيمِ الْكَعْبَةِ الْمُعَظّمْ وَدَعَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ غُلَامًا لَهُ حَبَشِيّا يُقَالُ لَهُ وَحْشِيّ ، يَقْذِفُ بِحَرْبَةِ لَهُ قَذْفَ الْحَبَشَةِ ، قَلّمَا يُخْطِئُ بِهَا ، فَقَالَ لَهُ اُخْرُجْ مَعَ النّاسِ فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْت حَمْزَةَ عَمّ مُحَمّدٍ بِعَمّي طُعَيْمَةَ بْنِ عَدِيّ ، فَأَنْتَ عَتِيقٌ .

[ خُرُوجُ قُرَيْشٍ مَعَهُمْ نِسَاؤُهُمْ ]
( قَالَ ) فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ بِحَدّهَا وَجَدّهَا وَحَدِيدِهَا وَأَحَابِيشِهَا ، وَمَنْ تَابَعَهَا [ ص 62 ] بَنِي كِنَانَةَ ، وَأَهْلِ تِهَامَةَ ، وَخَرَجُوا مَعَهُمْ بِالظّعْنِ ؟ الْتِمَاسَ الْحَفِيظَةِ وَأَلّا يَفِرّوا . فَخَرَج َ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، وَهُوَ قَائِدُ النّاسِ بِهِنْدٍ بْنَةِ عُتْبَة وَخَرَجَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ بِأُمّ حَكِيمٍ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَخَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَخَرَجَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ بِبَرْزَةَ بِنْتِ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثّقَفِيّةِ وَهِيَ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ رُقَيّةُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِرَيْطَةَ بِنْتِ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ وَهِيَ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو ، وَخَرَجَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَأَبُو طَلْحَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بِسُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ شَهِيدٍ الْأَنْصَارِيّةِ وَهِيَ أُمّ بَنِي طَلْحَةَ مُسَافِعُ وَالْجُلَاسُ وَكِلَابٌ قُتِلُوا يَوْمئِذٍ ( هُمْ ) وَأَبُوهُمْ وَخَرَجَتْ خُنَاسُ بِنْتُ مَالِكٍ بْنِ الْمُضْرِبِ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ مَعَ ابْنِهَا أَبِي عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرٍ وَهِيَ أُمّ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ ، وَخَرَجَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ . وَكَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة كُلّمَا مَرّتْ بِوَحْشِيّ أَوْ مَرّ بِهَا ، قَالَتْ وَيْهَا أَبَا دَسْمَةَ اشْفِ وَاسْتَشْفِ وَكَانَ وَحْشِيّ يُكَنّى بِأَبِي دَسْمَةَ فَأَقْبَلُوا حَتّى نَزَلُوا بِعَيْنَيْنِ بِجَبَلٍ بِبَطْنِ السّبْخَةِ مِنْ قَنَاةٍ عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي ، مُقَابِلَ الْمَدِينَةِ .
[ رُؤْيَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
( قَالَ ) فَلَمّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ نَزَلُوا حَيْثُ نَزَلُوا ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْمُسْلِمِينَ إنّي قَدْ رَأَيْت وَاَللّهِ خَيْرًا ، رَأَيْتُ بَقَرًا ، وَرَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي ثَلْمًا ، وَرَأَيْتُ أَنّي أَدْخَلْتُ يَدِي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ فَأَوّلْتُهَا الْمَدِينَةَ [ ص 63 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ رَأَيْت بَقَرًا لِي تُذْبَحُ ؟ قَالَ فَأَمّا الْبَقَرُ فَهِيَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي يُقْتَلُونَ وَأَمّا الثّلْمُ الّذِي رَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي ، فَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُقْتَلُ

[ مُشَاوَرَةُ الرّسُولِ الْقَوْمَ فِي الْخُرُوجِ أَوْ الْبَقَاءِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُقِيمُوا بِالْمَدِينَةِ وَتَدْعُوهُمْ حَيْثُ نَزَلُوا ، فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرّ مُقَامٍ وَإِنْ هُمْ دَخَلُوا عَلَيْنَا قَاتَلْنَاهُمْ فِيهَا وَكَانَ رَأْيُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ مَعَ رَأْيِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَرَى رَأْيَهُ فِي ذَلِكَ وَأَلّا يَخْرَجَ إلَيْهِمْ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَكْرَهُ الْخُرُوجَ فَقَالَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمّنْ أَكْرَمَ اللّهُ بِالشّهَادَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَغَيْرِهِ مِمّنْ كَانَ فَاتَهُ بَدْرٌ يَا رَسُولَ اللّهِ اُخْرُجْ بِنَا إلَى أَعْدَائِنَا ، لَا يَرَوْنَ أَنّا جَبُنّا عَنْهُمْ وَضَعُفْنَا ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَقِمْ بِالْمَدِينَةِ لَا تَخْرُجْ إلَيْهِمْ فَوَاَللّهِ مَا خَرَجْنَا مِنْهَا إلَى عَدُوّ لَنَا قَطّ إلّا أَصَابَ مِنّا ، وَلَا دَخَلَهَا عَلَيْنَا إلّا أَصَبْنَا مِنْهُ فَدَعْهُمْ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرّ مَحْبِسٍ وَإِنْ دَخَلُوا قَاتَلَهُمْ الرّجَالُ فِي وَجْهِهِمْ وَرَمَاهُمْ النّسَاءُ وَالصّبْيَانُ بِالْحِجَارَةِ مِنْ فَوْقِهِمْ وَإِنْ رَجَعُوا رَجَعُوا خَائِبِينَ كَمَا جَاءُوا . فَلَمْ يَزَلْ النّاسُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ حُبّ لِقَاءِ الْقَوْمِ حَتّى دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْتَهُ فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ وَذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَيْنَ فَرَغَ مِنْ الصّلَاةِ . وَقَدْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو ، أَحَدُ بَنِي النّجّار ِ فَصَلّى عَلَيْهِ رَسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ نَدِمَ النّاسُ وَقَالُوا : اسْتَكْرَهْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَكُنْ لَنَا ذَلِكَ . فَلَمّا خَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ اسْتَكْرَهْنَاك وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَنَا ، فَإِنْ شِئْتَ فَاقْعُدْ صَلّى اللّهُ عَلَيْك ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا يَنْبَغِي لِنَبِيّ إذَا لَبِسَ لَأَمْته أَنْ يَضَعَهَا حَتّى يُقَاتِلَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَلْفٍ مِنْ أَصْحَابِهِ . [ ص 64 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ عَلَى الصّلَاةِ بِالنّاسِ .

[ انْخِذَالُ الْمُنَافِقِينَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى إذَا كَانُوا بِالشّوْطِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٍ ، انْخَزَلَ عَنْهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ بِثُلُثِ النّاسِ وَقَالَ أَطَاعَهُمْ وَعَصَانِي ، مَا نَدْرِي عَلَامَ نَقْتُل أَنْفُسَنَا هَاهُنَا أَيّهَا النّاسُ فَرَجَعَ بِمَنْ اتّبَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ النّفَاقِ وَالرّيْبِ وَاتّبَعَهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ يَقُولُ يَا قَوْمِ أُذَكّرُكُمْ اللّهَ أَلّا تَخْذُلُوا قَوْمَكُمْ وَنَبِيّكُمْ عِنْدَمَا حَضَرَ مِنْ عَدُوّهِمْ فَقَالُوا : لَوْ نَعْلَمُ أَنّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَمَا أَسْلَمْنَاكُمْ وَلَكِنّا لَا نَرَى أَنّهُ يَكُونُ قِتَالٌ . قَالَ فَلَمّا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ وَأَبَوْا إلّا الِانْصِرَافَ عَنْهُمْ قَالَ أَبْعَدَكُمْ اللّهُ أَعْدَاءَ اللّهِ فَسَيُغْنِي اللّهُ عَنْكُمْ نَبِيّهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ غَيْرُ زِيَادٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ الزّهْرِيّ : أَنّ الْأَنْصَارَ يَوْمَ أُحُدٍ ، قَالُوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَا نَسْتَعِينُ بِحُلَفَائِنَا مِنْ يَهُودَ ؟ فَقَالَ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِمْ
[ حَادِثَةٌ تَفَاءَلَ بِهَا الرّسُولُ ]
قَالَ زِيَادٌ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ قَالَ وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى سَلَكَ فِي حَرّةِ بَنِي حَارِثَةَ ، فَذَبّ فَرَسُ بِذَنَبِهِ فَأَصَابَ كَلّابَ سَيْفٍ فَاسْتَلّهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ كِلَابُ سَيْفٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ يُحِبّ الْفَأْلَ وَلَا يَعْتَافُ لِصَاحِبِ السّيْفِ شِمْ سَيْفَك ، فَإِنّي أَرَى السّيُوفَ سَتُسَلّ الْيَوْمَ .

[ مَا كَانَ مِنْ مِرْبَعٍ حِينَ سَلَكَ الْمُسْلِمُونَ حَائِطَهُ ]
[ ص 65 ] قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَصْحَابِهِ مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى الْقَوْمِ مِنْ كَثَبٍ أَيْ مِنْ قُرْبٍ مِنْ طَرِيقٍ لَا يَمُرّ بِنَا عَلَيْهِمْ ؟ فَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ فَنَفَذَ بِهِ فِي حَرّةِ بَنِي حَارِثَةَ ، وَبَيْنَ أَمْوَالِهِمْ حَتّى سَلَكَ فِي مَالٍ لِمِرْبَعِ بْنِ قَيْظِيّ وَكَانَ رَجُلًا مُنَافِقًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ فَلَمّا سَمِعَ حِسّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَامَ يَحْثِي فِي وُجُوهِهِمْ التّرَابَ وَيَقُولُ إنْ كُنْتَ رَسُولَ اللّهِ فَإِنّي لَا أُحِلّ لَك أَنْ تَدْخُلَ حَائِطِي . وَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنّهُ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فِي يَدِهِ ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنّي لَا أُصِيبُ بِهَا غَيْرَك يَا مُحَمّدُ لَضَرَبْتُ بِهَا وَجْهَك . فَابْتَدَرَهُ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَقْتُلُوهُ فَهَذَا الْأَعْمَى أَعْمَى الْقَلْبِ ، أَعْمَى الْبَصَرِ وَقَدْ بَدَرَ إلَيْهِ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، قَبْلَ نَهْيِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُ فَضَرَبَهُ بِالْقَوْسِ فِي رَأْسِهِ فَشَجّهُ .

[ نُزُولُ الرّسُولِ بِالشّعْبِ وَتَعْبِيَتُهُ لِلْقِتَالِ ]
قَالَ وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلَ الشّعْبَ مِنْ أُحُدٍ ، فِي عُدْوَةِ الْوَادِي إلَى الْجَبَلِ فَجَعَلَ ظَهْرَهُ وَعَسْكَرَهُ إلَى أُحُدٍ ، وَقَالَ لَا يُقَاتِلُنّ أَحَدٌ مِنْكُمْ حَتّى نَأْمُرُهُ بِالْقِتَالِ وَقَدْ سَرّحَتْ قُرَيْشٌ الظّهْرَ وَالْكُرَاعَ فِي زُرُوعٍ كَانَتْ بِالصّمْغَةِ مِنْ قَنَاةِ لِلْمُسْلِمِينَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ الْقِتَالِ أَتُرْعَى زُرُوعُ بَنِي قَيْلَةَ وَلِمَا نُضَارِبُ وَتُعَبّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْقِتَالِ وَهُوَ فِي سَبْعِ مِئَةِ رَجُلٍ وَأَمّرَ عَلَى الرّمَاةِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جُبَيْرٍ ، أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ مُعْلَمٌ يَوْمئِذٍ بِثِيَابِ بِيضٍ وَالرّمَاةُ خَمْسُونَ رَجُلًا ، فَقَالَ [ ص 66 ] انْضَحْ الْخَيْلَ عَنّا بِالنّبْلِ ، لَا يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا ، إنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا ، فَاثْبُتْ مَكَانَك لَا نُؤْتَيَنّ مِنْ قِبَلِكِ وَظَاهَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ وَدَفَعَ اللّوَاءَ إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ ، أَخِي بَنِي عَبْدِ الدّارِ .

[ مَنْ أَجَازَهُمْ الرّسُولُ وَهُمْ فِي الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَجَازَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيّ وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ ، أَخَا بَنِي حَارِثَةَ وَهُمَا ابْنَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَانَ قَدْ رَدّهُمَا ، فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ رَافِعًا رَامٍ ، فَأَجَازَهُ فَلَمّا أَجَازَ رَافِعًا ، قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ سَمُرَةَ يَصْرَعُ رَافِعًا ، فَأَجَازَهُ وَرَدّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْد ٍ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ ، أَحَدَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ ، أَحَدَ بَنِي حَارِثَة ، وَعَمْرَو بْنَ حَزْمٍ ، أَحَدَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ وَأُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ ، أَحَدَ بَنِي حَارِثَةَ ثُمّ أَجَازَهُمْ يَوْمَ الْخَنْدَقِ ، وَهُمْ أَبْنَاءُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَتَعَبّأَتْ قُرَيْشٌ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافِ رَجُلٍ وَمَعَهُمْ مِئَتَا فَرَسٍ قَدْ جَنَبُوهَا ، فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَةِ الْخَيْلِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهَا عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ .

[ أَمْرُ أَبِي دُجَانَةَ ]
وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السّيْفَ بِحَقّهِ ؟ فَقَامَ إلَيْهِ رِجَالٌ فَأَمْسَكَهُ عَنْهُمْ حَتّى قَامَ إلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ ، أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالَ وَمَا حَقّهُ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ أَنْ تضْرَبَ بِهِ الْعَدُوّ حَتّى يَنْحَنِيَ قَالَ أَنَا آخُذُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ بِحَقّهِ فَأَعْطَاهُ إيّاهُ وَكَانَ أَبُو دُجَانَةَ رَجُلًا شُجَاعًا يَخْتَالُ عِنْدَ الْحَرْبِ إذَا كَانَتْ وَكَانَ إذَا أَعُلِمَ بِعِصَابَةِ لَهُ حَمْرَاءَ ، فَاعْتَصَبَ بِهَا عَلِمَ النّاسُ أَنّهُ سَيُقَاتِلُ فَلَمّا أَخَذَ السّيْفَ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْرَجَ عِصَابَتَهُ تِلْكَ فَعَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ وَجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصّفّيْنِ . [ ص 67 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَسْلَمَ ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ رَأَى أَبَا دُجَانَةَ يَتَبَخْتَرُ إنّهَا لَمِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللّهُ إلّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ .
[ أَمْرُ أَبِي عَامِرٍ الْفَاسِق ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ أَبَا عَامِرٍ عَبْدَ عَمْرِو بْنِ صَيْفِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّعْمَانِ أَحَدَ بَنِي ضُبَيْعَةَ وَقَدْ كَانَ خَرَجَ حِينَ خَرَجَ إلَى مَكّةَ مُبَاعِدًا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُ خَمْسُونَ غُلَامًا مِنْ الْأَوْسِ ، وَبَعْضُ النّاسِ كَانَ يَقُولُ كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، وَكَانَ يَعِدُ قُرَيْشًا أَنْ لَوْ قَدْ لَقِيَ قَوْمَهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمْ رَجُلَانِ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ كَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَهُمْ أَبُو عَامِرٍ فِي الْأَحَابِيشِ وَعُبْدَانُ أَهْلِ مَكّةَ ، فَنَادَى : يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ ، أَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالُوا : فَلَا أَنْعَمَ اللّهُ بِك عَيْنًا يَا فَاسِقُ - وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ يُسَمّى فِي الْجَاهِلِيّةِ الرّاهِبَ فَسَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْفَاسِقَ - فَلَمّا سَمِعَ رَدّهُمْ عَلَيْهِ قَالَ لَقَدْ أَصَابَ قَوْمِي بَعْدِي شَرّ ، ثُمّ قَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا ، ثُمّ رَاضَخَهُمْ بِالْحِجَارَةِ .

[ أُسْلُوبُ أَبِي سُفْيَانَ فِي تَحْرِيضِ قُرَيْشٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِأَصْحَابِ اللّوَاءِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ يُحَرّضُهُمْ بِذَلِكَ عَلَى الْقِتَالِ يَا بَنِي عَبْدِ الدّارِ إنّكُمْ قَدْ وَلّيْتُمْ لِوَاءَنَا يَوْمَ بَدْرٍ فَأَصَابَنَا مَا قَدْ رَأَيْتُمْ وَإِنّمَا يُؤْتَى النّاسُ مِنْ قِبَلِ رَايَاتِهِمْ إذَا زَالَتْ زَالُوا ، فَإِمّا أَنْ تَكْفُونَا لِوَاءَنَا ، وَإِمّا أَنْ تُخَلّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَنَكْفِيكُمُوهُ فَهَمّوا بِهِ وَتُوَاعَدُوهُ وَقَالُوا : نَحْنُ نُسْلِمُ إلَيْك لِوَاءَنَا ، سَتَعْلَمُ غَدًا إذَا الْتَقَيْنَا كَيْفَ نَصْنَع وَذَلِكَ أَرَادَ أَبُو سُفْيَانَ .
[ تَحْرِيضُ هِنْدَ وَالنّسْوَةِ مَعَهَا ]
فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ قَامَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة فِي النّسْوَةِ اللّاتِي مَعَهَا ، وَأَخَذْنَ الدّفُوفَ يَضْرِبْنَ بِهَا خَلَفَ الرّجَالِ وَيُحَرّضْنَهُمْ فَقَالَتْ هِنْدُ فِيمَا تَقُولُ [ ص 68 ]
وَيْهَا بَنِي عَبْدِ الدّارْ ... وَيْهَا حُمَاةَ الْأَدْبَارْ
ضَرْبًا بِكُلّ بَتّارْ وَتَقُولُ
إنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ ... وَنَفْرِشُ النّمَارِقْ
أَوْ تُدْبِرُوا نُفَارِقْ ... فِرَاقَ غَيْرَ وَامِقْ
[ شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ ]
وَكَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُدٍ : أَمِتْ أَمِتْ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ .

[ تَمَامُ قِصّةِ أَبِي دُجَانَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَاقْتَتَلَ النّاسُ حَتّى حَمِيَتْ الْحَرْبُ وَقَاتَلَ أَبُو دُجَانَةَ حَتّى أَمْعَنَ فِي النّاسِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ قَالَ وَجِدْتُ فِي نَفْسِي حِينَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّيْفَ فَمَنَعْنِيهِ وَأَعْطَاهُ أَبَا دُجَانَةَ وَقُلْت : أَنَا ابْنُ صَفِيّةَ عَمّتَهِ ، وَمِنْ قُرَيْشٍ ، وَقَدْ قُمْت إلَيْهِ فَسَأَلْته إيّاهُ قَبْلَهُ فَأَعْطَاهُ إيّاهُ وَتَرَكَنِي ، وَاَللّهِ لَأَنْظُرَنّ مَا يَصْنَعُ فَاتّبَعَتْهُ فَأَخْرَجَ عِصَابَةً لَهُ حَمْرَاءَ ، فَعَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ : أَخْرِجْ أَبُو دُجَانَةَ عِصَابَةَ الْمَوْتِ ، وَهَكَذَا كَانَتْ تَقُولُ لَهُ إذَا تَعَصّبَ بِهَا فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ
أَنَا الّذِي عَاهَدَنِي خَلِيلِي ... وَنَحْنُ بِالسّفْحِ لَدَى النّخِيلِ
أَلّا أَقَوْمَ الدّهْرَ فِي الْكَيّولِ ... أَضْرِبُ بِسَيْفِ اللّهِ وَالرّسُولِ
[ ص 69 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى فِي الْكُبُول . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إلّا قَتَلَهُ . وَكَانَ فِي الْمُشْرِكِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَنَا جَرِيحًا إلّا ذَفّفَ عَلَيْهِ فَجَعَلَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدْنُو مِنْ صَاحِبِهِ . فَدَعَوْتُ اللّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا ، فَالْتَقَيَا ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَضَرَبَ الْمُشْرِكُ أَبَا دُجَانَةَ فَاتّقَاهُ بِدَرَقَتِهِ فَعَضّتْ بِسَيْفِهِ وَضَرَبَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَقَتَلَهُ ثُمّ رَأَيْتُهُ قَدْ حَمَلَ السّيْفَ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَة ، ثُمّ عَدَلَ السّيْفَ عَنْهَا . قَالَ الزّبِيرُ فَقُلْتُ اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ : رَأَيْت إنْسَانًا يَخْمُشُ النّاسَ خَمْشًا شَدِيدًا ، فَصَمَدْتُ لَهُ فَلَمّا حَمَلْتُ عَلَيْهِ السّيْفَ وَلْوَلَ فَإِذَا امْرَأَةٌ فَأَكْرَمْت سَيْفَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَضْرِبَ بِهِ امْرَأَةً .

[ مَقْتَلُ حَمْزَةَ ]
وَقَاتَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ حَتّى قَتَلَ أَرْطَاةَ بْنَ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ وَكَانَ أَحَدَ النّفَرِ الّذِينَ يَحْمِلُونَ اللّوَاءَ ثُمّ مَرّ بِهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى الْغُبْشَانِيّ وَكَانَ يُكَنّى بِأَبِي نِيَارٍ فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ هَلُمّ إلَيّ يَا ابْنَ مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ - وَكَانَتْ أُمّهُ أُمّ أَنْمَارٍ مَوْلَاةُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِيّ . ( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : شَرِيقُ بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ ) . وَكَانَتْ خَتّانَةً بِمَكّةَ - فَلَمّا الْتَقَيَا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَقَتَلَهُ . قَالَ وَحْشِيّ ، غُلَامُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ : وَاَللّهِ إنّي لَأَنْظُرُ إلَى حَمْزَةَ يَهُدّ [ ص 70 ] بِسَيْفِهِ مَا يُلِيقُ بِهِ شَيْئًا ، مِثْلَ الْجَمَلِ الْأَوْرَقِ إذْ تَقَدّمَنِي إلَيْهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى ، فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ هَلُمّ إلَيّ يَا ابْنَ مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَكَأَنّ مَا أَخْطَأَ رَأْسَهُ وَهَزَزْتُ حَرْبَتِي حَتّى إذَا رَضِيتُ مِنْهَا دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ فِي ثُنّتِهِ حَتّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنَ رِجْلَيْهِ فَأَقْبَلَ نَحْوِي ، فَغُلِبَ فَوَقَعَ وَأَمْهَلْتُهُ حَتّى إذَا مَاتَ جِئْت فَأَخَذْت حَرْبَتِي ، ثُمّ تَنَحّيْت إلَى الْعَسْكَرِ وَلَمْ تَكُنْ لِي بِشَيْءِ حَاجَةٌ غَيْرَهُ

[ وَحْشِيّ يُحَدّثُ الضّمْرِيّ وَابْنَ الْخِيَارِ عَنْ قَتْلِهِ حَمْزَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبّاسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمّيّةَ الضّمْرِيّ قَالَ خُرِجْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْخِيَارِ ، أَخُو بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، فَأَدْرَبْنَا مَعَ النّاسِ فَلَمّا قَفَلْنَا مَرَرْنَا بِحِمْصَ - وَكَانَ وَحْشِيّ ، مَوْلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، قَدْ سَكَنَهَا ، وَأَقَامَ بِهَا - فَلَمّا قَدِمْنَاهَا ، قَالَ لِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَدِيّ هَلْ لَك فِي أَنْ نَأْتِيَ وَحْشِيّا فَنَسْأَلَهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ كَيْفَ قَتَلَهُ ؟ قَالَ قُلْت لَهُ إنْ شِئْتَ . فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْهُ بِحِمْصَ فَقَالَ لَنَا رَجُلٌ وَنَحْنُ نَسْأَلُ عَنْهُ إنّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِفِنَاءِ دَارِهِ وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْخَمْرُ فَإِنْ تَجِدَاهُ صَاحِيًا تَجِدَا رَجُلًا عَرَبِيّا ، وَتَجِدَا عِنْدَهُ بَعْضَ مَا تُرِيدَانِ وَتُصِيبَا عِنْدَهُ مَا شِئْتُمَا مِنْ حَدِيثٍ تَسْأَلَانِهِ عَنْهُ وَإِنْ تَجِدَاهُ وَبَهْ بَعْضُ مَا يَكُونُ بِهِ فَانْصَرَفَا [ ص 71 ] وَدَعَاهُ قَالَ فَخَرَجْنَا نَمْشِي حَتّى جِئْنَاهُ فَإِذَا هُوَ بِفِنَاءِ دَارِهِ عَلَى طَنْفَسَةٍ لَهُ فَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ مِثْلُ الْبُغَاثِ . - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْبُغَاثُ ضَرْبٌ مِنْ الطّيْرِ إلَى السّوَادِ - فَإِذَا هُوَ صَاحٍ لَا بَأْسَ بِهِ . قَالَ فَلَمّا انْتَهَيْنَا إلَيْهِ سَلّمْنَا عَلَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَدِيّ فَقَالَ ابْنٌ لِعَدِيّ بْنِ الْخِيَارِ أَنْتَ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَمَا وَاَللّهِ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ نَاوَلْتُك أُمّك السّعْدِيّةَ الّتِي أَرْضَعَتْك بِذِي طُوًى ، فَإِنّي نَاوَلْتُكهَا وَهِيَ عَلَى بَعِيرِهَا ، فَأَخَذَتْك بِعُرْضَيْك ، فَلَمَعَتْ لِي قَدَمَاك حِينَ رَفَعْتُك إلَيْهَا ، فَوَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ وَقَفْتَ عَلَيّ فَعَرَفْتُهُمَا . قَالَ فَجَلَسْنَا إلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ جِئْنَاك لِتُحَدّثَنَا عَنْ قَتْلِك حَمْزَةَ كَيْفَ قَتَلْتَهُ ؟ فَقَالَ أَمَا إنّي سَأُحَدّثُكُمَا كَمَا حَدّثْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ سَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ كُنْتُ غُلَامًا لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَكَانَ عَمّهُ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيّ قَدْ أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمّا سَارَتْ قُرَيْشٌ إلَى أُحُدٍ ، قَالَ لِي جُبَيْرٌ إنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ عَمّ مُحَمّدٍ بِعَمّي فَأَنْتَ عَتِيقٌ قَالَ فَخَرَجْتُ مَعَ النّاسِ وَكُنْتُ رَجُلًا حَبَشِيّا أَقْذِفُ بِالْحَرْبَةِ قَذْفَ الْحَبَشَةِ ، قَلّمَا أُخْطِئُ بِهَا شَيْئًا ؛ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ خَرَجْتُ أَنْظُرُ حَمْزَةَ وَأَتَبَصّرُهُ حَتّى رَأَيْته فِي عُرْضِ النّاسِ مِثْلَ الْجَمْلِ الْأَوْرَقِ يَهُدّ النّاسَ بِسَيْفِهِ هَدّا ، مَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ فَوَاَللّهِ إنّي لَأَتَهَيّأُ لَهُ أُرِيدُهُ وَأَسْتَتِرُ مِنْهُ بِشَجَرَةِ أَوْ حَجَرٍ لِيَدْنُوَ مِنّي إذْ تَقَدّمَنِي إلَيْهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى ، فَلَمّا رَآهُ حَمْزَةُ قَالَ لَهُ هَلُمّ إلَيّ يَا ابْنَ مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ . قَالَ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً كَأَنّ مَا أَخَطَأ رَأْسَهُ . قَالَ وَهَزّزَتْ [ ص 72 ] وَذَهَبَ لِيَنُوءَ نَحْوِي ، فَغُلِبَ وَتَرَكْتُهُ وَإِيّاهَا حَتّى مَاتَ ثُمّ أَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ حَرْبَتِي ، ثُمّ رَجَعْت إلَى الْعَسْكَرِ فَقَعَدْتُ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لِي بِغَيْرِهِ حَاجَةٌ وَإِنّمَا قَتَلْتُهُ لِأُعْتَقَ . فَلَمّا قَدِمْت مَكّةَ أُعْتِقْت ، ثُمّ أَقَمْتُ حَتّى إذَا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ هَرَبْتُ إلَى الطّائِفِ ، فَمَكَثْت بِهَا ، فَلَمّا خَرَجَ وَفْدُ الطّائِفِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيُسْلِمُوا تَعَيّتْ عَلَيّ الْمَذَاهِبُ فَقُلْت : أَلْحَقُ بِالشّأْم ِ أَوْ الْيَمَنِ ، أَوْ بِبَعْضِ الْبِلَادِ فَوَاَللّهِ إنّي لَفِي ذَلِكَ مِنْ هَمّي ، إذْ قَالَ لِي رَجُلٌ وَيْحَك إنّهُ وَاَللّهِ مَا يَقْتُلُ أَحَدًا مِنْ النّاسِ دَخَلَ فِي دِينِهِ وَتَشَهّدَ شَهَادَتَهُ .

[ وَحْشِيّ بَيْنَ يَدَيْ الرّسُولِ يُسْلِمُ ]
فَلَمّا قَالَ لِي ذَلِكَ خَرَجْتُ حَتّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَلَمْ يَرُعْهُ إلّا بِي قَائِمًا عَلَى رَأْسِهِ أَتَشَهّدُ بِشَهَادَةِ الْحَقّ فَلَمّا رَآنِي قَالَ أَوَحْشِيّ ؟ قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ . قَالَ اُقْعُدْ فَحَدّثْنِي كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ قَالَ فَحَدّثْته كَمَا حَدّثْتُكُمَا ، فَلَمّا فَرَغْتُ مِنْ حَدِيثِي قَالَ وَيْحَك غَيّبْ عَنّي وَجْهَك ، فَلَا أُرَيَنّك . قَالَ فَكُنْتُ أَتَنَكّبُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْثُ كَانَ لِئَلّا يَرَانِي ، حَتّى قَبَضَهُ اللّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ

[ قَتْلُ وَحْشِيّ لَمُسَيْلِمَةَ ]
فَلَمّا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ إلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ خَرَجْت مَعَهُمْ وَأَخَذْت حَرْبَتِي الّتِي قَتَلْتُ بِهَا حَمْزَةَ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ رَأَيْت مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابَ قَائِمًا فِي يَدِهِ السّيْفَ وَمَا أَعْرِفُهُ فَتَهَيّأْتُ لَهُ وَتَهَيّأَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ النّاحِيَةِ الْأُخْرَى ، كِلَانَا يُرِيدُهُ فَهَزَزْتُ حَرْبَتِي حَتّى إذَا رَضِيت مِنْهَا دَفَعْتُهَا عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ فِيهِ وَشَدّ عَلَيْهِ الْأَنْصَارِيّ فَضَرَبَهُ بِالسّيْفِ فَرَبّك أَعْلَمُ أَيّنَا قَتَلَهُ [ ص 73 ] كُنْت قَتَلْته ، فَقَدْ قَتَلْت خَيْرَ النّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ قَتَلْت شَرّ النّاسِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ الْيَمَامَةَ ، قَالَ سَمِعْت يَوْمئِذٍ صَارِخًا يَقُولُ : قَتَلَهُ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ .
[ خَلْعُ وَحْشِيّ مِنْ الدّيوَانِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَبَلَغَنِي أَنّ وَحْشِيّا لَمْ يَزَلْ يُحَدّ فِي الْخَمْرِ حَتّى خُلِعَ مِنْ الدّيوَانِ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَقُولُ قَدْ عَلِمْتُ أَنّ اللّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ قَاتِلَ حَمْزَةَ

[ مَقْتَلُ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَاتَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ دُونَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قُتِلَ وَكَانَ الّذِي قَتَلَهُ ابْنُ قَمِئَةَ اللّيْثِيّ وَهُوَ يَظُنّ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ قَتَلْتُ مُحَمّدًا . فَلَمّا قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّوَاءَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَقَاتَلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَرِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَازِنِيّ ، قَالَ لَمّا اشْتَدّ الْقِتَالُ يَوْمَ أُحُدٍ ، جَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَحْتَ رَايَةِ الْأَنْصَارِ ، وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ أَنْ قَدّمَ الرّايَة فَتَقَدّمَ عَلِيّ ، فَقَالَ أَنَا أَبُو الْفُصَمِ وَيُقَالُ أَبُو الْقُصَمِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - فَنَادَاهُ أَبُو سَعْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، وَهُوَ صَاحِبُ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ هَلْ لَك يَا أَبَا الْقُصَمِ فِي الْبِرَازِ مِنْ حَاجَةٍ ؟ قَالَ نَعَمْ . فَبَرَزَا بَيْن الصّفّيْنِ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ [ ص 74 ] فَضَرَبَهُ عَلِيّ فَصَرَعَهُ ثُمّ انْصَرَفَ عَنْهُ وَلَمْ يُجْهَزْ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ أَفَلَا أُجْهِزْت عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ إنّهُ اسْتَقْبَلَنِي بِعَوْرَتِهِ ، فَعَطَفَتْنِي عَنْهُ الرّحِمُ وَعَرَفْتُ أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ قَتَلَهُ . وَيُقَالُ إنّ أَبَا سَعْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ خَرَجَ بَيْنَ الصّفّيْنِ فَنَادَى : [ أَنَا قَاصِمٌ ] مَنْ يُبَارِزُ بِرَازًا ، فَلَمْ يَخْرَجْ إلَيْهِ أَحَدٌ . فَقَالَ يَا أَصْحَابَ مُحَمّدٍ زَعَمْتُمْ أَنّ قَتْلَاكُمْ فِي الْجَنّةِ وَأَنّ قَتْلَانَا فِي النّارِ كَذَبْتُمْ وَاَللّاتِي لَوْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ حَقّا لَخَرَجَ إلَيّ بَعْضُكُمْ فَخَرَجَ إلَيْهِ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَضَرَبَهُ عَلِيّ فَقَتَلَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَتَلَ أَبَا سَعْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ .

[ شَأْنُ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ ]
وَقَاتَلَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ ، فَقَتَلَ مُسَافِعَ بْنَ طَلْحَةَ وَأَخَاهُ الْجُلَاسَ بْنَ طَلْحَةَ ، كِلَاهُمَا يَشْعُرُهُ سَهْمًا ، فَيَأْتِي أُمّهُ سُلَافَةَ فَيَضَعُ رَأْسَهُ فِي حِجْرِهَا فَتَقُولُ يَا بُنَيّ مَنْ أَصَابَك ؟ فَيَقُولُ سَمِعْتُ رَجُلًا حِينَ رَمَانِي وَهُوَ يَقُولُ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ أَبِي الْأَقْلَحِ . فَنَذَرْتُ إنْ أَمْكَنَهَا اللّهُ مِنْ رَأْسِ عَاصِمٍ أَنْ تُشْرَبَ فِيهِ الْخَمْرُ وَكَانَ عَاصِمٌ قَدْ عَاهَدَ اللّهَ أَنْ لَا يَمَسّ مُشْرِكًا أَبَدًا ، وَلَا يَمَسّهُ مُشْرِكٌ . وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمئِذٍ وَهُوَ يَحْمِلُ لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ
إنّ عَلَى أَهْلِ اللّوَاءِ حَقّا ... أَنْ يَخْضِبُوا الصّعْدَةَ أَوْ تَنْدَقّا
فَقَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ .

[ حَنْظَلَةُ غَسِيلُ الْمَلَائِكَةِ ]
[ ص 75 ] حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الْغَسِيلُ وَأَبُو سُفْيَانَ فَلَمّا اسْتَعْلَاهُ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ رَآهُ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَهُوَ ابْنُ شَعُوبٍ قَدْ عَلَا أَبَا سُفْيَانَ . فَضَرَبَهُ شَدّادٌ فَقَتَلَهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ صَاحِبَكُمْ يَعْنِي حَنْظَلَةَ لَتُغَسّلَهُ الْمَلَائِكَةُ . فَسَأَلُوا أَهْلَهُ مَا شَأْنُهُ ؟ فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ عَنْهُ . فَقَالَتْ خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَاتِفَةَ . - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ الْهَائِعَةُ . وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ خَيْرُ النّاسِ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ كُلّمَا سَمِعَ هَيْعَةَ طَارَ إلَيْهَا قَالَ الطّرِمّاحُ بْنُ حَكِيمٍ الطّائِيّ ، وَالطّرِمّاحُ الطّوِيلُ مِنْ الرّجَالِ - :
أَنَا ابْنُ حُمَاةَ الْمَجْدِ مِنْ آلِ مَالِكٍ ... إذَا جَعَلَتْ خُورُ الرّجَالِ تَهِيعُ
( وَالْهَيْعَةُ الصّيْحَةُ الّتِي فِيهَا الْفَزَعُ ) قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِذَلِكَ غَسّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ

[ شِعْرُ الْأَسْوَدِ فِي قَتْلِهِمَا حَنْظَلَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ ]
( قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ ) : وَقَالَ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ فِي قَتْلِهِ حَنْظَلَةَ
لَأَحْمِيَنّ صَاحِبِي وَنَفْسِي ... بِطَعْنَةِ مِثْلِ شُعَاعِ الشّمْسِ
وَقَال أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، وَهُوَ يَذْكُرُ صَبْرَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمُعَاوَنَةَ ابْنِ شَعُوبٍ إيّاهُ عَلَى حَنْظَلَةَ [ ص 76 ]
وَلَوْ شِئْتُ نَجّتْنِي كُمَيْتٌ طِمرّة ... وَلَمْ أَحْمِلْ النّعْمَاءَ لِابْنِ شَعُوبِ
وَمَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ ... لَدُنْ غُدْوَةٍ حَتّى دَنَتْ لِغُرُوبِ
أُقَاتِلُهُمْ وَأَدّعِي يَا لَغَالِبٍ ... وَأَدْفَعُهُمْ عَنّي بِرُكْنٍ صَلِيبِ
فَبَكّي وَلَا تَرْعَى مَقَالَةَ عَاذِلٍ ... وَلَا تَسْأَمِي مِنْ عَبْرَةٍ وَنَحِيبِ
أَبَاكِ وَإِخْوَانًا لَهُ قَدْ تَتَابَعُوا ... وَحُقّ لَهُمْ مِنْ عَبْرَةٍ بِنَصِيبِ
وَسَلّى الّذِي قَدْ كَانَ فِي النّفْسِ أَنّنِي ... قَتَلْتُ مِنْ النّجّار كُلّ نَجِيبِ
وَمِنْ هَاشِمٍ قَرْمًا كَرِيمًا وَمُصْعَبًا ... وَكَانَ لَدَى الْهَيْجَاءِ غَيْرُ هَيُوبِ
وَلَوْ أَنّنِي لَمْ أَشْفِ نَفْسِي مِنْهُمْ ... لَكَانَتْ شَجًا فِي الْقَلْبِ ذَاتَ نُدُوبِ
فَآبَوْا وَقَدْ أَوْدَى الْجَلَابِيبُ مِنْهُمْ ... بِهِمْ خَدَبٌ مِنْ مُعْطِبٍ وَكَئِيبِ
أَصَابَهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِدِمَائِهِمْ ... كِفَاءً وَلَا فِي خُطّةٍ بِضَرِيبِ

[ شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ ]
فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ ؟ فَقَالَ
ذَكَرْتَ الْقُرُومَ الصّيْدَ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... وَلَسْتَ لِزُورٍ قُلْتَهُ بِمُصِيبِ
أَتَعْجَبُ أَنْ أَقَصَدْت حَمْزَةَ مِنْهُمْ ... نَجِيبًا وَقَدْ سَمّيْتَهُ بِنَجِيبِ
أَلَمْ يَقْتُلُوا عَمْرًا وَعُتْبَة وَابْنَهُ ... وَشَيْبَةَ وَالْحَجّاجَ وَابْنَ حَبِيبِ
غَدَاةَ دَعَا الْعَاصِي عَلِيّا فَرَاعَهُ ... بِضَرْبَةِ عَضْبٍ بَلّهُ بِخَضِيبِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ ابْنُ شَعُوبٍ يَذْكُرُ يَدَهُ عِنْدَ أَبِي سُفْيَانَ فِيمَا دَفَعَ عَنْهُ فَقَالَ [ ص 77 ]
وَلَوْلَا دِفَاعِي يَا ابْنَ حَرْبٍ وَمَشْهَدِي ... لَأُلْفِيَتْ يَوْمَ النّعْفِ غَيْرَ مُجِيبِ
وَلَوْلَا مَكَرّي الْمُهْرَ بِالنّعْفِ قَرْقَرَتْ ... ضِبَاعٌ عَلَيْهِ أَوْ ضِرَاءُ كَلِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ " عَلَيْهِ أَوْ ضِرَاءُ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
[ شِعْرُ الْحَارِثِ فِي الرّدّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ أَيْضًا ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ يُجِيبُ أَبَا سُفْيَانَ
جَزَيْتهمْ يَوْمًا بِبَدْرٍ كَمِثْلِهِ ... عَلَى سَابِحٍ ذِي مَيْعَةٍ وَشَبِيبِ
لَدَى صَحْنِ بَدْرٍ أَوْ أَقَمْت نَوَائِحًا ... عَلَيْك وَلَمْ تَحْفِلْ مُصَابَ حَبِيبِ
وَإِنّك لَوْ عَايَنْتَ مَا كَانَ مِنْهُمْ ... لَأُبْتَ بِقَلْبِ مَا بَقِيتُ نَخِيبُ
قَالَ ابْن هِشَام : وَإِنّمَا أَجَابَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ أَبَا سُفْيَانَ لِأَنّهُ ظَنّ أَنّهُ عَرّضَ بِهِ فِي قَوْلِهِ وَمَا زَالَ مُهْرِيّ مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ
لِفِرَارِ الْحَارِثِ يَوْمِ بَدْرٍ .

[ حَدِيثُ الزّبَيْرِ عَنْ سَبَبِ الْهَزِيمَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ أَنْزَلَ اللّهُ نَصْرَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَصَدَقَهُمْ وَعْدَهُ فَحَسّوهُمْ بِالسّيُوفِ حَتّى كَشَفُوهُمْ عَنْ الْعَسْكَرِ وَكَانَتْ الْهَزِيمَةُ لَا شَكّ فِيهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ الزّبَيْرِ أَنّهُ قَالَ [ ص 78 ] وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْتنِي أَنْظُرُ إلَى خَدَمِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَة وَصَوَاحِبُهَا مُشَمّرَاتٌ هَوَارِبُ مَا دُونِ أَخْذِهِنّ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إذْ مَالَتْ الرّمَاةُ إلَى الْعَسْكَرِ حِين كَشَفْنَا الْقَوْمَ عَنْهُ وَخَلّوْا ظُهُورَنَا لِلْخَيْلِ فَأُتِينَا مِنْ خَلْفِنَا ، وَصَرَخَ صَارِخٌ أَلَا إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ ؛ فَانْكَفَأْنَا وَانْكَفَأَ عَلَيْنَا الْقَوْمُ بَعْدَ أَنْ أَصَبْنَا أَصْحَابَ اللّوَاءِ حَتّى مَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الصّارِخُ أَزَبّ الْعَقَبَةِ ، يَعْنِي الشّيْطَانَ .
[ شَجَاعَةُ صُؤَابٍ وَشِعْرُ حَسّانَ فِي ذَلِكَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ اللّوَاءَ لَمْ يَزَلْ صَرِيعًا حَتّى أَخَذَتْهُ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيّةُ ، فَرَفَعَتْهُ لِقُرَيْشِ فَلَاثُوا بِهِ . وَكَانَ اللّوَاءُ مَعَ صُؤَابٍ غُلَامٌ لِبَنِي أَبِي طَلْحَةَ حَبَشِيّ وَكَانَ آخِرُ مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ فَقَاتَلَ بِهِ حَتّى قُطِعَتْ يَدَاهُ ثُمّ بَرَكَ عَلَيْهِ فَأَخَذَ اللّوَاءَ بِصَدْرِهِ وَعُنُقِهِ حَتّى قُتِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ اللّهُمّ هَلْ أَعْزَرْت - يَقُولَ أَعَذَرْت - فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ
فَخَرْتُمْ بِاللّوَاءِ وَشَرّ فَخْرٍ ... لِوَاءٌ حِينَ رُدّ إلَى صُؤَابِ
جَعَلْتُمْ فَخَرَكُمْ فِيهِ بِعَبْدٍ ... وَأَلْأَمُ مَنْ يَطَا عَفَرَ التّرَابِ
ظَنَنْتُمْ وَالسّفِيهُ لَهُ ظُنُونُ ... وَمَا إنْ ذَاكَ مِنْ أَمْرِ الصّوَابِ
بِأَنّ جِلَادَنَا يَوْمَ الْتَقَيْنَا ... بِمَكّةَ بَيْعُكُمْ حُمْرَ الْعِيَابِ
أَقَرّ الْعَيْنَ أَنْ عُصِبَتْ يَدَاهُ ... وَمَا إنْ تُعْصَبَانِ عَلَى خِضَابِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : آخِرُهَا بَيْتًا يُرْوَى لِأَبِي خِرَاشٍ الْهُذَلِيّ وَأَنْشَدَنِيهِ لَهُ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ [ ص 79 ]
أَقَرّ الْعَيْنَ أَنْ عُصِبَتْ يَدَاهَا ... وَمَا إنْ تُعْصَبَانِ عَلَى خِضَابِ
فِي أَبْيَاتٍ لَهُ يَعْنِي امْرَأَتَهُ فِي غَيْرِ حَدِيثِ أُحُدٍ . وَتُرْوَى الْأَبْيَاتُ أَيْضًا لِمَعْقِلِ بْنِ خُوَيْلِد الْهُذَلِيّ .

[ شِعْرُ حَسّانَ فِي عُمْرَةِ الْحَارِثِيّةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَأْنِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيّةِ وَرَفْعِهَا اللّوَاءِ
إذَا عَضَلٌ سِيقَتْ إلَيْنَا كَأَنّهَا ... جِدَايَةُ شِرْكٍ مُعْلِمَاتِ الْحَوَاجِبِ
أَقَمْنَا لَهُمْ طَعْنًا مُبِيرًا مُنَكّلًا ... وَحُزْنَاهُمْ بِالضّرْبِ مِنْ كُلّ جَانِبِ
فَلَوْلَا لِوَاءُ الْحَارِثِيّةِ أَصْبَحُوا ... يُبَاعُونَ فِي الْأَسْوَاقِ بَيْعَ الْجَلَائِبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ .

[ مَا لَقِيَهُ الرّسُولُ يَوْمَ أُحُدٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ فَأَصَابَ فِيهِمْ الْعَدُوّ ، وَكَانَ يَوْمَ بَلَاءٍ وَتَمْحِيصٍ أَكْرَمَ اللّهُ فِيهِ مَنْ أَكْرَمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالشّهَادَةِ حَتّى خَلَصَ الْعَدُوّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَدُثّ بِالْحِجَارَةِ حَتّى وَقَعَ لِشِقّهِ فَأُصِيبَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَشُجّ فِي وَجْهِهِ وَكُلِمَتْ شَفَتُهُ وَكَانَ الّذِي أَصَابَهُ عُتْبَة بْنُ أَبِي وَقّاصٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي حُمَيْد الطّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ [ ص 80 ] كُسِرَتْ رَبَاعِيَةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَشُجّ فِي وَجْهِهِ فَجَعَلَ الدّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ وَجَعَلَ يَمْسَحُ الدّمَ وَهُوَ يَقُولُ كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَبُوا وَجْهَ نَبِيّهِمْ ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى رَبّهِمْ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ } . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ رُبَيْحُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ عُتْبَة بْنَ أَبِي وَقّاصٍ رَمَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ فَكَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ الْيُمْنَى السّفْلَى ، وَجَرَحَ شَفَتَهُ السّفْلَى ، وَأَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ شِهَابٍ الزّهْرِيّ شَجّهُ فِي جَبْهَتِهِ وَأَنّ ابْنَ قَمِئَةَ جَرَحَ وَجْنَتَهُ فَدَخَلَتْ حَلْقَتَانِ مِنْ حَلَقِ الْمِغْفَرِ وَجْنَتَهُ وَوَقَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حُفْرَةٍ مِنْ الْحُفَرِ الّتِي عَمِلَ أَبُو عَامِرٍ لِيَقَعَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ فَأَخَذَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَفَعَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ حَتّى اسْتَوَى قَائِمًا ، وَمَصّ مَالِكُ بْنُ سِنَانٍ ، أَبُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ الدّمّ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ ازْدَرَدَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ مَسّ دَمِي دَمَهُ لَمْ تُصِبْهُ النّارُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ الدّرَاوَرْدِيّ : أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلْيَنْظُرْ إلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ وَذَكَرَ يَعْنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ الدّرَاوَرْدِيّ ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ أَنّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ نَزَعَ إحْدَى الْحَلْقَتَيْنِ مِنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَقَطَتْ ثَنِيّتُهُ ثُمّ نَزَعَ الْأُخْرَى ، فَسَقَطَتْ ثَنِيّتُهُ الْأُخْرَى ، فَكَانَ سَاقِطَ الثّنِيّتَيْنِ .

[ شِعْرُ حَسّانَ فِي عُتْبَة وَمَا أَصَابَ بِهِ الرّسُولَ ]
[ ص 81 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ لِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ :
إذَا اللّهُ جَازَى مَعْشَرًا بِفِعَالِهِمْ ... وَضَرّهُمْ الرّحْمَنُ رَبّ الْمَشَارِقِ
فَأَخْزَاك رَبّي يَا عُتَيْبُ بْنَ مَالِكٍ ... وَلَقّاك قَبْلَ الْمَوْتِ إحْدَى الصّوَاعِقِ
بَسَطْتَ يَمِينًا لِلنّبِيّ تَعَمّدًا ... فَأَدْمَيْت فَاهُ قُطّعَتْ بِالْبَوَارِقِ
فَهَلّا ذَكَرْتَ اللّهَ وَالْمَنْزِلَ الّذِي ... تَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ إحْدَى الْبَوَائِقِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتَيْنِ أَقْذَعَ فِيهِمَا .
[ ابْنُ السّكَنِ وَبَلَاؤُهُ يَوْمَ أُحُدٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ غَشِيَهُ الْقَوْمُ مَنْ رَجُلٌ يَشْرِي لَنَا نَفْسَهُ ؟ كَمَا حَدّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مَعَاذٍ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ فَقَامَ زِيَادُ بْنُ السّكَنِ فِي نَفَرٍ خَمْسَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ - وَبَعْضُ النّاسِ يَقُولُ إنّمَا هُوَ عُمَارَةُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ السّكَنِ - فَقَاتَلُوا دُونَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلًا ثُمّ رَجُلًا ، يُقْتَلُونَ دُونَهُ حَتّى كَانَ آخِرُهُمْ زِيَادَ أَوْ عُمَارَةَ فَقَاتَلَ حَتّى أَثَبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ ثُمّ فَاءَتْ فِئَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَجْهَضُوهُمْ عَنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ أَدْنُوهُ مِنّي ، فَأَدْنَوْهُ مِنْهُ فَوَسّدَهُ قَدِمَهُ فَمَاتَ وَخَدّهُ عَلَى قَدَمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم

[ حَدِيثُ أُمّ سَعْدٍ عَنْ نَصِيبِهَا فِي الْجِهَادِ يَوْمَ أُحُدٍ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَاتَلَتْ أُمّ عُمَارَةَ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ الْمَازِنِيّة يَوْمَ أُحُدٍ . فَذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ : أَنّ أُمّ سَعْدِ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ كَانَتْ تَقُولُ دَخَلْتُ عَلَى أُمّ عُمَارَةَ فَقُلْت لَهَا : [ ص 82 ] يَا خَالَةُ أَخْبِرِينِي خَبَرَك ؛ فَقَالَتْ خَرَجْتُ أَوّلَ النّهَارِ وَأَنَا أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ النّاسُ وَمَعِي سِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ فَانْتَهَيْتُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ وَالدّوْلَةُ وَالرّيحُ لِلْمُسْلِمِينَ . فَلَمّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ انْحَزْتُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُمْت أُبَاشِرُ الْقِتَالَ وَأَذُبّ عَنْهُ بِالسّيْفِ وَأَرْمِي عَنْ الْقَوْسِ حَتّى خَلَصَتْ الْجِرَاحُ إلَيّ . قَالَتْ فَرَأَيْتُ عَلَى عَاتِقِهَا جُرْحًا أَجْوَفَ لَهُ غَوْرٌ ، فَقُلْت : مَنْ أَصَابَك بِهَذَا ؟ قَالَتْ ابْنُ قَمِئَةَ أَقْمَأَهُ اللّهُ لَمّا وَلّى النّاسُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَقْبَلَ يَقُولُ دُلّونِي عَلَى مُحَمّدٍ ، فَلَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا ، فَاعْتَرَضْتُ لَهُ أَنَا وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ، وَأُنَاسٌ مِمّنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَضَرَبَنِي هَذِهِ الضّرْبَةَ وَلَكِنْ فَلَقَدْ ضَرَبْته عَلَى ذَلِكَ ضَرْبَاتٍ وَلَكِنّ عَدُوّ اللّهِ كَانَ عَلَيْهِ دِرْعَانِ
[ أَبُو دُجَانَةَ وَابْنُ أَبِي وَقّاصٍ يَدْفَعَانِ عَنْ الرّسُولِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَتَرّسَ دُونَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبُو دُجَانَة بِنَفْسِهِ يَقَعُ النّبْلُ فِي ظَهْرِهِ وَهُوَ مُنْحَنٍ عَلَيْهِ حَتّى كَثُرَ فِيهِ النّبْلُ . وَرَمَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ دُونَ رَسُولِ اللّهِ . قَالَ سَعْدٌ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يُنَاوِلُنِي النّبْلَ وَهُوَ يَقُولُ ارْمِ فِدَاك أَبِي وَأُمّي ، حَتّى إنّهُ لَيُنَاوِلُنِي السّهْمَ مَا لَهُ نَصْلٌ فَيَقُولُ ارْمِ بِهِ

[ بَلَاءُ قَتَادَةَ وَحَدِيثُ عَيْنهُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَمَى عَنْ قَوْسِهِ حَتّى انْدَقّتْ سِيَتُهَا ، فَأَخَذَهَا قَتَادَةَ بْنُ النّعْمَانِ ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ وَأُصِيبَتْ يَوْمئِذٍ عَيْنُ قَتَادَةَ بْنِ النّعْمَانِ ، حَتّى وَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَدّهَا بِيَدِهِ فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدّهُمَا . [ ص 83 ]
[ شَأْنُ أَنَسِ بْنِ النّضْرِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ رَافِع أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ قَالَ انْتَهَى أَنَسُ بْنُ النّضْرِ ، عَمّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ ، فِي رِجَالٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، وَقَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ مَا يُجْلِسُكُمْ ؟ قَالُوا : قُتِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فَمَاذَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ ؟ ( قُومُوا ) فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ اسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ وَبَهْ سُمّيَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي حُمَيْد الطّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ لَقَدْ وَجَدْنَا بِأَنَسِ بْنِ النّضْرِ يَوْمئِذٍ سَبْعِينَ ضَرْبَةً فَمَا عَرَفَهُ إلّا أُخْتُهُ عَرَفَتْهُ بِبَنَاتِهِ .

[ مَا أَصَابَ ابْنَ عَوْفٍ مِنْ الْجِرَاحَاتِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ . أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُصِيبَ فُوهُ يَوْمئِذٍ فَهُتِمَ وَجُرِحَ عِشْرِينَ جِرَاحَةً أَوْ أَكْثَرَ أَصَابَهُ بَعْضُهَا فِي رِجْلِهِ فَعَرِجَ .
[ أَوّلُ مَنْ عَرَفَ الرّسُولَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَوّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ وَقَوْلُ النّاسِ قُتِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا ذَكَرَ لِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، قَالَ عَرَفْت عَيْنَيْهِ تَزْهَرَانِ مِنْ تَحْتِ الْمِغْفَرِ فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرُوا ، هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَشَارَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَنْصِتْ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَضُوا بِهِ وَنَهَضَ مَعَهُمْ نَحْوَ الشّعْبِ ، مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ ، وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ ، رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِمْ وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ وَرَهْطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ .

[ مَقْتَلُ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ ]
[ ص 84 ] قَالَ ) : فَلَمّا أُسْنِدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الشّعْبِ أَدْرَكَهُ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ وَهُوَ يَقُولُ أَيْ مُحَمّدُ لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَوْتَ فَقَالَ الْقَوْمُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَيَعْطِفُ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنّا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ دَعُوهُ فَلَمّا دَنَا ، تَنَاوَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَرْبَةَ مِنْ الْحَارِثِ بْنِ الصّمّةِ يَقُولُ بَعْضُ الْقَوْمِ فِيمَا ذُكِرَ لِي : فَلَمّا أَخَذَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُ انْتَفَضَ بِهَا انْتِفَاضَةً تَطَايَرْنَا عَنْهُ تَطَايُرَ الشّعْرَاءِ عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ إذَا انْتَفَضَ بِهَا - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الشّعْرَاءُ ذُبَابٌ لَهُ لَدْغٌ - ثُمّ اسْتَقْبَلَهُ فَطَعَنَهُ فِي عُنُقِهِ طَعْنَةً تَدَأْدَأَ مِنْهَا عَنْ فَرَسِهِ مِرَارًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَدَأْدَأَ يَقُولُ تَقَلّبَ عَنْ فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَتَدَحْرَجُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ ، كَمَا حَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، يَلْقَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ فَيَقُولُ يَا مُحَمّدُ إنّ عِنْدِي الْعَوْذَ فَرَسًا أَعْلِفُهُ كُلّ يَوْمٍ فَرَقًا مِنْ ذُرَةٍ أَقْتُلُك عَلَيْهِ فَيَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلْ أَنَا أَقْتُلُك إنْ شَاءَ اللّهُ . فَلَمّا رَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ وَقَدْ خَدَشَهُ فِي عُنُقِهِ خَدْشًا غَيْرَ كَبِيرٍ فَاحْتَقَنَ الدّمُ قَالَ قَتَلَنِي وَاَللّهِ مُحَمّدٌ قَالُوا لَهُ ذَهَبَ وَاَللّهِ فُؤَادُك وَاَللّهِ إنْ بِك مِنْ بَأْسٍ قَالَ إنّهُ قَدْ كَانَ قَالَ لِي بِمَكّةَ أَنَا أَقْتُلُك ، فَوَاَللّهِ لَوْ بَصَقَ عَلَيّ لَقَتَلَنِي . فَمَاتَ عَدُوّ اللّهِ ِسَرِف وَهُمْ قَافِلُونَ بِهِ إلَى مَكّةَ .

[ شِعْرُ حَسّانَ فِي مَقْتَلِ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ [ ص 85 ]
لَقَدْ وَرِثَ الضّلَالَةَ عَنْ أَبِيهِ ... أُبَيّ يَوْمَ بَارَزَهُ الرّسُولُ
أَتَيْتَ إلَيْهِ تَحْمِلُ رِمّ عَظْمٍ ... وَتُوعِدُهُ وَأَنْتَ بِهِ جَهُولُ
وَقَدْ قَتَلَتْ بَنُو النّجّارِ مِنْكُمْ ... أُمَيّةَ إذْ يُغَوّثُ يَا عَقِيلُ
وَتَبّ ابْنَا رَبِيعَةَ إذْ أَطَاعَا ... أَبَا جَهْلٍ لِأُمّهِمَا الْهَبُول
وَأَفْلَتْ حَارِثٌ لَمّا شَغَلْنَا ... بِأَسْرِ الْقَوْمِ أُسْرَتُهُ فَلَيْلُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أُسْرَتُهُ قَبِيلَتُهُ . وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا فِي ذَلِكَ
أَلَا مَنْ مُبْلِغٌ عَنّي أُبَيّا ... لَقَدْ أُلْقِيَتْ فِي سُحْقِ السّعِيرِ
تَمَنّى بِالضّلَالَةِ مِنْ بَعِيدٍ ... وَتُقْسِمُ أَنْ قَدَرْت مَعَ النّذُورِ
تَمَنّيك الْأَمَانِيّ مِنْ بَعِيدٍ ... وَقَوْلُ الْكُفْرِ يَرْجِعُ فِي غُرُورِ
فَقَدْ لَاقَتْك طَعْنَةُ ذِي حِفَاظٍ ... كَرِيمِ الْبَيْتِ لَيْسَ بِذِي فُجُورِ
لَهُ فَضْلٌ عَلَى الْأَحْيَاءِ طُرّا ... إذَا نَابَتْ مُلِمّاتُ الْأُمُورِ

[ انْتِهَاءُ الرّسُولِ إلَى الشّعْبِ ]
( قَالَ ) : فَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى فَمِ الشّعْبِ خَرَجَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، حَتّى مَلَأَ دَرَقَتَهُ مَاءً مِنْ الْمِهْرَاسِ ، فَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَشْرَبَ مِنْهُ فَوَجَدَ لَهُ رِيحًا ، فَعَافَهُ فَلَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ وَغَسَلَ عَنْ وَجْهِهِ الدّمَ وَصَبّ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ اشْتَدّ غَضَبُ اللّهِ عَلَى مَنْ دَمّى وَجْهَ نَبِيّهِ [ ص 86 ]
[ حِرْصُ ابْنِ أَبِي وَقّاصٍ عَلَى قَتْلِ عُتْبَة ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَمّنْ حَدّثَهُ عَنْ سَعْد بْنِ أَبِي وَقّاصٍ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ وَاَللّهِ مَا حَرَصْت عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ قَطّ كَحِرْصِي عَلَى قَتْلِ عُتْبَة بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ، وَإِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ لِسَيّئِ الْخَلْقِ مُبْغَضًا فِي قَوْمِهِ وَلَقَدْ كَفَانِي مِنْهُ قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اشْتَدّ غَضَبُ اللّهِ عَلَى مَنْ دَمّى وَجْهَ رَسُولِهِ .

[ صُعُودُ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ وَقِتَالُ عُمَرَ لَهُمْ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالشّعْبِ مَعَهُ أُولَئِكَ النّفَرُ مِنْ أَصْحَابِهِ إذْ عَلَتْ عَالِيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : كَانَ عَلَى تِلْكَ الْخَيْلِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ إنّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا فَقَاتَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَرَهْطٌ مَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتّى أَهْبَطُوهُمْ مِنْ الْجَبَلِ
[ ضَعْفُ الرّسُولِ عَنْ النّهُوضِ وَمُعَاوَنَةُ طَلْحَةَ لَهُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَنَهَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى صَخْرَةٍ مِنْ الْجَبَلِ لِيَعْلُوَهَا ، وَقَدْ كَانَ بَدُنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ فَلَمّا ذَهَبَ لِيَنْهَضَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَسْتَطِعْ فَجَلَسَ تَحْتَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ ، فَنَهَضَ بِهِ حَتّى اسْتَوَى عَلَيْهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ الزّبَيْرِ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهِ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ يَقُولُ أَوْجَبَ طَلْحَةُ حِينَ صَنَعَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا صَنَعَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَلَغَنِي عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَبْلُغْ الدّرَجَةَ الْمَبْنِيّةَ فِي الشّعْبِ .

[ صَلَاةُ الرّسُولِ قَاعِدًا ]
[ ص 87 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ : أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَلّى الظّهْرَ يَوْمَ أُحُدٍ قَاعِدًا مِنْ الْجِرَاحِ الّتِي أَصَابَتْهُ وَصَلّى الْمُسْلِمُونَ خَلْفَهُ قُعُودًا
[ مَقْتَلُ الْيَمَانِ وَابْنِ وَقْشٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ النّاسُ انْهَزَمُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى انْتَهَى بَعْضُهُمْ إلَى الْمُنَقّى ، دُونَ الْأَعْوَصِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ ، قَالَ [ ص 88 ] لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ ، رَفَعَ حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ وَهُوَ الْيَمَانُ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ الْيَمَانِ ، وَثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فِي الْآطَامِ مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ وَهُمَا شَيْخَانِ كَبِيرَانِ مَا أَبَا لَك ، مَا تَنْتَظِرُ ؟ فَوَاَللّهِ لَا بَقِيَ لِوَاحِدِ مِنّا مِنْ عُمْرِهِ إلّا ظِمْءُ حِمَارٍ إنّمَا نَحْنُ هَامَةُ الْيَوْمِ أَوْ غَد ، أَفَلَا نَأْخُذُ أَسْيَافَنَا ، ثُمّ نَلْحَقُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَعَلّ اللّهَ يَرْزُقُنَا شَهَادَةً مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ فَأَخَذَا أَسْيَافَهُمَا ثُمّ خَرَجَا ، حَتّى دَخَلَا فِي النّاسِ وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِمَا ، فَأَمّا ثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فَقَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ وَأَمّا حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلُوهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَبِي ؛ فَقَالُوا : وَاَللّهِ إنْ عَرَفْنَاهُ وَصَدَقُوا قَالَ حُذَيْفَةُ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَدِيَهُ فَتَصَدّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَزَادَهُ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا

[ مَقْتَلُ حَاطِبٍ وَمَقَالَةُ أَبِيهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ رَجُلًا مِنْهُمْ كَانَ يُدْعَى حَاطِبَ بْنَ أُمّيّةَ بْنِ رَافِعٍ وَكَانَ لَهُ ابْنٌ يُقَال لَهُ يَزِيدُ بْنُ حَاطِبٍ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَأُتِيَ بِهِ إلَى دَارِ قَوْمِهِ وَهُوَ بِالْمَوْتِ فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ أَهْلُ الدّارِ فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ لَهُ مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ أَبْشِرْ يَا ابْنَ حَاطِبٍ بِالْجَنّة قَالَ وَكَانَ حَاطِبٌ شَيْخًا قَدْ عَسَا فِي الْجَاهِلِيّةِ فَنَجَمَ يَوْمئِذٍ نِفَاقُهُ فَقَالَ بِأَيّ شَيْءٍ تُبَشّرُونَهُ ؟ بِجَنّةٍ مِنْ حَرْمَلٍ غَرَرْتُمْ وَاَللّهِ هَذَا الْغُلَامَ مِنْ نَفْسِهِ .
[ مَقْتَلُ قُزْمَانَ مُنَافِقًا كَمَا حَدّثَ الرّسُولُ بِذَلِكَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، قَالَ كَانَ فِينَا رَجُلٌ أَتَى لَا يُدْرَى مِمّنْ هُوَ يُقَالُ لَهُ قُزْمَانُ ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ إذَا ذُكِرَ لَهُ إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ النّارِ ، قَالَ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا ، فَقَتَلَ وَحْدَهُ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ ذَا بَأْسٍ فَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ فَاحْتُمِلَ إلَى دَارِ بَنِي ظَفَرٍ ، قَالَ فَجَعَلَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ لَهُ وَاَللّهِ لَقَدْ أَبْلَيْتَ الْيَوْمَ يَا قُزْمَانُ ، فَأَبْشِرْ قَالَ بِمَاذَا أَبْشِرُ ؟ فَوَاَللّهِ إنْ قَاتَلْتُ إلّا عَنْ أَحْسَابِ قَوْمِي ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا قَاتَلْتُ . قَالَ فَلَمّا اشْتَدّتْ عَلَيْهِ جِرَاحَتُهُ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَقَتَلَ بِهِ نَفْسَه

قَتْلُ مُخَيْرِيقٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّنْ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ مُخَيْرِيق ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ الْفِطْيُونِ قَالَ لَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ ، قَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ وَاَللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنّ نَصْرَ مُحَمّدٍ عَلَيْكُمْ لَحَقّ ، قَالُوا : إنّ الْيَوْمَ يَوْمُ السّبْتِ قَالَ لَا سَبْتَ لَكُمْ . [ ص 89 ] فَأَخَذَ سَيْفَهُ وَعُدّتَهُ وَقَالَ إنْ أُصِبْتُ فَمَالِي لِمُحَمّدٍ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ ثُمّ غَدَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَاتَلَ مَعَهُ حَتّى قُتِلَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنَا - مُخَيْرِيق خَيْرُ يَهُود
[ أَمْرُ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد بْنِ صَامَتْ مُنَافِقًا ، فَخَرَجَ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ عَدَا عَلَى الْمُجَذّرِ بْنِ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ وَقَيْسِ بْنِ زَيْدٍ أَحَدِ بَنِي ضُبَيْعَةَ ، فَقَتَلَهُمَا ، ثُمّ لَحِقَ بِمَكّةَ بِقُرَيْشٍ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا يَذْكُرُونَ - قَدْ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ بِقَتْلِهِ إنْ هُوَ ظَفِرَ بِهِ فَفَاتَهُ فَكَانَ بِمَكّةَ ثُمّ بَعَثَ إلَى أَخِيهِ الْجُلَاسِ بْنِ سُوَيْد يَطْلُبُ التّوْبَةَ لِيَرْجِعَ إلَى قَوْمِهِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ فِيمَا بَلَغَنِي ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : { كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنّ الرّسُولَ حَقّ وَجَاءَهُمُ الْبَيّنَاتُ وَاللّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ .

[ تَحْقِيقُ ابْنِ هِشَامٍ فِيمَنْ قَتَلَ الْمُجَذّرَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْد قَتَلَ الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ وَلَمْ يَقْتُلْ قِيسَ بْنَ زَيْدٍ وَالدّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنّ ابْنَ إسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي قَتْلَى أُحُدٍ ؛ وَإِنّمَا قَتَلَ الْمُجَذّرَ لِأَنّ الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ كَانَ قَتَلَ أَبَاهُ سُوَيْدًا فِي بَعْضِ الْحُرُوبِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ . فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إذْ خَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد مِنْ بَعْضِ حَوَائِطِ الْمَدِينَةِ ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُضَرّجَانِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَيُقَالُ بَعْضُ الْأَنْصَارِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَتَلَ سُوَيْدَ بْنَ الصّامِتِ مَعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ غِيلَةً فِي غَيْرِ حَرْبٍ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ قَبْلَ يَوْمِ بُعَاث [ ص 90 ]
[ أَمْرُ أُصَيْرِم ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مَعَاذٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ يَقُولُ حَدّثُونِي عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْجَنّةَ لَمْ يُصَلّ قَطّ ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ النّاسُ سَأَلُوهُ مَنْ هُوَ ؟ فَيَقُولُ أُصَيْرِم ، بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ قَالَ الْحُصَيْنُ فَقُلْت لِمَحْمُودِ بْنِ أَسَدٍ : كَيْفَ كَانَ شَأْنُ الْأُصَيْرِمِ ؟ قَالَ كَانَ يَأْبَى الْإِسْلَامَ عَلَى قَوْمِهِ . فَلَمّا كَانَ يَوْمُ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ بَدَا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَعَدَا حَتّى دَخَلَ فِي عُرْضِ النّاسِ فَقَاتَلَ حَتّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ . قَالَ فَبَيْنَا رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَلْتَمِسُونَ قَتَلَاهُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ إذَا هُمْ بِهِ فَقَالُوا : وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَلْأُصَيْرِمُ مَا جَاءَ بِهِ ؟ لَقَدْ تَرَكْنَاهُ وَإِنّهُ لِمُنْكِرٍ لِهَذَا الْحَدِيثَ فَسَأَلُوهُ مَا جَاءَ بِهِ فَقَالُوا : مَا جَاءَ بِك يَا عَمْرُو ؟ أَحَدَبٌ عَلَى قَوْمِك أَمْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ ؟ قَالَ بَلْ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ آمَنْت بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَسْلَمْتُ ثُمّ أَخَذْت سَيْفِي ، فَغَدَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَاتَلْت حَتّى أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي ، ثُمّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فِي أَيْدِيهِمْ . فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ

[ مَقْتَلُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ [ ص 91 ] أَنّ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ كَانَ رَجُلًا أَعْرَجَ شَدِيدَ الْعَرَجِ ، وَكَانَ لَهُ بَنُونَ أَرْبَعَةٌ مِثْلَ الْأُسْدِ يَشْهَدُونَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَشَاهِدَ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُد ٍ أَرَادُوا حَبْسَهُ وَقَالُوا لَهُ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ عَذَرَك ، فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّ بَنِيّ يُرِيدُونَ أَنْ يَحْبِسُونِي عَنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْخُرُوجِ مَعَك فِيهِ . فَوَاَللّهِ إنّي لَأَرْجُو أَنْ أَطَأَ بِعَرْجَتِي هَذِهِ فِي الْجَنّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمّا أَنْتَ فَقَدْ عَذَرَك اللّهُ فَلَا جِهَادَ عَلَيْك ، وَقَالَ لِبَنِيهِ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَمْنَعُوهُ لَعَلّ اللّهَ أَنْ يَرْزُقَهُ الشّهَادَةَ فَخَرَجَ مَعَهُ فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ

[ هِنْدُ وَتَمْثِيلُهَا بِحَمْزَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَوَقَعَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة ، كَمَا حَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ ، وَالنّسْوَةُ اللّاتِي مَعَهَا ، يُمَثّلْنَ بِالْقَتْلَى مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَجْدَعْنَ الْآذَانَ وَالْأُنُفَ حَتّى اتّخَذَتْ الأماكن" > هِنْدُ مِنْ آذَانِ الرّجَالِ وَآنُفِهِمْ خَدَمًا وَقَلَائِدَ وَأَعْطَتْ خَدَمَهَا وَقَلَائِدَهَا وَقِرَطَتَهَا وَحْشِيّا ، غُلَامَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، وَبَقَرَتْ عَنْ كَبِدِ حَمْزَةَ ، فَلَاكَتْهَا ، فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُسِيغَهَا ، فَلَفَظَتْهَا ، ثُمّ عَلَتْ عَلَى صَخْرَةٍ مُشْرِفَةٍ فَصَرَخَتْ بِأَعْلَى صَوْتِهَا فَقَالَتْ
نَحْنُ جَزَيْنَاكُمْ بِيَوْمِ بَدْرٍ ... وَالْحَرْبُ بَعْدَ الْحَرْبِ ذَاتِ سُعْرِ
مَا كَانَ عَنْ عُتْبَة لِي مِنْ صَبْرِ ... وَلَا أَخِي وَعَمّهِ وَبَكْرِي
شَفَيْتُ نَفْسِي وَقَضَيْتُ نَذْرِي ... شَفَيْتَ وَحْشِيّ غَلِيلَ صَدْرِي
فَشُكْرُ وَحْشِيّ عَلَيّ عُمْرِي ... حَتّى تَرُمّ أَعْظُمِي فِي قَبْرِي
[ شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ فِي الرّدّ عَلَى هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَة ]
فَأَجَابَتْهَا الأماكن" > هِنْدُ بِنْتُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبّادِ بْنِ الْمُطّلِبِ فَقَالَتْ [ ص 92 ]
خَزِيت فِي بَدْرٍ وَبَعْدَ بَدْرٍ ... يَا بِنْتَ وَقّاعٍ عَظِيمِ الْكُفْرِ
صَبّحَك اللّهُ غَدَاةَ الْفَجْرِ ... مَلْهَاشِمَيّيْنِ الطّوَالِ الزّهْرِ
بِكُلّ قَطّاعٍ حُسَامٍ يَفْرِي ... حَمْزَةُ لَيْثِيّ وَعَلِيّ صَقْرِيّ
إذْ رَامَ شَيْبٌ وَأَبُوك غَدْرِي ... فَخَضّبَا مِنْهُ ضَوَاحِي النّحْرِ
وَنَذْرُك السّوءَ فَشَرّ نَذْرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ أَقْذَعَتْ فِيهَا .
[ شِعْرُ لِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَة أَيْضًا ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَة أَيْضًا :
شَفَيْتُ مِنْ حَمْزَةَ نَفْسِي بِأُحُدٍ ... حَتّى بَقَرْتُ بَطْنَهُ عَنْ الْكَبِدِ
أَذْهَبَ عَنّي ذَاكَ مَا كُنْتُ أَجِدُ ... مِنْ لَذْعَةِ الْحُزْنِ الشّدِيدِ الْمُعْتَمِدِ
وَالْحَرْبُ تَعْلُوكُمْ بِشَؤْبُوب بَرِدٍ ... تُقْدِمُ إقْدَامًا عَلَيْكُمْ كَالْأَسَدِ

[ تَحْرِيضُ عُمَرَ لِحَسّانَ عَلَى هَجْوِ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَة ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ أَنّهُ حُدّثَ أَنّ عُمْرَ بْنَ الْخَطّابِ قَالَ لِحَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ يَا ابْنَ الْفُرَيْعَةِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْفُرَيْعَةُ بِنْتُ خَالِدِ بْنِ خُنَيْسٍ وَيُقَال : خُنَيْسٌ ابْنُ حَارِثَةَ بْنِ لَوْذَانَ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ - لَوْ سَمِعْتَ مَا تَقُولُ هِنْدُ ، وَرَأَيْت أَشْرَهَا قَائِمَةً عَلَى صَخْرَةٍ تَرْتَجِزُ بِنَا ، وَتَذْكُرُ مَا صَنَعَتْ بِحَمْزَةِ ؟ قَالَ لَهُ حَسّانُ وَاَللّهِ إنّي لَأَنْظُرُ إلَى الْحَرْبَةِ تَهْوِي وَأَنَا عَلَى رَأْسِ فَارِعٍ - يَعْنِي أُطُمَهُ - فَقُلْت : وَاَللّهِ إنّ هَذِهِ لَسِلَاحٌ مَا هِيَ بِسِلَاحِ الْعَرَبِ ، وَكَأَنّهَا إنّمَا تَهْوِي إلَى حَمْزَةَ وَلَا أَدْرِي ، لَكِنْ [ ص 93 ] قَالَ فَأَنْشَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ بَعْضَ مَا قَالَتْ فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ :
أَشْرَتْ لَكَاعُ وَكَانَ عَادَتُهَا ... لُؤْمًا إذَا أَشْرَتْ مَعَ الْكُفْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ تَرَكْنَاهَا ، وَأَبْيَاتًا أَيْضًا لَهُ عَلَى الدّالِ . وَأَبْيَاتًا أُخَرَ عَلَى الذّالِ لِأَنّهُ أَقْذَعَ فِيهَا .

[ اسْتِنْكَارُ الْحُلَيْسِ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ تَمْثِيلَهُ بِحَمْزَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ الْحُلَيْسُ بْنُ زَبّانٍ أَخُو بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ ، وَهُوَ يَوْمئِذٍ سَيّدُ الْأُبَيْشِ ، قَدْ مَرّ بِأَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يَضْرِبُ فِي شَدْقِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بِزُجّ الرّمْحِ وَيَقُولُ ذُقْ عُقَقُ فَقَالَ الْحُلَيْسُ يَا بَنِي كِنَانَةَ هَذَا سَيّدُ قُرَيْشٍ يَصْنَعُ بِابْنِ عَمّهِ مَا تَرَوْنَ لَحْمًا ؟ فَقَالَ وَيْحَك اُكْتُمْهَا عَنّي ، فَإِنّهَا كَانَتْ زَلّةً .
[ شَمَاتَةُ أَبِي سُفْيَانَ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أُحُدٍ وَحَدِيثُهُ مَعَ عُمَرَ ]
ثُمّ إنّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ حِينَ أَرَادَ الِانْصِرَافَ أَشْرَفَ عَلَى الْجَبَلِ ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ فَقَالَ أَنْعَمْتَ فَعَالِ وَإِنّ الْحَرْبَ سِجَالٌ يَوْمٌ بِيَوْمِ أُعْلُ هُبَلُ أَيْ أَظْهِرْ دِينَك ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُمْ يَا عُمَرُ فَأَجِبْهُ ، فَقُلْ اللّهُ أَعَلَى وَأَجَلّ ، لَا سَوَاءَ قَتَلَانَا فِي الْجَنّةِ وَقَتْلَاكُمْ [ ص 94 ] . فَلَمّا أَجَابَ عُمَرُ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ هَلُمّ إلَيّ يَا عُمَرُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعُمَرِ ائْتِهِ فَانْظُرْ مَا شَأْنُهُ ؛ فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ أَنْشُدُك اللّهَ يَا عُمَرُ أَقَتَلْنَا مُحَمّدًا ؟ قَالَ عُمَرُ اللّهُمّ لَا ، وَإِنّهُ لَيَسْمَعُ كَلَامَك الْآنَ قَالَ أَنْتَ أَصْدَقُ عِنْدِي مِنْ ابْنِ قَمِئَةَ وَأَبَرّ لِقَوْلِ ابْنِ قَمِئَةَ لَهُمْ إنّي قَدْ قَتَلْت مُحَمّدًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْمُ ابْنِ قَمِئَةَ عَبْدُ اللّهِ .

[ تَوَعّدُ أَبِي سُفْيَانَ الْمُسْلِمِينَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ نَادَى أَبُو سُفْيَانَ : إنّهُ قَدْ كَانَ فِي قَتْلَاكُمْ مُثُلٌ وَاَللّهِ مَا رَضِيت ، وَمَا سَخِطْت ، وَمَا نَهَيْتُ وَمَا أَمَرْت . وَلَمّا انْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ نَادَى : إنّ مَوْعِدَكُمْ بَدْرٌ لِلْعَامِ الْقَابِلِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِرَجُلِ مِنْ أَصْحَابِهِ قُلْ نَعَمْ هُوَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ مَوْعِدٌ
[ خُرُوجُ عَلِيّ فِي آثَارِ الْمُشْرِكِينَ ]
ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ اُخْرُجْ فِي آثَارِ الْقَوْمِ ، فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُونَ وَمَا يُرِيدُونَ فَإِنْ كَانُوا قَدْ جَنّبُوا الْخَيْلَ وَامْتَطَوْا الْإِبِلَ فَإِنّهُمْ يُرِيدُونَ مَكّةَ ، وَإِنْ رَكِبُوا الْخَيْلَ وَسَاقُوا الْإِبِلَ فَإِنّهُمْ يُرِيدُونَ الْمَدِينَةَ ، وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ أَرَادُوهَا لَأَسِيرَنّ إلَيْهِمْ فِيهَا ، ثُمّ لَأُنَاجِزَنّهُمْ قَالَ عَلِيّ : فَخَرَجْت فِي آثَارِهِمْ أَنْظُرُ مَاذَا يَصْنَعُونَ فَجَنّبُوا الْخَيْلَ وَامْتَطَوْا الْإِبِلَ وَوَجّهُوا إلَى مَكّةَ .

[ أَمْرُ الْقَتْلَى بِأُحُدِ ]
وَفَرَغَ النّاسُ لِقَتْلَاهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيّ أَخُو بَنِي النّجّار ِ [ ص 95 ] مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ ؟ أَفِي الْأَحْيَاءِ هُوَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : أَنَا أَنْظُرُ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ مَا فَعَلَ سَعْدٌ فَنَظَرَ فَوَجَدَهُ جَرِيحًا فِي الْقَتْلَى وَبِهِ رَمَقٌ . قَالَ فَقُلْت لَهُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ أَفِي الْأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ ؟ قَالَ أَنَا فِي الْأَمْوَاتِ فَأَبْلِغْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنّي السّلَامَ وَقُلْ لَهُ إنّ سَعْدَ بْنَ الرّبِيعِ يَقُولُ لَك : جَزَاك اللّهُ عَنّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيّا عَنْ أُمّتِهِ وَأَبْلِغْ قَوْمَك عَنّي السّلَامَ وَقُلْ لَهُمْ إنّ سَعْدَ بْنَ الرّبِيعِ يَقُولُ لَكُمْ إنّهُ لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللّهِ إنْ خَلُصَ إلَى نَبِيّكُمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمِنْكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ قَالَ ثُمّ لَمْ أَبْرَحْ حَتّى مَاتَ قَالَ فَجِئْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرْته خَبَرَهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الزّبَيْرِيّ أَنّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ ، وَبِنْتٌ لِسَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ جَارِيَةٌ صَغِيرَةٌ عَلَى صَدْرِهِ يَرْشُفُهَا وَيُقَبّلُهَا ، فَقَالَ لَهَ الرّجُلُ مَنْ هَذِهِ ؟ قَالَ هَذِهِ بِنْتُ رَجُلٍ خَيْرٍ مِنّي ، سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ ، كَانَ مِنْ النّقَبَاءِ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ، وَشَهِدَ بَدْرًا ، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ
[ حُزْنُ الرّسُولِ عَلَى حَمْزَةَ وَتَوَعّدُهُ الْمُشْرِكِينَ بِالْمُثْلَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي ، يَلْتَمِسُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، فَوَجَدَهُ بِبَطْنِ الْوَادِي قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ عَنْ كَبِدِهِ وَمُثّلَ بِهِ فَجُدِعَ أَنْفُهُ وَأُذُنَاهُ . فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ حِينَ رَأَى مَا رَأَى : لَوْلَا أَنْ تَحْزَنَ صَفِيّةُ ، وَيَكُونُ سُنّةً مِنْ بَعْدِي لَتَرَكْته ، حَتّى يَكُونَ فِي بِطُونِ السّبَاعِ وَحَوَاصِلِ الطّيْرِ وَلَئِنْ أَظْهَرنِي اللّهُ عَلَى قُرَيْشٍ [ ص 96 ] حُزْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَغَيْظَهُ عَلَى مَنْ فَعَلَ بِعَمّهِ مَا فَعَلَ قَالُوا : وَاَللّهِ لَئِنْ أَظْفَرَنَا اللّهُ بِهِمْ يَوْمًا مِنْ الدّهْرِ لَنُمَثّلَنّ بِهِمْ مُثْلَةً لَمْ يُمَثّلْهَا أَحَدٌ مِنْ الْعَرَبِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَلَمّا وَقَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى حَمْزَةَ قَالَ لَنْ أُصَابَ بِمِثْلِك أَبَدًا مَا وَقَفْتُ مَوْقِفًا قَطّ أَغْيَظَ إلَيّ مِنْ هَذَا ثُمّ قَالَ جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ مَكْتُوبٌ فِي أَهْلِ السّمَوَاتِ السّبْعِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِب ِ ، أَسَدُ اللّهِ وَأَسَدُ رَسُولِه وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحَمْزَةُ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ ، إخْوَةٌ مِنْ الرّضَاعَةِ أَرْضَعَتْهُمْ مَوْلَاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ .

[ مَا نَزَلَ فِي النّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ الْأَسْلَمِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ أَنْزَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَوْلِ أَصْحَابِهِ { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلّا بِاللّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ } فَعَفَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصَبَرَ وَنَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حُمَيْد الطّوِيلُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ، قَالَ مَا قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَقَامٍ قَطّ فَفَارَقَهُ حَتّى يَأْمُرَنَا بِالصّدَقَةِ وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ

[ صَلَاةُ الرّسُولِ عَلَى حَمْزَةَ وَالْقَتْلَى ]
[ ص 97 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ ، مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِحَمْزَةِ فَسُجّيَ بِبُرْدَةِ ثُمّ صَلّى عَلَيْهِ فَكَبّرَ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمّ أُتِيَ بِالْقَتْلَى فَيُوضَعُونَ إلَى حَمْزَةَ فَصَلّى عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ مَعَهُمْ حَتّى صَلّى عَلَيْهِ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ صَلَاةً

[ صَفِيّةُ وَحُزْنُهَا عَلَى حَمْزَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ أَقْبَلَتْ فِيمَا بَلَغَنِي ، صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ لِتَنْظُرَ إلَيْهِ وَكَانَ أَخَاهَا لِأَبِيهَا وَأُمّهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِابْنِهَا الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ : الْقَهَا فَأَرْجِعْهَا ، لَا تَرَى مَا بِأَخِيهَا ؛ فَقَالَ لَهَا : يَا أُمّهُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُك أَنْ تَرْجِعِي ، قَالَتْ وَلِمَ ؟ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنْ قَدْ مُثّلَ بِأَخِي ، وَذَلِك فِي اللّهِ فَمَا أَرْضَانَا بِمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ لَأَحْتَسِبَن وَلَأَصْبِرَن إنْ شَاءَ اللّهُ . فَلَمّا جَاءَ الزّبَيْرُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ قَالَ خَلّ سَبِيلَهَا ، فَأَتَتْهُ فَنَظَرَتْ إلَيْهِ فَصَلّتْ عَلَيْهِ وَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمّ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدُفِنَ

[ دَفْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ مَعَ حَمْزَةَ ]
قَالَ فَزَعَمَ لِي آلُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ - وَكَانَ لِأُمَيْمَةِ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ حَمْزَةُ خَالُهُ وَقَدْ كَانَ مُثّلَ بِهِ كَمَا مُثّلَ بِحَمْزَةِ ، إلّا أَنّهُ لَمْ يُبْقَرْ عَنْ كَبِدِهِ - أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَفَنَهُ مَعَ حَمْزَةَ فِي قَبْرِهِ وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ إلّا عَنْ أَهْلِهِ

[ دَفْنُ الشّهَدَاءِ ]
[ ص 98 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ قَدْ احْتَمَلَ نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتْلَاهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَدَفَنُوهُمْ بِهَا ، ثُمّ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ ادْفِنُوهُمْ حَيْثُ صُرِعُوا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيّ ، حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا أَشْرَفَ عَلَى الْقَتْلَى يَوْمَ أُحُدٍ ، قَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ ، إنّهُ مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي اللّهِ إلّا وَاَللّهُ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى جُرْحُهُ اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرّيحُ رِيحُ مِسْكٍ اُنْظُرُوا أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ جَمْعًا لِلْقُرْآنِ فَاجْعَلُوهُ أَمَامَ أَصْحَابِهِ فِي الْقَبْرِ - وَكَانُوا يَدْفِنُونَ الِاثْنَيْنِ وَالثّلَاثَةَ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ قَالَ وَحَدّثَنِي عَمّي مُوسَى بْنُ يَسَارٍ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي اللّهِ إلّا وَاَللّهُ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَدْمَى ، اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرّيحُ رِيحُ مِسْكٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَوْمَئِذٍ حِينَ أَمَرَ بِدَفْنِ الْقَتْلَى : اُنْظُرُوا إلَى عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ فَإِنّهُمَا كَانَا مُتَصَافِيَيْنِ فِي الدّنْيَا ، فَاجْعَلُوهُمَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ

[ حُزْنُ حَمْنَةَ عَلَى حَمْزَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ ، فَلَقِيَتْهُ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ ، كَمَا ذُكِرَ لِي ، فَلَمّا لَقِيَتْ النّاسَ نُعِيَ إلَيْهَا أَخُوهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ ، فَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمّ نُعِيَ لَهَا خَالُهَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمّ نُعِيَ لَهَا زَوْجُهَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ، فَصَاحَتْ وَوَلْوَلَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ مِنْهَا لَبِمَكَانِ لِمَا رَأَى مِنْ تَثَبّتِهَا عِنْدَ أَخِيهَا وَخَالِهَا ، وَصِيَاحِهَا عَلَى زَوْجِهَا .

[ بُكَاءُ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ عَلَى حَمْزَةَ ]
[ ص 99 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِدَارِ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَظَفَرٍ فَسَمِعَ الْبُكَاءَ وَالنّوَائِحَ عَلَى قَتْلَاهُمْ فَذَرَفَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَكَى ، ثُمّ قَالَ لَكِنّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ فَلَمّا رَجَعَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ إلَى دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَمَرَا نِسَاءَهُمْ أَنْ يَتَحَزّمْنَ ثُمّ يَذْهَبْنَ فَيَبْكِينَ عَلَى عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ عَبّادِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَ لَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بُكَاءَهُنّ عَلَى حَمْزَةَ خَرَجَ عَلَيْهِنّ وَهُنّ عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ يَبْكِينَ عَلَيْهِ فَقَالَ ارْجِعْنَ يَرْحَمْكُنّ اللّهُ فَقَدْ آسَيْتُنّ بِأَنْفُسِكُنّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَنُهِيَ يَوْمَئِذٍ عَنْ النّوْحِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا سَمِعَ بُكَاءَهُنّ قَالَ رَحِمَ اللّهُ الْأَنْصَارَ فَإِنّ الْمُوَاسَاةَ مِنْهُمْ مَا عَتّمَتْ لَقَدِيمَةٌ مُرُوهُنّ فَلْيَنْصَرِفْنَ

[ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الدّينَارِيّةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمّدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ، قَالَ مَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِامْرَأَةِ مِنْ بَنِي دِينَارٍ ، وَقَدْ أُصِيبَ زَوْجُهَا وَأَخُوهَا وَأَبُوهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأُحُدٍ فَلَمّا نُعُوا لَهَا ، قَالَتْ فَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ قَالُوا : خَيْرًا يَا أُمّ فُلَانٍ هُوَ بِحَمْدِ اللّهِ كَمَا تُحِبّينَ قَالَتْ أَرُونِيهِ حَتّى أَنْظُرَ إلَيْهِ ؟ قَالَ فَأُشِيرَ لَهَا إلَيْهِ حَتّى إذَا رَأَتْهُ قَالَتْ كُلّ مُصِيبَةٍ بَعْدَك جَلَلٌ تُرِيدُ صَغِيرَةً قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْجَلَلُ يَكُونُ مِنْ الْقَلِيلِ وَمِنْ الْكَثِيرِ وَهُوَ هَاهُنَا مِنْ الْقَلِيلِ . قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ فِي الْجَلَلِ الْقَلِيلِ [ ص 100 ]
لَقَتْلُ بَنِي أَسَدٍ رَبّهُمْ ... أَلَا كُلّ شَيْءٍ سِوَاهُ جَلَلُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَمّا قَوْلُ الشّاعِرِ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ وَعْلَةَ الْجَرْمِيّ
وَلَئِنْ عَفَوْتُ لَأَعْفُوَن جَلَلًا ... وَلَئِنْ سَطَوْت لَأُوْهِنَنْ عَظْمِي
( فَهُوَ مِنْ الْكَثِيرِ ) .

[ غَسْلُ السّيُوفِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَهْلِهِ نَاوَلَ سَيْفَهُ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ فَقَالَ اغْسِلِي عَنْ هَذَا دَمَهُ يَا بُنَيّةَ فَوَاَللّهِ لَقَدْ صَدَقَنِي الْيَوْمَ وَنَاوَلَهَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سَيْفَهُ فَقَالَ وَهَذَا أَيْضًا ، فَاغْسِلِي عَنْهُ دَمَهُ فَوَاَللّهِ لَقَدْ صَدَقَنِي الْيَوْمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَئِنْ كُنْت صَدَقْتَ الْقِتَالَ لَقَدْ صَدَقَ مَعَك سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَأَبُو دُجَانَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ يُقَالُ لِسَيْفِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذُو الْفَقَارِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ نَادَى مُنَادٍ يَوْمَ أُحُد ٍ : لَا سَيْفَ إلّا ذُو الْفَقَارِ وَلَا فَتَى إلّا عَلِيّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لَا يُصِيبُ الْمُشْرِكُونَ مِنّا مِثْلَهَا حَتّى يَفْتَحَ اللّهُ عَلَيْنَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ السّبْتِ لِلنّصْفِ مِنْ شَوّالٍ .

[ خُرُوجُ الرّسُولِ فِي أَثَرِ الْعَدُوّ لِيُرْهِبَهُ ]
[ ص 101 ] قَالَ فَلَمّا كَانَ الْغَدُ ( مِنْ ) يَوْمِ الْأَحَدِ لِسِتّ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَوّالٍ أَذّنَ مُؤَذّنُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي النّاسِ بِطَلَبِ الْعَدُوّ فَأَذّنَ مُؤَذّنُهُ أَنْ لَا يَخْرُجَنّ مَعَنَا أَحَدٌ إلّا أَحَدٌ حَضَرَ يَوْمَنَا بِالْأَمْسِ . فَكَلّمَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَبِي كَانَ خَلّفَنِي عَلَى أَخَوَاتٍ لِي سَبْعٍ وَقَالَ يَا بُنَيّ إنّهُ لَا يَنْبَغِي لِي وَلَا لَك أَنْ نَتْرُكَ هَؤُلَاءِ النّسْوَةَ لَا رَجُلَ فِيهِنّ وَلَسْت بِاَلّذِي أُوثِرُكَ بِالْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى نَفْسِي ، فَتَخَلّفْ عَلَى أَخَوَاتِك ، فَتَخَلّفْتُ عَلَيْهِنّ . فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَرَجَ مَعَهُ وَإِنّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُرْهِبًا لِلْعَدُوّ وَلِيُبَلّغَهُمْ أَنّهُ خَرَجَ فِي طَلَبِهِمْ لِيَظُنّوا بِهِ قُوّةً وَأَنّ الّذِي أَصَابَهُمْ لَمْ يُوهِنْهُمْ عَنْ عَدُوّهِمْ .

[ مَثَلٌ مِنْ اسْتِمَاتَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي نُصْرَةِ الرّسُولِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِي السّائِبِ مَوْلَى عَائِشَةَ بِنْتِ عُثْمَانَ أَنّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، كَانَ شَهِدَ أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللّهِ قَالَ شَهِدْتُ أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنَا وَأَخٌ لِي ، فَرَجَعْنَا جَرِيحَيْنِ فَلَمّا أَذّنَ مُؤَذّنُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعَدُوّ قُلْت لِأَخِي أَوْ قَالَ لِي : أَتَفُوتُنَا غَزْوَةٌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ وَاَللّهِ مَا لَنَا مِنْ دَابّةٍ نَرْكَبُهَا ، وَمَا مِنّا إلّا جَرِيحٌ ثَقِيلٌ فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكُنْت أَيْسَرَ جُرْحًا ، فَكَانَ إذَا غُلِبَ حَمَلْته عُقْبَةً وَمَشَى عُقْبَةً حَتّى انْتَهَيْنَا إلَى مَا انْتَهَى إلَيْهِ الْمُسْلِمُون

[ اسْتِعْمَالُ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى انْتَهَى إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ [ ص 102 ] الْمَدِينَةِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ بِهَا الِاثْنَيْنِ وَالثّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ .

[ شَأْنُ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ ]
قَالَ وَقَدْ مَرّ بِهِ كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ ، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ ، مُسْلِمُهُمْ وَمُشْرِكُهُمْ عَيْبَةَ نُصْحٍ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِتِهَامَةَ صَفْقَتُهُمْ مَعَهُ لَا يُخْفُونَ عَنْهُ شَيْئًا كَانَ بِهَا ، وَمَعْبَدٌ يَوْمَئِذٍ مُشْرِكٌ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَمَا وَاَللّهِ لَقَدْ عَزّ عَلَيْنَا مَا أَصَابَك ، وَلَوَدِدْنَا أَنّ اللّهَ عَافَاك فِيهِمْ ثُمّ خَرَجَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ حَتّى لَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْب ٍ وَمَنْ مَعَهُ بِالرّوْحَاءِ وَقَدْ أَجْمَعُوا الرّجْعَةَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابِهِ وَقَالُوا : أَصَبْنَا حَدّ أَصْحَابِهِ وَأَشْرَافَهُمْ وَقَادَتَهُمْ ثُمّ نَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ نَسْتَأْصِلَهُمْ لَنَكُرَنّ عَلَى بَقِيّتِهِمْ فَلَنَفْرُغَنّ مِنْهُمْ . فَلَمّا رَأَى أَبُو سُفْيَان َ مَعْبَدًا ، قَالَ مَا وَرَاءَك يَا مَعْبَدُ ؟ قَالَ مُحَمّدٌ قَدْ خَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ يَطْلُبُكُمْ فِي جَمْعٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطّ ، يَتَحَرّقُونَ عَلَيْكُمْ تَحَرّقًا ، قَدْ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلّفَ عَنْهُ فِي يَوْمِكُمْ وَنَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا ، فِيهِمْ مِنْ الْحَنَقِ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطّ ؛ قَالَ وَيْحك مَا تَقُولُ ؟ قَالَ وَاَللّهِ مَا أَرَى أَنْ تَرْتَحِلَ حَتّى أَرَى نَوَاصِيَ الْخَيْلِ قَالَ فَوَاَللّهِ لَقَدْ أَجْمَعْنَا الْكَرّةَ عَلَيْهِمْ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيّتَهُمْ قَالَ فَإِنّي أَنْهَاك عَنْ ذَلِكَ قَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْتُ عَلَى أَنْ قُلْتُ فِيهِمْ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ قَالَ وَمَا قُلْت ؟ قَالَ قُلْت : [ ص 103 ]
كَادَتْ تُهَدّ مِنْ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي ... إذْ سَالَتْ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ
تَرْدِى بِأُسْدٍ كَرَامٍ لَا تَنَابِلَةٍ ... عِنْدَ اللّقَاءِ وَلَا مِيلٍ مَعَازِيلِ
فَظَلْتُ عَدْوًا أَظُنّ الْأَرْضَ مَائِلَةً ... لَمّا سَمَوْا بِرَئِيسٍ غَيْرِ مَخْذُولِ
فَقُلْت : وَيْلَ ابْنِ حَرْبٍ مِنْ لِقَائِكُمْ ... إذَا تَغَطمطت الْبَطْحَاءُ بِالْجِيلِ
إنّي نَذِيرٌ لِأَهْلِ الْبَسْلِ ضَاحِيَةً ... لِكُلّ ذِي إرْبَةٍ مِنْهُمْ وَمَعْقُولِ
مِنْ جَيْشِ أَحْمَدَ لَا وَخَشٍ تَنَابِلَةٍ ... وَلَيْسَ يُوصَفُ مَا أَنْذَرْتُ بِالْقِيلِ
فَثَنَى ذَلِكَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ .

[ رِسَالَةُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى الرّسُولِ عَلَى لِسَانِ رَكْبٍ ]
وَمَرّ بِهِ رَكْبٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ ، فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُونَ ؟ قَالُوا : نُرِيدُ الْمَدِينَةَ ؟ قَالَ وَلِمَ ؟ قَالُوا : نُرِيدُ الْمِيرَةَ قَالَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُبَلّغُونَ عَنّي مُحَمّدًا رِسَالَةً أُرْسِلُكُمْ بِهَا إلَيْهِ وَأُحَمّلُ لَكُمْ هَذِهِ غَدًا زَبِيبًا بِعُكَاظٍ إذَا وَافَيْتُمُوهَا ؟ قَالُوا نَعَمْ ؟ قَالَ فَإِذَا وَافَيْتُمُوهُ فَأَخْبِرُوهُ أَنّا قَدْ أَجْمَعْنَا السّيْرَ إلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيّتَهُمْ فَمَرّ الرّكْبُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ فَأَخْبَرُوهُ بِاَلّذِي قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .

[ كَفّ صَفْوَانَ لِأَبِي سُفْيَانَ عَنْ مُعَاوَدَةِ الْكَرّةِ ]
[ ص 104 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْب ٍ لَمّا انْصَرَفَ يَوْمَ أُحُدٍ ، أَرَادَ الرّجُوعَ إلَى الْمَدِينَةِ ، لِيَسْتَأْصِلَ بَقِيّةَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُمْ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ : لَا تَفْعَلُوا ، فَإِنّ الْقَوْمَ قَدْ حَرِبُوا ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ قِتَالٌ غَيْرُ الّذِي كَانَ فَارْجِعُوا ، فَرَجَعُوا . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ حِينَ بَلَغَهُ أَنّهُمْ هَمّوا بِالرّجْعَةِ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سُوّمَتْ لَهُمْ حِجَارَةٌ لَوْ صُبّحُوا بِهَا لَكَانُوا كَأَمْسِ الذّاهِبِ

[ مَقْتَلُ أَبِي عَزّةَ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ]
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي جِهَةِ ذَلِكَ قَبْلَ رُجُوعِهِ إلَى الْمَدِينَةِ ، مُعَاوِيَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، وَهُوَ جَدّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ، أَبُو أُمّهِ عَائِشَةَ بِنْتِ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا عَزّة الْجُمَحِيّ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَسَرَهُ بِبَدْرِ ثُمّ مَنّ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَقِلْنِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَللّهِ لَا تَمْسَحْ عَارِضَيْك بِمَكّةَ بَعْدَهَا وَتَقُول : خَدَعْت مُحَمّدًا مَرّتَيْنِ اضْرِبْ عُنُقَهُ يَا زُبَيْرُ . فَضَرَبَ عُنُقَهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَلَغَنِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَنّهُ قَالَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ الْمُؤْمِنَ لَا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرّتَيْنِ اضْرِبْ عُنُقَهُ يَا عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ فَضَرَبَ عُنُقَهُ .

[ مَقْتَلُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ [ ص 105 ] إنّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَمّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَتَلَا مُعَاوِيَةَ بْنَ الْمُغِيرَة ِ بَعْدَ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ، كَانَ لَجَأَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ فَاسْتَأْمَنَ لَهُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمّنَهُ عَلَى أَنّهُ إنْ وُجِدَ بَعْدَ ثَلَاثٍ قُتِلَ فَأَقَامَ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَتَوَارَى فَبَعَثَهُمَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ إنّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِمَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا ، فَوَجَدَاهُ فَقَتَلَاهُ

[ شَأْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ بَعْدَ ذَلِكَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ ، كَمَا حَدّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، لَهُ مَقَامٌ يَقُومُهُ كُلّ جُمُعَةٍ لَا يُنْكَرُ شَرَفًا لَهُ فِي نَفْسِهِ وَفِي قَوْمِهِ وَكَانَ فِيهِمْ شَرِيفًا ، إذَا جَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَخْطُبُ النّاسَ قَامَ فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ أَكْرَمَكُمْ اللّهُ وَأَعَزّكُمْ بِهِ فَانْصُرُوهُ وَعَزّرُوهُ وَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا ، ثُمّ يَجْلِسُ حَتّى إذَا صَنَعَ يَوْمَ أُحُدٍ مَا صَنَعَ وَرَجَعَ بِالنّاسِ قَامَ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ فَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بِثِيَابِهِ مِنْ نَوَاحِيهِ وَقَالُوا : اجْلِسْ أَيْ عَدُوّ اللّهِ لَسْت لِذَلِكَ بِأَهْلِ ، وَقَدْ صَنَعْتَ مَا صَنَعْتَ فَخَرَجَ يَتَخَطّى رِقَابَ النّاسِ وَهُوَ يَقُولُ وَاَللّهِ لَكَأَنّمَا قُلْت بَجْرًا أَنْ قُمْت أُشَدّدُ أَمْرَهُ . فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَا لَك ؟ وَيْلَك قَالَ قُمْتُ أُشَدّدُ أَمْرَهُ فَوَثَبَ عَلَيّ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَجْذِبُونَنِي وَيُعَنّفُونَنِي ، لَكَأَنّمَا قُلْت بَجْرًا أَنْ قُمْت أُشَدّدُ أَمْرَهُ . قَالَ وَيْلَك ارْجِعْ يَسْتَغْفِرْ لَك رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ وَاَللّهِ مَا أَبْتَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي

[ كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ مِحْنَةٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ بَلَاءٍ وَمُصِيبَةٍ وَتَمْحِيصٍ اخْتَبَرَ اللّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَحَنَ بِهِ الْمُنَافِقِينَ مِمّنْ كَانَ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ بِلِسَانِهِ وَهُوَ مُسْتَخْفٍ بِالْكُفْرِ فِي قَلْبِهِ وَيَوْمًا أَكْرَمَ اللّهُ فِيهِ مَنْ أَرَادَ كَرَامَتَهُ بِالشّهَادَةِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ .

ذِكْرُ مَا أَنْزَلَ اللّهُ فِي أُحُدٍ مِنْ الْقُرْآنِ
[ ص 106 ] قَالَ حَدّثَنَا أَبُو مُحَمّدِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ . قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ فَكَانَ مِمّا أَنْزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ مِنْ الْقُرْآنِ سِتّونَ آيَةً مِنْ آلِ عِمْرَانَ ، فِيهَا صِفَةُ مَا كَانَ فِي يَوْمِهِمْ ذَلِكَ وَمُعَاتَبَةُ مَنْ عَاتَبَ مِنْهُمْ يَقُولُ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تُبَوّئُ الْمُؤْمِنِينَ تَتّخِذُ لَهُمْ مَقَاعِدَ وَمَنَازِلَ . قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ
لَيْتَنِي كُنْتُ قَبْلَهُ ... قَدْ تَبَوّأْتُ مَضْجَعَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . أَيْ سَمِيعٌ بِمَا تَقُولُونَ عَلِيمٌ بِمَا تُخْفُونَ .

{ إِذْ هَمّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا } أَنْ تَتَخَاذَلَا ، وَالطّائِفَتَانِ بَنُو سَلَمَةَ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَبَنُو حَارِثَةَ بْنِ النّبِيت مِنْ الْأَوْسِ ، وَهُمَا الْجَنَاحَانِ يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : { وَاللّهُ وَلِيّهُمَا } أَيْ الْمُدَافِعُ عَنْهُمَا مَا هَمّتَا بِهِ مِنْ فَشَلِهِمَا ، وَذَلِك أَنّهُ إنّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا عَنْ ضَعْفٍ وَوَهَنٍ أَصَابَهُمَا غَيْرَ شَكّ فِي دِينِهِمَا ، فَتَوَلّى دَفْعَ ذَلِكَ عَنْهُمَا بِرَحْمَتِهِ وَعَائِدَتِهِ حَتّى سَلِمَتَا مِنْ وُهُونِهِمَا وَضَعْفِهِمَا ، وَلَحِقَتَا بِنَبِيّهِمَا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ الْأَسْدِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ قَالَتْ الطّائِفَتَانِ مَا نُحِبّ أَنّا لَمْ نَهُمّ بِمَا هَمَمْنَا بِهِ ، لَتَوَلّى اللّهُ إيّانَا فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : { وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ } أَيْ مَنْ كَانَ بِهِ ضَعْفٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَلْيَتَوَكّلْ عَلَيّ وَلْيَسْتَعِنْ بِي ، أُعِنْهُ عَلَى أَمْرِهِ وَأُدَافِعْ عَنْهُ حَتّى أَبْلُغَ بِهِ وَأَدْفَعَ عَنْهُ وَأُقَوّيَهُ عَلَى نِيّتِهِ . { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلّةٌ فَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ ص 107 ] شُكْرُ نِعْمَتِي . { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ } وَأَنْتُمْ أَقَلّ عَدَدًا وَأَضْعَفُ قُوّةً { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوّمِينَ } أَيْ إنْ تَصْبِرُوا لِعَدُوّي ، وَتُطِيعُوا أَمْرِي ، وَيَأْتُوكُمْ مِنْ وَجْهِهِمْ هَذَا ، أُمِدّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُسَوّمِينَ .

[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مُسَوّمِينَ مُعْلَمِينَ . بَلَغَنَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ أَنّهُ قَالَ أَعْلَمُوا عَلَى أَذْنَابِ خَيْلِهِمْ وَنَوَاصِيهَا بِصُوفِ أَبْيَضَ فَأَمّا ابْنُ إسْحَاقَ فَقَالَ كَانَتْ سِيمَاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ عَمَائِمَ بِيضًا . وَقَدْ ذَكَرْت ذَلِكَ فِي حَدِيثِ بَدْرٍ . وَالسّيمَا : الْعَلَامَةُ . وَفِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السّجُودِ } : أَيْ عَلَامَتُهُمْ . وَ { حِجَارَةً مِنْ سِجّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوّمَةً } يَقُول : مُعْلَمَةً . بَلَغَنَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ أَنّهُ قَالَ عَلَيْهَا عَلَامَةٌ أَنّهَا لَيْسَتْ مِنْ حِجَارَةِ الدّنْيَا ، وَأَنّهَا مِنْ حِجَارَةِ الْعَذَابِ . قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ :
فَالْآنَ تُبْلَى بِي الْجِيَادُ السّهَمُ ... وَلَا تُجَارِينِي إذَا مَا سَوّمُوا
وَشَخَصَتْ أَبْصَارُهُمْ وَأَجْذَمُوا أَجْذَمُوا " بِالذّالِ الْمُعْجَمَةِ " : أَيْ أَسْرَعُوا ، وَأَجْدَمُوا " بِالدّالِ الْمُهْمَلَةِ " : أَقْطَعُوا ) . وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ . وَالْمُسَوّمَةُ ( أَيْضًا ) : الْمَرْعِيّةُ . وَفِي كِتَابِ اللّهِ تَعَالَى : { وَالْخَيْلِ الْمُسَوّمَةِ } و { شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } تَقُولُ الْعَرَبُ : سَوّمَ خَيْلَهُ وَإِبِلَهُ وَأَسَامَهَا : إذَا رَعَاهَا . قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ
رَاعِيًا كَانَ مُسْجِحًا فَفَقَدْنَاهُ ... وَفَقْدُ الْمُسِيمِ هُلْكُ السّوَامِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مُسْجِحًا : سَلِسُ السّيَاسَةِ مُحْسِنٌ ( إلَى الْغَنَمِ ) . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . [ ص 108 ] { وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النّصْرُ إِلّا مِنْ عِنْدِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } أَيْ مَا سَمّيْت لَكُمْ مَنْ سَمّيْتُ مِنْ جُنُودِ مَلَائِكَتِي إلّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنّ قُلُوبُكُمْ بِهِ لِمَا أَعْرِفُ مِنْ ضَعْفِكُمْ وَمَا النّصْرُ إلّا مِنْ عِنْدِي ، لِسُلْطَانِي وَقُدْرَتِي ، وَذَلِك أَنّ الْعِزّ وَالْحُكْمَ إلَيّ لَا إلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِي . ثُمّ قَالَ { لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ } أَيْ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِقَتْلٍ يَنْتَقِمُ بِهِ مِنْهُمْ أَوْ يَرُدّهُمْ خَائِبِينَ أَيْ وَيَرْجِعُ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ فَلّا خَائِبِينَ لَمْ يَنَالُوا شَيْئًا مِمّا كَانُوا يَأْمُلُونَ .

[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يَكْبِتُهُمْ يَغُمّهُمْ أَشَدّ الْغَمّ وَيَمْنَعُهُمْ مَا أَرَادُوا . قَالَ ذُو الرّمّةِ مَا أَنْسَ مِنْ شَجَنٍ لَا أَنْسَ مَوْقِفَنَا فِي حَيْرَةٍ بَيْنَ مَسْرُورٍ وَمَكْبُوتِ وَيَكْبِتُهُمْ ( أَيْضًا ) : يَصْرَعُهُمْ لِوُجُوهِهِمْ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَالَ لِمُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ } : أَيْ لَيْسَ لَك مِنْ الْحُكْمِ شَيْءٌ فِي عِبَادِي ، إلّا مَا أَمَرْتُك بِهِ فِيهِمْ أَوْ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ بِرَحْمَتِي ، فَإِنْ شِئْتُ فَعَلْت ، أَوْ أُعَذّبُهُمْ بِذُنُوبِهِمْ فَبِحَقّي فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ أَيْ قَدْ اسْتَوْجَبُوا ذَلِكَ بِمَعْصِيَتِهِمْ إيّايَ " وَاَللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ يَغْفِرُ الذّنْبَ وَيَرْحَمُ الْعِبَادَ عَلَى مَا فِيهِمْ .

[ النّهْيُ عَنْ الرّبَا ]
[ ص 109 ] قَالَ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً } ؛ أَيْ لَا تَأْكُلُوا فِي الْإِسْلَامِ إذْ هَدَاكُمْ اللّهُ بِهِ مَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ إذْ أَنْتُمْ عَلَى غَيْرِهِ مِمّا لَا يَحِلّ لَكُمْ فِي دِينِكُمْ { وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ } أَيْ فَأَطِيعُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَنْجُونَ مِمّا حَذّرَكُمْ اللّهُ مِنْ عَذَابِهِ تُدْرِكُونَ مَا رَغّبَكُمْ اللّهُ فِيهِ مِنْ ثَوَابِهِ { وَاتّقُوا النّارَ الّتِي أُعِدّتْ لِلْكَافِرِينَ } أَيْ الّتِي جُعِلَتْ دَارًا لِمِنْ كَفَرَ بِي .

[ الْحَضّ عَلَى الطّاعَةِ ]
ثُمّ قَالَ { وَأَطِيعُوا اللّهَ وَالرّسُولَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ } مُعَاتَبَةً لِلّذِينَ عَصَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَمَرَهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِي غَيْرِهِ . ثُمّ قَالَ { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبّكُمْ وَجَنّةٍ عَرْضُهَا السّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدّتْ لِلْمُتّقِينَ } أَيْ دَارًا لِمَنْ أَطَاعَنِي وَأَطَاعَ رَسُولِي . { الّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السّرّاءِ وَالضّرّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } أَيْ وَذَلِك هُوَ الْإِحْسَانُ وَأَنَا أُحِبّ مَنْ عَمِلَ بِهِ { وَالّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذّنُوبَ إِلّا اللّهُ وَلَمْ يُصِرّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أَيْ إنْ أَتَوْا فَاحِشَةً { أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ } بِمَعْصِيَةٍ ذَكَرُوا نَهْيَ اللّهِ عَنْهَا ، وَمَا حَرّمَ عَلَيْهِمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ لَهَا ، وَعَرَفُوا أَنّهُ لَا يَغْفِرُ الذّنُوبَ إلّا هُوَ . { وَلَمْ يُصِرّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } : أَيْ لَمْ يُقِيمُوا عَلَى مَعْصِيَتِي كَفِعْلِ مَنْ أَشْرَكَ بِي فِيمَا غَلَوْا بِهِ فِي كُفْرِهِمْ { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } مَا حَرّمْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِي . { أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبّهِمْ وَجَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } أَيْ ثَوَابُ الْمُطِيعِينَ .

ثُمّ اسْتَقْبَلَ ذِكْرَ الْمُصِيبَةِ الّتِي نَزَلَتْ بِهِمْ وَالْبَلَاءَ الّذِي أَصَابَهُمْ وَالتّمْحِيصَ لِمَا كَانَ فِيهِمْ وَاِتّخَاذَهُ الشّهَدَاءَ مِنْهُمْ فَقَالَ تَعْزِيَةً لَهُمْ وَتَعْرِيفًا لَهُمْ فِيمَا صَنَعُوا ، وَفِيمَا هُوَ صَانِعٌ بِهِمْ [ ص 110 ] { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبِينَ } أَيْ قَدْ مَضَتْ مِنّي وَقَائِعُ نِقْمَةٍ فِي أَهْلِ التّكْذِيبِ لِرُسُلِي وَالشّرْكِ بِي : عَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ ، فَرَأَوْا مَثُلَاتٍ قَدْ مَضَتْ مِنّي فِيهِمْ وَلِمَنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مِنّي ، فَإِنّي أَمْلَيْت لَهُمْ أَيْ لِئَلّا يَظُنّوا أَنّ نِقْمَتِي انْقَطَعَتْ عَنْ عَدُوّكُمْ وَعَدُوّي ، لِلدّوْلَةِ الّتِي أَدْلَتْهُمْ بِهَا عَلَيْكُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ بِذَلِكَ لِيُعَلّمَكُمْ مَا عِنْدَكُمْ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { هَذَا بَيَانٌ لِلنّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتّقِينَ } أَيْ هَذَا تَفْسِيرٌ لِلنّاسِ إنْ قَبِلُوا الْهُدَى وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ أَيْ نُورٌ وَأَدَبٌ " لِلْمُتّقِينَ " أَيْ لِمَنْ أَطَاعَنِي وَعَرَفَ أَمْرِي . { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا } أَيْ لَا تَضْعُفُوا وَلَا تَبْتَئِسُوا عَلَى مَا أَصَابَكُمْ { وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ } أَيْ لَكُمْ تَكُونُ الْعَاقِبَةُ وَالظّهُورُ { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } أَيْ إنْ كُنْتُمْ صَدّقْتُمْ نَبِيّي بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ عَنّي . { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ } أَيْ جِرَاحُ مِثْلُهَا ، { وَتِلْكَ الْأَيّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النّاسِ } أَيْ نُصَرّفُهَا بَيْنَ النّاسِ لِلْبَلَاءِ وَالتّمْحِيصِ { وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللّهُ لَا يُحِبّ الظّالِمِينَ } أَيْ لِيُمَيّزَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَلِيُكْرِمَ مَنْ أَكْرَمَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِالشّهَادَةِ { وَاللّهُ لَا يُحِبّ الظّالِمِينَ } أَيْ الْمُنَافِقِينَ الّذِينَ يُظْهِرُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ الطّاعَةَ وَقُلُوبُهُمْ مُصِرّةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ { وَلِيُمَحّصَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا } أَيْ يَخْتَبِرَ الّذِينَ آمَنُوا حَتّى يُخَلّصَهُمْ بِالْبَلَاءِ الّذِي نَزَلَ بِهِمْ وَكَيْفَ صَبْرُهُمْ وَيَقِينُهُمْ { وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ } أَيْ يُبْطِلَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ قَوْلَهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ حَتّى يَظْهَرَ مِنْهُمْ كُفْرُهُمْ الّذِي يَسْتَتِرُونَ بِهِ .

[ دَعْوَةُ الْجَنّةِ لِلْمُجَاهِدِينَ ]
ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ } أَيْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنّةَ فَتُصِيبُوا مِنْ ثَوَابِي الْكَرَامَةَ وَلَمْ أَخْتَبِرْكُمْ بِالشّدّةِ وَأَبْتَلِيَكُمْ بِالْمَكَارِهِ حَتّى أَعْلَمَ صِدْقَ [ ص 111 ] بِالْإِيمَانِ بِي ، وَالصّبْرَ عَلَى مَا أَصَابَكُمْ فِيّ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنّوْنَ الشّهَادَةَ عَلَى الّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقّ قَبْلَ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوّكُمْ يَعْنِي الّذِينَ اسْتَنْهَضُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى خُرُوجِهِ بِهِمْ إلَى عَدُوّهِمْ لِمَا فَاتَهُمْ مِنْ حُضُورِ الْيَوْمِ الّذِي كَانَ قَبْلَهُ بِبَدْرٍ وَرَغْبَةً فِي الشّهَادَةِ الّتِي فَاتَتْهُمْ بِهَا ، فَقَالَ { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ } يَقُولُ { فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } أَيْ الْمَوْتُ بِالسّيُوفِ فِي أَيْدِي الرّجَالِ قَدْ خُلّيَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ ثُمّ صَدّهُمْ عَنْكُمْ . { وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ } أَيْ لِقَوْلِ النّاسِ قُتِلَ مُحَمّدٌ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَانْهِزَامُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَانْصِرَافُهُمْ عَنْ عَدُوّهِمْ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ رَجَعْتُمْ عَنْ دِينِكُمْ كُفّارًا كَمَا كُنْتُمْ وَتَرَكْتُمْ جِهَادَ عَدُوّكُمْ وَكِتَابَ اللّهِ . وَمَا خَلّفَ نَبِيّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ دِينِهِ مَعَكُمْ وَعِنْدَكُمْ وَقَدْ بَيّنَ لَكُمْ فِيمَا جَاءَكُمْ بِهِ عَنّي أَنّهُ مَيّتٌ وَمُفَارِقُكُمْ { وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ } أَيْ يَرْجِعُ عَنْ دِينِهِ { فَلَنْ يَضُرّ اللّهَ شَيْئًا } أَيْ لَيْسَ يُنْقِصُ ذَلِكَ عِزّ اللّهِ تَعَالَى وَلَا مُلْكَهُ وَلَا سُلْطَانَهُ وَلَا قُدْرَتَهُ وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ أَيْ مَنْ أَطَاعَهُ وَعَمِلَ بِأَمْرِهِ .

[ ذِكْرُهُ أَنّ الْمَوْتَ بِإِذْنِ اللّه ]
ثُمّ قَالَ { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلّا بِإِذْنِ اللّهِ كِتَابًا مُؤَجّلًا } أَيْ أَنّ لِمُحَمّدِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَجَلًا هُوَ بَالِغُهُ فَإِذَا أَذِنَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ كَانَ . { وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشّاكِرِينَ } أَيْ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الدّنْيَا ، لَيْسَتْ لَهُ رَغْبَةٌ فِي الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا مَا قُسِمَ لَهُ مِنْ رِزْقٍ وَلَا يَعْدُوهُ فِيهَا ، وَلَيْسَ لَهُ [ ص 112 ] نُؤْتِهِ مِنْهَا مَا وُعِدَ بِهِ مَعَ مَا يُجْزَى عَلَيْهِ مِنْ رِزْقِهِ فِي دُنْيَاهُ وَذَلِك جَزَاءُ الشّاكِرِينَ أَيْ الْمُتّقِينَ .

[ ذِكْرُ شَجَاعَةِ الْمُجَاهِدِينَ مِنْ قَبْلُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ ]
ثُمّ قَالَ { وَكَأَيّنْ مِنْ نَبِيّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللّهُ يُحِبّ الصّابِرِينَ } أَيْ وَكَأَيّنْ مِنْ نَبِيّ أَصَابَهُ الْقَتْلُ وَمَعَهُ رِبّيّونَ كَثِيرٌ أَيْ جَمَاعَةٌ فَمَا وَهَنُوا لِفَقْدِ نَبِيّهِمْ وَمَا ضَعُفُوا عَنْ عَدُوّهِمْ وَمَا اسْتَكَانُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي الْجِهَادِ عَنْ اللّهِ تَعَالَى وَعَنْ دِينِهِمْ وَذَلِك الصّبْرُ وَاَللّهُ يُحِبّ الصّابِرِينَ { وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلّا أَنْ قَالُوا رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }
[ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاحِدُ الرّبّيّينَ رِبّيّ ؛ وَقَوْلُهُمْ الرّبَابُ ، لِوَلَدِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ أَدّ بْنِ طانجة بْنِ إلْيَاسَ وَلِضَبّةَ لِأَنّهُمْ تَجَمّعُوا وَتَحَالَفُوا ، مِنْ هَذَا ، يُرِيدُونَ الْجَمَاعَاتِ . وَوَاحِدَةُ الرّبَابِ : رِبّةٌ ( وَرِبَابَةٌ ) وَهِيَ جَمَاعَاتُ قِدَاحٍ أَوْ عِصِيّ وَنَحْوِهَا ، فَشَبّهُوهَا بِهَا . قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيّ :
وَكَأَنّهُنّ رِبَابَةٌ وَكَأَنّهُ ... يَسَرٌ يَفِيصُ عَلَى الْقِدَاحِ وَيَصْدَعُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ :
حَوْلَ شَيَاطِينِهِمْ أَبَابِيلُ رِبّيّونَ ... شَدّوا سَنَوّرًا مَدْسُورَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَالرّبَابَةُ ( أَيْضًا ) : الْخِرْقَةُ الّتِي تُلَفّ فِيهَا الْقِدَاحُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : والسّنَوّر : الدّرُوعُ . وَالدّسُرُ هِيَ الْمَسَامِيرُ الّتِي فِي الْحِلَقِ يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } قَالَ الشّاعِرُ وَهُوَ أَبُو الْأَخْزَرِ الْحِمّانِيّ ، مِنْ تَمِيمٍ [ ص 113 ] دَسْرًا بِأَطْرَافِ الْقَنَا الْمُقَوّمِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : أَيْ فَقُولُوا مِثْلَ مَا قَالُوا ، وَاعْلَمُوا أَنّمَا ذَلِكَ بِذُنُوبِ مِنْكُمْ وَاسْتَغْفِرُوهُ كَمَا اسْتَغْفَرُوهُ وَامْضُوا عَلَى دِينِكُمْ كَمَا مَضَوْا عَلَى دِينِهِمْ وَلَا تَرْتَدّوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ رَاجِعِينَ وَاسْأَلُوهُ كَمَا سَأَلُوهُ أَنْ يُثَبّتَ أَقْدَامَكُمْ وَاسْتَنْصِرُوهُ كَمَا اسْتَنْصَرُوهُ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَكُلّ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ كَانَ وَقَدْ قُتِلَ نَبِيّهُمْ فَلَمْ يَفْعَلُوا كَمَا فَعَلْتُمْ { فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدّنْيَا } بِالظّهُورِ عَلَى عَدُوّهِمْ { وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ } وَمَا وَعَدَ اللّهُ فِيهَا ، { وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ }

[ تَحْذِيرُهُ إيّاهُمْ مِنْ إطَاعَةِ الْكُفّارِ ]
{ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الّذِينَ كَفَرُوا يَرُدّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } أَيْ عَنْ عَدُوّكُمْ فَتَذْهَبُ دُنْيَاكُمْ وآخِرَتُكُمْ { بَلِ اللّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النّاصِرِينَ } فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِكُمْ صِدْقًا فِي قُلُوبِكُمْ فَاعْتَصِمُوا بِهِ وَلَا تَسْتَنْصِرُوا بِغَيْرِهِ وَلَا تَرْجِعُوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ مُرْتَدّينَ عَنْ دِينِهِ . { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُوا الرّعْبَ } أَيْ الّذِي بِهِ كُنْتُ أَنْصُرُكُمْ عَلَيْهِمْ بِمَا أَشْرَكُوا بِي مَا لَمْ أَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ حُجّةٍ أَيْ فَلَا تَظُنّوا أَنّ لَهُمْ عَاقِبَةَ نَصْرٍ وَلَا ظُهُورٍ عَلَيْكُمْ مَا اعْتَصَمْتُمْ بِي ، وَاتّبَعْتُمْ أَمْرِي ، لِلْمُصِيبَةِ الّتِي أَصَابَتْكُمْ مِنْهُمْ بِذُنُوبٍ قَدّمْتُمُوهَا لِأَنْفُسِكُمْ خَالَفْتُمْ بِهَا أَمْرِي لِلْمَعْصِيَةِ وَعَصَيْتُمْ بِهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } أَيْ وَقَدْ وَفّيْت لَكُمْ بِمَا وَعَدْتُكُمْ مِنْ النّصْرِ عَلَى عَدُوّكُمْ إذْ تُحِسّونَهُمْ بِالسّيُوفِ أَيْ الْقَتْلِ بِإِذْنِي وَتَسْلِيطِي أَيْدِيكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَفّى أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ . [ ص 114 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْحَسّ : الِاسْتِئْصَالُ يُقَالُ حَسَسْتُ الشّيْءَ أَيْ اسْتَأْصَلْته بِالسّيْفِ وَغَيْرِهِ . قَالَ جَرِيرٌ
تَحُسّهُمْ السّيُوفُ كَمَا تَسَامَى ... حَرِيقُ النّارِ فِي الْأَجَمِ الْحَصِيدِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ
إذَا شَكَوْنَا سَنَةً حَسُوسا ... تَأْكُلُ بَعْدَ الْأَخْضَرِ الْيَبِيسَا
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : { حَتّى إِذَا فَشِلْتُمْ } أَيْ تَخَاذَلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ أَيْ اخْتَلَفْتُمْ فِي أَمْرِي ، أَيْ تَرَكْتُمْ أَمْرَ نَبِيّكُمْ وَمَا عَهِدَ إلَيْكُمْ يَعْنِي الرّمَاةَ { وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبّونَ } أَيْ الْفَتْحُ لَا شَكّ فِيهِ وَهَزِيمَةُ الْقَوْمِ عَنْ نِسَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدّنْيَا } أَيْ الّذِينَ أَرَادُوا النّهْبَ فِي الدّنْيَا وَتَرْكَ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الطّاعَةِ الّتِي عَلَيْهَا ثَوَابُ الْآخِرَةِ { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ } أَيْ الّذِينَ جَاهَدُوا فِي اللّهِ وَلَمْ يُخَالِفُوا إلَى مَا نُهُوا عَنْهُ لِعَرَضٍ مِنْ الدّنْيَا ، رَغْبَةً فِيهَا ، رَجَاءَ مَا عِنْدِ اللّهِ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِهِ فِي الْآخِرَةِ أَيْ الّذِينَ جَاهَدُوا فِي الدّينِ وَلَمْ يُخَالِفُوا إلَى مَا نُهُوا عَنْهُ لِعَرَضِ مِنْ الدّنْيَا ، لِيَخْتَبِرَكُمْ وَذَلِك بِبَعْضِ ذُنُوبِكُمْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْ عَظِيمِ ذَلِكَ أَنْ لَا يُهْلِكَكُمْ بِمَا أَتَيْتُمْ مِنْ مَعْصِيَةِ نَبِيّكُمْ وَلَكِنّي عُدْت بِفَضْلِي عَلَيْكُمْ وَكَذَلِكَ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ عَاقَبَ بِبَعْضِ الذّنُوبِ فِي عَاجِلِ الدّنْيَا أَدَبًا وَمَوْعِظَةً فَإِنّهُ غَيْرُ مُسْتَأْصِلٍ لِكُلّ مَا فِيهِمْ مِنْ الْحَقّ لَهُ عَلَيْهِمْ بِمَا أَصَابُوا مِنْ مَعْصِيَتِهِ رَحْمَةً لَهُمْ وَعَائِدَةً عَلَيْهِمْ لِمَا فِيهِمْ مِنْ الْإِيمَانِ .

[ تَأْنِيبُهُ إيّاهُمْ لِفِرَارِهِمْ عَنْ نَبِيّهِمْ ]
ثُمّ أَنّبَهُمْ بِالْفِرَارِ عَنْ نَبِيّهِمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ يُدْعَوْنَ لَا يَعْطِفُونَ عَلَيْهِ لِدُعَائِهِ إيّاهُمْ فَقَالَ { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمّا بِغَمّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } أَيْ كَرْبًا بَعْدَ كَرْبٍ بِقَتْلِ مَنْ قُتِلَ مِنْ إخْوَانِكُمْ وَعُلُوّ [ ص 115 ] وَقَعَ فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ قُتِلَ نَبِيّكُمْ فَكَانَ ذَلِكَ مِمّا تَتَابَعَ عَلَيْكُمْ غَمّا بِغَمّ { لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ } مِنْ ظُهُورِكُمْ عَلَى عَدُوّكُمْ بَعْدَ أَنْ رَأَيْتُمُوهُ بِأَعْيُنِكُمْ { وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } مِنْ قَتْلِ إخْوَانِكُمْ حَتّى فَرّجْتُ ذَلِكَ الْكَرْبَ عَنْكُمْ وَاَللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ . وَكَانَ الّذِي فَرّجَ اللّهُ بِهِ عَنْهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الْكَرْبِ وَالْغَمّ الّذِي أَصَابَهُمْ أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ رَدّ عَنْهُمْ كِذْبَةَ الشّيْطَانِ بِقَتْلِ نَبِيّهِمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا رَأَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيّا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ هَانَ عَلَيْهِمْ مَا فَاتَهُمْ مِنْ الْقَوْمِ بَعْدَ الظّهُورِ عَلَيْهِمْ وَالْمُصِيبَةُ الّتِي أَصَابَتْهُمْ فِي إخْوَانِهِمْ حِينَ صَرَفَ اللّهُ الْقَتْلَ عَنْ نَبِيّهِمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . { ثُمّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنّ الْأَمْرَ كُلّهُ لِلّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ } فَأَنْزَلَ اللّهُ النّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ عَلَى أَهْلِ الْيَقِينِ بِهِ فَهُمْ نِيَامٌ لَا يَخَافُونَ وَأَهْلُ النّفَاقِ قَدْ أَهَمّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنّونَ بِاَللّهِ غَيْرَ الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيّةِ تَخَوّفَ الْقَتْلِ وَذَلِك أَنّهُمْ لَا يَرْجُونَ عَاقِبَةً فَذَكَرَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ تَلَاوُمَهُمْ وَحَسْرَتَهُمْ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ . ثُمّ قَالَ اللّهُ سُبْحَانَهُ لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَمْ تَحْضُرُوا هَذَا الْمَوْطِنَ الّذِي أَظْهَرَ اللّهُ فِيهِ مِنْكُمْ مَا أَظْهَرَ مِنْ سَرَائِرِكُمْ " لَبَرَزَ " لَأَخْرَجَ الّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إلَى مَضَاجِعِهِمْ إلَى مَوْطِنٍ غَيْرِهِ يُصْرَعُونَ فِيهِ حَتّى يُبْتَلَى بِهِ مَا فِي صُدُورِهِمْ { وَلِيُمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ } أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا فِي صُدُورِهِمْ مِمّا اسْتَخْفَوْا بِهِ مِنْكُمْ .

[ تَحْذِيرُهُمْ أَنْ يَكُونُوا مِمّنْ يَخْشَوْنَ الْمَوْتَ فِي اللّهِ ]
[ ص 116 ] قَالَ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أَيْ لَا تَكُونُوا كَالْمُنَافِقِينَ الّذِينَ يَنْهَوْنَ إخْوَانَهُمْ عَنْ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالضّرْبِ فِي الْأَرْضِ فِي طَاعَةِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَقُولُونَ إذَا مَاتُوا أَوْ قُتِلُوا : لَوْ أَطَاعُونَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا " { لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ } لِقِلّةِ الْيَقِينِ بِرَبّهِمْ { وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ } أَيْ يُعَجّلُ مَا يَشَاءُ وَيُؤَخّرُ مَا يَشَاءُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ آجَالِهِمْ بِقُدْرَتِهِ . قَالَ تَعَالَى : { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ } أَيْ إنّ الْمَوْتَ لَكَائِنٌ لَا بُدّ مِنْهُ فَمَوْتٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ قَتْلٌ خَيْرٌ لَوْ عَلِمُوا وَأَيْقَنُوا مِمّا يَجْمَعُونَ مِنْ الدّنْيَا الّتِي لَهَا يَتَأَخّرُونَ عَنْ الْجِهَادِ تَخَوّفَ الْمَوْتِ وَالْقَتْلِ لِمَا جَمَعُوا مِنْ زَهْرَةِ الدّنْيَا زَهَادَةً فِي الْآخِرَةِ وَلَئِنْ مُتّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ أَيّ ذَلِكَ كَانَ { لَإِلَى اللّهِ تُحْشَرُونَ } أَيْ أَنّ إلَى اللّهِ الْمَرْجِعَ فَلَا تَغُرّنّكُمْ الدّنْيَا ، وَلَا تَغْتَرّوا بِهَا ، وَلْيَكُنْ الْجِهَادُ وَمَا رَغّبَكُمْ اللّهُ فِيهِ مِنْ ثَوَابِهِ آثَرَ عِنْدَكُمْ مِنْهَا .

[ ذِكْرُهُ رَحْمَةَ الرّسُولِ عَلَيْهِمْ ]
ثُمّ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضّوا مِنْ حَوْلِكَ } أَيْ لَتَرَكُوك { فَاعْفُ عَنْهُمْ } أَيْ فَتَجَاوَزْ عَنْهُمْ { وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتَوَكّلِينَ } فَذَكَرَ لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِينَهُ لَهُمْ وَصَبْرَهُ عَلَيْهِمْ لِضَعْفِهِمْ وَقِلّةِ صَبْرِهِمْ عَلَى الْغِلْظَةِ لَوْ كَانَتْ مِنْهُ عَلَيْهِمْ فِي كُلّ مَا خَالَفُوا عَنْهُ مِمّا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ طَاعَةِ نَبِيّهِمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . ثُمّ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَاعْفُ عَنْهُمْ } أَيْ تَجَاوَزْ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ مَنْ قَارَفَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } أَيْ [ ص 117 ] كُنْت غَنِيّا عَنْهُمْ تَأَلّفًا لَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى دِينِهِمْ { فَإِذَا عَزَمْتَ } أَيْ عَلَى أَمْرٍ جَاءَك مِنّي وَأَمْرٍ مِنْ دِينِك فِي جِهَادِ عَدُوّك لَا يُصْلِحُك وَلَا يُصْلِحُهُمْ إلّا ذَلِكَ فَامْضِ عَلَى مَا أُمِرْتَ بِهِ عَلَى خِلَافِ مَنْ خَالَفَك ، وَمُوَافَقَةِ مَنْ وَافَقَك ، وَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ ، أَيْ ارْضَ بِهِ مِنْ الْعِبَادِ { إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتَوَكّلِينَ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ } أَيْ لِئَلّا تَتْرُكَ أَمْرِي لِلنّاسِ وَارْفُضْ أَمْرَ النّاسِ إلَى أَمْرِي ، { وَعَلَى اللّهِ } لَا عَلَى النّاسِ { فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ } 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

طبقات خليفة خليفة بن خياط أبو عمر شباب/الليثي العصفري/ت. الوفاة : 240 .

 طبقات خليفة  خليفة بن خياط أبو عمر شباب/الليثي العصفري/ت. الوفاة : 240 .  الطبقات قال حدثنا خليفة بن خياط شباب أبو عمرو الشيباني الذهلي...